عبد الكريم الكاتب
بينما كنت مهمومًا أتابع أخبار المسلمين وما أصابهم من مصائب، خاطبتني نفسي قائلة: يا هذا، أنت من يؤخر النصر عن هذه الأمة! بل وأنت سببٌ رئيسي في كل البلاء الذي نحن فيه!
قلت لها: أيا نفسي، كيف ذاك وأنا عبد ضعيف لا أملك سلطة ولا قوة، لو أمرت المسلمين ما ائتمروا، ولو نصحتهم ما انتصحوا.
فقاطعتني مسرعة، إنها ذنوبك ومعاصيك، إنها معاصيك التي بارزت بها الله ليل ونهار.. إنه زهدك عن الواجبات، وحرصك على المحرمات.
قلت لها: وماذا فعلت أنا حتى تلقين عليَّ اللوم في تأخير النصر؟
قالت: يا عبد الله، والله لو جلست أعدُّ لك ما تفعل الآن لمضى وقت طويل.. فهل أنت ممن يصلون الفجر في جماعة؟
قلت: نعم أحيانًا، ويفوتني في بعض المرات.
قالت مقاطعة: هذا هو التناقض بعينه، كيف تَدَّعِي قدرتك على الجهاد ضد عدوِّك، وقد فشلت في جهاد نفسك أولاً، في أمر لا يكلفك دمًا ولا مالاً، لا يعدو كونه دقائق قليلة تبذلها في ركعتين مفروضتين من الله الواحد القهار؟!..
كيف تطلب الجهاد، وأنت الذي تخبَّط في أداء الصلوات المفروضة، وترك صلاة الجماعة، وضيَّع السنن الراتبة، ولم يقرأ وِرْده من القرآن، ونسي أذكار الصباح والمساء، ولم يترك الغيبة، ولم يكن بارًّا لوالديه، ولا واصلاً لرحمه، واستمرأ النظر إلى محرمات في صحف أو شاشات، وأدخل المفسدات، وقصَّر في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وانشغل بالتُّرَّهات؟!
واستطردت: كيف تطلب تحكيم شريعة الله في بلادك، وأنت نفسك لم تحكِّمها في نفسك وبين أهل بيتك، فلم تتقِ الله فيهم، ولم تدعهم إلى الهدى، وتبعدهم عن المحرمات، ولم تحرص على إطعامهم من حلال, وكنتَ من الذين قال الله فيهم: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، فبعتَ ما فيه منكرات، وكذبت وغششت، وأخلفت الوعد، فاستحققت الوعيد.
قلت لها مقاطعًا: وما لهذا وتأخير النصر؟ أيتأخر النصر في الأمة كلها بسبب واحد في المليار؟
قالت: آه ثم آه ثم آه، فقد استنسخت الدنيا مئات الملايين من أمثالك إلا من رحم الله.. كلهم ينتهجون نهجك، فلا يعبئون بطاعة، ولا يخافون معصية، وتعلَّل الجميع أنهم لا يطلبون النصر؛ لأن بالأمة من هو أفضل منهم، لكن الحقيقة المؤلمة أن الجميع سواء إلا من رحم رب السماء..!
أما علمت يا عبد الله أن الصحابة إذا استعجلوا النصر ولم يأتهم، علموا أن بالجيش من أذنب ذنبًا.. فما بالك بأمة واقعة في الذنوب من كبيرها إلى صغيرها، ومن حقيرها إلى عظيمها.. ألا ترى ما يحيق بها في مشارق الأرض ومغاربها؟!!
بدأت قطرات الدمع تنساب على وجهي، فلم أكن أتصور ولو ليوم واحد وأنا ذاك الرجل الذي أحببت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأحببت الإسلام وأهله، أنني قد أكون سببًا من أسباب هزيمة المسلمين، وأنني قد أكون شريكًا في أنهار الدماء المسلمة البريئة المنهمرة في كثير من بقاع الأرض..
لقد كان من السهل عليَّ إلقاء اللوم على هذا أو ذاك، لكنني لم أفكر في عيبي وخطئي أولاً، ولم أتدبر قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
فقلت لنفسي: الحمد لله الذي جعل لي نفسًا لوامةً، يُقسِم الله بمثلها في القرآن إلى يوم القيامة.. فبماذا تنصحين؟
فقالت: ابدأ بنفسك، قم بالفروض فصلِّ الصلوات الخمس في أوقاتها في الجماعة، وادفع الزكاة، وإياك وعقوق الوالدين، تحبَّب إلى الله بالسنن، لا تترك فرصة تتقرَّب فيها إلى الله ولو كانت صغيرة إلا وفعلتها، وتذكر أن تبسُّمك في وجه أخيك صدقة، لا تدعُ إلى شيء وتأت بخلافه، ولا تطالب برفع راية الجهاد وأنت الذي فشل في جهاد نفسه، ولا تلقِ اللوم على الآخرين تهرُّبًا من المسئولية، بل أصلح نفسك وسينصلح حال غيرك..
كن قدوةً في كل مكان تذهب فيه.. إذا كنت تمضي وقتك ناقدًا عيوب الناس، فتوقف جزاك الله خيرًا؛ فالنقَّاد كُثُر.. وابدأ بإصلاح نفسك ودعوة غيرك واجتهد في ذلك.. وبعدها اسأل الله تعالى بصدق أن يؤتيك النصر أنت ومن معك وكل من سار على نهجك، فتكون ممن قال الله فيهم: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
واعلم أن كل معصية تعصي الله بها، وكل طاعة تفرِّط فيها - هي دليل إدانة ضدَّك في محكمة دماء المسلمين الأبرياء.
فرفعتُ رأسي مستغفرًا الله على ما كان مني، ومسحت الدمع من على وجهي، وقلت: يا رب، إنها التوبة إليك.. لقد تبت إليك. وفتحت صفحة حياة جديدة.. بدأتها بركعتين في جوف الليل.. أسأل الله أن يديم عليَّ نعمتهما.
المصدر: موقع عودة ودعوة.Hkj lk dcov hgkwv uk i`i hgHlm !!
المفضلات