يـسـارًا.. بـاتّـجـاه الـقـلـب!
عَلى بُعد أمتارٍ، وقفَتْ "حَنان" قُبالتي في مَلْعَبِ حَديقةِ حيِّنا الذي سُيِّجَ بأشجارِ الطَّلحِ،
وقد نَمَتْ بين جذوعها نباتاتُ الحنظل!
وضعَتْ كُرتها الحمراء الصغيرة أمام قدَمَيْها، ثُمَّ رفعَتْ رأسَها ونظَرَتْ إليَّ بتحدٍّ طفولي مُحَبَّب،
ابتسمتُ، وأظهرتُ لها مَدى حماستي قائلاً: هيا ارْمي.
اسْتَجمعَتْ قواها ثمَّ ركَلَتْ الكُرة بقدمِها الصَّغيرة، فانْعَطفَتْ يَسارًا!
لحقتْ بها حتى أمْسَكتْها، ثم عادَتْ إلى مكانها، محاولةً تسديدَ رَمْيتها مِن جديد.
وضَعَت الكُرةَ أمام قدمَيْها، حدَّقتْ فيها للحظاتٍ ثمَّ ركَلَتْها،
فتدَحْرَجَتْ أمامها قليلاً، ثم انْعَطَفَتْ يسارًا!
رَكَضَتْ خلفها وهي حانِقةً، فنَظَرْتُ إليها نَظرةً تحنو على طفولتها المُشرَّدة!
"تُرى هلْ أسأتُ الاختيار؟ أمْ هلْ أسأتُ إدارة حياتي!
لَمْ أشترطْ جَمالاً أَخَّاذًا، ولا غِنًى فاحشًا، أردتها متعلِّمَةً صاحبةَ نسَبٍ طيب؛
رجاءَ أنْ تكونَ زوجةً واعيةً ناصحةً، وأمًّا قادرةً على تربيةِ نشءٍ صالحٍ قوي..
قويٍّ بإيمانهِ وعِلمهِ وعَملهِ!
إيه يا "آمال"، لقد أضاعَتْنا آمالكِ الكِبار!
لَمْ أتصوَّر - يومًا - أنْ يطغَى طموحكِ، وتعلو رغبتكِ في إثباتِ ذاتكِ عبرَ قنواتِ العَملِ
والدِّراسةِ على مشاعرِ الأمومةِ لديكِ، وأكادُ لا أصدِّقُ أنكِ اخترتِ الانفصالَ، والتَّنازلَ عن
حضانةِ ابنتكِ مِن أجلِ الحفاظِ على مَنصبكِ!
كيفَ سأنسَى تلك الكلمات التي خرجَتْ مِن فِيكِ مُتسربلةً بلباسِ الأنانيَّةِ والقسوَةِ:
هل تريد أنْ أشقَى بتربيةِ ابنتكَ فيضيع ربيع عُمري سُدًى؟!
لا يا سيِّدي، لنْ أفعل، لنْ أدعكَ تحطِّمُ حياتي، وتسعدَ أنتَ بحياةٍ جديدةٍ تتمتَّع فيها بين زَوجٍ وولدٍ!
هذه ابنتكَ، تحملُ اسمكَ، وبعد سنواتٍ ستأتي مُطالبًا إياي بحقِّكَ في حضانتها،
فخُذها مِن الآن، وضحِّ أنتَ!"
عادَت "حَنان" مِن جديدٍ إلى مكانها مُقَطِّبةَ الجبين، زامَّة شفتَيْها في ضيق،
ضَربَت الأرض بكرتها، وبسرعةٍ ركلتها، فاختلَّ توازنها، وراحت تَتَرنَّح لكنَّها
استطاعت أنْ تتوازنَ أخيرًا، فلمْ تقعْ!
تدحرجَتْ الكرة أمامها بدلالٍ، ثمّ انعطفَتْ يسارًا!
وقَفَتْ تنظر إليها والدُّموع على وشكِ الانهمارِ، فصحتُ بها: الْحَقي بها، لا تَدَعيها تهزمكِ!
مَشَتْ بتثاقلٍ، أمْسَكَتْ غريمتها، ثمَّ عادَتْ إلى مكانِها، رافضةً اللَّعب!
فصحتُ بها مِن جَديد: لا تَيْئسي، حاولي مرَّة، واثنتين، وثلاثًا، فبالصَّبرِ والمُثابرةِ
يتجاوزُ المرْءُ العَقباتِ، ويَصلُ إلى ما يُريد.
أحرصُ دومًا على مخاطبتِها كالكبارِ، وغرس المعاني السَّامية في فكرها،
أخشى عليها مِن زمانٍ شرُّه أكثر مِن خيرِه، وظرفها المختلف يُحمِّلني مسؤوليةً أكبر،
فإنْ لمْ تكنْ محصَّنةً منذ طفولتها الأولى بفَهمٍ سليمٍ تاهَتْ مِنها الخُطَا، وضلَّتْ السَّبيلَ!
وضَعَت الكرةَ أمامَ قدمَيْها - مُذعنةً لنصيحتي - وقالت بحزمٍ آمرِةً إيَّاها:
- إلى الأمامِ باتجاهِ أبي، ثمَّ ركلَتْها، فانْعَطَفَتْ يَسارًا باتجاهِ تلك المرأة التي أطلَّتْ برأسِها
مِن خلفِ السِّياجِ الشَّجريِّ، تحجبُ عينَيْها نظارةٌ شمسيَّة، أمسَكَت المرأةُ بالكرةِ وابتسمَتْ لحنان
القادمة نحوها، شَعَرْتُ بالقلقِ، فهرولتُ نحوهما.
"مَن؟! أيعقل أنْ تكونَ هي؟!"
مدَّتْ "حَنان" يدَيْها لتأخذَ الكرَّةَ، فأعطتْها إيّاها، ثمّ احتضَنَتْها بشوقٍ ولوعةٍ،
ودمعها الحارق يَسيلُ على الخدَّيْنِ، صرخَتْ "حنان" مذعورةً: بابا!
اهتَزَّ قلبي لنداءِ صغيرَتي، إلا أنَّني لمْ أقوَ على الاقترابِ!
حاولَتْ "حنان" عبثًا التَّفلُّتَ مِن قبضةِ تلكَ المرأةِ، وهي تصيحُ بها: اتْركيني!
- لا لنْ أترككِ ثانيةً، لنْ أترككِ؛ فقد فقدتُ كلَّ مَعنًى للحياةِ عندما فقدتُكِ..
سامحيني ـ يا ابنتي ـ سامحيني!
سؤال موجه إلى كل زوجة وأم مسلمة : ما هي أولوياتك في الحياة !!
هو أن تُسلِم وجهَها لله ربِّ العالَمين،وأن تحقِّق العبودية له -جل وعلا- ومِن أولويات المرأة أن تُحصِّل
فضائل الأخلاق والأعمال، ومِن أولوياتها كذلك أن تكون وتدًا شامِخًا في بُنيان الأسرَة والمُجتمَع.
قد تتعارَض الأولويات في حياة المرأة، أو تُضطرُّ للاختيار بين شيئَين ترغب في الجمع بينهما؛
مثل أن يَتعارَض زواجها مع تعليمها الجامعيِّ، أو تتعارَض طاعتها لربها مع رغبات زوجها،
أو تتعارَض طاعتها لزوجها مع بِرِّها بأهلها، أو يتعارَض زواجُها مع تربية أبنائها مِن زوج سابق،
أو يَتعارض نشاطها الاجتماعي مع رعاية بيتها... إلخ.
طرُق الترجيح بين الأولويات :
• تُحاوِل الجمع بين الأولويات إن استطاعَت، فإن لم تَستطِع
فلتجمَع بين ما هو أولى وبين جزء مما هو دونه،
فإن لم تَستطِع فلتبحَث عن بديل يُحقِّق غرَضًا قريبًا مِن الذي ستتركه.
• تُقدِّم طاعة الله - جل وعلا - على كل ما سِواه.
• تُقدِّم ما وجَب عليها على ما استُحبَّ لها.
• تُقدِّم وظيفة المرأة الأساسية على وظائفها الثانوية.
• تُقدِّم ما يُعينها على الصلاح على ما فيه صلاحٌ لغَيرها.
• تُقدِّم ما فيه أجر ونفع أعظم أو أكثر أو عام على ما فيه نفع أقل أو قاصِر.
• تُقدِّم ما تُحسنه على ما لا تُحسنه.
• تسأل، وتُشاوِر، وتقرأ، وتَستخير، وتدعو، وتتأمَّل في تجارب مَن سبَق.
هي تَقديم ما حقُّه التأخير، وتأخير ما حقُّه التقديم؛ مثل أن تُقدِّم زميلاتها على أهلها،
والتسلية على الجدِّ والعِلم، وجمالها على صحَّتها، ووظيفتها في العمل على أبنائها،
والزواج مِن الغنيِّ رقيق الدِّين على ذي الدِّين والخلُق المُتوسِّط الحال.
همسة في أذن كل أم مسلمة :
هل أنت الأم التي فهمت معنى الأمومة تضحية وعطاء وتوجيه وبناء، ولم تفهم من
الأمومة الأنانية والتأفف والإهمال والتخلي لتقود الجيل إلى الضياع والانحراف!.
ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من همّ الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هـو الذي تلقى له *** أماً تخلّت أو أبـــاً مشغولاً
منقول بتصرف
المفضلات