صفحة 9 من 54 الأولىالأولى ... 56789101112131939 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 90 من 531
 
  1. #81
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    ونحن نضع في مقابل الإنسان الطبيعي الإنسان الإنسان، وهو إنسانغير طبيعي/مادي يحوي داخله عناصر (ربانية) متجاوزة لقوانين الحركة (التي تسري علىالإنسان والحيوانات) ومتجاوزة للنظام الطبيعي/ المادي. وهذه العناصر هي التي تشكلجوهر الإنسان والسمة الإنسانية لإنسانيته وتفصله عن بقية الكائنات وتُميِّزهكإنسان. فالإنسان الإنسان (غير الطبيعي)، هو الإنسان الحق، أما الإنسان الطبيعي فهوالإنسان الذي لا يحوي جوهراً إنسانياً (ولذا فهو يمتزج بسهولة مع الكائنات الطبيعيةويتصف بصفاتها). فهو تعبير عن النزعة الجنينية والرغبة في فقدان الذات والحدود.

    وهنا يطرح بيجوفيتش مفهوم ازدواجية الطبيعة الإنسانية التي "جاء أحدجانبيها من الأرض (الطبيعة/المادة) وجاء الآخر من السماء". والوظائف البيولوجيةوالنشاطات الطبيعية (مثل الصيد وصنع الأدوات) هي التي جاءت من الأرض، أما النشاطاتالأخرى (مثل الدين والفن) فهي ليست من سمات الإنسان الطبيعي وإنما من سمات الإنسانالإنسان، وهو كائن مركب متعدد الأبعاد، قَلق يسأل أسئلة كلية، يحمل عبء الهويةوالمسئولية الخلقية، لا يمكن اختزاله في صيغ رياضية كمية كما لا يمكن رده في كليتهإلى عالم الطبيعة/المادة وواحديته المادية، ولذا فهو يعيش ثنائية فضفاضة لا يمكنإلغاؤها.

    الإنسان الاقتصادى والإنسان الجسمانى (الجنسى(
    هناك ـ فيتصوُّرنا ـ تنويعان أساسيان على فكرة الإنسان الطبيعي: الإنسان الاقتصادي والإنسانالجسماني أو الجنسي.

    1
    ـ الإنسان الاقتصادي: إنسان آدم سميث الذي تحركهالدوافع الاقتصادية والرغبة في تحقيق الربح والثروة، وإنسان ماركس المحكوم بعلاقاتالإنتاج. وهو يعبِّر عن مبدأ المنفعة بحيث لا يعرف الإنسان سوى صالحه الاقتصادي،ولذا فهو إنسان يتسم بالتقشف والإنتاج وحب التراكم. وهو إنسان متحرر تماماً منالقيمة (شأنه شأن الطبيعة) دوافعه الأساسية اقتصادية بسيطة، وتحركه القوانينالاقتصادية، وتحكمه حتمياتها (تماماً مثل الإنسان الطبيعي الذي يخضع لقوانينالطبيعة وحتميات القانون الطبيعي لا يملك تجاوزاً لها)، إنسان لا ينتمي إلى حضارةبعينها وإنما ينتمي إلى عالم الاقتصاد العام، وهو لا يعرف الخصوصية ولا الكرامة ولاالأهداف السامية التي تتجاوز الحركة الاقتصادية، وهو يجيد نشاطاً واحداً هو البيعوالشراء، وهذا هو إنسان ماركس وآدم سميث. ويُشار إلى هذا الإنسان في النظمالرأسمالية بأنه «دافع ضرائب»، أما في النظم الاشتراكية فيمكن أن يكون «بطلالإنتاج».

    2
    ـ الإنسان الجسماني أو الجنسي: إنسان فرويد وبافلوف الذي تحركهدوافعه الجنسية وغدده وجهازه العصبي. وهو يعبِّر عن مبدأ اللذة ولا يعرف سوى متعتهولذته؛ إنسان الاستهلاك والترف والتبذير؛ إنسان فرويد والسـلوكيين، وهو إنسانأحـادي البُعد خاضع للحتميات الغريزية متجرد من القيمة لا يتجاوز قوانين الحركة.

    إن الإنسان الطبيعي هو نفسه الإنسان الاقتصادي، وهو نفسه الإنسان الجسماني،وقد تختلف المضامين ولكن البنية واحدة. ولو أننا وضعنا كلمة «اقتصاد» أو كلمة «جنس» بدلاً من كلمة «طبيعة» لظل كل شيء على ما هو عليه ولما غيَّرنا شيئاً من خطابنا.

    وثنائية الإنسان الاقتصادي والإنسان الجسماني تُعبِّر عن نفسها من خلالمرحلتين في تاريخ الاقتصاد العلماني: المرحلة التقشفية التراكمية وتليها المرحلةالفردوسية التي بدأت في العالم الرأسمالي في بداية القرن العشرين، وبدأت في شرقأوربا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وبدأت في العالم الثالث بين أعضاء النخب الحاكمةالمتغربة. وما يسود الآن في المجتمعات الحديثة هو خليط بين الاثنين.







  2. #82
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    العقلانية المادية واللاعقلانية المادية
    «العقلانية» هي الإيمان بأنالعقل قادر على إدراك الحقيقة من خلال قنوات إدراكية مختلفة من بينها الحساباتالمادية الصارمة دون استبعاد العاطفة والإلهام والحدس والوحي. والحقيقة حسب هذهالرؤية يمكن أن تكون حقيقة مادية بسيطة، أو حقيقة إنسانية مركبــة، أو حقــائقتشـكل انقطاعــاً في النظــام الطبيـعي. ومن ثم يستـطيع هذا العقل أن يدرك المعلوموألا يرفض وجود المجهول. وهذا العقل يدرك تماماً أنه لا "يؤسِّس" نظماً أخلاقــيةأو معـرفية، فهو يتلقَّى بعض الأفكار الأولية ويصوغها استناداً إلى منظومة أخلاقيةومعرفية مسبقة.

    ولكن هناك من يذهب إلى أن العقلانية هي الإيمان بأن العقلقادر على إدراك الحقيقة بمفرده دون مساعدة من عـاطفة أو إلهـام أو وحي، وبأنالحقـيقة هي الحقيقة المادية المحضة التي يتلقاها العقل من خلال الحواس وحدها، وبأنالعقل إن هو إلا جزء من هذه الحقيقة المادية فهو يُوجَد داخل حيز التجربة الماديةمحدوداً بحدودها (لا يمكنه تجاوزها)، وأنه بسبب ماديته هذه قادر على التفاعل معالطبيعة/المادة يمكنه انطلاقاً منها (ومنها وحدها) أن "يؤسس" منظومات معرفيةوأخلاقية ودلالية وجمالية تهديه في حياته ويمكنه على أساسها أن يفهم الماضي والحاضرويفسرهما ويُرشِّد حاضره وواقعه ويخطط لمستقبله.

    هذا يعني، في واقع الأمر،أن العقل عقل مادي يقوم بإعادة إنتاج العالم المادي من خلال مقولات الطبيعة/المادةوحسب (لا من خلال أية مقولات إنسانية). فيرصد الواقع باعتباره كماً وأرقاماً وسطحاًبسيطاً خالياً من الأسرار والتفاصيل المتناثرة. وهو عقل قادر على وصف ما هو عامولكنه لا يستطيع أن يرصد ما هو خاص وفريد، وهو قادر على رصد ما هو كائن ولكنه غيرقادر على إدراك ما ينبغي أن يكون، فـ «ما ينبغي» مقولة أخلاقية مثالية متجاوزةلعالم الطبيعة/المادة. ولذا، فإن العقل المادي يتعرف على الحقائق المادية فقط (يعرفثمنها أو حجمها أو كثافتها، أي صفاتها المادية وحسب) ولكنه لا يعرف قيمتها، فالقيمةشيء متجاوز لعالم المادة. ومن ثم، لا يُوجَد بالنسـبة للعقـل المادي خير وشر أو عدلوظلم. وحتى إن أدرك العقل المادي قيمة شيء، فسرعان ما يرده إلى عالم المادة، فهوعقل تفكيكي عدمي قادر على تفكيك الأشياء ونزع القداسة عنها ولكنه غير قادر علىتركيبها. وهو، لكل هذا، عقل لا يملك إلا أن يساوي بين الطبيعة/المادة والإنسان وأنيسوي بينهما، فيمحو ثنائية الإنسان والطبيعة لتسود الواحدية المادية، أي أن العقلالمادي يصبح أداة الطبيعة/المادة في الهجوم على الإنسان بدلاً من أن يكون رمزاًلانفصاله عنها.







  3. #83
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    وقد يبدو هذا الحديث الفلسفي وكأنه غير ذي صلة بالتاريخالمتعيِّن. ولكن الأمر ليس كذلك، فهناك من يرى أن قيام النازية بإبادة الملايين (منالغجر والسلاف واليهود والأطفال المعوقين ومن المسنين) ممن صُـنِّفوا باعتبارهم "أفواهاً مستهلكة غير منتجة" (بالإنجليزية: يوسلس إيترز useless eaters) إنما هوأحد إنجازات العقلانية المادية التي "حرَّرت" النازية من أية أعباء أخلاقية مثالية (غير مادية) وتعاملت مع البشر بكفاءة بالغة وبمادية صارمة كما لو أنهم مادةاستعمالية نسبية تخضع لقوانين الطبيعة/المادة، فمن يحيد عنها (مثل الأطفال المعوقينوالرجال المسنين) لابد من التخلص منه في أسرع وقت وبأكثر الطرق كفاءة. أي أن العقلالمادي هنا قام بتفكيك البـشر بصـرامة بالغة وكفاءة مدهـشة، ونظر للجـميع بعيونزجـاجية وكأنه كمبيوتر متألِّه، يبلغ الغاية في الذكاء، لا قلب له ولا روح، يُحييويُميت.

    ويمكننا القول بأن هناك نمطاً من الحكام الإرهابيين الثوريين لايختلفون كثيراً عن هتلر ويدورون في إطار العقلانية المادية؛ مثل روبسبيير الذي قامبتفكيك البشر في إطار «مصلحة الشعب» التي يقررها هو، فأباد الملايين من غيرالنافعين، ومثل ستالين الذي قام بتفكيكهم في إطار علاقات الإنتاج ومعدلات النموفأباد ملايين الفلاحين (الكولاك) الذين كانوا يعوقون عملية الإنتاج الماديةالحتمية. ويرى بعض مؤرخي الثورات التي تدور في إطار النماذج العقلانية المادية أنظهور مثل هذا الكمبيوتر المتأله مسألة حتمية، وأنه قد يأخذ (بعد استقرار الثورةوتحوُّلها إلى مؤسسات) شكل لجان خبراء ومستشارين. بل يرون أن هذه ظاهرة حتمية لصيقةبالمجتمعات الحديثة التي تُعرِّف النمو والتقدم والإنسان من منظور عقلاني مادي، وأنالتكنوقراطية ونظريات التلاقي ووحدة العلوم والاتجاه نحو التنميط والكوكلة والعولمةإنما هي تعبير عن هذا الاتجاه.







  4. #84
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    ويمكننا الآن أن نثير نقطتين أساسيتينتتصلان بالعقلانية المادية:

    1
    ـ نحن نذهب إلى أنه لا توجد علاقة ضرورية بينالعقلانية والمادية، فهناك نظم سياسية مادية عقلانية وأخرى مادية لاعقلانية. فالنظام السياسي الأمريكي مبني على الفصل بين الدين والدولة فصلاً كاملاً، وقد نجحالأمريكيون، في بعض مراحل تاريخهم على الأقل، في تطوير نظام عقلاني يُعبِّر عنمطامح الشعب الأمريكي بشـكل معـقول. والنظام النازي، هو الآخر، كان نظـاماً مادياًشرساً في ماديته، ولكنه كان لاعقلانياً بصورة تامة، وكان يتحرك في إطار نظريتهالعرْقية الشمولية التي شكلت مرجعيته المادية الكامنة. والنظام الستاليني، كان هوالآخر نظاماً مادياً بشكل نماذجي، ولكن لا يمكن أن يزعم أحد أنه كان نظاماًعقلانياً. وهناك نظم عقلانية تستند إلى عقائد دينية يزخر بها تاريخ الإنسان.

    2
    ـ بل إننا نذهب إلى أن العقلانية المادية تؤدي في مراحلها المتقدمة إلىاللاعقلانية المادية وهذا ما سنتناوله في بقية هذا المدخل.

    وقد أشرنا إلىأن العقل المادي عقل تفكيكي عدمي غير قادر على التركيب أو التجاوز. ويتضح هذا فيأنه عقل قادر على إفراز قصص (نظريات) صغرى مرتبطة بفضائها الزماني والمكاني المباشرعلى أحسن تقدير (كما يقول دعاة ما بعد الحداثة)، أي أنه قادر على إفراز مجموعة منالأقوال التي لا شرعية لها خارج نطاقها المادي المباشر الضيق المحسوس (فالعقلالمادي يُدرك الواقع بطريقة حسِّية مباشرة). ومن ثم فهو عقل عاجز عن إنتاج القصصالكبرى أو النظريات الشاملة عاجز عن التوصل للحقيقة الكلية المجردة التي تقع خارجنطاق التجريب. ولذا فالعقل المادي لا يُنكر الميتافيزيقا وحسب وإنما يُنكر الكلياتتماماً وينتهي به الأمر بالهجوم على العقل الإنساني والعقل النقدي لأنهما يتوهمانأنهما يتمتعان بقدر من الاستقلال عن حركة الطبيعة/المادة. وبذلك يختفي الإنسانكمرجعية نهائية بل يختفي مفهوم الطبيعة البشرية نفسه، ثم تختفي سائر المرجعياتوتصبح الإجراءات الشيء الوحيد المتفق عليه. وهكذا لا يتحرر العقل المادي من الأخلاقوحسب وإنما يتحرر من الكليات والهدف والغاية والعقل، ومن ثم تتحوَّل العقلانيةالمادية إلى لاعقلانية مادية.

    وإذا كانت العقـلانية المـادية قد أفرزت فكرحـركة الاسـتنارة والوضعية المنطقية والكل المادي المتجاوز للإنسان، فقد أفرزتاللاعقلانية المادية: النيتشوية والوجودية والفينومينولوجية وهايدجر وما بعدالحداثة. والانتقال من التحديث إلى الحداثة وما بعد الحداثة هو الانتقال منالعقلانية المادية التي تربط بين التجريب والعقلانية (في مرحلة المادية القديمةومرحلة الثنائية الصلبة والواحدية الموضوعية المادية) إلى اللاعقلانية المادية التيتفصل بينهما، فيتم التجريب دون ضابط ودون إطار (في مرحلة المادية الجديدة والسيولةالشاملة). وتسود الآن في مجال العلوم نزعة تجريبية محـضة ترفض الكـليات العقـلية)إنسـانية كانت أم مـادية) وتلتصق تماماً بالمادة وحركتها وعالم الحواس.

    ومع هذا يمكن القول بأن العقلانية المادية كثيراً ما تتعايش مع اللاعقلانيةالمادية وترتبط بها. فالوضعية العلمية المنطقية تعبير عن العقلانية المادية حيث لايؤمن الإنسان إلا بالتجريب والأرقام، ولكنها في الوقت نفسـه تعبير عـن اللاعقلانيةالمادية، فهي لا تشغل بالها بالكليات أو المنطلقـات الفلسـفية. وقد أشرنا إلى أنالنازية، كما يراها بعض المؤرخين، هي قمة العقلانية المادية، ونحن نتفق معهم فيهذا، ونضيف أن هذا لا يمنع أن تكون قمة اللاعقلانية المادية أيضاً، فهي تعبير عنتَبلور نزعة تجريبية محضة ترفـض الكليات الإنسانية والعقلية وأي شكل من أشكالالميتافيزيقا وتلتصق تماماً بحركة المادة وعالم الحواس، وتُمجِّد الإرادة الفرديةعلى حساب أية مفاهيم إنسانية كلية. ولعل الفلسفة العلمانية الشاملة الأساسية، أيالداروينية الاجتماعية، هي تعبير عن هذا التعايش والترابط بين العقلانيةواللاعقلانية المادية.






  5. #85
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    فشل النموذج المادى فى تفسير ظاهرة الإنسان
    تؤكدالعقلانية المادية عناصر التجانس والتكرار والكم والسببية والآلية، ولذا فهي تتسمبمقدرة عالية، نوعاً ما، على رصد حـركة الأشـياء ودراستها. فالعـقلانية الماديةتتحـرك في إطـار الواحدية المادية التي تخضع لها الأشياء، أما الإنسـان فهو ظاهرةتتجاوز حدود الواحدية المادية. ولذا، فإن سلوكه، سواء في نُبله أو ضعته، في بطولتهأو خساسـته، ليس ظاهرة مادية محضة وإنما ظاهرة مركبة لأقصى حد:

    1
    ـ فعقلالإنسان له مقدرات تتحدى النموذج التفسيري المادي، حتى أننا نجد عالماً مثل تشومسكيينكر تماماً أن عقل الإنسـان مجرد صفحة بيضاء سـلبية (وهو الافتراض الوحيد المتاحأمام الماديين) وإنما هو عقل نشيط يحوي أفكاراً كامنة فطرية. ولذا، نجد أن تشومسكييتحدث عن «معجزة اللغة» باعتبارها ظاهرة لا يمكن تفسيرها في إطار مادي وإنما لابدمن تفسيرها في إطار نموذج توليدي يفترض كمون المقدرة اللغوية في عقل الطفل بما يعنيأن العقل ليس مجرد المخ، مجموعة من الخلايا والأنزيمات. ويقدم جان بياجيه رؤيةتوليدية لتطور الإنسان وتطوُّر إحساسه بالزمان والمكان. وتزايد الاعتماد علىالنماذج التوليدية، مقابل النماذج التراكمية، هو دليل على تراجُع النموذج المادي.

    2
    ـ ثم نأتي إلى مشكلة الفكر. يدَّعي الماديون أن الفكر صورة من صور المادةأو أثر من آثارها (فالعقل صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات الحسية وتتحول إلىأفكار كلية بطريقة آلية). وهي مقولة قد تبدو معقولة ولكنها تخلق من المشاكل أكثرمما تحل. والسؤال هو: لماذا يأخذ الفكر هذه الصورة بالذات؟ ولماذا تختلف أفكار شخصعن أفكار شخص آخر يعيش في نفس الظروف؟ وهل الأفكار عصارات وأنزيمات تتحرك أم أنهاشيء آخر؟ وما علاقة المؤثر المادي بالاستجابة الفكرية أو العاطفية؟ ولنأخذ فكرة مثل «السببية». المعطيات الحسية المادية غير مترابطة ولا علاقة لها بأية كليات، ومع هذايُدرك العقل الواقع لا كوقائع متناثرة وإنما كجزئيات تنضوي تحت كلٍّ متكامل، ولايمكن أن يتم الإدراك إلا بهذه الطريقة، ولذا نجد أن الماديين (في عصر ما بعدالحداثة) ينكرون تماماً فكرة الكل، ويعلن نيتشه موت الإله الذي يعني في الواقعنهاية الكل. وهجوم الماديين والطبيعيين على الكل أمر مُتوقَّع، ففكرة الكلتُذكِّرنا بمعجزة الإنسان الذي يتجاوز النظام الطبيعي وحركة الأنزيمات والذراتوالأرقام، ومن ثم فإنها تخلق ثنائية فضفاضة تستدعي مرجعية متجاوزة للنظام الطبيعيهي الإله. فالكل يؤكد تجاوز الإنسان، وتجاوز الإنسان يؤكد وجود الإله كمقولةتفسيرية معقولة. ولذا، لابد أن تهاجم هذه الفلسفة فكرة الكل حتى يعود الإنسان إلىالطبيعة ويُستوعَب فيها. وهكذا بدأت المادية بمحاولة تحطيم خرافة الميتافيزيقا،وانتهت بالهجوم على فكرة الحقيقة نفسها.







  6. #86
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    3
    ـ وهناك حس الإنسان الخُلقيوالديني، والجمالي، وقلقه، وتساؤله عن الأسئلة النهائية الكبرى. وهي أحاسيس لا يمكنتفسيرها على أساس مادي، فالأمر أكثر صعوبة من مجرد تفسير وجود الأفكار. وكما ينتهيالفكر المادي بإنكار الفكر، وإنكار الكل، فهو ينكر أيضاً الحس الخُلقي والجماليويُسقط الأسئلة النهائية. وعلى هذا، فإن عبارات مثل «القتل شر» و«هذه اللوحة جميلة» و«قلق الإنسان على مصيره في الكون» هي عبارات لا معنى لها من منظور مادي، تماماًمثل عبارة «الله رحيم» أو «الله موجود»، فكلها عبارات لا يمكن إثباتها أو دحضها منخلال المنهج العلمي المادي.

    4
    ـ المادية تفشل في تفسير إصرار الإنسان علىأن يجد معنى للكون ومركزاً له. والحقيقة أنه حينما لا يجد هذا المعنى، فإنه لايستمر في الإنتاج المادي مثل الحيوان الأعجم وإنما يتفسخ ويصبح عدمياً ويتعاطىالمخدرات وينتحر ويرتكب الجرائم دون سبب مادي واضح. وتزداد قضية المعنى حدة معازدياد إشباع الجانب المادي في الإنسان، فكأن إنسانية الإنسان لصيقة بشيء آخر غيرمادي. والبحث عن المعنى عبَّر عن نفسه على هيئة فنون وعـقائد. وكما يقـول علي عـزتبيجوفيتش، فإن "الدين والفن مرتبطان بالإنسان منذ أن وُجد على وجه الأرض، أما العلم (المادي) فهو حديث، وفشل العلم المادي (الذي يدور في إطار نماذج مادية) في تفسيرالإنسان وفي التحكم فيه هو دليل فشله في إدراك الظـاهرة الإنـسانية وإدراك أنالحلول التي يأتي بها حلول ناقصة".

    5
    ـ والفلسفات المادية تدور في إطارالمرجعية المادية، ولذا فإنها ترسم صورة واحدية للإنسان إما باعتباره شخصية صراعيةدموية قادرة على خرق كل الحدود وعلى إعلاء إرادتها وتوظيف قوانين الحركة لحسابها،أو باعتباره شخصية قادرة على التكيف مع الواقع و الخضوع لقوانين الحركة. وهذه صورةساذجة غير حقيقية:

    أ) الصورة الأولى تفشل في رصد تلك الجوانب النبيلة فيالإنسان مثل مقدرته على التضحية بنفسه من أجل وطنه أو من أجل أبيه أو أمه، ومقدرتهعلى ضبط نفسه من أجل مُثُل عليا.

    ب) الصورة الثانية تؤكد أن الإنسان غيرقادر على الثورة والتجاوز. وبالفعل، يُلاحَظ في العصر الحديث هيمنة نظم سياسيةتسيطر عليها رؤى تكنوقراطية محافظة. ومع هذا، لم تنجح المادية تماماً في قمعالإنسان وتسويته بالأمر الواقع. فالإنسان لا يزال قلقاً وغير راض، وهو إن لميُعبِّر عن قلقه من خلال الثورة الناضجة فهو يُعبِّر عن هذا القلق بأشكال مرضية.

    وفي محاولة لتفسير هذه الجوانب الإنسانية غير المادية من الوجود الإنساني،يذهب الماديون إلى أن كل هذا حدث بالصدفة من خلال عملية كيميائية بسيطة ثم وصلتالكائنات بعد ذلك إلى درجة من التركيب من خلال قانون التطور. وهو ما يعني أن قانونالصدفة وقانون التطور هما القانونان الأساسيان؛ فالصدفة هي سفر التكوين أو قصةالرؤية المادية بشأن الخلق، والتطور هو تاريخها غير المقدَّس، الزمني المكاني. والتطور نفسه خاضع للصدفة وصراع القوة، فكأن الصدفة أو القوة (أو كلتيهما) محركللكون وضمنه الإنسان. هذا التفسير المادي للأمور هو تفسير ميتافيزيقي رغم إنكارهللميتافيزيقا؛ وهو يهدف إلى سـد الثغرة في النظام الطبيعي وإلى تصفية ظاهرة الإنسانوإلغاء الحيز الإنساني، ذلك لأن التفسيرات المادية غير قادرة على استيعاب أيةثنائية أو أي تركيب يتحدى النظام الواحدي المادي البسيط (فهي تفسيرات تُؤثر البساطةوالواحدية على التركيب والتعددية(.

    ولكن ليست هناك أية ضرورة لرفض مقولةالإنسان المركب الذي لا يُرَدُّ إلى المادة أو الاستغناء عنها، وخصوصاً أنها جزء منتجربتنا الوجودية وإدراكنا لذاتنا وواقعنا الإنساني. ولذا، وبدلاً من التأرجح بينالعقلانية المادية التي تحاول تفسير كل شيء من خلال السببية الصلبة المطلقة من جهةواللاعقلانية المادية التي تعجز عن تفسـير أي شـيء من جهة أخرى، وبـدلاً من الإصرارعـلى إلغاء الثنائية نشعر (نحن البشر) بوجودها في عالمنا المادي، وذلك باسم البساطةوالواحدية والتناسـق الهندسي القاتل، قد يكون من الأمانة أن نُسمِّي هذا الجانب فيالوجود الإنسـاني «الجانب الرباني»، وعلينا من ثم أن نستدعي ثنائية أخرى ذات مقدرةتفسيرية عالية لا يمكن إلغاؤها. وبدلاً من مجرد استخدام مقولات مادية تفسيرية تفرضالواحدية على الواقع، وتُسوي الإنسان بالطبيعة والكيف بالكم وغير المادي بالمادي،يمكن استخدام مقولات تفسيرية مركبة تحوي عناصر مادية وغير مادية، كما يمكن استدعاءمدلول متجاوز للنظام الطبيعي ولقوانين المادة نصنف تحته كل الظواهر التي لا تخضعللقياس ونفسر من خلاله كل ما لا يدخل شبكة السببية الصلبـة المطلقـة وندرك من خلالهكل التجليـات التي تظهر في عالمنا الطبيـعي دون أن نتمكن من تفسير جميع جوانبها، أيمقولة غير مادية تكمِّل (ولا تَجبُّ) المقولات المادية، مقـولة تتجاوز العقـلالمادي دون أن تحطمـه، وهـذه المقولة هي ما يُطلَق عليه «الإلـه»؛ مركز الكونالموجود خارج المادة، والذي هو أقرب إلينا من حبل الوريد، يُعنَى بدنيانا وبمسارالتاريخ ولكنه ليس كمثله شيء، ووجوده تعبير عن وجود كل من الطبيعة وما وراءالطبيعة، وما يُقاس وما لا يُقاس، ووجود الإنسان كإنسان يستند إلى وجوده.






  7. #87
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    النزعة الربانية
    نذهب إلى أن الإنسان تتنازعه نزعتان كامنتان فيه: النزعة الجنينية نحو إزالة الحدود والحيز الإنساني والهوية الإنسانية والذاتالمتعينة ومحو الذاكرة التاريخية والذوبان في الطبيعة/المادة والهرب من المسئوليةالأخلاقية والمقدرة على التجاوز من ناحية، ومن ناحية أخرى، النزعة الربانية نحوتجاوز الطبيعة/المادة وتقبُّل الحدود والمسئولية وعبء الوعي وتأكيد الهويةالإنسانية وتركيبيتها. والنزعة الربانية تعبير عن وجود عنصر غير مادي غير طبيعيداخل الإنسان، وهو عنصر لا يمكن رده إلى الطبيعة/المادة نسميه «القبس الإلهي»، وهوذلك النور الذي يبثه الإله الواحد المتجاوز في صدور الناس (بل في الكون بأسره)،فيمنحه تركيبيته اللامتناهية،ويولِّد في الإنسـان العـقل الذي يدرك من خـلاله أنهليـس بإله، وأنه ليـس بالكل، وأنه مكلف بحمل الأمانة، وأن عليه أعباء أخلاقيةوإنسانية تشكل حدوداً وإطاراً له. ولكن هذه الحدود هي نفسـها مصدر تميزه، فهي تفصلهعن كل من الإله والكائنات الطبيعية، وتميِّزه عن هذه الكائنات بعقله ووعيهوالمسئولية المناطة به. فكأن الحدود هي حيزه الإنساني الذي يمكن للإنسان أن يحققفيه إمكانياته أو يجهضها. وهو الحيز الذي يتحول فيه الإنسان إلى كائن اجتماعي قادرعلى أن يرجئ رغباته ويُعلي غرائزه ولا يطلق لشهواته العنان حتى يمكنه أن يعيش معالآخرين ويتواصل معهم، وأن ينتج أشـكالاً حضارية إنسـانية تتجاوز عالمالطبيعة/المادة وعـالم المثيرات والاستجابات العصبية والجسدية المباشرة.

    والإنسان الإنسان، ثمرة النزعة الربانية، يقف على طرف النقيض من الإنسانالطبيعي/المادي ثمرة النزعة الجنينية، فهو ذو هوية محدَّدة يكتسبها من خلال الحدودالمفروضة عليه ولكنه لا يتمركز حول ذاته، وفي إطار المرجعية المتجاوزة يمكنه تأكيدإنسانيته لا بالعودة إلى ذاته الضيقة (الطبيعية) والرغبة في التحكم في الكون، وإنمابالإشارة إلى النقطة المرجعية المتجاوزة. وهو أيضاً لا يفقد ذاته ولا يتمركز حولالموضوع (الطبيعة/المادة)، أي أنه لا يتأرجح بين الواحدية والثنائية الصلبة ولا بينالصلابة والسيولة. فوجود المركز المتجاوز ضمان لأن يحتفظ بهويته وذاته ولا يغوص فيحمأة المادة ولا يذعن لقوانينها وحتمياتها.

    والإنسان الإنسان، على عكسالإنسان في الحالة الجنينية، قادر على تفسير العالم والنصوص، فاللغة ليست أيقوناتتُشير إلى ذاتها، وإنما مفردات وجُمل لها قواعدها، وهو للسبب نفسـه قادر علىالتواصل مع الآخرين، ومن ثم قادر على تجاوز ذاته والتحرك مع الآخرين داخل الحدودالتاريخية والاجتماعية والحضارية، التي تشكل حيزنا الإنساني الذي نحقق فيه جوهرناالإنساني. فهو إنسان فرد له قصته الصغيرة، ولكنها صدى للإنسانية المشتركة وللقصةالإنسانية الكبرى.






  8. #88
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    الثنائية الفضفاضة: نمط إنسانى (ربانى)عام
    «النزعةالربانية» تعني خروج الإنسان من نطاق المرجعية الكامنة المادية ودخوله في نطاقالمرجعية المتجاوزة مما يعني ظهور ثنائية أساسية لا يمكن محوها، هي ثنائية الخالقوالمخلوق الفضفاضة. هذه الثنائية تعني زوال أية واحدية ذاتية كانت أم موضوعية. لأنفي إطار المرجعية المتجاوزة لا يمكن للإنسان أن يسقط في الجنينية التي تحطم الحدودبين الكل والجزء، ولا يمكن أن يتمركز حول ذاته. كما لا يمكن للموضوع (المادي) أنيتمركز حول نفسه، إذ يظل مركز الكون خارجه. وثنائية الخالق والمخلوق الفضفاضة ينتجعنها ثنائية أخرى هي ثنائية الإنسان والطبيعة، فالإله يزود الإنسان بالعقل الذييميِّزه عن سائر الكائنات، وهذا ما يجعله إنساناً إنسان (أو إنساناً ربانياً)، أيإنساناً غير طبيعي/ مادي، له جوهره الإنساني المتميز عن الطبيعة/المادة، يعيـش فيالحـيز الطبيعي/المادي نفسـه ولكنه قادر على تجاوزه وتجاوز ذاته الطبيعية. وهذاالكائن الذي يحوي داخله الأسرار، يستعصي على التفسيرات الطبيعية/المادية ولا يمكناختزاله أو رده إلى مبدأ واحد ولا يمكن التحكم فيه تحكماً كاملاً، إنه إنسان يبحثعن المعنى في الكون ولا يستسلم للعبث أو العدمية أو الواحدية المادية، إنسان حرقادر على اتخاذ قرارات أخلاقية وعلى تحمُّل المسئولية، ومن ثم يشكِّل ثغرة فيالنظام الطبيعي وتحدياً للمنظومات المعرفية والأخلاقية الواحدية المادية.

    كل هذا يعني انفصال الإنسان عن الطبيعة وأسبقيته وأفضليته عليها. ولكنهاتفترض أيضاً وجوده فيها واعتماده عليها واحترامه لها، فهو ليس بمركز الكون، وهو ليسسيد الطبيعة، فمالكها هو الله. ولذا فهو مستخلف فيها يتفاعل معها.

    إنالثنائية الفضفاضة (ثنائية الخالق والمخلوق والإنسان/الطبيعة) ليست اثنينية أوثنائية صلبة لأن الإنسان، من خلال النزعة الربانية داخله، ينفصل عن الإله وعنالطبيعة ولكنه يتفاعل ويتجاوب معهما، ومن خلال تفاعله يكتسب المقدرة على التجاوزوتزداد حريته. والوجود الإنساني الأمثل ليس محو النزعة الجنينية والتعبير الخالص عنالنزعة الربانية، ولا هو محو النزعة الربانية والتعبير الخالص عن النزعة الجنينية،وإنما التكامل والتقابل بينهما. وهذه الثنائية الوجودية الأنطولوجية الأساسيةالفضفاضة تتجلى في المنظومات المعرفية (مجهول/معروف ـ غيب/علم ـ مطلق/نسبي ـروح/جسد) والمنظومات الأخلاقية (خير/شر) والدلالية (دال/مدلول) والجمالية (جميل/قبيح)، وعلى كل المستويات (ذكر/أنثى ـ أعلى/أسفل ـ سماء/أرض). وهناك ثنائيةغير متعادلة تُفترَض فيها أسبقية العنصر الأول على العنصر الثاني (جميل/قبيح) ولكنهناك أيضاً ثنائيات لا تُفترَض فيها أسبقية عنصر على الآخر (ذكر/أنثى) وإن كانتتفترض الاختلاف.





  9. #89
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    البابالرابع: الفرق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية


    في كل المداخل السابقة حاولنا أن نبيِّن أن ثمة ثنائية فضفاضة تسم الوجود الإنساني (الخالق/المخلوق ـ النزعة الربانية/النزعة الجنينية ـ الإنسان/الطبيعة). وثنائيةالإنسان/الطبيعة هي أهم هذه الثنائيات. وقد عبَّرت عن نفسها في الجدل المثار فيالعلوم الإنسانية منذ بداية ظهورها في القرن التاسع عشر وهل هناك «علم طبيعي» مختلفعن «العلوم الإنسانية» أم أن هناك وحدة (أي واحدية) للعلوم.

    ويُطلَق مصطلح»العلم الطبيعي» على كل دراسة تتناول معطيات الواقع المادي بكلياته وجزئياته. ووسيلة هذه الدراسة هي منهج الملاحظة المباشرة والتجربة المتكررة والمتنوعة. والدراسة وكذلك عمليات التجريب تتم بهدف التفسير من خلال التوصل إلى تعميماتوقوانين تحقق الانتقال من الخاص إلى العام وتكشف عن العلاقات المطّردة الثابتة بينالظواهر. وهذه القوانين يتم التعبير عنها عن طريق تحويل صفات الكيف (التي لا تُقاس) إلى صفات كم بحيث يتم التعبير عنها برموز رياضية. وتتميَّز قوانين العلوم الطبيعيةبأنها دقيقة وعامة تتخطى الزمان والمكان، وهي حتميـة (ولكنها، بعد اهتزاز الحتمية،أصبحت احتمالية ترجيحية: ترجيحية تقارب اليقين وتظل صالحة للاستعمال حتى يثبتبطلانها(.

    ويذهب البعض إلى أن نموذج العلوم الطبيعية (بما ينطوي عليه منواحدية موضوعية مادية) لابد أن يُطبَّق في كل العلوم الأخرى (وضمن ذلك العلومالاجتماعية والإنسانية). وقد لاحظ كثير من العلماء في الشرق والغرب خلل مثل هذهالمحاولة نذكر منهم د. حامد عمار، د. توفيق الطويل، د. حسن الساعاتي (الذين يعتمدهذا المدخل على كتاباتهم) وبينوا الاخـتلافات بين الظاهرة الإنسانية والظاهرةالطبيعية، ونوجزها فيما يلي:

    1
    ـ أ) الظاهرة الطبيعية مُكوَّنة من عدد محدودنسبياً من العناصر المادية التي تتميَّز ببعض الخصائص البسيطة، وهذا يعني أنه يمكنتفتيتها إلى الأجزاء المكوِّنة لها. كما أن الظاهرة الطبيعية توجد داخل شبكة منالعلاقات الواضحة والبسيطة نوعاً والتي يمكن رصدها.

    ب) الظاهرة الإنسانيةمُكوَّنة من عدد غير محدود تقريباً من العناصر التي تتميَّز بقدر عال من التركيبويستحيل تفتيتها لأن العناصر مترابطة بشكل غير مفهوم لنا. وحينما يُفصَل الجزء عنالكل، فإن الكل يتغيَّر تماماً ويفقد الجزء معناه. والظاهرة الإنسانية توجد داخلشبكة من علاقات متشابكة متداخلة بعضها غير ظاهر ولا يمكن ملاحظته.

    2ـ أ) تنشأ الظواهر الطبيعية عن علة أو علل يسهل تحديدها وحصرها، ويسهل بالتالي تحديد أثر كل علة في حدوثها وتحديد هذا الأثر تحديداً رياضياً.

    ب) الظاهرة الإنسانية يصعب تحديد وحصر كل أسبابها، وقد تُعرَف بعض الأسباب لا كلها، ولكن الأسباب تكون في العادة متداخلة متشابكة، ولذا يتعذر في كثير من الحالات حصرها وتحديد نصيب كل منها في توجيه الظاهرة التي ندرسها.

    3ـ أ) الظـاهرة الطبيعـية وحـدة متكـررة تَطَّرد على غرار واحد وبغير اسـتثناء: إن وُجدت الأسـباب ظهرت النتيجة. ومن ثم، نجد أن التجربة تُجرَى في حالة الظاهرة الطبيعية على عينة منها ثم يُعمَم الحكم على أفرادها في الحاضر والماضي والمستقبل.

    ب) الظاهرة الإنسانية لا يمكن أن تَطَّرد بنفس درجة الظاهرة الطبيعية لأن كل إنسان حالة متفردة، ولذا نجد أن التعميمات، حتى بعد الوصول إلىها، تظل تعميمات قاصرة ومحدودة ومنفتحة تتطلب التعديل أثناء عملية التطبيق من حالة إلى أخرى.






  10. #90
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    4ـ أ) الظاهرة الطبيعية ليس لها إرادة حرة ولا وعي ولا ذاكرة ولا ضمير ولا شعور ولا أنساق رمزية تُسقطها على الواقع وتدركه من خلالها، فهي خاضعة لقوانين موضوعية (برانية) تحركها.

    ب) الظاهرة الإنسانية على خلاف هذا، ذلك لأن الإنسان يتسم بحرية الإرادة التي تتدخل في سير الظواهر الإنسانية، كما أن الإنسان له وعي يسقطه على ما حوله وعلى ذاته فيؤثر هذا في سلوكه. والإنسان له ذاكرة تجعله يُسقط تجارب الماضي على الحاضر والمستقبل، كما أن نمو هذه الذاكرة يُغيِّر وعيه بواقعه. وضمير الإنسان يجعله يتصرف أحياناً بشكل غير منطقي (من منظور البقاء والمنفعة المادية)، كما أن الأنساق الرمزية للإنسان تجعله يُلوِّن الواقع البراني بألوان جوانية.

    5ـ أ) الظواهر الطبيعية ينم مظهرها عن مخبرها ويدل عليه دلالة تامة بسبب ما بين الظاهر والباطن من ارتباط عضوي شامل يُوحِّد بينهما فيجعل الظاهرة الطبيعية كلاًّ مصمتاً تحكمه من الداخل والخارج قوانين بالغة الدقة لا يمكنها الفكاك منها، ولهذا تنجح الملاحظة الحسية والملاحظة العقلية في استيعابها كلها.

    ب) الظواهر الإنسانية ظاهرها غير باطنها (بسبب فعاليات الضمير والأحلام والرموز) ولذا فإن ما يَصدُق على الظاهر لا يَصدُق على الباطن. وحتى الآن، لم يتمكن العلم من أن يُلاحظ بشكل مباشر التجربة الداخلية للإنسان بعواطفه المكبوتة وأحلامه الممكنة أو المستحيلة.

    6ـ أ) لا يوجد مكوِّن شخصي أو ثقافي أو تراثي في الظاهرة الطبيعية؛ فهي لا شخصية لها، مجردة من الزمان والمكان تَجرُّدها من الوعي والذاكرة والإرادة.

    ب) المكوِّن الشخصي والثقافي والذاتي مكوِّن أساسي في بنية الظاهرة الإنسانية. والثقافة ليست شيئاً واحداً وإنما هي ثقافات مختلفة، وكذا الشخصيات الإنسانية.

    7ـ أ) معدل تحوُّل الظاهرة الطبيعية يكاد يكون منعدماً (من وجهة نظر إنسانية)، فهو يتم على مقياس كوني، كما أن ما يلحق بها من تغير يتبع نمط برنامج محدد، ولذا فإن الظواهر الطبيعية في الماضي لا تختلف في أساسياتها عنها في الحاضر، ويمكن دراسة الماضي من خلال دراسة الحاضر.

    ب) معدل التغيُّر في الظواهر الإنسانية أسرع بكثير ويتم على مقياس تاريخي، وما يطرأ عليها من تغير قد يتبع أنماطاً مسبقة ولكنه قد ينسلخ عنها. وعالم الدراسات الاجتماعية لا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يلمس الظواهر الإنسانية التي وقعت في الماضي، ولذا فهو يدرسها عن طريق تقارير الآخرين الذين يلونون تقاريرهم برؤيتهم، فكأن الواقعة الإنسانية في ذاتها تُفقَد إلى الأبد فور وقوعها.







 

صفحة 9 من 54 الأولىالأولى ... 56789101112131939 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء السادس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 61
    آخر مشاركة: 2010-10-27, 05:20 AM
  2. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الخامس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 2010-10-26, 05:58 AM
  3. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الرابع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:39 AM
  4. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثالث
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 69
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:31 AM
  5. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الثاني
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 96
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:04 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML