صفحة 6 من 9 الأولىالأولى ... 23456789 الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 88
 
  1. #51
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1سورة المائدة، الآية: 44.
    2 سورة النساء، الآية: 65.
    3 سورة البقرة، الآية: 85.
    4 سورة النساء، الآية: 65.
    5 سورة الأحزاب، الآية: 36.

    ص -91- فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}1.
    وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به".
    قال ابن رجب - رحمه الله -: "معنى الحديث أن الإنسان لا يكون مؤمنا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته محته تابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي وغيرها؛ فيحب ما أمر به، ويكره ما نهى عنه، وقد ورد
    القرآن بمثل هذا المعنى في غير موضع، وذم سبحانه من كره ما أحبه الله أو أحب ما كرهه الله؛ كما : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}2...".
    إلى أن قال: "وصف المشركين بإتباع الهوى في مواضع من كتابه؛ ف:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}3.
    وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا سمي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا سمّي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تنشأ من تقديم الهوى على محبة الله ومحبة ما يحبه، وكذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيجب على المؤمن محبة من يحبه الله من الملائكة والرسل و
    الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموما..." انتهى كلامه رحمه الله.
    أمور أخرى تنافي التوحيد:
    هذا؛ وهناك أشياء تنافي التوحيد، وتقتضي الردة عن دين الإسلام؛ منها سوء الظن بالله، ومنها الاستهزاء بشيء فيه الله عز وجل:






  2. #52
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة القصص، الآية: 50.
    2 سورة محمد، الآية: 28.
    3 سورة القصص، الآية: 50.
    ص -92- 1 - سوء الظن بالله:
    فسوء الظن بالله خطير؛ لأن حسن الظن بالله من واجبات التوحيد، وسوء الظن به ينافي التوحيد.
    وقد وصف الله المنافقين بأنهم يظنون به غير الحق؛ ف:{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}1، وأخبر عنهم في الآية الأخرى أنهم يظنون به ظن السوء، فقال: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}2.
    قال الإمام ابن القيم في تفسير الآية الأولى: "فسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل، وفسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته؛ ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله وأن يظهره الله على الدين كله، وهذا هو ظن السوء الذي ظن المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا ظن السوء؛ لأنه لا يليق به سبحانه ولا بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة؛ فذلك ظن الذين كفروا؛ فويل للذين كفروا من النار، وأكثر
    الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده؛ فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله، وليستغفره من ظنه بربه ظن السوء".
    ولو فتشت من فتشت؛ لرأيت عنده تعنتا على القدر، وملامة له، وأنه كان


    --------------------------------
    1 سورة آل عمران، الآية: 154.
    2 سورة الفتح، الآية: 6.
    ص -93- ينبغي أن يكون كذا وكذا؛ فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم؟
    فإنْ تَنْج مِنْ ذي عَظيَمٍة وإلاَّ فَإنِّي لا أَخَالكَ نَاجِيا
    قال ابن القيم - رحمه الله -: "فمن ظن به أنه لا ينصر رسوله ولا يتم أمره ولا يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائهم ويظهرهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبدًا؛ فقد ظن بالله ظن السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بجلاله وكماله وصفاته ونعوته؛ فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبي أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به، فمن ظن به ذلك؛ فما عرفه، ولا عرف أسماءه، ولا عرف صفاته وكماله".
    وكذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضائه؛ فما عرفه، ولا عرف ربوبيته وملكه وعظمته.
    وكذلك من أنكر أن يكون قدَّر ما قدَّره من ذلك وغيره لحكمة بالغة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد، ظن أن ذلك إنما صدر عن مشيئة مجردة عن حكمة وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فواتها، وأن تلك الأسباب المكروهة له المفضية إليها لا يخرج تقديرها عن الحكمة؛ لإفضائها إلى ما يحب، وإن كانت مكروهة له؛ فما قدرها سدى، ولا شاءها عبثا، ولا خلفها باطلاً،{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}1.
    وأكثر
    الناس يظنون بالله غير الحق، ظن السوء، فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله، وعرف أسماءه وصفاته، وعرف موجب حكمته وحمده:


    --------------------------------
    1 سورة ص، الآية: 27.

    ص -94- فمن قنط من رحمته، وآس من روحه؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن يظن أنه يترك خلفه سدى معطلين عن الأمر والنهي لا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه، بل يتركهم هملاً كالأنعام؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن ظن أنه لا يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازى المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسوله وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصا لوجهه على امتثال أمره ويبطله بلا سبب من العبد، وأنه يعاقبه بما لا صنع له فيه ولا اختيار له ولا قدرة ولا إرادة له في حصوله، بل يعاقبه على فعله هو - سبحانه - به، أو ظن به أنه يجوز عليه أن يؤيد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله، ويجريها على أيديهم ليضلوا بها عبادة، وأنه يحسن منه كل شيء، حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته، فيخلده في الجحيم في أسفل سافلين، وينعم من استنفذ عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين في الحسن عنده سواء، ولا يعرف امتناع أحدهما ووقوع الآخر إلا بخير صادق، وإلا فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما وحسن الآخر؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن ظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل، وترك الحق؛ لم يخبر به، وإنما رمز إليه رموزًا بعيدة، وأشار إليه إشارات ملغزة، ولم يصرح به، وصرح دائما بالتشبيه والتمثيل والباطل، وأراد من خلفه أن
    ص -95- يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه، وتأويله على غير تأويله، ويتطلبوا له الوجوه والاحتمالات المستكرهة والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه، بل أراد منهم أن لا يحملوا كلامه على ما يعرفونه من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل؛ فلم يفعل، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان؛ فقد ظن به ظن السوء؛ فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبر به هو وسلفه؛ فقد ظن بقدرته العجز، وإن قال: إنه قادر، ولم يبين، وعدل عن البيان وعن التصريح بالحق إلى ما يوهم بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد؛ فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء.
    ومن ظن أنه هو وسلفه عبروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله، وأن الهدى والحق في كلامهم، وأما كلام الله؛ فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهر كلام المشركين والحيارى هو الهدى والحق؛ لهذا من أسوأ الظن.
    فكل هؤلاء من الظانين بالله ظن السوء، ومن الظانين بالله غير الحق، ظن الجاهلية..." انتهى كلام ابن القيم في بيان من هم الذين يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، ومن أراد استيفاءه؛ فليراجعه في (زاد المعاد)، والله المستعان.
    2- الاستهزاء بشيء فيه ذكر الله:
    يجب على المسلم احترام كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين، وأن يعرف حكم من استهزأ بذكر الله أو
    القرآن أو الرسول؛ ليكون المسلم على حذر من ذلك؛ فإن من استهزأ بذكر الله أو القرآن أو الرسول أو بشيء من
    ص -96- السنة؛ فقد كفر بالله عز وجل لاستخفافه بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد، وكفر بإجماع أهل العلم.
    قال الله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ...}1الآية.
    وقد جاء بيان سبب نزول هاتين الآيتين الكريمتين؛ أنه ما حصل من المنافقين في بعض الغزوات من سخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فقد روى ابن جرير وغيره عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة "دخل حديث بعضهم في بعض"؛ "أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء "يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء". فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكتك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد
    القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به الطريق".
    قال ابن عمر: "كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة نتقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:{أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.}2.
    ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سبب نزولهما دليل واضح على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو آيات أو سنة رسوله أو بصحابة رسول الله؛ لأن من فعل ذلك؛ فهو مستخف بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد والعقيدة، ولو لم حقيقة الاستهزاء.
    ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله، وعدم احترامهم، أو الوقيعة فيهم









  3. #53
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة التوبة، الآيتان: 65 ـ 66.
    2 سورة التوبة، الآيتان: 65 ـ 66.

    ص -97- من أجل العلم الذي يحملونه، وكون ذلك كفرًا، لو لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ لأن هؤلاء الذين نزلت فيهم الآيات جاؤوا معترفين بما صدر منهم، ومعتذرين بقولهم:{إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}؛ أي: لم نقصد الاستهزاء والتكذيب، وإنما قصدنا اللعب ضد الجد؛ فأخبرهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن عذرهم هذا لا يغني من الله شيئا، وأنهم كفروا بعد إيمانهم بهذه المقالة التي استهزؤوا بها، ولم يقبل اعتذارهم بأنهم لم يكونوا جادين في قولهم، وإنما قصدوا اللعب، ولم يزدصلى الله عليه وسلم في إجابتهم على تلاوة قول الله تعالى: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}1؛ لأن هذا لا يدخله المزاح واللعب، وإنما الواجب أن تحترم هذه الأشياء وتعظم، وليخشع عند آيات الله إيمانا بالله ورسوله وتعظيما لآياته، والخائض اللاعب متنقص لها.
    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - يرحمه الله -: "القول الصريح في الاستهزاء هذا وما شابهه، وأما الفعل الصريح؛ فمثل مد الشفة وإخراج
    اللسان ورمز وما يفعله كثير من الناس عند الأمر بالصلاة والزكاة؛ فكيف بالتوحيد؟!" انتهى.
    ومثل هذا الاستهزاء بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كالذي يستهزئ بإعفاء اللحى وقص الشوارب، أو يستهزئ بالسواك... أو غير ذلك، وكالاستهزاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    قال ابن إسحاق: "وقد كان جماعة من المنافقين، منهم وديعة بن ثابت أخو بني أمية بن زيد عمرو بن عوف، ورجل من أشجع لبني سلمة، يقال له: مخشي بن حمير، يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحبسون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا؟!






  4. #54
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة التوبة، الآيتان: 65 ـ 66.

    ص -98- والله لكأنا بكم غبرًا مقرنين في الحبال! إرجافا وترهيبا للمؤمنين؛ فقال مخشي ابن حمير: والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مئة جلدة، وإنا نتلفت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لعمار ابن ياسر: "أدرك القوم؛ فإنهم قد احترقوا؛ فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا؛ فقل: بلى، قلتم كذا وكذا". فانطلق إليهم عمار، فقال لهم ذلك، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته، فجعل يقول وهو آخذ بحقيها: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب. فقال مخشي بن حمير: يا رسول الله! قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الذي عناه - أي: بقوله تعالى:{إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ}1 في هذه الآية - مخشي بن حمير؛ فسمي عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتل شهيدًا لا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة، فلم يوجد له أثر".
    قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله -: "فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنما تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل إنما كنا نخوض ونلعب، وبيَّن أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممَّن شرح صدرًا بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه؛ لمنعه أن يتكلم بهذا الكلام، والقرآن يبين أن إيمان
    القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه؛ كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}2، نفى الإيمان عمن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم؛ سمعوا وأطاعوا؛ فبين







  5. #55
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة التوبة، الآية: 66.
    2 سورة النور، الآيات: 47 ـ 51.

    ص -99- أن هذا من لوازم الإيمان..." انتهى.
    وبه يعلم كفر من يتنقصون الشريعة الإسلامية، ويصفونها بأنها لا تصلح لهذا الوقت الحاضر، وأن الحدود الشرعية فيها قسوة ووحشية، وأن الإسلام ظلم
    المرأة... إلى غير ذلك من مقالات الكفر والإلحاد؛ نسأل الله العافية والسلامة.
    أمور يفعلها بعض
    الناس وهي من الشرك أو من وسائله:
    هناك أشياء مترددة بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر، بحسب ما يقوم بقلب فاعلها وما يصدر عنه الأفعال والأقوال، ويقع فيها بعض
    الناس، قد تتنافى مع العقيدة، أو تعكر صفوها، وهي تمارس على المستوى العام، ويقع فيها بعض العوام؛ تأثرًا بالدجالين والمحتالين والمشعوذين، وقد حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الأمور:
    1- لبس الحلقة والخيط ونحوهما بقصد رفع البلاء أو دفعه: وذلك من فعل الجاهلية، وهو من الشرك الأصغر، وقد يترقى إلى درجة الشرك الأكبر؛ بحسب ما يقوم بقلب لا بسها من الاعتقاد بها.
    فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه ؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: "ما هذا؟ ". قال: من الواهنة فقال: "انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا؛ فإنك لو مت وهي عليك؛ ما أفلحت أبدًا"، رواه أحمد بسند لا بأس به، وصححه ابن حبان والحاكم وأقره الذهبي.
    2- تعليق التمائم: وهي
    خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها، يتقون بها العين، ويتلمحون من اسمها أن يتم الله لهم مقصودهم.
    ص -100- وقد تكون التمائم من عظام ومن
    خرز ومن كتابة وغير ذلك، وهذا لا يجوز.
    وقد يكون المعلق من
    القرآن، فإذا كان من القرآن؛ فقد اختلف العلماء في جوازه وعدم جوازه، والراجح عدم جوازه؛ سدّاً للذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق غير القرآن، ولأنه لا مخصص للنصوص المانعة من تعليق التمائم؛ كحديث ابن مسعود - رضي الله عنه ؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرقى والتمائم والتولة شرك"، رواه أحمد وأبو داود، وعن عقبة بن عامر مرفوعا: "من علق تميمة؛ فقد أشرك"، وهذه نصوص عامة لا مخصص لها.
    3- التبرك بالأشجار والآثار والبنايات: والتبرك معناه طلب البركة ورجاؤها واعتقادها في تلك الأشياء.
    وحكمه أنه شرك أكبر؛ لأنه تعلق على غير الله سبحانه في حصول البركة، وعباد الأوثان إنما كانوا يطلبون البركة منها؛ فالتبرك بقبور الصالحين كالتبرك باللات، والتبرك بالأشجار والأحجار كالتبرك بالعزى ومناة.
    وعن أبي واقد الليثي؛ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر؛ إنها السنن، قلتم - والذي نفسي بيده - كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}1، لتركبن سنن من كان قبلكم"، رواه الترمذي وصححه.
    4- السحر: وهو عبارة عما خفي ولطف سببه، سمي سحرًا لأنه يحصل بأمور خفية لا

    --------------------------------





  6. #56
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة الأعراف، الآية 138.

    ص -101- تدرك بالأبصار، وهو عبارة عن عزائم ورقى وكلام يتكلم به وأدوية وتدخينات، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، وتأثيره بإذن الله الكوني القدري، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الأرواح الخبيثة بشيء مما تحب، والاستعانة بالتحيل على استخدامها بالإشراك بها، ولهذا يقرنه الشارع بالشرك، وهو داخل في الشرك من ناحيتين:
    الأولى: ما فيه من استخدام الشياطين والتعلق بهم، وربما تقرب إليهم بما يحبونه ليقومون بخدمته.
    الثانية: ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في ذلك، وهذا كفر وضلال.
    :{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}1.
    وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
    5- الكهانة:
    وهي ادعاء علم الغيب؛ كالإخبار بما سيقع في الأرض، مع الاستناد إلى سبب، هو استراق السمع، يسترق الجني الكلمة من كلام الملائكة، فيلقيها في أذن الكاهن، فيكذب معها مئة كذبة، فيصدقه
    الناس بسبب تلك الكلمة.
    والله هو المتفرد بعلم الغيب؛ فمن ادعى مشاركته في شيء من ذلك بكهانة أو غيرها، أو صدَّق من يدَّعي ذلك؛ فقد جعل لله شريكا فيما هو من

    --------------------------------

    1 سورة البقرة، الآية 102.
    ص -102- خصائصه، وهو مكذب لله ولرسوله. وكثير من الكهانة المتعلقة بالشياطين لا تخلو من الشرك والتقرب إلى الوسائط التي يستعين بها على دعوى العلوم الغيبية.
    فالكهانة شرك من جهة دعوى مشاركة الله في علمه الذي اختص به، ومن جهة التقرب إلى غير الله.
    وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "من أتى عرافا، فسأله عن شيء، فصدقه بما يقول؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوما".
    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "من أتى كاهنا، فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"، رواه أبو داود.
    ومما يجب التنبيه عليه والتحذير منه أمر السحرة والكهان والمشعوذين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون؛ فبعضهم يظهر للناس بمظهر الطبيب الذي يداوي المرض، وهو في
    الحقيقة مفسد للعقائد؛ بحيث يأمر المريض أن يذبح لغير الله، أو يكتب له الطلاسم الشركية والتعاويذ الشيطانية، والبعض الآخر منهم يظهر بمظهر المخبر عن المغيبات وأماكن الأشياء المفقودة؛ بحيث يأتيه الجهال يسألونه عن الأشياء الضائعة، فيخبرهم عن أماكن وجودها، أو يحضرها لهم بواسطة الشياطين، والبعض الآخر منهم يظهر بمظهر الولي الذي له خوارق وكرامات؛ كدخول النار، وضرب نفسه بالسلاح، ومسك الحيات... وغير ذلك، وهو في الحقيقة دجال مشعوذ وولي للشيطان... وكل هذه الأصناف تريد الاحتيال والنصب لأكل أموال الناس وإفساد عقائدهم؛ فيجب على المسلمين أن يحذروهم ويبتعدوا عنهم، ويجب على ولاة الأمور استتابة هؤلاء، فإن تابوا وإلا قتلوا؛ لإراحة المسلمين من شرهم وفسادهم، وتنفيذًا
    ص -103- لحكم الله فيهم؛ ففي "صحيح البخاري" عن بجالة بن عبدة؛ قال: "كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة"، وعن جندب مرفوعا: "حد الساحر ضربه بالسيف"، رواه الترمذي.
    6- التطير:
    وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص وغير ذلك فإذا عزم شخص على أمر من أمور الدين أو
    الدنيا، فرأى أو سمع ما يكره؛ أثر فيه ذلك أحد أمرين: إما الرجوع عما كان عازما عليه تطيرًا وتأثرًا بما رأى أو سمع، فيعلِّقُ قَلْبَه بذلك المكروه، ويؤثر ذلك على إيمان، ويخل بتوحيده وتوكله على الله. وإما أن لا يرجع عما عزم عليه، ولكن يبقى في قلبه أثر ذلك التطير من الحزن والألم والهم والوساوس والضعف.
    فيجب على من وجد شيئا من ذلك في نفسه: أن يجاهدها على دفعه، ويستعين بالله، ويتوكل عليه، ويمضي في شأنه، ويقول: "اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك".
    والتطير داء قديم، ذكره الله عن الأمم الكافرة، وأتهم كانوا يتطيرون بخير الخلق، وهم
    الأنبياء وأتباعهم المؤمنين؛ كما ذكر الله عن فرعون وقومه؛ أنهم إذا أصابتهم سيئة {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}1، وكما ذكر الله عن قوم صالح أنهم قالوا له: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}2، وكما ذكر الله عن أصحاب القرية أنهم قالوا لرسل الله {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}3، وكما ذكر الله عن المشركين أنهم تطيروا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ كما في قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}4.
    وهكذا دين المشركين واحد؛ حيث انتكست قلوبهم وعقولهم؛ فاعتقدوا

    --------------------------------

    1 سورة الأعراف، الآية 131.
    2 سورة النمل، الآية47.
    3 سورة يس، الآية 18.
    4 سورة النساء، الآية 78.
    ص -104- الشر بمن هو مصدر الخير، وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، وما ذلك إلا لتمكن الضلالة في نفوسهم، وانتكاس فطرهم، وإلا؛ فالخير والشر كلاهما بقضاء الله وقدره، ويجريان حسب حكمته وعلمه تفضلاً؛ فالخير تفضل منه وجزاء على فعل الطاعة، والشر عدل منه وجزاء وعقوبة على فعل المعصية؛ : {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}1.
    والتطير شرك؛ لكونه تعلق على غير الله، واعتقاد بحصول الضرر من مخلوق لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعا، ولكونه من إلقاء الشيطان ووسوسته، ولكونه يصدر عن
    القلب خوفا وخشية، وهو ينافي التوكل.
    وإليكم ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم محذرًا من التطير: فقد روى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة
    الطيبة"، متفق عليه.
    وعن ابن مسعود مرفوعا: "الطيرة شرك، الطيرة شرك".
    وفي "صحيح مسلم" عن معاوية بن الحكم؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومنا أناس يتطيرون؟ قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه؛ فلا يصدَّنَّكم"؛ فأخبر صلى الله عليه وسلمأن تأذيه وتشاؤمه بالطَّيَرة إنما هو في نفسه وعقيدته لا في المتطيَّر به؛ فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده تأثرًا بما رآه أو سمعه.
    فأوضح صلى الله عليه وسلملأمته وبين لهم فساد الطيرة؛ ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليها علامة، ولا فيها لهم دلالة، ولا نصبها سببا لما يخافونه ويحذرونه، ولتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته - تعالى، التي أرسل بها رسله، وأنزل بها كتبه، وخلق لأجلها السماوات والأرض؛ فقطع علق الشرك من قلوبهم، فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى، واعتصم بحبله المتين، وتوكل

    --------------------------------

    1 سورة النساء، الآية 79.
    ص -105- على الله؛ قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها، وبارد خواطرها قبل استكمالها.
    قال عكرمة: "كنا جلوسا عند ابن عباس، فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم، خير خير. فقال ابن عباس: لا خير ولا شر"، فبادره بالإنكار عليه؛ لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر، وكذلك سائر المخلوقات؛ لا تجلب خيرًا ولا تدفع شرّاً بذاتها.
    وقوله صلى الله عليه وسلم : "ويعجبني الفأل"، ثم بينَّه صلى الله عليه وسلم بأنه الكلمة
    الطيبة، وإنما أعجبه الفأل لأنه حسن ظن بالله، والعبد مأمور أن يحسن الظن بالله، والطيرة سوء الظن بالله - عز وجل - وتوقع البلاء، ومن هنا جاء الفرق بينهما في الحكم؛ لأن الناس إذا أملوا الخير من الله؛ علقوا قلوبهم به، وتوكلوا عليه، وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من الله؛ كان ذلك من الشر والتعلق على غير الله.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "ليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك، بل ذلك عن مقتضى الطبيعة، وموجب الفطرة الإنسانية، التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها، كما أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه حبب إليه من
    الدنيا النساء والطيب؛ فكان يحب الحلواء والعسل، ويحب حسن الصوت بالقرآن والأذان ويستمع إليه، ويحب معالي الأخلاق ومكارم الشيم، وبالجملة يحب كل كمال وخير وما يفضي إليهما.
    والله - سبحانه - قد جعل في غرائز
    الناس الإعجاب لسماع الاسم الحسن، ومحبته، وميل نفوسهم إليه، وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باسم الفلاح والسلام والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفر، فإذا هذه الأسماء الأسماع؛ استبشرت بها النفس، وانشرح لها الصدر، وقوي بها القلب، وإذا سمعت أضدادها؛ أوجب لها ضد هذه الحال، فأحزنها ذلك، وأثار خوفا
    ص -106- وطيرة وانكماشا وانقباضا عما قصدت وعزمت عليه، فأورث لها ضررًا في
    الدنيا، ونقصا في الإيمان، ومقارفة للشرك.." انتهى كلامه رحمه الله .
    وفي الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عمرو - رضي الله عنهما؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من ردته الطيرة عن حاجته؛ فقد أشرك, قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم ولا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك"؛ فتضمن هذا الحديث الشريف أن الطيرة لا تضر من كرهما ومضى في طريقه، وأما من لم يخلص توكله على الله، واسترسل مع الشيطان في ذلك؛ فقد يعاقب بالوقوع فيما يكره؛ لأنه أعرض عن واجب الإيمان بالله.
    هذا؛ ونسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالإيمان والتوكل عليه، ويجنبنا طريق الشر والشرك؛ إنه سميع مجيب.
    7 - التنجيم:
    وهو كما عرفه المحققين؛ بأنه الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية؛ كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وظهور الحر والبرد، وتغير الأسعار، أو حدوث الأمراض أو الوفيات، أو السعود والنحوس، وهذا ما يسمى بعلم التأثير.
    وهو على نوعين:
    النوع الأول: أن يدعي المنجم أن الكواكب فاعلة مختارة، وأن الحوادث تجري بتأثيرها. وهذا كفر بإجماع المسلمين؛ لأنه اعتقاد أن هناك خالفا غير الله، وأن أحدًا يتصرف في ملكه بغير مشيئته وتقديره - سبحانه تعالى -.
    النوع الثاني: الاستدلال بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها على حدوث الحوادث، وهذا لا شك في تحريمه؛ لأنه من ادعاء علم الغيب، وهو
    ص -107- من السحر - أيضا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم؛ فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد"، رواه أبو داود، وإسناده صحيح، وصححه النووي والذهبي، ورواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما، والسحر محرم بالكتاب والسنة والإجماع، والإخبار عن الحوادث عن الحوادث المستقبلية عن طريق الاستدلال بالنجوم من ادعاء علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه؛ فهو ادعاء لمشاركته - سبحانه - بعلمه الذي انفرد به، أو تصدق لمن ادعى ذلك، وهذا ينافي التوحيد؛ لما فيه من هذه الدعوى الباطلة.
    قال الخطابي: "علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان "أوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وتغير الأسعار" وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها؛ يدعون أن لها تأثيرًا في السفليات، وهذا منهم تحكم على الغيب، وتعاط لعلم قد استأثر به الله، ولا يعلم الغيب سواه".
    قال البخاري في "صحيحه": "قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك؛ أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به..." انتهى.
    وأخرج الخطيب عنه؛ قال: "وإن أناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة: من أعرس بنجم كذا وكذا؛ كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا؛ كان كذا وكذا، ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والطويل والقصير والحسن والذميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب، ولو أن أحدًا علن الغيب؛ لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وعلَّمه أسماء كل شيء...".انتهى.
    ص -108- أقول: ومن الخرافات الباطلة ما يروجه الدجَّالون في بعض الصحف والمجلات من ذكر البخث والنحوس والسعود، ويعلقون ذلك بحسابات البروج والنجوم، ويصدق به بعض السذج.
    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله - في "فتح المجيد": "فإن قيل: المنجم قد يصدق. قيل: صدقه كصدق الكاهن؛ يصدق في كلمة ويكذب في مئة، وصدقه عن علم، بل قد يوافق قدرًا، فيكون فتنة في حق من صدقه".
    قال: "وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإبطال علم التنجيم؛ كقول: "من اقتبس شعبة من النجوم؛ فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد"، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وعن رجاء بن حيوة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مما أخاف على أمتي: التصديق بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وحيف الأئمة"، رواه ابن حميد".
    وأما الاستدلال بالنجوم لمعرفة الاتجاه في الأسفار في البر البحر؛ فهذا لا بأس به، وهو من نعمة الله - عز وجل؛ حيث يقول - سبحانه -:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}1؛ أي: لتعرفوا بها جهة قصدكم، وليس المراد أنه يهتدي بها في علم الغيب كما يعتقده المنجمون.
    قال الخطابي: "وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة؛ فإنها كواكب رصدها أهل الخبرة من الأئمة، الذين لا نشك في عنايتهم بأمر الدين، ومعرفتهم بها، وصدقهم فيما أخبروا به عنها؛ مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبة، ويشاهدها على حال الغيبة عنها؛ فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة، وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم؛ إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في








  7. #57
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة الأنعام، الآية 97.
    ص -109- معرفتهم".
    وقال ابن رجب: "والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير؛ فإنه - أي: علم التأثير - باطل محرم قليله وكثيره، وأما علم التسيير؛ فيتعلم ما يحتاج إليه من الاهتداء ومعرفة القبلة والطرق، وهو جائز عند الجمهور..." انتهى.
    وكذلك تعلم منازل
    الشمس والقمر للاستدلال على القبلة وأوقات الصلوات والفصول ومعرفة الزوال.
    قال الخطابي: "أما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والخبر الذي يعرف به الزوال وتعلم به جهة القبلة؛ فإنه غير داخل فيما نهي عنه، وذلك أن معرفة رصد الظل ليس شيئا أكثر من أن الظل ما دام متناقصا؛ فالشمس بعدُ صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي، وإذا أخذ في الزيادة فالشمس هابطة من وسط السماء نحو الأفق الغربي، وهذا علم يصلح إدراكه بالمشاهدة؛ إلا أن أهل هذه الصناعة قد دبروها بما اتخذوه من الآلات التي يستغني الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته..." انتهى.
    وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه كان لا يرى بأسا أن يتعلم
    الرجل منازل القمر.
    وبعد؛ فإن عقيدة المسلم هي أعز شيء عنده؛ لأن بها نجاته وسعادته؛ فيجب عليه أن يحرص على تجنب ما يسيء إليها أو يمسها من الشركيات والخرافات والبدع؛ لتبقى صافية مضيئة، وذلك بالتزام الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح، ولا يتم ذلك إلا بتعلم هذه العقيدة، ومعرفة ما يضادها من العقائد المنحرفة، لا سيما وأنه قد كثر اليوم في صفوف المسلمين من يحترف التدجيل والشعوذة والتعلق بالقبور والأضرحة لطلب الحاجات وتفريج الكربات؛ كما كان عليه المشركون الأولون أو أشد، إضافة إلى اتخاذ السادة وأصحاب
    ص -110- الطرق الصوفية أربابا من دون الله؛ يشرعون لأتباعهم من الدين ما لم يأذن به الله؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
    8 - الاستسقاء بالأنواء:
    وهو عبارة عن نسبة المطر إلى طلوع النجم أو غروبه على ما كانت الجاهلية تعتقده من أن طلوع النجم أو سقوطه في المغيب يؤثر في إنزال المطر، فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا. وهم يريدون بذلك النجم، ويعبرون عنه بالنوء، وهو طلوع النجم، من ناء ينوء: إذا نهض وطلع؛ فيقولون: إذا طلع النجم الفلاني؛ ينزل المطر.
    والمراد بالأنواء عندهم منازل
    القمر الثمانية والعشرون، في كل ثلاث عشرة ليلة يغرب واحد منها عند طلوع الفجر ويطلع مقابله، وتنقضي جميعها عند انقضاء السنة القمرية، وتزعم العرب في جاهليتها أنه عند طلوع ذلك النجم في الفجر ومغيب مقابله ينزل المطر، ويسمى ذلك الاستسقاء بالأنواء، ومعنى ذلك نسبة السقيا إلى هذه الطوالع.
    وهذا من اعتقاد الجاهلية الذي جاء الإسلام بإبطاله والنهي عنه؛ لأن نزول المطر وانحباسه يرجع إلى إرادة الله وتقديره وحكمته، وليس لطلوع النجوم تأثير فيه؛ : {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم ِوَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُ َتَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}1؛ فقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}2؛ معناه: نسبة المطر الذي هو الرزق النازل من الله إلى النجم؛ بأن يقال: مطرنا بنوء كذا وكذا، وهذا من أعظم الكذب الافتراء؛ كما روى الإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والضياء في






  8. #58
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة الواقعة، الآيات 75 ـ 82.
    2 سورة الواقعة، الآية 82.
    ص -111- "المختارة" عن علي - رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ}؛ يقول: شكركم.{أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}؛ "تقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، وبنجوم كذا وكذا".
    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله -: "وهذا أولى ما فسرت به الآية، وروي ذلك عن علي وابن عباس وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني وغيرهم، وهو قول جمهور المفسرين" انتهى.
    وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفجر بالأحساب، والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"، والمراد بالجاهلية هنا ما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما يخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو جاهلية.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في معنى الحديث: "أخبر أن بعض أمر الجاهلية لا يتركه
    الناس كلهم؛ ذمّا لمن لم يتركه، وهذا يقتضي أن كل ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم؛ فهو مذموم في الإسلام، وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذم لها، ومعلوم أن إضافتها إلى الجاهلية خرج مخرج الذم، وهذا كقوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى}1؛ فإن ذلك ذم للتبرج وذم لحال الجاهلية الأولى، وذلك يقتضي المنع من مشابهتهم في الجملة..." انتهى.
    وقوله هذا الحديث: "والاستسقاء بالنجوم": معناه نسبة المطر إلى النوء، وهو سقوط النجم؛ بأن يقول: مطرنا بنجم كذا وكذا.
    وحكم الاستسقاء بالأنواء أنه كان يعتقد أن له تأثيرًا في إنزال المطر؛ فهذا شرك وكفر أكبر، وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية، وإن كان لا يعتقد للنجم تأثيرًا، وأن المؤثر هو الله وحده، ولكنه أجرى العادة بوجود المطر عند سقوط






  9. #59
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة الأحزاب، الآية 33.
    ص -112- ذلك النجم؛ فهذا لا يصل إلى الشرك الأكبر، ويكون من الشرك الأصغر؛ لأنه يحرم المطر إلى النجم، ولو على سبيل المجاز؛ سدًا للذريعة.
    وقد روى البخاري ومسلم عن بن خالد - رضي الله عنه؛ قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلمصلاة الصبح بالجديبة على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف؛ أقبل على
    الناس، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال أصبح عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".
    فقوله صلى الله عليه وسلم : "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر"، وفسر المؤمن بأنه الذي ينسب المطر إلى فضل الله ورحمته، وفسر الكافر بأنه الذي ينسب المطر إلى الكوكب، وهذا فيه دلي على أنه لا تجوز نسبة أفعال الله إلى غيره، وأن ذلك كفر، فإن اعتقد أن للكواكب تأثيرًا في إنزال المطر؛ فقد كفر أكبر؛ لأنه إشراك في الربوبية، والمشرك كافر، وإن لم يعتقد أن للكواكب تأثيرًا في إنزال المطر، وإنما نسبه إليها مجازًا؛ فهذا محرم، وهو من الشرك الأصغر؛ لأنه نسب نعمة الله إلى غيره.
    قال القرطبي - رحمه الله -: "وكانت العرب إذا نجم من المشرق، وسقط آخر من المغرب، فحدث عند ذلك مطر أو ريح؛ فمنهم من ينسبه إلى الطالع ومنهم من ينسبه إلى الغارب نسبة إيجاد واختراع، ويطلقون ذلك القول المذكور في الحديث؛ فنهى الشارع عن إطلاق ذلك؛ لئلا"يعتقد أحد اعتقادهم ولا يتشبه بهم في نطقهم ..." انتهى.
    وقد روى مسلم في "صحيحه" في سبب نزول قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ....} الآيات (الواقعة: 75 - 82) عن ابن عباس - رضي الله
    ص -113- عنهما-: "قال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآيات {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ...} إلى قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}".
    فإنزال المطر من الله، وبحوله وقوته، لا دخل لمخلوق فيه؛ كما : {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}1، فمن نسب إنزال المطر إلى الكواكب، أو إلى الظواهر الطبيعية؛ كالانخفاض الجوي أو المناخ؛ فقد كذب وافترى، وهذا شرك أكبر، وإن كان يعتقد أن
    المنزل هو الله، ولكن نسبه إلى هذه الأشياء من باب المجاز؛ فهذا حرام وكفر أصغر؛ لأنه نسب النعمة إلى غير الله؛ كالذي يقول مطرنا بنوء كذا وكذا. ما أكثر التساهل في هذا الأمر على ألسنة بعض الصحفيين أو الإعلاميين؛ فيجب على المسلم أن ينتبه لهذا، والله الموفق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    9- نسبة النعم إلى غير الله:
    سبق الكلام عن حكم نسبة المطر إلى الأنواء والاستسقاء بها، والكلام الآن في حكم نسبة النعم عموما إلى غير الله.
    إن الاعتراف بفضل الله وإنعامه والقيام بشكره من صميم العقيدة؛ لأن من نسب النعمة إلى غير موليها، وهو الله - سبحانه؛ فقد كفرها، وأشرك بالله بنسبتها إلى غيره.
    : {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}2.
    قال بعض المفسرين: "يعرفون أن النعم من عند الله، وأن الله هو المنعم عليهم بذلك، ولكنهم ينكرون ذلك؛ فيزعمون أنهم ورثوها عن آبائهم


    --------------------------------
    1 سورة الواقعة، الآيتان 68 ـ 69.
    2 سورة النحل، الآية 83.

    ص -114- بعضهم: لولا فلان؛ لم يكن كذا وكذا، وبعضهم يقول: هذا بشفاعة آلهتنا".
    وهكذا كل ينسب النعمة إلى من يعظمه من الآباء والآلهة والأشخاص، متناسين مصدرها الصحيح، والمنعم بها على
    الحقيقة، وهو الله - سبحانه - .
    كما أن بعضهم ينسب نعمة السير في البحر والسلامة من خطره إلى الريح وحذق الملاح، فيقول: كانت الريح طيبة والملاح حاذقا.
    ومثله اليوم ما يجري على ألسنة الكثير من نسبة حصول النعم واندفاع النقم إلى مجهود الحكومات والأفراد أو تقدم العلم التجريبي؛ فيقولون مثلاً: تقدم الطب تغلب على الأمراض أو قضى عليها، والمجهودات الفلانية تقضي على الفقر والجهل... وما أشبه ذلك من الألفاظ التي يجب على المسلم أن يبتعد عنها ويتحفظ منها غاية التحفظ، وأن ينسب النعم إلى الله وحده، ويشكره عليها، وما يجري على يد بعض المخلوقين أفراداًأو جماعات من المجهودات إنما هي أسباب قد تثمر وقد لا تثمر، وهم يشكرون على قدر ما بذلوه، ولكن؛ لا يجوز نسبة حصول النتائج إلا إلى الله - سبحانه -.
    وقد ذكر الله في كتابه الكريم عن أقوام أنكروا نعمة الله عليهم، ونسبوا ما حصلوا عليه من المال والنعمة إلى غير الله؛ إما إلى كونهم يستحقونها، أو إلى خبرتهم ومعرفتهم ومهارتهم:
    : عن الإنسان:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}1؛ فقوله:{هَذَا لِي}؛ أي: حصلت على هذا بعلمي، وأنا محقوق به، لا أنه تفضل من الله ونعمه، ليس بحول العبد ولا بقوته.


    --------------------------------
    1
    صورة فصلت، الآية 50.

    ص -115- و: عن قارون الذي آتاه الله الكنوز العظيمة فبغى قومه، وقد وعظه الناصحون وأمروه بالاعتراف بنعمة الله والقيام بشكرها، فكابر عند ذلك وقال:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}1؛ أي: حصلت على هذه الكنوز بسبب حذقي ومعرفتي بوجوه المكاسب، لا أنها تفضل من الله - تعالى؛ فكانت عاقبته من أسوأ العواقب وعقوبته من أشد العقوبات؛ حيث خسف الله به وبداره الأرض لما جحد نعمة الله ونسبها إلى غيره، وأنه حصل عليها بحوله وقوته.
    وما أحرى هؤلاء الذين اغتروا ف زماننا بما توصلوا إليه من مخترعات وقدرات أقدرهم عليه امتحانا لهم، فلم يشكروا نعمة الله، وصاروا يتشدقون ويتفاخرون بحولهم وقوتهم وبغوا في الأرض بغير الحق، وتطاولوا على عباد الله؛ ما أحراهم بالعقوبة!
    فقد اغترت قبلهم عاد بقوتها؛ كما قال الله تعالى عنهم: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَفَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}2.
    وهاكم قصة قصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جماعة ممَّن كان قبلنا، ابتلاهم الله فأنعم عليهم؛ فمنهم من جحد نعمة الله ونسب ما حصل عليه من المال إلى وراثته عن آبائه؛ فسخط الله عليه، ومنهم من اعترف بفضل الله وشكر نعمة الله؛ فرضي الله عنه.
    عن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص أقرع أعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا:






  10. #60
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1سورة القصص الآية 78.
    2 سورة فصلت، الآية 15.
    ص -116- فأتى الأبرص، فقال أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني
    الناس به". قال: "فمسحه فذهب عنه قذره، فأعطي لونا حسنا وجلداً حسنا. قال فأي المال أحب إليك؟ قال الإبل "أو: البقر؛ شك إسحاق". فأعطي ناقة عشراء، وقال: بارك الله لك فيها". قال: "فأتى الأقرع، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني الذي قذرني الناس به فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعراً حسنا، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر "أو: الإبل". فأعطي بقرة حاملاً. قال بارك الله لك فيها. فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأبصر به الناس. فمسحه، فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والداً. فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم". قال: "ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين انقطعت بي الحبال في سفري؛ فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيراً فأعطاك الله عز وجل المال؟ فقال إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر. فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل هذا، فقال: إن كنت كاذبا؛ فصيرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري؛ فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شارة أتبلَّغ بها في سفري؟ فقال كنت أعمى فرد الله إلي بصري؛ فخذ ما شئت؛ فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال أمسك مالك؛ فإنما ابتليتم؛ فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك"، رواه البخاري ومسلم.

    ص -117- وهذا حديث عظيم فيه معتبر؛ فإن الأولين جحدا نعمة الله، ولم ينسباها إليه، ومنعا حق الله في مالهما؛ فحل عليهما سخط الله، وسلبت منهما النعمة، والآخر اعترف بنعمة الله، ونسبها إليه، وأدى حق الله فيها؛ فاستحق الرضى من الله، ووفر الله ماله؛ لقيامه بشكر النعمة.
    قال ابن القيم: "أصل الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة، بل كان جاهلاً بها؛ لم يشكرها، ومن عرفها، ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها - أيضا، ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر النعمة والمنعم عليه بها؛ فقد كفرها، ومن عرف النعمة والمنعم بها، وأقر بها، ولم يجحدها، ولكن لم يخضع له ولم يحبه ويرض به وعنه؛ لم يشكره - أيضا، ومن عرفها، وعرف المنعم بها، وأقر بها، وخضع للمنعم وأحبه ورضي به وعنه، واستعملها في محبته وطاعته؛ فهذا هو الشاكر لها؛ فلا بد ف الشكر من علم
    القلب، وعمل يتبع العلم، وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له..." انتهى.
    الشرك الأصغر:
    الشرك الأصغر ينقص التوحيد ويخلُّ به، وهناك أشياء من الشرك الأصغر حذرنا منها الله ورسوله؛ صيانة للعقيدة، وحماية للتوحيد؛ لأنها تنقص التوحيد، وربما تجر إلى الشرك الأكبر.
    قال الله تعالى:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون}1 .
    قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في الآية: "الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي. وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولى البط في الدار لأتانا
    --------------------------------





 

صفحة 6 من 9 الأولىالأولى ... 23456789 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قواعد الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة
    بواسطة أمـــة الله في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 2011-01-16, 08:38 PM
  2. كلمات في ميزان الاعتقاد (1- أهل السنة و الجماعة)
    بواسطة أبو صهيب المصري في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 2010-11-02, 06:22 AM
  3. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-11-01, 04:51 PM
  4. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-11-01, 04:48 PM
  5. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-10-30, 04:06 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML