إلى العلمانيين الجدد
د. ياسر صابر
قمتم على شاكلة أقرانكم الغربيين بمحاكاة تجربتهم فى تعاملهم مع المجتمع وعلى رأسه الدين ، فقلتم كما قالوا : يجب إبعاد الدين عن السياسة ، وأضفتم إلى ذلك بعداً جديداً طائفياً متعللين بوجود غير مسلمين فى المجتمع ولهذا تطالبون بدولة علمانية وتظنون بذلك أنكم تسطرون طريق النهضة للأمة كما سطرها أقرانكم من الغربيين حين نهضوا بأمتهم بعد إقصاء دينهم عن الحياة. لقد إتبعتم خطواتهم دون التفكر لحظة واحدة فى واقعهم الذى عاشوه والأسباب الموجبة لوجودهم ولو فعلتم ذلك لأدركتم أن الواقع الذى عاشه الغرب فى ظل الدين كان واقعاً سيئاً ضرب فيه التخلف كل مناحى الحياة ووقفت الكنيسة حائلاً كبيراً بإسم الدين أمام العلم بل هى التى حكمت على العلماء بالحرق ليس هذا فحسب بل كانت الكنيسة تعتبر المرأة شيطاناً (البابا بيوس الثانى 1458- 1464م) بكلماتٍ أخرى وقفت الكنيسة حائلاً أمام المجتمع والنهضة . فما كان إلا أن قام المفكرون والسياسيون بالثورة على هذا الواقع وقاموا بتأسيس مبدئهم الذى فصل الدين عن الدولة وسحبوا بذلك البساط من تحت أرجل الكنيسة ليسطروا عصر نهضةٍ جديد للغرب ومنذ ذلك التاريخ تحول الغرب من عصوره الوسطى المظلمة إلى عصر النهضة الأوروبية .
كان حرىٌ بكم وأنتم تحاكوا هذه التجربة أن تدرسوا واقع الأمة التى تنتمون إليها وإن فعلتم لوجدتم أن الأمة عاشت عصر نهضتها فقط فى ظل الإسلام وسطرت بكل رعاياها حضارة لو عاش الغرب ملايين السنين فلن يستطيع أن يحاكيها، وتجربة الأندلس تكفى للتدليل على هذا فإن المدنية التى شيدها المسلمون فى الأندلس مازالت إلى يومنا هذا باقية ولم يستطع الغرب حتى الأن محاكاتها سواء فن العمارة أو شبكات الصرف أو غيرها ، والتقدم العلمى الذى أشع بنوره على كل أوروبا وترك أثره على كل مجالات العلوم فى الغرب إلى يومنا هذا ، ورسالة ملك بريطانيا لوالى الأندلس هشام الثالث لأكبر دليل على التقدم العلمى الذى وصل إليه المسلمون تحت ظل الإسلام . وماشهدته العواصم الإسلامية ومكتباتها فى بغداد والقاهرة وغيرهما من حركة ثقافية من تأليف وترجمة وإبداع علمى كل هذا تحت ظل الإسلام وليس بعيداً عنه بل إن الإسلام هو المحرك لهذه النهضة التى شملت كل مناحى الحياة. لودرستم تاريخ الأمة جيداً لوجدتم أن المرأة كانت قاضية فى عهد عمر بن الخطاب بينما فى الغرب لم تتقلد المرأة القضاء إلا فى بداية القرن العشرين ولو درستم كيف كان الحكم والإقتصاد والسياسة الخارجية وكيف كانت علاقة الراعى بالرعية لأدركتم أن الإسلام كان السبب الوحيد لنهضتنا.
الإسلام هو الذى صهر كل القوميات والأعراق فى دولته وإستوعب كل الناس بإختلاف عقائدهم فعاش فى دولته النصرانى واليهودى وعملوا جنباً إلى جنب مع المسلمين وماسجل تاريخ الإسلام أن هناك مشكلة أقليات لأن الإسلام تميز عن غيره من المبادىء بأنه يحتوى تشريعاً لغير المسلمين فلايظلمهم . أما الغرب الذى تتخذونه مثلاً تقتدوا به فلم يستطع إلى يومنا هذا أن يزيل الحواجز بين شعوبه بإختلاف قومياتهم ولم يستطع أن يصهرهم فى بوتقة واحدة كما فعل الإسلام بل على العكس من ذلك شهد حروباً طاحنة فى حربين عالميتين راح ضحيتهما مايزيد عن 60 مليون من البشر. ونحن الأن فى القرن الواحد والعشرين لم يستطع الغرب أن يستوعب المسلمين الذين يعيشون على أرضه سواء من المهاجرين أو من أبناء البلاد الأصليين، بل إن حريته فشلت فى أن تتقبل لباس المرأة المسلمة فضيق عليها ولم يستطع مجتمعه أن يتقبل الأخر ومازال الغرب إلى يومنا هذا يفرق بين البشر على أساس اللون فالعنصرية تجرى فيهم مجرى الدم من العروق.
إذاً أنتم أمام تجربتين الأولى سطر فيها الغرب نهضته بعد أن فصل دينه عن الحياة وحاول جاهداً أن يجعل هذا مقياساً للشعوب التى تبغى النهضة ، والتجربة الثانية هى تجربة الأمة الإسلامية التى نهضت بدينها وكانت أكبر دليل على إبطال الزعم الغربى بأنه لانهضة فى ظل الدين . فبأى تجربة تأثرتم حتى تنادوا فى مجتمعنا إلى فصل الدين عن الدولة؟ طبعاً بالتجربة الغربية ! وليتكم درستم التجربتين وأعملتم عقولكم لكان أفضل لكم من أن تقلدوا الغرب تقليداً أعمى.
ليس هذا فحسب بل تخرجوا علينا بين الفينة والأخرى فى الإعلام لا لتنادوا بفصل الدين عن الدولة بل لتطالبوا بمنع أى حزب سياسى يتخذ الإسلام مبدءاً له ! أهكذا علمتكم ليبراليتكم ؟ إقصائيون إلى أبعد الدرجات ، تطالبون بمنع الإسلام فى بلد إسلامى مالكم كيف تحكمون؟ إنكم تعلمون بأنه ليس لدعوتكم مكان فى بلد متدين كمصر لهذا تهيئون لأنفسكم الأجواء من الأن حتى لايبقى فى الساحة غيركم . هل نسيتم الملايين من الشباب النقى الطاهر وهم مصطفون فى صلواتهم يتحملون دهس السيارات ورشاشات المياه وهم صابرون ؟ يالها من أنانية بل من ضعف ! لماذا تخافون من الأحزاب القائمة على أساس الإسلام ؟ ألستم على قناعة بماتطرحون؟ إذاً يجب أن يكون عندكم من الشجاعة أن تواجهون . هل حملتكم ليبراليتكم على التضحية كما ضحى الشباب الملتزم منذ مايزيد عن الخمسين عاماً بما عاناه من سجن وتعذيب حتى الموت؟ أتبخسونهم حقهم بدل أن تدافعوا عنهم ؟ كانوا يخططفون من بيوتهم ومن بين أبنائهم يعذبون ويلاحقون وأنتم فى بيوتكم جالسون ! أليس من حقهم أن يمارسوا العمل السياسى على أساس الإسلام وهم قد ضحوا بكل مايملكون من أجله؟
إن المعاناة التى يعانيها مجتمعنا اليوم هى ثمرة الأنظمة العلمانية التى حكمتنا على مر السنين ، التى فتحت البلاد أمام أعدائنا ينهبون خيراتها ويعيثون فيها فساداً فجعلتنا فى مؤخرة الأمم . فعليكم أن تعوا طبيعة المرحلة التى نحن فيها وبدل أن تبدأو حملاتكم الإقصائية من الأن تجاه المخلصين من أبناء الأمة عليكم أن تمدوا يد العون لإنقاذ البلد من القاع الذى أرداها فيه النظام الهالك حتى نخرجها إلى بر الأمان وعندها فليقدم أصحاب المشاريع مشاريعهم لإنهاض الأمة ، ولنجعل الأمة تختار من تعطيه قيادتها ، لاأن تبدأو من الأن حملات الإقصاء فتشكلون بهذا الوجه الأخر للنظام البائد .
-----------------------------------------------
حاشية : رسالة جورج الثانى إلى هشام الثالث
"من جورج الثاني ملك إنجلترا والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام, وبعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان, ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن . ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص . من خادمكم المطيع جورج ملك إنجلترا ".
Ygn hguglhkddk hg[]]
المفضلات