4845 - ( يا سلمان ! كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم ، فماتت فيه ؛ فهو حلال أكله وشربه ووضوؤه ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 10/ 407 :
$ضعيف جداً$
أخرجه ابن عدي (ق 182/ 2) ، والدارقطني (ص 14) من طريق بقية بن الوليد عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي عن بشر بن منصور عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً وفيه علل :
الأولى : ابن جدعان ؛ فإنه ضعيف ؛ لسوء حفظه .
الثانية : سعيد بن أبي سعيد الزبيدي . وبه أعله مخرجه ابن عدي ؛ فقال :
"عامة أحاديثه ليست بمحفوظة" . وقال الذهبي :
"لا يعرف ، وأحاديثه ساقطة" . ثم ساق له هذا الحديث .
الثالثة : بقية بن الوليد . وبه أعله مخرجه الدارقطني ؛ فقال عقبه :
"تفرد به بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ؛ وهو ضعيف" .
قلت : وذلك لكثرة تدليسه .
فإن قيل : قد صرح بالتحديث في رواية للدارقطني ؟
قلت : هي من رواية أحمد بن أبي الأخيل الحمصي : حدثني أبي : أخبرنا بقية : حدثني سعيد بن أبي سعيد ...
فأبو الأخيل هذا : اسمه خالد بن عمرو السلفي ؛ قال الحافظ :
"ضعيف ، وكذبه جعفر الفريابي" .
واعلم أن الدافع على تخريج هذا الحديث والكشف عن علله : أنني رأيت الشيخ علي القاري قد مال إلى تقوية الحديث بأسباب واهية ، ومدافعات باطلة ، فلا بد من سوق كلامه ، ثم الكشف عن الخلل الذي فيه ، فقال في "فتح باب العناية" (1/ 116) :
"رواه الدارقطني وقال : لم يرفعه إلا بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ، وهو ضعيف . انتهى . وأعله ابن عدي بجهالة سعيد . ودفعا بأن بقية هذا : هو أبو الوليد روى عنه الأئمة ... وروى له الجماعة إلا البخاري . وأما سعيد بن أبي سعد هذا ؛ فذكره الخطيب قال : واسم أبيه عبدالجبار ، وكان ثقة ، فانتفت الجهالة ، والحديث - مع هذا - لا ينزل عن الحسن" !
كذا قال ! والرد عليه من وجوه :
الأول : أن بقية لم يحتج به مسلم ، وإنما روى له في الشواهد ؛ كما قال المنذري في آخر "الترغيب والترهيب" . ونحوه قول الخزرجي :
"متابعة" .
الثاني : أن رواية الأئمة عن راو ما ؛ لا يعتبر توثيقاً له ؛ إلا إذا سلم من قادح ، والأمر هنا ليس كذلك ؛ فقد قال الذهبي :
"قال غير واحد من الأئمة : بقية ثقة إذا روى عن الثقات . وقال النسائي وغيره : إذا قال : "نبأ" و "أنا" فهو ثقة . وقال غير واحد : كان مدلساً" .
قلت : والشيخ القاري على علم بهذا كله ، وأن علة بقية التدليس ، فكان حقه أن لا يسود أسطراً في ذكر من روى عن بقية من الأئمة ؛ موهماً أنه ثقة طعن فيه بغير حق ، وأن يتوجه إلى الجواب عن عنعنته بمثل ذلك السؤال الذي ذكرته مع الجواب عنه ، على نحو ما فعله هو في حديث ابن عمر :
"من ضحك في الصلاة قهقهة ؛ فليعد الوضوء والصلاة" . فقال (ص 76-77) :
"وأما الطعن فيه بأن بقية مدلس ؛ فكأنه سمعه من بعض الضعفاء وحذف اسمه ؛ فمدفوع بأنه صرح فيه بالتحديث ، والمدلس الصدوق إذا صرح بالتحديث تزول تهمة التدليس ، وبقية من هذا القبيل" !
قلت : وهذا الدفع مدفوع ومردود ؛ لأن تصريحه في حديث ابن عمر بالتحديث مما لا يطمئن القلب إليه ؛ ذلك لأنه من رواية ابنه عطية بن بقية عن أبيه : حدثنا ... وعطية كانت فيه غفلة ، كما قال ابن أبي حاتم (3/ 1/ 381) . وقال ابن حبان :
"يخطىء ويغرب ، يعتبر حديثه إذا روى عن أبيه غير الأشياء المدلسة" .
قلت : ومن كان فيه غفلة ومن عادته أن "يخطىء ويغرب" ؛ فلا شك أنه لا يحتج به ، فلا يثبت تصريح بقية بالتحديث بمثل روايته ، وإنما يستشهد بها ، فإن جاء له شاهد قويت ؛ وإلا فلا ؛ ولا شاهد هنا . فجزم القاري بأن بقية صرح فيه بالتحديث فيه غفلة عن حال عطية بن بقية ! فتنبه .
الثالث : قوله : "وأما سعيد بن أبي سعد فذكره الخطيب قال : واسم أبيه عبدالجبار ؛ وكان ثقة" !
فهو وهم فاحش منه عفا الله عنا وعنه ؛ فإن هذا التوثيق لم يذكره أحد في ترجمة سعيد بن عبدالجبار الزبيدي ، وإنما ذكروه في ترجمة سعيد بن عبدالجبار ابن يزيد القرشي ؛ وهو ثقة من رجال مسلم ؛ ففي ترجمته من "التهذيب" جاء قوله :
"وقال أبو بكر الخطيب : كان ثقة" . وهذه الترجمة قبل ترجمة سعيد بن عبدالجبار الزبيدي . فكأن القاري انتقل بصره من هذه إلى تلك ، فوقع في هذا الخطأ .
على أن سعيد بن عبدالجبار الزبيدي : هو غير سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ؛ قال الحافظ :
"فرق بينهما ابن عدي ، فقال في الثاني : حديثه غير محفوظ ، وليس هو بالكثير . وقال أبو أحمد الحاكم : يرمى بالكذب" . وقال ابن عدي في الأول :
"وعامة حديثه مما لا يتابع عليه" .
قلت : وعلى هذا التفريق ؛ جرى الذهبي في "الميزان" .
فلو صح عن الخطيب أنه وثق سعيد بن عبدالجبار الزبيدي ؛ فليس هو راوي هذا الحديث . والله أعلم .
(/1)
4846 - ( كان يمتشط بمشط من عاج ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 10/ 411 :
$منكر$
أخرجه البيهقي (1/ 26) عن بقية بن الوليد عن عمرو بن خالد عن قتادة عن أنس مرفوعاً . وقال :
"قال عثمان (يعني : ابن سعيد الدارمي) : هذا منكر" . قال البيهقي :
"رواية بقية عن شيوخه المجهولين ضعيفة" .
قلت : يشير إلى أن عمرو بن خالد هذا مجهول .
وأنا أظن أنه عمرو بن خالد القرشي أبو خالد الكوفي نزيل واسط ؛ وهو مشهور بالكذب والوضع .
والحديث ؛ أورده القاري في "فتح باب العناية" (1/ 127) مستدلاً به على طهارة عظام السباع ، مكتفياً بعزوه للبيهقي ؛ ساكتاً عن بيان علته القادحة ! وتبعه على ذلك محققه أبو غدة في المكان المشار إليه منه ، وفي (1/ 130) !!
(/1)
4847 - ( إنما حرم رسول الله صلي الله عليه وسلم من الميتة لحمها ، وأما الجلد والشعر والصوف ؛ فلا بأس به ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 10/ 411 :
$ضعيف$
أخرجه الدارقطني (ص 18) ، وعنه البيهقي (1/ 24-25) عن الوليد ابن مسلم عن أخيه عبدالجبار بن مسلم عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس قال ... فذكره . وقال الدارقطني :
"عبدالجبار ضعيف" . وأقره البيهقي ، ثم ابن التركماني بسكوته عليه ؛ وعدم تعقبه للبيهقي كما هي عادته كلما وجد سبيلاً إليه !
وأما القاري ؛ فإنه قال في "فتحه" (1/ 130) :
"فإن قيل : عبدالجبار ضعفه الدارقطني ؟ فالجواب : أن ابن حبان وثقه ، فلا ينزل حديثه عن الحسن" !
قلت : وهذا مردود ؛ لأن توثيق ابن حبان غير موثوق به في مثل هذا ؛ فإنه يوثق المجهولين الذين لم يرو عنهم إلا الواحد أو الاثنان ، وفيهم من يقول هو نفسه في "الثقات" :
"لا أعرفه" ! وتارة يزيد فيقول :
"ولا أعرف أباه" ! كما هو مشروح في غير هذا المكان .
وعبدالجبار هذا من أولئك المجهولين الذين لم يرو عنهم إلا الواحد ؛ فقد قال الحافظ في "اللسان" :
"لم يرو عنه غير الوليد" . ولذلك قال الذهبي فيه :
"لا أعرفه" ! مع أنه حكى تضعيف الدارقطني إياه .
وقد خالفه أبو بكر الهذلي ، فرواه عن الزهري به موقوفاً على ابن عباس .
أخرجه الدارقطني ، والبيهقي . وقالا :
"أبو بكر الهذلي ضعيف" .
(/1)
4848 - ( لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ، ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 10/ 413 :
$ضعيف بهذا التمام$
أخرجه الدارقطني (ص 18) ، وعنه البيهقي (1/ 24) من طريق يوسف بن السفر : أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ابن عبدالرحمن قال : سمعت أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وسلم تقول : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ... فذكره . وقالا :
"يوسف بن السفر متروك ، ولم يأت به غيره" .
قلت : وهو متهم بالكذب ، حتى الحاكم - مع تساهله - قال فيه :
"روى عن النقاش أحاديث موضوعة" . وقال البيهقي :
"هو في عداد من يضع الحديث" .
قلت : وهذا أمر معروف عند المشتغلين بهذا العلم الشريف .
ومع ذلك ؛ فإن الشيخ القاري في "فتحه" (1/ 130) تجاهل عن ذلك كله ، بل قال - عقبه ؛ وقبله الحديثان السابقان - :
"فهذه عدة أحاديث - ولو كانت ضعيفة - حسن المتن ، فكيف ولها شاهد في "الصحيحين" ؟!" !
وقلده في ذلك كله المعلق عليه أبو غدة ، بل أيده بقوله تعليقاً على آخر كلامه بقوله :
"تقدم ذكره في (ص 123) من حديث ابن عباس" !!
وحديث ابن عباس هناك ؛ لفظه :
تصدق على مولاة لميمونة بشاة ، فماتت ، فمر بها رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال :
"هلا أخذتم إهابها فدبغتموه - زاد مسلم : - فانتفعتم به ؟!" . فقالوا : إنها ميتة ! قال :
"إنما حرم أكلها" .
قلت : فهذا لا يصلح شاهداً إلا للشطر الأول من الحديث .
وأما الشطر الآخر ؛ فليس فيه ما يشهد له مطلقاً ، بل لو قال قائل : إن فيه ما يشهد عليه لما أبعد ؛ لأنه لم يقل : فانتفعتم بصوفها وشعرها وقرونها ؟!
فتأمل ما يفعل التقليد والتعصب المذهبي بأهله ؛ من الإبعاد عن الحق والعدل ، والإيهام بخلاف الواقع ؛ وإلا فبالله عليك قل لي : من الذي يفهم من قولهم :
"فكيف ولها شاهد في "الصحيحين" ؟" أنه يعني أنه شاهد للشطر الأول من هذا الحديث الثالث وبعض الحديث الذي قبله ؟!
وأما الحديث الأول ؛ فهو في الامتشاط فقط !
(/1)
4849 - ( يا عمار ! إنما يغسل الثوب من خمس : من الغائط ، والبول ، والقيء ، والدم ، والمني .
يا عمار ! ما نخامتك ، ودموع عينيك ، والماء الذي في ركوتك إلا سواء ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 10/ 414 :
$ضعيف جداً$
أخرجه البزار (1/ 131/ 248) ، والدارقطني في "سننه" (ص 47) ، وكذا أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 309) من طريق أبي إسحاق الضرير إبراهيم بن زكريا : أخبرنا ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عمار بن ياسر قال :
أتى علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا على بئر ؛ أدلو ماءً في ركوة لي ، فقال :
"يا عمار ! ما تصنع ؟" . قلت : يا رسول الله ! بأبي وأمي ؛ أغسل ثوبي من نخامة أصابته . فقال ... فذكره . وقال الدارقطني :
"لم يروه غير ثابت بن حماد ، وهو ضعيف جداً . وإبراهيم وثابت ضعيفان" !
قلت : إبراهيم بن زكريا بريء الذمة منه ؛ لأنه قد توبع ، فقال أبو يعلى في "مسنده" (2/ 454) ، والعقيلي في "الضعفاء" (1/ 176) - والسياق للأول - : حدثنا محمد بن أبي بكر : أخبرنا ثابت بن حماد أبو زيد ... به .
وكذلك الطبراني في "الأوسط" (ج1 ق 11/ 1 - زوائد المعجمين) ، وعنه ابن منده في "المعرفة" (2/ 74/ 2) ، وابن عدي في "الكامل" (47/ 1) ، وغيرهم . وقال هو والطبراني :
"لا يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد ، تفرد به ثابت" .
ولذلك قال البيهقي في "السنن" (1/ 14) - بعد أن ذكره معلقاً - :
"فهذا باطل لا أصل له ، وإنما رواه ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن عمار . وعلي بن زيد غير محتج به ، وثابت بن حماد متهم به" .
وأقره ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (4/ 1) . وقال عبدالحق الإشبيلي في "الأحكام" (ق 27/ 1) .
"ثابت بن حماد ؛ أحاديثه مناكير ومقلوبات" .
وكذلك أقر البيهقي على حكمه السابق : الحافظ السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (ص 99) ؛ وزاد :
"وقال العقيلي : هذا الحديث غير محفوظ ، وثابت مجهول . وفي "اللسان" : نقل أبو الخطاب الحنبلي عن اللالكائي : أن أهل النقل اتفقوا على ترك ثابت بن حماد . وقال ابن تيمية - فيما نقله عنه ابن عبدالهادي في "التنقيح" - : هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة" .
قلت : وقول ابن تيمية المذكور ليس في نسخة "التنقيح" المطبوعة ! والله أعلم .
وفي معناه قول ابن تيمية في "رسالة الصيام" (ص 42 - الطبعة الثانية - بتحقيقي) :
"ليس من كلام النبي صلي الله عليه وسلم ، وليس في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها ، ولا رواه أحد من أهل العلم الحديث بإسناد يحتج به" .
وأما تعقب الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 211) قول الأئمة المتقدمين بتفرد ثابت بن حماد بقوله :
"قلت : وجدت له متابعاً عند الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد به سنداً ومتناً . وبقية الإسناد : حدثنا الحسين ابن إسحاق التستري : حدثنا علي بن بحر : حدثنا إبراهيم بن زكريا العجلي : حدثنا حماد ابن سلمة به" !
قلت : فقد تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله في "التلخيص" (1/ 33) :
"لكن إبراهيم ضعيف ، وقد غلط فيه ؛ إنما يرويه ثابت بن حماد" .
قلت : ولذلك قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 73) :
"ولا يغتر برواية البزار والطبراني له من طريق إبراهيم بن زكريا العجلي عن حماد بن سلمة ؛ فإبراهيم ضعيف ..." إلخ كلام الحافظ المذكور .
قلت : ومن الواضح أن إبراهيم هذا وهم في اسم ثابت بن حماد ، فانقلب عليه فقال : "حماد بن سلمة" ! وذلك مما يدل على ضعفه وقلة ضبطه . لكنه قد رواه على الصواب في رواية الدارقطني وأبي نعيم المتقدمة ، فهي المعتمدة .
وإذا عرفت هذا التحقيق ، وإجماع أهل الاختصاص في هذا العلم الشريف ؛ يتبين لك تعصب الشيخ علي القاري ومجانفته في البحث العلمي في كتابه "فتح باب العناية" (1/ 242) في قوله عقب هذا الحديث :
"وفي سنده ضعيف ، وهو ثابت بن حماد ، لكن له متابع عند الطبراني ، رواه في "الكبير" من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد سنداً ومتناً ، فبطل جزم البيهقي ببطلان الحديث بسبب أنه لم يروه عن علي بن زيد سوى ثابت . ودفع قوله في علي هذا - أنه غير محتج به - بأن مسلماً روى له مقروناً بغيره . وقال العجلي : لا بأس به ، وروى له الحاكم في "المستدرك" ، وقال الترمذي : صدوق" !!
وتفصيل الرد عليه من وجوه :
الأول : قوله : "وفي سنده ضعيف ، وهو ثابت بن حماد" !
قلت : بل هو ضعيف جداً ، كما قال الإمام الدارقطني . ونحوه قول البيهقي :
"وهو متهم به" . واتفاق أهل النقل على تركه .
فالاقتصار على تضعيفه فقط ؛ مخالفة صريحة لهم بدون حجة .
الثاني : قوله : "تابعه حماد بن سلمة" !
قلت : هذه متابعة باطلة لا أصل لها ؛ لأنها وهم من إبراهيم بن زكريا العجلي ، خالف فيه الثقات ، لا سيما وقد وافقهم في رواية الدارقطني وأبي نعيم عنه كما تقدم فقال : ثابت بن حماد ؛ فعاد الحديث إلى أنه تفرد به هذا المتروك !
(/1)
الثالث : قوله : "فبطل جزم البيهقي ببطلان الحديث ..." !
قلت : فقوله هذا هو الباطل ؛ لأنه بناه على ما دفعه به من المتابعة المزعومة ، وما بني على باطل فهو الباطل ؛ لا سيما وليس البيهقي منفرداً بجزمه المذكور ؛ كما عرفت مما سبق من البيان .
الرابع : قوله : "ودفع قوله في علي هذا .. بأن مسلماً روى له مقروناً ..." !
قلت : وهذا مدفوع لسببين :
أولاً : أنه لا يجوز للباحث المنصف أن يأخذ من ترجمة الراوي الأقوال التي تعدله - لهوى في نفسه - ، ويعرض عن الأقوال الأخرى التي تجرحه ، ولا العكس أيضاً ، وإنما ينبغي أن يلخص من مجموع تلك الأقوال كلها ما يمكن أن يأخذ من مجموعها على ما يساعد عليه علم مصطلح الحديث مما هو مفصل فيه ، وهذا مما لم يفعله الشيخ القاري مع الأسف ؛ فإن علياً هذا قد جرحه جماهير الأئمة جرحاً مفسراً ؛ بأنه ضعيف لا يحتج به لسوء حفظه ؛ كالإمام أحمد وابن معين وغيرهم ممن ذكرهم الحافظ في "التهذيب" . فالإعراض عن أقوالهم إلى أقوال معدليه - الذين زعمهم القاري - مخالف لعلم المصطلح الذي يقول : (الجرح المفسر مقدم على التعديل) ، لا سيما إذا كان الجارحون من مثل الإمام أحمد وابن معين وغيرهما . ولذلك نجد الحافظ لخص ترجمة علي هذا في "التقريب" بقوله :
"ضعيف" .
ثانياً : أن الأقوال التي ذكرها القاري لا تنهض على دفع قول البيهقي : "غير محتج به" ؛ لأنها لا تعني أنه يحتج به . وإليك البيان :
1- أما قرن مسلم إياه بغيره ؛ فهو على القاري وليس له ؛ لأنه لو كان حجة عنده لم يقرنه بغيره ؛ كما هو ظاهر .
2- وأما قول العجلي : "لا بأس به" ؛ فهذا أحد قوليه فيه . وقال مرة :
"يكتب حديثه وليس بالقوي" .
فهذا موافق لقول الذين ضعفوه من الجمهور ، فالأخذ به أولى من الأخذ بقوله الأول المخالف لهم ؛ كما لا يخفى على أولي النهى .
3- وأما رواية الحاكم له في "المستدرك" ! فكان على الشيخ القاري أن يستحي من الاستدلال به ؛ لما عرف من تساهله في المتون والرواة ، وكم من حديث أخرجه من طريق بعض الضعفاء مصححاً ، ورده الذهبي عليه ! ومن هؤلاء ابن جدعان هذا ، فراجع لذلك فهرس الرواة من كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (المجلد الأول) إن شئت .
4- وأما قوله : "وقال الترمذي : صدوق" !
فهذا نقل مبتور ؛ فإن تمام كلام الترمذي - كما في "التهذيب" - :
"... إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره" .
قلت : فأنت إذا نظرت إلى هذا الاستثناء مع المستثنى منه ؛ كانت النتيجة على خلاف ما يستفاد من المستثني من بداهة ، وهي أن الرجل صدوق سيىء الحفظ ، فالترمذي حينئذ - بقوله هذا - أقرب إلى أن يصنف في جملة الجمهور المضعف له ؛ من أن يصنف في زمرة المعدلين .
وهب أنه من المعدلين ؛ فهو من المعروفين بالتساهل في التعديل والتصحيح ، حنى صحح لـ (كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف) ؛ فقال الذهبي معترضاً عليه :
"فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي" .
وجملة القول ؛ أن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به لو أن ثابت بن حماد توبع عليه ؛ فكيف وقد تفرد به ؟! ولذلك لم يسع ابن التركماني الحنفي - على تعصبه أيضاً - إلا التسليم بضعفه ، ولم يتكلف تكلف القاري في محاولة تقويته ؛ مع التحامل على البيهقي . والله المستعان .
وبعد كتابة ما تقدم ؛ رأيت الهيثمي قد أورد الحديث في "مجمع الزوائد" (1/ 283) من رواية الطبراني في "الأوسط" و "الكبير" ، وأبي يعلى . ثم قال :
"وله عند البزار قال : رآني رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا على بئر ..." فذكره نحوه . وقال :
"ومدار طرقه عند الجميع على ثابت بن حماد ، وهو ضعيف جداً" .
قلت : فكأنه لم يعتد بطريق البزار والطبراني في "الكبير" التي وقع فيها اسم ثابت بن حماد مقلوباً إلى حماد بن سلمة ؛ لبطلانها على ما سبق تحقيقه ؛ فلم يتعرض لها بذكر مطلقاً ، فأصاب رحمه الله تعالى .
(تنبيه) : وقع توثيق ثابت بن حماد في إسناد البزار ، فظن بعضهم أنه من البزار ، وليس كذلك ! فقال : حدثنا يوسف بن موسى : حدثنا إبراهيم بن زكريا : حدثنا ثابت بن حماد - وكان ثقة - عن علي بن زيد .. إلخ .
فقال الشيخ الأعظمي رحمه الله - متعقباً قول الهيثمي المذكور في ثابت بن حماد : "وهو ضعيف جداً" - ؛ قال الشيخ :
"وأنت ترى أن البزار وثقه" !
وأقول : ليس الأمر كما قال ؛ بل الظاهر أن التوثيق من قول إبراهيم بن زكريا ، وهو وإن كان وثقه ابن حبان (8/ 70) ؛ فقد ضعفه العقيلي بقوله - وذكر أنه (العجلي البصري) - :
"صاحب مناكير وأغاليط" .
وقد فرق بينه وبين (إبراهيم بن زكريا الواسطي) ؛ وقال فيه :
"مجهول" .
وكذلك فرق بينهما آخرون ؛ منهم ابن حبان ، فأورد الواسطي هذا في "ضعفائه" . وقال الحافظ في "اللسان" :
"وهو الصواب" .
وإذا عرفت أن التوثيق المذكور هو من ذاك الضعيف - إبراهيم بن زكريا العجلي - ؛ فلا غرابة بعد ذلك أن لا يلتفت أحد إلى هذا التوثيق ، ولا يذكروه في ترجمته .
(/2)
4850 - ( لا بأس ببول ما أكل لحمه ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 10/ 421 :
$ضعيف جداً$
روي من حديث البراء بن عازب ، وجابر بن عبدالله ، وعلي ابن أبي طالب .
1- أما حديث البراء ؛ فيرويه سوار بن مصعب عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم عنه .
أخرجه الدارقطني في "سننه" (ص 47) ، وابن حزم في "المحلى" (1/ 181) . وقال :
"هذا خبر باطل موضوع ؛ لأن سوار بن مصعب متروك عند جميع أهل النقل ، متفق على ترك الرواية عنه ، يروي الموضوعات" . وقال الدارقطني :
"وسوار متروك ، وقد اختلف عنه ، فقيل عنه : ما أكل لحمه فلا بأس بسؤره" .
ثم ساقه هو ، والبيهقي (1/ 252) من طريق أخرى عن سوار به . وقال البيهقي :
"وسوار بن مصعب متروك" .
وقد خالفه في إسناده من هو مثله أو شر منه ؛ فرواه عن جابر وهو :
2- أما حديث جابر ؛ فيرويه عمرو بن الحصين : أخبرنا يحيى بن العلاء عن مطرف عن محارب بن دثار عنه مرفوعاً بلفظ :
"ما أكل لحمه ؛ فلا بأس ببوله" .
أخرجه الدارقطني ، وتمام في "الفوائد" (164/ 1-2) ، وابن الديباجي في "الفوائد" (2/ 82/ 2) . وقال الدارقطني :
"لا يثبت ؛ عمرو بن الحصين ويحيى بن العلاء ضعيفان" .
وعلقه البيهقي عنهما . وقال :
"وهما ضعيفان ، ولا يصح شيء من ذلك" .
قلت : بل هما متروكان متهمان بالوضع .
وقال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (5/ 2) :
"وإسناده ضعيف ؛ عمرو بن الحصين - وهو العقيلي - واه بإجماعهم . ويحيى ابن العلاء أحاديثه موضوعة . وقاله ابن عدي . وقال أحمد : كذاب يضع الحديث" .
3- وأما حديث علي ؛ فيرويه إسحاق بن محمد بن أبان النخعي : حدثني محمد بن موسى بن عبدالرحمن النخعي عن أبيه قال :
كنت على باب المهدي ومحمد بن زيد بن علي ، فقال محمد بن زيد : حدثني أبي عن أبيه عن جده عنه مرفوعاً ؛ بلفظ :
"لا بأس ببول الحمار ؛ وكل ما أكل لحمه" .
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 288) ، ومن طريقه أورده السيوطي في "اللآلىء المصنوعة" (2/ 2) . وقال :
"موضوع ، والمتهم به إسحاق . وموسى وابنه مجهولان" .
وكذا قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/ 66) .
قلت : وإسحاق هذا ؛ قال الذهبي :
"كذاب مارق من الغلاة .. كان خبيث المذهب يقول : إن علياً هو الله ... ولم يذكره في "الضعفاء" أئمة الجرح في كتبهم ، وأحسنوا ؛ فإن هذا زنديق ...." .
(تنبيه) : استدل بحديثي الترجمة - عن البراء وجابر - الشيخ علي القاري في "الفتح" (1/ 253-254) لمذهب الإمام محمد بن الحسن في طهارة بول ما يؤكل لحمه ، وعزاهما لأحمد والدارقطني ! فأساء بذلك مرتين :
الأولى : عزوه لأحمد ، وهو خطأ محض ؛ فليس هو في "مسنده" ؛ لا عن البراء ولا عن جابر . ولو كان فيه لأورده الهيثمي في "المجمع" ؛ فإنه من اختصاصه ! ومن المعلوم في اصطلاح القوم : أن العزو لأحمد مطلقاً إنما يراد به "مسنده" .
والأخرى : سكوته عليهما ؛ فأوهم ثبوت حديثهما ، ولو بدعوى أن أحدهما يقوي الآخر ، كما هي عادته !
ومن ذلك تعلم أن الشيخ أبا غدة حين علق عليهما بقوله :
"وقد ضعف الدارقطني كلاً من الحديثين" !
فإنه لم يصنع شيئاً ؛ لأن ذلك يبقي الطريق مفتوحاً لمتعصب ما أن يقول : فأحدهما يقوي الآخر ! فكان عليه أن يسد الطريق عليه بأن يبين أن ضعفهما شديد جداً ، فلا يقوي أحدهما الآخر . ولكن أنى له ذلك ، وليس من شأنه التحقيق في هذا العلم الشريف ، وإنما هو حطاب جماع كغيره من المقلدين !! ولذلك تراه يمر على كثير من الأحاديث المنكرة - في تعليقه على هذا الكتاب وغيره - دون أن ينبه على نكارتها وضعفها ؛ ولعلك تذكر بعض الأمثلة القريبة على ذلك !!
(/1)
المفضلات