صفحة 7 من 9 الأولىالأولى ... 3456789 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 88
 
  1. #61
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1البقرة الآية 22.

    ص -118- اللصوص. وقول
    الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان.لا تجعل فيها فلانا؛ هذا كله به شرك"، رواه ابن أبي حاتم.
    فقد بين ابن عباس - رضي الله عنهما - أن هذه الأشياء من الشرك، والمراد به الشرك الأصغر، والآية عامة تشمل الشرك الأكبر والشرك الأصغر؛ فابن عباس - رضي الله عنهما- نبه بهذه الأشياء بالأدنى "وهو الشرك الأصغر"على الأعلى"وهو الشرك الأكبر"، ولأن هذه الألفاظ تجري على ألسنة كثير من
    الناس؛ إما جهلاً، أو تساهلاً.
    ومن هذه الأشياء:
    1- الحلف بغير الله - عز وجل -:
    وهو شرك؛ كما روى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "من حلف بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك"، رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم.
    وقوله:"فقد كفر أو أشرك": يحتمل أن يكون هذا شكّا من الراوي، ويحتمل أن يكون (أو) بمعنى الواو؛ فيكون قد كفر وأشرك، ويكون من الكفر الذي هو دون الكفر الأكبر؛ كما أنه من الشرك الأصغر.
    وقد من
    الناس اليوم من يحلف بغير الله؛ كمن يحلف بالأمانة، أو يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو يقول: وحياتي وحياتك يا فلان... وما أشبه هذه الألفاظ، وقد سمعنا ما ورد في الأحاديث من النهي عن الحلف بغير الله - عز وجل، واعتباره كفراً أو شركا؛ لأن الحلف بالشيء تعظيم له، والذي يجب أن يُعظم ويُحلف به هو الله - عز وجل - والحلف بغيره شرك وجريمة عظمى.
    قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن
    ص -119- أحلف بغيره صادقا".
    ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبا كبيرة من الكبائر، لكن الشرك - وهو الحلف بغير الله - أكبر من الكبائر، وإن كان شركا أصغر.
    فيجب على المسلم أن يتنبه لهذا، ولا تأخذه العوائد الجاهلية؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا؛ فليحلف بالله أو ليصمت"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم"... إلى غير ذلك من النصوص التي تأمرنا إذا أردنا أن نحلف أن نقتصر على الحلف بالله وحده ولا نحلف بغيره.
    ويجب على من حلف بالله أن يرضى؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من حلف بالله؛ فليصدق، ومن حلف له بالله؛ فليرض، ومن لم يرض؛ فليس من الله".
    2- الشرك في الألفاظ:
    ومن الشرك الأصغر الشرك في الألفاظ؛ مثل قول: ما شاء الله وشئت. فقد روى الإمام أحمد والنسائي عن قتيلة؛ أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولن: والكعبة! فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت".
    وروى النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما؛ "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال: أجعلتني لله ندًا؟! قل: ما شاء الله وحده".
    فدل الحديثان وما جاء بمعناهما على منع قول: ما شاء الله وشئت، وما شابهه من الألفاظ؛ مثل: لولا الله وأنت، ما لي إلا الله وأنت... لأن العطف بالواو يقتضي التسوية بين المتعاطفين، وهذا شرك؛ فالواجب أن يعطف ب "ثم"، فيقال: ما شاء الله ثم شئت، أو شاء فلان، لو لا الله ثم أنت، أو:
    ص -120- ثم فلان، ما لي إلا الله ثم أنت... لأن العطف ب "ثم" يقتضي الترتيب والتعقيب، وأن مشيئة العبد تأتي بعد مشيئة الله - تعالى، لا مساوية لها؛ كما :{وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}1؛ فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله - تعالى؛ فالعبد وإن كانت له مشيئة - خلافا للجبرية؛ فمشيئة تابعة لمشيئة الله، ولا يقدر على أن يشاء شيئا إلا إذا كان قد شاءه؛ خلافا للقدرية من المعتزلة وغيرهم، الذين يثبتون للعبد مشيئة تخالف ما أراده الله، تعالى الله عما يقولون.
    3- الشرك في النيات والمقاصد:
    ومن الشرك الأصغر الشرك في النيات والمقاصد، وهو ما يسمى بالشرك الخفي؛ كالرياء، وهو نوعان:
    أ- الرياء: وهو مشتق من الرؤية، والمراد به إظهار العبادة؛ لقصد رؤية
    الناس لها؛ فيحمدون صاحبها.
    والفرق بين الرياء وبين السمعة: أن الرياء لما يرى من العمل كالصلاة، والسمعة لما كالقراءة والوعظ والذكر.
    ويدخل في ذلك تحدث الإنسان عن أعماله وإخباره بها.
    وقد قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}2.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في معنى الآية: "أي: كما أن الله واحد ل إله سواه؛ فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له؛ فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو الخالص من الرياء المقيد

    --------------------------------





  2. #62
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة التكوير، الآية29 .
    2 سورة الكهف، الآية 110.
    ص -121- بالسنة..." انتهى.
    وقد توعد الله المرائين بالويل؛ ف: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَالَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَوَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}1 .
    وأخبر تعالى أن الرياء من صفات المنافقين؛ فقال:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ}2.
    وعن أبي هريرة مرفوعا؛ قال: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري؛ تركته وشركه"، رواه مسلم؛ أي: من قصد بعمله غيري من المخلوقين؛ تركته وشركه، وفي رواية لابن ماجه: "فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك".
    قال ابن رجب - رحمه الله -: "إعلم أن العمل لغير الله أقسام؛ فتارة يكون رياء محضا؛ كحال المنافقين؛ كما : {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ}3، وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة أو الحج الواجب أو غيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها؛ فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة. وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركة من أصله؛ فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه، وأما إن كان العمل لله وطرأ عليه نية الرياء؛ فإن كان خاطراً ثم دفعه؛ فلا يضره بغير خلاف، وإن استرسل معه؛ فهل يحبط عمله أو لا؛ فيجازي على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين
    العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير، ورجّحا أن عمله لا يبطل بذلك،

    --------------------------------





  3. #63
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة الماعون، الآيات 4 ـ 7.
    2 سورة النساء، الآية 142.
    3 سورة النساء، الآية 142.
    ص -122- وأنه يجازي بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن وغيره..." انتهى.
    فتحفظوا على أعمالكم من الشرك أعظم مما تتحفظون على أنفسكم من أعدائكم، وأعظم مما تتحفظون على أموالكم من السراق؛ فإن خطر الشرك عظيم.
    نسأل الله لنا ولكم السلامة والإخلاص في القول والعمل.
    ب- إرادة الإنسان بعمله
    الدنيا:
    إرادة الإنسان بعمله
    الدنيا نوع من أنواع الشرك في النية والقصد، قد حذر الله منه في كتابه، وحذر منه رسوله في سنته، وهو أن يريد الإنسان بالعمل الذي يُبتَغى به وجه الله مطمعا من مطامع الدنيا، وهذا شرك ينافي كمال التوحيد ويحبط العمل.
    قال الله تبارك تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}1.
    ومعنى الآيتين الكريمتين: أن الله - سبحانه - يخبر أن من قصد بعمله الحصول على مطامع
    الدنيا فقط؛ فإن الله يوفر له ثواب عمله في الدنيا بالصحة والسرور وبالمال والأهل والولد، وهذا مقيد بالمشيئة؛ كما قال في قوله تعالى في الآية الأخرى:{عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}2،وهؤلاء ليس لهم في الآخرة إلا النار؛ لأنهم لم يعملوا ما يخلصهم منها، وكان عملهم في الآخرة باطلاً لا ثواب له؛ لأنهم لم يريدوها.
    قال قتادة: "يقول تعالى: من كانت
    الدنيا همه وطلبته ونيته؛ جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء، وأما

    --------------------------------

    1 سورة هود، الآيتان 15 ـ 16.
    2 سورة الإسراء، الآية 18.
    ص -123- المؤمن؛ فيجازى بحسناته في
    الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة".
    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: "ذكر عن السلف في معنى الآية أنواع مما يفعله
    الناس اليوم ولا يعرفون معناه:
    فمن1 ذلك: العمل الصالح الذي يفعله كثير من
    الناس ابتغاء وجه الله من صدقة وصلاة وصلة وإحسان إلى الناس وترك ظلم ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصاً لله، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته أو حفظ أهله وعياله أو إدامة النعمة عليهم، ولا همة له في طلب الجنة والهرب من النار؛ فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب، وهذا النوع ذكره ابن عباس.
    النوع الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف، وهو الذي ذكره مجاهد في الآية أنها أنزلت فيه، وهو أن يعمل أعمالاً صالحة ونيته رياء
    الناس لا طلب ثواب الآخرة.
    النوع الثالث: أن يعمل أعمالاً صالحة يقصد بها مالاً؛ مثل أن يحج لما يأخذه، أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، أو يجاهد لأجل المغنم؛ فقد ذكر هذا النوع - أيضا - في تفسير الآية، وكما يتعلم
    الرجل لأجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رئاستهم، أو يتعلم القرآن ويواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد؛ كما هو واقع كثيراً.
    النوع الرابع: أن يعمل بطاعة الله مخلصا في ذلك لله وحده لا شريك له، لكنه على علم يكفره يخرج عن الإسلام؛ مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله أو تصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ومثل كثير من هذه

    --------------------------------

    1 هذا هو النوع الأول.
    ص -124- الأمة الذين فيهم كفر أو شرك يخرجهم من الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة، لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام، وتمنع قبول أعمالهم؛ فهذا النوع - أيضا - قد ذكر في هذه الآية عن أنس ابن مالك وغيره، وكان السلف يخافون منها. انتهى ما ذكره -رحمه الله-.
    والآيتان تتناولان هذه الأنواع الأربعة؛ لأن لفظها عام.
    فالأمر خطير، يوجب على المسلم الحذر من أن يطلب بعمل الآخرة طمع
    الدنيا.
    وقد جاء في صحيح البخاري أن من كان قصده
    الدنيا يجري وراءها بكل همه؛ أنه يصير عبداً لها:
    فعن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطى رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك، فلا انتفش".
    ومعنى"تعس" لغة: سقط، والمراد هنا هلك، وسماه عبداً لهذه الأشياء؛ لكونها هي المقصودة بعمله؛ فكل من توجه بقصده لغير الله؛ فقد جعله شريكا له في عبوديته؛ كما هو حال الأكثر.
    وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلمفي هذا الحديث على من جعل
    الدنيا قصده وهمه بالتعاسة والانتكاسة وإصابته بالعجز عن انتقاش الشوك من جسده، ولا بد أن يجد أثر هذه الدعوات كل من اتصف بهذه الصفة الذميمة؛ فيقع فيما يضره في دنياه وآخرته.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدينار والدرهم وعبد القطيفة وعبد الخميصة، وذكر فيها ما هو دعاء بلفظ الخبر، وهو
    ص -125- قوله: "تعس وانتكس، وإذا شيك؛ فلا انتقش"، وهذا حال من إذا أصابه شر؛ لم يخرج منه، ولم يفلح؛ لكونه تعس وانتكس؛ فلا نال المطلوب، ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عبد المال، وقد وصف ذلك بأنه: إن أعطى رضي، وإن منع سخط؛ كما :{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}1، رضاهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقاً برئاسة أو
    صورة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له؛ رضي، وإن لم يحصل له؛ سخط؛ فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته؛ فما استرق القلب واستعبده؛ فهو عبده...".
    إلى أن قال: "وهكذا طالب المال؛ فإن ذلك يستعبده ويسترقه، وهذه الأمور نوعان:
    الأول: منها ما يحتاج العبد إلى طعامه وشرابه ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك؛ فهذا يطلب من الله، ويرغب إليه فيه، فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماله الذي يركبه وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يستعبده فيكون هلوعا.
    الثاني: ومنها ما لا يحتاج إليه العبد؛ فهذا ينبغي أن لا يعلق قلبه به، فإذا علق قلبه؛ صار مستعبداً له، وربما صار مستعبدًا على غير الله؛ فلا يبقى معه حقيقة العبودية لله، ولا حقيقة التوكل عليه، بل فيه شعبة من العبادة لغير الله، وشعبة من التوكل على غير الله، وهذا أحق
    الناس بقوله صلى الله عليه وسلم : "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة"، وهذا عبد لهذه الأمور، ولو طلبها من الله؛ فإن الله إذا أعطاه إياها؛ رضي، وإن منعه إياها؛ سخط وإنما عبد الله من يرضيه ما يرضي الله، ويسخطه ما يسخط

    --------------------------------

    1 سورة التوبة، الآية 58.
    ص -126- الله، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله؛ فهذا الذي استكمل الإيمان..." انتهى كلامه - رحمه الله -.
    قلت: ومن عبيد المال اليوم الذين يقدمون على المعاملات المحرمة والمكاسب الخبيثة بدافع حب المادة؛ كالذين يتعاملون بالربا مع البنوك وغيرها، والذين يأخذون المال عن طريق الرشوة والقمار وعن طريق الغش في المعاملات والفجور في المخاصمات، وهم يعلمون أن هذه مكاسب محرمة، لكن حبهم للمال أعمى أبصارهم، وجعلهم عبيداً لها؛ فصاروا يطلبونها من أي طريق.
    نسأل الله العافية لنا ولإخواننا المسلمين من الشح المطاع والهوى المتبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
    4- مسبة الدهر ونحوه:
    ومن الأشياء التي يرتكبها بعض
    الناس بحكم العادة، وهي مما ينقص التوحيد - أيضا - ويسيء إلى العقيدة: مسبة الدهر ومسبة الريح وما أشبه ذلك من إسناد الذم إلى المخلوقات فيما ليس لها فيه تصرف، فيكون هذا الذم في الحقيقة موجها إلى الله - سبحانه؛ لأنه الخالق المتصرف.
    قال الله تعالى عن المشركين:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ}1.
    فقد كذبوا بالبعث،{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا }التي نحن فيها، ليس هناك حياة سواها. {نَمُوتُ وَنَحْيَا}؛ أي: يموت قوم ويعيش آخرون، وهذا منهم إنكار لوجود الخالق المتصرف، ورد جريان الحوادث إلى الطبيعة

    --------------------------------

    1لجاثية24.
    ص -127- ولهذا قالوا:{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاّ الدَّهْرُ}؛ أي: لا يفنينا إلا مرور الليالي والأيام فنسبوا الإهلاك إلى الدهر على سبيل الذم له، وإنما قالوا هذا القول عن جهل وتخرص، لا عن علم وبرهان؛ لأن البرهان يرد هذا القول ويبطله، ولهذا رد الله عليه بقوله:{وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ}، وكل قول لا ينبني على علم وبرهان؛ فهو قول باطل مردود.
    والبراهين تدل على أن ما يجري في الكون لا بد له من مدبر حكيم قادر، وهو الله - سبحانه وتعالى - فكل من سب الدهر ونسب إليه شيئا من الحوادث؛ فقد شارك المشركين والدهرية في هذا الوصف الذميم، وإن لم يشاركهم في أصل الاعتقاد.
    وفي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، بسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار"، وفي رواية: "لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر".
    فدل الحديث على أن من سب الدهر؛ فقد آذى الله - سبحانه - لأن السب يتجه إلى مدبر الحوادث والوقائع وخالقها، والدهر إنما هو ظرف ومحل وخلق مدبَّر، ليس له شيء من التدبير، ولهذا قال الله: "وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار"؛ فقوله - سبحانه -: "أقلب الليل والنهار": تفسير لقوله: "وأنا الدهر"، وكذا قوله: "فإن الله هو الدهر"؛ معناه أن الله هو المتصرف الذي يصرف الدهر وغيره؛ فالذي يسب الدهر إنما يسب من خلقه، وهو الله تعالى وتقدس.
    قال بعض السلف: "كانت العرب في جاهليتها من شأنها ذم الدهر؛ أي: سبه عند النوازل؛ فكانوا إذا أصابتهم شدة أو بلاء؛ قالوا: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وقالوا: يا خيبة الدهر! فيسندون الأفعال إلى الدهر، ويسبونه، وإنما فاعل ذلك هو الله، فإذا أضافوا ما نالهم من الشدائد إلى
    ص -128- الدهر؛ فإنما سبوا الله - عز وجل؛ لأن الله هو الفاعل لذلك حقيقة.
    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله -: "وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحون من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى؛ أخذاً بهذا الحديث، وقد بيَّن معناه في الحديث بقوله: "أقلب الليل والنهار"، وتقليبه تصرفه تعالى فيه بما يحبه
    الناس ويكرهونه.
    فالذي يليق بالمسلم تجنب مثل هذه الألفاظ، وإن كان يعتقد أن الله هو المتصرف، لكن في تجنبها ابتعاد عن مشابهة الكفار، ولو في الألفاظ، وفي ذلك حفاظ على العقيدة، وتأدب مع الله - سبحانه
    ومن جنس مسبة الدهر مسبة الريح، وقد ورد النهي عنها في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن أبي بن كعب - رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون؛ فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذا الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، وأعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به".
    وذلك أن الريح إنما تهب بأمر الله وتدبيره؛ لأنه هو الذي أوجدها وأمرها؛ فمسبتها مسبة للفاعل، وهو الله - سبحانه؛ كما تقدم في سب الدهر؛ لأن سب الريح وسب الدهر يرجعان إلى مسبة الخالق الذي دبر هذه الكائنات.
    ثم أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلمعندما يرون ما يكرهون مما يأتي مع الريح بأن يتوجهوا إلى خالقهم وآمرها؛ ليسألوه من خيرها وخير ما فيها، ويستعيذوا من شرها وشر ما فيها؛ فما استجلبت نعمة إلا بطاعة الله وشكره، ولا استدفعت نقمة إلا بالالتجاء إلى الله والاستعاذة به.
    وأما سب هذه المخلوقات؛ ففيه مفاسد: منها: أنه سب ما ليس أهلاً للسب؛ فإنها مخلوقات مسخرة مدبرة. ومنها: أن سب هذه الأشياء متضمن
    ص -129- للشرك؛ فإنه إنما سبها لظنه أنها تضر وتنفع من دون الله. ومنها: أن السب إنما يقع على من فعل هذه الأفعال، وهو الله.
    وإذا قال العبد عند هبوب الريح ما أرشده إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا رأيتم ما تكرهون؛ فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به"؛ فقد لجأ إلى الله خالق الريح ومدبرها ومصرفها، وهذا هو التوحيد والاعتقاد السليم الذي يخالف اعتقاد الجاهلية.
    وهكذا يكون المسلم دائما وأبدًا مع الأحداث؛ يرجعها إلى خالقها، ويسأله من خيرها، ولا يلقي باللوم عليها ويسبها ويفسرها بغير تفسيرها الصحيح، وليعلم أن ما أصابه من هذه الأحداث مما يكره إنما هو بتقدير من الله وتسليط لها عليه بسبب ذنوبه؛ كما :{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}1، و:{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً....}2 الآية و:{وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}3، و: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ}4.
    فالأمر كله راجع إلى الله؛ فالواجب حمده في الحالتين؛ حالة السراء وحالة الضراء، وحسن الظن به، والرجوع إليه بالتوبة والإنابة؛ كما :{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}5، و: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}6.
    هذا هو التفسير الصحيح لمجريات الأحداث؛ فالمؤمن يعلم أن ما أصابه مما يكره إنما هو بسبب ذنوبه، فيلقي باللوم على نفسه، لا على الدهر، ولا على







  4. #64
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة الشورى، الآية 30.
    2 سورة الروم، الآية 48.
    3 سورة آل عمران، الآية 140.
    4 سورة النور، الآية 44.
    5 سورة الأعراف، الآية 168.
    6 سورة الأعراف، الآية 130.
    ص -130- الريح، فيتوب إلى الله، والكافر والفاسق أو الجاهل يلقي باللوم على هذه المخلوقات، ولا يحاسب نفسه، ولا يتوب من ذنبه كما قال الشاعر:
    يا دهر وَيحَكَ ما أبقَيتَ لي أحدا إذ أنت والِدُ سوءٍ تأكُلُ الوَلَد
    وقال آخر:
    قُبحا لِوَجهِكَ يَا زمانُ فإنَّهُ وُجهُ لَهُ في كُلِّ قُبحٍ بُرقُعُ
    تسأل الله العافية والبصيرة في دينه.
    5- قول (لو) في بعض الحالات:
    ومن الألفاظ التي لا ينبغي التلفظ بها لأنها تخل بالعقيدة، وقد ورد النهي عنها بخصوصها: كلمة (لو) في بعض المقامات، وذلك عندما يقع الإنسان في مكروه، أو تصيبه مصيبة؛ فإنه لا يقول: لو أني فعلت كذا؛ ما حصل علي هذا، أو: لو أني لم أفعل؛ لم يحصل كذا؛ لما في ذلك من الإشعار بعدم الصبر والتأسف على ما فات مما لا يمكن استدراكه، ولما يشعر به هذا اللفظ من ضعف الإيمان بالقضاء والقدر، ولما في ذلك من إيلام النفس وتسليط الشيطان على الإنسان بالوساوس والهموم.
    والواجب بعد نزول المصائب التسليم للقدر والصبر على ما أصاب الإنسان، مع عمل الأسباب الجالبة للخير والواقية من الشر والمكروه بدون تلوم.
    وقد ذم الله الذين قالوا هذه الكلمة عند المصيبة التي حلت بالمسلمين في وقعة أحد؛ ف:{يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}1، هذه مقالة قالها بعض المنافقين يوم أحد لما حصل على المسلمين ما حصل من المصيبة، قالوها يعارضون القدر ويعتبون على

    --------------------------------

    1 سورة آل عمران، الآية 154.
    ص -131- النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لخروجهم إلى العدو، فرد الله عليهم بقوله تعالى:{قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}1؛ أي: هذا قدر مقدر من الله، لا بد أن يقع، ولا يمنع منه التحرز في البيوت والتلهف، وقول (لو) بعد نزول المصيبة لا يفيد إلا التحسر والحزن وإيلام النفس والضعف، مع تأثيره على العقيدة من حيث إنه يوحي بعدم التسليم للقدر.
    ثم ذكر سبحانه عن هؤلاء المنافقين مقالة أخرى، وذلك في قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}2، وهذه من مقالات بعض المنافقين يوم أحد - أيضا، ويروى أنه عبد الله بن أبي، يعارض القدر، ويقول: لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج؛ ما قتلوا مع من قتل. فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ}3؛ أي: إذا كان القعود وعدم الخروج يسلم به الشخص من القتل أو الموت؛ فينبغي أن لا تموتوا، والموت لا بد أن يأتي إليكم في أي مكان؛ فادفعوه عن أنفسكم إن كنتم صادقين في دعواكم أن من أطاعكم سلم من القتل.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر مقالة ابن أبي هذه؛ قال: "فلما انخزل يوم أحد، وقال: يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان "أو كما قال"؛ انخزل معه خلق كثير كان كثير منهم لم ينافق قبل ذلك؛ فألئك كانوا مسلمين، وكان معهم إيمان، هو الضوء الذي ضرب الله به المثل، فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق؛ لماتوا على الإسلام، وهؤلاء لم يكونوا من المؤمنين حقا، الذين امتحنوا فثبتوا على المحنة، ولا من المنافقين الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة.... " انتهى.
    والشاهد منه أن اللهج بكلمة (لو) عند حصول المصائب من سمات

    --------------------------------

    1 سورة آل عمران، الآية 154.
    2آل عمران 168.
    3آل عمران 168.
    ص -132- المنافقين الذين لا يؤمنون بالقضاء والقدر.
    فيجب على المؤمن الابتعاد عن التلفظ بهذه الكلمة عندما تصيبه محنة أو مكروه، وأن يعدل إلى الألفاظ
    الطيبة التي فيها الرضى بما قدر الله والصبر والاحتساب، وهي الألفاظ التي وجه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك،واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلت؛ كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان".
    فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى فعل الأسباب التي تنفع العبد في دنياه وآخرته مما شرعه الله لعباده من الأسباب الواجبة والمستحبة والمباحة، ويكون العبد في حال فعله السبب مستعينا بالله؛ ليتم له سببه وينفعه؛ لأن الله تعالى: هو الذي خلق السبب والمسبِّب، والجمع بين فعل السبب والتوكل على الله توحيد، ثم نهى عن العجز، وهو ترك فعل الأسباب النافعة، وهو ضد الحرص على ما ينفع، فإذا حرص على ما ينفعه وبذل السبب، ثم وقع خلاف ما أراد أو أصابه ما يكره؛ فلا يقل: لو أني فعلت كذا؛ لكان كذا؛ لأن هذه الكلمة لا تجدي شيئا، وإنما تفتح عمل الشيطان، وتبعث على التأسف ولوم القدر، وذلك ينافي الصبر والرضى، والصبر واجب، والإيمان بالقدر فرض.
    ثم أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اللفظ النافع المتضمن للإيمان بالقدر، وهو أن يقول: قدر الله وما شاء فعل؛ لأن ما قدر الله لا بد أن يكون، والواجب التسليم للمقدور، وما شاء الله فعل؛ لأن أفعاله لا تصدر إلا عن حكمة.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "والعبد إذا فاته المقدور له حالتان: حالة عجز: وهي عمل الشيطان، فليقيه العجز إلى (لو)، ولا فائدة فيها، بل هي
    ص -133-
    مفتاح اللوم. والحالة الثانية: النظر إلى المقدور وملاحظته، وأنه لو قدر؛ لم يفته، ولم يغلبه عليه أحد.
    فأرشد النبي صلى الله عليه وسلمإلى ما ينفعه حال حصول مطلوبه وحال فواته، ونهاه عن قول "لو"، وأخبره أنها تفتح عمل الشيطان؛ لما فيها من التأسف على ما فات والتحسر والحزن ولوم القدر؛ فيأثم بذلك، وذلك من عمل الشيطان، وليس هذا لمجرد لفظ"لو"، بل لما قارنها من الأمور القائمة بقلبه، المنافية لكمال الإيمان، الفاتحة لعمل الشيطان.
    فإن قيل: الرسول صلى الله عليه وسلمقد قال هذه الكلمة حينما أمر أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، ولم يفسخ هو؛ لأنه ساق الهدي.
    فالجواب عن ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ ما سقت الهدي": خبر عن مستقبل، لا اعتراض فيه على قدر، بل هو إخبار لأصحابه أنه لو استقبل الإحرام بالحج؛ ما ساق الهدي،ولأحرم بالعمرة، قال ذلك لهم لما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة؛ حثا وتطييبا لقلوبهم، لما رآهم توقفوا في أمره؛ فليس هذا من المنهي عنه، بل هو إخبار لهم عما كان يفعل في المستقبل لو حصل، ولا خلاف في جواز ذلك، وإنما ينهى عن ذلك في معارضة القدر، ولله أعلم".
    فهذا الحديث الذي رواه أبو هريرة لا يستغني عنه العبد، وهو يتضمن إثبات القدر، وإثبات الكسب، والقيام بالعبودية.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى هذا الحديث: "لا تعجز عن مأمور، ولا تجزع من مقدور".
    ص -134- الصبر ومنزلته في العقيدة:
    تقدم الكلام في النهي عن قول "لو"عندما يقع الإنسان في مصيبة، وأن الواجب عليه الصبر والاحتساب.
    قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "ذكر الله تعالى الصبر في تسعين موضعا من كتابه".
    وفي الحديث الصحيح: "الصبر ضياء"، رواه أحمد ومسلم.
    وقال عمر - رضي الله عنه -: "وجدنا خير عيشنا بالصبر"، رواه البخاري.وقال علي - رضي الله عنه -: "إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد"، ثم رفع صوته وقال: "ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له".
    وقد روى البخاري ومسلم مرفوعا: "ما أعطي أحد عطاء خيرًا أوسع من الصبر".
    والصبر مشتق من صبر: إذا حبس ومنع؛ فهو حبس النفس عن الجزع، وحبس
    اللسان عن التشكي والتسخط، وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب.
    وهو ثلاثة أنواع:
    1- صبر على فعل ما أمر الله به.
    2- وصبر على ترك ما نهى الله عنه.
    3- وصبر على ماقدره الله من المصائب.
    قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}1 .
    --------------------------------





  5. #65
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة التغابن، الآية 11.

    ص -135- قال علقمة: "هو
    الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله؛ فيرضى ويسلم".
    وقال غيره في معنى الآية: أي: من أصابته مصيبة، فعلم أنها بقدر الله، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله؛ هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من
    الدنيا هدىً في قلبه ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه".
    وقال سعيد بن جبير:"{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}؛ يعني: يسترجع، ويقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}1.
    وفي الآية الكريمة دليل على أن الأعمال من الإيمان، وعلى أن الصبر سبب لهداية القلوب، وأن المؤمن يحتاج إلى الصبر في كل المواقف: يحتاج إليه مع نفسه أمام أوامر الله ونواهيه؛ بإلزام نفسه بالتزامها.
    ويحتاج إلى الصبر في مواقف الدعوة إلى الله تعالى على ما يناله في سبيلها من مشقة وأذى، :{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ...} إلى قوله:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللَّهِ}2.
    ويحتاج إلى الصبر في موقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما يلاقيه من أذى
    الناس؛ عن لقمان:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ}3.
    والمؤمن بحاجة إلى الصبر أمام مواجهته المصائب التي تجري عليه؛ بأن يعلم أنها من عند الله؛ فيرضى، ويسلم، ويحبس نفسه عن الجزع والتسخط

    --------------------------------

    1 سورة البقرة، الآية 156.
    2 سورة النحل، الآيات 125 ـ 127.
    3 سورة لقمان، الآية 17.
    ص -136- الذي قد يظهر على
    اللسان والجوارح، وهذا من صميم العقيدة؛ لأن الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة، وثمرته الصبر على المصائب، فمن لم يصبر على المصائب؛ فهذا دليل على فقدان هذا الركن أو ضعفه لديه، ومن ثم سيقف أمام المصائب موقف الجزع والتسخط، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلمأن هذا كفر يخل بالعقيدة الإسلامية:
    ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اثنتان في
    الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت"؛ فهاتان الخصلتان من خصال الكفر؛ لأنهما من أعمال الجاهلية، بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة"، وبين "كفر"منكرًا؛ كما في هذا الحديث.
    وفي "الصحيحين": "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".
    وقوله في الحديث: "ودعا بدعوى الجاهلية"؛ قال ابن القيم: "الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية، ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ، وتفضيل بعضهم على بعض؛ يدعو إلى ذلك، ويوالي عليه، ويعادي؛ فكل هذا من دعوى الجاهلية..." انتهى.
    والله - سبحانه - يجري المصائب على عباده لحكم عظيمة؛ منها أنه يكفر بها خطاياهم؛ كما في حديث أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "إذا أراد الله بعبده الخير؛ عجل له العقوبة في
    الدنيا، وإذا أراد به الشر؛ أمسك عنه بذنبه، حتى يوافي به يوم القيامة"، رواه الترمذي وحسنه الحاكم.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "المصائب نعمة؛ أنها مكفرات
    ص -137- للذنوب، وتدعوا إلى الصبر؛ فيثاب عليها، وتقتضى الإنابة إلى الله والذل له والإعراض عن الخلق... إلى غير ذلك من المصالح العظيمة؛ فنفس البلاء يكفر الله به الذنوب والخطايا، وهذا من أعظم النعم، فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلق؛ إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاص أعظم مما كان قبل ذلك، فيكون شرًا عليه من جهة ما أصابه في دينه؛ فإن من
    الناس من إذا ابتلى بفقر أو مرض أو وجع؛ حصل له من النفاق والجزع ومرض القلب والكفر الظاهر وترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له الضرر في دينه؛ فهذا كانت العافية خيراً له من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة نفس المصيبة؛ كما أن من أوجبت له المصيبة صبراً وطاعة؛ كانت في حقه نعمة دينية؛ فهي بكونها فعل الرب - عز وجل - رحمة للخلق، والله تعالى محمود عليها، فمن ابتلى فرزق الصبر؛ كان الصبر عليه نعمة في دينه، وحصل هل بعد ما كفر من خطاياه رحمة، وحصل له ثناء ربه عليه؛ :{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}1، وحصل له غفران السيئات ورفع الدرجات، فمن قام بالصبر الواجب؛ حصل له ذلك" انتهى.
    ومن الحكم الإلهية في إجراء المصائب ابتلاء العباد عند وقوعها من يصبر ويرضى ومن يجزع ويسخط؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي؛ فله الرضى، ومن سخط؛ فله السخط"، رواه الترمذي وحسنه.
    والرضى هو أن يسلم العبد أمره إلى الله، ويحسن الظن به، ويرغب في ثوابه.
    والسخط: هو الكراهية للشيء، وعدم الرضى به؛ أي: من سخط على الله فيما دبره؛ فله السخط من الله.
    --------------------------------







  6. #66
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة البقرة، الآية 157.

    ص -138- وفي هذا الحديث أن الجزاء من جنس العمل، وفيه إثبات الرضى من الله - سبحانه - على ما يليق به كسائر صفاته، وفيه بيان الحكمة في إجراء المصائب على العباد، وفيه إثبات القضاء والقدر، وأن المصائب تجري بقضاء الله وقدره، وفيه مشروعية الصبر على المصائب، والرجوع إلى الله، والاعتماد عليه وحده في كل ملمة، ودفع كل مكروه.
    وقد أمر الله بالاستعانة بالصبر والصلاة على ما يواجه الإنسان في هذه الحياة من متاعب ومشاق؛ لأن من وراء ذلك الخير والعاقبة الحميدة، وأخبر أنه مع الصابرين بنصره وتأييده؛ :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}1؛ مما يدل على أهمية الصبر وحاجة المؤمن إليه، وهو من مقومات العقيدة.
    نسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا الصبر والاحتساب، وأن يمن علينا بالتوفيق والهداية.
    بيان ألفاظ لا يجوز أن تقال في حق الله تعالى تعطيلاً لشأنه:
    الله جل وعلا عظيم، يجب أن يعظم، وهناك ألفاظ لا يجوز أن تقال في حقه - سبحانه - تعظيما له، وقد ورد النهي عنها.
    1- ومن هذه الألفاظ: أنه لا يقال: "السلام على الله"؛ لأن السلام دعاء للمسلم عليه بطلب السلامة له من الشرور، والله - سبحانه - يطلب منه ذلك، ولا يطلب، ويدعى ولا يدعى له؛ لأنه الغني، له ما في السماوات والأرض، وهو السالم من كل عيب ونقص، ومانح السلامة ومعطيها، وهو السلام، ومنه السلام.
    في "الصحيح"عن ابن مسعود - رضي الله عنه؛ قال: "كنا إذا كنا مع رسول

    --------------------------------





  7. #67
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة البقرة، الأية 153.
    ص -139- الله صلى الله عليه وسلمفي الصلاة؛ قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا السلام على الله؛ فإن الله هو السلام"؛ أي: إن الله سالم من كل نقص.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "السلام مصدر، وهو من ألفاظ الدعاء، يتضمن الإنشاء والإخبار؛ فجهةالإخبارية تناقض الجهة الإنشائية، وهو معنى السلام المطلوب عند التحية...".
    إلى أن قال: "والمقام لما كان مقام طلب السلامة التي هي أهم عند
    الرجل أتى في طلبها بصيغة اسم من أسماء الله - تعالى، وهو السلام، الذي تطلب منه السلامة؛ فتضمن معنيين: أحدهما: ذكر الله... والثاني: طلب السلامة، وهو مقصود المسلم".
    2- ومن الألفاظ التي لا تقال في حق الله تعالى:"اللهم اغفر لي إن شئت"؛ فطلب الحاجة من الله لا يعلق على المشيئة؛ وإنما يجزم به.
    وفي (الصحيح)عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئتن ليعزم المسألة؛ فإن الله لا مكره له"، ولمسلم: "وليعظم الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".
    والنهي عن ذلك لأمرين:
    الأول: أن الله - سبحانه - لا مكره له على الفعل، وإنما هو يفعل ما يريد؛ بخلاف العبد؛ فإنه قد يفعل الشيء وهو كاره، ولكن يفعله لخوف أو رجاء من أحد، والله ليس كذلك.
    الثاني: أن التعليق على المشيئة يدل على فتور في الطلب وقلة رغبة فيه،
    ص -140- فإن حصل، وإلا؛ استغنى عنه، وهذا يدل على عدم الافتقار إلى الله.
    وفي رواية مسلم الأمر بتعظيم الطلب؛ لأن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه؛ أي: لا يكبر عليه - سبحانه - ولا يعسره، وليس عنده بعظيم، وإن عظم في نفس المخلوق، وذلك لكمال فضله وجوده وسعة غناه؛ فهو يعطي العظائم، ولا يعجزه شيء: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}1 .
    3- ومن الألفاظ التي لا تقال في حق الله تعالى: الإقسام على الله إذا كان على جهة الحجر عليه أن لا يفعل الخير.
    عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرت له وأحبطت عملك"، رواه مسلم.
    التألي: من الأليةَّ - بتشديد الياء، ومعنى "يتألى": يحلف.
    وقوله: "من ذا الذي": استفهام إنكار.
    وهذا
    الرجل أساء الأدب مع الله، وحكم عليه، وقطع أنه لا يغفر لهذا المذنب؛ فكأنه حكم على الله - سبحانه، وهذا من جهله بمقام الربوبية، واغتراره بنفسه وبعمله، وإدلاله بذلك؛ فعومل بنقيض قصده، وغفر لهذا المذنب بسببه، وأحبط عمله بسبب هذه الكلمه السيئة التي قالها، مع أنه كان عابدًا.
    قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "تكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته".
    ففي الحديث وجوب التأدب مع الله سبحانه في الأقوال والأفعال، وتحريم الإدلال على الله والإعجاب بالنفس واحتقار الآخرين، وتحريم الحلف على الله إذا كان على جهة الحجر عليه أن لا يفعل الخير بعباده.
    --------------------------------





  8. #68
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة يس، الآية 82.

    ص -141- أما إذا كان الحلف على الله جهة حسن الظن به - سبحانه، ورجاء الخير منه؛ فهذا جائز؛ كما جاء في الحديث: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله؛ لأبره".
    وفي حديث جندب بيان خطر
    اللسان ووجوب التحفظ منه.
    وعن معاذ - رضي الله عنه؛ "قلت: يا رسول الله!وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب
    الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!"، رواه الترمذي وصححه.
    ومما سبق أنه يجب التحفظ في الألفاظ، والابتعاد عن اللفظ الذي فيه سوء أدب مع الله سبحانه؛ لأن هذا يخل بالعقيدة، وينقص التوحيد؛ فلا يقال: السلام على الله؛ لأنه هو السلام سبحانه، ولأن السلام على أحد دعاء له بالسلام، والله سبحانه يُدعى له، ولا يقال: اللهم اغفر لي وارحمني إن شئت... ونحو ذلك، بل كل دعاء يؤتى به على سبيل الجزم؛ بلا تعليق بالمشيئة؛ لأن الله يفعل ما يشاء، ولا مكره له، وإنه لا يقسم على الله أن لا يرحم فلانا أو يغفر لفلان؛ لأن هذا حظر ومنع لرحمة الله وسوء ظن بالله - عز وجل؛ كما أنه لا يجوز أن يقال: ما شاء الله وشاء فلان، وإنما يقال: ما شاء الله ثم فلان؛ لأن العطف بالواو يقتضي المشاركة، ولا أحد يشارك الله - سبحانه - ويساويه في أمر من الأمور، وأما العطف ب (ثم)؛ فإنه يقتضي الترتيب والتبعية، فتكون مشيئة المخلوق تابعة لمشيئة الله سبحانه وحاصلة بعدها، وليست مشاركة لها.
    وكل هذا مما يؤكد على المسلم وجوب دراسة العقيدة ومعرفة ما يصححها وما يخل بها؛ حتى يكون على بينة من أمره، وحتى لا يقع في المحذور وهو لا يشعر.
    وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح.
    ص -142- ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات.
    تقدم أن بيَّنا أن التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
    وقد تكلمنا فيما سبق عن النوعين الأولين منه، وهما توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؛ لأن كل نوع من هذه الأنواع جحده طائفة من البشر .
    فتوحيد الربوبية جحده المعطلة الذين أنكروا وجود الله؛ كالدهرية، والملاحدة، ومنهم الشيوعية في عصرنا الحاضر، وإن كان جحودهم له إنما هو في الظاهر مكابرة منهم، وإلا؛ فهم يقرون به في الباطن وفي قرارة أنفسهم؛ إذ لا يعقل وجود مخلوق بدون خالق.
    والقسم الثاني: - وهو توحيد الألوهية - جحده أكثر الخلق، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بالدعوة إليه، وقد جحده المشركون قديما وحديثا، وجحودهم له يتمثل بعبادة الأشجار والأحجار والأصنام والقبور والأضرحة وعبادة مشايخ الصوفية باعتقاد النفع والخير فيهم من دون الله - عز وجل - ممن ينتسبون إلى الإسلام زورًاوبهتانا.
    والقسم الثالث - وهو توحيد الأسماء والصفات، ويعني إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله من صفات النقص، على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}1.
    وهذا القسم قد جحده الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة، وهو في
    الحقيقة داخل في توحيد الربوبية، لكن لما كثر منكروه وروجوا الشبه حوله؛





  9. #69
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة الشورى، الآية 11.

    ص -143- أفرد البحث، وجعل قسما مستقلاً، وألفت فيه المؤلفات الكثيرة؛ فألف الإمام أحمد رده المشهور على الجهمية، وألف ابنه عبد الله كتاب (السنة)، وألف عبد العزيز الكناني كتاب (الحيدة) في الرد على بشر المريسي، وألف أبو عبد الله المروزي كتاب (السنة)، وألف عثمان بن سعيد كتاب (الرد على بشر المريسي)، وألف إمام الأئمة محمد بن خزيمة كتاب (التوحيد)، وألف غير هؤلاء كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الردود على هؤلاء ومن جاء بعدهم وسار على نهجهم؛ فلله الحمد والمنة على بيان الحق ودحض الباطل.
    وأول من عرف عنه إنكار الصفات بعض مشركي العرب الذين أنزل الله فيهم قوله: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}1.
    وسبب نزول هذه الآية أن قريشا لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميذكر الرحمن؛ أنكروا ذلك؛ فأنزل الله فيهم: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}.
    وذكر ابن جرير أن ذلك كان في صلح الحديبية حين كتب الكاتب: {بسم الله الرحمن الرحيم}؛ قالت قريش: أما الرحمن؛ فلا نعرفه.
    روى ابن جرير - أيضا - عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ساجدًا يقول: "يا رحمن! يا رحيم!". فقال المشركون: هذا يزعم أنه يدعو واحدًا، وهو يدعو مثنى. فأنزل الله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى}2، و في سورة الفرقان: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ}3 .
    فهؤلاء هم سلف الجهمية والأشاعرة في إنكار أسماء الله وصفاته، وبئس السلف لبئس الخلف: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}4.



    --------------------------------
    1 سورة الرعد، الآية 30.
    2 سورة الإسراء، الآية 110.
    3 سورة الفرقان، الآية 60.
    4 سورة الكهف، الآية 50.

    ص -144- أما الرسل وأتباعهم - خصوصا محمدًا صلى الله عليه وسلموصحابته الكرام والذين اتبعوهم بإحسان؛ فهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، وينكرون على من يخالف هذا المنهج.
    فقد روى عبد الرازق عن معمر عن طاووس عن أبيه عن ابن عباس؛ أنه رأى رحلاً انتفض لما سمع حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات؛ استنكار لذلك؛ فقال: "ما فرق هؤلاء؟، يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه؟!"؛ يشير رضي الله عنه إلى أناس يحضرون مجلسه من عامة
    الناس؛ بأنهم إذا سمعوا شيئا من نصوص الصفات، وهي من المحكم؛ حصل معهم فرق - أي: خوف، وانتفضوا كالمنكرين لها، فهم كالذين قال الله فيهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}1، فيدعون المحكم، ويتبعون المتشابه، ويؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض.
    ونصوص الصفات من المحكم لا من المتشابه، يقرؤها المسلمون ويتدارسونها، ويفهمون معناها ولا ينكرون منها شيئا.
    قال وكيع: "أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث [ يعني: أحاديث الصفات ] ولا ينكرونها..." انتهى.
    وإنما ينكرها المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، الذين ساروا على منهج مشركي قريش، الذين يكفرون بالرحمن، ويلحدون في أسماء الله، وقد قالتعالى: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}2؛ فأثبت لنفسه الأسماء الحسنى، وأمر أن يُدعى بها، وكيف يُدعى بما لا يسمى به ولا يفهم معناه على زعم هؤلاء؟! وتوعد الذين يلحدون في أسمائه فينفونها عنه أو يؤولونها عن


    --------------------------------
    1 سورة آل عمران، الآية 7.
    2 سورة الأعراف، الآية 180.
    ص -145- معانيها الصحيحة؛ بأنه سيجزيهم على عملهم بالعقاب والعذاب؛ كما وصفهم بالكفر في قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}1؛ فلهذا كفَّر الجهمية كثير من أهل السنة:
    قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -:
    ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من
    العلماء في البلدان
    واللالكائي الإمام حكاه عنـ ـهم بل حكاه قبله الطبراني

    وجوب احترام أسماء الله سبحانه وتعالى:
    قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}2، و: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى}3.
    يخبر تعالى أن أسماءه حسنى؛ أي: حسان، قد بلغت الغاية في الحسن؛ فلا أحسن منها؛ لما تدل عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال؛ فهي أحسن الأسماء وأكملها، وأسماؤه سبحانه توقيفية؛ فلا يجوز لنا أن نسميه إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم .
    وقوله تعالى: {فَادْعُوهُ بِهَا}؛ أي: اسألوه وتوسلوا إليه بها؛ كما تقول: اللهم اغفر لي وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم.
    وأسماؤه - سبحانه - كثيرة؛ لا تحصر ولا تحد بعدد، منها ما استأثر الله بعلمه؛ فلا يعلمه ملك مقرَّب ولا نبيُّ مرسل؛ كما في الحديث الصحيح: "أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك".
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمى


    ----------------------
    1 سورة الرعد، الآية 30.
    2 سورة الأعراف، الأية 180.
    3 سورة طه، الآية 8.
    ص -146- به نفسه؛ فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه. وقسم أنزل به كتابه، وتعرف به إلى عباده. وقسم استأثر به في علم غيبه؛ فلم يطلع عليه أحدًا من خلقه".
    وقوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}؛ أي: أعرضوا عنهم واتركوهم؛ فإن الله سيتولى جزاءهم، ولهذا قال: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
    ومعنى: {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}؛ أي: يميلون بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها، والإلحاد بأسماء الله أنواع:
    أحدها: أن يسمى بها الأصنام كتسميتهم (اللات) من الإله، و(العزى) من العزيز، وتسميتهم الصنم إلها.
    الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله؛ كتسمية النصارى له أبا، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته، أو علة فاعلة الطبع.
    الثالث: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص؛ كقول أخبث اليهود: إنه فقير، وإنه استراح يوم السبت، وقولهم: يد الله مغلولة.
    والرابع: تعطيل الأسماء الحسنى عن معانيها وجحد حقائقها؛ كقول الجهمية وأتباعهم: أنها ألفاظ مجرة، لا تتضمن صفات ولا معاني؛ فيطلقون عليه اسم السميع البصير، ويقولون: لا سمع له ولا بصر؛ مثلاً، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً وشرعا، وهو يقابل إلحاد المشركين؛ فإن المشركين أعطوا من أسمائه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوا كماله وعطلوا أسماءه وصفاته.
    والواجب إثبات أسمائه واعتقاد ما تدل عليه من صفات كماله ونعوت جلاله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، على حد قوله
    ص -147- - سبحانه -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}1.
    والواجب احترام أسمائه من أن يسمى بها غيره، وذلك من تحقيق التوحيد.
    فعن أبي شريح؛ أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله هو الحكم، وإليه الحكم. فقال: إن قومي كانوا إذا اختلفوا في شيء؛ أتوني، فحكمت بينهم، فرضى كلا الفريقين. فقال: ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟" قلت: شريح ومسلم وعبد الله. قال: فمن أكبرهم؟. قلت: شريح. قال: فأنت أبو شريح". رواه أبو داود وغيره.
    فغيَّر النبي صلى الله عليه وسلمكنيته من أجل احترام أسماء الله؛ لأن الله هو الحكم على الإطلاق؛ : {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}2، وهو الحكم في
    الدنيا والآخرة، يحكم في الدنيا بين خلقه بوحيه الذي أنزله على أنبيائه، ويحكم بينهم يوم القيامة بعلمه فيما اختلفوا فيه، وينصف المظلوم من الظالم.
    وفي هذا الحديث دليل المنع من التسمي بأسماء الله= المختصة به، والمنع مما يوهم عدم الاحترام لها؛ كالتكني بأبي الحكم ونحوه.
    ومن احترام أسماء الله أن لا يقول الإنسان لمملوكه: عبدي وأمتي؛ لما في ذلك من إيهام المشاركة في الربوبية.
    وفي (الصحيح) عن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: "لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضىء ربك. وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي. وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي".
    فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلمعن هذه الألفاظ (ربك)، (عبدي)، (أمتي)؛ لأنها
    --------------------------------

    1 سورة الشورى، الآية 11.
    2 سورة الرعد، الآية 41.
    ص -148- توهم التشبيك مع الله، وسدّاً للذريعة، وحسما لمادة الشرك، وأرشد المالك أن يقول: فتاي وفتاتي، والعبد أن يقول: سيدي ومولاي.
    ومن احترام أسماء الله - سبحانه - أنه لا يرد من سأل بالله.
    عن عمر - رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استعاذ بالله؛ فأعيذوه، ومن سأل بالله؛ فأعطوه".
    لأن منع من سأل على عدم إجلال الله، وفي إعطائه دليل على تعظيم الله والتقرب إليه - سبحانه -.
    ومن احترام الله تعالى أنه لا يسُأل بوجه الله - تعالى؛ إلا
    الجنة؛ إجلالاً لله، وإكراما له، وتعظيما له.
    عن جابر - رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله: "لا يسأل بوجه الله إلا
    الجنة"، رواه داو؛ فلا يسأل بوجه الله تعالى ما هو حقير من حوائج الدنيا، وإنما به ما هو غاية المطالب، وهو الجنة، أو ما هو وسيلة إلى الجنة مما يقرب إليها من قول أو عمل.
    ومن احترم أسماء الله: أن لا يكثر الحلف بها؛ قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}1.
    قال ابن عباس: "يريد لا تحلفوا؛ لأن كثرة الحلف تدل على الاستخفاف بالله، وعدم التعظيم له، وذلك مما ينافي كمال التوحيد الواجب".
    وعن سلمان - رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليهم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته؛ لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه"، رواه الطبرابي بسند صحيح.
    --------------------------------







  10. #70
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة المائدة، الآية 89.

    ص -149- ومعنى: "جعل الله بضاعته"؛ أي: جعل الحلف بالله بضاعته؛ ففيه شدة الوعيد على كثرة الحلف؛ لأن ذلك يدل على الاستخفاف بحق الله تعالى وعدم احترام أسمائه.
    ومن إجلال الله وتعظيمه أنه لا يستشفع به على خلقه؛ لما في ذلك من تنقصه - سبحانه؛لأنالمستشفَع به يكون أقل درجة من المشفوع عنده.
    قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "إنما يشفَعُ عند من هو أعلى منه، تعالى الله عن ذلك".
    وقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكى إليه القحط وهلاك الأموال، وطلب منه أن يستسقي لهم، وقال: "فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله".
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "سبحان الله! أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، وأنه لا يستشفع بالله على أحد من خلفه"، رواه أبو داوه؛ فشأن الله عظيم، وهو ذلك يشفع عنده بإذنه - سبحانه -.
    منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته:
    منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية في أسماء الله وصفاته إثباتها؛ كما جاءت في الكتاب والسنة، مع اعتقاد ما دلت عليه، وأنها على ظاهرها، ولا يلزم من إثباتها تشبيه الله بخلقه، تعالى الله عن ذلك؛ لأن صفات الخالق تخصه وتليق به، وصفات المخلوقين تليق بهم وتخصهم، ولا تشابه بين الصفتين، كما أنه لا تشابه بين ذات الخالق - سبحانه - وذات المخلوق.
    ومذهب أهل السنة والجماعة في ذلك ينبني على أسس سليمة وقواعد مستقيمة، وهذه الأسس هي:

    ص -150- أولاً: أن أسماء الله وصفاته توقيفية؛ بمعنى أنهم لا يثبتون لله إلا ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله في سنته من الأسماء والصفات، ولا يثبتون شيئا بمقتضى عقولهم وتفكيرهم، ولا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسول في سنته، لا ينفون عنه بموجب عقولهم وأفكارهم؛ فهم لا يتجاوزون الكتاب والسنة، وما لم يصرح الكتاب والسنة بنفيه ولا إثباته؛ كالعرض والجسم والجوهر؛ فهم يتوقفون فيه؛ بناء على هذا الأصل العظيم.
    ثانيا: أن ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو حق على ظاهره، ليس فيه أحاج ولا ألغاز، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه؛ فأهل السنة يثبتون ألفاظ الصفات ومعانيها؛ فليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسول صلى الله عليه وسلممن المتشابه الذي يفوَّض معناه؛ لأن اعتبار نصوص الصفات مما لا يفهم معناه يجعلها من الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، والله تعالى قد أمرنا بتدبر القرآن كله، وحضنا على تعقله وتفهمه، وإذا كانت نصوص الصفات مما لا يفهم معناه؛ فيكون الله قد أمرنا بتدبر وتفهم ما لا يمكن تدبره وتفهمه، وأمرنا باعتقاد ما لم يوضحه لنا، تعالى الله عن ذلك.
    إذاً؛ فمعاني صفات الله تعالى: معلومة يجب اعتقادها، وأما كيفيتها؛ فهي مجهولة لنا، لا يعلمها إلا الله - تعالى، ولهذا يقول الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - لما سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}1؛ كيف استوى؟ قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
    وما قال الإمام مالك في الاستواء هو قاعدة في جميع الصفات، وهو قول أهل السنة والجماعة قاطبة، فمن نسب إلى السلف أنهم يفوضون معاني الأسماء والصفات، ويجعلون نصوصها من المتشابه الذي استأثر الله بعلم

    --------------------------------

    1 سورة طه، الآية 5.
    ص -151- معناه؛ فقد كذب عليهم؛ لأن كلامهم يخالف ما يقوله هذا المفتري.
    ثالثا: السلف يثبتون الصفات إثباتا بلا تمثيل؛ فلا يمثلونها بصفات المخلوقين؛ لأن الله ليس كمثله شيء، ولا كفء له، ولا ند له، ولا سمي له، ولأن تمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء لمعرفة كيفيتها، وكيفيتها مجهولة لنا مثل كيفية الذات؛ لأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، والله تعالى لا يعلم كيفية ذاته إلا هو.
    والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات؛ فكذلك له صفات لا تشبه الصفات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}1؛ أي: لا يشبهه أحد لا في ذاته ولا صفاته ولا في أفعاله؛ فيجب الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا أحد أعلم من الله بالله، {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}2؛ فهو أعلم بنفسه وبغيره.
    كما يجب الإيمان بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى}3؛ فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وينزه ربه جل وعلا من أن تشبه صفته صفة الخلق.
    فمن قدم بين يدي الله ورسوله وتجرأ على الله، فنفى عنه ما أثبته لنفسه من الصفات العظيمة وما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا الذي وصفت به نفسك ووصفك به رسولك لا يليق بك وفيه من النقص كذا وكذا؛ فأنا أؤوله وألغيه وآتي ببدله من تلقاء نفسي؛ كما قال بعضهم:
    وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
    فلا أرجع إلى كتابك ولا إلى سنة نبيك في ذلك؛ لأن ما فيهما يوهم التشبيه، وإنما أرجع إلى قواعد المتكلمين وأقاويل الجهمية والمعتزلة والأشاعرة
    --------------------------------

    1 سورة الشورى، الآية 11.
    2 سورة البقرة، الآية 140.
    3 سورة النجم، الآية 3.

    ص -152- والماتريدية!! فهل يكون يا عباد الله هذا مؤمنا بالله وبكتابه وسنة رسوله؟! وهل يكون هذا معظما لربه؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
    رابعا: وكما أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله على وجه يليق بجلاله ولا يشبهونه بخلقه؛ فهم ينزهونه عن النقائض والعيوب تنزيها لا يفضي بهم إلى التعطيل بتأويل معانيها أو تحريف ألفاظها عن مدلولها بحجة التنزيه؛ فمذهبهم في ذلك وسط بين طرفي التشبيه والتعطيل، تجنبوا التعطيل في مقام التنزيه وتجنبوا التشبيه في مقام الإثبات.
    خامسا: وطريقة أهل السنة والجماعة فيما يثبتون لله من الصفات وما ينفون عنه من النقص هي طريقة الكتاب والسنة، وهي الإجمال في النفي والتفصيل في الإثبات؛ كما في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}1؛ فأجمل في النفي وهو قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وفصل في الإثبات وهو قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
    وكل نفي في صفات الله؛ فإنه يتضمن إثبات الكمال، وليس هو نفيا محضا، لأن النفي المحض ليس فيه مدح لأنه عدم محض والعدم ليس بشيء.
    ومن أمثلة النفي المتضمن لإثبات الكمال؛ قوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}2؛ أي: لكمال عدله - سبحانه -.
    وقوله: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا}3؛ أي: لكمال قدرته وقوته.
    وقوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}4؛ أي: لكمال حياته وقيوميته.
    وهكذا كل نفي عن الله؛ فإنه يتضمن إثبات ضد المنفي من الكمال والجلال.
    هذا ونسأل الله البصيرة في دينه والعمل بطاعته ومعرفة الحق والعمل به.
    --------------------------------
    1 سورة الشورى، الآية 11.
    2 سورة الكهف، الآية 49.
    3 سورة البقرة، الآية 255.
    4 سورة البقرة، الآية 255.

    ص -153- منهج الجهمية وتلاميذهم في أسماء الله وصفاته:
    يجب على المسلم إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته على وفق ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأن هذا يدخل في باب الإيمان بالله - عز وجل، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، متخذين كتاب الله وسنة رسوله الدليل والمرجع في ذلك، عكس ما عليه الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة الذين ينفون ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، أو ينفون بعضا منها ويثبتون البعض الآخر تحكما منهم، ويجعلون مرجعهم في ذلك ما قررته عقولهم القاصرة أو قرره لهم أئمة الضلال، وفرق بين من جعل دليله الكتاب والسنة ومن جعل دليله نحاتة الأفكار وزبالة الأذهان، كما يقوله واحد منهم:
    وكُل نص أوهم التشبيها أَوَّله أو فوَّض وَرُم تَنزِيها
    هذا تعاملهم مع نصوص الكتاب والسنة في باب أسماء الله وصفاته، التأويل هو صرف هذه النصوص عما دلت عليه من المعاني الجليلة إلى ما تقرره عقولهم من الأفكار العقيمة والآراء الباطلة، وما عجزت عنه عقولهم؛ فوضوه واعتقدوا خلاف ما يدل عليه، سبحانك ربي! ما أعظم شأنك! وما أحلمك على عبادك. إنهم نفوا عنك ما أثبته لنفسك من صفات الكمال ونعوت الجلال وخالفوا كتابك، وقدموا ما أملته عليهم عقولهم على ما أنزلته في كتابك، نفوا عنك أسماءك وصفاتك، ونفوا عن كتابك حجيته وهدايته.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في هؤلاء: "ومن يظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل، وترك الحق لم يخبر به، وإنما رمز إليه رموزًا بعيدة وأشار إليه إشارات ملغزة ولم يصرح به وصرح دائما بالتشبيه والتمثيل الباطل، وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف
    ص -154- كلامه عن مواضعه وتأويله على غير تأويله، ويتطلبوا له وجوه الاحتمالات المستكرهة والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابة، بل أراد منهم أن يحملوا كلامه على ما يعرفونه من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل؛ فلم يفعل، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان؛ فقد ظن به ظن السوء، فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبَّر به هو وسلفه؛ فقد ظن بقدرته العجز. وإن قال: إنه قادر ولم يبين وعدل عن البيان وعن التصريح بالحق إلى ما يوهم، بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد؛ فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء. ومن ظن أنه هو وسلفه عبروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله، وأن الهدى والحق في كلامهم وعباراتهم، وأما كلام الله؛ فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهر كلام المتهوكين والحيارى هو الحق والهدى؛ فهذا من أسوأ الظن بالله..." إلى أن قال: "ومن ظن أنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا إرادة ولا كلام يقول به، وأنه لم يكلم أحدًا من الخلق، ولا يتكلم أبداً، ولا قال ولا يقول، ولا له أمر ولا نهي يقوم به؛ فقد ظن به ظن السوء. ومن ظن به أنه ليس له فوق سماواته على عرشه بائنا من خلقه، وأن نسبة ذاته إلى عرشه كنسبتها إلى أسفل السافلين؛ فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه..." انتهى كلامه - رحمه الله -.
    وهو يعني به أولئك الذين يفوا ما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، ومعلوم أن من نفى عن الله صفات الكمال؛ فقد أثبت له أضدادها من صفات النقص، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيرا.
    ثم يلزم من هذا أن يكون هؤلاء الضلال أعلم بالله وما يستحقه من الله؛ لأهم نفوا عنه ما أثبته لنفسه، وزعموا أنه لا يليق به! وأي ضلال أعظم من
    ص -155- هذا؟ وأي جرأة على الله أعظم من هذه الجرأة !
    ويلزم من ذلك - أيضا - أن يكونوا أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلمأثبت لله هذه الصفات، وهم نفوها وقالوا: إنها لا تليق بالله! وأي ضلال أعظم من هذا الضلال لو كانوا يعقلون؟! كيف يكون هؤلاء الجهال الضلال أعلم بالله من نفسه، تعالى الله عما يقولون، والله تعالى يقول: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}1، ولا أحد من الخلق أعلم بالله وما يستحقه وما يليق به من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
    إن الذي حمل الجهمية وأتباعهم على نفي صفاتالله - عز وجل - هو جهلهم بالله وسوء أفهامهم، حيث ظنوا أنه يلزم من إثبات هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله؛ يلزم منها التشبيه؛ لأنهم يرون هذه الصفات في المخلوقين، ولا يفرقون بين صفات الخالق وصفات المخلوق، ولم يفهموا من صفات الخالق إلا ما فهموا من صفات المخلوقين، ولم يعلموا أن صفات الخالق سبحانه تخصه به وصفات المخلوقين تخصهم وتليق بهم، ولا تشابه بين صفات الخالق وصفات المخلوق، كما أنه لا تشابه بين ذات الخالق وذوات المخلوقين؛ كما قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}2؛ فأثبت لنفسه السمع والبصر، ونفى عنه مشابهة الأشياء، فدل ذلك على إثبات الصفات لا يلزم منه المشابهة بين الخالق والمخلوق.
    وهذا هو الأصل الذي سار عليه أهل السنة والجماعة في إثبات أسماء الله وصفاته؛ أثبتوا له ما أثبته لنفسه بلا تمثيل ونزهوه عما نزه نفسه عنه بلا تعطيل.
    أما الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة؛ فإنهم بنوا مذهبهم على أصل باطل أصلوه من عند أنفسهم، وهو أن إثبات هذه الصفات يقتضي
    --------------------------------

    1 سورة طه، الآية 110.
    2 سورة الشورى، الآية 11.

    ص -156- التشبيه، فيلزم حيال النصوص الواردة بذلك أحد أمرين عندهم: إما تأويلها عن ظاهرها، وإما تفويضها مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، ولهذا يقول ناظم عقيدتهم:
    وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
    سبحانك ربي عما يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كييرًا.
    وقد أجرى الله الحق على لسان هذا الناظم؛ حيث قال "وكل نص أوهم التشبيها" فبين أن مذهبهم مبني على الوهم لا على الحق؛ لأنهم توهموا أن هذه النصوص تقتضي التشبيه؛ فراحوا يؤولونها.
    وهل الوهم يا عباد الله تعارض به النصوص وتبنى عليه عقيدة؟!
    إن الوهم أقل درجة من الظن، والله تعالى: يقول في الظن {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}1
    الرد على المنحرفين عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته من المشبهة والمعطلة:
    المنحرفون عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته طائفتان: المشبهة والمعطلة.
    1 - المشبهة:
    وهؤلاء شبهوا الله بخلقه، وجعلوا صفاته من جنس صفات المخلوقين، ولذلك سموا ب (المشبهة)، وأول من قال هذه المقالة هو هشام بن الحكم الرافضي وبيان بن سمعان التميمي الذي تنسب إليه البيانية من غالية الشيعة؛ فالمشبهة غلوا في إثبات الصفات، حتى أدخلوا في ذلك ما نفاه الله ورسوله. ما لا يليق به سبحانه من صفات النقص، تعالى الله عما يقولون علوّا كبيراً،
    --------------------------------

    1 سورة النجم، الآية 28.

    ص -157- ومن هؤلاء هشام بن سالم الجواليقي، وداود الجواربي.
    وقد نفى الله في كتابه مشابهته لخلقه، ونهى عن ضرب الأمثال له؛ ف: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}1،
    {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}2، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}3، {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ}4، فمن شبه صفات الله بصفات خلقه؛ لم يكن عابدًا لله في الحقيقة، وإنما يعبدون وثنا صوَّره له خياله ونحته له فكره؛ فهو من عباد الأوثان، لا من عباد الرحمن.
    قال العلامة ابن القيم:
    لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان
    ومن شبه الله بصفات خلقه؛ فهو مشابه للنصارى الذين يعبدون المسيح بن مريم عليه السلام.
    يقول العلامة ابن القيم:
    من مثل الله العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك نصراني
    وقال نعيم بن حماد شيخ البخارى رحمهما الله: "من شبه الله بخلقه؛ فقد كفر، ومن نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله؛ فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه".
    2 - المعطلة:
    وهؤلاء نفوا عن الله ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من صفات الكمال، زاعمين أن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم؛ فهم على طرفي نقيض مع المشبهة.
    ومذهب التعطيل مأخوذ من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين.
    --------------------------------





 

صفحة 7 من 9 الأولىالأولى ... 3456789 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قواعد الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة
    بواسطة أمـــة الله في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 2011-01-16, 08:38 PM
  2. كلمات في ميزان الاعتقاد (1- أهل السنة و الجماعة)
    بواسطة أبو صهيب المصري في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 2010-11-02, 06:22 AM
  3. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-11-01, 04:51 PM
  4. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-11-01, 04:48 PM
  5. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-10-30, 04:06 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML