--------------------------------
1 سورة النور، الآية: 47.
2 سورة المائدة، الآية: 2.
ص -79- أحدها: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؛ كالتوكل على الأموات والغائبين ونحوهم من الطواغيت في تحقيق المطالب من النصر والحفظ والرزق أو الشفاعة؛ فهذا شرك أكبر.
الثاني: التوكل في الأسباب الظاهرة؛ كمن يتوكل على سلطان أو أمير أو أي شخص حي قادر فيما أقدره الله من عطاء أو دفع أذى ونحو ذلك؛ فهذا شرك اصغر؛ لأنه اعتماد على الشخص.
الثالث: التوكل الذي هو إنابة الإنسان من يقوم بعمل عنه مما يقدر عليه؛ كبيع وشراء؛ فهذا جائز، ولكن ليس له أن يعتمد عليه في حصول ما وكله فيه، بل يتوكل على الله في تيسير أموره التي يطلبها بنفسه أو نائبه؛ أن توكيل الشخص في تحصيل الأمور الجائزة من جملة الأسباب، والأسباب لا يعتمد عليها، وإنما يعتمد على الله - سبحانه، الذي هو مسبب الأسباب وموحد السبب والمسبِّب.
والتوكل على الله في دفع المضار وتحصيل الأرزاق وما لا يقدر عليه إلا هو من أعظم أنواع العبادة، والتوكل على غيره في ذلك شرك أكبر؛ قال الله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}1، فأمر - سبحانه - بالتوكل عليه وحده؛ أن تقديم المعمول يفيد الحصر، وجعل التوكل عليه شرطا في الإيمان؛ كما جعله شرطا في الإسلام في قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}2، فدل على انتفاء الإيمان والإسلام عمن لم يتوكل على الله أو توكل على غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو من أصحاب القبور والأضرحة وسائر الأوثان.
فالتوكل على الله فريضة يجب إخلاصها لله، وهو أجمع أنواع العبادة، وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها؛ لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة؛
المفضلات