لم يتمتع العبرانيون باستقلال سياسي إلا لفترات قصيرة للغاية، ولذلك كان أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون دائماً أقلية صغيرة داخل تشكيل إمبراطوري أو حضاري ضخم. وكانت الضرائب دائماً أكبر مصدر للريع بالنسبة للإمبراطوريات في العصور القديمة أو في العصور الوسطى في الغرب، أو في العصر الإسلامي الأول (الأموي والعباسي) أو في العصر الإسلامي الثاني (العثماني)، أي حتى الثورة الصناعية.
وكانت الضرائب تُفرَض في كثير من الأحيان على الجماعة اليهودية ككل، لا على أعضائها كل على حدة شأنها في هذا شأن معظم الأقليات والجماعات الأخرى. ويبدو أن إطار السلطة الذاتية للجماعات المحكومة كان أنجع الطرق لضمان تَدفُّق الريع الضرائبي، فكانت الجماعة اليهودية، وغيرها من الجماعات، تتمتع باستقلال ذاتي في الأمور الدينية والتربوية والقضائية. وكانت قيادتهـا تتمتع بسـلطات خاصة، فكانت، في كثير من الأحيان، هي التي تحدِّد الضرائب وتقوم بجمعها من أعضاء الجماعة، بل أصبحت هذه المهمة أهم وظائفها. ولذا، حاولت السلطة الحاكمة دائماً أن تُقوِّي قبضة القيادات اليهودية وتحقق لها مركزاً متميِّزاً داخل الجماعـة، لتضمن ولاءها لها ولتصـبح أداة طـيعـة في يـدها. ومن ثم، كانت قيادات الجماعة تُعفَى من الضرائب عادةً، وكان أمير اليهود (الناسى)، ورأس الجالوت (المَنْفَى)، وكثير من الحاخامات، يُعْفَون من الضرائب، بل وكان يُسمَح لهم بفرض ضريبة خاصة لتمويل منصبهم ذاته. وكثيراً ما كان الحاخامات يحصلون على معاشهم من خلال ضريبة خاصة تُفرَض لهذا الغرض. وكان الهدف من هذا هو تحويل هذه القيادات إلى أداة في يد السلطة الحاكمة وموظفين عندها بحيث يمكنها من خلالهم اعتصار الجماعة اليهودية.
وكانت الضرائب تُفرَض على الجماعة اليهودية أحياناً لا كوسيلة لاعتصار أعضائها وحسب وإنما لاعتصار الجماهير الشعبية، وبذلك لم يكن أعضاء الجماعة سوى الإسفنجة التي يتم امتصاص هذه الجماهير عن طريقها. فكان الحاكم على سبيل المثال يفرض ضريبة عالية على أعضاء الجماعة اليهودية، ويمنحهم نظير ذلك مزايا وحقوقاً خاصة تُيسِّر لهم عملية استغلال الجماهير، كأن يسمح لهم بتحصيل فائدة عالية على القروض أو يصرح لهم بحرية الحركة من مدينة لأخرى دون أن تتصدى لهم السلطات الإقطاعية المختلفة. وقد يسَّر هذا على كل من التاجر والمرابي اليهودي إدارة أعمالهما وجعلهما أكثر كفاءة من نظرائهما المسيحيين. وكلما تزايد السخط الشعبي، كان يتزايد اعتماد هؤلاء المرابين اليهود على السلطة الحاكمة التي كانت تزيد من اعتصارهم عن طريق فرض ضرائب جديدة عليهم أو تسلمهم للجماهير فتمتص السخط الشعبي وتصادر أموال اليهود وتطردهم، ثم تستدعيهم مرة أخرى لتبيع لهم من جديد المزايا والمواثيق والحماية، أي أن جَمْع الضرائب ودفعها ساهم في عملية حوسلة اليهود.
لكن العناصر السابقة لم تتحقق في كل زمان ومكان، فتعرُّجات التاريخ وتركيبيته تتحدى أي نسق منظم وأية سمات عامة، وهذا لا يقلل من دلالة وفاعلية النموذج التفسيري. وإذا انتقلنا الآن إلى العرض التاريخي، يمكننا القول بأن العبرانيين، حتى انتهاء عصر القضاة، لم يعرفوا نظاماً ضريبياً بسبب أسلوب حياتهم القَبَلي وبساطته. بل إن الدولة العبرانية المتحدة ذاتها، إبَّان حكم داود، كانت أقرب إلى اتحاد القبائل، ولذا لم تُفرَض أية ضرائب في عهده. ومع حكم سليمان، بدأت الدولة تصل إلى قدر من التركيب والمركزية، وظهرت طبقة حاكمة تضم داخلها قطاعات كهنوتية وأخرى عسكرية وثالثة إدارية، كما بدأت حركة تشييد مبان حكومية من أهمها بناء الهيكل. وقد تطلَّب كل ذلك تمويلاً وهو ما أدَّى إلى فرض الضرائب، ففُرضت ضريبة الشيقل حيث كان على كل عبراني بالغ أن يدفع للهيكل نصف شيقل (ويتناول التلمود في أحد كتبه الأحكام الخاصة بالشيقل). كما كانت تُقدَّم للهيكل هدايا وضرائب عينية. ومنذ هذه اللحظة التاريخية، بدأت الضرائب تلعب دوراً مهماً في حياة العبرانيين، ومن المعروف أن من أسباب انقسام الدولة العبرانية المتحدة شكوى قبائل الشمال من فداحة الضرائب التي فرضها سليمان. وبطبيعة الحال، استمرت المملكتان العبرانيتان، الشمالية والجنوبية، في تحصيل الضرائب. وثمة إشارة في العهد القديم إلى أن الملك العبراني كان يأخذ عُشر إنتاج الحقول، وكان من حقه أن يُجنِّد بعض الرجال والنساء ليعملوا خَدَماً له، حسب نظام السخرة السائد في الشرق الأدنى القديم والذى طبقه سليمان إبَّان حكمه. كما فرض ملوك المملكتين ضرائب خاصة أثناء الحروب وحينما تعيَّن عليهم دفع جزية للآشوريين أو البابليين.
واستمر هذا الوضع قائماً إلى أن اجتاح الأشوريون ثم البابليون المملكتين وهجَّروا بعض عناصرها إلى بلاد الرافدين. حيث شهدت هذه الفترة تحوُّلاً مهماً، تمثَّل في بداية تحوُّل العبرانيين إلى جماعة وظيفية. وقد ظهر بيت موراشو في بابل، فكانت شركتهم تقوم بجباية الضرائب عما تنتجه الأرض من محصولات زراعية، كما كانت تستوفي بنفسها الضرائب المفروضة على الطرق العامة وقنوات الري لقاء الإفادة منها.
وبعد صدور مرسوم قورش وعودة بعض اليهود، دخل أعضاء الجماعات النمط الأساسي الذي أشرنا إليه من قبل، وهو أنهم أصبحوا جماعة تُفرَض عليها ضرائب جماعية وتتمتع باستقلال ذاتي لتسهيل عملية جَمْع الضرائب، وقد ترأس هذه الجماعة الكهنة الذين أُعفوا من الضرائب. وقد أصبح الهيكل هو المركز الأساسي للجماعة (ولم تَعُد مؤسسة الملكية تزاحمه)، فكان يجمع ضريبة نصف الشيقل ويحصل على ضرائب عينية وهدايا من الجماهير. وفي مرحلة لاحقة، قبل سقوط الهيكل، كان يجمع ما يُسمَّى بالشيقل المقدَّس ويساوي ضعف الشيقل العادي وهو عبارة عن جزية سنوية يدفعها يهود فلسطين والعالم وتُنقَل إلى الهيكل (مركز العبادة القربانية). وكان الصدوقيون هم الذين يحصِّلون هذه الضرائب ويحصلون على هذه الهدايا وعلى جزء كبير من القرابين، وهو مـا حـوَّلهم إلى أرستقراطية كهنوتية ثريـة. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت الضرائب مصدر الشقاق الأساسي بين الأرستقراطية اليهودية (المندمجة في الثقافة الإمبراطورية، فارسية كانت أم هيلينية) من جهة، والجماهير اليهودية المتشبعة بالثقافة المحلية (الآرامية)، ومنهم فقراء رجال الدين، من جهة أخرى.
وقد اهتم اليونانيون بالريع الضريبي، فكانوا يفرضون ضرائب متنوعة على اليهود وغيرهم، بل وضريبة على الزيجات أحياناً. كما أسسوا شبكة ضخمة منظمة لتحصيل الضرائب عمادها أعضاء الطبقات الثرية المحلية. وكان الملتزمون اليهود يحاولون قدر استطاعتهم، مثلما هو الحال دائماً مع البشر، أن يحصلوا ضرائب أكثر من المفروضة لأنهم كانوا يحصلون على الفرق بين ما ينبغي عليهم تسديده لخزانة الدولة وما يحصِّلونه بالفعل. وكانت هذه الجماعة الوظيفية المالية، التي ارتبطت مصالحها بمصالح الدولة الهيلينية (البطلمية أو السلوقية)، متأغرقة تماماً من الناحية الثقافية، الأمر الذي زاد الهوة بينها وبين الجماهير. وكان السبب الأساسي للتمردات اليهودية المتتالية هو الضرائب المتزايدة.
ويُلاحَظ أن اليهود في الدولة البطلمية عملوا كملتزمي ضرائب ليس إزاء أعضاء الجماعة اليهودية وحسب وإنما على مستوى المجتمع ككل، فقد قاموا بتحصيل المكوس الجمركية (وهي مهن مالية ولا شك، يرى البعض أنها كانت قتالية أيضاً، إذ كان المحصلون يُطلَق عليهم اسم «حراس النيل»). كما اشتركوا في تحصيل الضرائب على الأسماك والكروم والنخيل والمراعي بل وعلى صناعة الأحذية وهي نشاطات اقتصادية عامة. وكان كبير الموظفين (ألبارخ)، وهو منصب استمر حتى الدولة البيزنطية، هو المسئول عن جَمْع الجمارك على السفن. ويبدو أنه كان من أهم المناصب الإدارية المالية، وكان لمن يشغل هذا المنصب مكانة قيادية. ومع تَزايُد أزمة السلوقيين نتيجة حروبهم مع البطالمة، ونتيجة تَصاعُد الضغوط الرومانية، وبعد هزيمتهم على يد الرومان، كان عليهم دفع تعويض ضخم لهم، وهو ما اضطر الملوك السلوقيين إلى البحث عن مصادر جديدة للريع، فتعاونوا مع أثرياء المجتمع اليهودي، خصوصاً فئة ملتزمي الضرائب الذين تنافسوا على رفع الضرائب إرضاءً للسلطة السلوقية. ويبدو أن الضرائب تحت حكم الأسرتين اليهوديتين، الحشمونية التي تمتعت بشيء من الاستقلال، والهيرودية التي حكمت باسم روما، لم تكن أخف وطأة، كما هو واضح في التمردات التي حدثت بين جماهير الشعب.
وبعد أن ضُمت فلسطين للدولة الرومانية، عُيِّن لها حاكم روماني برتبة بريفكتوس، وكان يُشار له أيضاً باسم «بروكرياتور» والتي تعني حرفياً «الوكيل المالي» أو «محصل الضرائب»، وذلك باعتبار أن تحصيل الضـرائب هو النشـاط المالي الأكـبر لكل موظفي الإمبراطورية. وفي مصر، ألغى يوليوس قيصر نظام جمع الضرائب البطلمي، فانهار الوضع الاقتصادي لليهود، وخصوصاً أن اليهود أصبح عليهم (رغم عضويتهم في البوليتيوما) أن يدفعوا ضريبة رؤوس كاملة، الأمر الذي كان يعني مساواتهم النسبية بالمصريين وفقدان غالبيتهم لمكانتهم المتميِّزة، باستثناء كبار الأثرياء الذين أصبحوا مواطنين رومانيين. كما تزايدت الضرائب عليهم، الأمر الذي كان أحد أسباب التمرد اليهودي الأول الذي انتهى بتحطيم الهيكل. وبعد هذا التمرد، فرض الرومان أول ضريبة مقصورة على اليهود وهي الفيسكوس جواديكوس، أي الضريبة اليهودية، وهي عبارة عن الشيقل الذي كان يدفعه اليهود من قبل للهيكل، واستمرت الإمبراطورية الرومانية في تحصيله وإرساله لمعبد جوبيتر كابيتولينوس.
وبعد انتشار المسيحية والإسلام في الشرق الغربي، لم يتغيَّر وضع أعضاء الجماعات اليهودية كثيراً من منظور الضرائب، إذ أنهم كانوا يدفعون للمسلمين ما كان يدفعه أهل الذمة نظير الإعفاء من الخدمة العسكرية.
أما في العالم الغربي، فقد تغيرت أحوال أعضاء الجماعات اليهودية بالتدريج، ولم يَعُد الاختلاف بينهم وبين أعضاء المجتمع مجرد ضريبة أو ضريبتين يدفعونهما للنظام الحاكم، فمع تآكل البقية الباقية من القانون الروماني أصبح أعضاء الجماعة اليهودية حسب العرف الألماني «غرباء»، وهو ما كان يعني وضعهم تحت الحماية الملكية لأنهم أصبحوا ملْكية خاصة للملك أو الإمبراطور، أي أن أعضاء الجماعة أصبحوا أداة من أدوات الإنتاج ومصدراً من مصادر الريع. وقد كُرِّس هذا الوضع تماماً بعد حروب الفرنجة في نهاية القرن الحادي عشر (1096) وأصبح أعضاء الجماعة اليهودية إما فعلاً (أو اسماً وفعلاً) أقنان بلاط يشترون المواثيق والمزايا والحماية من الحاكم. وكانت الضرائب المفروضة عليهم تُعَدُّ مصدراً أساسياً مباشراً للريع الذي كان يُحصِّله الحاكم، أو وسيلة غير مباشرة لجمع الضرائب، وكان ذلك يتم من خلال الإقراض بالربا. فكان الحاكم يرفع الضريبة على اليهودي ويجعلها على سـبيل المثـال 11%، مقابل 10% للتاجر المسيحي، ثم يمنحه حقوقاً مقابل ذلك مثل حق رفع سعر الفائدة على الأموال. ولذا، نجد أن خُمْس دخل الإمبراطورية الرومانية المقدَّسة كان مصدره اليهود، رغم أن عددهم كان لا يزيد عن 1% من عدد السكان قبل القرن الرابع عشر. وفي القرن الثالث عشر، حصلت الحكومة الإنجليزية على 13% من دخلها من الضرائب التي فرضتها على اليهود رغم أن عددهم كان يتراوح بين 4 آلاف و15 ألفاً في كل إنجلترا. وقد أصبح حق فرض الضرائب على اليهود، باعتباره مصدراً من أهم مصادر الريع، محل صراع بين الإمبراطور والنبلاء.
وقد فُرضت على أعضاء الجماعات اليهودية مجموعة متنوعة من الضرائب من بينها ضريبة الرؤوس (وهي استمرار للفيسكوس جودايكوس) التي بُعثت في ألمانيا عام 1342 تحت اســـم «أُبفربفينج Opferpfennig» وتعني «ضريبة المليم» ثم أصبحت تُسمَّى «لايب تسول leibzoll»، أي «ضريبة الجسد»، و«يودين تسول Judenzoll»، أي «ضريبة اليهودي». وبعد أن حل الأمراء محل الحكم الإمبراطوري (القرن السادس عشر) في فَرْض الضرائب على اليهود، أصبحت الضريبة تُسمَّى «نقود حماية اليهود». وكان على اليهودي الذي ينتقل من بلد إلى آخر أن يدفع رسم المرور ورسماً للإقامة المؤقتة. ومن الضرائب الأخرى، ضريبة «يودين جلايت Judengeleit»، أي «المرور الآمن»، وهي ضريبـة كانت تُفرَض على اليهـود الذين يـودون الانتقـال من مكان إلى آخر، فكان يدفعها اليهود الأجانب العابرون، وكانت الضريبة تعطيهم الحق في التعاملات المالية. وكانت تُفرَض ضرائب على اللحم والذبح الشرعي وعلى شموع السبت، وفُرضت أحياناً ضريبة على الطعام كانت تُسمَّى «ضريبة السلة». وفُرضت ضريبة تُسمَّى «ضريبة الفم» كان الهدف منها استبعاد اليهود غير النافعين الذين يأكلون ولا ينتجون.
وفي العصر الحديث، ظلت الضرائب إشكالية أساسية في حيـاة الجـماعات اليهـودية. فاخـتفت الأشكال المختلفة للإدارة الذاتية، وتكفلت الدولة المركزية التي يتبعها جهاز إداري مركزي قوي بتقدير الضرائب وجمعها، وأُلغيت بالتدريج الضرائب المفروضة على أعضاء الجماعات اليهودية. وفي محاولة للحد من الانفجار السكاني، كانت تُفرَض أحياناً ضرائب على طعام اليهود الشرعـي وشـموع السـبت والزواج، وذلك لجــعل هذه الشعائر مُكلِّفة. وكان عدد كبير من اليهود يتهربون من الضرائب ويقومون بتهريب البضائع للتهرب من الجمارك. فوقفت الدول الحديثة ضد هذا الوضع وحاولت تصفيته. وكان من بين إجراءات المنع، عدم استخدام اليديشية في المعاملات التجارية، ومطالبة اليهود بإضافة اسم العائلة لأسمائهم إذ كان أعضاء الجماعة اليهودية يكتفون بتسمية الفرد باسمه واسم أبيه بدون اسم العائلة، الأمر الذي كان يعني وجود عدد كبير من الأشخاص باسم واحد، مما يُسهِّل عملية التهريب. وقد ارتبط النظام الضريبي بمدى نفع اليهود، فكانت العناصر النافعة من ذوي المهن التي تحددها الدولة تُعفَى من الضرائب بل وتمنح امتيازات ضريبية خاصة. أما العناصر غير النافعة، فكانت تُفرَض عليها ضرائب تهدف إلى تشجيعها على الخروج والهجرة. ولكن، مع تَصاعُد معدلات التحديث في الغرب وفي داخل الجماعات اليهودية، ألغـت الدولة الحـديثة بالتدريج الضرائب الخاصة، ومنها البدلية العسكرية، وتم توحيد النظام الضريبي.
وتقوم المنظمة الصهيونية العالمية والدولة الصهيونية بفرض ضرائب منظورة وغير منظورة على أعضاء الجماعات. فسندات إسرائيل والاشتراكات التي تُدفَع والتبرعات التي يتم جمعها من خلال حملات مسعورة جميعها نقود تُدفَع اسماً عن طيب خاطر ولكنها تُدفَع من الناحية الفعلية خوفاً من الفضيحة. ولذلك أشار آرثر هرتزبرج إلى اليهود المؤيدين لإسرائيل بوصفهم «يهود النفقة»، أي اليهود الذين يدفعون تبرعات تشبه النفقة التي يدفعها الزوج السابق لمطلقته لا حباً فيها وإنما خوفاً منها. كما أشار إلى ما سماه «يهودية دفتر الشيكات» وهي يهودية أولئك اليهود الذين ينصرفون عن ممارسة شعائر دينهم ويحاولون تخفيف الإحساس بالذنب عن طريق دفع التبرعات للدولة الصهيونية. وقد بدأت حركات السلام داخل إسرائيل تُكوِّن جماعات في الخارج مهمتها جمع التبرعات لها خارج نطاق النداء اليهودي الموحَّد والنداء الإسرائيلي الموحَّد، وهي مؤسسات جمع الضرائب/التبرعات للمؤسسة الصهيونية.
ويمكننا القول بأن علاقة الإمبريالية الغربية بالدولة الصهيونية علاقة شبيهة بعلاقات الأباطرة بأعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية. فالإمبريالية الغربية تمنح العديد من التسهيلات والمزايا للدولة الصهيونية، مثل الدعم المالي والعسكري، والمعاهدات والمواثيق، نظير ضريبة يدفعها المستوطنون الصهاينة وهي القتال. والضريبة قد تكون دموية بعض الشيء، ولكن لها مردودها الريعي، وهو فرض السكون والسلام الغربي على المنطقة وضمان تَدفُّق الطاقـة الرخيصة ودوران الدول العـربية في فلك النظام الاقتصادي العـالمي!
المفضلات