المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قاصِف
و هل الشمس عندما تغرب ناحية البحر و نحن نراها و كأنها تنزل في البحر يعني أنها فعلاً تغرب و تغوص في البحر؟
قال القفال (تـ 507هـ) عن العلماء قولهم في تفسير هذه الآية: "ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغرباً ومشرقاً حتى وصل إلى جرمها ومسها ... وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافاً مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق ، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض، ولهذا قال: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً ﴾، ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم". (1)
وقال الرازي: "ثبت بالدليل أن الأرض كرة، وأن السماء محيطة بها ، ولا شك أن الشمس في الفلك ، وأيضاً قال : ﴿وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً ﴾ ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود ، وأيضاً الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض ، إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله : ﴿ تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ من وجوه:
الأول : أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة، وإن لم تكن كذلك في الحقيقة، كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر ، هذا هو التأويل الذي ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره .
الثاني : أن للجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط البحر بها، فالناظر إلى الشمس يتخيل كأنها تغيب في تلك البحار" . (2)
وقال ابن كثير: " ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾ أي: فسلك طريقًا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض. وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدّة والشمس تغرب من ورائه فشـيء لا حقيقة له. وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب، واختلاق زنادقتهم وكذبهم.
وقوله: ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله ، يراها كأنها تغرب فيه ، وهي لا تفارق الفلك الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه" . (3)
(1) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (11/50).
(2) التفسير الكبير، الرازي (21/166).
(3) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (3/191) .
المفضلات