صفحة 7 من 10 الأولىالأولى ... 345678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 97
 
  1. #61
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    هــنري كيـسنجر (1923 (
    Henry Kissinger
    عالم سياسة أمريكي، وأول أمريكي يهودي يتولى منصب وزير الخارجية الأمريكية، وكذلك أول أمريكي غير أمريكي المولد يتولى هذا المنصب. وُلد في مقاطعة بافاريا في ألمانيا، وقضى صباه في ظل الحكم النازي حيث طُرد مع أخيه من المدارس الحكومية، كما طُرد والده من وظيفته كمعلم. وفي عام 1938، رحل كيسـنجر مع أسـرته إلى الولايــات المتحـدة حيث استقروا في نيويورك. وجُنِّد في الجيش الأمريكي عام 1943 ثم عمل في المخابرات حتى عام 1946، وخدم في ألمانيا كمترجم وكمدرس في المدرسة الأوربية لقيادة المخابرات.

    وبعد الحرب، درس في هارفارد ثم انضم إلى هيئة التدريس وتدرَّج في السـلم الأكاديمي حتى حصل على درجة الأسـتاذية عام 1962. واكتسب كيسنجر مكانة مهمة كمفكر مختص في شئون الدفاع والأمن القومي وكتب عدة كتب مهمة في هذا المجال. وعمل كيسنجر مسـتشـاراً لعدة رؤساء أمريكيين (أيزنهاور، وكنيدي، وجونسون). وفي عام 1968، عمل بصفة دائمة في شئون الرئاسة الأمريكية. وحين عمل مستشاراً للرئيس نيكسون للأمن القومي، اتسمت علاقتهما بقدر كبير من التفاهم وأتاح نيكسون لكيسنجر مساحة كبيرة من حرية العمل. وقد اكتسب كيسنجر سمعة عالمية من خلال تمهيده للزيارتين التاريخيتين التي قام بهما الرئيس الأمريكي نيكسون إلى الصين والاتحاد السوفيتي عام 1972، وتدشينه سياسة الوفاق الدولي مع الاتحاد السوفيتي وتَوصُّله لمعاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية الأولى (سولت) عام 1972.

    ومع انتهاء حرب فيتنام، وجَّه كيسنجر اهتمامه نحو الشرق الأوسط حيث كانت الإدارة الأمريكية تسعى إلى الحد من النفوذ السوفيتي في المنطقة وتقليصه في نهاية الأمر من خلال خلق وجود أمريكي متزايد في العالم العربي وضمان استمرار تدفق النفط العربي إلى الغرب. وبالفعل، لعب كيسنجر دوراً بارزاً في ترتيب وقف إطلاق النار في أثناء حرب 1973، ثم في عقد مفاوضات بين الجانبين العربي والإسرائيلي، وأخيراً في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر، الأمر الذي مهَّد بالفعل لتزايد الوجود الأمريكي بالمنطقة وتزايد دور أمريكا في قضية الشرق الأوسط وما انتهى إليه من معاهدة صلح بين مصر وإسرائيل.

    وقد مُنح كيسنجر عام 1973 جائزة نوبل للسلام، كما عُيِّن في العام نفسه وزيراً للخارجية الأمريكية. ومع مجئ الرئيس كارتر إلى الحكم، انتهى عمله بهذا المنصب. وقد تولى كيسنجر بعد ذلك، مواقع مرموقة في المؤسسات الأكاديمية والمالية والتجارية الأمريكية، فعمل أستاذاً في جامعة جورج تاون، وعُيِّن نائباً لرئيس اللجنة الاستشارية الدولية لبنك تشيز مانهاتن، كما عمل مسـتشاراً للشـئون العالمية لشـركة إن. بي. سي. NBC وفي مؤسسة جولدمان ساخس للمال والسمسرة لتقديم المشورة حول تأثير التطورات السياسية الدولية على الشئون الاقتصادية والمالية للشركة وعملائها.
    وفي عام 1983 اختاره الرئيس الأمريكي ريجان لرئاسة اللجنة الخاصة بشئون أمريكا اللاتينية المنوط بها مهمة تقييم السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المنطقة.
    ويتمحور فكر كيسنجر الإستراتيجي حول مفهوم النظام الدولي الشرعي والمستقر. فالاستقرار يصنع السلام (وليس العكس) وهو لا يتحقق إلا بوجود شرعية دولية تقبلها الأطراف الأساسية في النظام الدولي. والشرعية والاستقرار لا يتحققان إلا من خلال أداتين لا انفصال بينهما هما الدبلوماسية والقوة المسلحة. وهذا النظام لا ينفي الصراع تماماً بل يخفضه إلى نوع من التنافس والتوتر المحكوم بإطار مقبول من الترتيبات والقواعد حول السلوك والأهداف والوسائل المسموح بها. والمعضلة الأساسية بالنسبة لكيسنجر هي كيفية الحفاظ على النظام الشرعي المستقر في ظل عصر الأسلحة النووية وفي مواجهة النظم الثورية التي ترفض الإطار القائم وتشكل مصدراً للصراعات التي تعيق (في نظره) التطور، ومن هنا كان اقتراحه القائل بتَبنِّي إستراتيجية تعتمد على التزاوج بين الدبلوماسية والمفاوضات من جهة، والحرب المحدودة من جهة أخرى.

    وقد كانت القضية الأساسية التي شغلت كيسنجر وحدَّدت مواقفه من القضايا الدولية كافة هي قضية العلاقة بين القوتين الأعظم والتوازن الدقيق بينهما. فأية مشكلة تمس هذا الميزان، وتهدد المصالح الأمريكية والغربية، كانت تثير اهتمامه وتَحرُّكه السريع، مثل مشكلة الأمن الأوربي وحرب فيتنام وأزمة الشرق الأوسط بخاصة بعد حرب 1973، في حين نجد أن اهتمامه يتراجع بمشاكل أخرى لا تمس هذا التوازن مثل غزو تركيا لقبرص عسكرياً عام 1974 وتحـديها لليونان، رغم أن كلتـا الدولتين عضـو في حلـف ناتو، وكذلك إهماله التام لأفريقيا وعدم اهتمامه بقضاياها إلا بعد دخول الاتحاد السوفيتي طرفاً في حرب تحرير أنجولا، فعندئذ جاء تَحرُّكه السريع لغلق الباب الأفريقي أمام السوفييت. وإلى جانب تَحدِّي الكتلة الشرقية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي كان كيسنجر يرى أن حركات التحرر الوطني والنظم الثورية الوطنية في العالم الثالث تشكل تحدياً آخر للولايات المتحدة والمعسكر الغربي؛ فهي تنزع نحو فرض نظام عالمي جديد يتسم بقدر أكبر من المساواة، وترى القوة الأمريكية المالية نوعاً من الاستعمار الجديد ومن ثم كان اقترابها أكثر من الاتحاد السـوفيتي وتأثير ذلك على العـلاقات والتوازن بين القوتين الأعظم. وهو يرى إمكانية احتواء هذه النظم الثورية "بالغواية والتخويف وكذلك ضربها بالحروب المحدودة حتى بغير اشتراك الولايات المتحدة. وعلى الولايات المتحدة أن تتأكد أنه يوجد لها في كل منطقة من العالم الثالث سوط مستعد في كل لحظة لأن يهوي على أي ظهر يحاول أن يرفع رأسه بعد حد معيَّن".

    ومحاولة اكتشاف البُعد اليهودي في تفكير كيسنجر أمر لا طائل من ورائه، فطريقة تفكيره وأولوياته وإدراكه لمصالح العالم الغربي وإدارته للأزمات الدولية (سواء في الشرق الأوسط أو غيرها من المناطق) هي جزء لا يتجزأ من التفكير الإستراتيجي العام في الغرب بمنطلقاته الصراعية الداروينية والتي تعود إلى عصر النهضة، وفلسفة الدولة. وهو تفكير يسعى إلى حماية أمن الغرب والدفاع عن مصالحه من خلال استخدام كل أشكال القوة (من ضغط سياسي إلى نشاط استخباري إلى انقلابات عسكرية مُدبَّرة إلى استخدام القوة العسكرية بشكل مباشر). وفي داخل هذا الإطار يرى كيسنجر أن الولايات المتحدة هي زعيمة العالم الغربي ويرى أن لمصالحها أسبقية على مصالح الدول الأخرى وضمن ذلك الدول الغربية واليابان. ومن هنا اهتمامه بالبترول العربي فهو أداة ضغط أساسية على الدول "الحليفة" التي تعتمد على البترول المستورد. وما يُحدِّد موقف كيسنجر من إسرائيل ليس يهوديته أو رغبته في الدفاع عن المصالح اليهودية أو زيادة النفوذ اليهودي أو حماية الدولة اليهودية، وإنما حرصه على أن تكون إسرائيل حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة وسوطاً رادعاً في يدها. ومن ثم لا يمكن تفسير مواقف كيسنجر السياسية على أساس يهوديته، كما يفعل بعض المحللين العرب.






  2. #62
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    المـال اليهــودي
    Jewish Money
    «المال اليهودي» عبارة تتواتر في الأدبيات المُتداوَلة عن أعضاء الجماعات اليهودية، وهي عبارة تفترض وجود ثروة (ضخمة) يمتلكها اليهود ويوظفونها بالطريقة التي تروق لهم. ولعل أساس العبارة هو دور اليهود كجماعة وظيفية تجارية تمتلك رأسمال توظفه في التجارة البدائية والربا ويدر عليها ربحاً (كان النبيل الإقطاعي يستولي على معظمه). ونظراً لوجود هذا الرأسمال خارج العملية الإنتاجية الزراعية، فقد بدا كما لو كان مستقلاً. أما في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، فقد تَركَّز أعضاء الجماعات اليهودية في قطاعات اقتصادية بعينها، فكان يبدو كما لو كان اليهود عنصراً مستقلاً.

    ويذهب البعض إلى أن هذا المال اليهودي هو سر قوة اليهود، فهم يوظفونه في شراء النفوذ وفي ممارسة السلطة وفي تخريب الضمائر وإفساد العباد. وهذه أيضاً تهمة لها جذورها، فأعضاء الجماعات اليهودية كانوا يشترون المواثيق والحماية والمزايا من الملك أو الأمير، كما أنهم تركزوا في كثير من القطاعات المشينة في المجتمعات الحديثة (البغاء - المجلات الإباحية).

    وكما هو واضح، فإن ثمة أساساً موضوعياً أو مادياً لكل التهم، ومع ذلك يظل الواقع أكثر تركيباً من التهم الاختزالية البسيطة ومن الواقع المادي المباشر. فالمال اليهودي في المجتمع الإقطاعي كان بالفعل في قبضة أعضاء الجماعات اليهودية، ولكنهم هم أنفسهم كانوا في قبضة الأمير الإقطاعي، وكانت المواثيق الممنوحة لهم تتحدث عن تبعيتهم للأمير تبعية المملوك للمالك.وكانت بعض المواثيق تشير إلى هذا بشكل مجازي، بينما كان البعض الآخر يشير إليه بشكل حرفي.

    والمال اليهودي في العصر الحديث لا يختلف كثيراً عن المال اليهودي في العصور الوسطى في الغرب. فرأس المال اليهودي يتحرك حسب حركة رأس المال المحلي الذي يتحرك بدوره حسب حركة رأس المال العالمي. ولعله بعد عمليات التدويل المختلفة التي خاضها العالم، وظهور النظام العالمي الجديد والشركات متعددة الجنسيات، زادت تبعية المال اليهودي وتناقصت مقدرة الرأسمالي من أعضاء الجماعات اليهودية على التحكم في رأس ماله.

    وكل هذا لا ينفي ما يلي:

    1 ـ أن هناك رقعة من الحرية للرأسمال اليهودي يتحرك فيها، خصوصاً إذا تماثلت الظروف.

    2 ـ أن كثيراً من القرارات السياسية التي اتخذها غير اليهود كانت تَصدُر عن الإيمان بوجود هذا المال اليهودي، ومن ثم أخذه صانع القرار في الحسبان وهو يتخذ قراره، أي أن المال اليهودي (في هذه الحالة) عنصر مؤثر تأثيراً لا يتناسب بتاتاً مع قوته الفعلية.






  3. #63
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    العجز اليهودي (بسبب انعدام السيادة وعدم المشاركة في السلطة(
    Jewish Powerlessness
    «العجز بسبب انعدام السيادة وعدم المشاركة في السلطة» عبارة ظهرت مؤخراً في الأدبيات الصهيونية وغيرها، وهي عبارة تحاول أن تفسر المسألة اليهودية على أنها تتلخص في افتقار اليهود إلى السيادة القومية وعدم مشاركتهم في صنع القرار. وتعود هذه الحالة (حسب التصور الصهيوني) إلى عام 70م عندما قام تيتوس بهدم الهيكل رمز السيادة القومية وأصبح اليهود جماعات مشتتة ليست لها سيادة قومية مستقلة، يوجد أعضاؤها خارج نطاق مؤسسات صنع القرار بعيداً عن أية سلطة، وبالتالي أصبحوا غير متحكمين في مصيرهم. ويستند هذا النموذج التفسيري إلى عدة افتراضات اختزالية من بينها تَصوُّر أن العبرانيين القدامى والعبرانيين اليهود، أي اليهود حتى عام 70م، كانوا يمارسون سيادة قومية كاملة. وهذا أمر مشكوك فيه. فلقد كان العبرانيون ـ حسب ما وصلنا من معلومات - أقناناً أو عبيداً أو قبائل رحلاً. وبعد التسلل العبراني في كنعان، ظل العبرانيون جيوباً متفرقة لا تمتلك كثيراً من السيادة القومية. والاستثناء الوحيد من هذه الصورة العامة هو حكم كلٍّ من داود وسليمان (المملكة العبرانية المتحدة) الذي لم يدم أكثر من أربعين عاماً بسبب الغياب المؤقت للقوى العظمى في الشرق الأدنى القديم. ثم ظهرت الدويلتان العبرانيتان اللتان كانتا تتبعان في سياستهما إما آشور وبابل أو مصر أو آرام دمشق. وقد دام حكم الحشمونيين فترة قصيرة لا تزيد على مائة عام، بدأت بتوقيع معاهدة مع روما (القوة العظـمى الصـاعـدة) وانتهـت بتَدخُّل بومـبي في تعيين الملـك الحشموني.

    ويفترض هذا النموذج التفسيري أيضاً وحدة المصير اليهودي ووحدة أعضاء الجماعات. وهذا أمر يتناقض تماماً مع الحقائق التاريخية، فقد كان مصير كل جماعة يهودية يتحدد بآليات وحركيات التشكيل الحضاري والسياسي الذي تواجدت داخله.

    ويُنكر هذا النموذج التفسيري أن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا في كثير من الفترات، شأنهم شأن أعضاء الجماعات الدينية والإثنية الأخرى، يشاركون في السلطة من خلال المؤسسات التقليدية للحكم. فالمجتمعات التقليدية كان لها نظامها الخاص في تقسيم السلطة بحيث تسيطر السلطة الحاكمة على الجيش والسياسة الدولية. أما الشئون الأخرى، وضمنها الأمن الداخلي، فكان تسييرها يتم عن طريق مؤسسات الإدارة الذاتية.

    ثم يفترض هذا النموذج التفسيري وجود إدارة وسيادة يهودية مستقلة، وهو افتراض خاطئ تماماً. ففي العصر الحديث، يشارك أعضاء الجماعات، منفردين أو مجتمعين، في السلطة وفي صنع القرار من خلال مؤسسات الدولة الحديثة (البرلمانات والأحزاب السياسية). فعلى سبيل المثال، يُعدُّ تعيين هنري كيسنجر وزيراً للخارجية الأمريكية، وهو من أهم المناصب السياسية في العصر الحديث، تعبيراً عن هذا الشكل من أشكال المشاركة في السلطة. وبالمثل فإن اللوبي الصهيوني شكل آخر لهذه المشاركة؛ حيث يشكل بعض أعضاء الجماعة اليهودية قوة ضغط داخل الكونجرس الأمريكي تقوم بممارسة الضغط لصالح الدولة الصهيونية. وهذه هي إحدى الآليات الأساسية للنظام السياسي الديموقراطي في الغرب.

    وسيجد الدارس المدقق لهذا النموذج التفسيري أن المفكرين الصهاينة، ومعظمهم من أصول إشكنازية شرق أوربية، حين يتحدثون عن العجز بسبب انعدام السيادة وعدم المشاركة في السلطة، إنما يفكرون في تجربة أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا ابتداءً من العصور الوسطى حتى بداية القرن الحالي. ولذا، فإن المقولة تحمل شيئاً من الصحة إن تَحدَّد مجالها الدلالي على هذا النحو.

    ومن المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية في العصور الوسطى في الغرب، كانوا تجاراً ومرابين وأقنان بلاط وأرندا ويهود بلاط، وكلها أشكال مختلفة من أنماط الجماعة الوظيفية، وكانوا كذلك قريبين دائماً من الحاكم ملتصقين به، كما كانوا يشكلون أدواته الطيعة في عملية الاستغلال وامتصاص فائض القيمة من الجماهير. ولكنهم، مع هذا، لم يشاركوا في صنع القرار، فقد كانوا منبتي الصلة بالجماهير وتعوزهم القوة العسكرية، وهذا ما جعلهم في حالة عجز واعتماد كامل على الحاكم الذي كانت ثقته بهم تتزايد لأنهم لا يشكلون أية خطورة عليه بسبب عجزهم عن الاستيلاء على السلطة أو لعدم وجود أساس من القوة يؤهلهم للمطالبة بنصيب فيها.

    وقد طرحت الصهيونية نفسها على أنها الحركة التي ستحل هذه الإشكالية وتضع نهاية لعجز اليهود وعدم مشاركتهم في السلطة عن طريق تأسيس دولة يهودية مستقلة ذات سيادة. وذلك على اعتبار أنه، مهما تكن مشاركة أعضاء الجماعات في صنع القرار، فإن هذا القرار يظل في النهاية غير يهودي، ويظل اليهودي بالتالي مهدداً في أية لحظة بسحب البساط من تحت قدميه. وفي هذا المقام، يُشار دائماً إلى ألمانيا النازية حيث كان كثير من يهود ألمانيا يشغلون، حتى ظهور النازية (عام 1933)، مناصب حكومية وسياسية قيادية. وينسى الصهاينة أن النظام السياسي الألماني لم يَحرم أعضاء الجماعات اليهودية وحدهم من المشاركة في السلطة، فقد حَرَم قطاعات كبيرة من الشعب الألماني والشعوب الأخرى التي سيطرت عليها القوات الألمانية من أية سلطة أو إرادة مستقلة.






  4. #64
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    والأهم من ذلك كله أن الاستعمار الصهيوني كان استعماراً عميلاً منذبداية الاستيطان، كما أن شرعيته لم تكن تستند إلى قوة اليهود أو إلى حركة جماهيريةوإنما استندت إلى وعد أصدرته القوة الإمبراطورية الصاعدة في الشرق وإلى الضماناتالعسكرية التي قدَّمتها، أي أن النمط الذي ساد أوربا حتى القرن التاسع عشر، داخلالتشكيل السياسي الغربي، عاد وأكد نفسه بحيث أصبح المستوطنون الصهاينة عنصراًقريباً من القوة الإمبريالية الحاكمة لصيقاً بها، ولكن القرار الخاص بالسياسةالاستعمارية الدولية ظل من اختصاص الحاكم الإمبريالي، أي أن الصهاينة أسسوا فينهاية الأمر دولة وظيفية ليست لها إرادة مسـتقلة؛ بل وعاجـزة عن البقـاء والحركةبدون الدعـم الإمبريالي.

    لكن الدولة، بعد إنشائها، تمتعت بشيء من الاستقلالالنسبي نتيجة تَصارُع القوى الإمبريالية فيما بينها على مناطق النفوذ في الشرقالأوسط. ومع صعود قوة الولايات المتحدة وتزايد اعتماد المستوطن الصهيوني على الدعمالأمريكي، تناقص الاستقلال اليهودي وتضاءل تحكم الإسرائيليين في مصيرهم، وأصبحتالمؤسسة الحاكمة الإسرائيلية تتخذ قراراتها وعيونها على الممول الموجود في واشنطن. ومن المتوقع أن يزداد هذا الاتجاه مع تزايد الرفض العربي للمُستوطَن الصهيوني.

    وقد وجدت إشكالية العجز طريقها إلى التفكير الديني اليهودي، فيذهب ريتشاردروبنشتاين إلى أن اليهودية الحاخامية قد ولَّدت لدى اليهود استعداداً كامناًللاستسلام والخنوع والخضوع والعجز. ولا يمكن تفسير تعاون المجالس اليهودية في أوربامع القوات النازية واشتراكها في تسليم اليهود إلى النازي إلا بالتراث الحاخامي الذييجعل من العجز والسلبية فضيلة. أما إرفنج جرينبرج، فقد ساهم في تطوير ما يُسمَّى «لاهوت البقاء» الذي يجعل الحصول على السيادة هدف التاريخ اليهودي الزمنيوالمقدَّس، ويجعل دستـور إسـرائيل كتاب إسرائيل المقدَّس، ويجعل دولة إسرائيلالتجسد الحقيقي لهدف التاريخ اليهودي (تيلوس).

    وتجدر ملاحظة أن مصطلح «عجزاليهود» يُستخدَم في الكتابات الدينية، وخصوصاً الأرثوذكسية، للإشارة إلى أن اليهودشعب مختار ذو صلة خاصة بالإله، وأن هذه العلاقة الخاصة تجعله يقف خارج التاريخليشهد على الأمم، ولذا فإنه لابد أن يظل خارج نطاق السلطة والسيادة. والمصطلح، فيهذا السياق، لا يحمل أية تضمينات قدحية، بل العكس هو الصحيح إذ أن العجز هنا يصبحعلامة من علامات الاختيار.





  5. #65
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    البابالثالث: إشكالية العبقرية والجريمة اليهودية


    العـــبقرية اليهوديـة
    The Jewish Genius
    كلمة «عبقرية» تعني مجموعة من السمات الخاصة لا تفترض بالضرورة تَميُّزاً أو علواً مثلما نقول «عبقرية المكان» حيث لكل مكان عبقريته الخاصة، أو «عبقرية اللغة الإنجليزية» حيث لكل لغة عبقريتها الخاصة. وحينما تُستخدَم العبارة بهذا المعنى في الكتابات الصهيونية (أو غيرها) كأن يُقال «العبقرية اليهودية»، فهي تشير عادةً إلى «الخصوصية اليهودية» (انظر: «الخصوصية اليهودية»). ولكن هذا الاستعمال نادر، والاستعمال الشائع هو أن تشير كلمة «عبقرية» إلى درجة من درجات التَميُّز إلى جانب الخصوصية. وعبارة «العبقرية اليهودية» تفترض وجود عبقرية يهودية مستقلة، وأن العباقرة اليهود يتمتعون باستقلال عما حولهم، وأن وجودهم مؤشر على تَميُّز اليهود ككل، ولذا نجد حديثاً مستفيضاً عن فضل العباقرة اليهود على الحضارة الإنسانية وعن زيادة عددهم بالنسبة للعباقرة من الشعوب والأقليات الأخرى.

    لكن الحديث عن «العبقرية اليهودية» لا يختلف بنيوياً، في واقع الأمر، عن حديث المعادين لليهود عن «الجريمة اليهودية» أو عن «عبقرية اليهود المتأصلة في ارتكاب الموبقات والسرقة والفساد». فالحديث عن العبقرية اليهودية، تماماً مثل الحديث عن الجريمة اليهودية، يَصدُر عن تَصوُّر أن اليهودي «يهودي» وحسب أو يهودي بالدرجة الأولى ثم أمريكي أو روسي بالدرجة الثانية أو الثالثة، وأن ما يحدد سلوكه (عبقريته في الخير والشر) هو البُعد اليهودي في وجدانه ورؤيته. كما يتفق الصهاينة والمعادون لليهود على اختزال اليهودي وتجريده من أي سياق اجتماعي أو تاريخي أو إنساني وعلى وضعه على هامش التاريخ أو خارجه، حيث يقف ليساهم فيه بعبقرية فذة، أو يحاول تخريبه بكل ما أوتي من قوة ودهاء وحيلة وعبقرية إجرامية.

    ولو نظرنا إلى العباقرة اليهود، بعد أن نضعهم في سياقهم التاريخي المتعيِّن، سنكتشف على الفور أن مقولة «العبقرية اليهودية» لا تملك مقدرة تفسيرية عالية. وسيظهر قصورها التفسيري حينما نسأل عن تلك السمات "اليهودية المشتركة" بين عباقرة مثل فيلون (الفيلسوف الذي عاش في العصر الهيليني)، وشعراء العرب اليهود (في الجاهليـة)، وموسى بن ميمون (المفكر الديني اليهودي الذي عاش في العالم الإسلامي في القرن الحادي عشر)، وفرويد (المفكر النمساوي اليهودي الذي عاش في أواخر القرن التاسع عشر)، وشاجال (الفنان التشكيلي الذي عاش معظم حياته في النصف الأول من القرن العشرين)، وبرنارد مالامود (الروائي الأمريكي الذي عاش في النصف الثاني من القرن العشـرين). والإجابة الوحيـدة هي أن مثل هذه السمـات المشتركة غير موجودة. وإن اكتشف أحد عناصر يهودية مشتركة بين كل هؤلاء العباقرة، فإن تصنيفهم على أنهم يهود بالدرجة الأولى لا يفيد كثيراً في فَهْم فكرهم أو طبيعة مساهمتهم في التراث الإنساني. فيهوديتهم المشتركة ليست ذات مقدرة تفسيرية أو تصنيفية عالية، ولابد لنا أن نعود إلى التقاليد الحضارية والظروف التاريخية التي شكلت فكر ووجدان كل واحد منهم حتى يتسنى لنا الإحاطة بها. فموسى بن ميمون كاتب عربي أندلسي كان يؤمن باليهودية وتفاعُل مع التراث العربي الإسلامي. ومن خلال هذا التفاعُل نضجت عبقريته العربية، ولم تكن اليهودية سوى أحد العناصر في تكوين هذه العبقرية (وحتى هذه اليهودية كانت قد اصطبغت بصبغة إسلامية). وقصص برنارد مالامود تنتمي إلى التراث الأدبي الأمريكي لأن كاتب هذه القصص تأثر بتقاليد هذا الأدب وأتقن اللغة الإنجليزية الأمريكية وكتب روايات أمريكية تعالج موضوعات أمريكية يهودية. وحين صرح شاجال ذات مرة لمجلة تايم بأنه غير مهتم باليهودية، قامت الدنيا ولم تَقعُد، وأرسل كثير من القراء برسائل احتجاج أوضحوا فيها تأثُّـر شاجال باليهودية الحسيدية. وقد يكون هذا أمراً صحيحاً، ولكن شاجال يظل نتاج الحركات الفنية في أوربا في القرن العشرين، وبخاصة في روسيا وفرنسا. وقد تكون لبعض لوحاته نكهة حسيدية، خصوصاً أنها تعالج موضوعات يهودية مثل التوراة والحاخام، ولكنها تظل مع هذا لوحات رسمها فنان روسي فرنسي متأثر وبعمق بالتراث المسيحي!






  6. #66
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    وإذا ما تركنا مجال الفنون والإنسانيات، يصبح الحديث عن العبقرية اليهودية عبثاً وهراء لا طائل من ورائه. فبأي معنى يمكننا أن نقول إن نظرية النسبية قد تَوصَّل إليها أينشتاين من خلال عبقريته اليهودية، وكأن أينشتاين كان من الممكن أن يصل إلى ما وصل إليه من اكتشـافات باهـرة دون جهود من سبقه من علماء مسيحيين وبوذيين؟ وهل كان من الممكن أن يصل إلى ما وصل إليه من اكتشافات دون وجوده داخل الحضارة الغربية الحديثة؟ وإلا فبماذا نفسر عدم ظهور علماء طبيعة متفوقين تَفوُّق أينشتاين بين يهود الفلاشاه الإثيوبيين؟

    ويُلاحَظ أن نسبة المتعلمين والمخترعين بين أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الغربي مرتفعة. ولكن هذا أمر طبيعي وينطبق على كل أعضاء الأقليات في أي مكان حينما تتاح أمامهم الفرصة. لكن أعضاء الأقلية يخضعون، مع ذلك، في معظم الأحيان إن لم يكن كلها، لدرجة تَقدُّم وتَخلُّف المجتمع الذي يعيشون بين ظهرانيه، فإن تَقدَّم تَقدَّموا وإن تخلف صاروا متخلفين. ولذا لم يكن هناك عباقرة يهود بين العرب إبَّان فترات الانحلال في الحضارة العربية حين أُغْلقَت فيها الحلقات الفقهية والمدارس التلمودية العليا في العراق بسبب انتكاس الحضارة العربية، بينما ازدهر الفكر العربي اليهودي في الأندلس بسبب ازدهارها.

    وحتى لو رصـدنا العبقرية اليهودية بشكل مطلق، كما يفعل الصهاينة، فإننا سنكتشف أن العبرانيين وأعضاء الجماعات اليهودية، لم يلعبوا دوراً كبيراً في خلق الحضارة الإنسانية. فحينما ظهر العبرانيون على مسرح التاريخ منذ عام 1200 ق.م. رعاةً رُحَّلاً، كانت الإمبراطورية الفرعونية في مصر قد شيدت مئات المعابد والأهرامات والسدود، وكان الفن المعماري وعلوم الفلك المصريان قد وصلا إلى قمم شامخة. وحينما تأسست المملكة العبرانية المُوحَّدة على يدي داود وسليمان، لم تكن هذه المملكة سوى مملكة صغيرة ازدهرت في غياب القوى الإمبراطورية العظمى في الشرق الأدنى القديم، واعتمدت حضارياً على الدول والأقوام المجاورة اعتماداً كاملاً. أما في مجال الأدب والفن والفكر، فلا توجد أية مسـاهمة حقـيقية من جـانب العبرانيين في تراث العالم القـديم، ولا نسمع عن عباقرة يهود في فن الهندسة المعمارية (على سبيل المثال). ولا يأتي ذكر اليهود في الكتابات اليونانية أو الرومانية إلا بوصفهم شحاذين ومصدر ضيق لكُتَّاب مثل شيشرون. وإذا نظرنا إلى الحضارة العربية إبَّان فترة نهضتها، فإننا نجد أن دور اليهود كان مقصوراً بالدرجة الأولى على الترجمة والنقل من اللغات الأجنبية. وقد دفعهم اضطلاعهم بوظيفة الجماعة الوظيفية الوسيطة التي يعمل أعضاؤها بالتجارة الدولية في العالم القديم إلى معرفة العديد من اللغات، كما جعلهم ناقلين لحضارات الآخرين. ولم يكن يوجد شاعر كبير أو مفكر فلسفي عربي مشهور يعتنق اليهودية، فكنت ترى بينهم الأطباء والصيادلة والتجار حيث ظلوا مرتبطين بالإنتاج اليومي المادي، ولكن لم يُوجَد بينهم الفنانون أو المفكرون. وبعد أن انتقل مركز الحضارة إلى الغرب، ظل الأمر على ما كان عليه. ففي شرق أوربا، التي كانت تضم غالبية يهود العالم (يهود اليديشية)، ظلت الجماعات اليهودية غارقة حتى أذنيها في التأملات القبَّالية. وكانت الحـياة العقلية في الجيتو منفصـلة عن العـالم الخارجي، هذا في الوقت الذي كانت أوربا تعيش عصر نهضتها. ولذا لا نجد في أدب وحضارة العصور الوسطى أو عصر النهضة مفكراً أو رساماً أو أديباً يهودياً واحداً شهيراً. بل إن المفكرين اليهود الذين ظهروا خلال هذه الفترات الطويلة، مثل الحاخام عقيبا أو راشي أو موسى بن ميمون، كانوا مهتمين بأمور دينية يهودية ذات أهمية إنسانية محدودة. كما نعرف أنهم كانوا بلا ثقَل يُذكَر داخل مجتمعاتهم، فمـوسى بن ميمون لم يكـن معـروفاً باعتباره مفكراً دينياً، وإنما باعتباره طبيباً ومؤلف كتب في الطب وحسب. وما من شك في أن اقتصار نشاط اليهود على نشاطات إنسانية معيَّنة دون غيرها أمر طبيعي للغاية من أقلية تلعب دور الجماعة الوظيفية الوسيطة المنعزلة اقتصادياً ووجدانياً بسبب وظيفتها.

    ونحن لا نسمع عن العباقرة اليهود إلا مع بدايات ظهور الرأسمالية والعلمانية. وربما لم يكن من قبيل المصادفة أن إسبينوزا، أول فيلسوف يهودي غربي في العصر الحديث، ظهر في هولندا مهد الرأسمالية الحديثة. ومما له دلالة بالمثل ظهور إسبينوزا من بين اليهود السفارد المتمتعين بمستوى حضاري مرتفع بسبب احتكاكهم بالحضارة الإسلامية، على عكس اليهود الإشكناز الذين تَدنَّى وضْعُهم الحضاري داخل الحضارة المسيحية. وقد كان إسبينوزا أيضاً من أوائل المفكرين العلمانيين الذين طرحوا انتماءهم اليهودي جانباً، فلم يكن إبداعه وبروزه نتيجة انتمائه اليهودي، وإنما تم هذا الإبداع وذلك البروز رغماً عن هذا الانتماء وبسبب رفضه (وذلك مع عدم إنكار أن التراث اليهودي القبَّالي لعب دوراً مهماً في تحديد معالم فكره أو في تأكيد الواحدية المادية الكونية والاتساق الهندسي عنده واللذين يشكلان جوهر نسقه الفلسفي).







  7. #67
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    العباقــرة مـن أعضاء الجماعـات اليهوديـة
    Geniuses from the Jewish Communities
    ظل العباقرة من أعضاء الجماعات اليهودية يساهمون في بناء الحضارة الأوربية باعتبارهم أوربيين علمانيين أولاً وأخيراً، أي أن يهودية العبقري لم تكن العنصر الأساسي في إسهامه. وقد زادت هذه المساهمة بازدياد انتشار القيم الليبرالية ثم الثورية في الغرب والشـرق، إذ أن هذه القيم فتحـت المجال أمام أعضاء الجماعات اليهودية.

    ونحن لا نُنكر أثر البُعد اليهودي في تكوين العبقري اليهودي، فأثر القبَّالاه اللوريانية واضح تماماً على تفكير إسبينوزا وفرويد وجاك دريدا فيلسوف التفكيكية. كما نرى أن للمدرسة التفكيكية (في النقد والفلسفة) علاقة قوية بمدارس التفسير الدينية اليهودية، وأن اليهودية بوصفها تركيباً جيولوجياً تحوي داخلها عناصر كثيرة متناقضة (بعضها عبثي وبعضها عدمي أو غنوصي) تتيح للعبقري اليهودي استعداداً كامناً (أكثر من غيره) لاكتشاف مثل هذه التيارات في المجتمع والتعبير عنها بطريقة مباشرة. كما أن البُعد الحلولي الكموني القوي في اليهودية ولَّد استعداداً كامناً قوياً لدى أعضاء الجماعات اليهودية لتَقبُّل المنظومة العلمانية (وهي منظومة حلولية كمونية). ولكن يجب أن نشير أيضاً إلى أن البُعد اليهودي ذاته هو نتاج تفاعل اليهود مع ما حولهم من حضارات، فالغنوصية هي حركة سادت الشرق الأدنى القديم وتأثرت بها اليهودية. كما أن العبقري اليهودي قد يكون لديه استعداد كامن لاكتشاف شيء ما، لكن هذا الشيء سيظل جزءاً من تشكيل حضاري غير يهودي، بمعنى أن الحركيات النهائية هي حركيات الحضارة التي يعيش فيها اليهودي. فمهما كان علم فرويد مثلاً بتراث القبَّالاه، لا يمكن تَخيُّل أن بوسعه التوصل إلى نظرياته وهو في اليمن (التي يعرف حاخاماتها القبَّالاه اللوريانية بطريقة تفوق فرويد وحاخامات أوربا في عصره). ففرويد هو نتاج مجتمع فيينا في أواخر القرن التاسـع عشـر بكل ما كان يحويـه من إبـداع وانحـلال وتركيب وتَخثُّر.

    ويُلاحَظ أن بعض المؤلفين والرسامين اليهود في الحضارة الغربية بدأوا، منذ نهاية القرن التاسع عشر، في تناول مضامين يهودية في أدبهم وفنهم. ولكن مثل هؤلاء لا يختلفون البتة عن المؤلفين غير اليهود الذين يتناولون مضامين يهودية، ذلك أن طريقة التناول ـ بكل مزاياها وعيوبها ـ تظل جزءاً من التشكيل الحضاري الغربي. إن سول بيلو وفيليب روث ـ وكلاهما كاتب أمريكي يهودي ـ يتناولان شخصيات أمريكية يهودية، إلا أن أدبهما لا يمكن أن يُصنَّف أدباً يهودياً، وعبقريتهما لا تُصنَّف كعبقرية يهودية إذ يظل هذا الأدب أدباً أمريكياً مكتوباً بالإنجليزية، ينتمي إلى التراث الأدبي الأمريكي ولا يمكن فهمه خارج هذا التراث، وتظل عبقريتهما نتاج تفاعلهما مع محيطهما الحضاري. وهما في هذا لا يختلفان عن جيمس جويس في رواية يوليسيس حينما جعل أحد أبطال روايته يهودياً، ومع هذا لم يصنفها أحد باعتبارها من عيون الأدب اليهودي، شأنها في هذا شأن رائعة شكسبير تاجر البندقية .

    وفيما يتصل بالعبقريات التي تنتجها إسرائيل، فإن الأمر يتوقف على جنسية العبقري، فإن كان هذا العبقري إسرائيلياً فهو تعبير عن العبقرية الإسرائيلية، أما إذا كان من أصل روسي أو ألماني فهو عبقري روسي أو ألماني، أي أن العبقرية اليهودية تظل مقولة مجردة لا وجود لها إلا بين صفحات الكتب الصهيونية أو المعادية لليهود. وبدلاً من ذلك، يتعيَّن علىنا أن نتحدث عن «عباقرة يؤمنون بالدين اليهودي»، أو عن «عباقرة ذوي بعد إثني يهودي»، وينتمون إلى الحضارات الإنسانية المختلفة في مختلف الأماكن والأزمان.

    ومن الأمور الجديرة بالدراسة نسبة العباقرة بين الإسرائيليين ومدى اختلافها عن مثيلتها بين الدول التي حققت معدلات التحديث والتصنيع والتقدم التكنولوجي والعلمي نفسها. وكل المؤشرات تدل على أنها غير مختلفة على الإطلاق، وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة.







  8. #68
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    بـــــروز اليهـــــــود وتَمــيُّـزهـــم
    Jewish Eminence and Distinctiveness
    جاء في المعاجم العربية «تميَّز الشيء» بمعنى «بدا فضله وانفصل عن غيره»، و«برز بروزاً» بمعنى «فاق الآخرين في فضل أو علم»، و«برَّز الشيء» معناها «أظهره وبيَّنه». ومن الموضوعات الأساسية التي تتواتر في الكتابات الصهيونية والمعادية لليهود، موضوع «بروز أعضاء الجماعات اليهودية وتَميُّزهم» في كثير من مجالات النشاط والمعرفة الإنسانيتين بنسبة تفوق بمراحل نسبتهم إلى عدد السكان في المجتمعات التي يعيشون في كنفها. ودارس تواريخ أعضاء الجماعات اليهودية سيجد قرائن على كلٍّ من البروز الإيجابي والتميز في الخير والإبداع، والبروز المشين والتميز في الشر والهدم والإجرام. أما البروز الإيجابي، فعليه من الأدلة الكثير، مثل: كثرة عدد العباقرة والمهنيين بين أعضاء الجماعات اليهودية، ونسبة التعليم المرتفعة بينهم، وارتفاع دخولهم. أما البروز المشين، فهناك أيضاً مؤشرات كثيرة عليه، مثل: اشتغال أعضاء الجماعات اليهودية بالربا عبر العصور الوسطى في الغرب بل واحتكار هذه المهنة في بعض المناطق، واشتغالهم بتجارة الرقيق في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ثم اشتغال أعضاء الجماعات اليهودية في القرن التاسع عشر، بتقطير الخمور والاتجار فيها، وتهريب البضائع والرقيق الأبيض، وبكثير من الأعمال الطفيلية غير المنتجة.

    ويُلاحَظ أن أي مؤشر على بروزهم الإيجابي قد يُعدُّ مؤشراً على بروزهم المشين، فالثراء (وهو عادةً مؤشر على حركية الإنسان وذكائه) يُعتبَر من منظور آخر دليلاً على عدم الانتماء وعلى الرغبة في الثروة وفي مراكمتها دون أية تحفظات أخلاقية. كما أن التميُّز الوظيفي لليهود هو أيضاً من علامات البروز الإيجابي والمشين، بل إن الجيتو ذاته كان علامة من علامات البروز، إذ كان اليهود يسعون للحصول على إذن بإقامته والإقامة فيه ليتمتعوا داخله بالمزايا الممنوحة للجماعة اليهودية والمقصورة عليهم وليعزلهم عن بقية السكان الأمر الذي يُيسِّر لهم إدارة مؤسساتهم الدينية والقضائية والتربوية الخاصة. ولكن الجيتو أصبح بالتدريج هو المكان الذي يتعيَّن عليهم البقاء فيه، وهكذا تحوَّل من ميزة إلى قيد.

    ويذهب كثير من الدارسين إلى أن بروز بعض أعضاء الجماعات اليهودية من أهم الأسباب التي تجلب عليهم عداء أعضاء الأغلبية من غير اليهود؛ وهو تعميم متعسف. فقد كان البروز يؤدي أحياناً إلى مثل هذه النتائج، كما حدث في ألمانيا النازية. ولكن، في إسبانيا الإسلامية أو أمريكا العلمانية، لم يؤد البروز والتميز إلى أي عنف أو تمييز ضد أعضاء الجماعة اليهودية. أما في بولندا، خصوصاً في أوكرانيا التي ضمت من منظور التطورات التاريخية اللاحقة أهم الجماعات اليهودية عبر التاريخ، فإن بروزهم قد أدَّى دون شك إلى استجلاب السخط عليهم لا بسبب البروز في حد ذاته وإنما بسبب طبيعته، إذ أن أعضاء الجماعة اليهودية كانوا قريبين من الطبقة الحاكمة عملاء لها، في إطار الإقطاع الاستيطاني البولندي في أوكرانيا، وبذا أصبحوا عنصراً استيطانياً تجارياً يمثل الأرستقراطية البولندية في وسط فلاحي، وعنصراً يهودياً ينوب عن عنصر كاثوليكي في وسط أرثوذكسي أوكراني، يتحدثون اليديشية أو البولندية في وسط يتحدث الأوكرانية، أثرياء في وسط من الفقراء والمعدمين. وقد تَحوَّل أعضاء الجماعة اليهودية إلى أداة يمسك بها النبلاء في وارسو يعتصرون بها الفلاحين. وحينما يكون البروز على المستويات الطبقية والدينية والثقافية، فإن الانفجار الشعبي يكون ساحقاً ماحقاً، وهذا ما حدث مع انتفاضة شميلنكي.







  9. #69
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    وقد يتشابك التَميُّز المشين مع التَميُّز الإيجابي، فمع نهاية القرن التاسع عشر كان يهود البلاد الغربية قد حققوا صعوداً طبقياً ومكانة اجتماعيـة عالية وهو ما يعني تَميُّزاً يهودياً إيجابياً. ثم وصل يهود اليديشـية، وكانوا متخلفين فقراء تتفشى بينهم الأمراض الاجتماعية المختلفة كما تَفشَّى التعصب الديني، وكان هذا يعني تَميُّزاً يهودياً مشيناً، وحدث تَشابُك بين الجماعتين أدَّى إلى إحساس المجموعة الأولى بالحرج ثم إلى فَزَعها. ومن هنا فقد كان من أهداف الصهيونية أن تُبقي ليهود الغرب تميزهم الإيجابي، وأن تُريحهم من يهود اليديشية بتَميُّزهم المشين عن طريق توطينهم في فلسطين.

    ويحاول الصهاينة تفسير بروز وتميُّز بعض أعضاء الجماعات اليهودية على أساس طبيعة اليهود والخصوصية اليهودية والجوهر اليهودي والعبقرية اليهودية، وهو منطق خطر للغاية لأن البروز والتميُّز اليهودي الإيجابي إن فُسِّر على أساس الطبيعة اليهودية، فلابد من تفسير البروز والتميز المشين على الأساس نفسه أيضاً. وهذا ما لا يحجم عنه أعداء اليهود بل وبعض الصهاينة (خصوصاً العماليين).

    ويُلاحَظ أن اليهودي الذي يحقق اندماجاً في مجتمعه ويسلك سلوك الآخرين، لا يرصد أحد سلوكه باعتباره سلوكاً عادياً. ولكن حينما ينخرط بعض أعضاء الجماعات اليهودية في أنشطة مشينة أو متطرفة كأن يصبحوا أعضاء في جماعات ثورية أو ماسونية أو يحققوا قدراً عالياً من الثراء، فإن أعداء اليهود يتجاهلون اليهود العاديين والفقراء ويتناسون العباقرة من أعضاء الجماعات اليهودية ويرصدون بعناية فائقة الأنشطة المشينة وحدها. وحينما يحقق البعض الآخر من أعضاء الجماعات اليهودية بروزاً إيجابياً، فإن الصهاينة يؤكدون ذلك ويستبعدون كلاً من اليهود العاديين وهؤلاء الذين حققوا بروزاً مشيناً. وربما إذا أُخضعت الظاهرة للدراسة الإحصائية المتأنية لاكتشفنا أن بروز اليهود في الخير والشر إنما هو خاضع لآليات اجتماعية ليسوا مسئولين عنها، وأن نسبة المتطرفين بينهم، في الخير والشر، قد لا تختلف كثيراً عن النسبة السائدة في المجتمع، أو عن النسبة السائدة بين أعضاء الأقليات على وجه العموم في أي مجتمع.

    ومما يُظهر عدد اليهود المتميِّزين أكثر من حقيقته أن دارسي الجماعات اليهودية ينظرون إليهم كما لو كانوا يُشكِّـلون كلاًّ واحداً. ومن هذا المنظـور، فإن يهود اليمن والولايات المتحدة والصين وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وجنوب أمريكا، كلهم يهود في نهاية الأمر. ومن هنا، فإن البحث عن البارزين فيهم داخل أية جماعة يتم دون أية دراسة إحصائية تبيِّن العلاقة بين نسبة هؤلاء البارزين إلى المعدل السائد في كل مجتمع. كما يتجاهل الدارسون أن تَركُّز اليهود في قطاعات وعلوم بعينها يؤدي إلى كثرة البارزين فيها (مهنة الطب والعلوم الطبيعة وعالم التجارة والموسيقى وعلم الاجتماع). ولكن هذا يعني أيضاً غيابهم عن قطاعات وعلـوم أخرى كثيرة أو ندرتهم فيها. كما أنهم يتجاهلون اللحظة التاريخية، فبروز اليهود في مجتمع ما في لحظة تاريخية معينة لا يعني بالضرورة بروزهم الدائم في كل زمان ومكان.

    ويتبنَّى أعداء اليهود منهجاً مماثلاً، فهم يركزون على اليهود الذين حققوا بروزاً مشيناً في بعض المجتمعات، وكأن جميع اليهود يُكوِّنون كلاًّ واحداً ولا يقارنون نسبة اليهود الذين حققوا مثل هذا البروز قياساً إلى المعدل الإحصائي السائد في المجتمع، كما أنهم يهملون أخيراً اليهود الذين حققوا بروزاً إيجابياً. ونحن نذهب إلى أن أعضاء الجماعات اليهودية يحققون البروز والتميز داخل الحضارة التي يعيشون في كنفها وبسبب عناصر موجودة داخلها لا على الرغم منها. وتعود معدلات إبداعهم (وإجرامهم) لا إلى التراث اليهودي وإنما إلى العناصر الحضارية والاجتماعية التي تكوِّن محيطهم الحضاري والاجتماعي.
    ويمكننا أن نحاول رصد أسباب بروز وتَميُّز أعضاء الجماعات اليهودية، مقسمين الأسباب إلى قسمين: أسباب عامة تسري على أعضاء معظم الأقليات في العالم، وأخرى مقصورة على اليهود في الحضارة الغربية الحديثة. ولنبدأ بالأسباب العامة:






  10. #70
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    1 ـ يتسم أعضاء الأقليات في جميع المجتمعات بشيء من البروز نظراً لاختلافهم في بعض النواحي أو في كثير منها عن أعضاء المجتمع.

    2 ـ يتميَّز أعضاء الأقليات في المجتمعات التقليدية، بل وأحياناً في المجتمعات الحديثة، تَميُّزاً وظيفياً إذ يضطلعون بوظائف دون غيرها.

    3 ـ يسكن أعضاء الأقليات في المجتمعات التقليدية في أماكن مقصورة عليهم وهو ما يساعد على هذا البروز، وقد قطن أعضاء الجماعات اليهودية في الجيتو.

    4 ـ تتسم المجتمعات الغربية بأنها مجتمعات لا تضم أقليات كثيرة، وذلك على عكس المجتمعات الشرقية الفسيفسائية، ولذا فإن أقلية تكاد تكون وحيدة مثل الأقلية اليهودية تحقق بروزاً غير عادي.

    5 ـ لا شك في أن من يوجد في المدينة يحقق بروزاً لا يحققه عادةً من يكون في الريف، وقد تركزت الغالبية الساحقة من يهود العالم الغربي في العصر الحديث في المدن.

    6 ـ ولا شك أيضاً في أن ارتباط أعضاء إحدى الأقليات بالطبقات الحاكمة يساهم في زيادة بروزهم، وقد ارتبط أعضاء الجماعات اليهودية في العصر الوسيط في الغرب بالطبقات الحاكمة.

    7 ـ يكون أعضاء الأقليات دائماً واقعين تحت ضغط نفسي يدفعهم إلى إثبات تفوقهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين، ومن ثم فهم يجتهدون في أن يُساهموا في الإبداع الحضاري بدرجة تزيد عن المعدل السائد في المجتمع. ولذا يُلاحَظ في معظم الأحيان أن نسبة المتعلمين والمخترعين (في قطاعات معيَّنة) من بين أعضاء الأقليات مرتفعة نوعاً (ويُلاحَظ الشيء نفسه بالنسبة للإجرام والانحراف).

    8 ـ عضو الأقلية عادةً ما تكون لديه عقلية نقدية في رؤيته للمجتمع (بسبب عدم إحساسه الكامل بالأمن والاستقرار)، وهو ينظر لمنظومة المجتمع الدينية والقيمية نظرة شك. وهذه النظرة النقدية الحادة تخلق تربة خصبة للإبداع التفكيكي، وربما التركيبي أيضاً.

    9 ـ عضو الأقلية يتسم بروح الريادة وبالحركية، الأمر الذي يجعله سبَّاقاً إلى الخير والشر.

    أما بروز أعضاء الجماعات اليهودية وتَميُّزهم داخل الحضارة الغربية على وجه التحديد فيمكن تفسير كثير من جوانبه من خلال مُركَّب من الأسباب والنماذج التفسيرية المترابطة:

    1 ـ يُلاحَظ ارتـباط تَميُّز أعضاء الجماعات اليهودية بتَصاعُد معدلات العلمنة في المجتمع. وليس من قبيل الصدفة أن أول عبقري يهودي حقق تَميُّزاً وبروزاً لا داخل سياقه اليهودي وإنما داخل سياق الحضارة الغربية ككل هو إسبينوزا، فيلسوف الحلولية والكمونية. ويمكن القول بأن العباقرة اليهود في الغرب الحديث يحققون التميز والبروز لا بمقدار تعبيرهم عن يهوديتهم وإنما بمقدار تخليهم عنها. ولعل أصدق شاهد على هذا هو إسبينوزا نفسه الذي حقق بروزه وتَميُّزه بمقدار ابتعاده عن اليهودية، ثم تبعه ماركس وفرويد وأينشتاين وكلهم يهود ملحدون، أي يهود غير يهود، تبرأوا من يهوديتهم.

    ويمكن القول بأن الجماعات اليهودية في أوربا كانت تُعَدُّ، مع اندلاع الثـورة الفرنسـية، أكثر قطاعات المجتمع تَخلُّفاً وهامشـية. إلا أن معظم يهود العالم الغربي كانوا مع انتصاف القرن من أكثر القطاعات علمانية وحداثة. وقد تبعهم وبسرعة يهود اليديشية من شرق أوربا، سواء من بقي منهم داخل الاتحاد السوفيتي أو من هاجر منهم إلي الولايات المتحدة.

    2 ـ يُلاحَظ أن علمنة النخب اليهودية (قيادات اليهود الثقافية) تمت بسرعة فائقة وبشكل كامل وجذري، كما تمت علمنة الجماهير اليهودية بشكل كامل وقاس وفجائي ومخطط من قبَل الدول المطلقة المختلفة (الدولة الفرنسية أو النمساوية أو الروسية). واستمرت هذه العملية حتى بعد أن حكمت هذه الدول نظم ليبرالية أو ثورية. وقد أدَّى هذا إلى انقطاع واضح بين انتمائهم الديني وتراثهم من ناحية، ووجودهم في العصر الحديث من الناحية الأخرى، ولذا فإنهم لم يحتفظوا بقيمهم الدينية التقليدية إلى جانب الرؤية العلمانية التي اكتسبوها. ويُلاحَظ كذلك أنهم لم يحتفظوا بأية رواسب دينية من خلال الرموز العلمانية ذات الأصول المسيحية، إذ أنهم لا يشتركون أصلاً في هذه الرموز باعتبارهم يهوداً. كما أن غالبية أعضاء الجماعات اليهودية في غرب أوربـا وجميع يهـود الولايـات المتحـدة وكندا وأمريكـا اللاتينيـة، عناصـر مهاجـرة، وبالـتالي فهـم عناصر حركية متحررة من القيم والمطلقات تبحث عن الحراك الاجتماعي.

    وقد أدَّى كل هذا إلى علمنة اليهود بشكل حاد وبمعدل يفوق معدلات العلمنة بين معظم قطاعات المجتمع الأخرى. ولذا، أصبح أعضاء الجماعات اليهودية من أكثر العناصر تَحرُّراً من القيم التقليدية وغير التقليدية في المجتمعات الغربية، وأصبح الإنسان اليهودي في الغرب هو الإنسـان الحـديث بشـكل نماذجي متبـلور، لا انتماء له ولا جذور، لا يشعر بحرمة أي شيء وينزع القداسة عن الإنسان والعالم. ومن ثم أصبح أعضاء الجماعات اليهودية من أكثر العناصر مقدرة على التحرك في المجتمع العلماني الحديث وأصبح لديهم من الكفاءات اللازمة للتعامل مع المجتمع العلماني الجديد أكثر مما لدى بقية أعضاء هذا المجتمع من المسيحيين أو حتى العلمانيين ذوي الجذور المسيحية، فاستطاعوا أن يحققوا بروزاً وصعوداً بدرجة تفوق ما يحققه أقرانهم من القطاعات البشرية الأخرى في المجتمع، ولكنه صعود من يستطيع أن يسبح مع التيار بكل قوة، لا أن يسبح ضده فيعوقه ويصده.

    وقد لاحَظ أحد وزراء داخلية روسيا القيصرية وجود اليهود بأعداد كبيرة في الحركات الثورية، فبيَّن له أحد الحاخامات أن الشباب اليهودي كان بعيداً كل البعد عن الحركات الثورية والفوضوية حينما كان يتلقى تعليماً دينياً تقليدياً، وأن هذه الظاهرة لم تَبرُز إلا بعد أن انخرطوا في المدارس العلمانية التي أسسها القياصرة.

    3 ـ ويمكن أن نضيف إلى هذا أن اليهود كانوا يشكلون جماعة وظيفية وسيطة في المجتمع الغربي لعدة قرون، فأصبحت سمات الجماعة الوظيفية من سماتهم الأساسية. ويوجد أعضاء هذه الجماعات داخل المجتمع وخارجه في وقت واحد، فهم على هامشه لا يخضعون لقوانينه، ولكن عليهم التعامل معه، ولذا كان عليهم أن يفهموا هذه القوانين، حيث إن علاقاتهم بالمجتمع علاقات موضوعية غير حميمة، فهم ينظرون إلى المجتمع بطريقة تحليلية تفكيكية تعاقدية نقدية، وخصوصاً أنهم من القرب بحيث يمكنهم فهم آلياته، كما أنهم بعيدون بقدر يُمكِّنهم من الاحتفاظ بالمسافة النقدية. وأعضاء الجماعات الوظيفية هم من أولى القطاعات في المجتمع التي تتم علمنتها وتجريدها من القداسة، وصبغها بالصبغة الموضوعية. وبالتالي، فإن أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة هم أول من يحمل الفكر العلماني النفعي الدنيوي وينشره ويذيعه.

    4 ـ يُقال إن النزعة المشيحانيّة عند اليهود، والتي أخذت شكلاً علمانياً عند المثقفين اليهود الغربيين، تساهم في إضعاف الأواصر التي تربط بين اليهودي وبين المعطيات التاريخية والاجتماعية، الأمر الذي يجعله أكثر رفضاً للمجتمعات التي يوجد فيها، وأشد عمقاً في نقده لها، وأكثر موضوعية. ويُلاحَظ أن المثقفين اليهود من أكثر العناصر تطـرفاً في الحـركات الثورية والفـوضوية والعدمية (تروتسكي ـ روزا لوكسمبورج... إلخ).

    5 ـ ويمكننا هنا أن نحاول تقديم فرضية تلقي بعض الضوء على بروز المثقفين اليهود في الحضارة العلمانية، وهذه الفرضية تستخدم نموذج الحلولية الكمونية (وتَصاعُد معدلاتها داخل النسق الديني اليهودي وداخل الحضارة الغربية) لتفسير هذا التَميُّز. ويمكن القول أن ثمة تشابها بنيويا شبه كامله بين وحدة الوجود الروحية (لا موجود إلا هو، أي الإله) ووحدة الوجود المادية (لا موجود إلا هي، أي المادة). وهنا، فإننا نذهب إلى أن بروز المثقفين اليهود في الحضارة الغربية بدأ حينما بدأت هذه الحضارة في تَبنِّي أنساق فكرية حلولية كمونية (البروتستانتية - النزعة الإنسانية الهيومانية - النزعة العقلانية المادية). فهؤلاء المثقفون اليهود، بخلفيتهم الحلولية، وبإنكارهم إمكانية تجاوز المادة كانوا مهيئين بشكل كامل لامتلاك ناصية الخطـاب الحضـاري العلـماني، ومن ثم تحقـيق البروز من خـلاله. ولعل الأهمية المركزية لإسبينوزا تتضح من خلال هذا النموذج التحليلي. فهو أول مثقف يهودي حقق بروزاً واضحاً في العصر الحديث، ويعود هذا إلى أنه ربط بين النسقين الحلوليين، الروحي والمادي، وعادل بين الإلهي والطبيعي، ومن ثم فقد عَلْمَن الحلولية تماماً وجعلها تصب في الأنساق المادية والعلمية.

    6 ـ يُلاحَظ أيضاً تَركُّز اليهود في حقل الإعلام، خصوصاً في الصحافة والإذاعة، وهو ما جعلهم في موقع يُمكِّنهم من تسليط الأضواء على الأنشطة التي يقومون بها وإعطائها من الأهمية ما تستحق وربما أكثر مما تستحق. كما أن اليهود الجدد متمركزون في المدن، وهي مراكز صنع القرار في كل أنحاء العالم. فضلاً عن أنهم بانتقالهم إلى الضواحي لم يبعدوا كثيراً عن هذه المراكز، إذ أن معظم أعضاء النخبة في الولايات المتحدة يوجدون في هذه الضواحي. ويمكن أن نضيف أيضاً أن ارتفاع دخل المواطن الأمريكي اليهودي بالنسبة إلى المعدل القومي قد زاد من بروزهم، وكذلك تمركزهم في بعض المهن البارزة، مثل الطب والجامعات والمراكز العلمية.

    7 ـ ويجب التأكيد ـ كما أسلفنا ـ على أن بروز المثقفين اليهود في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا يعود إلى أنهم يهود، بل إلى أنهم أمريكيون يوجدون داخل الحضارة الغربية، وهي الحضارة المهيمنة على معظم المصادر الطبيعية في العالم، والتي نجحت في تأسيس بنيتها التحتية، وبالتالي بإمكان أي شخص ينتمي إليها أن يُحقِّق كل إمكانياته الفكرية والإبداعية.

    كما أن الحضارة الغربية، بسـبب هيمنتها على معظم أرجـاء العـالم، تنسب لنفسها صفة العالمية وتسلط عليها الأضواء. والمفكرون البارزون من أعضاء الجماعات اليهودية يتمتعون بهذه المزايا. ولعل ظاهرة العرب من أصل مصري أو لبناني أو فلسطيني وغيرهم (فاروق الباز ـ إدوارد سعيد) ممن يُحقِّقون بروزاً في الحضارة الغربية تُلقي بعض الضوء على الظاهرة نفسها بين أعضاء الجماعات اليهودية. فلو قُدِّر لهؤلاء البقاء في بلادهم فلربما أُجْهضَت إمكاناتهم بسبب الحدود المادية. وربما حتى لو تحققت إمكاناتهم لما وُصفت بالعالمية ولما سُلطت عليها الأضواء.

    هذه هي بعض العناصر التي تَصلُح في مجملها لتفسير معظم جوانب هذه الظاهرة. ومع هذا يجب ألا نَسقُط في الاختزالية والواحدية بألا نعطي أية قدرة تفسيرية للبُعد اليهودي في تَميُّز العباقرة (والمنحرفين) من أعضاء الجماعات اليهودية. وكل ما نفعله هنا هو أننا ننكر على مثل هذا البُعد أية أولوية أو مركزية تفسيرية. فالبُعد اليهودي لا يُفسِّر تَميُّز اليهود وبروزهم ولكنه يُساهم ولا شك في تفسير حدَّته ودرجته ونسبته.

    ويمكننا أن نقول إن آليات المجتمع العلماني التي أدَّت إلى بروز اليهود هي ذات الآليات التي قد تؤدي إلى اختفائهم وانصهارهم، فالمجتمع العلماني يزداد ترشيداً وتطبيعاً ويتطلب من أعضائه كافة أن يُعيدوا صياغة ذاتهم حتى تزداد كفاءتهم في الأداء العام، وهو ما يعني ضرورة التخلص من كل الخصوصيات والنتوءات. فإنسان عصر الاستنارة والعقل المادي إنسان عالمي لا يتمتع بأية خصوصية. كما أن عملية الدمج في المجتمع العلماني لا تتم من خلال الدمج بين هويات دينية وإثنية مختلفة وإنما تتم من خلال نزع جميع الهويات أو إخفائها أو تهميشها حتى يكتسب الجميع هوية علمانية عامة تُزيد كفاءتهم في الأداء في رقعة الحياة العامة. وبما أن أعضاء الجماعات اليهودية ليسوا استثناء من القاعدة، فنحن نتنبأ بأن يتزايد اندماجهم وانصهارهم في الغرب إلى أن يختفي بروزهم ويصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الآلة ذات الكفاءة الكبرى.






 

صفحة 7 من 10 الأولىالأولى ... 345678910 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء التاسع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 53
    آخر مشاركة: 2010-10-31, 04:37 AM
  2. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثامن
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 54
    آخر مشاركة: 2010-10-31, 04:12 AM
  3. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء السابع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 2010-10-27, 05:42 AM
  4. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء السادس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 61
    آخر مشاركة: 2010-10-27, 05:20 AM
  5. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 530
    آخر مشاركة: 2010-10-24, 03:44 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML