جُمعت أسفار العهد الجديد قبل موت الرسول يوحنا، فاطّلع عليها وصدّقها، لأن الله أطال حياته ليقوم بهذه المهمة. وقد حافظ أئمة المسيحيين على هذه الأسفار من جيل إلى آخر بغاية الاهتمام، كما فعل أفراد سبط لاوي الذي أفرزه الله ليحافظ على الشريعة ويقيم شعائرها، فكان أئمة الدين المسيحي منقطعين لتفسيرها وشرحها والوعظ منها، وكانوا شديدي الحرص عليها لأنها تعلن طريق الخلاص والأمجاد السماوية. وترجموها وتناقلوها بالسند القوي المتَّصل من جيل إلى آخر، فانتشرت بين أمم شتى في أنحاء الدنيا، مترجمةً بلغاتهم، فكانت تُتلى عليهم في كنائسهم، وانتشرت انتشاراً عظيماً بحيث أصبح يستحيل إدخال شيء فيها من التغيير أو التبديل..السند المتَّصل للعهد الجديد
الدكتور القس منيس عبد النور
http://www.popekirillos.net/ar/bible/dubiosity/03.php
فكيف يتَّفق أصحاب العقائد العديدة المنتشرة في أنحاء الدنيا على تغيير كتابهم الذي يحضّهم على الأمانة والصدق والحق؟ وقد ورد فيه صريحاً أن «من يزيد على هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوَّة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة» (رؤيا 22: 18، 19). فمن يقبل على نفسه الضربات واللعنات؟
ولم يكن ممكناً أن يحرِّف المسيحيون كتابهم، لأن اليهود الذين اشتهروا بعداوتهم لهم كانوا واقفين لهم بالمرصاد.. ثم كيف كان المسيحيون يقبلون كتاباً محرَّفاً؟.. وكيف كانوا يقبلون الاضطهاد والموت في سبيل كتاب محرَّف؟
ولنذكر أسماء بعض الذين ظهروا في القرن الأول إلى الرابع الميلادي واستشهدوا بالكتب المقدسة وتكلموا عنها، مما يدل على متانة السند المتصل لكتب العهد الجديد:
استشهاد الرسل بكلام بعضهم:
استشهد الرسل بكتب بعضهم بعضاً، معترفين بأنها وحي إلهي. فقال بولس الرسول في 1تيموثاوس 5: 18 «الفاعل مستحق أجرته» وهي العبارة الواردة في لوقا 10: 7 مما يدل على أن إنجيل لوقا كان منتشراً وقت كتابة الرسول بولس لتيموثاوس.
وقال الرسول يعقوب: «فإن كنتم تكمّلون الناموس الملوكي حسب الكتاب: تحب قريبك كنفسك، فحسناً تفعلون» (2: 8). وهو اقتباس من متى 22: 39.
وقال بطرس الرسول: «كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها أيضاً، متكلّماً فيها عن هذه الأمور، التي فيها أشياء عسرة الفهم يحرّفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم» (2بطرس 3: 15، 16).
وبما أن الله خصَّ الرسل بقوّة المعجزات، فقد ميَّزوا بين الكتب الموحى بها من غيرها، وكانوا يستشهدون بكتب بعضهم كاستشهادهم بكتب أنبياء العهد القديم. أما الذين كانوا معاصرين لهم، فنذكر منهم:
من رجال القرن الأول:
(1) برنابا: عمل مع الرسول بولس (أعمال 13: 2، 3، 46، 47 و1كورنثوس 9: 6)، ويُسمّى رسولاً أيضاً (أعمال 14:14) وألّف رسالة كانت لها منزلة كبرى عند القدماء ولا تزال موجودة، استشهد فيها بإنجيل متى ونقل عنه بقوله «مكتوب». وكان اليهود يستعملون هذه الكلمة عند الاستشهاد بالكتب المقدسة. واستشهد بكثير من أقوال العهد الجديد، وذكر عجائب المسيح، واختياره 12 تلميذاً، وجَلْده ولطمه والاستهزاء به والاقتراع على لباسه، وقيامته في أول الأسبوع، وصعوده إلى السماء، وغير ذلك.
(2) أكليمندس: أسقف روما وعمل مع الرسول بولس (فيلبي 4: 3) وكتب رسالة إلى كنيسة كورنثوس استشهد فيها بكثير من أقوال المسيح الواردة في الإنجيل، ومن رسائل الرسل. ويُظن أنه عُيِّن أسقفاً على روما سنة 91م وتوفي سنة 100م في السنة الثالثة من حكم الإمبراطور تراجان.
(3) هرماس: كان معاصراً لبولس الرسول، وذكر اسمه في رومية 16: 4. كتب ثلاثة مجلدات في أواخر القرن الأول استشهد فيها بكثير من كتب العهد الجديد. وكانت له منزلة كبرى عند القدماء.
(4) أغناطيوس: كان أسقف أنطاكية في سنة 70م واستُشهد في سنة 107م، وكتب عدَّة رسائل لا تزال موجودة، استشهد فيها بالأناجيل ورسائل الرسل.
(5) بوليكاربوس: كان تلميذ الرسول يوحنا، رسمه أسقفاً على إزمير، واجتمع بكثير من الذين رأوا المسيح، ومات شهيداً في سنة 166م وبقيت من مؤلفاته رسالة استشهد فيها بنحو أربعين آية من العهد الجديد، ذكر فيها اتِّضاع المسيح وتعليمه وآلامه وموته على الصليب، وقيامته وصعوده. وأشار فيها إلى ما كابده بولس وغيره من الرسل من الأتعاب في الكرازة والتبشير، وتكلم عن تعاليم المسيح، ونقل عن الرسول يوحنا وغيره.
ومن رجال القرن الثاني:
(1) بابياس: أسقف هيرابوليس في آسيا، نبغ بين سنة 110 و116م، واجتمع ببوليكاربوس، وربما اجتمع بيوحنا الرسول. واستشهد في مؤلفاته بالأناجيل الأربعة وبرسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى وأعمال الرسل والرؤيا.
(2) جستن الشهيد: وُلد في إحدى مدن السامرة في فلسطين سنة 89م وآمن بالمسيحية سنة 133م واشتهر في سنة 140م إلى أن استُشهد سنة 168. وكتب عدَّة كتب دفاعاً عن المسيحية، منها رسالة للإمبراطور تيطس أنطونيوس بيوس، ورسالة للإمبراطور ماركوس أنطونيوس ولأعضاء مجلس الشيوخ في روما ولسكانها. وله محاورة مع تريفو اليهودي باقية إلى الآن تُظهر تبحّره في فلسفة فيثوغورس وأفلاطون، وأنه رأى أن الأسلم التمسّك بالمسيحية. وتكلم عن الأناجيل الأربعة، وقال إن المسيحيين كانوا يتعبدون بتلاوتها في معابدهم، وتكلم عن رسائل بولس وبطرس ويوحنا وسفر الرؤيا. ولشهادته منزلة رفيعة لأنها شهادة فيلسوف علاّمة.
(3) المسيحيون في فرنسا: في سنة 170 في عهد ماركوس أنطونيوس قاسى المسيحيون في فرنسا اضطهادات أليمة، ولا سيما في ليون وويانة، فأرسلوا إلى إخوانهم في آسيا رسائل تشرح ما يقاسونه، أشاروا فيها إلى إنجيلي لوقا ويوحنا وأعمال الرسل ورسائل بولس إلى رومية وأفسس وفيلبي وتيموثاوس الأولى وبطرس الأولى ويوحنا والرؤيا. وحافظ أوسابيوس على معظمها.
(4) مليتو، أسقف ساردس: الذي ألَّف 13 كتاباً وصلنا بعضها، ومن مؤلفاته تفسير الرؤيا.
(5) إيريناوس: أسقف ليون سنة 170م، وشهادته جليلة لأنه كان تلميذ الرسول يوحنا، واجتمع بكثير ممن رأوا الرسل. ومؤلفاته كثيرة بقي منها خمسة كتب، دحض فيها ضلالات المضلّين، وهي تدل على سعة اطّلاعه على كتب الوثنيين، وتمكُّنه من معرفة كتب العهدين القديم والجديد. واستشهد بجميع كتب العهد الجديد، ماعدا رسالة فليمون ورسالة يوحنا الثالثة ورسالة يهوذا.
(6) أثيناغوروس: نبغ في سنة 180م وكان من فلاسفة أثينا، وهو من مشاهير الكتَّاب. وألَّف رسالة دفاعاً عن المسيحيين قدَّمها للإمبراطور ماركوس أنطونيوس، ورسالة أخرى عن قيامة الموتى استشهد فيها بالكتب المقدسة.
(7) ثاوفيلس: أسقف أنطاكية (181م) الذي ألَّف ثلاثة كتب اقتبس فيها من العهدين القديم والجديد.
ومن رجال القرن الثالث:
ظهر كثيرون من العلماء في القرن الثالث، منهم أوريجانوس الذي وُلد في مصر سنة 184م، وتوفي سنة 253، واشتهر بالتقوى والفضيلة، حتى كان فلاسفة الوثنيين يعرضون مؤلّفاتهم عليه لتنقيحها وتهذيبها. وفسر الكتب المقدسة، وله مواعظ. وقِسْ على ذلك ديونيسيوس أسقف نيو قيصرية وغيرهم.
ومن رجال القرن الرابع:
أوسابيوس المؤرخ أسقف قيصرية، الذي مات سنة 340 ، وهيلاريوس سنة 366، وغيرهما.
وقد وصلنا من مؤلفات أولئك الأئمة الأفاضل نحو خمسين مؤلَّفاً من مؤلَّفاتهم التي تبلغ نحو مائة، منها تفاسير على الكتب المقدسة، ومنها في مواضيع شتى مؤيدة بآيات كثيرة من معظم الكتب المقدسة. وكان أولئك الشهود في أزمنة متنوعة وفي ممالك شتى، فنبغ أكليمندس في روما، وأغناطيوس في أنطاكية، وبوليكاربوس في سميرنا (إزمير)، وجستن الشهيد في سوريا، وإيريناوس في فرنسا، وأثيناغورس في أثينا، وثيوفيلوس في أنطاكية، وأكليمندس وأوريجانوس في الإسكندرية، وترتليان في قرطاجنة، وأغسطينوس في هبّو (وكلاهما في شمال أفريقيا) وأوسابيوس في قيصرية. وهذا يدل على انتشار المسيحية وكتبها المقدسة. ولا يمكن أن يكون هؤلاء جميعاً قد تواطأوا على تحريف كتبهم، ولكنهم شهدوا للحق.
وقد قارن علماء المسيحيين نحو 686 نسخة من كتب العهد الجديد خلاف التراجم والاقتباسات والاستشهادات، فوُجدت متوافقة. وهذا يدل على تنزّه الكتب المقدسة عن التحريف والتبديل، وسلامتها من شائبة الزيادة والنقصان. وأجمع الجميع أن كتب العهد الجديد كانت متواترة بينهم.
قال المعترض: «اختلف العلماء في زمن كتابة الأناجيل، لأن القدماء الأوَّلين صدَّقوا الكتابات الواهية ودوّنوها، فاقتفى أثرهم الذين أتوا بعدهم». وللرد نقول: عدم تحديد زمن كتابة كل إنجيل بالتدقيق لا يعني أن ما جاء بها واهٍ، فالمعوّل عليه هو ما جاء في نصوص الإنجيل.
حلوووة والله يا نصاري ...
يتبع (تفنيط) الهذيان أعلاه ! ...
hgsk] hglEjwg ggui] hg[]d] >>> pg,,,m lk;l dh kwhvd
المفضلات