صفحة 79 من 87 الأولىالأولى ... 94969757677787980818283 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 781 إلى 790 من 870
 
  1. #781
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    ناقصات عقل ودين

    يقول :

    اليومَ عقدُ زواجي.

    يمثل لي هذا اليوم حدًّا فاصلاً.

    أشعر بالرهبة.

    اليوم سيقتَحم حياتي كائنٌ من نوع آخر.

    نوع غريب بالنسبة لي.

    نوع لا أعرِف عنه شيئًا.

    لكني أعرفُ أنه نوعٌ كالقوارير.

    رقيقٌ وهشٌّ.

    يحتاج إلى نوعٍ آخر مِن المعاملة.

    لن أستطيع أن أمزَح معه بخشونةٍ كما أمزح مع أصدقائي،

    ولن أتمكن من معاملته بالطريقة العملية التي أعامِل بها زملائي.

    كائنٌ رقيقٌ، سيملأ حياتي بهجةً، فقط إذا استطَعْت معاملته كما يجب.

    ولِمَ لا؟! الأمر بسيط.

    بتطبيق ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رفقًا بالقوارير)).

    قطع وصولي إلى المسجد حبلَ أفكاري.

    متوترٌ أنا حقًّا، مما زاد توتري: أنه لم يأتِ الشيخ الذي اتَّفَقْت معه على خُطبة العقد.

    أنا في وَرْطَةٍ حقًّا.

    لكن الحمد لله.

    حضر صديقي، أحدُ طلاب العلم.

    نَعَم، أنا أيضًا طالبُ علم، لكن لا تتوقع مني أن أخطُب خُطبة نكاحي.

    فذهني شاردٌ جدًّا.



    واجه صديقي المدعوِّين، وبدأ:

    "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا،
    مَن يهده الله تعالى فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
    وأن محمدًا عبده ورسوله.

    إخوتي في الله:

    نبارك لأخينا العزيز؛ ((بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير)).
    وأزيد على هذا الدعاء: والعقبى لك في الثانية والثالثة.
    طبعًا، كان اللهُ في عون الأخ الفاضل؛ فالنساء ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ، وكل رجل متزوِّج يعلم:
    كم نعاني من عقولهن الناقصة وسفاهتهن... "؛ كان يتحدَّث بصيغة استهزاء، استنكرتُها جدًّا، وتعجَّبت منها.

    أكمَلَ الصَّدِيقُ: "ونذكِّرُك - أخانا - لكي تستريح من هذا العقل المعوج أن تعلق السوط، وأزيدك في النُّصْح: استخدِمْه؛
    فالمرأة خلقت من ضلع أعوج؛ فهي ناقصة عَقْل ومعوجة الخلق، فلا بد من تأديبها وتقويمها؛ لكيلا تنفلِت،
    فزوجتك - يا صديقي - مجرَّد مملوكة، نَعَم، مملوكة للرجل، فاحذر ثم احذر أن تلبِّيَ لها رغباتها على حساب دينك وعقلك الراجح،
    فمهما كان مبلغ علمها فهي ناقصة، وهل للمملوك شيءٌ عند سيده؟!
    وعادَةً، فكل رغباتها سفيهَة مِثْلها، واحرِص - إن شاوَرْتَها - أن تخالف ما تشير به عليك؛ فإن في مشورتها الخطأ حتمًا.

    ولاحظ ما جاء في الحديث: ((إذا خرجت المرأة استشرفها الشيطان))؛ فهي في الفتنة كالشيطان الرجيم - نعوذ بالله - بل
    إن كيد الشيطان ضعيف، وكيدهن عظيم؛ فالشيطان تلميذٌ في مدرستهن.

    فاحبسها في بيتك، لا تخرُج منه إلا لضرورة قصوى، ويُستحسَن ألا تخرج إلا للقَبْر... ".

    استمرت الخطبة على هذا المنوال.

    الحقيقة كنت مذهولاً مما أسمع.

    كنت أتمنى ألا تكون زوجتي قد سَمِعَت هذا الكلام المستفِزَّ.

    كم يسيئُنِي أن يستخدم الإنسان آياتِ الله وأحاديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سياقٍ؛
    ليثبت به معنى لم يرِدْه الله ولا رسوله!



    حقٌّ يُراد به باطل

    عزمت على التحدُّث مع صديقي غدًا، وبعد العقد ذهبت إلى بيت أهل زوجتي لتناول العشاء عندهم،
    وحاولت قدر جهدي أن أُفهِم زوجتي الرقيقة أن هذا الكلام ليس رأيي، وأنني سأناقش هذا الصديق غدًا،
    وسَعِدْت جدًّا عندما وجدت أن النساء لم تَسمَع شيئًا من الخطبة لعطل في السمَّاعات!!

    ذهبت في اليوم التالي لمقابلة صديقي؛ فاسمع مني ما دار بيننا:

    بدأته بالسلام والتحية، وتبسَّمْت في وجهه، وأنا أحضِّر في ذهني الكلمات التي سأقولها.

    ابتسم، وقال لي: ها، ما الأخبار؟ هل رأيت النساء وعقولهن؟

    قلت له، وأنا أضبط كلماتي: صديقي الحبيب، ألم تسمع قول الله تعالي:

    {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} [الحجرات: 11].

    نظر لي في تعجُّب: ومِمَّن أسخر؟!

    قلت: تسخَر من النساء عامَّة، وتستهزئ بزوجتي خاصَّةً بعبارتك السابقة رغم أنك لا تعرفها أصلاً.

    قال مستنكرًا: عجبًا، أنا أردِّد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أتحدَّث عن زوجتك بعينها.

    قلت له: أعلم أنك لا تقصد أن تغتاب زوجتي، لكن عبارتك استهزاءٌ بها؛ فأنا لم أتزوَّج أمس سوى واحدةٍ معيَّنةٍ،
    فعلي من يؤول الكلام؟ وبِغَضِّ النظر عن هذا سأَسْأَلُك سؤالاً.

    قال متبرِّمًا: تفضَّل.

    قلت: ألم تقرأ تفسير الحديث من قبل؟ هل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن النساء ناقصات عقل ودين))
    في سياق استهانةٍ وتنقُّصٍ واستهزاء أو ماذا؟

    قال في حيرة: لا أذكر سياق الحديث، لكن ليس من خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستهزاء بأحد.

    قلت له: اسمع السياق؛ فقد قضيت ليلتي أبحث في الأحاديث التي سقتَها في خطبة نكاحي،
    وتعجبت من استخدامك هذا الأسلوبَ الَّذِي امتلأ بالاستهزاء والسخرية والتنقُّصِ والمهانة لجنس النساء.
    الحديث يقول:

    حَدَّثَنَا ‏سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ‏قَالَ: أَخْبَرَنَا ‏مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ‏قَالَ:
    أَخْبَرَنِي ‏زَيْدٌ - هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ - ‏عَنْ ‏عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ‏عَنْ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏قَالَ:
    خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ‏فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ:
    ((يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، ‏تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي ‏أُرِيتُكُنَّ ‏أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ))، فَقُلْنَ: وَبِمَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
    ((تُكْثِرْنَ ‏اللَّعْنَ، ‏وَتَكْفُرْنَ ‏الْعَشِيرَ، ‏مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ ‏لِلُبِّ ‏الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ))،
    قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟))
    قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ؟))
    قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا))؛ متفق عليه.


    فهل هذا السياق: ((‏مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ ‏لِلُبِّ ‏الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْكُنَّ)) مشعر بالتنقُّص أو السخرية؟

    قال في حرج: لا، لكنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صرح بأن النساء ناقصاتُ العقل والدين.

    قلت له: وما نقصان العقل والدين؟ هل هذا يعني: أن الرجال أكثر ذكاء من النساء؟
    هل يعني هذا: أن النساء كلهن سفيهاتٌ تافهاتٌ؟ هل يعني هذا: أن الرجال أفضل من النساء على الإطلاق؟

    قال في حرج: اسمع - يا صديقي - أنا لا أحب الاختلاف معك؛ فأنا أحترمك جدًّا، وأقدِّرُك،
    لكني أشعر أنك جانبت الصواب هذه المرَّة، فمَعلوم أن النساء أقل شأنًا من الرجال،
    وأنَّهُن أقل عقلاً من الرجال، وأنَّهُن نشَأن في الحلية ولا يصلحن للأعمال الشاقَّة.



    قلت له: اسمع أنت - يا صديقي -:

    أولاً: لا بد ألاَّ نخلِط الألفاظ الصحيحة والخاطئة؛ فكلامك فيه حق لكنَّ فيه باطلاً،
    ثم ثانيًا: لا بد أن نحدِّد ما هو نقصان العقل عند النساء؟ أهو نقصان الذكاء أم أن النساء سفيهاتٌ مثلاً أم ماذا؟

    قال في دهشة كمَن يقرر مسألة بدهيَّة: نَعَم، هن أقل شأنًا وذكاءً، وهن سفيهاتٌ.

    قلت له: طبعًا، لن أطالبَك بالدليل، فواضح أنك ستشير إلى الحديث السابق، لكن لتَفْهَم المدلول أجِبْ عن هذا السؤال.

    أيُّهُما أعقَلُ: بلقيس ملكة سبأ في قولها للملأ:

    {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]،

    وإرسالها الهدية لسليمان لتقَصِّي خبره ومعرفة أمره، أم الملأ - وفيهم رجالٌ قطعًا إن لم يكن كلهم من الرجال -
    عندما تفاخروا بقوَّتِهم وأبدوا استعدادًا للحرب دون معرفة قوَّة الخصم؟

    أيُّهما أعقل: بلقيس لما أسلمت لله لما ظهر لها الحق أم صناديد قريش الذين أصرُّوا على الكفر؟

    أيُّهما أعقل: الصحابيات المسلمات أم صناديد قريش؟

    قال: أنا لا أقول: إن كل النساء سفيهاتٌ أو أقل عقلاً من كل الرجالِ، أنا أتحدَّث عن المجمل،
    وبالتأكيد هناك في النساء مَن هن أعقل من نوعٍ معينٍ مِن الرِّجال.

    قلتُ له: رغم أنك قلتَ عن كل النساء: إنَّهُن سفيهات وأقل ذكاءً وشأنًا من الرجال، لكني سأغض الطرف عن هذا،
    وأقول: إنك لم تقله، لكن بعد قولك الذي يُعَدُّ نقطةَ اتفاق، سأعيدُ السؤال: ما معنى أن النساء أقل عقلاً؟
    هل هو الذكاء أم الشأن أم ماذا؟

    سَكَتَ لحظة، وقال في ارتباك: لا أفهم قصدك.

    قلت له: لا بأسَ، سأجيب أنا:
    إن نقصان العقل عند المرأة هو: أن النساء عادةً - وليس كلهن - عند التفكير في أمر
    يَنْظُرْن له من زاوية عاطفية مرجَّحة عندها على الزاوية العقلية.

    فمثلاً: لو أن أمًّا ترى ابنها سيَتَألم لو أخذ دواءً أو حقنًا أو تمت له عملية جراحية ما - فستراها تندفع بعاطفتها
    لتمنع عنه الألم والأذى القريب، وتُلْقِي وراء ظهرها المصلحة الراجِحَة في هذا الألم، في حين أن الرجل
    عادةً - وليس كل الرجال أيضًا - يتحامل على عواطفه في مقابل الراحة البعيدة.

    هكذا تجد أن المرأة بطَبعِها غالبًا تغُلِّب الناحية العاطفيَّة على الناحيَّة الحسابيَّة البحتة،
    ويغضبها أمور قد لا تُلْق لها أنت بالاً، كما تُسعِدُها أيضًا أمورٌ لا تُلْق لها أنت بالاً بحساباتك المنطقيَّة.

    والعاقلة من النساء من تُقاوِم هذه العاطفة الجامحة وغير العاقلة من أن تنساق فيها إلى نهايتها،
    وكلتاهما أنقَصُ في المقاومة والنظر من هذه الزاوية من الرجال في المجمَل، وليس على التفصيل.

    وفي الواقع هذا يؤهِّل النساء أن يكنَّ أكثر ذكاءً عاطفيًّا من الرجال؛ فيجدن أمورًا بِطبعِهن وفطرتهن
    لا يستطيعها الرجل بطبعه وفطرته؛ فنقصان عقل المرأة ليس معناه انتقاصَها، أو أنها غبِيَّة ومعوَجَّة وسفيهة، أو أقل شأنًا،
    فقد نشأت أغلَبُ النساء في الحلية ولم يُجْبَلْنَ على الشقاء، نَعَم، لكن هذه الجِبِلَّة هي الأنسب للإنسانية والحياة الأسرية،
    فلا بد من قائد ورعية.

    ونقصان عقلها بوجه عام يمنع مجمل النساء - أو على وجه الدقة أغلب النساء - من مباشرة أعمال معينة،
    وإن كان بعضهن قد يقُمْن بنفس العمل بجَودَة مساوية أو أكثر من الرجال.



    والحقيقة أن الكمال عند كل نوع يختلف، فَضَعْف المرأة ودموعها - مثلاً - كمالٌ، وخشونتها وغلظتها ضعف.
    والعكس تمامًا عند الرجال؛ وانظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:

    ((كمل من الرجال كثيرون، ولم يكمل من النساء إلا أربع))؛

    تفهم أن للمرأة كمالاً مطلوبًا، وللرجل كمالٌ مطلوبٌ، ولم تبلغ امرأة الكمال المطلوب منها إلا أربع من النساء،
    وبلغ كثيرٌ من الرجال الكمالَ المطلوبَ منهم، وليس هذا تفضيلاً؛ بل حكاية عن أمرٍ واقعٍ،
    فعدد الأنبياء وحواريهم وكبار الصحابة مثلاً أكثَر من أربع، وهذا منطقيٌّ جدًّا،
    فامرأة تُصَلِّي، وطفل أو أكثر يصرخ في أذنها، ويجذبها من ملابسها، ويبُول على موضِع سجودها،
    أنَّى لمثل هذه أن تكمُل إلا بشق الأنفس؟!

    فنقصان عقل المرأة كمالٌ لها في بيتها، هو كمال خِلْقِيٌّ فِطْري، كما أنه تكليفٌ للرجل بمراعاة هذا،
    وحق لكل امرأة أن تفخر بنقصان عقلها؛ فليس هذا انتقاص لها أو تقليل من شأنها، فالذي خلقها هو الذي قدَّر هذا النقص؛
    ليكون في حقيقته كمالاً للحياة الأسرية ولها كامرأة، ومثل هذا مثل ضعف بدنها بالنسبة للرجل،
    إذا برز للنساء عضلات مثل عضلات الرجال: هل ستفرح المرأة بهذا أو تَعُدُّه نقصًا حقيقيًّا ودمامةً وتشويهًا لبدنها؟
    هل ستعد أنت هذا كمالاً للمرأة أو تعُدُّه منظرًا مشوهًا؟ هل ضَعْفُ بدن المرأة بالنسبة للرجل مدعاةٌ للاستهزاء بها
    والسخرية منها أو هو في حقيقته كمالٌ؟

    إن الحياة ستصير غاية في الجفاف والجفاء، لو كان كلا العقلين يفكران بالطريقة العملية العقلية البحتة،
    التي تميِّز ما نطلق عليه بوجه عام: "عقلٌ كاملٌ"؛ بل قد يكون التفكير بهذه الطريقة في بعض الأحيان قسوةً
    في غير محلِّها، ومذمومة ومرفوضة.

    ولو نَظرت إلى حقيقة تفكير ملكة سبأ، فإن عدم اندفاعها للحرب نبع عن تفكيرها العاطفي، وهو أنها لا تعرف قوَّة الخصم،
    فخافت من المجهول، ورأت بعاطفتها فساد قريتها، وتألم أهلها بهذا الإفساد، حتى لو انتصرت على العدو
    فقد عرَّضت أمَّتَها وشعبها للألم وأنهكت قوتها المادية والمعنوية، فكانت بتفكيرها العاطفي أعقل من الملأ.

    واندفاع الرجال من الملأ في الحرب نبع من تفكيرهم الحسابي البحت: نحن أولو قوَّة وأولو بأس شديد،
    فحسابهم قوتهم وشعورهم أنهم أفضل وأنهم يرون الانتصار قريبًا، ولو تألَّمُوا.

    فكان تفكير الملكة في هذا الموضع بطريقتها العاطفيَّة ممدُوحًا وأنفَع لها، خاصَّةً وأنَّ خَصْمَها كان في حقيقة الأمر
    نبيٌّ من أنبياء الله، ولو فرضنا أنها أكثر منه قوَّة في الدنيا فسينتصر بأمر الله في الدنيا وفي الآخرة،
    فنفعها نقصانُ عقلها الذي هو تغليبُ عواطفها في هذا الموقف بالذات.

    لكن بوجه عام إذا وليت امرأة أمرَ المسلمين، وحكمت بهذه الطريقة المغرقة في العاطفة - عطَّلت مصالح شرعيَّة كثيرة.

    أيَبدُو لك في كلامي هذا خطأٌ؟

    قال: لا.

    قلت: إذًا هل هذا يدل على أن النساء أقل شأنًا من الرجال؟

    قال متعجِّبًا:

    كلامُك يدل على أنهن لسن أقل ذكاءً ولا أقل حكمةً، بل إنهن يتمتَّعْن بنقصان عقل لصلاح المجتمع،
    وأن هذا النقص يعني الاندفاع في التفكير العاطفي، وتغليبه على التفكير العقلي العملي الحسابي المادي البحت.




    لكن لو لم تكن أقل شأنًا، فلماذا فضَّل الله الرجل بالقوامة؟

    قلت: أصلَحَك الله - يا صديقي - إن قوامة الرجل ليست تشريفًا له، إنما هو تكليف بمراعاة البيت، وسيُسأل عنه يوم القيامة؛
    فكونك مكلَّف بأمر زائد عن المرأة ليس أمرًا مُفرِحًا بالتأكيد! يبدو لي هذا كأن يَفرَح أحدهم بأنه وليُّ أمرِ قطرٍ ما من الأقطار،
    ولا يدري المسكين أنه مسؤول من الأمير، ومن الله - عز وجل - أيضًا عما ولاه من أمر المسلمين،
    فيفرح فرحًا قريبًا يجعله يتطاول ويتمادى في الغيِّ، ثم عند الحساب يبكي ويلطم خدَّيْه، ويقول: يا ليتني، ما وُلِّيتُ.

    ثم هل الرعية أقل شأنًا من الحاكم أو أنهما أمام الله سواءٌ؟ فقط أحدهما ولي مسؤوليةً يحاسَب عليها.

    وقد ذكر الله تعالى أن هذه القوامة لتفضيل في الخلق ولأمر أخر، وهو وجوبُ إنفاق الرجل على البيت.

    فلو نظرنا للأمر من زاوية أخري، لقُلنا: إن المرأة في الشرع الإسلامي كملكة في إمبراطورية،
    يحكمها ملك مطالب بتلبية رغباتها ومراعاة شؤونها على ما اعتَادَت عليه في بيت أبيها والعرف.

    واللهِ، إن النساء في الإسلام يُحْسَدْنَ على ما لهن من حقوق؛ فهي قد رُفِع عنها تكليف بالرعاية الكاملة للبيت،
    وهذا يعني بالتالي أنها لن تحاسَب على ما يفعله الزوج، فأُسقِط عنها تكليفٌ وحساب وأُلقِيا على عاتق الرجل.


    وراعى الدين طبيعتها العاطفية، فلم يكلفها بما لا تطيق، بل كلف الرجل بمراعاة هذا.

    فتجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالرفق بهن ومراعاتهن، وحفظ حقوقهن.

    وتجده يأمر بالاستمتاع بالمرأة على عِوَجِها العاطفي بالنسبة لمنطق الرجل المادي،
    ويأمر بعدم محاولة تقويم هذا العوج، مما يعني أنه عوج ممدوح لإقامة البيت المسلم.

    ويأمر بملاطفة الزوجات ويوصي بالنساء خيرًا، ويَنهَى عن ضربهن... إلخ،
    كل تلك الأحاديث والآيات التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع.

    وتخيَّل لو كان كلٌّ من المرأة والرجل يفكر بطريقة مادية بحتة: كيف تستقيم الحياة؟

    كان صديقي ينصت لي مصغيًا.

    سكتُّ لحظة، فقال: أكمل؛ أنا معك.



    أكملت قائلاً: انظر إلى المثل الذي ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - على نقصان عقل المرأة،
    إن شهادة الواحد من الرجال بشهادة اثنين من النساء، والتعليل في الآية:

    {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]،


    لأن طبيعة المرأة الحيضُ ثم الحَمل والولادة، وهذه الأمور تجعل ذاكرة المرأة للأحداث التي لا تتعلق مباشرة بمحيط اهتمامها ضعيفة،
    فتجد المرأة لها ذاكرة قوية جدًّا في الملبس والمأكل؛ لأنهما مهنتها اليومية، وتجدها فيما لها وما عليها من مال حاضرة الذهن.

    أما دَين لا يخصها في شيءٍ ولا علاقة لها به، فقلة ضبطها فيه واردة جدًّا، ومثل ذلك ترديد بعض العلماء أن علم الحديث
    هو علم الرجال. لماذا؟ لأن الرجل بطبيعته الفطرية أضبط في حفظ الأسماء والأسانيد، وكل ما يتعلق بعلوم الحديث،
    أما النساء، فهن أقل ضبطًا في ذلك كله.

    ولكن قد تجد من النساء مَنْ فرَّغت نفسها للعلم، فنالت منه حظًّا لم ينله غيرها من الرجال،
    لكن دفعت ثمن ذلك غاليًا من أمومتها واستقرارها في بيت الزوجية.

    سَكَتُّ لأتَمَالك أعصابي وأنفاسي، ثم أردفت:
    في عصر الصحابة لم نسمع أنهم تحدثوا عن المرأة باعتبارها كائنًا أنقصَ، كانوا يعرفون العيوب التي سماها
    النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتعاملون بمقتضاها، فهم يعرفون أنها أضعف من الرجال جسمانيًّا ونفسيًّا فترفقوا بها.

    حتى منع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحادي - من الحُدَاء - خشية أن تسرع الجمال فتتأذى القوارير
    على أحد تفسيرَي الحديث.

    ومما يدل على أن الشرع إنما ذكر عيوب المرأة ونقصان عقلها، الذي هو تغليب عواطفها عن التحكيم المادي البحت؛
    لتكون أصلاً في الأحكام - ما ذهب إليه الكثير من الفقهاء بجواز قطع الصلاة النافلة، إذا نادت الأم على المصلِّي،
    وعدم جوازها إذا نادى الأب على الابن، فليس ذكر نقصان عقلها سببًا في الاستهزاء بها والتنقص منها؛
    بل أصلاً ينبني عليه العديد من الأحكام الشرعية، سواء بالنص أو بالاجتهاد،
    ويجب مراعاته وفي نفس الوقت هو تنبيه للمرأة حتى تحسن التعامل مع كِيانها.

    قال صديقي ضاحكًا: ها أنت قد سَمَّيْتَها عيوبًا.

    قلت له: صديقي العزيز، إذا كان لديك جهازٌ يعمل في البلاد الباردة بجودَة، لكن إذا احتجت لتشغيله في بلدٍ حارَّةٍ مثلاً
    تضطر إلى إنقاص قطعة ما منه، هذا يُسمَّى عيب من باب أن الجهاز نقص قطعة، لكن لو لم تحذف هذه القطعة
    لما كان الجهاز مناسبًا لك أنت في بلدك الحارَّة.

    قال في لطف: نعم، نعم، فهمت، أنا فقط أمازحُك، أكمِلْ.

    قلت: على الصعيد الثاني، تتأثر المرأة بالوعظ وتخشَع أكثر من الرجل لطبيعتها العاطفية.

    أضف إلى هذا كله: أن طبيعة الرجل، واختلاطه بالمجتمع العملي، وانخراطه فيه، في حين أن المرأة عادة تراعي شؤون
    عدد معين من الأفراد - أسرتها - بالإضافة إلى طبيعته الجسمانية المختلفة عن النساء - كلُّ هذا يولِّد عنده طبائع
    وإدراكًا معينًا مختلفًا عن إدراك النساء.

    إذًا أنت ترى أن نُقصَان عقل النساء بالنسبة للرِّجال... لا علاقة له لا بذكاء، ولا بسفاهة، ولا بقلة الشأن؛
    بل المقصود اتخاذ القرار الصائب الحازم في الوقت المناسب،
    وتغليب الناحية المادية العقلية على الناحية العاطفية في الوقت المناسب.


    قال: أوضِح أكثر.

    قلت: بالمثال يتَّضح المقال، عندما ترفض أنت ذهاب أولادك للحضانة في سنٍّ مبكِّرٍ، يكون رفضك بسبب ماذا؟
    سبب عقلي، تخشى فسادًا معينًا، تخشى أمراضًا مثلاً.

    أما رفض المرأة، فيكون غالبًا بسبب عاطفيٍّ: "سأفتقد الأولاد"، ولو لم تصرح به، فهو هناك في ركنٍ مظلمٍ من عقلها،
    ولولا هذه العاطفةُ، لأُلْقِيَ الأطفال في الشوارع.

    مثال آخر: عندما يكون طفلك بحاجة لعملية جراحية، الرجل يتخذ القرار في وقت قصير،
    أما المرأة فرغم علمها أن القرار الصائب هو الموافقة، لكن تحتاج لدعم عاطفيٍّ كبير وتهدئة نفسية لتوافق،
    فقرار المرأة الصائب هاهنا قد لا يأتي في الوقت المناسب احتاجت وقتًا لتقاوم طبيعتها العاطفية.



    والمسألة في النساء درجات طبعًا، لكن هذا على الغالب؛ فمن النساء مَن تَزِن ألف رجل ممن انْسَاق خلف عواطفه وشهواته،
    وهو يرى الحق ويعرفه، وهذا مُشاهَد، ولهذا تفرَّع عن تلك المسألة النهي عن إمارة وقضاء المرأة؛
    لأن الغالب على النساء تغليب العاطفة، أو احتياج وقت للتغلب عليها، فليس هناك داع لمغامرة غير مأمونة العواقب
    بالسماح بتوليتها هذه المناصب، ثم يتَّضِح أنها لم تتغلَّب على تلك الطبيعة العاطفية بما يكفي لتوليتها المنصب.

    فحتى المرأة التي تُغالِب طبيعتها تعود فتغلبها تلك الطبيعة العاطفية، والطبع يغلب التطبُّع،
    وأكرر أن طبيعتها هذه كمالٌ لها في كثير من المواقف، ومحمودة ومرغوبة، وهي سبب استقرار وسعادة الأسَرِ.

    فكما يقال: إن المركب التي لها قبطانانِ تغرق ولا بد.

    لكن لا تجد نهيًا عن أن تُفتِي أو تطبِّب مثلاً؛ لأن هذا يحتاج إلى حنكة وعلم وذكاء وخبرات يمكن للمرأة اكتسابها ببساطة؛
    لأنها مؤهلة لذلك، ولن تمنَعها طبيعتها العاطفية من اكتسابها.

    ومَن كانت من النساء ذات طبيعة حساسة أو مرهفَة تجدها من تلقاء نفسها تَبتَعِد عن المجالات التي لا تناسبها مثل الطب،
    وهذا مشاهد كما أنه مشاهدٌ أن النساء طبيبات ماهرات؛ بل إن التوليد عملية صعبة، ورغم هذا طوال عمرنا نعرف أن هذا عمل النساء،
    ألا إن من تتفوق في هذه المجالات تجدها تدفع الثمن غالبًا أيضًا من استقرار بيتها أو أمومتها،
    ومنهنَّ من تَنجَح في الموازنة بالكاد، ولو أن كلَّ امرأة لم تتزوَّج صَرَفَت هَمَّها في علم من العلوم النافعة -
    لرأيتَ منها نجاحًا لا رَيبَ فيه.

    قال - وهو يَمُطُّ شفتَيهِ -: نَعَم، كلامٌ منطقيٌّ، لكن الطبيب الرجل غالبًا ما يكون أمهَرَ من النساء.

    قلت: هذا الكلام لا علاقة له بنقصان عقلها أو عدمه أصلاً، فمن تتفوق، تتفوق لأنها تفرَّغَت للعلم، ومن لا تتفوق،
    فلأنها فضلت بيتها على العلم والمهنة، فهل كون المرأة تفضِّل بيتها ومشقة العمل فيه على المهنة والعلم - داعٍ للاستهزاء منها،
    أو داعٍ لشكرها وتقديرها والامتنان لفعلها؟ ولو استمر كل رجل على منوالِكَ، لعزفت النساء عن الزواج، أو أهْمَلْن البيوت؛
    لِيُثْبِتْنَ للرجال أنهن جديرات بالاحترام، وأنهن لَسْنَ أقلَّ قدرةً على العلم والتعلم والاشتغال بالمِهَن.

    فَكَثْرَة الرجال المَهَرَة في هذه المجالات؛ لأن الطبيعي أن يكون للرجل مِهنَة، فهي شُغلُه الشاغل،
    أما النساء فالبيت شغلها الشاغل الذي يلتهم عُمرَها وجهدها، وهي سعيدةٌ بهذا.

    أما كونك تربط كثرة الرجال المهرة في المهن بنقصان عقل المرأة، فخطأٌ ظاهرٌ، والدليل:
    أن النساء في المدارس والكليات غالبًا ما يتفوَّقْن بل قد يَفُقْنَ الرجال.

    قال متأففًا: لكن أنا لا أثق في عقولِهن، ولا أسلم نفسي لطبيبة.

    قلت له: حقًّا؟! ومن طلب منك أن تذهب لطبيبة امرأة؟ يَحدُث هذا عندما تعدم الرجال درءًا للفِتنَة، لكن حسنًا،
    أتترك زوجتك تذهب لطبيب النساء والتوليد أو الأسنان مثلاً؟ أم إنك تظل تبحث وتتحرى عن طبيبة ماهرةٍ
    تتولى أمرها، ولو كان الأمر قهريًّا؟

    قال في ارتباك: أأ، أعني، أقصد، لا.

    زفر بقوَّةٍ ثم قال: حسنًا أعتَرِف: سأتحرى عن أمهر طبيبةٍ مِن النساء.

    ثم أرْدَف محرجًا: أنا اقتَنَعْتُ، فقط أنا أُمَازِحُك أكمِلْ، يا عزيزي.



    قلت: ثم هل جاء الإسلام بانتقاص النساء، والحثِّ على قهرهن وإهانتهن؟

    ألم ترَ كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعامل زوجاته ويُدَلِّلُهن ويرفق بهن؟

    ألم تَرَ أن السيدة عائشة كانت تفتي والصحابة حضور، ولم ينكر عليها أحدهم بدعوى أنها امرأة ناقصة؟
    بل كانت تخالف الصحابة في فتاواهم، ولم يتهمها أحد أنها تخالفهم لنقصٍ فيها،
    ولم يشر أحدهم لهذا ليثبت أن كلامَه أصوَب من كلامها.

    وانظر إلى أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بنصيحةِ أم سلمة يوم الحديبِية،
    هل هذا فعلٌ يَدُل على أنه ينتقص النساء؟ ألا يدل مجرَّد استشارته لها ثم العمل بنصيحتها على كونها عاقلةً وتستحق الاحترام؟
    وهذا طبعًا خلاف كلماتك التي ذكرتها من مشاورة النساء ومخالفتهن.

    قال صديقي: كلام جميل وموزون، يبدو أنني سأعيد التفكير في منطقي هذا. هيا أكمل: ما الذي تنتقده عليَّ أيضًا في الخطبة.

    قلت ضاحكًا في غيظ مَرِحٍ: خطبتك كانت عجيبة حقًّا!! اعذرني على انتقادي لك بهذه الطريقة،
    فقد استفزَزْتَنِي، وأنا أحبك، ولا أحب أن أرى منك عيبًا.

    بدأتَ خُطْبتك بالحث على الزواج الثاني والثالث، وما تعلمته منك أنت شخصيًّا قبل العلماء والفقهاء أن الزواج الثاني
    له أحكام الزواج الأول: من وجوب، وحرمة، واستحباب، وإباحة؛ إذ هو ليس فرضًا على إطلاقه.
    وكذلك فإن لكل مقام مقالاً، ويجب مراعاة مقتضى الحال؛ فهل يليق في يوم عقد نكاح امرأة بكر أن تتحدث عن الزواج الثاني؟
    وخاصة أن هذا يوم فَرَح لتلك المرأة التي اخترتُها زوجةً لي، فهل يليق أن تستفزَّ مشاعر الغَيْرَة في يوم فرحها بهذا الدعاء؟

    قال في أسف: أنت محق في هذه.


    قلت له: أتعرف أين الخلل في علاقة الرجل بالمرأة؟

    قال في فضول: ما هو؟

    قلت: إننا نقارن بينهما من زاوية غير صحيحة. الحقيقة أنني لم أجد حديثًا أو آيةً فيها مقارنة بين الرجال والنساء
    بالصورة التي نفعلها؛ لأن الله تعالى خلق الرجل وأمره بأمورٍ، وخلق المرأة وأمرها بأمورٍ،
    وكل من الأمر الموجه إلى هذا أو تلك مناسب تمامًا لما جبل الله عليه كلاًّ منهما، من الناحية النفسية والعضوية.

    فأنت يمكنك أن تقارن بين رقم ورقم باعتباره رقمًا، أو حرف وحرف باعتباره حرفًا، لكن أن تقارن بين رقم وحرف،
    فهذا لا يكون على سبيل المساواة؛ بل على سبيل التكامل؛ فأنت تحتاج للحروف كما تحتاج للأرقام.

    فليس من العقل أن نقول: إن الحروف أفضل من الأرقام على الإطلاق أو العكس.

    هذه مقارنة غير عادلة؛ ولهذا قال تعالي:

    {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97].

    قال صديقي: لكن في آية القوامة قال تعالي:

    {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34].

    قلت: نعم،

    القوامة جُعِلت للرجل؛ لأن الله تعالى فضَّل الرجال على النساء بعدَّة أمور منها: العقل المنطقي، وقوة البدن.

    ولاحظ اللفظ: {بما فضل الله به} يعني:
    أن هناك أمورًا معينةً فضَّل الله بها الرجال على النساء، جعلت الرجال مناسبين للقوامة أكثَرَ مِن النساء.

    وهذا اللفظ مُختَلِف عن أفعَل التَّفْضِيل المطلَق فالله تعالى لم يذكر في الآية أنهم الأفضل على الإطلاق.

    ولاحظ أنت سياق قوله تعالى:

    {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32].

    يعني أن كل منهما فُضِّل بأمور، وما فضل الله به الرجال على النساء من هذه الأمور جعلته أصلح للقوامة،
    وتذكر كلامي عن كون القوامة تكليفًا لا تشريفًا.

    أطرَقَ الصديق برهةً ثم قال: أكمل - يا صديقي - لا فُضَّ فُوك.



    قلت: لهذا فإنه عندما يطالب الغرب بالمساواة بين الرجل والمرأة فهذا ظلم؛
    لأن المساواة تعني أن آخُذ من الرجل والمرأة المثل وأعطيهما المثل، وهذا ظلم للرجل في كثير من الأمور،
    وظلم للمرأة في كثير من الأمور، والعدل مراعاة مقتضي الحال، دون مقارنة تؤدي لانتقاص أحد الطرفين.

    هل تعلم: لماذا استجابت النساء في الدول العربية لدعاة الغرب والتحرير؟

    نظر متعجبًا، وقال: لماذا؟

    قلت: لأن كثيرًا من الرجال في الدول الإسلامية نحَّوا الإسلام جانبًا، ومنعوا المرأة حقوقها العاطفية والنفسية،
    متأوِّلِين ما تأولْتَ أنت من الكتاب والسنة فافتَقَدَت الشعور بالأمان، ثم بدأ الرجل في التفاخر عليها بقوته ويتشدق
    بأنه يسلبها حقوقها؛ لأنها ناقصة عقل، ويُكثر من الحديث: أنها مجرد خادمة، لا حَقَّ لها في علم ولا تستطيعه؛
    على الرغم من أنه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمنع امرأة من العلم على اختلافه،
    بل وكان العرب يفخرون بالمرأة العالمة والتي تحفظ من الشعر وتلقيه، وتلك الفصيحة والشجاعة،
    وكتب تاريخ العرب والحديث ممتلئة بهذا.

    فظنت المسكينة في زمننا هذا أنها لو خرجت لميدان الرجل،
    وتحرَّرَت من سيطرته المادية والمعنوية - ستثبت له أنها الأفضل.

    وللعلم هذا النوع من الانتقاص سبَّب نفس المشكلة للأهل مع الأولاد، فمحاولة فرض السيطرة غير العادلة
    بدعوى النقص في الآخَر، هو نفس المشكلة للمراهقين في بيوت المسلمين؛ فالمرأة كما يقهرها الرجل تقهر هي أولادها،
    ولاحظ أنها أكثر احتكاكًا بهم في البيوت، وتلك المشكلة التي لم تظهر إلا في الفترة الأخيرة،
    لكن دعنا لا نخرج عن صلب الموضوع.

    فالرجل هو الذي أدَّى للمشكلة، وهو السبب في منازعة المرأة له وعنادها، وقد قيل: لا تَتَجَاهلها حتى لا تعاندك،
    ولو تصرف الرجل من منطلق القوامة لاختلف الأمر؛ فالقوَّام يحتوي ويحلم ويرفق؛ لأنه يثق أنه قادر على إدارة دفة الأمور.

    أما الرجال اليوم فلديهم عقدةُ نقصٍ عجيبةٌ (أسد عليَّ، وفي الحروب نعامةٌ)!!

    تخيل عندما يرفق بك مديرك في العمل هذا الرفق هو في الواقع نوع من القوة له وتثبيت لإدراته؛
    فأنت حينها تشعر بالأمان، وتحترمه، وتشعر أنه مدير جيد، ولا تحاول أبدًا التعدِّي عليه، عدا الحاقدين طبعًا،
    ولكنَّ رفقَه وعدلَه يجعلان من العسير عليهم إسقاطه.

    لكن إذا أراد المدير أن يثبت سيطرته بانتقاصك وإهانتك واغتصاب حقوقك أو بعضها -
    فإنَّ رَدَّ فِعْلِك لا يُؤمَن سَاعَتَها، ولن يكون محمودًا، ولو صبرت بعض الوقت فهناك نقطة انفجار.

    قال مفكرًا: صدقت، أكمل.



    قلت: وانظر إلى وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لهن بالقوارير، انظر لهذا اللفظ؛
    المرأة مخلوق هشٌّ رقيق أنيق كالقوارير، يحتاج لنوعٍ من اللُّطف والحرص في التعامل.

    وانظر إلى حِلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بنسائه في مواقف عديدةٍ:
    عندما قامَت السيدة عائشة، وغارت وكسرت الإناء: هل قال لأصحابه: انظروا لنقصان عقلها؟ كلاَّ.

    هل سخر منها واستهزأ؟ كلاَّ.

    هل غضب ورفع صوته، وقال: لا بد أن تعرفي مَن القائد هنا؟ كلاَّ.

    بل قال برفقه المعهود: ((غارت أمُّكم)).

    انظر إلى تبجيله لها، ذكَّر الصحابة أن هذه أمهم ولو غارت فهي أمهم.

    انظر إلى أمره - صلى الله عليه وسلم - الرجال بحسن صحبة الأم، وشدد على هذا؛ بل قدمها على الأب.

    توقفت لحظة لأري أثر كلامي في وجهه.

    نظر لي، وابتسم، وقال: أكمل أكمل فحديثك شائق؛ لقد نجحت في إثارة فضولي.

    قلت: هل تذكر كم صحابيَّة خرجت تقاتل وتذب عن النبي - صلى الله عليه وسلم؟

    هل منَعَهن النبي - صلى الله عليه وسلم؟

    هل قال لها: ارجعي، لا تقاتلي فأنت ناقصة؟!

    هل قال لها: هذا عمل شاقٌّ لا يلائمُك؟!

    بل سألها في لطف: ((ما أخرجك؟ ما الذي جعلك تحملين السلاح لتقاتلي؟)).

    فلمَّا ردَّت عليه الصحابية: أقاتل دونك، تركها تَفعَل، واليوم نحن نتعجب من شجاعتها وحزمها
    وحبها للنبي - صلى الله عليه وسلم.

    طبعًا، لو حدث هذا اليوم، لقال لها من يرى نقصان النساء في احتقار:
    ارجعي، يا امرأة، فليس هذا المجال لمثلك، إنه مجال الرجال، أما النساء الناقصات فالخدمة في البيوت مكانهن فقط.

    كم من امرأةٍ تسمع هذا الكلام من أمثالك فيستفزها، ثم إذا قرأت نفس الأحاديث التي سُقْتَها أنت كأدلة من كتب الحديث،
    فإذا هي بردٌ وسلامٌ وأمانٌ على قلبها.

    لماذا، يا تُرَى، يستفِز النساءَ كلامُك، ولا يستفزهن كلام النبي - صلى الله عليه وسلم؟

    قال وهو يبتسم: لا أدري، لكن لا وجه للمقارنة.

    قلت له: لاختلاف السياق والنيّة والرحمة.

    قال: وجهة نظر مقبولة.

    رفعت رأسي، وقلت: الحمد لله، لكن هناك نقطةً أخرى أحب أن أناقشها معك.

    قال: تفضل.

    قلت: الصحابي الجليل عبدالله بن عمر - إن لم تَخُنِّي الذاكرة - عندما روى حديث: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))،
    قال له ابنه: بلى، لنمنعهن. ماذا فعل؟ غضب على ابنه غضبًا شديدًا، على الرغم من أن مقصد الابن أنه سيمنعهن؛
    لأنهن خالفن الصورة التي أجاز بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لهن الخروج عليها،
    لكن الصحابي هاله أن يعارض ابنه لفظ الحديث.

    كم رجلاً اليوم يخالف أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله؟

    يحرِّم على المرأة ما أحله لها الاسلام؛ بدعوى أنها فتنة وشيطان وسفيهة... إلخ،
    هذه الصفات المحقرة لشأن النساء، والتي تستفز المرأة جدًّا وتدفعها أكثر للتمرد.

    ويقول هؤلاء الذين يحرمون على النساء الحلال: لو تركنا لهن الحبل على الغارب - رغم أن هذا الغارب هو ما أباحه
    الله تعالى - لفعلن وفعلن، ويذكرون أفعالاً مشينة لا تفعلها حرَّة عفيفة بل فقط فاجرة ماجنة، فهل كل النساء فجَّار مُجَّان،
    لا رابط لهن ولا ضابط، ولا عفة ولا خشية؟

    وهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَجهَل ما يؤدِّي للفتنة فيحرمه؟

    أم أننا اليوم أعلَم منه بالفِتَن، فنحرم ما لم يحرمه؟

    سكتُّ، فأردَفْتُ:
    ثم من يُرِدْ تحريم الحلال على النساء، يُجَمِّلْ في التنقص منهن، ويجعل ذلك سببَ التحريم.

    ألم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم مقدارَ فِتنَتِهِن؛ فيحرم عليهن ما يحرمه هؤلاء؟!

    سَكَتَ مُفكِّرًا، ثم قال: نَعَم، كلامُك صحيح، هذا يحدث، وأفهَم ما ترمي إليه وإن لم تقُله، واللبيب بالإشارة يفهَم.

    أكمِل: ما الذي لم يعجبك في الخطبة أيضًا؟



    قلت - وكأنَّنِي ألقي القاضِيَةَ -: تقول في خطبتك وتَنصَح بضرب النساء؟

    ارتبك، واحمرَّ وجهه خجلاً، ولم يرُدَّ.

    فقلت له: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيرُكم لأهله))،
    وقال عن الرجال الذين ضربوا زوجاتهن: ((ليسوا أولئك بخياركم)).

    واستدللت بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خلقت المرأة من ضلع أعوج)) في سياق الذم،
    فماذا كان يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الكلام؟

    قال مرتبكًا: اشرح، يا أخي.

    قلت: إن الحديث حثَّ على تحمُّل الزوج لزوجته في تمنُّعِها وتدلُّلِها، واندفاعها العاطفي،
    والأمر بالاستمتاع بها على ما فيها، وعدم محاولة تغييره؛ بل التعامل معها بمقتضاه واحتماله.

    ثم ارتفع صوتي: فتأتِي أنت وتستدل بالحديث على اعوجاج خُلُقِهَا، وتوجب الضرب بمقتضي الحديث!
    من أين أتيت بهذا الكلام؟!

    سَكَتَ فقلت له: وكل ما سلف نَقرَة، وقولك عن المرأة: إنها مملوكة نَقرَة؛ من أين أتيت بهذه الكلمة؟

    قال في حيرة: ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن النساء عوانٍ عندكم)).

    قلت في غيظ: يا أخي، ألم يقل الله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 43]؟

    يا أخي، النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((استوصوا بالنساء خيرًا)).

    لماذا (خيرًا)؟ لأنهن عوان؛ يعني أن المرأة في بيتك كما هو مشاهد لا تملك حق الخروج من غير إذنك،
    ولا تملك التصرف في مالك، كما أنه ليس من حقها الامتناع عن فراشك، وكل هذا بأمر الشرع لها.

    فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يلين قلوب الرجال على زوجاتهم، ويوصيهم بهن خيرًا؛
    فإنهم إن استوصوا بهن خيرًا، أعانوهن على طاعة الله - عز وجل - فيهم، كما أمرهنَّ الله تعالى.

    فإن كانت تقيَّة وامتَنَعَت عما هو محرم عليها، وأدت ما عليها - فهي كالعوان، يعني الأسير.

    فاستوصِ بها خيرًا لتستمرَّ علي هذا الحال.

    فهل هذا السياق مثل سياقك؟

    قال في خجل: لا.



    قلت: هل تتمنى أن تجد زوجتك - من كثرة ما استفززتها بتحويرك الشرع وألفاظه - تتمرد على أوامر الله،
    ثم لا يسعها لتتخلص من تأنيب ضميرها لمخالفتها الشرع أن تطلب الطلاق؟!
    فقط لتتخلص من امتلاكك لها بهذه الصورة القهرية، التي رسَمْتَها في خُطْبَتُكَ فِي عَقْدِ نِكاحِي.

    ثم ألا تجد أن هناك فرقًا بين مملوكةٍ وعوانٍ؟

    النبي - صلي لله عليه وسلم - يتخيَّر ألفاظه، يا أخي، ونَحْن لا نتخير ألفاظنا.

    وإلا فما الفرق بين الزوجة والمملوكة، أو ما يسمى بملك اليمين؟

    قال في تردُّد: أنا لا أجادلُك؛ لقد فهِمْت قَصدَك، لكن: ألا ترى النبي - صلي لله عليه وسلم - استخدم لفظ التَّملُّك
    للمرأة في حديثه عن العقد، فقال: ((ملكتموهن بكلمة الله))؟

    قلت له: فرق بين الفعل وبين اسم الفاعل الذي يدل على صفة لازمة.

    ثم، يا أخي، استخدم كل لفظ في السياق الذي استخدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وبنفس الاشتقاق؛
    فإن كلامه الرفيق الحكيم الذي يُلِين القلوب - مختلفٌ عن كلامك المستفز، وعندما تستخدم كلماته - صلى الله عليه وسلم -
    وسياقه احذر من لكنَةٍ ساخرة تفسد الأمر.

    سكتُّ ألتقطُ أنفاسي، فقال لي في خجل: لديك حقٌّ في كل ما قلته، غفر الله لي ولك.

    قلت له: لا تغضب مني لانفعالي؛ فقد استفزتني طريقتك جدًّا أمسِ.

    ثم أردفت في هدوءٍ:

    ليت كل من يتحدث عن المرأة من الملتزمين يستخدم لكْنَةَ احترام وتبجيل؛ فالمرأة هي أمك وأختك وزوجتُك وابنتك،
    ولو استخدمنا هذه اللكنة في حديثنا عنهن، لوجدنا ردَّ فعل غير متوقَّعٍ من الاستجابة.


    ثم أردفت في غيظٍ مرِح: لكِنَّك كدَّرْت الخطبة، وفي يوم عقد نكاحي.

    سَكَتَ وَأطْرَقَ... ثم رفع رأسه، وقد شاعت في وجهه ابتسامة رائعة، وقال: لقد استفدت منك اليوم أيما استفادة.

    فابتسمت والتقطت أنفاسي، وقلت له بابتسامة ودُودٍ: لا تغضب مني؛
    ففعلاً كان كلامك مستفزًّا، ولولا محبتي لك لما صرحت لك بذلك.

    قال: لا يمكنني أن أغضب منك - يا صديقي الصدوق - فأنت خيرُ من يذكرني ويردني للحق.

    ثم ضحك في ارتباك، وحك رأسه، وقال: لقد علمت الآن: لماذا تعاندني زوجتي دومًا.



    منقول









  2. شكراً شكر هذه المشاركة مسلم
    أعجبني معجب بهذه المشاركة مسلم
  3. #782
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    زوجان

    يقول :

    دخلت البيت، مرتَّبة هي زوجتي، لكن هناك العديد من الملاحظات التي تضايقني منها ،
    ها هي ذي أقبلَتْ مبتسمة بشوشة، آه كالمعتاد! شعرها مربوط خلف ظهرها، قلتُ لها ألفَ مرة
    ألاَّ تربطه خلف ظهرها؛ لن أبتسم في وجهها، راحت تتحدث إليَّ وتتجاذب أطراف الحديث؛
    لكني مصرٌّ على عدم الحديث معها، ألقي لها بعض الكلمات الجافة فقط،
    لابُد أن تتعلم كيف تتعامل معي.

    وضعَتِ الطعام، طعام شهي حقًّا، من النوع الذي أحبه وأشتهيه، سَأَلِينُ لها وأُخبرها أنَّ الطعام جيد،
    فزوجتي تُحبني حقًّا، وتُحاول أن ترضيَني؛ لكنها تقصر في أمور، أعلم أنها لا تقصد،
    لكن لا بُد أن تتعلَّم طاعتي، لا لن أعترف لها أن الطعام جيد، سأظلُّ على عبوسي.

    مرَّ يومان، تُحاول الزوجة أن تتجاهل ضيقَ زوجها تارة، وتارة تسأله عن سبب ضيقه، فينفي في برود،
    تحدِّثه وتضحك وتتصل به في عمله، تكلِّمه تحكي له تستشيره... والزوج مصمِّم على الخصام!

    في النهاية سألته: أنا أثق أنَّ هناك شيئًا جعلك مُستاءً مني بهذه الطريقة؛ لكني لا أعرف ما هو،
    أرجوك أخبرني! وبكَتِ الزوجةُ.



    هنا، وهنا فقط قرَّر الزَّوج أن يتحدَّث، قال لها: لقد حذَّرتكِ ألف مرة من أن تربطي شعرك خلف رأسك؛
    ولكنَّك أصررت. نظرتْ له الزوجةُ غير مصدقة، قالت: هل كل هذا النكد والخصام والضيق في البيت
    من أجل هذا السبب التافه؟!

    ثار الزوج وأرعد وأبرق: تافه؟! أنا تافه؟ ورأيي تافه؟ ما هذا الكلام؟!

    أهذا الكلام يصدر من زوجة محترمة؟!
    ثُمَّ إنَّنا لنا عام كامل وكل يوم أقول لك لا تربطي شعرك خلف رأسك، وأنتِ لا تطيعيني!

    قالت له: أحقًّا ما أسمع؟! هل أطالبكَ بالقَسَم أنَّني منذُ أن تزوَّجْنا أربط شعري خلف ظهري؟
    أنا أغيِّر تصفيفةَ شعري يوميًّا!

    قال الزوج في برود: وأنا أمرتُك ألاَّ تغيِّري تصفيفتَه، دعيه هكذا منسدلاً، لا أحبه مربوطًا،
    ثم... ثم هذا الرّداء، طلبتُ منكِ ألاَّ ترتديه، أليس كذلك؟

    قالت الزوجة: لي شهر لم أرتدِه، والآن وجدتُه ملائمًا للجو، كما أنني كنتُ أعمل في المطبخ؛
    ولهذا لا أستطيع أن أترك شعري منسدلاً طوال الوقت!



    قالت الزوجة في ضيق: هلاَّ توضَّأنا وصلَّينا ركعتين؛ لنطرد الشيطان؟!

    قال لها: أنتِ مَن جلبه، ولو أطعتِني لما جاء.
    انطلقت الزوجة تضحك فجأة وقالت:
    زوجي العزيز ألاَ تَجد أنَّه لو سمع أحد ما يدور بيننا من حوارٍ لقال عنَّا أننا أطفال؟!
    ثارت ثائرةُ الزوج مرة أخرى وقال: لا، ثم لا، ثم ألف لا! أنا حرٌّ في بيتي أقول ما أشاء،
    وليس عليكِ إلا التنفيذ، أنتِ زوجتي؛ فيجب عليكِ طاعتي في كل وقت.

    استفزَّ كلامُه الزوجةَ، وشعرت أنه يريد افتعال مشكلة،
    قالت له: أطيعُكَ إلا في معصية الله!

    ماذا تتوقَّعون؟!

    وقت غضب، ونفث شيطان، واستفزاز...

    قال الزوج: لا تقولي هذا!
    قالت الزَّوجة: بل سأقوله؛ أليس هذا من كلام النبي - صلي الله عليه وسلم؟!
    قال ثائرًا: وهل آمرُكِ بالمعصية؟! ثم ولو كان هذا صوابًا لا تقوليه، أنا آمرك بهذا!

    تصاعدتْ حدَّة الكلمات، وتصاعدت، وتصاعدت، وتفاقم الأمر،
    وأعلنت الزوجة أنَّها تُريد أن تذهب عند أهلها، وأن يكون الانفِصال!
    فهذه المشكلة هي القشَّة التي قصمت ظهر البعير!
    ورفض الزَّوج، ودخلت غرفتها وأغلقت الباب.



    بعد أن هدأَ الزوجُ قليلاً وصلى ركعتين طرق الباب،
    وقال لها في خشونة مصطنعة: هلاَّ قمتِ فتوضأتِ فصلَّيتِ ركعتين؟!

    كانت تبكي بِحُرقة، ولم تَرُدَّ، قال لها وهو يُلِين الكلام:
    صلِّي وسنتحدث حديثًا طويلاً نتقي فيه الله تعالى أنا وأنت.

    فماذا دار بينهما بعد الصلاة؟!

    بعد أن صلَّتْ قال لها: حسنًا هل يُعْجِبك ما حدث؟! ألم يكن من الأفضل أن تطيعيني؟

    قالت وهي تكظم غيظها: ممكن تُعِيرني آذانَكَ قليلاً؟ ابتسم وقال: تفضلي.

    قالت وهي تمنع عَبراتها: كنت لك نِعْم الزوجة...

    فتح فمه ليعقب، فوضعت يدها على فمه ، وقالت:

    اسمعني مرة في حياتك من غير مقاطعة.



    كنتُ لك نعم الزوجة، أنا أعلم هذا، أنا أطيعك في كل كبيرة وصغيرة، ليس هذا مدحًا في نفسي،
    لكنك تتعمَّد أن تقهرني، أنتَ تتركني طوال اليوم ولا تكلف خاطرك أن تتصل لتسأل عني،
    أكلِّمُك فتردُّ عليَّ بجفاء، الخطأ الصادر مني كبير، وما يعجبك قليل،
    إن أعجبك شيء ما - أراه في عينك - تبخل عليَّ بكلمة ثناء،
    وإن قلتَ كلمة ثناء تقتصد في الكلام.

    وتكتفي بأن تقول: جيد - مقبول - معقول، وفي الذَّمّ تتخيَّر المبالغات وتذمّ بشدَّة،
    لا تُحاوِل الإصلاح قدر ما تُحاول الذمَّ والنقد، نقدُك غير بناء، أظل طوال النهار أدور في البيت وحيدة،
    فأحاول إعداده؛ ليكون في أبهى صورة عندما تأتي في المساء، فتدخل لتدور بعينك وتنسى أن تشكرني
    على تعبي؛ لتبحث عن شئ تنتقده، ويثير بيننا الخلافات والمشاحنات،
    أرتدي أفخر الملابس وأحسنها وأتزيَّن وأتعطَّر فلا ترى إلا ما لا يعجبك،
    وإذا اعترضتُ على ما تقول تثور وترغي وتزبد، وتندِّد بالفتن في الشوارع،
    وأنَّني يَجِبُ أن أُعِفَّكَ، وهل قصرت في التزين؟!
    لكنَّك تُريد أن تَجعلني آلةً حديدية: تبتسم عندما تريد، وتتحرك عندما تريد،
    ثم لم تسأل نفسك لحظة: كيف أعفّ أنا زوجتي؟!

    أرسل لك خطابات أبثُّك فيها مودتي، فتُقابل كلَّ هذا بجفاء،
    وتدَّعي أنَّ الرجولة هو ألاَّ تظهر لزوجتك مودتك، وأن تقسوَ عليها، وتظهر لها الجفاء، فأين عفَّتي؟!

    أحيانًا يأتيني الشيطان فيقول لي: انظري إلى الفتيات المنحلاَّت في الشوارع، يسمعْنَ كلمات الغزل والمديح
    وأنت لأنَّك عففتِ نفسك محرومة! أطرده وأصبر؛ فأنا أعلم أنه ابتلاء من الله؛ ليعلم مني الرضا والصبر،
    أحاول استمالتَك فلا تميل!



    أين أنا منك؟ لماذا لا تفكر إلا في السيطرة عليَّ، وإثبات أنَّك مطاع؟!
    وهل قصرتُ أصلاً في طاعتك؟ لماذا تتحدث دائمًا كما لو أنَّك تشْعُر أنَّني لن أُطِيعَك؟
    أين ثقتك في نفسك؟! هل الرجولة أن يعلوَ صوتُك؟ هل الرجولة أن أخشاك؟!

    الرجولة أن أَحْتَرمك، أن أحبك، أن تحتويني، تُقوِّمني برفق وحنان، الرجولة أن تترفق بالقوارير،
    الرجولة أن تُشعِرَني بالدّفء والأمان، الرجولة أن تُحِبَّني وتبثني غرامك، الرجولة أن تكثر مدحي
    على ما أفعله من أجلك، الرجولة أن تضطرني اضطرارًا لطاعتك؛ لأنك تعمل على مراعاة الشرع
    والصالح العام، وليس لأنَّك تقول كلامًا غير ذي معنى، وتريد مني أن أطيعك وحسب،
    الرجولة أن تكون أنت الصديقَ والحبيب والمعلِّم والزوج.


    لماذا يا زوجي الحبيب... لماذا تشعر بالنَّقص؟! لماذا تظنّ أنَّ قسوتك رجولة؟

    كانت الزوجة تتحدث ودموعها تسيل على وجهِها، وحين رفعت عينها إلى زوجها وجدتْ وجهًا
    غير الوجه الأول، وسالتْ دموع الزوج، وامتَزَجَتْ دموعُهما!
    ثم أشرقتِ البسمةُ من جديد، وبدأ عهد جديد.

    أسأل الله العظيم أن يجعل في بيوت المسلمين عهدًا جديدًا من الحب والوئام والمودة والرحمة

    {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].



    منقول









  4. شكراً شكر هذه المشاركة مسلم
    أعجبني معجب بهذه المشاركة مسلم
  5. #783
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    إنكار منكر

    استيقظ من نومه مبكرًا؛ ليذهب لعمله، لقد نام بعدما صلى الفجر،
    خرج من غرفته، وجد أمَّه تُعِدُّ الإفطار،
    أمُّه ليست ملتزمة،
    كان الكاسيت بجوارها في المطبخ، وكانت هناك أغنية، وكانت أمه تدندن بالأغنية،
    شعر بالتوتر؛ الموسيقى حرام،
    وأيضًا أن تشنف أذنه بمزمار الشيطان هذا في الصباح الباكر، هذا غير محتمل.

    حاول أن يضبط أعصابه، أطفأ الكاسيت فقط فنظرت له أمُّه: صباح الخير،
    قال في ضيق وقد فاض به الكيل: أمي، تحية الإسلام السلام عليكم،
    زمت الأم شفتيها في ضيق،
    ثم مدَّت يدها تفتح الكاسيت، قال لها في تأفُّف وازدراء:
    في الصباح نسمع القرآن أم الغناء؟!

    ردت الأم وقد أغضبتها طريقة ولدها:
    اسمع يا هذا، حينما يكون لك بيت افعل فيه ما شئت،
    أما هنا (وخبطت بيدها على المنضدة في حزم) فهذا بيتي أنا، وأنا حرة!

    ارتفع صوته، وارتفع صوت الأم الغاضب، ثم لما لم يجد بدًّا ارتدى ملابسَه،
    وخرج دون أن يتناول الإفطار، وصفق الباب خلفه في غضب،
    وصوت الأغنية يتعالى خلف الباب، ويتعالى.

    بعدما مشى عدة خطوات شعر بالندم؛ كانت الآية تتردد في أذنه:

    {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]،

    وقوله - تعالى -:

    {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
    وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان: 15]،


    اتَّصل بأمِّه على المحمول، راح يعتذر لها، ويستسمحها حتى رضيت،
    فأكمل طريقه وعيناه كالصقر تتربصان.



    ركب المترو، وجد فيه رجالاً غير مُلتحِين، لم يُلق السلام،
    ونظر لهم نظرة مفعمة بالازدراء والاحتقار،
    ثم أخرج المصحف من جيبه،
    وجعل يقرأ بصوت خفيض ما تيسَّر له من سورة سبأ.

    دخل المترو قس عجوز يتظاهر بالوداعة والطيبة،
    لم يجد مكانًا فوقف بجوار بطلنا الهمام، وابتسم له في مداهنة،
    نظر له الشاب شذرًا، ثم قرَّر رفع صوته بالتلاوة في تحدٍّ،
    وتحديدًا الآية رقم ثلاث وسبعين من سورة المائدة.

    كان يظن أنه بذلك قد آذى القس، وماذا في ذلك؟ ألا يجب عليه إيذاؤه في الله؟

    والدعوة والحكمة!

    ومنذ متى يهتم بطلنا بالدعوة والحكمة؟ إن اهتمامه منصب على إنكار المنكر.

    وماذا كان رد فعل القس؟ كعادة هؤلاء الخبثاء في الظهور بالمظهر المنكسر الطيب،
    نظر له القس في أسف مفتَعل،
    وهزَّ رأسه وهو يتمتم بعبارات، لم يسمع منها بطلنا سوى كلمات قليلة:
    الله يهديك، ابتسم الشاب في ظفر؛ فقد ظن أنه انتصر في الحرب،
    لقد انسحب العدو،
    بغض النظر هل بلغته رسالته أو لا؟ هل فهم ما يريد قوله أو لا؟
    يهمه فقط أن يقهرهم، ويحقر من شأنهم، في الحرب، ولِمَ لا؟
    أليس هو الداعية الذي ينكر المنكر في هذا الزمن؟

    بلغ المترو المحطةَ المنشودة،
    فنهض لينزل وهو يدير عينيه في عيون الركاب الناظرة إليه في بغض،
    والحقيقة أنه سَعِد بهذا البغض؛ فهو يظن أن بغضهم له دلالة على قوة موقفه؛
    كل ناجح له أعداء،
    ولو أحبوه فهذا يعني أنه مخطئ، وأنه مثلهم، فاسق،
    لكن كان ينتظره اليوم بالذات في العمل مفاجأةٌ، ترى ما هي؟



    دخل مكتبه، ألقى السلام في فتور على زملائه، مجبر هو على إلقاء السلام،
    فكيف يلقي السلام على أناس ليسوا ملتزمين؟! وما فائدة إنكار المنكر إذًا؟

    لفت انتباهَه شخصٌ يقف عند مكتب مديره،
    كان الشخص موليًا ظهرَه لباقي المكاتب ويتحدث مع المدير،
    ناداه المدير حين دخل المكتب، وقال له: تعال يا فلان، قد جاءك زميل جديد،
    ثم أردف في توتر وضيق: وهو مثلك.

    التفت الوافد، فإذا به شاب ملتحٍ، تبدو على وجهه علاماتُ التقوى والالتزام،
    أخيرًا، رفيق درب في هذا المكان الكئيب،
    رحبت به وعيناي تدور في وجوه زملائي في ظفر وزهو،
    إنه يا سادة زميلي أنا، إننا اليوم جبهة واحدة، كنت أعلم أنه لولا ثقتُهم فيَّ،
    ومهارتي في العمل، لفصلني المدير بلا تردد،
    فأنا ضميرهم الحي، الذي لا يفتر يذكِّرهم ليلَ نهارَ بأنهم عصاة فسقة،
    أحيانًا يتهمني الجميع بسوء الخلق، لكنهم لا يفقهون،
    يظنون حسن الخلق أن أهادن في الله، لكن كلاّ،
    فإن خير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر
    (لاحظ كمَّ الخلط الذي يعانيه الأخ في المصطلحات الشرعية،
    وإنزالها على المواقف العملية)
    فعلى الأقل أنا أقولها في وجه مديري، حتى لو فصلني.

    أفقت من خواطري على صوت رفيق الدرب الجديد،
    كان صوته خفيضًا، مهذبًا، سألني عدة أسئلة عن العمل،
    ومرَّ اليوم سريعًا، كنت أراقب الفتى الجديد، وأختلس إليه النظرات،
    كان مهذبًا أكثر مما ينبغي، يتحدث مع الجميع بمودة وتهذيب،
    برغم أن الجميع كان في بداية اليوم يعامله بحذر؛
    باعتبار أن لهم خبرةً سابقة في التعامل مع "هذا النوع"،
    ثم سقط حذرُهم وتحفُّظهم؛ لما رأوا من دماثة خلقه،
    وطيب معشره، صاروا يتحدثون معه بود ظاهر،
    وخيِّل إليَّ أنهم يتقبَّلون كل ما يقول عن العمل بصدر رحب،
    بدون جدال كما يفعلون معي، غاظني هذا،
    ليس هذا من عقيدة الولاء والبراء، قررت الإنكار عليه.



    ذهبت إليه في آخر اليوم ووجهي ينطق بما سيتلفظ به لساني، ابتدرني في عذوبة: أأنت متزوج؟

    نسيت غضبي وإنكاري للمنكر أمام ابتسامته وحسن خلقه، قلت له وقد لانت عريكتي قليلاً: لا.

    اتسعت ابتسامته وقال: إذًا لن يطالبك أحد بسرعة العودة إلى المنزل، يمكنني أن أدعوَك لتناول الغداء،
    قلت له وقد عاد التوتر يكسو ملامحي: أنا، أنا لا آكُل في أماكنَ مشبوهةٍ، ابتسَم في لطف وقال:
    جيد، أنا أيضًا لا أفعل، سنأكل في مطعم يملكه بعض الإخوة يتحرون الحلال، فلا تَخْشَ شيئًا.

    تَبعتُه كالمسحور، وكانت بداية الانقلاب في حياتي.

    ترى ماذا دار في هذا اللقاء؟

    ركبنا وسيلة من وسائل المواصلات العامة، كنت متحفزًا جدًّا، لكن لا أستطيع النطق،
    وكان هو هاشًّا باشًّا، يبتسم في وجه كل مَن قابلنا، ويلقي التحية، استفزني هذا أيضًا.

    ثم قابلنا قسًّا، قام وأجلسه مكانه، ثم أخرج من جيبه مطويةً عن الإسلام، وابتسم في وجهه وأعطاها له،
    وقال مبتسمًا: هدية، هدانا الله وإياك، ثم سحبني من يدي في هدوء لننزل ونركب وسيلة أخرى،
    إلى هنا لم أحتمل: "تسلِّم على غير ملتحين، وغير ملتزمين، احتملت منك هذا، لكن تبتسم في وجه قس!
    لا وألف لا، أين البراء؟ تقر المنكر والكفر ؟!"، كذا انطلقت العبارة من فمي كالرصاص.

    التفتَ إليَّ والابتسامة لا تزال على وجهه، وقال:

    بل أنا أدعوهم إلى الله.



    توقفت فجأة حتى كدتُ أقع على الأرض، استندت إلى ذراعه، وحدقت في وجهه بغضب عارم،
    يخامره الكثير من الدهشة، ثم قلت في غضب: دعوة! وأين الدعوة مما تفعل؟!

    قال بهدوء: أنت تعلم ما يقولون في كل وسائل الإعلام؛ الملتحون إرهابيون، أليس كذلك؟

    قلت في حيرة: بلى.

    قال: الآن أنا أثبت لهم أن الملتحين هم الملتزمون حقًّا بشريعة الإسلام،
    وأنزع من رؤوسهم عمليًّا فكرةَ أن اللحية إرهاب، ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -:

    ((وتُسلِّم على مَن عرَفت ومن لم تعرف))؟

    قلت: بلى؛ لكنه أيضًا قال إن إنكار المنكر باليد أو اللسان أو القلب،
    فإذا عجزنا عن الإنكار باليد واللسان، فلا أقل من القلب، وهو الهجران.

    قال مبتسمًا: لا تَعارُض، لكن قل لي أخي أولاً:
    هل يصح أن تنكر على جاهل بالهجران، فلا يفهم لِمَ هجرتَه؟

    صمتُّ برهة، وأنا أحاول استيعاب كلماته، ثم قلت في حيرة: معذرة لم أفهم.

    قال: أعني أن اليوم الكثير ممن يفتي في وسائل الإعلام ليس ملتحيًا، ويقول: إن اللحية ليست فرضًا،
    بل لا بأس عليه إن قال أيضًا: إنها بدعة، وإن مصافحة النساء جائزة، وإن الأغاني شيء جميل جدًّا،
    ويبيح الحرام ويزينه؛ بل بلغ ببعضهم الجرأة بمساواة أهل السنة مع أهل البدع من الفرق الضالة؛
    بل مع النصارى واليهود، ويقول: إن الأديان عند الله سواء، أليس كذلك؟

    قلت في حيرة أكبر: بلى.

    قال: إذًا لو هجرتَ المجتمعَ كله، هل سيفهم الناس أنهم على خطأ، وأنك هجرتهم للمعاصي؟

    هل سيفهم النصراني أن الحق في الإسلام، وأن النصرانية واليهودية خطأ؟
    وقد ظهر أهل العمائم في الوسائل الإعلامية ليقولوا خلاف ما تقول أنت؟
    باختصار هل بلغت الرسالة؟



    صَمَتُّ وقد هزني منطقُه، قال وهو يبتسم في خفة:
    أخي قد بلغْنا المطعمَ، دخلت معه ورأسي يقلب كلامه على كل الوجوه، جلس وطلب الطعام،
    طال بنا الحديث، وتطرقنا إلى أمور شتى، لكنَّ ذهني كان مشغولاً بكلامه، رفعت رأسي فجأة،
    ثم قلت: حسنًا، أنت إذا وجدتَ أمك أو أختك تفعل شيئًا حرامًا، تسمع أغانيَ مثلاً، أو تشاهد التلفاز،
    وقد قلت لها مرارًا وتكرارًا: إن هذا حرام، ماذا تفعل؟

    أسند ذقنه على يديه وقال: أقف مع نفسي وقفة، وأسأل نفسي: ما الخطأ في طريقة دعوتي؟

    هل أستخدم طريقة حسنة في تفهيم أمي أو أختي؟ هل قدمت بين يدي نصيحتي هدية أو ابتسامة؟
    هل أجبت عن كل الشبهات التي في قلبهما؟ هل شعرت بالرحمة والرغبة في هدايتهما؟

    هل أشعرتهما بالتقدير والاحترام أو بلغهم عني شعور بالكبر والتطاول؟

    لاحظ أنت تتحدث عن أمك وأختك التي تحت ولاية أبيك،
    فإذا وقفت على الخطأ أصلحته واستعنت بالله،
    وقدمت بين يدي نصيحتي استغفارًا ودعاء، ونظرت في قلبي ونيتي،
    وإن لم أجد خطأ ظاهرًا، استعنت بالله وتضرعت له بالأسحار؛
    كي يهديهم ولا أفتأ أذكرهم ما حييت.

    نظرت إليه منبهرًا وقلت: لم يخطر هذا في بالي أبدًا.



    ابتسم وقال: ألم تقرأ قول الله - تعالى -:

    {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
    فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]؟


    نظرت إليه في دهشة، فكأنما أسمع هذه الآية للمرة الأولى، قلت له: هلاَّ شرحت الآية.

    قال: انظر، لقد منَّ الله - تعالى - على النبي - صلى الله عليه وسلم - برحمة في قلبه للأمة،
    فترى في كثير من الآيات كيف اهتم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهداية الخلق،
    وشق على نفسه ألا يستجيب الناس للحق؛ رحمة لهم، ورغبة منه - صلى الله عليه وسلم -
    في إنقاذهم من النار، فالذي يمارس الدعوةَ
    يجب أن يحرص على التماس هذا الشعور من نفسه، قال لي شيخي ذات مرة:
    لا ينبغي للداعية أن يكون كالجزار، ينتظر وقوع الضحية؛ ليجهز عليها بسكينه،
    فإن افتقد الداعية هذا الشعورَ، وغلبه الغضبُ، والرغبة في تدمير المدعو وجرحه،
    فليعلم أن فيه خللاً، وأن دعوته ستأتي بعكس النتائج المرجوة،
    وسينفض الناس مِن حوله، ومن ثم عدم قبولهم النصح.

    انظر كيف يأمر الله - عز وجل - أن يشاور النبيُّ الصحابة،
    ففيه إشارة خفية للداعية أن يشاور المدعو في أمور لا تمس الشريعة؛ إشعارًا منه بالاحترام،
    ومنعًا للتطاول، وهذا باب للقلوب لا يعدله شيء، فإن الإنسان إذا شعر أن مَن ينصحه ينتقص عقله،
    أو جنسه، أو بلده... إلخ، غضب لنفسه، فقد أخرجته إذًا من حالة قد يقبل فيها الحق،
    إلى حالة الغضب للنفس، والعصبية الجاهلية.

    انظر للنبي لما جاءه الفتى يطلب منه أن يبيح له الزنا، ماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم؟
    شاوره في الأمر، حتى جعل الحق ينطق على لسانه هو.

    نظرت له مليًّا وقلت: لكن أحيانًا أشعر أن الشدة تنفع.

    ابتسم وقال: أحيانًا نعم، لكن غالبًا تفقد بالشدة ما قد تجلبه باللين.

    قلت: بمعنى؟

    قال: يعني كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

    ((إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه)).



    فيمكنك أن تجبر ولدك على الصلاة، لكن هل يمكنك أن تجبره على الخشوع فيها؟

    قلت: لا.

    قال: لكن بالرفق، والتذكرة مرة بعد مرة، والتخويف والترغيب، تصل لمأربك، قال - تعالى -:

    {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]،

    فأنت بالصبر والمصابرة تبلغ مرادك، لكننا نقع في العجلة، نريد النتائج حاضرة، ننسى أننا كنا كذلك من قبل:

    {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء: 94]،

    وننسى أن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا، ولو أنك إذ وقفتَ أمام مدعوٍّ تذكرتَ أنك تريد نصحه؛ رحمةً به،
    ورغبة في الأجر ودخوله الجنة، وأنك لو كنت مكانه - عافانا الله - فكيف تحب أن يتحدث إليك الداعي،
    إذًا لاختلفتْ طرقنا في الدعوة، ولاحظ أنه حتى لو لم تكن الاستجابة لدعوتك تامة،
    سيظل في قلوب المدعو كلامُك مدويًا، يكفي أنك علَّمته أن هذا هو الحق،
    في مثل زمننا هذا الذي اختلط فيه الحق بالباطل بدعوة أهل الباطل،
    فصار كثير من الناس لا يعلمون شيئًا.




    كان كلامه يخترق أذني اختراقًا، فينفذ إلى قلبي فيهزه هزًّا، وطريقته في الإلقاء مؤثرة جدًّا؛
    عيناه تتفاعل معي، تخترق كياني، أرى فيهما الرحمة والعزة معًا.

    قلت: لكن الأنبياء يأتون يوم القيامة ومعهم الرجل والرجلان، وليس هذا عن عيب فيهم؟

    ابتسم وقال:

    لكنك لست موصولاً بالوحي، أنت تخمن أن مَن أمامك متكبر، أو لا يقبل الحق،
    فدعك ممن أمامك، عليك بنفسك، تعاهَدْها وتحرَّ أن تعمل ما يجب عمله،
    فإن أيقنت أنك عملت ما ينبغي عمله، ورأيت الشح المتبع، والهوى المؤْثَر،
    فعليك نفسَك؛ لكن لا تفتأ تُذكِّر بين الفينة والأخرى؛ عسى أن يهدي الله مَن تدعو،
    وانظر حال نبينا - صلى الله عليه وسلم - كيف كان يدعو إلى الله؟ كيف كان يحرص على هدايتهم؟
    حتى المنافقين كان حريصًا على أن يؤمنوا، ولما لم يؤمنوا لم يزل بهم رحيمًا بعد موتهم،
    ولولا أمر الله له بترك الصلاة عليهم لصلى عليهم - صلى الله عليه وسلم - ما أرحمَه! ما أحلمه!

    كنت أستمع له بجسدي كله، أذني وقلبي وعقلي، يا لضيعتي! كم أضعت من العمر هباء!

    نهض وأصر على دفع الحساب،

    الجميع هنا يتعاملون معه بترحاب غير طبيعي،

    علمت فيما بعد أنه كان سببًا في التزام العاملين، فقط بحسن خلقه، وسخائه، وبسمته،
    علمت أيضًا أنه لمس غروري وتطاولي على الناس من أول لحظة قابلني فيها،
    علمت أنه رحمني وأشفق عليَّ، فكانت نيتُه بدعوتي للغداء الدعوةَ إلى الله بالحسنى.


    علمت كل هذا، أفتسألونني بعد ذلك لماذا أستشيره في كل أموري؟!



    منقول









  6. #784
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    احلق لحيتك!!

    يقول :

    كنت أسير أنا وصديقي في شارع من شوارع العاصِمة.

    صديقي هذا ملْتحٍ وملتزم، زوجتُه منتقبة.

    كمْ نصحتُه بحلْق لحيته،

    وأن تخلع زوجتُه ذلك الرِّداء الذي يَجعلها أشبهَ بالأشباح!

    أتعجَّب من حال أولئك القوْم حقًّا!

    رأيتُ امرأةً منتقبة، ترتدي عباءةً ضيِّقة، مطرَّزة جدًّا، رغم أنَّها تُغَطِّي وجهها،
    وكفَّاها بلا قفَّازين، وعيناها ظاهرة مع مكياج صارخ.

    كانت تقِف في وضع مريب.

    تتلفَّت حولها بطريقةٍ ملفتة.

    ثم توقَّفت أمامَها سيارة، وجعل قائدُها ينظر في المرآة الجانبيَّة.

    تلفَّتت الفتاةُ حولَها، ثُمَّ تقدَّمت وركبتْ جوارَ السَّائق.

    هذا هو حال المنتقبات!

    نظرتُ إلى صديقي، وقلْتُ له في هدوء لا يخلو من لكنة هجوميَّة:
    هل رأيتَ ما رأيتُ؟

    لهذا - يا صديقي - أنصحُك
    بأن تُجْبِر زوجتك على خلْع هذا الرداء الذي صار شبهة.

    تَخيَّل: لو مشت زوجتُك في الشارع سيظنُّها النَّاس مثل هذه!

    ولو تعاملتَ مع المُلْتحين اللُّصوص الذين تعاملت معهم في حياتي،
    لاقتنعتَ أنَّه يَجب عليْك حلق لحيتك؛ لئلا يظنَّك النَّاس مثلهم.
    ثم أردفْتُ في حكمة: النَّاس الآن صارت تستغلُّ الدِّين لتتظاهَر!

    سكت صديقي وهزَّ رأْسَه، وهو يبتسم ابتسامةً لم أفهم مغْزاها جيِّدًا.

    ثُمَّ مشيْنا قليلاً.



    وتوقَّف صديقي، وأشار إلى النَّاحية الأخرى من الشارع.

    نظرتُ فرأيت فتاةً ترتدي "إيشاربًا" على قدر رقبتها.

    وبنطلونًا ضيِّقًا جدًّا، وقميصًا مفتوحًا من أعلى، يُظْهِر صدرَها.

    كان مِكياجها صارخًا.

    منظر مألوف، هذا حجاب مألوف.

    غير ملفت مثل المنتقِبات، ابنتِي ترتدي هذا الزِّي.

    كانت الفتاةُ تَجلس على سور قصير، وأمامها شابٌّ حليق.

    و ... أسْتحيي في الواقع من ذِكْر وصفٍ لِما أرى.

    وهو منظر صار مألوفًا في بلادِنا مع الألم.

    تركني صديقي أتأمَّل الموقف لحظاتٍ، ثم قال لي:
    هذا هو حال بعْض حليقي اللحية، وبعض من لا ترتدي النِّقاب،
    أخشى أن يظنَّ النَّاس أنَّك أو أنَّ أي فتاة ممَّن يرتدون مثْلها يفعلون فعلَهُما.

    طأطأْتُ رأسي خجلاً وسكتُّ.

    قال لي في طيبة :

    يا أخي، الماسك على دينه كالماسك على جمرة من النَّار؛
    فابحث عمَّا يُرْضي ربَّك فافعله، وليس لنا شأن بِما يفعله الآخرون،ولا بِما يقولونه،


    وأنت تعلم أنَّ زوْجتي إذا ارتَدَت النِّقاب وخرجتْ، يظهر لمن يراها أنَّها محجَّبة حقًّا،
    لا مِثْل تلك التي أشرْتَ إليْها..

    وكل إناءٍ بِما فيه ينضح.

    منقول









  7. #785
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    الجنرال الذي روّض مستهلكي المسلمين

    في أَحدِ فنادقِ الـ"خمسة نجوم" في مدينةِ مالٍ وأعمالٍ عربيةٍ،
    وبقاعةِ اجتماعاتٍ مجهّزةٍ، انغلق البابُ عليهم،
    بعد أن تمّ التنبيهُ على عدمِ تحويلِ مكالماتٍ للقاعة،
    وعدمِ السّماحِ بدُخولِ أيّ شخصٍ، تحتَ أيّ ظرفٍ.

    جلسَ ثلاثتُهُم يشْخصُونَ إلى مديرِ الجلسةِ الذي يطلُّ عليهم من الشاشة،
    في الاجتماع المنعقد عَبْرَ (فيديو اللقاءات المرئية)، رحّبَ بِهمْ،
    وابتدرَ بتلكَ الكلماتِ المعهودةِ في مِثلِ هذه الاجتماعاتِ المِهْنِيّةِ.
    ثُم استتلَى بهدوءٍ وجدِّية:

    إنّكم هناكَ تعملُونَ في سوقٍ واعدٍ لنا في العالم،
    لقدْ بدأتْ مُنتجاتُنا تواجِهُ حرباً شرسةً في الغَرب،
    وأصبحنا نتّخذُ أوضاعاً دفاعيةً لم نكن نتخيّلُها منذُ عقدينِ مِن الزّمانِ،
    ونتخوّفُ أنْ تتطوّرَ الأُمورُ للأسوأ.
    وتوسُّعُنا - أيّها السادةُ - في الشرق الأوسطِ أصبح خِياراً وحيداً
    لِلمحافظةِ على نُمُوِّ تِجارَتِنا.



    وأعتقدُ أنّكُم لا تحتاجونَ لِمَنْ يلفتُ انتِباهَكُم لكونِ هذه المنقطةِ شَهِدَتْ، عدّة مرّاتٍ،
    حملاتٍ لمقاطعةِ المنتجاتِ الغربيّة كردّةِ فعلٍ على توتُّراتٍ تمرُّ بها المنطقةُ،
    وقد كانت تُحْدِثُ مدًّا كبيراً في أحوالٍ كثيرةٍ، ثُمّ ما يلبثُ هذا المدُّ أنْ ينحسرَ...

    نعم، حوصِرَتِ السِّلَعُ الغربيّة هنا عدّةَ مراتٍ..
    أصنافٌ مِن الحليبِ البودرةِ والزبدةِ والشيكولاتة،
    ومساحيقِ الغسيل وحفّاظات الأطفال والعصائر والمياه الغازية، وغيرها.
    ولم يَفُكَّ الحصارَ إلاّ الجنرالُ العبقريّ، جنرالُنا الذي روَّض المستهلكين المسلمين!

    عندما يقاطع المسلمُ البضائعَ الغربيّة لا يجدُ صُعوبةً كبيرةً في اتّخاذِ هذا القرار
    ولا في الاستمرار في تنفيذه، غيْرَ أنّهُ لا يستطيع أنْ يستغنيَ عن السيجارة،
    هو في أحوالٍ كثيرةٍ يعودُ إليها تحتَ التأثير والإلحاح المتفرّد للتبغِ،
    يعودُ فيجدُ نفسَهُ وقد خالفَ المقاطعة في بندٍ، فتنكسِرُ إرادةُ التّحدّي لديهِ،
    فيعود لاستهلاكِ كلِّ المنتجاتِ الّتي قاطعَها.


    والشاهدُ أنّهُ يجب أن يعرفَ هؤلاءِ المنتجون الغربيون هذا،
    عليهمْ أن يستوعِبوا جيداً كونَ (الجنرال تَبْغ) هو الذي يقومُ وَحْدَهُ - ودائماً -
    بفكّ الحِصارِ المفروضِ على المُنتجاتِ الغربيّةِ في الشرقِ الأوسط.

    وبناءً عليهِ، فيجبُ على قائمةٍ طويلةٍ من المنتجين،
    الحريصينَ على حصصهِم من السوق في الشرق الأوسطِ، وكذلكِ وكلائهم،
    أن لا يقدّمُوا أيّ دعمٍ ماديٍّ أو معنويٍّ لمجهودِ مكافحةِ التدخينِ في الإقليم
    وألاّ يكونوا رعاةً لأيّ فعاليةٍ لمكافحة التدخين، مَهْما كانت محدودة؛
    إذ ليس من العدل أن يعضّوا اليدَ التي امتدّتْ لتنتشِلَهُم.

    ونحن كمنتجينَ رئيسيّينَ للتَّبْغ، تعاونّا سويًّا في تصميمِ بحثٍ تسويقيٍّ ميدانيٍّ،
    في عِدّة دولٍ عربيةٍ، عن المقاطعة، وأنتم بذلْتُم – مشكورينَ - جهداً عظيماً في
    متابعةِ شركةِ (.....) لأبحاث التسويق، التي لها باعٌ طويلٌ وخبرةٌ متميزةٌ في
    تنفيذِ استِباناتٍ عن منتجاتِ التَّبغ، طوالَ مراحلِ تنفيذ الموجةِ الأُولى من الاستبانة،
    حتى نفّذت - في هدوءٍ وسلاسَةٍ - عشرينَ ألفَ استبيانٍ في عِدّةِ دولٍ
    عربيةٍ عن المقاطعة، وطبيعةِ المنتجات التي قررَ الناسُ مقاطعتَها،
    وتوقعاتِهم عن قدراتِهم على مقاطعةِ بعض السّلَع، ومنها التّبغ.



    .. يبتسمُ ابتسامة ثقةٍ، ثُم يستتلي:
    نحن نعرف جنرالنا جيّداً،
    ونعرف أنّ نتائج هذا البحث في صالحِنا مِن قبل أن ننفّذَه،
    وبالفعل قد استلمنا نتائج الموجةِ الأولى أوّلَ أمسِ، وجاءتْ طيّبةً ومبشِّرةً للغاية،
    الجمهورُ كانت إجاباتُه في الغالب متوافقةُ مع توقعاتِنا مِن زبائننا الكِرام.

    ستصلُكم نُسَخٌ مِن تقرير شركةِ بحوث التسويق، وخلاصةُ التقريرِ هو

    أنّ التبغ هو القادرُ وحدَه على فكّ الحصار المضروبِ على السّلَعِ الغربيةِ
    في المِنطقةِ في أيّ حملةٍ من حملاتِ المقاطعةِ، مهما اشتدّ أُوارها،
    التَّبغُ يمرُّ بقوّة وعنفٍ مِن عند صناديقِ المحاسبةِ في (السوبرماركت) ، ويمرّ
    خلْفَهُ طابورٌ طويلٌ من عربات التسوَّقِ الممتلئةِ لآخِرها بمنتجاتٍ غربيّة.


    ويسرّنا أنْ تعرِفوا أنّنا سنقدِّم نتائجَ البحثِ الميدانيّ في نسخةٍ ورقيةٍ
    وأخرى على هيئةِ قرصٍ مَرِنٍ لعديدٍ مِن الشركاتِ الغربية
    التي تعمل في المِنطقة والمهتمّةِ بشأنِ المقاطعة.

    سنلتقي مع ممثلِينَ لشركاتٍ عديدةٍ مرموقةٍ في حفلٍ ظريفٍ
    ستتولاّه شركةٌ للعلاقاتِ العامّة كلَّفناها بذلكَ، وهناك، ومِن أجل تأمين المستقبل،
    بكلّ تأكيدٍ علينا أن نَخرج بوعوٍد قاطعةٍ بالتعامل معَنا كمنتجاتٍ غربيّة قبلَ أيّ شيءٍ.
    وأنتم يا سادة، عليكم أن تكلِّفوا من يلزمُ بمتابعةِ حملاتِ وفعالياتِ مكافحةِ التدخين
    في الشرق الأوسط، ورصدِ الشركاتِ المموِّلةِ لها حتى نضعَها في حسبانِنا
    في خططِ الاتصالِ والعلاقاتِ العامة.

    والآن، أترككُم مع السيّد (....)، وإلى اللّقاء، معَ مزيدٍ مِن الأخبارِ السّارّة.

    وشكراً لِحُسنِ استِماعِكُم.



    منقول









  8. #786
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    بوز المدفع

    رائحتها العطرة سبقتها إلى موقف الحافلات...
    تَسابق العاملون هناك على حمل حقائبها ووضعها في الصندوق المخصَّص لها،
    وعندما شارفوا على الانتهاء تناول صديقها يدها بحنان قائلاً: "دعيني أعاونكِ على الصعود".

    بغنج ودلال وبملابس تكشف أكثر مما تستر أخذت تتهادى فوق عتبات الحافلة الثلاث

    "ما هذا؟"، تساءلت بقرَف، بينما عيناها تقومان بجولة استطلاع في أرجاء الحافلة،

    وتصاعدت لهجة الازدراء والاحتقار حينما وقعت عينُها على (سمر) المنقَّبة التي تجلس
    في المقعد الأمامي يجاورها شابٌّ صغير السن؛ همست لصديقها بغرور وصلف :
    "ما هذه الأشكال الغريبة العجيبة؟"،

    تململت (سمر) في جلستها؛ فعبارة المرأة الحادة اخترقت أذنيها وقلبها بقوّة كالسيف المسنون،
    ولكنها مع ذلك لم تكترث كثيراً، فقد تعودت سماع مثل هذه التعليقات، وأكملت مطالَعَةَ كتابها.

    "ما رأيكِ بالجلوس هنا عزيزتي؟"، أشار الرجل بيدٍ إلى المقعد الأمامي ؛
    نظرات فزعٍ فرّت من عينيها، وأجابت مستنكرة:
    "لا.. لا أحب الجلوس هنا... بل في الخلف، في الخلف... لا يعرف المرء ما قد يصيبه،
    قد نتعرّض لحادثٍ ما؛ فَلِمَ نكون في بوز المدفع؟".
    (بوز المدفع : مَثَل شعبي في بلاد الشام يقول: فلان في بوز المدفع،
    أي في المقدمة والواجهة في الأزمة.)



    "سبحان الله؛ عجيب هذا الحرص من قِبَل الناس على الحياة الدنيا مع علمهم أنها دار فناء،
    والأعجب تهاونهم بالحياة الآخرة والاستعداد لها مع أنها دار بقاء؛ صدق قول الله تعالى فيهم:

    {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}"؛

    أسرّت (سمر) لنفسها وبصرُها لم يفارق صفحة الكتاب.

    - "أَبِك شيء أمي؟"، استفسر ابنها الجالس بجوارها.

    - "لا، أبداً. كنت أقرأ أبياتاً من الشعر أعجبتني..."،

    وانقطع حديثهما عندما صعد السائق إلى الحافلة مؤْذناً بانطلاقها.

    {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}.

    أغمضت (سمر) عينيها ولسانها يُدندن بدعاء الركوب.

    فجأة تذكّرت محمداً!..

    التفتت إلى ابنها تتأكد من أنه يتلو الدعاء مثلما تفعل،
    وعندما اطمأنت عاودت إغلاق عينيها متمتمة:

    {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}،

    ثم استسلمت بعدها لذكر الله، مما أنعش قلبها الظَّمآن.



    نصفُ ساعة مرّت يعكّرها صوت الأغاني من المذياع،
    ولكن (سمر) تبدو كالطرشاء لا تسمع شيئاً، تسبح في ملكوت خاصٍّ بها؛
    فمرةً تتنقّل بين دفَّتيِ الكتاب الذي أحضرته معها ليؤنسها في سفرها،
    ومرة تغرق في تلاوة الأذكار واستحضار ما حفظت من آي الذكر الحكيم.
    أما ابنها فملامح وجهه تدل على أنه مستمتع بغفوة بسيطة
    على وقع الأناشيد التي ينبعث صوتها من جهازه الصغير.

    - فجأة تمايلت الحافلة بقوّة كشجرة هَرِمة تواجه إعصاراً شديداً...
    صرخ السائق صرخة عظيمة انخلعت لها قلوب الركّاب وأخذ يصيح كالمجنون:
    "فقدتُ السيطرة على الحافلة... فقدتُ السيطرة".

    "يا ألله، لطفك ورحمتك"،
    آخر عبارة تدحرجت من فِي (سمر) قبل أن تفقد الوعي...

    لمْ تستفق إلا على صوت السائق وهو يصيح بأعلى صوته:
    "هل أصاب أحداً منكم مكروه؟... هل أصاب أحداً منكم مكروه؟"...



    عندما اطمأنّ عليها وعلى ابنها انطلق بين الركّاب يتفقدهم الواحد تِلو الآخر...
    النحيب والنُّواح اللذان تصاعدا من الخلف دفعا الجميع للتوجه إلى هناك فوراً
    ليفاجئوا بالحادث المروِّع...
    سيارة اصطدمت بمؤخرة الحافلة، وكانت الضحية:
    (الراكبة) التي فرّت من "بوز المدفع" لتلقَى حَتفها في آخره.

    أمسكت (سمر) بذراع ابنها وهو يعاونها على الترجل من الحافلة المنكوبة،
    ولم تنسَ - رغم أنها ما زالت تحت وقع الصدمة - أن تقبض بيدها الأخرى على الكتاب،
    وسارت كالعمياء باتجاه حافلة أخرى تُقِلّهم.

    لاشعورياً فتحت دفتَي الكتاب حيث توقفت عند أبيات الشعر التي أعجبتها...
    امتزجت دموعها بالكلمات التي غابت معالمها قليلاً،
    وبصعوبة أخذت تقرأها بصوتٍ خفيض:

    سهِّلْ عليكَ فإنّ الأمــرَ مَقدورُ *** وكلُّ مستأنَفٍ في اللوحِ مَسطورُ
    يأتي القضاءُ بمـــــا فيهِ لمدَّتهِ *** فكلُّ ما لمْ يكن فيــــــه فمَحظورُ
    لا تَكْذِبَنَّ، وخيرُ القولِ أصدَقُهُ *** إنّ الحريصَ على الدُّنيا لَمغرُورُ




    منقول









  9. #787
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    هل ترى الفروق؟

    يوميًا يستيقظ قبل الفجر بساعة، يتوضأ، يصلِّي ما تيسَّر له،
    ولا يفتأُ بين كلِّ ركعتَين يُنادي زوجتَه برفق، داعيًا إيَّاها للصَّلاة
    حتَّى يؤذَّن للفجْر.ثم ينزل للصَّلاة في المسجد كعادته،
    لا يفوِّتُ صلاةً في المسجد أبدًا؛ بل يجلس إلى الشروق، يذْكُر الله تعالى،
    قد تغلبه عيناهُ وينام في المسجد، وله عذره، فيومُه شاق جدًّا.

    يصلي الضُّحى في المسجد، ثُمَّ يصعد إلى بيته،
    يسأل زوجته هل صلَّت، فإذا تأكَّد من صلاتِها، نام نصف ساعة،
    ثم يقوم فيرتدي ملابسَه ويفطر - ما عدا يومَي الاثنيْن والخميس -
    ويصلِّي ركعتيْن، ويذهب إلى العمل.

    كل يوم يتكرر المشهد.
    ثم يعود غالبًا مع أذانِ المغرِب،
    أحيانًا مع أذان العصْر لكن هذا نادر جدًّا، بالتأكيد يوم شاق.

    يدخل البيت، يُسلم على زوجته وهو مرهق جدًّا،
    ينظُر إلى أولادِه في ودٍّ، يُصافِحُهم، يتناولون الطَّعام جَميعًا.

    ثم: "زوجتي العزيزة،
    هلاَّ أعددتِ لي مشروبًا منعشًا؛ فهذا وقتُ المراجعة...".
    تنهضُ الزَّوجة تلبِّي الطلب، يدخل غُرْفة المكتب، ويُغْلِق الباب.

    يُحاول أحد الأولاد أن يُخرج والده من عزلته، ينادي الأب زوْجَته،
    يقول بابتسامة عذبة: "زوجتي الحبيبة، إذا أردتم راحتي،
    فلا يزعجْني أحد؛ فهذا وقت المُراجعة".

    تحاول الزوجة أن تخبر زوجها:
    هناك أمور في البيت تَحتاج منك بعض الاهتمام.

    يردُّ - ولا تزالُ ابتسامتُه تعلو وجهَه -:
    "فيما بعد، فيما بعد، يوم الجمعة لِناظره قريب".

    كان هذا حاله من زمن طويل، استسلمت الزَّوجة.
    كانت تقوم بالأعباء وحدها.
    شيء انكسر، طفل مريض، أي شيء وكل شيء.

    تظنُّون أنَّه يَجلس مع أولاده ليحفظهم؟
    بالطبع لا؛ هُناك شيخ يقوم بهذه المهمَّة.
    لم يقصِّر؛ شيخ يَحضر أسبوعيًّا، مدارس إسلاميَّة.

    حتى الآن الحياة تقليديَّة جدًّا.
    فأين المشكلة؟



    صورة أخرى:

    يوميًا يستيقظ قبل الفجر بساعة، يتوضأ، يصلِّي ما تيسَّر له،
    ولا يفتأُ بين كلِّ ركعتَين يُنادي زوجتَه برفق، داعيًا إيَّاها للصَّلاة حتَّى يؤذَّن للفجْر.
    ثم ينزل للصَّلاة في المسجد كعادته، لا يفوِّتُ صلاةً في المسجد أبدًا.
    يذْكُر الله تعالى، بل يجلس إلى الشروق، قد تغلبه عيناهُ وينام في المسجد،
    وله عذره، فيومُه شاق جدًّا.

    يصلي الضُّحى في المسجد، ثُمَّ يصعد إلى بيته، يسأل زوجته هل صلَّت،
    فإذا تأكَّد من صلاتِها، نام نصف ساعة، ثم يقوم فيرتدي ملابسَه ويفطر مع زوجته
    وأولاده - ما عدا يومَي الاثنيْن والخميس - لأنَّ كلهم صائمون، ويصلِّي ركعتيْن،
    ويذهب إلى العمل.

    يوصِّل أبناءه للمدرسة.
    لا ينسى ملاطفة زوجته، يوصيها خيرًا، وتوصيه خيرًا.
    كذا تعوَّدا من أوَّل يومٍ جَمَعهما الله - تعالى - في ذلك البيْت الطيِّب.

    كل يوم يُجدِّد إيمانه بِهذه الجلسة، بهذه الوصيَّة.

    ثم يعود غالبًا مع أذان المغرب، أحيانًا مع أذان العصْر لكن هذا نادرٌ جدًّا.
    بالتأكيد يوم شاق، لكنَّه يستعين بالله ولا يعجِز.

    يدخل البيت، يطرح إرْهاقه جانبًا، يُسلِّم على زوجتِه.
    ينظر إلى أولادِه في ودٍّ، يَحتضنهم في شوق.
    يصافح هذا ويداعب هذا.

    يتناولون الطَّعام جميعًا، وهم يتبادلون حوارًا لطيفًا نافعًا.

    ثم: "زوجتي العزيزة، هلاَّ أحضَرْتِ المصحف فهذا وقت المراجعة".

    ذهبت الزَّوجة وهي تبتسِم في سعادة.
    أحضرت المصحف، بدأ الزَّوْج يقرأ وِرْدَه اليومي.

    أطفاله من حوله يسمعون أباهم يتلو القُرآن.
    يا له من صوتٍ عذْب!

    يبدأ الزوج يستمع لأولاده، وهم يتنافسون على القِراءة وتَحسين الصوت.

    تقول له زوجته معاتبة: "ألا تُحضر لهم شيخًا بدلاً من أن تُرْهِق نفسك؟".

    يردُّ مُستنْكِرًا: "وأين أذْهَب أنا؟! ألا تُريدين لي أجرًا بعد موتي؟!".

    تبتسم في سعادة.
    تقرأ وِرْدَها.

    ثم نصف ساعة، تجتمع فيه العائلة على درس مفيد،
    يومًا يستمعون فيه شريطًا، يومًا يقرؤون في السيرة،
    يومًا في التَّوحيد، يومًا آخر أسئلة فقهيَّة، وهكذا.

    كل يوم يتجدَّد اللِّقاء.
    ويَجتمع شمل الأُسرة على الخير.

    هل علمتُم الآن الفرق؟ وأين كانت المشكلة؟



    منقول









  10. #788
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    التوبة

    استَيْقظ من نومِه مذعورًا، يتَصَبَّب عرقًا،
    وكانت عقارب الساعة تغازل الثالثة فجرًا،
    بقي مذهولاً للحظات، وهو يستحضر صورة الحلم الرهيب،
    فقد رأى في منامه أنه يتقيَّأ في برميلٍ لا يمتلئ أبدًا، بل يغور قعره كلما زاد تقيؤُه.

    لم يغمض جفنيه حتى لاح نور الصباح، وبقي لساعات يتدبَّر حلمه،
    وأمعاؤه تتمَزَّق كأنه تقيَّأ فعلاً، اختلط لديه الحلم بالواقع،وبدأ التغيُّر يدبُّ في تصوُّره للأحلام
    شيئًا فشيئًا، فبعدما كان هواه فرويديًّا في تفسير الأحلام، تبَيَّن له أنها قد تحمل معانيَ أعمق
    من ذلك بكثير، فقرَّر البحث عن تفسير ديني أو روحاني لحلمه الرهيب.

    قام باكرًا من فراشه على غير عادته، وقد عافت نفسه الطعام،
    ولم يستطعْ أن يقرب الإفطار؛ استشار أخته في الأمر، فدَلَّتْه على فقيه سوسي
    [نسبة إلى سوس، وهي منطقة جنوب المغرب، اشتهر أهلها بالفقه وعلوم القرآن]،
    مشهور بين الناس بتفسيره الأحلام على طريقة ابن سيرين.

    استقلَّ سيارته متَّجهًا صوب المدينة، حيث الفقيه، وفي ذهنِه تتدافَع الأسئلة
    ليصلَ بعد سبع ساعات من السفر، فكان استرشاده بأول شخص يلقاه على مداخل المدينة
    كافيًا ليبلغ ضالته، فقد كانتْ شهرة الفقيه تطبق الآفاق كنار القرى ليلاً على علم.



    انتظر ساعات قبل أن يحل دوره لكثْرة المترَدِّدين على الفقيه،
    وما أن حدثه بالرؤيا حتى بادره بالقول: "أفطرت رمضان عمدًا ولسنوات عدَّة".

    اقْشَعَرَّ بدنه، وهو يسمع هذا التفسير من رجلٍ لا يعرف عنه شيئًا،
    وهو الذي عاش ملحدًا يساريًّا منذ ما يزيد عن عشرين عامًا،
    ينكر كل شيء يتجاوز المادة، ويرى أن العلوم المادية وحدها ما يفسر العالم ووقائعه،
    وأن كل الارتباطات التي تفَسِّر الأشياء سببيَّة، يُمكن تفسيرُها بقواعد علميَّة دقيقة،
    دونما الحاجة إلى الإيمان بقُوى خفيَّة تحكمها،
    وأن نظام الوجود لا يحتاج إلى إلهٍ بتاتًا!

    دمعتْ عينا الرجل،
    وهو ينظُر إلى الفقيه الذي يعلوه الوقار بِلِحْيته الكثَّة البيضاء،
    والتي يتخلَّلها بضع شعيرات سوداء، ثم نطق قائلاً:

    "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله".

    فابْتَسَم الفقيه برِقَّة دون أن تظهرَ أسنانُه، وهو يقول:

    "كأنِّي بك لم تسلمْ إلا اليوم"،

    فردَّ الرجل بكلمات مخنوقة بالبكاء:

    "لقد عشتُ ملحدًا منذ سن الواحدة والعشرين،
    وهأنذا اليوم قد قاربتُ الثانية والأربعين،
    وقد أفطرت رمضان عمدًا كل هذه السنوات".

    نظر الفقيه إليه مليًّا بعينيه المغرورقتين بالدمع،
    وتنَهَّد بعمق قبل أن يحدثه قائلاً:

    "الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنَّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله".

    تلمظ الرجل وعلى وجنتيه يلمع الدمع الذي جادتْ به عيناه، وقال:
    "لا أجد رقابًا أُحَرِّرها، ولا أملك المال لإطعام مئات المساكين،
    وصيام يكفر عن واحد وعشرين رمضان أمرٌ بعيد المنال، ولا طاقة لي به".

    ضحك الفقيه من كلمات الرجل وقرأ:

    {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]،

    ثم قرأ:

    { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
    إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]،


    فتابع كلامه قائلاً: على أي حال تُبْ إلى الله،
    وأَكْثِر من الصلاة والاستغفار والصدَقات،
    ولاَ تنْسَ أن رحمة الله وسعتْ كل شيء، والإسلامُ يجبُّ ما قبله.

    قام الرجل وقد دَبَّ الإحساس بالطمأنينة والأمان في قلبه،
    وتثاقَلَتْ خُطاه، وهو يغادر مجلس الفقيه، ثم وقف هنيهة على خطوات منه،
    وأصاخ إليه السمع، وهو يقرأ بصوت رخيم:

    {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

    منذ ذلك اليوم لم ينسَ الرجلُ أنَّ الله أعظم مِن أن يحيط به عقله الصغير.



    منقول









  11. #789
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    قصة الأمير و رامي الإبر

    يحكى انه دخل على احد الأمراء شخص بارع في رمي الإبر،وقام
    أمامه بعرض مدهش إذ وضع إبرة كبيرة أمامه و رماها بإبرة ثانية
    فدخلت من فتحة الإبرة الأولى و استقرت فيها، ثم رمى الإبرة الثانية بثالثة
    فدخلت في فتحة الإبرة الثانية، ثم جاء بإبرة رابعة و أدخلها بتلك الطريقة في الإبرة الثالثة.
    و هكذا دواليك و لأكثر من عشر إبر حتى استحسن الحضور براعته.
    فما كان من الأمير الصامت إلا أن أمر له بعشرة دنانير و عشر جلدات.
    و لمّا استفسر أحد الحضور من الأمير قائلا:
    قد فهمنا يا مولاي منحك هذا الرجل عشرة دنانير ، فما سبب الجلد بعشرة جلدات ؟!
    فقال الأمير : عشرة دنانير مكافأة له على براعته و عشرة جلدات
    عقوبة له على إضاعته لوقته فيما لا يفيد و لا ينفع.



    يقضي الكثير من الناس معظم وقتهم في القيام بأشياء غير مهمة مطلقا
    و لا علاقة لها بأهدافهم. فالوقت هو عمر الإنسان وحياته كلها
    وهو مورد غير قابل للتخزين أو التعويض


    لذا علينا احترام وقتنا و توظيفه و الاستفادة منه لئلا يضيع هدرا
    فيضيع عمرنا و قدراتنا و مستقبلنا ثمّ ننظر إلى ما ضيّعنا بعين
    الحسرة و الندم و لكن بعد فوات الأوان.

    منقول









  12. #790
    مراقبة الأقسام العامة
    الصورة الرمزية pharmacist
    pharmacist غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3445
    تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,093
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 13
    البلد : الأردن - بلاد الشام
    الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
    الوظيفة : صيدلانية
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    رحمة

    يقول أحدهم :

    ولدت زوجة صاحبي في الشهر السابع
    و لم يستمر إلا أيام معدودات حتى توفي المولود
    فأعطوه لأبيه ليدفنه !!

    أركبته معي في السيارة و انطلقت أقود به إلى المقبرة
    وهو واضع ابنه في حجره و عينه بوجه ابنه

    أثر بي الموقف و لكن تمالكت نفسي

    انحنى بنا الطريق .. فاستقبلتنا الشمس

    فقام بحركة غريبة جداً !
    نزع سترته و ظلل بها أبنه ليقيه حر الشمس !

    يا الله !
    لقد نسي الأب أن ابنه ميت !

    غلبتني دمعة .. قفزت من عيني ..
    فصددت و انفجرت باكياً من رحمته بولده ؛

    و فهمت حينها معنى الآية و أخذت أرددها :

    (( وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا‎))..!!

    منقول









 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 12 (0 من الأعضاء و 12 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. نداء إلى كل مسلم
    بواسطة ذو الفقار في المنتدى القسم الإسلامي العام
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 2011-07-04, 10:55 PM
  2. إقرأ عن البعوضه ثم قل سبحان الله العظيم
    بواسطة قطر الندى في المنتدى العلم والثقافة العامة
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 2010-07-21, 07:20 PM
  3. هام لكل مسلم
    بواسطة ذو الفقار في المنتدى الفقه وأصوله
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 2010-07-07, 09:02 PM
  4. إقرأ القرآن الكريم على جهازك
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى التفسير وعلوم القرآن
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 2009-09-29, 10:56 AM
  5. إقرأ الرقم‎ ......
    بواسطة nada في المنتدى التواصل واستراحة المنتدى
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 2009-06-17, 01:36 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML