رودولـف كاسـتنر (1906-1957(
Rudolph Kastner
أحد زعماء الحركة الصهيونية في المجر. ترأس عدداً منالمنظمات الشبابية الصهيونية، ورأس تحرير مجلة أوج كيليت Uj Kelet (أي « الشرقالجديد »)، وكان نائب رئيس المنظمة الصهيونية في المجر، ثم أصبح مسئولاً عن « إنقاذ » المهاجرين اليهود من بولندا وتشيكوسلوفاكيا، فقد كان يشغل منصب رئيس لجنة الإغاثةفي بوادابست التابعة للوكالة اليهودية.
قام كاستنر بالاتصال بالمخابراتالمجرية والنازية (التي كان لها عملاء يعملون داخل المجر، حتى قبل احتلال القواتالألمانية لها)، ثم استمر في التعاون مع النازيين بعد احتلالهم للمجر. وتشير بعضالدراسات إلى أن أيخمان حضـر إلى المجـر ومعـه 150 موظفاً وحسـب، وكان يتبعه عدةآلاف من الجنود المجريين، هذا بينما كان يبلغ عدد يهود المجر ما يزيد عن 800 ألف،وهو ما يعني استحالة ترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال (السخرة والإبادة) إن قررواالمقاومة. ومع هذا نجح أيخمان في مهمته بفضل تعاون كاستنر معه، إذ يبدو أن كاستنرأقنع أعضاء الجماعة اليهودية في المجر بأن النازيين سيقومون بنقلهم إلى أماكن جديدةيستقرون فيها أو إلى معسكرات تدريب مهني لإعادة تأهيلهم وليس إلى معسكرات الاعتقال. ومقابل ذلك سمحت السلطات النازية (عام 1941) بإرسال 318 يهودياً ثم 1386 يهودياً منأحـد معسـكرات الاعتـقال إلى فلسـطين (« يهود من أفضل المواد البيولوجية » على حدقول أيخمان).
استقر كاستنر في فلسطين عام 1946، وانضم إلى قيادة المابايورُشِّح للكنيست الأول. وانتقلت معه مجلة أوج كيليت، وأصبح رئيساً لتحريرها، بل كانيُعَدُّ مسئولاً عن شئون يهود المجر (أو من تبقى منهم) في الحزب الحاكم.
ولكن في عام 1952 أرسل المواطن الإسرائيلي مايكل جرينوولد كتيباً لبعضالقيــادات الصهـيونية اتهم فيها كاسـتنر بالتعاون مع النازيين، وأنه قام بالدفاععن أحد ضباط الحرس الخامس (الإس. إس.) أثناء محاكمات نورمبرج الأمر الذي أدَّى إلىتبرئته وإطلاق سراحه. وقد قام الحزب الحاكم في إسرائيل بمحاولات مضنية لإنقاذكاستنر وتبرئته. كما بيَّن كاستنر أثناء محاكمته أنه لم يكن يسلك سلوكاً فردياًوإنما تَصرَّف بناءً على تفويض من الوكالة اليهودية (التي أصبحت الدولة الصهيونيةعام 1948). ولم يكن كاستنر مبالغاً في قوله فالمواطن الإسرائيلي جويل براند كان علىعلم ببعض خفايا القضية وبمدى تورط النخبة الحاكمة في عملية المقايضة الشيطانية التيتمت. وقد طُلب منه الإدلاء بشهادته، ولكنه آثر ألا يفعل وبدلاً من ذلك كتب كتاباًبعنوان الشيطان والروح يقول فيه « إن لديه حقائق تبعث على الرعب وتدمغ رؤوس الدولةاليهودية (الذين كانوا رؤساء الوكالة اليهودية)». وأضاف قائلاً «إنه لو نشر مثل هذهالحقائق لسالت الدماء في تل أبيب».
وقد قضت المحكمة الإسرائيلية بأن معظمما جاء في كتيب جرينوولد يتطابق مع الواقع. وبعد إشكالات قضائية كثيرة، حُسمتالمسألة (لحسن حظ الحزب الحاكم) حينما أطلق « أحدهم » الرصاص على كاستنر وهو يسيرفي الشارع. وقد تمت الجريمة رغم ورود تحذيرات لسلطات الأمن الإسرائيلية عن وجودمؤامرة لاغتيال كاستنر، بل كانت السلطات تعرف موعـد تنـفيذ المؤامـرة. وقد سـجلموشـيه شاريت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هذه الكلمات في مذكراته: "كاستنر. كابوسمرعب. حزب الماباي يختنق. بوجروم.". ويشير براند في كتابه إلى أن "رجال السياسةالذين يتسمون بالحذر، كانوا لا يعرفون ماذا سيفعلون مع هذا الرجل بعد محاكمته"،وكانوا يفكرون في "إسكاته".
العـرب والمسـلمون والإبادة النازيةليهــود أوربا
Arabs, Moslems, and the Nazi Extermination of European Jewry
لعل من الضروري أن نتناول إشكالية تخصنا وحدنا كعرب وكمسلمين ومسيحيين وهيموقفنا من الإبادة النازية لليهود. أما موقفنا من الإبادة النازية كمسلمينوكمسيحيين فهو واضح تماماً لا لبس فيه. فالقيم الأخلاقية الدينية (الإسلاميةوالمسيحية واليهودية) لا تسـمح بقتل النفـس التي حرَّم الله إلا بالحق. وقد جـاء فيالذكر الحـكيم: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناسجميعاً". (المائدة ـ 32).
ويحاول الغرب إقحام الجريمة النازية داخل التاريخالعربي حتى يُبرِّر غرس الدولة الصهيونية الاستيطانية في وسط الوطن العربي، تعويضاًلليهود عما لحق بهم من أذى داخل التشكيل الحضاري الغربي وداخل حدود أورباالجغرافية. وتحاول الدعاية الصهيونية، بممالأة الغرب، أن تنجز ذلك من خلال آليتينأساسيتين:
1 ـ تحاول الدعاية الصهيونية جاهدة أن تصوِّر المقاومة العربيةللغزو الصهيوني لفلسطين وكأنها دعم مباشر أو غير مباشر للإبادة النازية، لأنها حالتفي بعض الأحيان دون دخول المهاجرين اليهود لفلسطين. ومثل هذه الحجة لا أساس لها منالصحة. فالمقاومة العربية لم تكن ضد مهاجرين يبحثون عن المأوى وإنما كانت ضدمستوطنين جاءوا لاغتصاب الأرض وطرد أصحابها، تحت رعاية العالم الغربي، وبدعم منحكومة الانتداب البريطانية (ومن النازيين أنفسهم)، وفي الوقت الذي كانت الدولالغربية توصد أبوابها دون المهاجرين اليهود. ومهما فعل الصهاينة (يؤيدهم في هذاالعالم الغربي دون تحفُّظ) يظل حق المقاومة حقاً إنسانياً مشروعاً بل اجباً على كلإنسان يحترم إنسانيته، ويظل رفض الإنسان للظلم تعبيراً عن نبله وعظمته، بلإنسانيته.
2 ـ تحاول الدعاية الصهيونية أن تبين أن بعض الساسة العرب أظهرواتعاطفاً مع النظام النازي. وهذه أكذوبة أخرى. فمعظم الحكومات العربية وقفت معالحلفاء (فالعالم العربي على أية حال كان يقع في دائرة الاستعمار الغربي). كما أنالنظرية النازية العرْقية كانت تضع العرب والمسلمين في مصاف اليهود، ولذا فأي تحالفمزعوم كان تحالفاً مؤقتاً لا يختلف عن حلف ستالين/هتلر. وهؤلاء الساسة (وبعضالقطاعات الشعبية) ممن أظهروا التعاطف مع النازيين فعلوا ذلك لا كُرهاً في اليهودأو حباً في النازيين، وإنما تعبيراً عن عدائهم للاسـعمار الإنجليزي والاستيطانالصهيوني. وهو، على أية حال، تعاطف يُعبِّر عن سذاجة وعن عدم مقدرة على القراءةالجيدة للأحداث، وعن عدم إلمام بطبيعة الغزوة النازية ومدى تَجذُّرها في المشروعالحضاري والإمبريالي الغربي ومدى رفضها العنصري للمسلمين والعرب. ولم يُترجم هذاالتعاطف العام نفسه إلى اشتراك فعلي في الجريمة النازية، التي تحتفظ بخصوصيتهاكظاهرة حضارية غربية.
ولكن كل هذه المحاولات الدعائية الإعلامية الغربيةالصهيونية لا تغيِّر شيئاً من الحقائق التاريخية أو الجغرافية أو الأخلاقية،الدينية والإنسانية. فالإبادة النازية لا تُشـكِّل جزءاً من التاريخ العربي أوتواريخ المسلمين، ولم يلوث العرب والمسلمون أيديهم بدماء ضحايا النازية من يهود أوسلاف أو غجر. وهذه المحاولات تُبيِّن في نهاية الأمر اتساق الغرب مع نفسه، الذييُكفر عن جريمة إبادية ارتكبها في ألمانيا بأخـرى لا تقل عنها بشـاعة في وطنـناالعربي.
ومن المعروف أنه حينما حدث احتكاك مباشر بين المسلمين والعرب منجهة والإبادة النازية من جهة أخرى فإن موقف المسلمين والعرب كان يتسم بالإنسانية. فعلى سبيل المثال قامت الأقلية المسلمة في بلغاريا بدور كبير في حماية أعضاءالجماعات اليهودية من الإبادة، كما أن الملك محمد الخامس عاهل المغرب رفض تسليمرعاياه اليهود إلى حكومة فيشي الفرنسية الممالئة للنازي.
وأثناء كتابة هذهالموسوعة لاحظت تكرار كلمة «مسلم» في مقال عن التدرج الاجتماعي في معسكر أوشفيتس،وقال مرجع آخر إن الضحايا الذين كانوا يُقادون لأفران الغاز كانوا يسمونهم تسمية «غريبة». وقد تبيَّن بعد قراءة عدة مراجع وموسوعات إلى أنهم كانوا يسمون في واقعالأمر «ميزلمان Muselmann» أي «مسلم» بالألمانية، وقـد ورد ما يلي في مـدخل مسـتقلفي الموسوعة اليهودية Enyclopedia Judaica (جزء 12 ص 537 ـ 538) عنـوانه «مسـلم»:
«ميزلمان» أي مسلم بالألمانية، هي إحدى المفردات الدارجة في معسكرات (الاعتقال) والتي كانت تُستخدَم للإشارة للمساجين الذين كانوا على حافة الموت، أيالذين بدأت تظهر عليهم الأعراض النهائية للجوع والمرض وعدم الاكتراث العقلي والوهنالجسدي. وكان هذا المصطلح يُسـتخدَم أسـاساً في أوشفيتس ولكنه كان يُستخدَم فيالمعسكرات الأخرى».
هذه هي المعلومة، فكأن العقل الغربي حينما كان يدمرضحاياه كان يرى فيهم الآخر، والآخر منذ حروب الفرنجة هو المسلم. ومن المعروف فيتاريخ العصور الوسطى أن العقل الغربي كان يربط بين المسلمين واليهود، وهناك لوحاتلتعذيب المسيح تصور الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يقوم بضرب المسيح بالسياط.
إن التجربة النازية هي الوريث الحقيقي لهذا الإدراك الغربي، والنازيون همحملة عبء هذه الرؤية، وهم مُمثِّلو الحضارة الغربية في مجابهتها مع أقرب الحضاراتالشرقية، أي الحضارة الإسلامية. وهم لم ينسوا قط هذا العبء حتى وهم يبيدون بعضاً منسكان أوربا. وهم في هذا لا يختلفون كثيراً عن الغزاة الأسبان للعالم الجديد الذينكانوا يبيدون سكانه الأصليين وكانوا يسمونهم «الترك» أي «المسلمين». كل ما في الأمرأن نطاق الحقل الدلالي لكلمة «مسلم» تم توسيعه لتشير "للآخر" على وجه العموم، سواءأكان من الغجر أم السلاف أم اليهود (وهذا لا يختلف كثيراً عن توسيع نطاق الحقلالدلالي لكلمة "عربي" في الخطاب الصهيوني لتصبح "الأغيار"). وقد حاول كاتب مدخل «مسلم» في الموسوعة اليهودية أن يفسر أصل استخدام الكلمة، فهو يدَّعي أن الضحاياسُموا «مسلمين» استناداً إلى طريقة مشيهم وحركتهم: "إنهم كانوا يجلسون القرفصاء وقدثُنيت أرجلهم بطريقة «شرقية» ويرتسم على وجوههم جمود يشبه الأقنعة". والكاتب فيمحاولة التفسير هذه لم يتخل قط عن عنصريته الغربية أو الصور النمطية الإدراكية، كلما في الأمر حاول أن يحل كلمة «شرقيين» العامة محل كلمة «مسلمين» المحددة.
مســـــــلم
Muselmann
انظر: «العرب والمسلمون والإبادةالنازية ليهود أوربا».
المفضلات