صفحة 6 من 7 الأولىالأولى ... 234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 61
 
  1. #51
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    الرومانسية والعداء للاستنارة (القرن التاسع عشر(
    (Romanticism and the Counter-Enlightenment (Nineteenth Century
    تأثر المفكرون اليهود في العالمالغربي بالرومانسية والفكر المعادي للاستنارة في النواحي التالية:

    1
    ـالفكر العنـصري الغـــربي هـو إحدى ثمار الفـكر المعـادي للاستنارة.

    2
    ـفكرة القومية العضوية (والشعب العضوي [فولك])، وهي فكرة تضرب بجذورها في الفكرالمعادي للاستنارة، هي حجر الزاوية في الفكر الصهيوني.

    3
    ـ اليهوديةالمحافظة واليهودية التجديدية متأثرتان بالفكر المعادي للاستنارة.

    ونحننذهب إلى أن الصهيونية، في بعض جوانبها، حركة «رومانسية»، فالرومانسية هي عودة إلىمطلق لا زمني متجسد في شيء ما يوجد في الزمان والمكان يُطلَق عليه بشكل عام«الطبيعة» وإن كان يأخذ أسماء أخرى، والصهيونية هي عودة إلى مطلق متجسد في الزمانوالمكان: فهي عودة للأرض أو لروح الشعب اليهودي. أما فيما يتصل بالجوانب السياسيةوالاقتصادية فيمكن العودة للباب المعنون «التحديث وأعضاء الجماعات اليهودية».


    الجماعات اليهودية في عصر ما بعد الحداثة (القرن العشرون(
    Jewish Communities in the Age of Post-Modernism (Twentieth Century)
    مع نهاية القرنالتاسـع عـشر، وتزايد هيمـنة الإمبريالية على العالم، تبدأ الصهيونية في إحكامقبضتها على الجماعات اليهودية في الغرب. ويصبح تاريخ الجماعات اليهودية، من الناحيةالسياسية، هو تاريخ صهينة هذه الجماعات أو رفضها للصهيونية ومحاولتها التملص منها. وقد تناولنا هذا الجانب وخلفياته التاريخية والفكرية والسياسية في المجلد الخامس.

    ولكن من الناحية الحضارية والثقافية، يدخل أعضاء الجماعات اليهودية عصر مابعد الحداثة فيزداد اندماجهم في مجتمعاتهم ولا يوجد أي تمايز مهني أو حرفي قسري،كما لا يوجد أي تمييز ضدهم. ويزداد تهميش اليهودية الحاخامية في حياة أعضاءالجماعات اليهودية، فهم يصبحون إما يهـوداً إثنيين (أي ملحدين) أو يهـوداً إصلاحيينأو محافظين، وهي صيغ يهودية مخففة للغاية فقد بعضها كل علاقة باليهودية الحاخاميةالمعيارية. فهم، على سبيل المثال، يتقبلون الشذوذ الجنسي ويسمحون بقيام أبرشياتللشواذ جنسياً يقودها حاخامات (من الذكور والإناث) من الشواذ أيضاًويظهر لاهوت موتالإله (تناولنا هذا الجانب في الأبواب الأخيرة من المجلد السادس(.

    ويظهر مانسميه «الهوية اليهودية الجديدة»، وهي هوية غربية تماماً تغطيها قشرة زخرفية يهوديةلا تؤثر في جوهر سلوك أعضاء الجماعات اليهودية. ويُلاحَظ أن المفكرين من أعضاءالجماعات اليهودية يصبحون جزءاً عضوياً من الفكر الغربي الحديث، فهوسرل ودريدا (رغمأصولهما اليهودية) مفكران غربيان تماماً. (انظر الأبواب الخاصة بالفكر والفلسفةوعلم النفس والاجتماع في هذا المجلد(.







  2. #52
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    الباب الثانى: العلمانية (والإمبريالية) واليهودية وأعضاءالجماعات اليهودية



    الحلولية والتوحيد والعلمنة: حالة اليهودية (أطروحة ماكس فيبر وبيتر برجر(
    Pantheism, Monotheism, and Secularism: Judaism as a Case Study-Max Weber's and Peter Berger's Theses
    من القضايا الأساسية التي أُثيرت في علم الاجتماعالغربي قضية علاقة التوحيد والتجاوز بالعلمنة، إذ يذهب بعض المفكرين إلى أن التوحيدهو الذي يؤدي إلى العلمنة عَبْر مرحلتين:

    1
    ـ مرحلة ترشيد العبادة وحياةالمؤمن والعالم بأسره في إطار التوحيد والمطلق المتجاوز.

    2
    ـ يعقب هذامرحلة أخرى يَضْمُر فيها المطلق تدريجياً (وتحل المرجعية الكامنة محل المرجعيةالمتجاوزة) إلى أن يختفي الإله تماماً. حينئذ يتم ترشيد حياة الإنسان والعالم بأسرهفي إطار الواحدية المادية.

    وهي إشكالية قد تبدو غريبة بعض الشيء، ولكنهاإشكالية مهمة للغاية يمكن فهمها حين تُفهم حلقات المتتالية التي يطرحها دعاة هذاالنموذج التفسيري. ونحن نطرح تصوُّراً مغايراً ومتتالية مختلفة تستند إلى تعريفناللعلمانية (الشاملة) باعتبارها منظومة كامنة في الحلولية الكمونية وليس في التوحيد. فنحن نرى - كما أسلفنا - أنه لا يوجد فرق جوهري بين الحلولية الكمونية الروحيةوالحلولية الكمونية المادية، وأن وحدة الوجود الروحية هي في أساسها وحدة الوجودالمادية، أي العلمانية الشاملة.

    ولنبدأ بتعريف العلمانية (الشاملة) بأنهارؤية واحدية تدور في إطار المرجعية الكامنة المادية؛ تَرُدّ الكون بأسره إلى مبدأواحد كامن فيه. ومن ثم فهي لا تفرِّق بين الإنسان والطبيعة بل تراهما مادة واحدة (نسبية) لا قداسة لها، خاضعة لقانون طبيعي واحد، ومن ثم يمكن إخضاعها للمقاييسالكمية الرياضية دون الرجوع إلى أية قيم مطلقة (معرفية كانت أو أخلاقية) بهدف زيادةالتحكم فيها وتوظيفها، أي أنها رؤية تستبعد الإنسان المركب الرباني وتستبعد أيضاًمقدرته على تجاوز ذاته الطبيعية والطبيعة/المادة ليحل محله الإنسان الطبيعي المادي.

    وقد أشرنا إلى أن الترشيد هو إعادة صياغة الواقع والذات في ضوء « نموذج ما ». وقد يكون هذا النموذج دينياً (الإله المتجاوز)، ولكن يمكن أيضاً أن يكون مادياًكمونياً متمركزاً حول الإنسان وعقله أو متمركزاً حول الطبيعة/المادة. وما يهمنا فيسياق هذا المدخل هو النموذج الثاني، والأكثر شيوعاً في العصر الحديث، وهو النموذجالواحدي المادي الذي يجعل الطبيعة/المادة (لا عقل الإنسان) هي موضع الكمون. والترشيد العلماني هو ترشيد مادي يأخذ شكل تبنِّي الأساليب العلمية الموضوعيةوالبيروقراطية اللاشخصية في عملية تفسير الواقع وإدارة المجتمع وإعادة صياغته ورفضالالتفات إلى التقاليد والأعراف الأخلاقية والموروثة وكل المطلقات المتجاوزةوالثنائيات، وهي عملية شاملة تُخضع كل شيء لقانون الأرقام والعقل. والترشيد، بهذاالمعنى، هو عملية تجريد للعالم في إطار النموذج الواحدي الكموني المادي بحيثيُستبعَد كل ما لا يتطابق مع هذا النموذج، أي كل ما هو متجاوز لعالمالطبيعة/المادة. والعلمنة أيضاً عملية تطبيع، أي إدراك الإنسان باعتباره ظاهرةطبيعية وجزءاً عضوياً لا يتجزأ من الطبيعة/المادة، وعلى أساس أن ما يسري عليها يسريعليه، أي أن العلمنة هي عملية نزع القداسة عن الكون ورؤيته في إطار قانون مادي واحدكامن فيه، ومن ثم فهي عملية ترشيد وتجريد وتطبيع. ويُشكِّل هذا التعريف إطارمناقشتنا لآراء عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر وآراء عالم الاجتماع الأمريكيبيتر برجر في موضوع علاقة التوحيد بالترشيد ومن ثم العلمنة، وتطبيق هذا على حالةاليهودية.

    يذهب ماكس فيبر إلى أن اليهودية، بوصفها ديانة توحيدية، قامتبدور أساسي في عملية الترشيد. فديانات الشرق الأقصى الحلولية الكمونية تهدف إلى أنيصبح المؤمن في حالة اتزان مع نفسه ومع الطبيعة ومع الخالق. وهي تختزل المسافة بينالإنسان من جهة والإله والطبيعة من جهة أخرى، فهي ديانات ترى الإله حالاًّ فيالطبيعة والإنسان كامناً فيهما. أما الديانات التوحيدية فهي تخلق مسافة بين الخالقوالمخلوق إذ أن الخالق متجاوز للطبيعة والإنسان منزَّه عنهما، ولذا لم يَعُد هدفالمؤمن هو توازن علاقته مع نفسه ومع الدنيا وعالم الطبيعة وإنما التحكم فيها. ويرىفيبر أن هذه المحاولة للتحكم في الذات والعالم، باسم مَثَل أعلى موحَّد، هي خطوةأولى نحو الترشيد. واليهودية، باعتبارها أولى الديانات التوحيدية، لعبت (حسب تصوره) دوراً حاسماً في هذا المضمار، فهو يرى مثلاً أن السحر يعوق التقدم وترشيد الحياةالاجتماعية والاقتصادية. واليهود هم أول من تحرروا من نير السحر، فقد أسقطوا الآلهةالمختلفة وحولوها إلى شياطين لا قداسة لها. ويعود هذا إلى تبنِّي اليهودية لما سماهفيبر «الروح الشعبية أو الجماهيرية» التي تتلخص رؤيتها فيما يلي:

    1
    ـ صاغتالروح الشعبية فكرة العدالة الإلهية (بالإنجليزية: ثيوديسي theodicy) وهي قضيةلماذا خلق الإله العادل الشر. والرد اليهودي على هذه القضية رد عقلاني، فالإله كيانعقلاني رشيد، ويأتي بأفعال ذات دوافع عقلانية مفهومة للإنسان، والإنسان كيان حرمسئول عما يقترفه من آثام وعما يأتيه من أفعال خيِّرة.

    2
    ـ حارب المدافعونعن الرؤية الشعبية ضد فكرة أن قرارات الخالق نهائية ولا يمكن تغييرها، وطرحوا بدلاًمن ذلك فكرة أن الإنسان، من خلال طاعة الخالق وتنفيذ وصاياه، يمكنه أن يحوز الرضافيكافئه ويرفع عنه العذاب. ولكن الإنسان، داخل هذا الإطار الأخلاقي، لا يتسمبالخيلاء أو الثقة بالنفس، وهو ما يسميه فيبر «سيكولوجيا الفرسان»، فخالق الجماهيريتطلب الطاعة والتواضع والثقة فيه.

    3
    ـ تنظر الروح الشعبية إلى المبادئالأخلاقية باعتبارها نسقاً من الأخلاقيات العملية المرتبطة بالحياة واحتياجاتها.

    4
    ـ ولذا،فإنها تخلو من أية عناصر سحرية، فالإنسان الذي لا يطيـع الخالقسـيُنزل به العقـاب،ولا يمكن لأية صيغ سحرية أن تنقذه منه.

    وحسب تصوُّرفيبر، كانت السمتان الثالثة والرابعة هما الإضافة الإبداعية للتراث اليهودي الدينيالتوحيدي التي لم تظهر في الديانة المصرية أو البابلية (وهو رأي غريب بعض الشيءيغرق في التعميمات الكاسحة، ولكننا لن نناقشه حتى نستمر في عرض أطروحة فيبر). وقدساهمت طبيعة المجتمع العبراني في تطوير السمات الأربعة السابقة كلها (التي يمكن أننسميها «توحيدية» باعتبار أنها تؤكد مسئولية الإنسان الأخلاقية وحريته وعدم جدوىاللجوء للسحر والقرابين) لأنه كان مجتمعاً بدائياً مقسماً إلى قبائل تدخل في علاقةمتكافئة فيما بينها في زمن الحرب، علاقة تستند إلى عقد أو ميثاق أو عهد (بالعبرية: بريت) يُعقَد بين القبائل من جهة ويهوه (إله الحرب) من جهة أخرى. وقد ظهرت يسرائيلباعتبارها «شعب إله الحرب» (وهذا هو المعنى الحقيقي لكلمة «يسرائيل» حسب تصورفيبر). ولم يكن هناك إطار ثابت يضم كل هذه القبائل، وإنما كانت هذه القبائل تدخل فيعلاقة مؤقتة تحت قيادة كاريزمية يُطلَق عليها اسم «القضاة»، وهم « أنبياء حروب » على حد قول فيبر. وكان الجميع متساوين داخل هذا الإطار، فكلهم يضطلعون بالوظائفنفسها ويؤدون الواجبات نفسها ويتمتعون بالحقوق نفسها. وقد كان هذا ممكناً لأنالتكنولوجيا العسكرية كانت بدائية جداً، إذ كانت الحروب تتم إما على الأقدام وإماعلى ظهور البغال. وكان على الجميع أن يتحملوا الأعباء نفسها ويتجشموا المصاعبنفسها، ومن ثم ظهرت فكرة العهد التي ظلت شائعة في صفوف الجماهير اليهودية بكل ماتنطوي عليه من عقلانية وأخلاقية ومساواة بين أعضاء المجتمع العبراني، إذ كان المذنبيُطرَد من حظيرة الدين أو يُرجَم بالحجارة، الأمر الذي يعني استبعاد السحر كوسيلةللتقرب من الخالق.

    ثم ظهر النظام الملكي العبراني وغيَّر هذا الوضعتماماً، فقد أعاد صياغة البناء الطبقي للمجتمع وشكل حرساً ملكياً خاصاً وجيشاًنظامياً وإدارة مركزية يتبعها نظام كهنوتي تابع للبلاط الملكي.






  3. #53
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    وقد تزامنذلك مع تغيُّر فنون الحرب وأدواتها، إذ ظهرت العربات الحربية والأحصنة. وكانالمجتمع العبراني، قبل ظهور الملكية، مكوناً من ثلاث طبقات:

    أ) طبقةأرستقراطية حضرية تضم في صفوفها كبار الملاك الذين يعيشون من ريع ضياعهم.

    ب) طبقة الجماهير (يستخدم فيبر الكلمة اللاتينية «بلبز plebs») التي تضمالفلاحين الذين كانوا يتمتعون بقدر من الاستقلال الاقتصادي في بادئ الأمر قبل أنتتدهور أحوالهم فيما بعد، كما كانت تضم الحرفيين والرعاة.

    جـ) طبقة البدوالرحل.

    وقد قامت الملكية بضم الأرستقراطية الحضرية إلى صفوفها وحولتها إلىنخبة حاكمة مع الكهنة والأرستقراطية العسكرية التي كوَّنت طبقة الفرسـان، وحل كهـنةالبـلاط المدربون محل أنبياء الحرب. وكل هذا يعني ظهور طبقات سياسية وعسكرية ودينيةحاكمـة متخـصصة يتم تجنيد أعضـائها من شــريحة صغيرة من الســكان، وهو ما يعنياسـتبعاد القاعدة العريضة من الجماهير (بلبز). وقد أدَّى ذلك إلى اتساع الهوة بينطبقات المجتمع وإلى ظهــور عقيدتين ســياسيتين متصارعتين. فتبنَّى أعضاء النخبةالحاكمة، بثقتهم الزائدة في أنفسهم، سيكولوجيا الفرسان (الحلولية). كما أن اعتمادهمعلى ريع ضياعهم جعلهم يتبنون عبادة إله الخصب بعل (الحلولية) الذي كان يحكم الناستماماً كما يحكم الإقطاعي أقنانه وفلاحيه.

    أما الجماهير، فقد ازدادارتباطها بالماضي البدوي البسيط وبُمثله العليا وبعبادة يهوه. وقد قامت طبقةالمثقفين الذين لم يجدوا مكاناً لأنفسهم في الهيكل السياسي الملكي الجديد بقيادةهذه الجماهير، كما أن هؤلاء المثقفين هم الذين عمَّقوا وطوَّروا ديانة يهوه. وكانتالقضية الأساسية التي واجهوها هي قضية العدالة الإلهية (إذ كيف يمكن تفسير بؤسالجماهير؟)، فقاموا بتطوير العقيدة على أسس عقلانية للإجابة عن هذا السؤال بطريقةتلائم نفسية الجماهير وحسها الديني وتطلعها إلى توضيح الأمور بالنسبة لمصيرهاوحلمها بمستقبل مزهر. ومن هنا، كان الإيمان بأن يهوه يتصرف ككائن عاقل يمكنه أنيُغيِّر قراراته. ويصبح أساس هذه الرؤية هو أن يحاول الإنسان أن يكتشف إرادة يهوهوتعاليمه وأن يكشفها للجماهير حتى يمكنها أن تحيا حسب هذه التعاليم، وبالتالي يمكنالتأثير في يهوه ليغيِّر قراراته ولينقذ المؤمنين به من البؤس السياسي والاجتماعي.

    وقد ورث الأنبياء تراث اللاويين وأنبياء الحروب (القضاة)، فحاولوا كأسلافهماكتشاف إرادة يهوه وتحاشوا الطقوس السحرية. والنبي، بحسب تعريف فيبر، هو «إيشهارواح»، وهي عبارة عبرية تعني «رجل الروح». ويضيف فيبر إلى هذه العبارة كلمة «عقلانية» ليصبح النبي هو «رجل الروح العقلانية»، أي المعادي للسحر والمنتمي إلىدعاة الترشيد، وهو أيضاً رجل جماهير («ديماجوج» أي «مهيج»). وربط الأنبياء فكرةالعهد أو الميثاق مع يهوه برؤيتهم للمستقبل وللحرية النهائية لأعضاء جماعة يسرائيل،وكانوا يتصورون أن يهوه سيدخل مستقبلاً في ميثاق لا مع جماعة يسرائيل وحسب بل ومعأعدائها ومع كل الشعوب، وحتى مع المملكة الحيوانية. ويرى فيبر أن إسهام الأنبياءيتلخص في أنهم عمَّقوا عقلانية مفهوم يهوه فربطوا بينه وبين الجماهير، وجعلوا منيهوه إلهاً للعالمين، وبذا حققوا الانتصار النهائي لعملية الترشيد التوحيدي علىالعناصر السحرية.

    وقد ورث الفريسيون تراث الأنبياء، وكانوا يمثلون طبقةالبورجوازية الصغيرة، خصوصاً الحرفيين، ومن هنا جاء التوجه العملي لعقيدتهم. وكانتشرعية الفريسيين لا تستند إلى أية أعمال سحرية وإنما إلى التوراة، أي إلى تعاليمالخالق. وقد سيطرت رؤيتهم على اليهود في شتاتهم، أي في انتشارهم، بحيث أصبح نشاطاليهود الفكري الأساسي هو دراسة التوراة. إن هذه الرؤية لابد أن تكون معادية للسحرولعبادة بعل الحلولية المرتبطة بالسحر والطقوس الجنسية والقرابين البشرية، فهي رؤيةتؤدي إلى ترشيد عملية الخلاص بحيث لا يتم بطريقة عشوائية عن طريق إرضاء الإلهبالقرابين والتعاويذ كلما ظهرت الحاجة، وبلا منطق أخلاقي واضح وبالوسائل السحرية،وإنما يتم بطريقة منهجية منظمة عن طريق العمل الصالح (في الدنيا) وضبط النفس واتباعالمُثُل الأخلاقية والتعامل مع الذات ومع الواقع وإخضاع الذات والعالم لقانون الإلهالواحد بطرق متكاملة لا تترك أية تفاصيل خارج نطاق عملية الخلاص المنهجية، بحيثيقوم المؤمن بإخضاع نسق حياته بكل تفاصيله لقواعد خارجية فيكافئه الإله العادل علىأفعاله. وتؤكد هذه الرؤية أيضاً تزايد تحكم الإنسان في مصيره وفي بيئته وتركُّزالاهتمام على هذه الدنيا. ولذا، فإن الخلاص لا يتم عن طريق الشطحات الصوفيةوالانسحاب من الدنيا وإنما بإطاعة قانون الإله وتسخير الذات والواقع في خدمته بشكلمنهجي، ومن ثم ظهرت روح الإنجاز بين اليهود إذ توجد علاقة وثيقة بين الرغبة فيالتحكم وروح الإنجاز. ومع تزايد التحكم وروح الإنجاز، يزداد التوجه إلى المستقبلوالتركيز عليه.

    كل هذه العناصر هي، في نظر فيبر، أشكال من ترشيد علاقةالخالق بالمخلوق. ومع أن هذا الترشيد يتم في إطار ديني، فهو ترشيد تقليدي متوجه نحوالقيمة التي تحددها المعايير الأخلاقية المطلقة، إلا أن الصيغة المنهجية التي يتمبها هي بمثابة إعداد نفسي للإنسان والمجتمع يخلق تبادلاً اختيارياً أو قابليةللترشيد العلماني الحديث (وهو ترشيد إجرائي يتم خارج إطار أية مطلقات معرفية أوأخلاقية في مرحلة تاريخية لاحقة). فإخضاع الحياة الدينية لمنهج متسق أدَّى إلىاستبعاد الطرق الارتجالية للتحكم؛ مثل السحر والأشكال البدائية للتنبؤ. فحل النبيمحل الساحر، ثم استمرت العملية حتى حل البيروقراطي الحديث محل الجميع (وهذا هو مايسميه فيبر «نزع السحر عن العالم»)، أي أن اليهودية (باعتبارها ديانة توحيدية) دعمتالاتجاه نحو الترشيد في الحضارة الغربية (ومن ثم الحضارة الحديثة بشكل عام).

    الجدير بالذكر أن فيبر يشير إلى أن اليهودية لم تكمل العملية الترشيديةنظراً لظهور عقائد غير رشيدة داخل اليهودية. فالأنبياء أكدوا أن الإله هو إلهالعالمين، ولكنهم مع هذا أكدوا أيضاً أن جماعة يسرائيل هي وحدها شعبه المختار، وأنكل الشعوب الأخرى ليست إلا وسيلة لتحقيق غايته، أي أن يهوه أصبح إلهاً عالمياً وإلهشعب يسرائيل في آن واحد. وقد فُسِّر هذا التناقض على أساس أن يهوه هو رب العالمينحقاً بمقدار دخوله في ميثاق أو عهد مع شعب يسرائيل وحده.

    وبهذا، أصبح أعضاءجماعة يسرائيل هم الشعب المختار. ولكنهم حينما أصبحوا فيما بعد شعباً منبوذاً ليسلهم أي استقلال سياسي، بدأوا في تفسير هذا المفهوم تفسيراً جديداً. فهذا الشعبالمختار المنبوذ بوسعه، من خلال المعاناة والإيمان بالخالق، أن يصبح مخلّصاًللإنسانية جمعاء، وبذا أصبح الشعب منبوذاً لأنه مختار، بل أصبح النبذ هو أكبر شاهدعلى اختياره.

    وقد واكب ذلك ظهور الأخلاقيات المزدوجة التي تعنيوجود مقياس للحكم على الشعب مختلف عن ذاك الذي يُستخدَم للحكم على الشعوب الأخرى. ثم قام عزرا ونحميا بتشديد قبضة الشعائر على اليهود وقويا دعائم الجيتو الداخلي،وبذا بدأ الشعب اليهودي في عزل نفسه طواعية عن بقية الشعوب. وهذه الأفكار (خصوصيةيهوه ـ الشعب المختار ـ الأخلاقيات المزدوجة ـ العزلة الشعائرية) تتنافى مع عمليةالترشيد، تلك العملية التي قام بها، وبشكل كامل، المسيحيون البروتستانت وليساليهود. ولكن فيبر يذهب، مع هذا، إلى أن اليهودية ساهمت بشكل أكيد في توليد عمليةالترشيد، وأن المسيحية الغربية ورثت هذه العناصر الرشيدة والترشيدية من العقيدةاليهودية، ثم قامت بتطويرها ووصلت بهذا التطوير إلى منتهاه: العلمنة الكاملةللمجتمع.

    ويتفق بيتر برجر مع ماكس فيبر في أن اليهودية لعبت دوراً فيعمـلية الترشيد، ولكنه ينسب لها أهمية أكبر من تلك التي ينسبها لها فيبر. ولتوضيحهذه النقطة يُعرِّف برجر العلمنة بأنها « استقلال مجالات مختلفة من النشاط الإنسانيعن سيادة المؤسسات الدينية ورموزها »، أيانحسار القداسة عن الدنيا بشكل تدريجينتيجة لتزايد ترشيد العالم. ويشير برجر إلى أن ثمة واحدية كونية (بالإنجليزية: كوزميك مونيزم cosmic monism) تسم العبادات المصرية والشرقية القديمة التي تنطلق منالإيمان بأنه لا يوجد فارق كبير بين عالم الطبيعة والإنسان من جهة وعالم الآلهة منجهة أخرى، إذ يحل الإله في الإنسان والطبيعة ويوحِّد بينهما (المرجعية الكمونية). ويرى برجر أن اليهودية تختلف عن الرؤى الكونية الوثنية (التي تتسم بالحلوليةالكمونية) والتي سادت الحضارات المجاورة، وأن نقط الاختلاف هي نفسها التي جعلتاليهودية تلعب دوراً مهماً في ترشيد الواقع ومن ثم في ظهور العلمانية:







  4. #54
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    1
    ـالإيمان بإله مفارق:

    آمن العبرانيون، أو جماعة يسرائيل (حسب رأي برجر) بإلهمفارق للدنيا (المرجعية المتجاوزة)، وهو ما يعني وجود ثغرة ومسافة بين الخالقوالطبيعة وبين الخالق والمخلوقات، ومن ثم فإن القداسة تم نزعها إلى حدٍّ ما منالعالم. فإله العهد القديم لا يحل في الدنيا أو في أرض الوطن التي ينتمي إليهاالعابد، كآلهة العالم الوثني، وإنما يقف خارج الكون ويواجهه، فهو ليس بإله قوميمرتبط بشكل حتمي ونهائي بجماعة يسرائيل في الماضي والحاضر والمستقبل، وإنما يرتبطبهذه الجماعة بعقد محدَّد واضح.

    2
    ـ رؤية التاريخ باعتباره منفصلاً عنالطبيعة إذ يتجلَّى فيه الإله:

    يصف برجر العقد بين الإله وجماعة يسرائيلبأنه تاريخي، أي يتحقق في التاريخ الإنساني لا في آخر الأيام. ومعنى ذلك أناليهودية ديانة تاريخية على عكس الديانات الوثنية الحلولية (الكمونية) حيث يحلُّالإله في الطبيعة، ومن ثم فهي عبادات طبيعية. والعهد القديم لا يحوي أساطير كونيةتخلع القداسة على كل شيء في الطبيعة وإنما يحوي تاريخ أفعال الإله وبعض الأفرادالمتميِّزين من ملوك وأنبياء. والأعياد اليهودية، في تصوُّره، لا تحتفل بقوى كونية،فهي ليست أعياداً طبيعية تحتفل بتغير الفصول، وإنما هي أعياد تحتفل بأحداث تاريخيةمحددة. وكل هذا يعني أن القداسة تم انتزاعها من الطبيعة، بل ومن بعض أحداث التاريخ،ولا تتجلى القداسة إلا في جوانب محدَّدة من تاريخ جماعة يسرائيل على وجه الخصوصوتاريخ العالم بأسره على وجه العموم، أي أن بعض جوانب التاريخ، لا الطبيعة بأسرها،أصبحت هي موضع الكمون والحلول الإلهي.

    3
    ـ ترشيد الأخلاق:

    ثمةانفصال، إذن، بين الإله والتاريخ من جهة والطبيعة من جهة أخرى. ولا تنتمي الشرائعوالأخلاق التي يهتدي الإنسان بهديها لعالم الطبيعة الكوني، فهي أوامر من الخالق يتمتنفيذها في المجتمع داخل الزمان. ولكل هذا، يرى برجر، مثله مثل فيبر، أن الرؤيةاليهودية تذهب إلى أن حياة الفرد والأمة يجب أن تسخَّر في خدمة الإله بشكل منهجيومنظم حسب القواعد التي أرسل بها، وبذلك يكون قد تم ترشيد الأخلاق الإنسانية بفصلالإنسان والأخلاق عن عالم الطبيعة، ومن ثم تم استبعاد التعاويذ والصيغ السحريةكوسائل للخلاص.

    والمتتالية الكامنة في كتابات فيبر وبرجر، والتي تربط بينالتوحيد والعلمنة من خلال عملية الترشيد، هي كما يلي: ثورة توحيدية على الواحديةالكمونية الكونية ـ الإيمان بالإله الواحد المتجاوز للطبيعة والتاريخ (المرجعيةالمتجاوزة) ـ الإيمان بمقدرة الإنسان على تجاوز واقعه وذاته ـ انعدام التوازن بينالذات والطبيعة ـ ترشيد (أي إعادة صياغة) عملية الخلاص وحياة المؤمن، وأخيراًالعالم بأسره، في ضوء الإيمان بالإله الواحد (المبدأ الواحد) لاسترجاع شيء منالتوازن ـ عدم التعامل مع الواقع بشكل ارتجالي وإنما بشكل منهجي بهدف التحكم فيهلخدمة الإله أو المبدأ الواحد (ترشيد تقليدي متوجه نحو القيمة) ـ اختفاء القيمةوالمقدرة على التجاوز وظهور الترشيد المتحرر من القيم والمتوجه نحو أي هدف يحددهالمرء (الترشيد الإجرائي) ـ وهذا النوع من الترشيد يتم دائماً في واقع الأمر فيإطار الطبيعة/المادة والإنسان الطبيعي/المادي (المرجعية الكامنة) - العلمنةالكاملة.

    والمتتالية في رأينا ليست دقيقة وليست حتمية، فعملية الترشيد التيتتم داخل إطار توحيدي وداخل إطار المرجعية المتجاوزة تظل محكومة بالإيمان بالإلهالواحد المتجاوز لعالم الطبيعة والتاريخ، ولذا نجد أن التوحيد يصر على الرؤيةالثنائية ويبرز الفروق بين النسبي والمطلق وبين الإنسان الطبيعي والإنسان الرباني (الجسد والروح ـ الدنيا والآخرة ـ الأرض والسماء) ولا يسقط في أية واحدية روحية أومادية. وإذا كان الترشيد هو رد كل شيء إلى مبدأ واحد، فإن هذا يعني ببساطة أنالمبدأ العام الذي سيُردُّ إليه الكون في الإطار التوحيدي هو الإله المتجاوزللطبيعة/المادة، وهو مبدأ يؤكد وجود مسافة بين الخالق والمخلوق ينطوي على الثنائيةالفضفاضة وعلى التركيب. وهو مبدأ يمنح الواقع قدراً عالياً من الوحدة ولكنها وحدةليست واحدية مصمتة، ولذا فهي لا تَجبُّ التنوع والتدافع. وعلى هذا، فإن عمليةالترشيد في الإطار التوحيدي لن تسقط في واحدية اختزالية لأن التجريد مهما بلغمقداره لا يستطيع أن يصل إلى الواحد العلي المتجاوز (فهو بطبيعته متجاوزللطبيعة/المادة)، ولذا لا يمكن الوصول إلى قمة الهرم والالتصاق بالإله والتوحُّدمعه والتربع معه على قمة الهرم، ومن ثم يستحيل التجسد ويستحيل أن يفقد العالمهرميته ويستحيل أن تُختزَل المسافة بين الخالق والمخلوق، وأن يحل الكمون محلالتجاوز. ولهذا يظل التواصل بين الخالق والمخلوق من خلال رسالة يرسلها الإله تتضمنمنظومة معرفية وأخلاقية مطلقة متجاوزة للطبيعة/المادة. ومن ثم، يظل الترشيد ترشيداًتقليدياً يدور داخل إطار المطلقات التي أرسلها الإله المتجاوز، ويظل الواقع مركباًيحتوي على الغيب ويسري فيه قدر من القداسة، ويظل الإنسان مُستخلَفاً يعيش في ثنائيةالروح والجسد لا في الواحدية المادية، وهي ثنائية تشير إلى الثنائية التوحيديةالنهائية: ثنائية الخالق والمخلوق.

    أما الحلولية الكمونية فأمرها مختلفتماماً، وهي التي تخلق في تصوُّرنا قابلية للعلمنة، فالحلولية لها شكلان: وحدةالوجود الروحية، ووحدة الوجود المادية. ووحدة الوجود، سواء في صيغتها الروحية أو فيصورتها المادية، رؤية واحدية تَرُدُّ الواقع بأسره إلى مبدأ واحد هو القوة الدافعةللمادة الكامنة فيها التي تتخلل ثناياها وتضبط وجودها، وهو يُسمَّى «الإله» فيمنظومة وحدة الوجود الروحية ويُسمَّى «قوانين الحركة» في وحدة الوجود المادية،وحينما يُردُّ العالم إلى هذا المبدأ الكامن تسقط كل الثنائيات ويتحوَّل العالم إلىكل مصمت لا يعرف أية فجوات أو أي انقطاع، ويصبح الإنسان جزءاً لا يتجزأ منه، غيرقادر على تجاوزه.

    والمتتـالية التي نقترحها لتفسـير علاقة الحلوليةبالعلمانية هي ما يلي: واحدية كونية ترد العالم بأسره إلى مبدأ واحد كامن فيه ـترادُف الإله والطبيعة والإنسان وإنكار التجاوز - عالم يحكمه قانون واحد وحالةاتزان بل وامتزاج والتحام بين الإنسان الطبيعي/المادي والطبيعة/المادة ـ سيادةالقانون الطبيعي (المادي) وترشيد (إعادة صياغة) البشر والمجتمع حسب مواصفات هذاالقانون - العلمنة الشاملة. وعملية الترشيد والتجريد في إطار حلولي كموني تؤدي إلىالواحدية الكونية المادية التي تسقط كل الثنائيات وتؤدي إلى هيمنة المبدأالطبيعي/المادي الواحد. وتستمر عملية التجريد لا تحدها حدود أو قيود. بل إن الإطارالحلولي الواحدي يساعد على سرعة اتجاهها إلى نقطة الواحدية المادية حيث يصبح المبدأالواحد كامناً تماماً في العالم الطبيعي وتختفي الثنائيات وتسقط المسافات ويُختزَلالعالم إلى مستوى طبيعي واحد أملس لا يمكن تجاوزه، مكتف بذاته، يحوي داخله كل مايلزم لفهمه ويتحرك حسب قانون صارم مطرد كامن في داخله.

    إن المتتالية التينقترحها هي عكس المتتالية التي يقترحها فيبر وبرجر فليـس التوحـيد هو الذي يؤدي إلىالعلمانية وإنما الحلولية الكمونية. ولعل الضعف الأساسي في متتالية فيبر وبرجر هوأنها لا تفسر لم وكيف تم الانتقال من الترشيد التقليدي في إطار المرجعية المتجاوزةوالمتوجهة نحو القيمة إلى الترشيد الإجرائي في إطار المرجعية الكامنةوالطبيعة/المادة، فهما يقفزان من خطوة إلى التي تليها دون أن يبينا الأسباب.

    وقد تمت عملية القفز هذه لأن كلاًّ من فيبر وبرجر، ومنظّري علم الاجتماعالغربي ككل، لم يستطيعوا التمييز بين الواحدية المادية الحلولية الكمونية التي تسقطالثنائيات والمطلقات والمركز من جهة، والتوحيد (بما يحوي من تجاوز وثنائية) من جهةأخرى. ولعل هذا يعود، في حالة فيبر وبرجر إلى أن خلفيتهما الدينية الغربية جعلتنموذجهما التحليلي غير قادر على رصد هذا الفرق الدقيق والجوهري. فقد سيطرت رؤيةحلولية كمونية على الفكر الديني المسيحي الغربي. وهذه الرؤية ذات أصل بروتستانتيوجذور غنوصية، ولكنها هيمنت على الوجدان الديني المسيحي الغربي. وقد أدت هذه الرؤيةإلى تأرجح حاد بين رؤية للإله الواحد باعتباره مفارقاً تماماً للعالم (إلى حدالتعطيل) يتركه وشأنه مثل إله إسبينوزا، فيصبح العالم كتلة موضوعية صماء بلا معنىولا هدف (التمركز حول الموضوع)، أو هو إله حالٌّ تماماً لا ينفصل عن الذاتالإنسانية (التمركز حول الذات). وفي كلتا الحالتين لا توجد علاقة بين الإله وبينالعالم، فهو إما مفارق تماماً له أو حالّ كامن فيه تماماً، أي أنها إثنينية أوثنائية صلبة وليست ثنائية تكاملية. وإن كان يمكن القول بأن الأمر الأكثر شيوعاًالآن في الغرب هو فكرة الإله الحال والكامن في الطبيعة والإنسان. وهو أمر متوقعتماماً، فالمسيحية الغربية تعيش في تربة علمانية كمونية. ولذا، اختفى الإله المفارقحتى حد التعطيل في القانون الطبيعي، ولم يبق منه سوى ذرات وترسبات كامنة في نفوسوقلوب بعض من لا يمكنهم قبول وحشية النظام العلماني الواحدي المادي. وفيبر وبرجريتحركان داخل هذا الإطار الحلولي الكموني، ولذا لم يتمكن أيٌّ منهما من أن يرصدتَصاعُد معدلات الحلولية والكمونية في اليهودية والمسيحية (منذ عصر النهضة). ولهذا،نجد أن كلاً منهما - في دراسته لليهودية - قد أهمل المكون الحلولي القوي في العقيدةاليهودية الذي يتبدَّى بشكل واضح في صفحات العهد القديم، وبخاصة في أسفار موسىالخمسة. وقد ركزا في تحليلهما على كتب الأنبياء، التي تحتوي على عنصر توحيدي قويولكنها تشكل الاستثناء لا القاعدة في العهد القديم. ويبدو أن معرفة كل منهمابالتلمود ليست معرفة مباشرة وإنما من أقوال ومراجعات الآخرين، ولذا لم يلحظ أيٌّمنهما النزعة الحلولية القوية داخل التلمود، ولم يلحظا الفروق الجوهرية بين الرؤيةالتوحيدية كما ترد في كتب الأنبياء والرؤية الحلولية الكمونية في التلمود. وأخيراً،لا توجد أية إشارة للقبَّالاه في كتاباتهما باستثناء إشارات عابرة تدل على أنأصحابها لا يعرفون التراث القبَّالي بما فيه الكفاية، وربما يعرفون القبَّالاهككلمة وحسب.






  5. #55
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    ويتضح عدم إدراك برجر للمكون الحلولي في اليهودية في حديثه عنالتصور اليهودي للإله باعتباره إلهاً مفارقاً للطبيعة وللإنسان. فاليهودية تركيبجيولوجي تراكمي، ولذا يوجد داخلها التصور التوحيدي للإله، ولكن توجد إلى جوارهتصورات أخرى تتناقض مع التصور التوحيدي تماماً، وهي تصورات أكثر شيوعاً ومركزية منالتصور التوحيدي. كما أن برجر في حديثه عن الأعياد اليهودية يقول إنها أعياد تحتفلبأحداث تاريخية ولا تحتفل بقوى كونية. وقد بيَّنا في دراستنا للأعياد (انظر البابالمعنون: «الأعياد اليهودية» في المجلد الخامس من الموسوعة) أنها تحتوي على كل منالعنصرين، فعيد الفصح هو عيد خروج الشعب من مصر (مناسبة تاريخية) وهو عيد الربيع فيآن واحد. أما فيما يتصل بترشيد الأخلاق، فقد قضت عليه الأخلاقيات المزدوجة التياتسم بها أعضاء الجماعات اليهودية كجماعة وظيفية. ومن المعروف أن اليهودية (معهيمنة القبَّالاه) سيطر عليها الإيمان بالسحر والتعاويذ وزادت شعائر الطهارة، وهوما جعلها قريبة من العبادات الوثنية الحلولية القديمة التي يُفتَرض أن اليهوديةالتوحيدية قد تمردت عليها. وقد أشار فيبر إلى سقوط اليهودية في الحلولية ولكنه قرر،بناءً على هذا، استبعاد اليهودية من نموذجه التفسيري، زاعماً أن التوحيد اليهودي قداستمر من خلال العقيدة المسيحية.

    إلى جانب هذا، أهمل كل من فيبر وبرجر رصدتَصاعُد معدلات الحلولية والكمونية في المسـيحية الغربية ذاتهـا (وفي المجتمعالغربي ككل). فلم يتحدثا عن الربوبية والماسونية وظهور القبَّالاه المسيحية وتغلغلالحلولية الكمونية في الفكر الديني المسيحي (وبخاصة في الفرق البروتستانتية).

    ونحن نذهب إلى أن العلمانية هي شكل من أشكال الكمونية المادية وأن ما حدثأن معدلات الحلولية الكمونية في الحضارة الغربية والمسيحية الغربية تزايدت تدريجياًإلى أن وصل الكمون إلى منتهاه (وأصبح الإله كامناً تماماً في الطبيعة والتاريخ)،فظهرت المنظومة العلمانية. وبهذا المعنى، وُلدت العلمانية من رحم كل من: اليهوديةوالمسيحية، بعد تراجُع التوحيد والتجاوز ومع تزايُد الحلول والكمون.

    والمتتالية التي نقترحها أبسط من متتالية برجر وفيبر، كما أن لها قيمةتفسيرية أعلى. وعلى سبيل المثال، يمكن فهم الإصلاح الديني (وهو أول حلقات عمليةالعلمنة في الغرب) وانتشار الصوفية الحلولية في صفوف البروتستانت في ضوء هذهالمتتالية، وهي تبيِّن علاقة الفكر الإنساني (الهيوماني)، مثلاً، بالفكرالبروتستانتي على أساس أنهما نوعان من أنواع الفكر الحلولي الكموني الواحدي؛ حققالفكر الإنساني الهيوماني الواحدية من خلال استبعاد الإله، وحقق الفكر البروتستانتيالواحدية نفسها إما من خلال حلول الإله في الإنسان والطبيعة أو من خلال مفارقتهلهما حتى حد التعطيل، أي أن واحدية الفكر الهيوماني تعبير عن حلولية كمونية ماديةبينما واحدية الفكر البروتستانتي تعبير عن حلولية كمونية روحية. ويشكل إسبينوزانقطة تحوُّل مهمة إذ عبَّر عن توازي هـذين الضربين من الحلوليـة الكمـونية فيعبارته «الإله أي الطبيعة». ومن تحت عباءة إسبينوزا خرجت المنظومات العلمانيةالفلسفية الغربية، فيأتي هيجل، وهو صاحب نظام حلولي كموني واحدي شامل يتسم بتعدديةظاهرة وواحدية صلبة كامنة تتحد في نهايته الروح بالطبيعة والفكر بالمادة والكلبالجزء والمقدَّس بالزمني. ثم يأتي نيتشه، وهو فيلسوف حلولي كموني آخر، ليشكل القمة (أو الهوة) الثانية في الفلسفة العلمانية، فهو يلغي الثنائية الظاهرة تماماً ويصلبالنسق إلى الواحدية الكاملة فيعلن أنه لا يوجد فكر أو روح أو اسم لإله وإنما مادةمحض، وهي مادة سائلة لا قانون لها سوى قانون الغاب ولا إرادة لها سوى إرادة القوة،ولا يوجد سوى أجزاء، فيموت الإله وتسقط فكرة الكل ذاتها.

    وإذا كان المشروعالتحديثي للاستنارة قد خرج من تحت عباءة إسبينوزا، فقد خرجت ما بعد الحداثة بوجههاالقبيح من تحت عباءة نيتشه. ثم جاء دريدا الذي وصل بالسيولة إلى منتهاها وأعلن أنالعالم لا مركز له ولا معنى وأنه سيولة لا يمكن أن يصوغها أحد أو يفرض عليها أيشكل، وأننا حينما ننظر لا نرى قانون الطبيعة الهندسي (على طريقة إسبينوزا) ولاالغابة التي تحكمها إرادة البطل (على طريقة نيتشه) وإنما نرى الهوة (أبوريا)، وهذاهو عالم مادونا ومايكل جاكسون (عالم تتساوى فيه مادونا بمايكل جاكسون ووليامشكسبير)، عالم عبارة عن موجات متتالية بلا معنى، عالم علماني صلب تماماً.

    ونحن نرى أن بروز اليهود في الحضارة الغربية العلمانية (وليس قبل ذلك) يعودإلى أن مفردات الحلولية هي مفردات هذه الحضارة وإلى أن اليهود (بسبب عمق الحلوليةفي تراثهم الديني) أكثر كفاءة في الحركة في هذا العالم العلماني الذي يتسمبالواحدية المادية. وقد وُصفت القبَّالاه بأنها تطبيع للإله وتأليه للطبيعة، وهووصف دقيق للعلمانية التي ترى أن الإله هو المبدأ الواحد الذي يسري في الطبيعة (فيتمتطبيع الإله) والتي تذهب إلى أن العالم مكتف بذاته (واجب الوجود)، يحوي داخله مايكفي لتفسيره (فيتم تأليه الطبيعة). وهذه المقولة هي نظرية إسبينوزا كاملةً. كماوُصفت القبَّالاه بأنها تُجنِّس الإله (أي تجعل الجنس هو المبدأ الواحد الذي يُردُّإليه كل شيء) وتُؤلّه الجنس. وهذه المقولة هي نظرية فرويد في حالة جنينية. ومفرداتالقبَّالاه (والحلولية الواحدية الروحية) الأساسية (الجسد والتنويعات المختلفةعليه: الرحم ـ الأرض ـ الجنس ـ ثدي الأم) هي نفسها مفردات الحلولية الواحديةالمادية، أي العلمانية تقريباً. ولذا، فليس من الممكن النظر إلى إسبينوزا وفرويدباعتبارهما «يهوديين» ولا يمكن رؤية بروزهما وعلمانيتهما الشرسة على أنها نتيجةانتمائهما اليهودي، وإنما يجب أن نضعهما في السياق الحلولي الكموني الواحدي الأكبر،وأن نضع الحضارة الغربية العلمانية ذاتها في السياق نفسه، ومن ثم فإن إسبينوزاوفرويد (اليهوديين) وهوبز ويونج (المسيحيين)، على سبيل المثال، هما تعبير عن النمطالحلولي الواحدي المادي (الغنوصي) نفسه، ومن هنا فإن الجميع يؤمن بالرؤية نفسهاويستخدم اللغة والمفردات نفسها ويصبح الانتماء المسيحي أو اليهودي مسألة ثانويةهامشية، ولا تصلح أساساً للتصنيف أو التفسير.






  6. #56
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    العلمـانية ودور الجمـاعاتاليهودية في ظهورهـا
    Secularism: Role of the Jewish Communities in its Emergence
    ساد بعض الأدبيات العربية والإسلامية القول بأن اليهود هم مخترعوالعلمانية ومروجوها في العالم بأسره، بل إنهم المسئولون عن ظهورها. وهذا ما تؤكدهبروتوكولات حكماء صهيون التي يقتبس منها البعض وكأنها وثيقة علمية مهمة. وبطبيعةالحال، فإن مثل هذه الأطروحة ساذجة للغاية وتعطي لأعضاء الجماعات اليهودية وزناًوحجماً يفوقان كثيراً وزنهم وحجمهم الحقيقيين. فالعلمانية ليست مجرد مؤامرة أو حركةمنظمة أو فكرة أو أقوال، وإنما هي ظاهرة اجتماعية وحقيقة تاريخية ذات تاريخ طويلومركب، تعود نشأتها إلى عناصر اقتصادية وفكرية وحضارية عديدة وإلى دوافع واعية وغيرواعية أدَّت جميعها إلى انقلابات بنيوية في رؤية الإنسان الغربي لنفسه وللطبيعةوالإله، وفي بنية المجتمع نفسه. وهي، شأنها شأن كل الظواهر الاجتماعية والتاريخية،لا تظهر بسبب رغبة بعض الأفراد أو الجماعات في ظهورها وحسب، وإنما تتم أيضاً خارجإرادة الأفراد، ورغماً عنهم أحياناً. وقد تم الانقـلاب العلـماني في الغرب بمـعزلعن أعضـاء الجماعـات اليهودية، كما أن كثيراً من المجتمعات التي لا يوجد فيها يهودعلى الإطلاق (مثل اليابان)، أو توجد فيها أقليات يهودية صغيرة إلى أقصى حد (مثليوغوسلافيا وبلغاريا وشيلي وكينيا)، تمت علمنتها بدرجات متفاوتة، وهو ما يدل على أناليهود ليسوا السبب الوحيد أو الأساسي لظهور العلمانية.

    وثمة ظواهر عديدةساهمت في ظهور العلمانية وتأثرت بها (فهي سبب ونتيجة في آن واحد) مثل الإصلاحالديني، وحركة الاكتشافات، والفلسفة الإنسانية الهيومانية، وفكر حركة الاستنارة (الفكر العقلاني والنفعي)، والدولة القومية المركزية، ثم الثورة الفرنسيةوالصناعية، والثورة الرومانتيكية، وتزايُد تركُّز الناس في المدن، وهي ظواهرتاريخية غربية لم تلعب الجماعات اليهودية فيها دوراً ملحوظاً. فدورهم في الحضارةالغربية حتى نهاية القرن التاسع عشر كان محدوداً للغاية.

    ومع هذا، وبعدتأكيد هذه الحقيقة الأساسية والمهمة، لابد أن نشير إلى أن من المحال أن تحدث ظاهرةبنيويةكاسحة عامة مثل الهيمنة التدريجية للرؤية المعرفية العلمانية الإمبرياليةالتي أثرت في أشكال الحياة كافةً، دون أن يتفاعل معها أعضاء الجماعات اليهودية،ودون أن يساهموا فيها أو يتأثروا بها سلباً أو إيجاباً. فهذه الظاهرة قد وصل أثرهاإلى كل أعضاء المجتمع أيَّا ما بلغت هامشيتهم أو تفردهم أو ضآلة شأنهم. ونظراًلخصوصية وضع الجماعات اليهودية في المجتمع الغربي، فإن علاقتهم بالثورة العلمانيةالكبرى تتسم بالخصوصية. ويمكن أن نقسم الموضوع الذي نتناوله إلى أربعة موضوعات:

    1+2
    ـ علاقة كل من العقائد والجماعات اليهودية بظهور العلمانية.

    3+4
    ـ أثر الثورة العلمانية الكبرى في كل من العقائد والجماعات اليهودية.

    وقد تناولنا علاقة العقيدة اليهودية بالعلمانية في المدخل السابق وسنتناولفي هذا المدخل الموضوع الثاني، أي علاقة الجماعات اليهودية بظهور العلمانية (أماالموضوعان الثالث والرابع فسوف نتناولهما في مدخلين مستقلين(.

    ساهم أعضاءالجماعات اليهودية في حمل الأفكار العلمانية ونشرها. ويجب أن نؤكد، مرة أخرى، أنهملم يفعلوا ذلك رغبةً منهم في تدمير العالم وإيذاء العباد، بل تحركوا كجماعة في إطارمنظومة اجتماعية غربية تتجاوز إرادتهم ورغباتهم وأهواءهم. لكن هذا لا يعني إعفاءالإنسان من المسئولية الخلقية، إذ يظل مسئولاً، على المسـتوى الفردي، عـما يقترفـهمن ذنوب وما يأتي به من حسنات. وهناك كثير من أعضاء الجماعات اليهودية ممن تصدواللعلمانية وحاولوا وقف زحفها. ومن المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية اضطلعوا بدورالجماعات الوظيفية الوسيطة في المجتمع الغربي، وهو ما ولَّد لديهم نزعة حلولية خلقتلديهم استعداداً كامناً للعلمنة. ويمكننا أن نضيف هنا أن اضطلاعهم بهذا الدور جعلمنهم واحداً من أهم عناصر العلمنة المباشرة في المجتمع الغربي. والعلمنة، في جانبمن جوانبها، هي تطبيق القيم العلمية والكمية الواحدية على مجالات الحياة كافة، بمافي ذلك الإنسان نفسه، حتى ينتهي الأمر بتحييد العالم تماماً وترشيده وتحويله إلىحالة السوق والمصنع.

    وعلاقة التاجر والمرابي بالمجتمع ليست علاقة مباشرةوإنما هي علاقة ثانوية أو هامشية، فهما لا ينتجان شيئاً وإنما يسهلان عملية تبادلالسلع التي ينتجها الآخرون من خلال ما يحملون من النقد، وهو أكثر الأشياء تجريداً. والتاجر والمرابي ليسا موضع حب أو كره الناس، فالجميع ينظر إليهم بشكل موضوعي منمنظور مدى نفعهم وأهميتهم الوظيفية. وإلى جانب هذا، كان اليهود يشكلون عنصراً متعددالجنسيات، عابراً للقارات، يقوم بوظيفة التجارة والمصارف الدولية، الأمر الذيعمًَّق تحوسلهم أي تحوُّلهم إلى وسيلة. لكن أعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطة، إلىجانب هذا، أداة في يد الحاكم يستخدمها في امتصاص الثروة من يد الجماهير، وقدشُبِّهوا بالإسفنجة لهذا السبب. وقد كان اليهود دائماً من ملتزمي الضرائب. ولكلهذا، نجد أن علاقة الجماعة الوظيفية الوسيطة بالمجتمع تتسم بالموضوعية والتعاقديةوالتنافسية، الأمر الذي يجعل أعضاء الجماعات اليهودية من أهم عناصر علمنة المجتمعبشكل بنيوي يتجاوز وعي ونوايا أعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطة وأعضاء المجتمعالمضيف في الوقت نفسه.











  7. #57
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    وكان أعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطة يقيمون فيالجيتو ليتم عزلهم عن أعضاء المجتمع وتزيد كفاءة المجتمع في استغلالهم وفي تحقيقالفائدة المرجوة من وجودهم فيه. وقد طُبِّقت على الجيتو، من البداية، الأنساقالمادية الآلية الترشيدية في الإدراك وتنظيم العلاقة، فكان مجتمع الأغلبية ينظر إلىالجيتو من منظور نفعي، ويدخل معه في علاقة تعاقدية باردة برّانية يحكمها القانونوالحسابات والمنفعة لا العواطف أو الأخلاق أو الالتزام الداخلي (الجواني) أو التآلفوالتراحم. ولم يكن مجتمع الأغلبية يتواصل مع أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة ولاينسب إليهم أي معنى إنساني خاص. فاليهود في الجيتو هم مصدر ربح وخدمات وحسب، أيمجرد وسيلة. والعلاقة بين المجتمع والجيتو علاقة تواجُد نفعي في المكان، دون زواجأو حب، ودون مشاركة في الزمان. فالجيتو، مثل الإنسان العلماني النموذجي، كانمنعزلاً موضوعياً محايداً مجرداً مباحاً ولا يتمتع بأية قداسة، فهو مادة استعماليةمحضة. ومن هنا، كانت البغايا في كثير من الأحيان يقطنَّ إما داخل الجيتو أو بجواره. وبهذا، كان الجيتو أول جيب علماني حقيقي. وقد أدَّى كل هذا إلى أن أصبح أعضاءالجماعات اليهودية من أهم القطاعات البشرية في أوربا التي كانت لديها قابليةللعلمنة ومؤهلة للتحرك داخل المجتمع التعاقدي التناحري، إذ أنهم كانوا مسلحينبالكفاءات اللازمة للتعامل مع عالم تسود فيه العلاقات الموضوعية وبشر لا يقبلون إلاالمنفعة قيمة وحيدة مطلقة.

    وبالفعل، لعب اليهود، كجماعة وظيفية وسيطة، دوراًفي علمنة المجتمع، فوسعوا نطاق القطاع الاقتصادي التبادلي، وكانوا عنصراً شديدالحركية في المجتمع الوسيط الذي يتسم بالسكون. وكانوا دائمي البحث عن زبائن جددوسلع جديدة وأسواق جديدة، وكان لا يهمهم الإخلال بتوازن المجتمع أو بقيمه، فهميقفون خارج نطاق العقيدة المسيحية وقيمها، لا يكنون لها أي احترام ولا يشعرون نحوهابأي ولاء، وينظرون إلى أعضاء المجتمع المضيف باعتبارهم شيئاً مباحاً. ولم يكنالتاجر اليهودي، على سبيل المثال، يلتزم بفكرة الثمن العادل أو الأجر الكافي، وإنماكان يحمل رؤية صراعية تنافسية تناحرية غير تراحمية. وهكذا لعب اليهود دوراً فعالاًوحاسماً في تقويض الأخلاقيات الدينية، وفي دفع عملية الترشيد والعلمنة إلى الأمام.

    وفي القرن السابع عشر، تزايد دور اليهود في عملية العلمنة مع ظهور الدولةالمطلقة التي اعتمدت عليهم في عملية علمنة القطاع الاقتصادي والسياسي في المجتمع. وما فعله الأمراء المطلقون في وسط أوربا (في ألمانيا) يصلح مثلاً على ذلك، فقداستخدموا أعضاء الجماعة اليهودية ككل، وكبار المموَّلين اليهود (يهود البلاط علىوجه التحديد) في النشاطات الاقتصادية، مثل: التجارة الدولية، وتمويل الجيوش، وعقدالقروض والصفقات. وقد كان لانتشار يهود المارانو في أرجاء أوربا دور مهـم في عمليةالعلمـنة إذ كانوا هامشـيين لا يؤمنون باليهودية أو المسيحية، فإيمانهم بكلتيهماكان سطحياً للغاية. وقد لعب المارانو دوراً مهماً في التجربة الاستيطانية الغربيةكمموَّلين للشركات الاستيطانية وكمادة استيطانية. ونحن نرى أن الاستعمار الاستيطانيمن أهم التجارب المؤثرة في إنشاء مجتمعات علمانية رشيدة خاضعة للنماذج الماديةالهندسية في الإدارة.
    ويمكننا أن نرى في إسبينوزا تعبيراً عن العناصرالسابقة كلها، فهو من يهود المارانو، وفلسفته واحدية حلولية كمونية، كما أنه ينتميإلى الجماعة اليهودية في أمستردام التي كانت تضم أنشط الجماعات اليهودية الوظيفيةالوسيطة في العالم آنذاك والتي لعبت دوراً مهماً في الاستعمار الاستيطاني، وكانبينهم كثير من يهود البلاط. وكانت أمستردام نفسها مركزاً تجارياً تخلخلت فيه قبضةالسلطة الدينية. وقد تمرَّد إسبينوزا على اليهودية الحاخامية، فطُرد من حظيرة الديناليهودي، ولكنه لم يتبن أي دين آخر، ولذا فإن البعض يرون أنه أول إنسان علمانيحقيقي في التاريخ.

    ومع هذا، ولأسباب عديدة ربما من أهمها انعزال يهوداليديشية (في شرق أوربا) الذين كانوا يشكلون أغلبية يهود العالم آنذاك داخل الجيتووالشتتل، انفصل أعضاء الجماعات اليهودية عن التحولات الفكرية والبنيوية الضخمة فيأوربا. وكان أغلبيتهم من المؤمنين بدينهم، يتبعون حاخاماتهم، أو قياداتهم الدينيةغير الحاخامية في حالة الحسيديين، ويتمسكون بتقاليدهم الدينية والاجتماعية. وقدهاجرت أعداد كبيرة من هؤلاء إلى النمسا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، وقاوموا محاولاتالعلمنة والتحديث بضراوة. ولكن الدول الغربية قامت بعملية علمنة اليهود، وغيرهم منالجماعات الإثنية والدينية، بشراسة غير عادية ابتداءً من أوائل القرن التاسع عشر. وتمت أهم المحاولات بصورة أكثر منهجية في فرنسا على يد نابليون، ثم تبعتها ألمانياوالنمسا وروسيا القيصرية في منتصف القرن. وتكفلت الولايات المتحدة (المجتمعالعلماني شبه النموذجي) بالإجهاز على ما تبقَّى من انتماء ديني بين المهاجرين منيهود اليديشية وغيرهم. ويرى مؤرخو الجماعات اليهودية أن تأخُر بعض الجماعاتاليهودية في دخول العصر الحديث العلماني هو جوهر ما يُسمَّى «المسألة اليهودية»، إذظلوا يشكلون جيباً دينياً تقليدياً في مجتمع علماني حديث.

    وبعد هذاالتاريخ، تزايد دور أعضاء الجماعات اليهودية كحَمَلة للفكر العلماني وكأدواتللعلمنة. ويُلاحَظ أنه بعد أن فرضت الدولة المطلقة العلمنة قسراً على أعضاءالجماعات اليهودية، استبطنوا هم أنفسهم الرؤية العلمانية وحققوا درجة عالية منالاندماج وأصبحوا أهم رواد العلمانية ومن أكثر الداعين لها حماسة وتطرفاً، وذلكللأسباب التالية:

    1
    ـ تمت علمنة أعضاء الجماعات اليهودية بسرعة وفجاجة غيرعادية (على عكس أعضاء الأغلبية في المجتمع) قذفت بهم بعنف في عالم العلمانية، الأمرالذي جعلهم يتجاوزون بقية أعضاء المجتمع في معدلات العلمنة، إذ تمت العملية بالنسبةلهؤلاء ببطء وبشكل أقل عنفاً. وقد نوقشت المسألة اليهودية في إطار مدى نفع اليهود (المادي) ولذا سارع أعضاء الجماعات اليهودية الراغبون في الاندماج إلى ترشيد حياتهموذواتهم من الداخل والخارج حتى يبينوا نفعهم لأعضاء الأغلبية ومقدرتهم علىالانتماء.

    2
    ـ يُلاحَظ أن العلمانية الغربية ورثت بعض الرموز المسيحيةوعلمنتها، فإصطلاحات مثل «النهضة» أو«الاستنارة» ذات جذور مسيحية (قيام المسيحوهالات القديسين ونور الإله)، ويمكن منثم أن تكتسب مضموناً مسيحياً أو شبه مسيحي. كما أن الصورة المجازية العضوية وهي صورة مجازية أساسية في الفكر العلماني (الذييرى أن ثمة قانوناً واحداً في الكون) ليست بعيدة عن فكرة التجسد المسيحي (نزولالإله ليصبح بشراً) وعن فكرة أن الكنيسة هي جسد المسيح. وتداخُل الرموز الدينية معالرموز العلمانية يقلل من حدة علمانيتها قليلاً ويخلق قدراً من الاستمرارية، علىالمستوى الوجداني وعلى مستوى الديباجات أما بالنسبة إلى عضو الجماعة اليهودية، فإنالمصطلحات العلمانية تشير إلى مفاهيم علمانية محضة لا تحتوي على أية قداسة أو أصداءللقداسة.

    3
    ـ كانت أعداد كبيرة من اليهود أعضاء في الطبقة البورجوازيةالصغيرة في الغرب، وهي طبقة ساهمت بدور أساسي في الحرب ضد الإقطاع والكنيسة. كما أنأعضاء البورجوازية يلتزمون بشكل شبه مطلق بالحراك الاجتماعي (الآلية الأساسيةللبقاء بالنسبة لهم). ولذا، فهم على أتم استعداد للتخلي عن قيمهم أو خصوصيتهملتحقيق هذا الحراك.

    4
    ـ كانت أعداد كبيرة من يهود العالم في حالة هجرة منبلد لآخر. والمهاجر، بسبب حركيته وعدم انتمائه، يكون عادةً من حملة الفكر العلماني.

    5
    ـ يُلاحَظ أن كثيراً من أعضاء الجماعات اليهودية، سواء في روسيا داخلمناطق الاستيطان (مع هبوط بعض أعضاء البورجوازية الصغيرة اليهودية في السلمالطبقي)، أو في الولايات المتحدة (بعد وصولهم كمهاجرين)، انخرطوا في صفوف الطبقةالعاملة المقتلعة من جذورها والتي تشكل العمود الفقري للعلمنة.

    6
    ـ تركُّزمعظم أعضاء الجماعات اليهودية في المدن التي تُعَدُّ دائماً مراكزاً للعلمنة.

    7
    ـ هناك، أخيراً، السبب العام وهو أن كثيراً من أعضاء الأقليات يتبنونالفكر العلماني لأنهم يتصورون أنه سيخلق الجو الملائم لتحقيق المساواة الكاملة بينأعضاء الأقلية وأعضاء الأغلبية، سواء في عالم الاقتصاد أو في عالم الرموز (وقدأثبتت التطورات التاريخية اللاحقة أنه أمر لم يكن دقيقاًتماماً).






  8. #58
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    أثــــر العلمانيـــــة فــي اليهوديـــــة
    The Impact of Secularism on Judaism
    تركت العلمانية أثراً عميقاً في اليهودية. والواقع أنه،حينما تصاعدت معدلات العلمنة في المجتمع الغربي، كانت اليهودية الحاخامية قد دخلتمرحلة الأزمة، وهيمنت القبَّالاة الحلولية على الجماهير اليهودية بحيث أصبحت رؤيتهاللكون حلولية متطرفة. ونتيجةً لذلك، بدأت مرحلة التفجرات المشيحانية ومن أهمها حركةشبتاي تسفي، والتي بدأت في سالونيكا والدولة العثمانية وانتشرت منها إلى أرجاءالعالم في القرن السابع عشر، وتبعتها الحركة الفرانكية في بولندا في القرن الثامنعشر، وانتهت بالحركة الحسيدية التي سيطرت على معظم جماهير اليهود في شرق أوربا معنهاية القرن الثامن عشر. لكل هذا، كانت اليهودية قد وصلت إلى مرحلة تتطلب « الإصلاحالديني». ولكن، بسبب تكلس اليهودية الحاخامية شكلاً ومضموناً بين أوساط النخبةالدينية، وبسبب انتشار الحلولية بين الجماهير، أصبح من العسير إصلاح اليهودية منالداخل. وأخذ الإصلاح شكل تبنِّي الأشكال الدينية الإصلاحية المسيحية، ثم تحوَّلتإلى العلمنة الصريحة بعد فترة. وقد بدأ الإصلاح الديني بمحاولة إصلاح الجانبالجمالي، فأُلقيت المواعظ باللغة السائدة في المجتمع، وأُدخل الغناء في الصلوات حيثكانت تؤديه في البداية جوقة من الذكور ثم جوقة مختلطة، كما أُدخل الأرغن، وهذه كلهاعناصر مستمدة من طقوس العبادات المسيحية. ثم تصاعدت درجة الإصلاح الديني وتجاوزتالجانب الجمالي ووصلت إلى الجانب العقيدي، فظهرت اليهودية الإصلاحية والمحافظةوالتجديدية، وهي صيغ من اليهودية مخففة للغاية لا تعترف بها اليهودية الأرثوذكسيةالحاخامية ولا تعترف بحاخاماتها. ومن هنا كان ظهور مشكلة من هو اليهودي؟

    وهذه الفرق الجديدة ذات الطابع الربوبي العقلاني، والتي تذهب إلى أن العقلالبشري يمكنه الوصول إلى الحقائق الدينية بدون وحي إلهي، وأن الشريعة اليهودية ليستمنزَّلة من الإله، تحاول أن تقلص رقعة الغيب على قدر الإمكان أو تلغيه تماماً أوتستبعده من نموذجها المعرفي والتفسيري والأخلاقي. وبدلاً من ذلك، فإنها تتبنىمطلقات علمانية، مثل روح العصر في اليهودية الإصلاحية، أو روح الشعب في اليهوديةالمحافظة، أو التقدم (في إطار المجتمع الأمريكي) في اليهودية التجديدية.

    ثمتزايدت معدلات التحديث والعلمنة على مستوى الشعائر وبشكل جذري، فحدث الاختلاط بينالجنسين، وأُلغي غطاء الرأس، وتم ترسيم النساء كحاخامات، وخُففت شعائر السبت، وتمالتخلي عن التلمود كمصدر أساسي للتشريع، وأُقيمت صلوات السبت يوم الأحد. ثم تصاعدتوتيرة الإصلاح إلى أن أصبحت علمانية صريحة، ففي بعض الأبرشيات الإصلاحية أصبحتصلوات السبت تقام في اليوم الذي يتفق عليه المصلون. وقد بدأ مؤخراً قبول الشواذجنسياً في الأبرشيات اليهودية المختلفة، بل بدأت تظهر أبرشيات مقصورة عليهم، كماقُبل ترسيم الشواذ جنسياً كحاخامات وأنشئت المدارس التلمودية العليا (يشيفا) المقصورة على الشواذ.

    ولكن أهم أشكال علمنة اليهود هو ظهور عقائد علمانيةقلباً وقالباً، وتُسـمِّي نفسـها مع ذلك «يهودية»، وتسـتخدم ديباجـات يهودية إثنيةودينية. وجوهر هذه العقائد هو أنها تُحل الهوية اليهودية محل العقيدة اليهودية،وتُحل اليهود محل الإله كمركز للقداسة. فظهر ما يُسمَّى «اليهودية العلمانية» و«اليهودية الإثنية» و«اليهودية الإلحادية» و«اليهودية الإنسانية»، وهي عقائد يُقاللها «يهودية» تدور كلها حول مطلق واحد هو الشعب اليهودي وتُسقط الإيمان بالغيب أوالإله، بحيث يصبح الإيمان الديني متمركزاً حول الذات القومية أو مجموعة من المُثُلالدنيوية. وتحوَّلت شعائر اليهودية وعقائدها إلى شكل من أشكال الفلكلور أو التراثالقومي، أي أن الدين تحوَّل إلى قومية والقومية تحوَّلت إلى دين، وهذا هو الحلالعلماني لمشكلة الهوية: أن تصبح الهوية هي ذاتها مصدر الإطلاق الوحيد وموضعالقداسة. بل يمكن القول بأن اليهودية الإصلاحية والمحافظة، والتجديدية على وجهالخصوص، هي في جوهرها في واقع الأمر عقائد علمانية ذات ديباجات دينية.

    ومعتزايُد معدلات العلمنة في المجتمعات الغربية، تزايدت معدلات علمنة العقيدةاليهودية، فظهر لاهوت يهودي يستند إلى فكرة موت الإله يجعل من الإبادة النازيةليهود غرب أوربا نقطة ولحظة مرجعية أساسية تحقَّق فيها الشعب اليهودي من موت الإلهالذي تخلى عنهم. ودخلت اليهودية كذلك عالم ما بعد الحداثة، فظهرت يهودية لا تدورحول مطلقات وإنما تدور حول لحظات إيمانية تعقبها لحظات شك.

    ومن أهم العقائداليهودية العلمانية ما طرحه دعاة اليديشية الذين يرون أن مضمون الانتماء اليهودي هوتراث ثقافي، وأن ما يجمع يهود اليديشية ليس الإيمان الديني وإنما تراثهم القومياليديشي الشرق أوربي المشترك. ولذا، طالبوا ببعث قومي يديشي في شرق أوربا. ولكن أهمالعقائد العلمانية على الإطلاق هي الصهيونية التي استولت على كل الرموز الدينيةاليهودية التقليدية واستخدمت كل الديباجات الدينية بعد أن أفرغتها من مضمونهاالديني وأحلت محلها مضموناً قومياً، وجعلت النقطـة المرجعية عناصر دنيوية طبيعيةتتسـم بالمطلقية (مطلقات علمانية)، مثل: الدولة الصهيونية واليهود (بدلاً منالإله)، والتاريخ اليهودي الدنيوي (بدلاً من التاريخ المقدَّس)، والهوية اليهودية (بدلاً من الالتزام بالشعائر وتأدية الأوامر والنواهي). كما أكدت الصهيونية (فيصيغتها العلمانية وهي أهم الصيغ) أن اليهود مادة بشرية متحركة يمكن تحويلهاوتوظيفها إلى مادة نافعة وكذلك حوسلتها. كما أكدت الصهيونية أن اليهود شعب عضوي (وأكدت أوربا العلمانية أنه شعب عضوي منبوذ)، وجماع المفهومين (نفع اليهود وأنهمشعب عضوي منبوذ) هو الصيغة الصهيونية الأساسية.

    وقد أكدت الصهيونية، فيمحاولتها تجاوز اليهودية الحاخامية، على التراث العبراني القديم (فيما قبل ظهوراليهودية)، وعلى البطولات العبرانية غير الدينية وغير الأخلاقية. كما أنها، في كثيرمن الأحيان، حولت أبطال العهد القديم إلى أبطال قوميين. وكان المؤلفون الصهاينةيمجدون شخصيات شريرة في العهد القديم أو شخصيات معادية لليهودية الحاخامية مثلإسبينوزا وشبتاي تسفي الذي يعده البعض في إسرائيل بطلاً قومياً، وكان هرتزل ينويتأليف أوبرا عنه. ومن ناحية أخرى، يتم تأكيد المضمون الطبيعي الكوني للأعياد فيالدولة الصهيونية على حساب المغزى الديني التاريخي. كما تتبدَّى علمنة اليهودية فيالدولة الصهيونية في واقع أن الأعياد تحوَّلت إلى أعياد قومية يحتفل اليهود أثناءهابذاتهم القومية: انتصاراتها وانكساراتها دون الرجوع إلى أية نقطة ميتافيزيقية. وهكذا، بعد أن كانت اليهودية تمنح اليهودي القداسة بمقدار ما يتبع من الشعائر وينفذمن الوصايا والنواهي، صار اليهودي مركزاً للقداسة باعتباره يهودياً وحسب، أي حسبانتمائه الإثني، وأصبحت دولته هي التعبير الأكبر عن القداسة. ومن ثم، أصبح عيد « استقلال إسرائيل » عيداً دينياً. وقد وصلت علمنة يهود العالم، من خلال الصهيونية،إلى درجة أن كثيراً منهم يتصورون الآن أن الدولة الصهيونية هي معبدهم أو هيكلهم،وأن رئيس وزرائها هو حاخامهم الأكبر أو كاهنهم الأعظم. وقد حدا هذا ببعض الحاخاماتالمتدينين إلى الحديث عن «اليهودية الوثنية» أو عن عبادة الدولة الصهيونيةباعتبارها «عودة إلى عبادة العجل الذهبي».
    وتجب الإشارة إلى أن النسقالديني اليهودي كان مرشَّحاً لعملية العلمنة من الداخل، أو لعملية الاستيلاء علىرموزه من قبل الجماعات العلمانية اليهودية، بسبب حلوليته التي توحِّد بين المطلقوالنسبي والمقدَّس والزمني والديني والقومي، إذ يحل الإله في الشعب والأرض حتىيصبحا متعادلين معه في القداسة (الواحدية الكونية) ثم يتفوقان عليه ثم يتلاشى الإلهأو يصبح هامشياً ويتم تقديس الأرض والشعب دون الإله، وهذا هو جوهر الأيديولوجياتالعلمانية القومية، اليهودية أو غير اليهودية، التي تجعل الأرض والشعب هما مصدرالإطلاق.






  9. #59
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    اليهودية العلمانية أو الإنسانية
    Secular or Humanist Judaism
    «اليهودية العلمانية» هي «اليهودية الإنسانية». وهو مصطلح متناقض،فالعلمانية (الشاملة) فلسفة تتعامل مع الدنيا وحسب، وتنكر الآخرة، أو تهمشها ولاتهتم بها، وتنفي أية مطلقية للقيم المعرفية والأخلاقية. والفلسفة الإنسانية (هيومانزم) تنزع النزوع نفسه وإن كانت تجعل الإنسان مركزاً للكون وركيزة نهائية له؛أحكامه مطلقة،وهو المصدر الوحيد للقيمة وبديل للإله في الأرض. وتنكر كلٌّ منالعلمانية والنزعة الإنسانية (الهيومانية) أية مرجعية متجاوزة للطبيعة والتاريخوتختزلان كل شيء إلى مستوى واحد (مستوى هذه الدنيا)، أي أنهما يدوران في إطارالواحدية الكونية.

    ويرى دعاة اليهودية العلمانية أو الإنسانية أن الإيمانبأي غيب أمر مستحيل وأن العهد القديم وكتابات الفقهاء اليهود إن هي إلا نتيجة مرحلةتاريخية سابقة حاول فيها شعب أن يتكيف مع الأحوال المتغيرة (وهذا ما يُسمَّى «زمنية» أو «تاريخانية» النص المقدَّس). وغني عن القول أن هذه الأفكار فيها مايتناقض تماماً مع تعاليم اليهودية ذاتها (في صياغتها التوحيدية) بل وتعاليم سائرالأديان التوحيدية السماوية. وعادةً ما تتمثل هذه اليهودية العلمانية أو الإنسانيةاليهودية في الإيمان بالإثنية اليهودية، وفي الابتعاد عن القيم الأخلاقية النابعةمن الإيمان بالاله الواحد القادر العادل.

    ويعود تاريخ ظهور اليهوديةالعلمانية إلى منتصف القرن الثامن عشر، فمع تفاقم أزمة اليهودية الحاخامية. ومعمرحلة الانعتاق، أخذ أعضاء الجماعات اليهودية بأعداد متزايدة يبتعدون عن معتقداتهمالدينية ويصبحون لا أدريين أو ملحدين أو غير مكترثين بالدين. وقد ساهمت الصهيونيةفي تزايد الانصراف عن اليهودية إذ إنها رفضت الإله المتجاوز أو همَّشته وأنكرت أيةقيم متجاوزة للواقع المادي وجعلت الشعب والأرض هما الركيزة النهائية وموضوعالايمان.

    ولكن طبيعة التركيب الجيولوجي التراكمي لليهودية، واحتواء هذاالتركيب على عناصر وثنية (الترافيم، أي الأصنام) وعلى عناصر عدمية (سفر أيوب، سفرالجامعة) وعدم تحدُّد فكرة البعث (سفر أيوب)، جعلت إفراز مثل هذه الرؤية الدنيويةممكناً، كما جعلت بوسع أصحابها أن يجدوا سوابق تاريخية ونصوصاً دينية تؤيد رؤيتهم.

    اليهودية الإنسـانية
    Humanist Judaism
    انظر: «اليهوديةالعلمانية أو الإنسانية».

    أثــــر العلمانيـــــة فـــي الجماعــــاتاليهوديـــــة
    The Impact of Secularism on the Jewish Communities
    تركتعمليات العلمنة أثراً عميقاً في أعضاء الجماعات اليهودية في العالم، فيمكن القولبأنه بعد مرحلة المقاومة الأولى لعمليات العلمنة، والتي استمرت حتى منتصف القرنالتاسع عشر تقريباً، استسلم معظم أعضاء الجماعات اليهودية لهذه المحاولات فزادتمعـدلات العلمـنة بينهم بشكل فاق معدلاته بين أعضاء الأغلبية، وذلك للأسباب التيأسلفنا ذكرها في المدخل السابق.

    وقد تخلى أعضاء الجماعات اليهودية، بأعدادمتزايدة، عن اليهودية الحاخامية، ودخلت أعداد كبيرة منهم في إطار اليهوديةالإصلاحية أو المحافظة أو التجديدية. كما أن أعداداً متزايدة منهم تخلت عن أي شكلمن أشكال الإيمان الديني وتبنت الأيديولوجيات العلمانية المختلفة، مثل الاشتراكيةوالماركسية، أو أيديولوجيات علمانية ذات ديباجات يهودية، مثل: اليهودية العلمانية،واليهودية الإثنية، واليهودية الإلحادية، والقومية اليديشية، والصهيونية.

    ويُلاحَظ أنه، ابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر، ومع تزايد معدلاتالعلمنة في المجتمع وفي داخل أعضاء الجماعات اليهودية، تزايدت معدلات اندماجهموأقبلوا على الزواج المختلط. وقد بلغت معدلات العلمنة بين يهود الغرب مقداراًمرتفعاً جداً. ومما ساعد على ذلك أن اليهود الذين تخلوا عن عقيدتهم لم يكونوامضطرين إلى اعتناق المسيحية كما كان الأمر في الماضي وإنما كان يمكنهم أن يعيشواعلمـانيين دون أي انتمـاء ديني. ومع تزايد الحريات في المجتمعات الغربية، والحريةالجنسية على وجه الخصوص، زاد عدد الأطفال غير الشرعيين بين اليهود، وهي ظاهرة لمتكن معروفة بينهم من قبل، كما زاد تفسُّخ الأسرة وارتفعت معدلات الطلاق. ويُلاحَظأيضاً تزايد انخراط أعداد اليهود العلمانيين والإثنيين في الحركات السرية والعدميةوالماسونية والثورية. وقد لُوحظ مؤخراً تزايد إقبال الشباب اليهودي على الحركاتالدينية المستحدثة، أو ما يُسمَّى بالعبادات الجديدة، مثل هاري كريشنا والبهائية. وهذا تعبير عن تزايد معدلات العلمنة وعن أزمتها في آن واحد، وهو الموضوع الأساسيالكامن وراء أفلام الكوميدي الأمريكي اليهودي وودي ألن.

    وقد بدأ أعضاءالجماعات اليهودية في البروز والتميز داخل إطار الحضارة الغربية. وقد وصلوا إلىأعلى درجات البروز في الولايات المتحدة (المجتمع العلماني شبه النموذجي) حيث يوجدالآن عشرات اليهود من الأدباء والمفكرين والفنانين والعلماء الذين يدافعون فيأغلبيتهم عن الرؤية السائدة في المجتمع. كما يوجد كثير من أعضاء الجماعة اليهوديةبين صناع القرار. وظهر من بين صفوف أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب كثير منالمفكرين الإنسانيين الذين يدافعون عن الإنسان منفصلاً عن الإله، مثل ماركسوتشومسكي. كما ظهر من بينهم مفكرون مثل فرويد جعلوا همهم نزع القداسة عن الإنسانوالواقع والنظر إليهما بمنظار علمي مجرد وكأن الإنسان مجرد ظاهرة طبيعية، يرقةٌ أوقردٌ أو حجر، لا سر فيه ولا غاية خاصة لوجوده، وهذه هي إحدى الإسهامات المهمةللعلمانية. ومن المهم أن نبين أن الحضارة العلمانية سمحت لليهودي بتحقيق البروزوالتميز بمقدار ما يحقق من علمنة لهويته، أي أن يتعامل مع الواقع من منظور النموذجالعقلاني الواحدي المادي ويجعل انتماءه اليهودي مسألة مقصورة على حياته الخاصةوخاصة بالضمير. فبروز اليهودي يتحقق بمقدار تخليه عن يهوديته أو بمقدار نجاحه فيتحديثها أو أمركتها، أي علمنتها وصبغها بالصبغة الحديثة أو الأمريكية.
    ويُلاحَظ أن نسبة اليهود تتزايد في قطاعات المجتمع التي تتصف بقدر عال منالعلمنة والتحرر من القيم المطلقة. ولذا، نجدهم يتركزون في القطاعات التي يتحولالإنسان فيها إلى مادة عامة استهلاكية، وفي تلك القطاعات التي تتسم بالعلاقاتالتعاقدية وعدم الإيمان بالحرمات، مثل: صناعة السينما، والصحافة الرخيصة، وتجارةالرقيق الأبيض، وتجارة العقارات. ولعل هذا البروز في الحضارة العلمانية، وكذلكالتركز في قطاعات اقتصادية بعينها (بعضها مشين)، هو ما جعل البعض يتصور أن ثمةمؤامرة يهودية لعلمنة العالم، أو أن العلمنة ما هي إلا عملية يقوم اليهود بنشرهاوإذاعتها. وهذا التصوُّر يفترض أنه لو اختفى اليهود لاختفت العلمانية، وهو تصوُّريخلط بين الجزء الفعال (اليهود) والكل المركب (العلمانية)، وهو افتراض يفشل بطبيعةالحال في تفسير انتشار العلمانية في ربوع العالم في الصين والهند واليابان ونيجيرياحيث لا يوجد يهود على الإطلاق.

    وتختلف معدلات العلمنة بين أعضاء الجماعاتاليهودية من بلد إلى آخر، كما تختلف أشكال العلمنة حسب المحيط الحضاري. ففي أمريكااللاتينية حيث كانت معدلات العلمنة منخفضة في المجتمع، كان معدلها منخفضاً بينالجماعات اليهودية. وقد احتفظت كل جماعة منها بهويتها الدينية والإثنية، ومن هناكان انقسام يهود أمريكا اللاتينية إلى جماعات متنافرة. ولكن، مع تزايُد العلمنة فيالمجتمع ككل، يُلاحَظ أيضاً تزايُد معدلات العلمنة بين أعضاء الجماعات اليهوديةوانصهارهم في المجتمع اللاتيني أو انصرافهم عن الدين وانخراطهم في المحافلالماسونية والنوادي الاجتماعية أو اندماجهم في جماعة واحدة. أما في فرنسا وإنجلترا،فقد زادت معدلات العلمنة وأخذت شكل الابتعاد عن الكنيسة. وقد انعكس هذا الوضع علىيهود البلدين، فانصرفوا هم أيضاً عن الذهاب إلى المعبد اليهودي.

    وتأخذالعلمنة في الولايات المتحدة شكلاً خاصاً، وهو استيعاب الكنيسة في المؤسسات الإثنيةالعلمانية بحيث تحوَّلت إلى مؤسسة تُعبِّر عن إحساس الجماعة بذاتها وبهويتها، وهذاأمر مهم في مجتمع مهاجرين يتسم بعدم الثبات وعدم وجود مؤسسات دينية تقليدية فيه. وينطبق الشيء نفسه على يهود الولايات المتحدة إذ فقد أغلبيتهم هويتهم الدينية وظهرتهوية واحدة يهودية - أمريكية وتحول المعبد اليهودي إلى المؤسسة التي يُعبِّر يهودأمريكا من خلالها عن هويتهم. ويجب ملاحظة أن التمسك بالهوية الإثنية هو تعبير، فيواقع الأمر، عن تزايد معدلات العلمنة، ولا يشكل عودةً إلى اليهودية.

    وينقسميهود الاتحاد السوفيتي (سابقاً)، من منظور العلمنة، إلى ثلاثة أقسام. فهناك أولاًيهود الوسط الذين يعيشون في مناطق مثل روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء، وهؤلاءيعيشون تحت الحكم الشيوعي منذ عام 1917، ولذا فقد فقدوا انتماءهم الديني تماماً. أما القسم الثاني، فهو يهود الغرب (زبادنكي) الذين يعيشون في جمهوريات البلطيق التيضُمَت إلى الاتحاد السوفيتي عام 1940. لكن هؤلاء كانوا يحتفظون بهوية دينية وإثنيةأكثر وضوحاً، وقد هاجر غالبيتهم في الفترة 1970 ـ 1990. والقسم الثالث هو يهودجورجيا والجمهوريات الإسلامية، ومعدلات العلمنة بين هؤلاء منخفضة مثل معدلاتالعلمنة في المجتمعات التي يعيشون فيها.

    أما أهم أشكال العلمنة في الغربفهو ظهور ما نسميه «الهوية اليهودية الجديدة» وظهور «اليهود الجدد»، وهم يهود (سواءمن الناحية الدينية أو الإثنية) اسماً وقالباً وحسب، وعلمانيون جوهراً وقلباً.

    أما بقية الجماعات اليهودية في العالم، الفلاشاه ويهود الهند ويهود العالمالعربي... إلخ، فيختلف معدل العلمنة بينهم حسب المعدلات السائدة في مجتمعاتهم. وعلىكل حال، فقد لعبت المنظمات الصهيونية واليهودية الغربية، مثل الأليانس، دوراًأساسياً في تغريب أعضاء الجماعات اليهودية وتحديثهم وعلمنتهم، مع ملاحظة أن مستوىالعلمنة بين الأقليات يزيد عادةً عن معدلها بين الأغلبية. كما أن أعضاء الجماعاتاليهودية حينما ينتقلون إلى إسرائيل تتم علمنتهم بسرعة مذهلة.

    وقد لُوحظ أنعدد الراغبين في الهجرة إلى فلسطين المحتلة يتناقص مع تزايد علمنة أعضاء الجماعاتاليهودية في العالم. وعلى سبيل المثال، فإن ما يزيد على 90 % من السوفييت، وهم منأكثر الجماعات اليهودية علمنةً، يتجه إلى الولايات المتحدة التي يُطلَق عليهاباليديشية «جولدن مدينا» أي المدينة الذهبية، أي صهيون العلمانية، ويؤثرونها علىإسرائيل.

    وعلى كلٍّ، يمكن القول بأن الدوافع وراء الهجرة اليهودية، سواءإلى الولايات المتحدة أو إلى فلسطين، كانت دائماً دوافع علمانية، فهي هجرة تهدف إلىتحقيق الحراك الاجتماعي لصاحبها. وما كان يحدث أحياناً أن تصاحبها ديباجات يهوديةبالنسبة لبعض اليهود المتدينين، أما الغالبية الساحقة فكانت دوافعها وديباجاتهامادية علمانية صريحة.







  10. #60
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    يهودي ملحد
    Atheist Jew
    مصطلح «يهوديملحد» يبدو وكأنه تركيب واضح التناقض، إذ أننا نتصور أن اليهودي هو من يؤمنباليهودية قياساً على أن المسلم هو من يؤمن بالإسلام، والمسيحي هو من يؤمنبالمسيحية، بكل ما يتبع ذلك من إيمان بالإله. ولكن المعيار في تعريف اليهودي ليسكونه مؤمناً بالعقيدة وإنما كونه مولوداً لأم يهودية. وبحسب الشريعة اليهودية، يمكنأن يكون اليهودي من الناحية النظرية يهودياً وملحداً في الوقت نفسه. وانطلاقاً منذلك الإبهام والتناقض في الشريعة اليهودية، ذهب الأخ دانيال (وهو راهب كاثوليكيوُلد لأبوين يهوديين ثم تنصَّر) إلى إسرائيل وطالب بأن يحصل على الجنسيةالإسرائيلية حسب قانون العودة، فإذا كانت الشريعة اليهودية تعترف بالملحد يهودياًفيمكنها (من باب أولى) أن تعترف بالمسيحي يهودياً! لكن طلبه رُفض. وقد استندتحيثيات الحكم إلى مقولة علمانية وهي أن الأخ دانيال، باعتناقه المسيحية، فصل نفسهعن «المصير اليهودي»، أي أن المعيار هنا هو مدى الارتباط بالشعب اليهودي لابالعقيدة أو العقائد اليهودية. ولكن يبدو أن الرأي العام الإسرائيلي بدأ يتجهاتجاهاً مغايراً في الآونة الأخيرة، بحيث أصبح لا يمانع من إطلاق مصطلح «يهودي» علىمسيحي هاجر إلى إسرائيل مدفوعاً بدوافع صهيونية. وترتبط بهذا المصطلح مصطلحات أخرىمثل «اليهودية العلمانية» و«يهودي إثني».

    يهودي إثني
    Ethnic Jew
    «اليهودي الإثني» هو اليهودي الذي يرى أن يهوديته لا تنبع من إيمانه بالقيمالدينية والأخلاقية اليهودية وإنما من الإثنية اليهودية، أي من موروثه الثقافي. وربما كان هذا ما يعنيه إسحق دويتشر بمصطلح «اليهودي غير اليهودي».

    انظر: » اليهودية الإثنية. «


    اليهودية الإثنيـة
    Ethnic Judaism
    «اليهودية الإثنية» تعبير عن الانتماء اليهودي الذي يستند إلى الإثنيةاليهودية. وكلمة «الإثنية» مأخوذة من الكلمة اليونانية «إثنوس» بمعنى «قوم» أو «جماعة لها صفات مشتركة». وتُستخدَم كلمة «إثنية» للإشارة إلى الجماعة الإنسانيةالتي قد لا يربطها بالضرورة رباط عرْقي ولكنها جماعة تشعر بأن لها هوية مشتركةتستند إلى تراث تاريخي مشترك ومعجم حضاري واحد. وكلمة «حضارة» هنا تستخدم في أوسعدلالاتها، فهي تشـير إلى كل فعل إنسـاني وكل ما هو ليـس بطبيعة، مثل: الأزياء وطرقحلاقة الشعر، وطريقة تنظيم المجتمع، والرقص. ومن أهم العناصر الإثنية، اللغةوالأدب. ويمكن أن يكون الدين عنصراً من بين هذه العناصر الإثنية فينظر المرء، دونأن يؤمن بالإله ، إلى الشـعائر الدينية بوصـفها تعبيراً عن الهوية ، تمامـاً مثلالرقص والطعام. ويستطيع المرء أن يشير إلى طعام إثني (بمعنى أنه يُعبِّر عن هويته) له مضمون رمزي يتجاوز وظيفته المادية، فهو ليس مجرد طعام لسد حاجته الجسدية. وبالتالي، فإن الملوخية أو الكبسة طعام إثني، أما الهامبورجر فهو طعام ليس لهمدلولات إثنية. وعلى أية حال، فإن الإثنية اليهودية هي مجموعة الصفات المحددة التييُفترَض أنها تشكل ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» من منظور إثني.

    والإيمانبالذات القومية (الإثنية) هو إحدى السمات الأساسية للتشكيل الحضاري الغربي في القرنالتاسع عشر. فبعد ضعف المسيحية وانتشار العلمانية، ظهر الفكر القومي الذي أسقط أيمطلق ديني أو أخلاقي وحلَّت محله الذات القومية كمطلق وموضع للقداسة ومصدر وحيدللقيمة ونقطة مرجعية وركيزة نهائية.

    وتجب التفرقة بين الإثني والعرْقي،فالوحدة على أساس عرْقي تعني وحدة الدم والجنس (العرْق).أما الوحدة على أساس إثنيفتعني وحدة التاريخ والثقافية. ومعظم الحركات القومية (مثل القومية الإنجليزية أوالفرنسية أو الجامعة السلافية والألمانية والقومية الطورانية، وكذلك النازيةوالصهيونية)، تـستند إلى تعريف عرْقي إثني للذات القومية. ولكن، بعد تجربة الإبادةالنازية، أصبح من الصعب قبول التعاريف العرْقية، وبخاصة من جانب أعضاء الجماعاتاليهودية، فبدأ القبول بفكرة الوحدة الإثنية وأُسقطت الديباجات العرْقية وحلت محلهاديباجات إثنـية دون أي تعـديل للقداسة أو المطلقية اللتين تُنسـبان إلى الذاتالقومية. فالوحدة على أساس عرْقي تشبه الوحدة على أساس إثني، إذ تدَّعي كلتاهمانقاءً ما يتمتع به أصحاب الهوية. كما أن العرْقية، مثلها مثل الإثنية تماماً، تعطيصاحبها حقوقاً مطلقة .

    وتتَّسم الدعوة القومية في الولايات المتحدة بأنهاكانت دعوة إثنية، لأن المجتمع الأمريكي مجتمع مهاجرين، فيه أعراق كثيرة، ولذا أصبحالتضامن الإثني هو الإمكانية الوحيدة المتاحة أمام الأمريكيين، وكانت بوتقة الصهرهي الآلية التي يمكن من خلالها إذابة الإثنيات الخاصة السابقة للمهاجرين لتحل محلهاالإثنية الأمريكية العامة الجديدة. كان العنصر العرْقي موجوداً منذ البداية (ويظهرفي التمييز العنصري، أي العرْقي، ضد السود والآسيويين والعرب) ولكنه كان هامشياً،ومع تزايُد معدلات العلمنة في الولايات المتحدة، وظهور حركات الأقليات مثل حركةتحرُّر السود، ظهرت حاجة لدى المواطن الأمريكي أن يشعر بانتماء ما يضرب بجذوره فيشكل من أشكال الخصوصية، وهو ما أدَّى إلى بعث الإثنيات المختلفة. وقد شجع المجتمعهذا البعث الإثني شريطة ألا يتعارض مع الولاء القومي أو مع العقد الاجتماعيالأمريكي، فبإمكان المواطن الأمريكي أن يأكل من طعامه الإثني ويرقص من رقصاتهالإثنية في حياته الخاصة وربما العامة، ما حلا له من مأكل ومرقص، على أن يظل سلوكهفي رقعة الحياة العامة غير متناقض في أساسياته مع رؤية المجتمع وإيقاعه الأساسيوحياته، أي أن الانتماءات الإثنية الخاصة تُعامَل تماماً معاملة الانتماءات الدينيةالمختلفة، التي أظهر المجتمع إزاءها التسامح طالما لا تتجاوز رقعة الحياة الخاصة.

    ومعظم يهود العالم في الوقت الحالي يهود إثنيون، أي أن يهوديتهم لا تنبع منالإيمان بالعقيدة الدينية وإنما من إثنيتهم اليهودية، وهي تنبع من اليهودية لاباعتبارها نسقاً دينياً وإنما باعتبارها فلكلوراً. وبالتالي، فالشعب اليهودي يصبحما يُسمَّى «الفولك اليهودي»، أو «الشعب العضوي»، (تماماً مثل «الفولك الألماني»). وربما كان التركيب الجيولوجي لليهودية هو الذي جعل ظهور مثل هذا التعريف ممكناً،وبخاصة وأن الشريعة اليهودية عرَّفت اليهودي بأنه من وُلد لأم يهودية! ويمكن القولبأن الإثنية اليهودية في الواقع هي صهيونية أعضاء الجماعات اليهودية التوطينية. فهملا يرغبون في الهجرة إلى فلسطين، كما أنهم لا يؤمنون بالإله أو باليهودية كنسقديني. ولكنهم، مع هذا، يؤمنون بقداسة صفاتهم الإثنية القومية، أو على الأقل يؤمنونبأن إثنيتهم تشكل النقطة المرجعية الأساسية لوجودهم كيهود وبأن إسرائيل تُعبِّر عنهذه الإثنية. ومن ثم، فهم يستمرون في تعظيم ذاتهم القومية أو الإثنية وتمجيدها، وفيتعظيم الدولة الصهيونية وتمجيدها، ولكنهم لا يهاجرون إليها قط. ولحل هذه المشكلةوضمان الاستمرار في التمتع بالهوية الإثنية، قام يهود الولايات المتحدة بإعادةتعريف إسرائيل باعتبارها بلدهم الأصلي أو وطنهم القومي، كمثل إيطاليا بالنسبةللأمريكيين من أصل إيطالي، وكذلك بولندا بالنسبة للأمريكيين من أصل بولندي. أماالولايات المتحدة، فهي وطنهم القومي الحالي. ولأن إسرائيل هي بلدهم الأصلي، فهيتمنحهم هوية إثنية خاصة ولا تلقي عليهم أية أعباء أخلاقية. والأهم من ذلك أنالتعريف الإثني للهوية اليهودية على الطريقة الأمريكية لا يتطلب منهم الهجرة،فالإنسان لا يهاجر إلى بلده الأصلي وإنما يهاجر منه! (أي أن الإثنية اليهودية تجمعكل اليهود تحت لواء الصهيونية في الظاهر، وتيسر عليهم الهرب منها في الباطن. وهذاما نسميه «التملص اليهودي من الصهيونية» بدلاً من قبولها أو رفضها). هذا ويُلاحَظأن هذه الإثنية اليهودية ذاتها (شأنها شأن الإثنية الإيطالية أو الآسيوية) أصبحتمجرد قشرة زخرفية فارغة.







 

صفحة 6 من 7 الأولىالأولى ... 234567 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثامن
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 54
    آخر مشاركة: 2010-10-31, 04:12 AM
  2. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الرابع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:39 AM
  3. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثالث
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 69
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:31 AM
  4. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 530
    آخر مشاركة: 2010-10-24, 03:44 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML