الحمد لله على نعمة الإسلام واتباع هدي رسول الله الذي أتم لنا هذا الدين وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ..
وبعد فإنني في البداية أطالب الأخ الصوفي المبتدع عبد الحق أن يقدم بين إيدينا اعتذارا صريحا على ما بدر منه في حق الإمام النووي رحمه الله حين نسب إليه مالم يقل ، حين زعم بان النووي قال : "اذا لم اجد ما ينفي او يجزم بثبوت ومن عدمه ارجعه لقلة اجتهادي ".
حين ثبت الآن - وبعد عجز الأخ عبد الحق عن الإتيان بالمصدر الذي زعم بأن الإمام النووي قال فيه هذا الكلام - بأن أهل التصوف لا يتورعون عن الكذب والافتراء على رسول الله ثم على العلماء إذا ما تبث لهم عوار عقيدتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان .
وسوف أفرد هذه المداخلة إن شاء الله تعالى للرد على مداخلة العزيز ماهر .. ثم أشرع في الرد على ما تفضّل به عبد الحق في مداخلة تالية مستقلة ..
فبسم الله أبدأ ..
أمــا عن علمي بأصــول الفقــه فهـو أنهــا مبـتدعــة وهي في ليــست بعــلم حــتى أتكلف الإلمــام به ،
هذا كلام خطير فعلا ..
أنت إذن جاهل بعلم أصول الفقه .. وبأهميّته .
وقد كنت أعلم ذلك يقيناً قبل أن تعترف بنفسك . فجهلك بعلم أصول الفقه هو الذي أوقعك في خطأ القياس حين أردت أن تستدل بصوم أنبياء الله ومنهم محمد وموسى عليهما السلام للدلالة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف واتخاذه عيداً ، دون علّة تجمع بين الفرع المقيس والأصل المقيس عليه.
فلا أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين قد احتفل بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم (الفرع المقيس) كما هو الحال في يوم عاشوراء (الأصل المقيس عليه) "الذي لم يرد أن النبي قد احتفل به أصلا ، فالصوم ليس احتفالاً ، بل ونهى عن اتخاذه عيداً مخالفة لليهود".
كما أننا إذا طبّقنا القياس بحق للزمنا أيضا أن نُنزل على المولد نفس حكم عاشوراء ، فنصوم يوم المولد .
وهذا خطل .. لم يقل به أحد .
إذن فلا يصح القياس هنا .
وجهلك يا ماهر بعلم أصول الفقه أيضا أوقعك في خطأ آخر ، وهو أن هناك قاعدة أصولية تقول بأن (شريعة من قبلنا شريعة لنا ، ما لم يرد شرعنا بخلافها) . فما ذكره الله سبحانه وتعالى في الشرائع السابقة ولم يرد في شرعنا ما ينسخه فإنه شرع لنا.
وقد كان صيام يوم عاشوراء شرع من قبلنا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصامه فأصبح شرعا لنا ولم يرد عن المصطفى نهي عن ذلك . (بخلاف البدعة المنكرة المسماة بالمولد النبوي) .
الجاهل بعلم أصول الفقه يا ماهر هو أضعف فريسة يمكن أن تلتهمها أنياب البدع والخرافات .. لعدم وجود أصل لعقائده .. بل هو يؤمن بهواه ، وبشريعة هواه ، وما يملي عليه هواه .. لأنه هكذا أراد هواه .. حتى نصب نفسه فقيهاً فخرج على الناس فقال : أنا أرى ذلك ، وأنا لا أرى ذلك .
يجب عليك أولا يا عزيزي أن تعلم بأن علم أصول الفقه أسبق من الفقه ذاته ؛ إذ لا تستطيع الوصول إلى الحكم الشرعي إلا بالقاعدة الأصولية، ولأنه هو أساس الفقه.
- قال الإمام الغزالي رحمه الله: (وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطُحب فيه الرأي والشرع، وعلم أصول الفقه من هذا القبيل).
- وقال الإمام ابن برهان رحمه الله: (إن أجلَّ العلوم قدراً، وأعلاها شرفاً وذكراً، علم أصول الفقه؛ وذلك لأن الفقه أجل العلوم قدراً وأسماها ذكراً؛ لما يتعلق به من مصالح العباد في المعاش والمعاد).
- وقال الإمام القرافي رحمه الله: (لولا أصول الفقه لم يثبت من الشرع قليل ولا كثير، ولهذا قيل: أصول الفقه قاعدة الأحكام الشرعية، وأساس الفتوى الفرعية، وركيزة الاجتهاد والتخريج، وقانون العقل والترجيح).
- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الأصول : إن أصول الفقه علم جليل القدر بالغ الأهمية فائدته التمكن من حصول قدرة يستطيع بها استخراج الأحكام من أدلتها على أسس سليمة
وما ظهر علم أصول الفقه إلا بعناية أهل الحديث، فهم من طلب من الشافعي تدوينه لحاجتهم إليه ،فقد كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ، فوضع له كتاب " الرسالة ". في أصول الفقه .
وقال أبو ثور: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها .
- ويرد على تلك السخافات التي تلفّظت بها يا ماهر في حق علم أصول الفقه ذلك العالم الجليل الشيخ فركوس في مقدمة " فتح المأمول"{ص:8}: حين قال " هذه فائدة علم الأصول وخصوصيته، وإن راجت شبه أثيرت حوله تقضي بذم هذا العلم وتحقره في نفوس طلابه، بدعوى أن هذا العلم لم يكون موجودا في العهد النبوي ولا عند السلف الصالح من القرون المفضلة، لذلك كان علما مبتدعا ينتفي فيه النفع ولا تخفى على ذي لب هذه المغالطة ".
ثم قال:" وعليه فإن مورد ذم أصول الفقه وتحقيره والتنفير منه لا محل له، فكيف يقبح علم هو من شروط الاجتهاد، ومن أهم علوم الشريعة ؟ إذ لا مناص فيه للمجتهد ولا غنى عنه لطالب العلم"
وقد صدر عن العلماء مقالتهم بـأنّ: " جهلة الأصول عوام العلماء".
- ومثله عن أحمد ـ رحمه الله ـ:" لا يستغني أحد عن القياس" .. وقال:" من المعلوم أن شرف العلم ورفعته من شرف المعلوم ورفعته وعلم الأصول لا خلاف بين العلماء في رفعة شأنه وعلو منزلته وعظيم شرفه وأثره عند الأولين والآخرين .. فهو لقواعد الأحكام أساسها ولجميع العلوم ميزانها .. وهو يتناول جميع العلوم "
" الكلام في أصول الفقه وتقسيمها إلى الكتاب والسنة، والإجماع ،واجتهاد الرأي والكلام في وجه دلالة الأدلة الشرعية على الأحكام أمر معروف من زمن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان، ومن بعدهم من أئمة المسلمين ، وهم كانوا أقعد بهذا الفن وغيره من فنون العلوم الدينية ممن بعدهم ."
وعليه ..
فقد قال الإمام الشوكاني في" فتح القدير" عند تفسير قوله تعالى:{ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي}:
[frame="10 80"]
ومن هذا القبيل من تصدّى لذمّ علم من العلوم الشرعية ، أو لذمّ علم هو مقدّمة من مقدّماتها ، ووسيلة يتوسل بها إليها ، ويفيد زيادة بصيرة في معرفتها ، وتعقل معانيها كعلوم اللغة العربية بأسرها ، وهي اثنا عشر علماً ، وعلم أصول الفقه فإنه يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية ، وهكذا كل علم من العلوم التي لها مزيد نفع في فهم كتاب الله ، وسنة رسوله ، فإنه قد نادى على نفسه بأرفع صوت بأنه جاهل مجادل بالباطل طاعن على العلوم الشرعية ، مستحق لأن تنزل به قارعة من قوارع العقوبة التي تزجره عن جهله وضلاله وطعنه على ما لا يعرفه ، ولا يعلم به ، ولا يحيط بكنهه حتى يصير عبرة لغيره ، وموعظة يتعظ بها أمثاله من ضعاف العقول ، وركاك الأديان ، ورعاع المتلبسين بالعلم زوراً وكذباً.
[/frame]
فاحذر يا ماهر أن تكون من هؤلاء .
أمــا عن ســؤالك فأقــول إن قال أحــدهم قولا في شــرع الله بإباحــة أو تحـريم دون اســتناد على كتــاب أو ســنة كمــا رميت الإمام أحمــد رحمـه الله فعــلام اســتند على حــد زعمــك إذ رددت قــوله ؟فــلا أتحــاول لي الكــلام عن موضــعه
لابد أن تعرف أولا يا عزيزي ماهر بأن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ورد عنه في الإقسام على الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم روايتان:
- رواية بالمنع ، وهي الموافقة لمذهب الجمهور. وعليها حمل شيخ الإسلام قوله بمنع التوسل إلى الله تعالى بنبيّه صلى الله عليه وسلم.
- ورواية بالجواز ، وهي المخالفة لمذهب الجمهور.. وعليها حمل شيخ الإسلام قوله بجواز التوسل إلى الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
فأي الروايتين هي الصحيحة شرعا ؟
رواية الجمهور بالطبع لأنها موافقة للأدلة الشرعية القاضية بالمنع بخلاف الرواية التي تفرّد بها الإمام أحمد في إحدى روايتيه .
يعني هناك إجماع من الأئمة الأربعة على منع التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بسائر الأنبياء بعد وفاتهم .
والحَكَم في ذلك هو الفهم الصحيح للنص ، وليس لأن الإمام أحمد قد أفتى وقال تبعاً لهواه كما افتريتَ عليَ سابقاً .
وقد استفاض شيخ الإسلام في مناقشة تلك الرواية القائلة بجواز الإقسام، وبين أنها على خلاف الحق، وأن الأدلة الشرعية قاضية بالمنع، وأن الحق في ذلك مع الجمهور، وأن الإمام أحمد، إن صحت الرواية عنه، مخطئ في ذلك.
وقال أيضا:
(وقد نقل في (منسك المروذي) عن أحـمـد دعاء فيه سؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يخرج على إحدى الروايتين عنه في جواز القسم به، وأكثر العلماء على النهي في الأمرين.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله [مجموع الفتاوي 2/346]:
وأما القسم الثاني فهو التوسل بذواتهم فهذا ليس بشرعي ؛ بل هو من البدع من وجه ، ونوع من الشرك من وجه آخر ..
فهو من البدع ؛ لأنه لم يكن معروفا في عهد النبي مثل أن يقول أسألك بنبيك محمد ومحبته فإن ذلك من دين الله الذي ينتفع به العبد .
وأما ذات النبي صلى الله عليه وسلم فليست وسيلة ينتفع بها العبد
وكذلك على القول الراجح لا يجوز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم إنما ينتفع به النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ولا ينتفع به غيره
وإذا كان الإنسان يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم باعتقاد أن للنبي صلى الله عليه وسلم جاها عند الله فليقل اللهم إني إسألك أن تشفع في نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم وما أشبه ذلك من الكلمات التي يدعو بها الله عز وجل .
فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان:
أحدهما: التوسل بطاعته، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته ، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عن من ليس قوله حجة.
وهذا هو الذي قال أبوحنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا: لا يُسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك.
قال أبوالحسين القدوري في كتابه الكبير في الفقه المسمى بشرح الكرخي في باب الكراهة: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة.
- قال بشر بن الوليد حدثنا أبويوسف قال: قال أبوحنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به. وأكره أن يقول: "بمعاقد العز من عرشك" أو "بحق خلقك". وهو قول أبي يوسف. وقال أبويوسف : وأكره أن يقول بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام.
- قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقاً...
وحول قول الإمام أحمد رحمه الله وغيره بجواز التوسل بالنبي قال الشيخ التويجري رحمه الله :" وقد جاء في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد انه جوّز التوسل بالنبي . وجاء مثل ذلك في فتاوى العز ابن عبد السلام، وهذا القول مردود بحديث عائشة رضي الله عنها "من احدث في أمرنا ماليس منه فهو رد" ، ولا قول لأحد مع رسول الله ، وليست أقوال أحمد ولا غيره من العلماء حجة، وإنما الحجة فيما جاء في كتاب الله وما ثبت عن رسول الله وما أجمع المسلمون عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وفي ذلك أذكر ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه القيم ( قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة) ص: 21 ما نصه:
" ولو قدر أنه نازع في ذلك عالم مجتهد لكان مخصوماً بما عليه السنة المتواترة وباتفاق الأئمة قبله" أهـ
أمـا عن طــلبك فأنــا لم أقل أصــلا بإباحــة أوجــواز أو تحــريم ولكنني علقت على قولك إن الكلام مردود لأنه لا يســتند إلى دلــيل فقلت ( هــلا قلت لعــله أخطــا في قوله إن قال فهو مأجــور
إذن لا يوجد دليل لإباحة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته .. وهذه تكفيني وفيها إجابة لطلبي . شكرا لك ..
فأما عن الإمام أحمد فقد أخطأ بلا شك في إحدى روايتيه كما سبق وذكرنا .
أمــا تاســوعاء وعاشــوراء فهما لفظــان يطــلقان على التاســع والعــاشــر وهــذا طبعــا ليس من الشــريعة في شـيء
أعيب عليك أنك لا تفكّر قبل أن تكتب ردا .. وقد أرسل لي منذ فترة بعض الأخوة رسائل على الخاص يسألونني : لماذا لا ترد على ماهر ؟
فأجبتهم : أخاف إن رددت أن أقسو فينفر ، ولكني أحب له الخير والهداية ، ولعل في وجوده بيننا خير لنا وله .
لفظ عاشوراء موجود في شرع الله طبعا ، ولا يصح ان تقول : "تاســوعاء وعاشــوراء لفظــان يطــلقان على التاســع والعــاشــر وهــذا طبعــا ليس من الشــريعة"
بخلاف تاسوعاء الذي نسبته زورا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قلت :
فقــال إننــا أحــق بموسى منهم فصــامه ثم قال لئن عشت لذي قابل لصــمت تاســوعاء وعاشــوراء مخــالفة لليهــود
فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل تاسوعاء.
هداك الله.
يتبع ردي على مغالطات عبد الحق إن شاء الله .
المفضلات