سورة الأنعام :" قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)"
سورة النمل :" فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) "
فهل الكفار عندما كذبوا بالقرآن كذبوه لأنه ضعيف لغويا أم لأسباب دنيوية و عناد و شرك ؟؟
و بمنطقك الغريب هذا فكل نبي يأتي بآية .. كان لزاما على قومه الإيمان بها و إن قالوا إنها سحر فهى آية و نبوة باطلة .. حقا كم أنا سعيد بالحوار مع عقلية مثلك يا عزيزي .
و على هذا سنكفر بموسى و المسيح و صالح و كل نبي أتى قومه بالآيات .
حتى إبراهيم النبي ( و أوعى تقول إنه مش نبي أزعل منك أوى ) لما أُلقى فى النار و خرج منها سالما .. كذبه قومه و لم يتبعوه .. فهل نحكم على من شاهد هذا النبي و هو يخرج من النار على قدميه بأنه لم تصعقه هذه المعجزة ؟؟؟!!!!
بل إن إتهاماتهم هى دليل تخبط و حيرة فمرة قالوا ساحر .. و الرد هنا بسيط فهل يملك المسحور من أمره شيئا أمام الساحر ؟؟ فإذا هو قد سحر الناس كلهم .. قما الذى أعجزه عنهم ؟؟ و كيف لساحر يستعين بالشيطان يعلن العداوة التامة بين المؤمن و الشيطان ؟؟
و قالوا شاعر و هم يعلمون علم اليقين أن النبي لم يقل الشعر مرة واحدة فى حياته .. بل عندهم من كان يسقى الشعر مع حليب أمه .. فلماذا لم يظهر منهم من عارض القرآن ليهدم الإسلام فى بداياته ؟؟
و مرة يقولوا مجنون كيف يكون مجنونا و هم الذين كانوا يعرضون عليه الإغراءات الدنيوية المختلفة و هم يعلمون حسن خلقه و لقبوه بالصادق الأمين .. بل أنهم و هم أعداؤه كانوا يأتمنون أموالهم عنده .. و لقول أبى سفيان أمام هرقل عظيم الروم أعظم الشهادات أن عدم إيمانهم به لم يكن إلا عنادا و كبرا فى أنفسهم و لأغراض دنيوية زائلة .
فكما أخبرتك سابقا عن شعراء عمالقة آمنوا بالقرآن ... مثل ابن رواحة و كعب بن مالك و حسان بن ثابت و لبيد بن ربيعة صاحب المعلقة الذى لم ينشد إلا بيت شعر واحد بعد أن سمع القرآن
فها هو شاعر آخر و هو أمية بن أبى الصلت أُذهل بالقرآن و لكنه أصر على ترك الإسلام لأسباب أخرى
أمية بن أبي الصلت شاعر عربي مخضـرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان من الحنفاء الرافضين لعبادة الأصنام والأوثان، ورأى الرسول ، وسمع منه سورة (يس) في مكة، فتبعته قريش تسأله عن رأيه فيه ، فقال: أشهد أنه حق ، قالوا: هل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره. وخرج إلى الشام.
وهاجر النبي إلى المدينة ، وحدثت وقعة بدر، فعاد أمية من الشام يريد الإسلام، فقال له قائل: يا أبا الصلت ما تريد؟ قال: أريد محمداً قال: وما تصنع؟ قال: أومِن به، وألقي إليه مقاليد هذا الأمر. قال: أتدري من في القليب [قليب بدر حيث أُلقي قتلى المشركين] ؟ قال: لا. قال: فيه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما ابنا خالك [أمه ربيعة بنت عبد شمس]، فامتنع من الإسلام، وأقام في الطائف حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة(1)
بل ليس هذا فحسب بل أبناؤه أيضا
أتت أخته فارعة النبيَّ مسلمة بعد فتح الطائف، وأنشدت بين يديه شيئاً من شعر أخيها(2)، كما ذكر أهل الأخبار والسير إسلام أولاده حين أسلمت ثقيف كلها، فابنه القاسم ذكره ابن حجر في الصحابة، وكان شاعراً، وهو الذي رثى عثمان بن عفان بقوله:
لعمري لبئس الذبح ضحيتم به خلاف رسول الله يوم الأضاحي
فطيبـوا نفوسـاً بالقصـاص فإنه سيسعى به الرحمن سعى نجـاح(3)
وكذلك أسلم ابنه ربيعة بن أمية، وهو كذلك مذكور في الصحابة(4) وابنه القاسم بن ربيعة ولاه عثمان بن عفان الطائف(5)، وكذلك أسلم وهب بن أمية (6)
و هذا بالإضافة لمن اشتهر بالفصاحة البالغة و الخطابة المفوهة مثل علي بن أبي طالب و عمر بن الخطاب و الإمام الشافعي
بل نقل القاضى عياض فى الشفا :"إن وفود العرب ترد فأجمعوا فيه رأيا ، لا يكذب بعضكم بعضا ، فقالوا : نقول كاهن . قال : والله ما هو بكاهن . ما هو بزمزمته ، ولا سجعه .
قالوا : مجنون : قال : ما هو بمجنون ، ولا بخنقه ، ولا وسوسته .
قالوا : فنقول شاعر . قال : ما هو بشاعر . قد عرفنا الشعر كله ، رجزه ، وهزجه ، وقريضه ، ومبسوطه ، ومقبوضه ، ما هو بشاعر .
قالوا : فنقول ساحر . قال : ما هو بساحر ، ولا نفثه ، ولا عقده .
قالوا : فما نقول ؟ قال : ما أنتم بقائلين من هذا شيئا ، إلا وأنا أعرف أنه باطل ، وإن أقرب القول أنه ساحر ، فإنه سحر يفرق بين المرء ، وابنه ، والمرء ، وأخيه ، والمرء ، وزوجه ، والمرء ، وعشيرته .
فتفرقوا ، وجلسوا على السبل يحذرون الناس ، فأنزل الله - تعالى - في الوليد : ذرني ومن خلقت وحيدا [ المدثر : 11 ] الآيات . وقال عتبة بن ربيعة حين سمع القرآن : يا قوم ، قد علمتم أني لم أترك شيئا إلا وقد علمته ، وقرأته ، وقلته ، والله لقد سمعت قولا ، والله ما سمعت مثله قط ، ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة .
وقال النضر بن الحارث نحوه .
وفي حديث إسلام أبي ذر ، ووصف أخاه أنيسا ، فقال : والله ما سمعت بأشعر من أخي أنيس ، لقد ناقض اثني عشر شاعرا في الجاهلية ، أنا أحدهم ، وإنه انطلق إلى مكة ، وجاء إلى أبي ذر بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - . قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون : شاعر ، كاهن ، ساحر ، لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ، ولقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم ، وما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر ، وإنه لصادق ، وإنهم لكاذبون .
والأخبار في هذا صحيحة كثيرة . والإعجاز بكل واحد من النوعين : الإيجاز ، والبلاغة بذاتها ، أو الأسلوب الغريب بذاته ، كل واحد منهما نوع إعجاز على التحقيق ، لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما ، إذ كل واحد خارج عن قدرتها ، مباين لفصاحتها ، وكلامها ، وإلى هذا ذهب غير واحد من أئمة المحققين .
وذهب بعض المقتدى بهم إلى أن الإعجاز في مجموع البلاغة ، والأسلوب ، وأتى على ذلك بقول تمجه الأسماع ، وتنفر منه القلوب .
والصحيح ما قدمناه ، والعلم بهذا كله ضرورة قطعا . "
فالكفار يا عزيزي يجتمعون ليستشيروا كبرائهم فى أى فرية يفترونها على القرآن .
و تعال نكمل مع كلام القاضى عياض :"وذهب بعض المقتدى بهم إلى أن الإعجاز في مجموع البلاغة ، والأسلوب ، وأتى على ذلك بقول تمجه الأسماع ، وتنفر منه القلوب .
والصحيح ما قدمناه ، والعلم بهذا كله ضرورة قطعا .
ومن تفنن في علوم البلاغة ، وأرهف خاطره ، ولسانه أدب هذه الصناعة لم يخف عليه ما قلناه .
وقد اختلف أئمة أهل السنة في وجه عجزهم عنه ، فأكثرهم يقول : إنه ما جمع في قوة جزالته ، ونصاعة ألفاظه ، وحسن نظمه ، وإيجازه ، وبديع تأليفه ، وأسلوبه لا يصح أن يكون في مقدور البشر ، وأنه من باب الخوارق الممتنعة عن أقدار الخلق عليها ، كإحياء الموتى ، وقلب العصا ، وتسبيح الحصى .
وذهب الشيخ أبو الحسن إلى أن مما يمكن أن يدخل مثله تحت مقدور البشر ، ويقدرهم الله عليه ، ولكنه لم يكن هذا ولا يكون ، فمنعهم الله هذا وعجزهم عنه .
وقال به جماعة من أصحابه .
وعلى الطريقين فعجز العرب عنه ثابت ، وإقامة الحجة عليهم بما يصح أن يكون في مقدور البشر ، وتحديهم بأن يأتوا بمثله قاطع ، وهو أبلغ في التعجيز ، وأحرى بالتقريع ، والاحتجاج بمجيء بشر مثلهم بشيء ليس من قدرة البشر لازم ، وهو أبهر آية ، وأقمع دلالة .
وعلى كل حال فما أتوا في ذلك بمقال ، بل صبروا على الجلاء ، والقتل ، وتجرعوا كاسات الصغار ، والذل ، وكانوا من شموخ الأنف ، وإباءة الضيم ، بحيث لا يؤثرون ذلك اختيارا ، ولا يرضونه إلا اضطرارا ، وإلا فالمعارضة لو كانت من قدرهم ، والشغل بها أهون عليهم ، وأسرع بالنجح ، وقطع العذر ، وإفحام الخصم لديهم ، وهم ممن لهم قدرة على الكلام ، وقدوة في المعرفة به لجميع الأنام ، وما منهم إلا من جهد جهده ، واستنفد ما عنده في إخفاء ظهوره ، وإطفاء نوره ، فما جلوا في ذلك خبيئة من بنات شفاههم ، ولا أتوا بنطفة من معين مياههم ، مع طول الأمد ، وكثرة العدد ، وتظاهر الوالد وما ولد ، بل أبلسوا فما نبسوا ، ومنعوا فانقطعوا ، فهذان نوعان من إعجازه ."
كلام يكتب بماء الذهب و رب الكعبة .
يكمل القاضى فى كتابه الماتع :"وقد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة ، وهيبة كف بها عن ذلك .
فحكي أن ابن المقفع طلب ذلك ، ورامه ، وشرع فيه ، فمر بصبي يقرأ : وقيل ياأرض ابلعي ماءك [ هود : 44 ] فرجع فمحا ما عمل ، وقال : أشهد أن هذا لا يعارض ، وما هو من كلام البشر ، وكان من أفصح أهل وقته .
وكان يحيى بن حكم الغزال بليغ الأندلس في زمنه ، فحكي أنه رام شيئا من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها ، وينسج بزعمه على منوالها قال : فاعترتني خشية ، ورقة حملتني على التوبة ، والإنابة . "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) البداية و النهاية لابن كثير (2/285)
(2)الآحاد و المثاني لأبي بكر الشيباني ح (3479).
(3)أُسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير (3/596)، والإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (5/405)
(4)الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (2/461)
(5)الإكمال ، ابن ماكولا (6/302).
(6)أُسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير (5/456)، والإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (6/622)
المفضلات