هكذا هو الحال مع أهل الفرق الضالة ، أكثر ما يميزهم هو الشطط .
فالأشعري الضال حين يقرأ تعليقي بأنه يزعم بأن كل علماء السلف والخلف كانوا أشاعرة ، فهو يفهم من ذلك أنني أقصد أن كلهم كانوا سلفية ، أو (وهابية) كما نقل عن غيره كالبوق .
وحتى حينما عزم على نقل رد على كلامي استشهد بكلام شيخنا بن جبرين رحمه الله وهو يتكلم عن غلبة المذاهب الضالة في فترة القرن الرابع والخامس والسادس وبعض السابع .
فالضال المنحرف يستشهد بهذا الكلام وكأننا في القرن الثامن الآن .. ولم تأت قرون أخرى بعد ..
وياليته نقل كلام الشيخ بأمانة ، بل بتره بتراً ، فتعالوا لنقرأ بقية كلام الشيخ ..
يقول الشيخ الجبرين بعد الجزء الذي بتره الضال مباشرة :
ذكر شيخ الإسلام في أول الحموية، وابن أبي العز في شرح الطحاوية قصصاً لبعض أولئك الحيارى المتهوكين؛ منها قصة الرازي من علماء المتكلمين وهو أبو عبدالله، ويقال له: ابن الخطيب صاحب التفسير الكبير، وصاحب تأسيس التقديس الذي رد عليه شيخ الإسلام بكتابه (نقض التأسيس) ذكر أنه إما أنشأ أبياتاً، وإما استشهد بها، وهي التي يقول فيها:
نهاية إقدام العقول عقـــــال وأكثر سعي العالمين ضـــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبـــــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمـرنا سوى أن جمعنا فيه قيل و قالـوا
ثم يقول: (لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: اقرأ في الإثبات قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)(طه:5)، (إليه يصعد الكلم الطيب)(فاطر:10)، واقرأ في النقى (ليس كمثله شيء)، (ولا يحيطون به علماً)(طه:110). ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)اهـ.
فنحن نقول: ليته بقي على هذا، وليته كتب في هذا، ولكنه أضل بكثير من مؤلفاته مع سعة ما فتح عليه من العلوم.
ومنهم الجويني الذي يقال له: إمام الحرمين، له كتاب مطبوع مشهور في علم الكلام اسمه (الإرشاد) وله كتب غيره؛ ذكروا أنه لما حضره الموت تأسف على حياته، وقال: (لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم تدركني رحمة ربي فالويل لابن الجويني، وها أنا أموت على عقيدة عجائز نيسابور).
تمنى في آخر حياته أنه ما خاض في هذه العلوم أصلاً، وكذلك الشهرستاني صاحب الملل والنحل ذكروا عنه أنه يقول: (أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام).
وغيرهم كثير؛ هذه نهاية أولئك المتكلمين، ونهاية معلوماتهم.
ومع ذلك وللأسف فالبعض متمسكون بهذه العقائد، ويؤلفون فيها المؤلفات، ويسمونها بمؤلفات التوحيد نظماً ونثراً، مثل العقائد النسفية على مذهب الأشاعرة، ومثل نظم الجوهرة، ومنظومة الشيباني -وإن كانت أخف- ولكن فيها بعض الانحراف القليل. ومثل بدء الأمالي ... إلخ.
ويتابع ..
وهكذا بقيَّةُ هذه العصور، وهذه القرون؛ كان السائد فيها والمنتشر هو المذهب الأشعري، ومعروف أن الأشعري هو أبو الحسن من ذرية أبي موسى؛ عالم مشهور ظهر في القرن الثالث، كان في أول أمره معتزلياً على طريقة أبي هاشم الجبائي وأبي الهذيل العلاف، ونحوهما من المعتزلة، ثم نزل عن هذه العقيدة لما ظهر له تهافتها، وانتحل مذهب الكلابية أتباع عبدالله بن سعيد بن كلاب، وكان ابن كلاب هذا عالماً جدلياً؛ سمي بذلك لأنه إذا احتج كانت حجته قوية بمنزلة كلاب الصناع الحدادين التي تمسك الحديد، أي إنه في قوة جدله واحتجاجه منزلة هذا الكلاب.
ومع ذلك فإنه قد تأول كثيراً من الصفات ولم يثبت إلا بعضها، فانتحل أبو الحسن الأشعري عقيدته في الإقرار بسبع صفات، وإنكار ما سواها، وألف كتباً كثيرة على هذا المذهب، وقضى عليها أكثر عمره، أي نحو أربعين سنة، وهو يؤلف على هذا المذهب، حتى اشتهرت كتبه وتلقاها الجم الكثير والجمع الغفير.
وفي آخر حياة أبي الحسن مَنّ الله عليه ، وقرأ بعض كتب السلف، فرجع عما كان يعتقده إلى مذهب السلف، وألف رسالته المطبوعة التي سماها (الإبانة في أصول الديانة) رسالة مختصرة ألفها على مذهب السلف، وألف أيضاً كتابه (مقالات الإسلاميين) الذي جعله في الفرق.
ولما أتى على مذهب أهل السنة ذكره صريحاً، وذكر عقيدتهم التي يمكن القول أنه نقلها عن كتب الإمام أحمد أو غيره، مما يدل على أنه انتحل عقيدة أهل السنة أخبرا فمقالته عن أهل السنة تدل على أنه منهم بدرجة أنه صرح بقوله: و بما قاله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل نضر الله وجهه وجملة مقالنا أنا نقول كذا وكذا، وقد نقله أيضاً ابن القيم في أول كتابه (حادي الأرواح) وفي بعض كتبه.
وبكل حال؛ هذا المذهب الذي عليه الآن الأشاعرة ليس هو حقاً مذهب الأشعري؛ لأن الأشعري قد رجع عنه، إنما هو مذهب الكلابية.
نعود إذن للسؤال الذي يتحاشى المنحرف الرد عليه بعدما ظهر له سذاجة من نقل عنهم مداخلته الأولى :
ما نوع السند الذي تطلبه يا أشعري ؟
المفضلات