بسم الله الرحمن الرحيم
بدأت المرأةُ المسلمة مسيرتَها في الدعوة إلى الله، شأنُها في ذلك شأن الطفل في أُولى خطواته: لديها الطموح والأمل والاندفاع، ومع هذا كله... لا بد من التعثّر. وإن من تلك العثرات ما هو طبيعي ومُتوقَّع وذلك لقلّة باع المرأة في هذا المضمار؛ ولكنْ أن تكون تلك العثرات بفعل فاعل، فهذا ما يؤسَف له لا سيّما إذا كان الفاعلُ هو الزوج!! يأتي الأخ طالباً لمن ستصبح سكناً له ويصبح هو سكناً لها، مشترطاً ـ بورِكَ فيه ـ التقوى ومكارمَ الأخلاق والارتباط بالدعوة إلى الله؛ وقد يقع اختياره على واحدةٍ من أنشط الداعيات، أو على الأقل واحدة ممن تتوسّم الدعوة فيهنّ خيراً بالنسبة لفهمها الإسلامي واستقامتها ونشاطها الدعوي. وتمضي الأيام، وتبدأ عزيمةُ هذه الأخت بالتراخي وهِمّتُها بالتراجع، وتبدأ بالتخلّف عن مواعيد كثيرة. وإذا سُئلت عن سبب تخلفّها تقول: منعني زوجي من الخروج في هذا الطقس الممطر، أو تقول: منعني زوجي من السير منفردة على الطريق خوفاً عليّ وكان مشغولاً فلم يستطع مرافقتي. وقد تقول ـ بعد الإنجاب ـ: يخاف زوجي على طفلي كثيراً وأشترط أن لا أسير به في الشارع، فأنا بحاجة لمن يُوصلني بالسيارة. وتقول أخرى: أصابني زكام فأمرني زوجي بعدم الخروج من المنزل. وتعتذر أخرى قائلة: لقد حظّر عليّ زوجي الخروج من المنزل أكثر من مرة في الأسبوع. وعلى هذا المنوال... تكثر الأقاويل والاعتذارات ورمي الاتهامات على الزوج.
وما هذا الذي ذكرناه إلا غيض من فيض!!
وبكل حسرة وأسى، وبألم جامح يعتصر أفئدتنا، نسألك يا أخي: لماذا؟
أَلأَنَّك تستكثر على المرأة ـ بسبب مفهوم خاطىء لديك ـ أن يكون لها دور في العمل الإسلامي والدعوة إلى الله - تعالى - أم لأنك تستلذّ بتطبيق حقك في القِوامة على زوجتك، فتأسُرُها متى تريد وتُطْلِقُها حين يحلو لك؟
أم هي أنانيّتك؟
إن إقدامك على الزواج من امرأة ملتزمة بدعوة إسلامية هو دليل اقتناعك بالعمل النسائي الإسلامي، إذن فقد سقط الأمر الأول من الحسبان. وإذا كان الأمر الثاني هو السبب، فلا تجعل يا أخي قوامتك على زوجتك حَجَرَ عَثْرة في طريق نهضتها لنشر الإسلام فتأثم بذلك؛ لأن عمل المرأة في الدعوة إلى الله في يومنا هذا واجب شرعي، كما قد علمت من افتتاحية العدد السابق (وبالمناسبة هنا فإنّ من المفيد جداً قراءة الكتيِّب النافع "دور المرأة في العمل الإسلاميّ" للداعية الشيخ فيصل مولوي حفطه الله في شأن هذا الواجب). ويغلب على الظنّ أن تكون أنانيّتُك هي الدافعة لاصطناع مثل هذه الموانع السطحية. فأنت حين ترجع من عملك، تحب أن تستقبلك زوجتُك بابتسامتها الناعمة التي ربما تُنسيك تعب النهار، وتحب أن تجد الطعامَ الشهيّ حاضراً، والبيت مرتَّباً، والأولادَ هادئين وعلى أحسن حال، وهذا بلا أدنى شك من حقك. ولكن ينبغي أن تعلم بأن القيام بالواجب والنهوض بالأمة من كبوتها وتخلّفها والرقيّ بحال المرأة المسلمة لا يكون إلا بالتضحية وعلى حساب شيء من راحتك ورفاهيّتك. نعم، على الأخت الزوجة بحكمتها وهِمّتها أن توفِّق بين بيتها وبين مشاركتها في العمل الإسلامي ودعوتها لهذا الدين. والملاحظ فعلياً أن المرأة الداعية إلى الله ـ إن كانت منظَّمة وصاحبة همّة ـ تحافظ دائماً على نظافة بيتها وترتيبه ونظافة أولادها، كما تحافظ على حُسْن تبعّلها لزوجها، وربما أكثر بكثير من اعتناء سائر النساء بذلك؛ وذلك بفضل الله، وبحسن توكّلها على الله.
وكما أن لكل حالة ما يُستثنى منها، فإن المرأة الداعية قد تتخلّى أحياناً ـ مضطرّة ـ عن القيام بكامل واجباتها تجاه زوجها لانشغالها بالدعوة، وفي هذه الحالة لا تنسَ يا أخي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكون في مهنة أهله إذا دخل بيته، ولا تنسَ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله".
تذكّر يا أخي أن المرأة اليوم عادت لتظهر على ساحة العمل الإسلامي بعد غياب طويل، فهي في بداية طريقها، وهي إذن في أشدّ الحاجة لمساعدتك ومساندتك وتشجيعك لكي تخوض غمار الدعوة إلى الله وتكتسب الخبرة اللازمة حتى تستطيع أن تنطلق في دعوتها بخُطاً ثابتةٍ واثقةٍ. وإن هذا الأمر يفرض على المرأة الخروج من منزلها ـ من أجل واجبها الشرعي وفي حدود مرضاة الله - تعالى - مما يستلزمُ التضحية بالوقت والجهد والمال والراحة، ويفرض عليك يا أخي أن تأذن لزوجتك ـ بل وتدفعها دفعاً إذا وجدتَها متخاذلة ـ بالإسهام بدورها في بناء المجتمع النسائي المسلم، وأن تضحّي براحتك ما دام ذلك في سبيل مرضاة الله - تعالى -. واعلم أن هذه ليست صدقة تتصدّق بها على زوجتك أو على الدعوة بل هي أمانة أنتَ مسؤول عنها ولا تتمكّن زوجتُك من أدائها والقيام بحقِّها إلا بإذنك.
وفي الحقيقة إن موقفك، أيها الأخ، من هذه القضية ينجلي بعدة أسئلة تطرحها بينك وبين نفسك وتُجيب عليها بصدق وصراحة:
هل للإسلام من همّي ونفسي ووقتي المقام الأول؟
هل يمكن بناء أمة الإسلام وإقامة حضارته بالرجل دون المرأة؟
وهل يمكن لزوجتي وبناتي المشاركة في العمل النسائي الإسلامي إذا لم أسمح لهن أو لم أساعدهنّ بشتى الوسائل ولم أبذل راحتي ومالي ووقتي في سبيل ذلك؟.
أخي المسلم، إن الدعوة إلى الله متى كانت هدف الزوجين، أمكن التفاهم بينهما وأصبح التوفيق بين الواجبات المتزاحمة ميسوراً بالتعاون. فاذكر قول الله - تعالى -: {وتعاونوا على البرّ والتقوى} وتضرّع إليه بقوله - عز وجل -: {ربَّنا أفرِغْ علينا صبراً وثبّت أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.,,h[f; Hdqh dh Hod
المفضلات