الدكتور وسام الشاذلي يكتب : الملتحي والآخر... حدث فعلاً
Date: 2011-06-08 16:06:55
تقابله امام المصعد بشعرها المرسل وملابسها المثيرة، وهو هناك بلحيته الطويلة، ينظر في اتجاه آخر ويبدوا كمن يفكر في أمور تشغله عن كل ماحوله، ملامحه ثابتة ووجهه لايتحرك، قابلته صدفة في بعض المرات، لماذا لاينظر إليها، الكل معجب بها، بملامحها الجميلة تكون محط الأنظار في كل مكان تذهب اليه ، أما هو فدائماً ماينظر بعيداً ، لماذ ياتري؟ تساؤلات لاتعرف اجابتها...
تزوج وسكن في عمارة جديدة، تعرف علي الجيران، وكان هناك جار مسيحي واسرته وابنته المعاقة، العلاقة فاترة يقابله بلحيته الطويلة المرسلة فيلمح في عيونه ذات النظرة (قلق وهروب وتشكك)، يحاول التواصل معه ولكن كان الجار دائماً ما يتجنبه هو وزوجته - والتي هي منتقبة بطبيعة الحال - مع أنها كثيراً ماتحدثت معه عن معاناة هذه الأسرة مع البنت المعاقة وصبرهم عليها، تمر الأيام ويخرج صاحبنا الملتحي لصلاة الجمعة فيجد مبلغاً من المال، مبلغ كبير فعلاً امام العمارة، يقوم بحمله معه ويذهب الي صلاة الجمعة، بعد انتهاء الصلاة يعود الي العمارة ويقابل احد جيرانه فيسأله هل سقط منه أي مبلغ مالي، فينفي ويقول له في الغالب جارنا الفلاني (الجار المسيحي) لأنه يذهب الي عمله مبكراً، يذهب متردداً الي شقة جاره ويدق جرس الباب، يأتيه صوت زوجة جاره بعد ان نظرت في العين السحرية قائلة بارتباك شديد: مين؟ فيرد انا جاركم الفلاني، هل ضاعت منكم أية أموال؟ تشهق بفرح وتفتح الباب نعم نعم، ضاع من زوجي مبلغ كبير وهو ذاهب الي العمل، فيسألها عن القيمة فتخبره فيقوم باعطائها المال، تشكره كثيراً وتدعوا له ويتركها وينصرف، في المساء يصعد اليه الجار المسيحي ويدخل الي منزله لأول مرة ويشكره كثيراً علي أمانته وتستمر العلاقة الطيبة فترة طويلة، وعندما يهم بمغادرة المنزل الي بيت جديد يودعه جاره المسيحي وهو يكاد يبكي....
ولأن صاحبنا الملتحي طموح نوعاً ما، ولأن الله منحه الكثير من نعمه التي لاتحصي، جاءته الفرصة ليقوم بالتدريس في كبري الجامعات الخاصة لبعض الوقت بجانب عمله والذي حقق فيه نجاحاً ملحوظاً بفضل الله، تجربة جديدة وفي أول محاضرة له تحدث عن قيمة العدل وأن جميع الطلاب سيحصلون علي فرصة متكافئة ولن يكون هناك أي محاباة علي اساس الجنس أو الدين أو غيره فلكم عاني هو من الإقصاء والظلم والتحقيق والاعتقال بسبب هيئته، اصبح من اشهر المدربين في الجامعة وتم تكريمه بلحيته الطويلة المرسلة، وفي نهاية احد الفصول الدراسية وجد في بريده الالكتروني هذه الرسالة من الطالبة المسيحية والتي اصرت علي ان تدرس في الصف الخاص به: (الرسالة مترجة عن اللغة الانجليزية)
)I'm so excited and wanted to stop and tell you how much I appreciate your help over the semester. You were patient, inspirational, and actually made things fun. Thank you so much for everything. I won't forget it!
I always say that I don’t judge people from their appearance but you made me lea the lesson practically from the beginning to the end of the semester! I dropped all my expectations and stereotyping I had before! I was amazingly surprised by your character and speech :) I felt you should know this (
(أنا متحمسة جداً وأريد ان أوقف كل شئ لكي أقول لك كم أنا مقدرة لمساعدتك خلال الفصل الدراسي، لقد كنت صبوراً، ملهماً، وتجعل الأشياء ممتعة، اشكرك جداً علي كل الشئ، ولن انساه ابداً!
كنت دائماً اقول انني لا أحكم علي الناس بمظهرهم ولكنك جعلتني اتعلم الدرس بشكل عملي من بداية الي نهاية الفصل الدراسي! لقد تخليت عن كل التوقعات والقوالب الثابتة التي كانت لدي سابقاً! لقد فوجئت بشكل مثير للدهشة من شخصيتك وحديثك، لقد شعرت انك لابد ان تعرف هذا)
كانت هذه بعض الحقائق من حياة الملتحي والمصنف كسلفي في ملفه بأمن الدولة (لاأعاده الله)، عندما يجلس مع اصدقائه وكثير منهم من الملتحين، لاأحد يتحدث عن استمتاعه بقطع يد السارق ولا عن مدي نشوته ان تم تطبيق حد الرجم أو حد الجلد (مع رغبته التي لايخفيها في ان تطبق شريعة الله والتي تمثل الحدود مجرد جزء من شرع رائع ومحكم وفيه صلاح البشرية كلها) يضحكون ويمرحون واذا مرت أمامهم فتاة لاأحد يتفحصها ولا أحد يعاكسها ولاأحد يتحدث عن اجزاء جسدها ولا أحد يسخر من هيئتها، تمر فقط ولا يحدث أي شئ بل الجميع يغض بصره عنه اتباعاً لخير من مشي علي الأرض (محمد صلي الله عليه وسلم)، يجلس مع زوجته ويستمتعان بقراءة كتب الراحل الكبير عبد الوهاب مطاوع وقصص بريد الجمعة، يتفاعلون معها، تنساب دموعهم علي مآسيهم، ابطال حقيقيون وقصص حقيقية وليست أفلام أو روايات.... يتفقون علي علي أهمية العمل الخيري وجمع الصدقات ومواساة المرضي والمحتاجين، بشر كما البشر!
كنت دائماً الملتحي السائر في حياته بحلوها ومرها ولم اقصد بهذه الحكايات امراً شخصياً ولكنها محاولة لفتح باب فهم الآخر، أياً من كان هذا الآخر، وفتح لباب التوقف عن الأحكام المسبقة والعامة، المجتمع يعاني الآن، عندما خرجت في جمعة الغضب خرجت للتخلص من نظام ظلم هذا الشعب، تخلصنا منه ولكن بقي الكثير مما زرعه هذا النظام وابرزها الحكم السلبي علي الآخرين والتعميم وعدم محاولة فهم الآخر او التواصل معه، الإقصاء في ابشع صوره والنظرة الاستعلائية، هنا اتحدث عن الجميع جميع اطياف المجتمع بحاجة للتصالح ومعرفة ان المصير واحد والمركب واحد: سننجو معاً أو نغرق معاً، أشعر ببعض الحزن الآن ولكني تواسيني صور الشهداء، انظر اليها اثناء كتابة هذه السطور، ماكل هذه البراءة وكل هذه الشجاعة، بالتأكيد لن تضيع دمائكم هباءاً وستبقي مصر الجميلة الرائعة التي حلمنا بها معاً، ياليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً، نعم ياليتني كنت معكم....
وسام الشاذلي
استشاري نظم، مدرس بكلية التعليم المستمر بالجامعة الأمريكية
دبلوم دراسات عليا في الاقتصاد الدولي، ماجيستير ادارة الأعمال،hglgjpn ,hghov
المفضلات