الطبقة العاملة اليهودية أو البروليتاريااليهودية
Jewish Working Class or Proletariat
مصطلح «الطبقة العاملةاليهودية» أو «البروليتاريا اليهودية» مصطلح يشبه مصطلحات أخرى مثل «الرأسماليةاليهودية» أو «البورجوازية اليهودية». ويتمثَّل وجه الشبه في افتراض أن ثمةاستقلالاً يهودياً، وأن اليهود يشكلون طبقات خاصة مستقلة عن طبقات المجتمع. ونحننفضل استخدام مصطلحات مثل: «العمال من أعضاء الجماعات اليهودية» أو «العمالالأمريكيون اليهود» وذلك باعتبار أن اليهود يشكلون جزءاً من كل، ويخضعون إلى حدٍّكبير لحركيات هذا الكل وآلياته وقوانينه.
العمـال من أعضــاءالجماعـات اليهوديـة
Jewish Members of the Working Class
يستخدم كثير منالدارسين مصطلحات مثل «البروليتاريا اليهودية» و«الطبقة العاملة اليهودية». وتشيركلمة «البروليتاريا» في اللغات الأوربية إلى طبقة من السكان لا تملك شيئاً بما فيذلك وسائل الإنتاج التي تستخدمها، وتكسب رزقها من عمل يدها، وتُستخدَم هذه الكلمةمرادفة لكلمة «طبقة عاملة». والبروليتاري هو العامل (مقابل الرأسمالي الذي يمتلكوسائل الإنتاج والفلاح الذي يعمل في الزراعة). ويشكل مفهوم البروليتاريا اليهوديةأو الطبقة العاملة اليهودية إشكالية أساسية في الأدبيات التي تتناول وضع الجماعاتاليهودية في أوربا. وقد عبَّر عن هذه القضية المفكر الصهيوني بوروخوف في فكرة الهرمالإنتاجي المقلوب، والتي تتلخص في أن اليهود يتركزون في المهن والحرف ويندُر وجودهمفي صفوف الفلاحين والعمال على عكس معظم الشعوب الأخرى. وهو بطبيعة الحال مفهومقيمته التفسيرية والتصنيفية ضعيفة إلى أقصى حد. فاليهود ليسوا شعباً، وإنما جماعاتيهودية تضطلع بدور الجماعات الوظيفية وتعيش بين مختلف الشعوب، وتتحدَّد طبيعةوظيفتها ووجودها في الهرم الإنتاجي بين المهنيين وبالقرب من أعضاء الطبقة الحاكمةباعتبارهم أداة في يدها لامتصاص فائض القيمة من المجتمع ولإنجاز أغراض أخرى. وقدتحوَّل بعض أعضاء هذه الجماعات إلى عمال انخرطوا في صفوف الطبقات العاملة المختلفة. ولكل هذا، فإننا نفضل استخدام مصطلحات مثل «العمال من أعضاء الجماعات اليهودية» أو «العمال الأمريكيون اليهود» أو أية صيغة أخرى تؤكد أن العمال من أعضاء الجماعاتاليهودية ليس لهم وجود يهودي مستقل وأنهم جزء من كل، وذلك لأن القيمة التفسيريةوالتصنيفية لمثل هذه المصطلحات أعلى بكثير من مصطلح «البروليتاريا اليهودية».
وقد انخرطت أعداد كبيرة من يهود اليديشية في شرق أوربا في صفوف الطبقةالعاملة ابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر، مع تزايُد معدلات تحديث اقتصادالإمبراطورية الروسية التي كانت تضم أكبر كتلة بشرية يهودية في العالم. كما انخرطتأعداد من أعضاء الجماعات اليهودية بنسبة أصغر في الطبقة العاملة في الإمبراطوريةالنمساوية.
أما في البلاد الأخرى، مثل الولايات المتحدة وإنجلترا وإلى حدٍّما فرنسا، فإن تاريخ العمال من أعضاء الجماعات اليهودية مرتبط بالهجرة من شرق أورباولا علاقة له بالحركيات الداخلية للمجتمع في أيٍّ من هذه البلاد.
وقد تركتالتحولات الاجتماعية الضخمة في روسيا والنمسا أثرها في أعضاء الجماعات اليهودية، إذفقد كثير من الحرفيين اليهود وظائفهم بظهور الصناعة الحديثة، وكذا التجار والمرابوناليهود الذين كانوا مرتبطين بالاقتصاد الزراعي. كما أن البورجوازيات الصاعدةوالدولة القومية المطلقة التي كانت تريد السيطرة على كل جوانب الإنتاج، حرَّمت علىاليهود العمل في بعض الوظائف التي كانوا يضطلعون بها كجماعة وظيفية، مثل صناعةالكحول والاتجار فيها. وأدَّى هذا الوضع إلى وجود عمالة يهودية ضخمة لا تمتلك وسائلالإنتاج وليس لديها رأس مال كاف الأمر الذي جعلها تنخرط في صفوف الطبقات العاملة،وكانت هذه العملية صعبة بعض الشيء في أوربا الشرقية بسبب الميراث الاقتصاديوالتقاليد السائدة. أما العناصر المهاجرة، وهي عناصر أكثر حركية في العادة، فلم تجدصعوبة شديدة في التحول إلى عمال بسبب عدم وجود عوائق نفسية أو حضارية أو قانونية،وإن كان الميراث الاقتصادي ووضعهم كمهاجرين قد وجههم نحو قطاعات معينة دون غيرها. ومن الأمور التي تستحق التسجيل أن الصناعات التي كان يملكها يهود داخل منطقةالاستيطان استفادت في بداية الأمر من العمالة اليهودية. أما في الولايات المتحدة،فقد نجح أصحاب مصانع النسيج من اليهود من أصل ألماني في أن يستفيدوا من العمالةاليهودية الوافدة واستغلوها استغلالاً كاملاً فيما يُسمَّى «ورش العَرَق». وقد بلغعدد العمال من أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا، قبل الحرب العالمية الثانية،مليوناً ونصف المليون من مجموع يهود العالم البالغ عددهم نحو ستة عشر مليوناً،منهم: 400 ألف في الولايات المتحدة، و300 ألف في الاتحاد السوفيتي، و300 ألف فيبولندا، و100 ألف في فلسطين، و400 ألف في البلاد الأخرى مثل إنجلترا وفرنساوألمانيا والمجر ورومانيا وبلدان أمريكا اللاتينية. ويُلاحَظ أن هذه الأرقام تشيرإلى العمال وحسب، ولا تشير إلى كل العاملين في الصناعة من موظفين إداريين.
وقد ترك الميراث الاقتصادي لليهود أثره في العمال من أعضاء الجماعاتاليهودية. فيُلاحَظ تركُّزهم في صناعات بعينها دون غيرها مثل صناعة الملابسوالخياطة. وهذا يعود في الواقع إلى اشتغال اليهود بالربا وأعمال الرهونات. وكان منأكثر أعمال الرهونات الملابس المستعملة التي كان اليهودي يُعيد ترقيعها وبيعها. كماأن عدم كفاءة العمال اليهود، بسبب انخراطهم المتأخر في سلك الطبقة العاملة، ساهم فيتوجيههم نحو صناعات بعينها دون غيرها. وتتسم الصناعات التي تركَّز فيها اليهود بصغرحجمها وقربها من المراحل النهائية للإنتاج مثل إنتاج السلع المُصنَّعة أو نصفالمُصنَّعة مقابل إنتاج وسائل الإنتاج، وهي صناعات لا تتطلب كفاءات عالية، بل تستندأحياناً إلى الصناعات المنزلية.
وتدل إحصاءات عام 1897 في روسيا على صدقهذا القول، إذ بلغ عدد العمال اليهود الذين تركزوا في النشاطات الصناعية الأساسيةأو الأولية، مثل سبك المعادن، نحو 7.7%. أما في صناعات المرحلة الوسطى أو المرحلةالثانية، مثل صناعات المعادن والنسيج والبناء، فقد بلغت نسبتهم 19,7%، وبلغت نسبةالعاملين في صناعات المرحلة النهائية أو صناعات المرحلة الثالثة، مثل الأطعمةوالمشروبات والتبغ والملابس، نحو 45,5%.
أما في جاليشيا، ففي المجموعةالأولى الأساسية نجد 9و5%، وفي المجموعة الوسيطة الثانية 14,5%، وفي المجموعةالنهائية الثالثة 47,7%. والنمط نفسه يوجد في بولندا، ففي إحصاء عام 1921 نجد أن 1,5% من العمال اليهود يُوجَد في المناجم، و3,4% في صناعة المعـادن، و0,8% فيصـناعات الآلات، و2,9% في الصـناعات الكيميائية، و2,9% في صناعة البناء، و5,9% فيصناعة الأخشاب، و13,7% في صناعة النسيج، و43,6% في صناعة الملابس، و12,5% في صناعةالأغذية. وقد وُزِّعت البقية على كل الفروع الأخرى. ومعنى ذلك أن العمال اليهوديوجدون أساساً في الصناعات الاستهلاكية. وربما كان الاستثناء الوحيد للقاعدة هوفلسطين، حيث كان العمــال من المسـتوطنين الصهــاينة يعملــون في الصـناعات كافة،وكان هذا جزءاً من المخطط الإحلالي الذي أخذ شكل اقتصاد صهيوني منفصل يكتفيبالعمالة اليهودية. كما يُلاحَظ أنه في الاتحاد السوفيتي، بعد عام 1928، بدأ يتواجدالعمال اليهود في جميع الصناعات بما في ذلك الصناعات الثقيلة. ولكن، مع هذا، ظلالنمط الأساسي الذي أشرنا إليه سائداً.
وحيث إن العمال من أعضاء الجماعاتاليهودية كانوا يتركزون في صناعات خفيفة، لذا نجد أن هذا انعكس على نفوذهم وثقلهمالذي ظل ضئيلاً، فمارسوا ضغطهم من خلال الاتحادات والأحزاب العمالية المختلفةالقائمة، أي أنهم لم يشكلوا حركة عمالية يهودية مستقلة. ومع هذا، ظهر حزب البوندالذي حاول تنظيم العمال اليهود من المتحدثين باليديشية. ويُلاحَظ أن حزب البوند لميكن يتحدث عن طبقة عاملة يهودية عالمية، وإنما كان يتحدث عن عمال يهود في شرق أوربالهم ظروفهم الثقافية (وربما الاقتصادية) الخاصة، وهو الرأي الذي رفضه البلاشفة. ومعاختفاء الثقافة اليديشية، اختفى تماماً أي أساس لوجود تنظيم عمالي يهودي (يديشي) مستقل. وعلى كلٍّ لم يَعُد هناك عمال يهود في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي،أي أن أحفاد العمال من أعضاء الجماعات اليهودية دخلوا الجامعات وانخرطوا في صفوفالمهنيين والطبقة الوسطى وحققوا حراكاً اجتماعياً ابتعد بهم عن إطار العمال والعملاليدوي.
المفضلات