المرحلة الرابعة هي التقوى
:(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ يونس) فمن هم؟
:(الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿63﴾ يونس) الإيمان غير التقوى
:(وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴿103﴾ البقرة)،
لاحظ الاثنين انتقل من مسلم قولي إلى إيمان عام إلى إيمان خاص إلى تقوى (وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا) :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿278﴾ البقرة).
قلنا أن الإيمان الخاص هو المتبع للسنة يعني هذا الذي دخل الإسلام في قلبه ويحاول أن يطبقه تطبيقاً كاملاً في النوافل وكل شيء، يترقى يصبح متقياً، : (الم ﴿1﴾ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ البقرة) من حيث أن هذا الكتاب كما قال الله تعالى في كتابه :(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴿28﴾ فاطر) فهناك فرق بين أن يقرأ شيئاً وبين أن يتعلم فيه فالذي يبحث في علومه هذا من المتقين وبالتالي فهذا يقود من أجل ذلك دائماً في القرآن الكريم، لنرى ماذا يقول؟
مثلاً
(الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)
(وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿57﴾ يوسف)
(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿18﴾ فصلت)
وهكذا كل القرآن المتقي جاء بعد الإيمان الخاص لانه بدأ يأخذ من منهل عظيم من كتاب الله عز وجل أي صار من أهل العلم والفهم في هذا الكتاب وأنتم تعرفون أن العلم والفهم في هذا الدين أفضل من أي عبادة أخرى :(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴿18﴾ آل عمران): (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
حينئذٍ بعد هذا، بعد المتقين الذين هم شريحة من المؤمنين إيمان خاص يأتي الإسلام الأخير الإسلام الذي هو الإسلام المطلق العملي صفة الخلق المجتبون الأخيار هؤلاء طبعاً تفاصيلهم موجودة.
لكن باختصار ما رأيك لو أن رجلاً يحب امرأة دخل فيها في عشق كقيس وليلى بالله عليكم لو أن ليلى طلبت من قيس أن يقتل نفسه هل يتردد؟ أن يلقي بنفسه من علو شاهق يتردد؟ هل يمكن لقيس أن يعتب على ليلى؟ هل يمكن لقيس أن يرى عيباً في ليلى؟ فالإسلام النهائي يكون فيه العبد هكذا فعندما يقول عروة رضي الله عنه وعروة طبعاً ابتلي ابتلاءً قال له (وعزتك وجلالك لو قطعتني إرباً إرباً إرباً ما شكوت منك) من شدة إسلامه وتسليمه لله، الآخر قال (وعزتك وجلالك لو وضعتني في النار ما شكوت منك) هذا التسليم المطلق، هذا الرضا العالي وفعلاً هذا فقط يتوفر في مجموعة ومنهم الأنبياء كلهم طبعاً ولهذا كل الأنبياء استسلموا لهذا ، وهنا عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) فكيف سيكون هو؟ طبعاً إبراهيم قال أنا من المسلمين وداود قال وسليمان قال وسيدنا موسى وكلهم عليهم السلام مسلمون وهذا لا يعني أنهم أصبحوا على دين محمد لا بل يعني أنه وصل إلى هذه المرحلة التي لا يعتب على الله جل وعلا ... ليس فقط لا يعترض بل يتلذذ بكل بلاء الله له وفعلاً كانوا يتلذذون بالبلاء أكثر مما يتلذذون بالنعمة لشدة عشقهم لله
:(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴿100﴾ التوبة)
وهناك الصحابة أيضاً وليس فقط الأنبياء، سيدنا أبو بكر الصديق قال( رضيت عن ربي فهل ربي راضٍ عني؟) هذا الرضا المطلق، هذا هو الإسلام النهائي الذي يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) هذه اللام لام التعليل يعني أنا (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ)
ثم انظر ماذا قال؟
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴿11﴾ الزمر) الان مخلص، أما موضوع الإخلاص فهذا موضوع كبير (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴿11﴾ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴿12﴾ الزمر) طبعاً كما قلنا كل هذا الكلام يحتمل خمسين رأياً والمفسرون لم يتركوا شيء إلا وذكروه لكن ما هو الفرق؟
من أسلوبهم كأنهم يخرجون عن الرأي الآخر ويطردون الرأي الآخر وهذا خطأ فكلهم صحيح لكن الإمام الرازي أعجبني في هذا الباب سنذكر لاحقا ما قال في الاية (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ) وهنا لابد من التذكير طبعاً هذا الخطاب كله لمحمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ)
أما الإخلاص يا أخوان فماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم عنه ؟
عندما ذهب معاذ رضي الله عنه إلى اليمن قال يا رسول الله أوصني فقال له:( أخلص لله يكفك العمل القليل).
الإخلاص هذا أعجوبة ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له ولا تقولوا هذا لله وهذا للرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء)، و
عن أبي أمامة جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟) شخص ذهب للغزو صحيح لله ولكن يحب الناس يمدحوه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له) معنى ذلك هذا هو الإخلاص الذي هو العملة النادرة. . حينئذٍ الله قال له (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) فالله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً.
عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتُغيَ به وجه الله) عن عبادة بن الصامت قال (يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال ميزوا ما كان منها لله عز وجل فيماز ويرمى سائره في النار)
يتبع...
المفضلات