وفاته
1- كفى بالموت عظةً وعبرةً... لقد شاء اللهُ-تعالى-أنْ يكونَ الموتُ نهايةَ كُلِّ إنسانٍ مهما طال عمرُهُ،ومهما كان موقعُهُ من الحياة، وتلك سُنَّةُ الحياةِ كما عبر عنها القرآنُ الكريم في قوله-تعالى-:{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} الأنبياء: 34-35، وفي قوله- تعالى-:{إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30
فها هو ذا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ خيرُ البشرِ،يموتُ بعد أنْ عانى من سَكَراتِ الموتِ وآلامِ المرضِ...وإذا وعى النَّاسُ هذه الحقيقةَ استشعرُوا معنى العُبُوديةِ والتَّوحيدِ،وخضعُوا للهِ الواحدِ القَهَّارِ،واستعدُّوا للموتِ بالإكثار من العملِ الصَّالحِ، وطاعة الله، وإخلاص العبادة له في كُلِّ مجالٍ من مجالاتِ الحياةِ، لاسيما عبادة الله في تحكيمِ شرعِهِ،والجهاد في سبيل ذلك؛لأنَّ الله يَزَعُ بالسُّلطانِ ما لا يزعُ بالقرآنِ؛لأنَّ الله-تعالى- الذي خلقَ البشرَ خبيرٌ بما يُصلحهم في الدُّنيا والآخرةِ... {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} الملك: 14(1).
2- عبر عن الوفاةِ الإمامُ الغزاليُّ:
اعلم أنَّ في رسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أسوةً حسنةً –حياً وميتاً وفعلاً وقولاً-وجميع أحواله عبرةٌ للناظرين،وتبصرةٌ للمستبصرين،إذ لم يكن أحدٌ أكرمَ على اللهِ منه إذ كانَ خليلَ اللهِ وحبيبَهُ ونجيَّهُ،وكان صفيَّهُ ورسولَهُ ونبيَّهُ، فانظر.. هل أمهله ساعةً عند انقضاءِ مُدَّتِهِ؟ وهل أخَّرَهُ لحظةً بعدَ حُضُورِ منيِّتِهِ؟ لا .. بل أرسلَ إليه الملائكةَ الكِرَامَ الموكَّلينَ بقبضِ أرواحِ الأنامِ،فجدُّوا بروحِهِ الزَّكيَّةِ الكريمةِ لينقلُوها،وعالجُوها ليُرَحِّلُوها عن جسدِهِ الطَّاهرِ إلى رحمةٍ ورضوان،وخيرات حسان،بل إلى مقعدِ صدقٍ في جوارِ الرَّحمنِ، فاشتدَّ مع ذلك في النَّزعِ كربُهُ، وظهرَ أنينُهُ، وترادف قلقُهُ وارتفع حَنينُه، وتغيَّرَ لونُهُ وعرق جبينُهُ،واضطربت في الانقباضِ والانبساطِ شمالُهُ ويمينُهُ حَتَّى بكى لمصرعِهِ مَنْ حضرَهُ،وانتحب لشدةِ حالِهِ مَن شهدَ منظرَهُ.فهل رأيتَ منصبَ النبوةِ دَافِعاً عنْهُ مقدوراً؟!وهل راقبَ الملَكُ فيه أهلاً وعشيراً؟
وهل سَامَحَهُ إذْ كَانَ للحقِّ نَصِيْراً؟ وللخلقِ بَشِيراً ونَذِيْراً؟ هيهاتَ!! بل امتثلَ مَا كانَ بِهِ مأمُوراً،واتَّبعَ ما وجده في اللَّوحِ مَسْطُوراً،فهذا كانَ حالَهُ وهو عند الله ذُو المقامِ المحمودِ، والحوضِ المورودِ، وهو أولُ مَن تنشقُّ عنه الأرضُ، وهو صاحبُ الشَّفاعةِ يومَ العَرْضِ..
فالعجبُ أنا لا نعتبرُ به، ولسنا على ثقةٍ فيما نلقاهُ!! بل نحن أُسراء الشَّهواتِ وقُرَنَاءُ المعاصي والسيئات.
فَمَا بالُنا لا نَتعِظُ بمصرعِ مُحمَّدٍ سَيِّدِ المرسلينَ،وإمامِ المتقينَ،وحَبِيْبِ رَبِّ العالمينَ!!
لعلنا نظنُّ أننا مخلَّدون،أو نتوهَّمُ أنا مع سوءِ أفعالِنا عندَ اللهِ مُكْرَمُون.. هيهاتَ..هيهاتَ!! بل نتيقن أنا جميعاً على النَّارِ واردون، ثم لا ينجُو منها إلا المتَّقُون، فنحن للورودِ مستيقنون،وللصُّدورِ عنها مُتوهِّمُون، لا.. بل ظلمنا أنفسَنَا إنْ كُنَّا كذلكَ لغالب الظنِّ مُنتظرينَ،فما نحنُ-واللهِ-من المتقين،وقد قال رَبُّ العالمينَ: {وإنْ منكم إلا واردُها كان على ربِّك حَتْماً مقضياً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظَّالمينَ جثياً} مريم: 71-72.
فلينظرْ كُلُّ عبدٍ إلى نفسِهِ أنَّهُ إلى الظالمين أقربُ أم إلى المتقين؟ فانظرْ إلى نفسِكَ بعد أن تنظرَ إلى سيرةِ السَّلَفِ الصَّالحينَ، فلقدْ كَانُوا مَعَ مَا وفِّقُوا لَهُ مِنَ الخائفينَ،ثُمَّ انظرْ إلى سَيِّدِ المرسلينَ،فإنَّهُ كانَ مِنْ أمرِهِ عَلَى يقينٍ، إذْ كانَ سَيِّدَ النَّبيِّينَ، وقائدَ المتَّقينَ،واعتبرْ كيفَ كانَ كَرْبُهُ عِنْدَ فِرَاقِ الدُّنيا،وكيفَ اشتدَّ أمرُهُ عندَ الانقلابِ إلى جَنَّةِ المأْوى(2).
1 -راجع: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية, ص(695-696).
2 - إحياء علوم الدين (4/468- 469).
المصدر :hgu/hj ,hgufv lk ,thm sd~A] hgfQaQvA
المفضلات