وثيقة تاريخية هامة
الهولوكست الصهيوني : 70 عاما من المجازر للشعب الفلسطيني!
النكبة القادمة: خطة 'أولمرت' تبتلع 96 % من الأراضي المحتلة
إبراهيم قاعود
ارتكب النازيون جرائم إبادة جماعية ضد الإنسانية شملت كل الأجناس لكن الغرب اختزل الإبادة في المحرقة النازية لليهود (الهولوكست) وكان التعويض والمكافأة متمثلا في منح أرض فلسطين لليهود ليعلنوا دولتهم في الخامس عشر من مايو 1948 ورعي الغرب هذه الدولة قبل وبعد إنشائها فاستولت علي أراضي الغير بالقوة وعاثت في الأرض فسادا بمباركة قوي الغرب.. المحارق النازية لليهود يدور حولها الشك في وجودها في الأساس.. وفي أرقام ضحاياها (ادعي اليهود أنهم ستة ملايين) لكنها كانت الأساس في قيام دولة إسرائيل علي حساب ممتلكات وأرواح الشعب الفلسطيني.. حيث أقام اليهود محارق جديدة غير مشكوك فيها للشعب الفلسطيني لم تبدأ مع النكبة وإنما قامت في النصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي.. وفي دراسة تاريخية هامة أصدرها مركز 'يافا' للدراسات والأبحاث الذي يرأسه د.رفعت سيد أحمد تم رصد المجازر التي ارتكبها الإسرائيليون في فلسطين علي مدي 70 عاما في هولوكست حقيقي مارسه الصهاينة تحت الشمس وعلي رؤوس الأشهاد، وصمت العالم أمام هذه الوقائع وأغمض الغرب أعينه بل وبارك ارتكاب هذه المجازر واتهم الضحايا بالإرهاب في فساد كامل للمعايير وللضمير الإنساني !!
حرص اليهود طوال سنوات النصف الثاني من القرن العشرين علي ابتزاز الغرب وتذكيرهم بمحرقة النازي لهم فحصلوا علي مئات المليارات من الدولارات من دول أوربا خاصة ألمانيا ودعم بلا حدود من أمريكا التي كانت أسرع الدول اعترافا بقيام الدولة العبرية وأكثرها حماية لها طوال تاريخها عسكريا وسياسيا واقتصاديا.. لكن الانتفاضة الأولي للفلسطينيين وما حدث في الانتفاضة الثانية وما يجري الآن فتح عيون شعوب العالم علي أنهم عاشوا في وهم الضحايا اليهود، لأن الضحايا لا يقتلون ولا يهدمون ولا يقضون علي آمال الحياة لغيرهم، فخرجت أصوات تشكك في المحرقة النازية لليهود (الهولوكست) كان من بينها المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفنج (يحاكم الآن في النمسا) وروجيه (رجاء جارودي) المفكر الفرنسي المسلم وحرصت إسرائيل علي مطاردة كل من يشكك في هذه المحرقة وأرقام ضحاياها وإشهار سلاح معاداة السامية ضد كل من ينتقدها أو اليهود.. وأثار الرئيس الإيراني 'محمود أحمدي نجاد' ضجة لم تهدأ حتي الآن عندما أعلن في الخريف الماضي إنكاره للمحرقة وأن إسرائيل دولة قامت علي أساس العدوان والاستيلاء علي أراضي وحقوق الفلسطينيين وطالب بمحوها من الخريطة، وطالب الغرب بالبحث عن منطقة لاقامة هذه الدولة إذا أرادوا التكفير عن جرائمهم ضد اليهود.. تصريحات نجاد التي حرص علي تكرارها والاضافة إليها أثارت ضجة هائلة حتي يومنا هذا لكنها فتحت العيون علي حقيقة هذا الكيان ولاقت صدي طيبا في العالم الإسلامي المتعاطف مع القضية الفلسطينية، لكن المفاجأة الجديدة في هذا السياق جاءت من مكان غير متوقع ففي نوبة شجاعة ربما يدفع ثمنها خرج النائب الديمقراطي الأمريكي البارز 'لاري داربي' منذ عدة أيام معلنا أنه لا يؤمن بمحارق اليهود وأن مزاعم المؤرخين حول حرق ستة ملايين يهودي في معتقلات النازي مجرد ادعاءات زائفة وأنه يعتقد أن الضحايا لا يتجاوز عددهم 140 ألفا ماتوا بسبب الإصابة بالتيفود..
المجازر : وقائع وأرقام
والوثيقة التي نعرضها تكمن أهميتها في حصرها الدقيق لوقائع وأرقام المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، وهو جانب مظلم في حياة الدولة العبرية تسعي أجهزة إعلامها لاخفائه وطمس معالمه، لكي تبدو كدولة مسالمة وديمقراطية وغير عنصرية وفي محيط عربي متربص بها ويتهيأ للانقضاض عليها، كما أن الإرهاب الذي مارسته هذه الدولة والعصابات اليهودية إنما كان ضمن حرب الاستقلال وكأن اليهود كانت لهم دولة واحتلتها بريطانيا أو عرب فلسطين!!.. كما تحرص علي وصم العرب بالإرهاب وأنها دولة تحافظ علي أمنها وسلامة أراضيها وحياة شعبها، وتكمن أهمية هذه الوثيقة لو تم تفعيلها إقليميا ودوليا وعرض وقائعها في كافة المحافل ليري العالم صورة حقيقية وواقعية لكيفية نشأة هذه الدولة وما ارتكبته طوال 70 عاما (1936 2006) من مجازر بشعة تجاه الفلسطينيين وغيرهم من أبناء البلدان المجاورة.
وتضم الوثيقة قسمين : الأول يعرض لانطلاق المجازر بعد الثورة العربية عام 36 وتحديدا في العام التالي، والقسم الثاني يعرض للمذابح مابين أعوام 2000 2005 وصولا للعام الحالي..
وفي القائمة الكاملة لمذابح الفترة الأولي تذكر الوثيقة أنها لا تتضمن أرقام ضحايا الحروب من 48 وحتي الآن وهؤلاء أغلبهم كان من الأسري الذين قتلوا أحياء وأعدادهم تقترب من نصف مليون شهيد..
وترصد الوثيقة 89 مذبحة وقعت خلال هذه الفترة ولوحظ تزايدها وشراستها مع الإعداد لقيام دولة إسرائيل أي في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومن بين هذه المجازر مجزرة القدس (1937) وقتل فيها عشرات الفلسطينيين في سوق الخضار بنابلس وقامت عصابات 'الهاجاناه وشتيرن والأتسل' بقتل وذبح المئات من الفلسطينيين ومن أبرز مجازرها مجزرة 'دير ياسين' في ابريل 1948 وراح ضحيتها أكثر من 250 فلسطينيا ومجزرة حيفا في نفس الشهر (100 قتيل) ومجزرة اللد (يوليو 1948) (250 شهيدا) ثم مجزرة كفر قاسم (أكتوبر 1956) (50 شهيدا) ثم مجازر خان يونس ومخيمها في الشهر التالي (850 شهيدا) ولم تنج بلدة فلسطينية من خلال الوثيقة من جرائم العصابات الصهيونية التي تحول زعماؤها إلي قادة لإسرائيل فيما بعد أمثال شامير وبيجن وشارون وغيرهم، وكان أغلب ضحايا هذه المجازر من المدنيين الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء وشملت أساليب القتل إلقاء القنابل والذبح والإعدام وهدم المنازل ودفن الضحايا أحياء.. لكن آخر المجازر كان أبشعها علي الاطلاق وهي صابرا وشاتيلا خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان وجرت أحداثها علي مدي ثلاثة أيام وراح ضحيتها 3500 شهيد وجرحي بالمئات، كما امتدت العمليات إلي مخيم عين الحلوة في ابريل من العام التالي، إضافة لمذبحة قانا اللبنانية (1996)..
ضحايا الانتفاضة الأولى
وتمضي الوثيقة في رصد ما ارتكبته الدولة العبرية من مجازر خلال الانتفاضة الأولي من عام 87 وما بعدها والتي حصدت أرواح الآلاف وكان من أبرز وقائعها مجزرة المسجد الأقصي في أكتوبر عام 90 وراح ضحيتها 21 شهيدا ومجزرة الحرم الإبراهيمي في فبراير 1994 ونفذها 'باروخ جولد شتاين' وقتل خلالها 24 من المصلين كما قام الإرهابي عامي بوبر بقتل سبعة فلسطينيين كما استخدمت إسرائيل طائرات سلاحها الجوي في قصف المناطق الفلسطينية وكان من أسوأ ما قامت به قصف طولكرم ورام الله في مايو عام 2001 مما أدي لمصرع 13 شهيدا، ولأن هذه الانتفاضة اتسمت بطابعها السلمي وكانت انتفاضة سلاحها الوحيد هو الحجارة فإن أغلب ضحاياها كان من المدنيين من شباب وأطفال وشيوخ.. ووجدت هذه الانتفاضة تعاطفا عربيا ودوليا كبيرا كان بمثابة عنصر ضغط علي حكومة تل أبيب لمحاولة وأدها من خلال التوصل لصيغ للتسوية مع الجانب الفلسطيني..
الانتفاضة الثانية أعنف
وجاء اندلاع الانتفاضة الثانية (الأقصي) بسبب الزيارة الاستفزازية لشارون للحرم القدسي وسط حراسة من 3 آلاف جندي إسرائيلي وبعد يوم واحد وقعت مجزرة الحرم القدسي بإطلاق النار علي المصلين بعد صلاة الجمعة مما أدي لاستشهاد 13 فلسطينيا مما أشعل الغضب واشتعال الانتفاضة الثانية وكان من بين مجازرها مجزرة الجليل في أكتوبر عام 2000 وسقط خلالها 13 شهيدا من فلسطينيي 48 وقدم عدد من ضباط وجنود الاحتلال للتحقيق ولم يتم احالتهم للمحاكمة بسبب نقص الأدلة حول مسئوليتهم وتوالت المجازر من مجزرة مقر شرطة رام الله ونابلس وبيت ريما إلي رفح وخان يونس إلي بلاطة وجنين باستخدام القصف الجوي والمدفعية كما تذكر الوثيقة مجزرة مقر شرطة نابلس والقوة 17 في رام الله (13 شهيدا) ثم مجزرة بيت ريما بعدها بعدة أيام (أكتوبر 2001) وراح ضحيتها 16 شهيدا..
ثم جرت الكثير من المجازر سبقت الاجتياح الإسرائيلي للأراضي المحتلة في مارس وابريل عام 2002 ومحاصرة مخيم جنين وقتل 31 فلسطينيا وهدم المخيم بالكامل أما الاجتياح فبلغت الخسائر البشرية 60 شهيدا..
وتصدت إسرائيل لإرسال لجنة تقصي الحقائق للأرض الفلسطينية فألغي كوفي عنان اللجنة وطمس وقائع ما جري وواصلت إسرائيل مذابحها فكانت مذبحة حي الدرج (يوليو 2002) وأدت لاستشهاد 74 فلسطينيا من بينهم 'صلاح شحادة' قائد كتائب عزالدين القسام كما نالت غزة ورفح نصيبها من الوحشية الإسرائيلية طوال عام 2003 من قتل وتدمير كامل للمساكن والمنشآت واقتلاع الزروع وتحويل السكان إلي المخيمات واستمرت المجازر طوال عام 2004 ومن أبرزها اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس في مارس 2004 وبعدها بشهر اغتيال د.عبدالعزيز الرنتيسي القائد الجديد للحركة ثم مجزرة شفا عمرو (أغسطس 2005)..
بين محرقتين
المحرقة النازية لليهود دارت في أجواء حرب عالمية وداخل المعتقلات الألمانية في عدة بلدان أوربية خاصة في بولندا وهذه الحرب سقط خلالها خمسين مليون مواطن في أوربا وآسيا وافريقيا ولم تتوفر وثائق دقيقة تشير لحدوث المحارق في غرف الغاز أو عدد ضحاياها كما أن الضحايا لم يختزلوا في اليهود فقط وإنما امتدت الإبادة للغجر والشواذ والكاثوليك الألمان وغيرهم وتعويض اليهود لا يكون علي حساب طرف ثالث (الفلسطينيون) مما يدفع ببطلان شرعية أسس قيام هذه الدولة.. أما محرقة الصهاينة للفلسطينيين فقد جرت ضد شعب أعزل وعلي امتداد 70 عاما وفي وضح النهار وتحت سمع وبصر المجتمع الدولي ولم تقتصر المسألة علي الإبادة الجماعية وإنما امتدت للاستيلاء علي الأرض بالقوة عبر الحروب وتدنيس المقدسات المسيحية والإسلامية من مساجد وكنائس ومقابر وتغيير معالم المناطق المحتلة ويكفي القول أن إسرائيل هدمت خلال عام 1948 حوالي 1200 مسجد كما حولت المساجد إلي كجنس وبارات وتم إحراق المسجد الأقصي عام 69 فنحن أمام هولوكست حقيقي ضحاياه من الفلسطينيين وليس هولوكست ثارت حوله الشكوك ولم يتأكد حدوثه أو عدد ضحايا (المحرقة النازية) ومن المهم توظيف هذه المجازر الصهيونية دوليا لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وإظهار الصورة الحقيقية لهذه الدولة وأنها ارتكبت جرائم إبادة جماعية علي مدي عقود زمنية طويلة والظهور بمظهر الضحية لم يعد يلائم هذه الدولة خاصة مع تولي 'إيهود أولمرت' مهام رئاسة الحكومة الحادية والثلاثين منذ قيام الدولة ومضيه في تنفيذ خطة الفصل أو الانسحاب الأحادي لتصفية القضية الفلسطينية بضم الكتل الاستيطانية الكبري والقدس بشطريها ورسم حدود الدولة خلف الجدار العازل وهذه الخطة يسعي أولمرت لتسويقها دوليا قبل رحيل بوش عن الحكم بداية عام 2009، وخطورة هذه الخطة انها سوف تبتلع 96 % من أرض فلسطين التاريخية ولا يبقي للفلسطينيين سوي قطع أراض متفرقة مما يهدد أسس إقامة دولة متصلة الأطراف ويحولها لكانتونات ومعازل كالتي كانت للسود في جنوب افريقيا في السابق..
ويمكن القول بأن إسرائيل في تاريخها دولة لم تعرف طريق السلام ولا تسير فيه إلا تحت الضغط وتضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية بمباركة أمريكية..
وتنفيذ أولمرت لخطته سوف يقود لاشتعال الصراع المسلح في المنطقة وسوف يمثل تنفيذها نكبة جديدة أخطر وأعمق فهل يظل العرب علي صمتهم إزاء هذا المخطط الخطير ؟!!
المفضلات