بسم الله الرحمن الرحيم
الوصية الأولى:
بذل الجهد في تعميق الإيمان في النفوس:
فكلما بذل الجهد في تأصيل الإيمان في النفوس تعمق وترسخ واقتنع به صاحبه؛ فيصبح إيمانه ملء سمعه وبصره، وأنس قلبه وقرة عينه، ويصبح إيمانه محركًا لصاحبه إلى كل خير، ومقعدًا له عن كل شر، وإذا تعمق الإيمان، ووقر في القلب، واستقر فيه، فلن تزعزعه شبهة ولا شهوة، وسيواجه الأمور مواجهة الجبال الصمّ التي تصد الرياح، ولا تحركها الأعاصير. قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ...(136)} [سورة النساء] بمعنى: قووا، ورسخوا، واستقيموا على الإيمان، وزيدوا الإيمان في النفوس- والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية-.والله - جل وعلا - لما قسم الناس ثلاثة أقسام: مؤمنين خلصًا، وكفارًا خلصًا، ومنافقين، فبدأ في صفات المؤمنين بقوله - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ... (3)} وختمها بقوله: {... وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4)} [سورة البقرة].
فأول نصيحة أقدمها وأذكر بها: أن يبذل الشباب المسلم- الذي هو الآن أمام فتن الشبهات والشهوات، وأمام أعداء الإسلام، وأمام الفتن الظاهرة والباطنة- جهده في تعميق إيمانه، والموفق من وفقه الله - تعالى -، وعلى المرء أن يبذل الجهد فيما يقدر عليه مما يقوي إيمانه؛ من تلاوة كتاب الله، وقراءة سير أنبياء الله، وقراءة سير الصالحين في هذه الأمة، ومن فعل الطاعات، ومن مجالسة الأخيار، والتأمل في نصوص الوعد والوعيد، والتوفيق من الله - سبحانه وتعالى -.
الوصية الثانية:
الالتزام بمقتضيات الإيمان: وهذا أمر لابد منه لكل مسلم: شيخًا كان أو شابًا، ذكرًا أو أنثى، فضلاً عن أن يكون داعية، وهو التزامه بمقتضيات ما آمن به... فينبغي للمسلم- لاسيما الداعية إلى الله- أن يكون أول ممتثل لما يأمر به، وأول منتهٍ عما ينهى عنه؛ لأنه إذا تمثلت فيه دعوته، واستقام على ما يدعو إليه كما أمر الله - عز وجل -: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ…(112)} [سورة هود] سيصبح كأنه قطعة من الإسلام؛ يرى الناس جمال الإسلام وجلاله وحسنه في تصرفاته ومعاملاته. وعندما يبدأ الداعية بنفسه، ويستقيم ويلتزم بما يأمر به، ويدعو إليه؛ سيكون حريًا أن يقبل الناس قوله ودعوته، ولكم في ذلك سلف من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ قال شعيب لقومه كما حكى الله - تعالى - عنه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ... (88)} [سورة هود] وقال صاحب يس: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)} [سورة يس] فالالتزام، وإعطاء المدعو صورة حية من الإسلام؛ له أثر كبير في قبول الدعوة ونفاذها إلى القلوب، ثم إن المقتنع بما يأمر به، المحب له، الذي امتزجت دعوته بلحمه ودمه، لابد إذا قال قولاً؛ أن يقول له واقعه: صدقت وبررت، لا أن يقول له واقعه: لا صدقت ولا بررت.
يا أيهـا الرجـل المعلم غـيره *** هـلا لنفسك كـان ذا التعليـم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كيما يصح به وأنت سقيـم
وتراك تصلح بالرشاد عقـولنا **** وأنـت مـن الـرشـاد عـديم
لا تنـه عـن خلق وتأتي مثله *** عـار عليـك إذا فعلت عـظيم
وقد قال بعض الدعاة: لو وجد الالتزام والاستقامة من الرجل، لكان داعية بفعله، ولو لم يتكلم في الدعوة ببنت شفة.
الوصية الثالثة:
الإخلاص لله في كل عمل: فيبتعد الداعية كل البعد عن إرادة الدنيا بعمله. وهذه هي طريقة أنبياء الله، واقرءوا سورة الشعراء وغيرها، فكل منهم يقول: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ... (109)} [سورة الشعراء] وذلك في عدة آيات، وقال صاحب يس: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)} [سورة يس] فإذا كان عند الداعية القناعة في نفسه، والرضا بما يدعو إليه ومحبته؛ فلتكن رغبته منصرفة إلى ما عند الله - سبحانه - من أجر وثواب، فهمة الداعية فيما بينه وبين ربه؛ يجب أن تكون هي الدعوة وإصلاح الناس. فنصيحتي للمسلم أن يتعامل مع الله وحده، وأن يرتبط بالله وحده بأن تكون جميع تحركاته في دعوته.. في أمره.. وفي نهيه مع الله - سبحانه - لا مع غيره، رضي القوم أم لم يرضوا؟ فإذا بدر منه ما يقدح في تجرده لله؛ فليعد إلى الله، وليستغفر.
الوصية الرابعة:
الاجتهاد في طلب العلم الشرعي: وهو أمر مهم يجب أن تفتح له الآذان والصدور، فليعلم الداعية شيخًا كان أو شابًا، ذكرًا أو أنثى، أن الآمر الناهي لابد له من العلم الشرعي عند دعوته للناس. ولقد بوب البخاري - رحمه الله - في كتاب العلم بابًا خصصه لذلك فقال: " بَاب: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ - تعالى -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ... (19)} [سورة محمد]. فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَرَّثُوا الْعِلْمَ مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ... ". وكذلك قال الله - عز وجل -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي... (108)} [سورة يوسف] والبصيرة هنا: هي العلم، فيجب على الداعية، أو الآمر، أو الناهي أن ينطلق في دعوته، وأمره، ونهيه على بصيرة من العلم الشرعي؛ إذا قال: هذا حلال، كان عنده من الله فيه برهان، وإذا قال: هذا حرام منكر، كان عنده من الله فيه برهان، فالله - عز وجل - قال: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ(116)} [سورة النحل] وهذا لا يعني أني أريد من الشباب أن يقعدوا عن الدعوة حتى تمتلئ رءوسهم بالعلم، ولكني أقصد أن يكونوا على علم بالأمر الذي سيأمرون به أو سينهون عنه، وإن جهلوا أمورًا كثيرة من الشرع، فأي مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ورضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا، أصبح بهذا الشهادة جنديًا من جنود الله، وعضوًا في جماعة الدعوة إلى الله، وهو مطالب ببذل جهده ومشاركة إخوانه في ذلك، ولكن حسب استطاعته وعلى قدر علمه، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يفدون على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيأخذون منه ما يأخذون من العلم وينصرفون بما تعلموا إلى قومهم وأهليهم دعاة بما عرفوا لا بمالم يعرفوا، وكذلك لم يقعدوا حتى يمتلئوا بالعلم.
فيا يا شباب الإسلام تسلحوا بالعلم لتقوية الإيمان في قلوبكم، وتسلحوا به لمحاربة وساوس الشيطان ومقاومة فتن الدنيا، وكلكم يعرف شرف العلم وفضله وأهميته وما أثنى الله - تعالى - به على العلماء، والقرآن مليء بالآيات الدالة على ذلك، وإن كان هذا ليس موضوعنا ولكن هذا مقام التذكير به.
قال الله - عز وجل -: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى... (19)} [سورة الرعد]. وقال - سبحانه -: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(22)} [سورة الملك] وقال - سبحانه -: {رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ... (9)} [سورة الزمر].
وينبغي للمسلم في هذا العصر الذي كثر فيه الجدل أن يستقي علمه من كتاب الله - تعالى -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالدرجة الأولى وما عليهما من تفاسير، وشروح للعلماء الثقات، ويبتعد عن كل ما يشعب نفسه، ويبلبل أفكاره.
الوصية الخامسة:
الصبر على مواجهة الواقع المنحرف: ليعلم الداعية إلى الله أنه في وقت كثر فيه الباطل، وكثرت فيه المكابرة عن الحق، وأصبح الشر هو الغالب، فواقع الناس كما قال - سبحانه وتعالى -: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ(103){[سورة يوسف] وكما قال - سبحانه -: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ... (116)} [سورة الأنعام] مما يدعو حملة الدعوة ـ وهم يبذلون الجهد في مواجهة هذا الواقع ـ أن يتحسبوا لما قد يواجَهون به، وأن يهيئوا أنفسهم بما يعينهم على تحمل ما قد يُبتلون به في مسيرتهم ودعوتهم، وذلك بتقوية الإيمان، والتجرد عن الدنيا، وبالعلم الذي يجعلك تمشي على هدى وبصيرة، ولذا نجد أن أول سورة نزلت برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبأمره بالدعوة إلى الله، وبالبلاغ جاء فيها الأمر بالصبر، فقال - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1)قُمْ فَأَنْذِرْ(2)وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3)وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4)وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(5)وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ(6)وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ(7)} [سورة المدثر] فالله - عز وجل - بعلمه الأزلي علم ما سيلقاه الدعاة والمصلحون، الذين اختارهم واصطفاهم واجتباهم لهذا الأمر العظيم من أهل الباطل ومن أهل الضلال: كفارًا كانوا، أو فساقًا؛ فأمرهم بالصبر ولقد ذكر الإمام أحمد أن الصبر ورد في القرآن في قرابة تسعين موضعًا، وذلك لحاجة الناس إليه لاسيما الدعاة.
الوصية السادسة:
التحلي بالأناة والحكمة: أوصي الدعاة وخاصة الشباب لأني أعرف أن الشباب قد يكون فيه من الحرارة والاندفاع والحمية، وقد يكون فيه من قلة التجارب ما يجعلهم يستعجلون في الأمور، فنصيحتي لهم: الأناة الأناة، التثبت التثبت، الحكمة الحكمة.
ولا أقصد بالحكمة ما هو مشهور عند كثير من الناس الذين يجعلون الصمت عن المنكر حكمة، ويجعلون قول الباطل في موقف ما حكمة؛ لا، وإنما أقصد الحكمة التي جاء بها الشرع، وهي وضع الأشياء في مواضعها.. وأنصحهم بالتثبت خاصة في قضية الحكم على الآخرين بتكفير أقوام، أو تفسيق أقوام، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بالمسلمين، ولاسيما الدعاة منهم: أحياء كانوا أم أمواتًا؛ فالانحراف في قضية الحكم على الآخرين من الفتن التي ابتليت بها مجتمعاتنا اليوم وابتلي بها شباب - مع الأسف - منسوبون إلى العلم والاعتقاد السليم والدعوة إلى الله، ابتلوا بما جعل بعضهم ينهش بعضًا، ولا شك أن مثل هذا الانحراف في قضية الحكم على الآخرين خطر على شباب المسلمين وخطر على تماسك المسلمين، وخطر على الدعوة إلى الله، ولا يستفيد من ذلك إلا أعداء الجميع، فهناك أصابع خفية تسلط بعض الشباب على بعض وأنا أحذر من هذا. ولا تؤاخذوني إن انفعلت في هذا الأمر فقد عايشت في السنوات التي مضت أمثلة من هذا النوع، لقد عايشت مثل هذه الأمور مع كثير ممن نحسبهم دعاة والله حسيبهم، ونحسبهم علماء، ونحسبهم أيضًا أهل فضل وخير، لكنهم، وأقولها صريحة وفي نطاق تقويمي المحدود قسمان:
قسم: يحدث منه ذلك- مع اجتهاده وتحريه- اندفاعًا وطبيعة وجبلة، ولم يدر أنه بهذا يحارب الأخيار، ويقف في صف أعداء الله.
وقسم: قد يكون ممن تدور حولهم شبهات بأنهم مدفوعون لتفتيت الشباب وتفرقته.
ضوابط هامة في الحكم على الآخرين:
أولها: أن من لوازم أخلاق أهل السنة والجماعة أن يفرحوا بما عليه المسلم من خير، وأن يغضوا عما فيه من شر- إذا كان مقصورًا عليه- وأن لا يُشهِّروا به على أحد ميتًا ولاحيًا، وأن ينشغلوا بما ينفعهم وينفع دعوتهم، ما لم يكن الأمر متعلقًا بالحديث عن مبتدع بدعته مكفرة توافرت فيه شروط ما ينقل عن أصل الإيمان، ويخرج من الملة، وانتفت عنه موانع التكفير.
ثانيها: أن عقيدة السلف الصحيحة أن الإيمان يزيد وينقص.
ثالثها: قال الله - عز وجل -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ... (10){[سورة الحجرات] وقال - سبحانه -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ... (71)} [سورة التوبة] فمقتضى الإخوة والولاء أن يحترم المسلم أخاه - لاسيما- إن كان عالمًا، وأن يكف عن مساويه، وأن يكف عن عرضه؛ لأن عرض أخيك المسلم مثل عرضك يجب أن يحترم خاصة إذا كان ذا قدم في الدعوة.
رابعها: لا يجوز لمسلم أن يعطي أعداء الإسلام حججًا على أولياء الله سواء كان ذلك بحسن نية، أو بسوء نية.
فعلى الدعاة خاصة الشباب أن يتأنوا، وأن يتثبتوا، وأن يشغلوا أنفسهم بالعلم النافع، وبالدعوة إلى الله لبيان المنهج السليم، وأن يثبتوا فيما ينقلوا أو يُنقل لهم، وألّا يجرحوا إخوانهم من الدعاة والمشتغلين بالعلم.
الوصية السابعة:
الصبر على بطء الاستجابة للدعوة وقلة المستجيب: هذه الوصية أشعر أن الدعاة محتاجون لها من واقع أسئلتهم الكثيرة، فالدعاة وفقهم الله - خاصة الشباب - يشكون من عدم استجابة الناس لهم.. دعوا.. عملوا.. فما وجدوا لدعوتهم أثرًا في الناس!!
وأقول: أنتم مأمورون بالدعوة إلى الله، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالبلاغ، بالتعليم، هذه الهداية عليكم، أي هداية ؟ هداية البيان والإيضاح للناس، أما هداية الإلهام والتوفيق، فهذه على الله - عز وجل -، وهي التي نفاها الله - عز وجل - عن أكرم خلقه في قوله - تعالى -: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ... (56){[سورة القصص] فعلى من دعا وأمر ونهى وقضى عمره- لا أسبوعًا، أو أسبوعين- قضى عمره في ذلك، ولم يشعر أنه استجيب له ولم ير أثرًا لدعوته، على هذا أن يطمئن؛ فعمله محسوب عند ربه - سبحانه وتعالى -، فلا يجور أن يضيق صدره، ولا أن يحزن إلا حزنَ رثاء، وهو أن يرثى لحال المعرضين، ويرجو أن يهديهم الله لكن لا يضيق صدره فقد قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ... (127)} [سورة النحل] جاء هذا الأمر بعد قوله - سبحانه -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(125)وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ(126)وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ...} قال بعدها: {... وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ(127)إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ(128)} [سورة النحل]. ومثل هذا قوله - سبحانه -: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا(6)} [سورة الكهف]. فالمؤمن يبذل الجهد، ويبذل السبب، وأمر التوفيق إلى الله - سبحانه وتعالى -.
الوصية الثامنة:
الإحسان إلى المدعو: فليعلم الشباب أن من أساليب القبول ومن الأساليب التي تؤدي إلى استجابة الناس للداعية؛ الإحسان إلى من يوجه إليه الأمر أو النهي إذا أمكن ذلك بشيء من المباحات، فكثيرًا ما يستميل الإحسان قلوب الناس حتى قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان
ونحن لا نريد استعباد قلوب الناس، فهذا لا ينبغي أن يكون إلا لله، ولكن المراد استمالة قلوبهم وتألفها؛ ولذا فأنا أنصح الشباب عند دعوتهم للناس، أو في بيوت أهليهم أو في بيوت أقاربهم، أن يبدأ أولاً: بالإحسان بما استطاع من المباحات كالهدية، وحسن المعاملة حتى يصبح له عندهم قدم، وله في نفوسهم كلمة، ثم يدعوهم، ويصبر على دعوتهم.
الخاتمة:
وختامًا أقول وأدعو الله أن يميتنا ونحن نقولها: عليكم بالدعوة إلى الله، فليس في الحياة أفضل منها، ولا أشرف، ولا أعلى منزلة منها؛ لأن الله - جل وعلا - قال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33)} [سورة فصلت]، فكونوا من أهلها، وتحركوا بها؛ لعلكم أن تنالوا هذا الشرف العظيم، وأن تحظوا بجزائها الكبير، وقد استنبط بعض العلماء أن جزاء الداعية من جنس جزاء الأنبياء - عليهم السلام -، من قول الله - عز وجل -: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا(69)ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا(70)} [سورة النساء] فلما كان في عمله في الدنيا ما يماثل عمل الأنبياء ومهمتهم في تبليغ الرسالة والدعوة؛ كان جزاؤه من جنس جزائهم. فأرجو الله - سبحانه وتعالى - أن يستعملنا وإياكم في الدعوة إليه على بصيرة، وبصدق، وإخلاص، ونرجوه - سبحانه - أن يحيينا وذرياتنا على هذا الأمر، وأن يتوفانا في سبيله، فهو - سبحانه وتعالى - حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.
,whdh , j,[dihj gg]uhm
المفضلات