أكثر أهل الجنة
فاضل الله بين عباده بالرزق والعطاء؛ ابتلاءً لهم وامتحانًا، فأغنى من شاء منهم بفضله، وأفقر آخرين بحكمته، قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان: 20].
وفي المجتمع فئة هم أكثر أهل الجنة، أعلى الله منزلتهم وأدناهم منه، قال -عليه الصلاة السلام-: (اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء)[1].
المؤمنون الفقراء هم أقرب الناس إلى الأنبياء وأكثر أتباع الرسل، قال جلَّ شأنه حكاية عن قوم نوح -عليه السلام-: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، وقال هرقل لأبي سفيان سألتك عن أتباع محمد، فذكرت أنَّ ضعفاءهم اتبعوه، قال: "وهم أتباع الرسل"[2].
أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يكون إقباله عليهم، وأنزل الله العتاب على نبيه في الإعراض عنهم، {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس: 1-4].
من لم يدنُ منهم، أو يأمر بالإحسان إليهم؛ كان موبَّخا في كتاب الله، {كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر: 18،17].
يغضب الله على من بخس حقاً من حقوقهم، أصحاب الجنة الذين ذكرهم الله في سورة القلم منعوا الفقير تكثُّرًا لأموالهم، فأحرق الله زروعهم، {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: 20].
دعواتهم حرية بالإجابة؛ لخلوِّ قلوبهم من التعلُّق بزخرف الحياة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "والله عند المنكسرة قلوبهم، خير الأطعمة ما شهدوها"، قال -عليه الصلاة السلام-: (شرُّ الطعام: طعام الوليمة، يُدْعَى لها الأغنياء، ويُتْرَك الفقراء)[3].
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يأكل حتى يُؤتَى بمسكين يأكل معه[4].
إطعامهم مُوجِب للجنان قال -عليه الصلاة السلام-: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام)[5].
الساعي عليهم كالمجاهد والعابد، قال -عليه الصلاة السلام-: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار، ويقوم الليل)[6].
وكان نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أقرب الناس إليهم، يتلمس أحوالهم، ويقضي حاجاتهم، قال سهل بن حنيف -رضي الله عنه-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم"[7].
في مجالستهم نماء المال، وصفاء النفس، وزهد في الدنيا، وتذكيرٌ بالنِّعم، وشحذ للهمم إلى الآخرة، في القرب منهم تتفتَّح أبواب الرزق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -عزَّ وجل-: (أَنْفِقْ أُنْفِق عليك).
هم سبب دفع الآفات والشرور، قال -عليه الصلاة السلام-: (هل تنصرون وترزقون إلَّا بضعفائكم)، وفيهم مجاب الدعوة المقرب من الله، قال -عليه الصلاة السلام-: (رُبَّ أشعثٍ مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله؛ لأَبَرَّه).
والفقراء يحملون زاد الأغنياء للآخرة، ولولا المساكين؛ ما انتفع الغني بغناه، وللفقير فضل عليك في قبول صدقتك، فإن قَبِلَها الله منك؛ رفعك الله بها درجات.
والزمان ذو تقلُّب، تصبح غنيًا، وقد تُمْسِي فقيرًا، فاحفظ مالك بالإنفاق، ولا تردُّ فقيرًا بلا عطاء، فما اشتكى فقير إلَّا من تقصير غني، قال ابن العربي -رحمه الله-: "يستحب في الجملة أن لا يرجع الفقير خائبًا؛ لئلَّا يتعيَّن له، حق فيتوجه على المسئول عتاب أو عقاب".
والصدقة تدفع البلاء، وتقي مصارع السوء، فشاطر الفقراء أفراحهم وآلامهم بالبشاشة والابتسامة، واجعل الفقير أحد أفراد أسرتك، وأحبَّه، وادنُ منه مع حسن الملاطفة واللين، وتأسَّى بذوي الكرم والتواضع والسخاء، واخفض له جناح الذل بالعطاء، فالإنفاق عليه من أسباب الثبات على الدِّين، سُئل النبي-صلى الله عليه وسلم- أي الإسلام خير؟ قال: (تُطْعِم الطعام، وتُقْرِئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف).
واليسير من البذل يستر من النار، قال -عليه الصلاة السلام-: (يا عائشة، استتري من النار ولو بشق تمرة؛ فإنَّها تسدُّ من الجائع مسدَّها من الشبعان).
والصدقة تطفئ الخطيئة، وتهون شدائد الدنيا والآخرة، ويستظلُّ بها صاحبها في المحشر حتى يقضى بين الخلائق، وتحفظ المال وتنمِّيه، وتجلب الرزق، وتحبِّب العبد إلى الله، وتدعوه إلى سائر أعمال البر، فلا تستعصي عليه، وتتيسَّر له أمور الحياة، والمال كالحجر في اليد لا ينتفع به إلَّا إن فارق الكف.
للشيخ: عبد المحسن القاسم -حفظه الله-
(بتصرف)
[1] متفق عليه.
[2] رواه البخاري.
[3] متفق عليه.
[4] متفق عليه.
[5] رواه الترمذي.
[6] متفق عليه.
[7] رواه أبو يَعْلى.
H;ev Hig hg[km
المفضلات