بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
{قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا..}
في الأربع حلقات الماضية بيّنا أهمية التفكّر ووجوب التجرّد للحق والدليل، والتحرر من قيود التقليد والتعصب.
وفي الحلقات القادمة إن شاء الله سوف نذكر بعض المسائل التي تحتاج إلى تفكّر وبصيرة قبل الحكم عليها، فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإذا أخطأ الإنسان في تصور المسألة على حقيقتها والإحاطة بها من جميع جوانبها فإنه سوف يخطيء في إنزال الحكم الشرعي عليها ولابُد.
واعلم أخي الموفق أنه ما دام في العمر فسحة فإن باب التفكّر مفتوح، واحذر من التكبر عن قبول الحق لكونه يخالف قول فلان وفلان.
وفي هذه الحلقة أريدك أن تتفكّر معي في نقطة وموضوع مهم كثر فيه الاختلاف والتذبذب في زماننا، إنه موضوع [الحكام].
أنا لا أريد أن أخوض في الخلاف في إسلام أو كفر الحكام فإن هذه المسألة أُشبِعت دراسة وتفصيلاً، ولعلي أحيلك إلى بعض الكتب التي قد تجد فيها ضالتك فيما يتعلق بحكم الحكام في زماننا.
ولكني أريد أن أضع بين يديك أموراً لو تفكّرت فيها قبل خوضك في مسألة الحكام فإن ذلك سوف يقطع عليك شوطاً كبيراً من النقاش ويعينك بإذن الله على فهم الأمور ووضعها في نصابها.
في مسألة الحكام سوف نذكر عدّة أمور نتفكّر فيها:
- لماذا أمر الشرع بتنصيب الحاكم، وما هي صلاحياته، وما هو واجب المسلمين نحوه.
- أمور الحاكم لها ثلاث جوانب.
- حقيقة الحكام في زماننا وتبعيتهم لمن؟
- هل الخارج عليهم يعتبر من الخوارج التي جاءت النصوص بذمهم؟
ولنبدأ بالنقطة الأولى:
إن دين الإسلام دين شامل يهتم بشأن الفرد والمجتمع، ومن مقاصده إيجاد البيئة والمكان والمجتمع الذي يطبق شرائعه ويتمثّل به في جميع تصرفاته.
والقيام بالإسلام وشرائعه والمحافظة على قيمه وثوابته وأحكامه واجب وفرض على جميع المسلمين من حيث الجملة.
وتنصيب الحاكم إنما القصد منه القيام بأمور المسلمين وتنظيمها وفق شرع الله، لذلك سُمّي الحاكم ولي أمر المسلمين.
وإن أعظم أمر للمسلمين هو أمر الدين الذي به استحقوا اسم الإسلام وبتطبيقه ينطبق عليهم وصفه وحكمه.
إذا عرفت هذا تبين لك أن الحاكم ليس إلهاً ولا ربّاً يفعل ما يريد ويحكم بما يريد دون رقيب ولا حسيب، وليس الشعب عبيداً له يخضعون ويذلون لسلطته مهما فعل! بل الحاكم موكّل من قبل الأمة للقيام بشؤونها وعلى الأمة أن تراقب أفعاله وتصرفاته وتزنها بميزان الشرع.
ومتى قصّرت الأمة وخاصة أهل الحل والعقد في اختيار الحاكم الأمثل الناصح الأمين فإنها سوف تتحمل المسؤولية أمام الله في كل نقص وتغيير وإفساد يُحدثه الحاكم.
ومتى خرج الحاكم عن شرع الله فإن على الأمة وخاصة علمائها وأهل الحل والعقد أن يُقوّموه وينبهوه ويُحذّروه حتى يستقيم على أمر الله. وهذا هو ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا به.
ومتى ترك المسلمون والعلماء مراقبة الحاكم وتصرفاته فإنهم يكونون بذلك قد خانوا الأمانة وجعلوا أمور دينهم ودنياهم مُعرّضة للخطر.
إذا عرفت هذا تبين لك خطأ مَن ينهى الناس عن التدخل في السياسة، وترك الحكام يفعلون ما يريدون، فإن شمولية الدين تُحتّم على المسلمين مراقبة من وكّلوه على أمورهم.
وإذا كان الحاكم مأموراً أن يحكم فينا بشرع الله، بل ما نُصّب إلا لذلك فكيف لنا أن نعرف مدى قيامه بهذا الواجب وأدائه لهذه الأمانة إلا بمراقبة تصرفاته خاصة ما يتعلق بالسياسة العامة وإدارة شؤون البلاد.
وإذا كان الشرع هو الذي أمر بتنصيب الحاكم فلابدّ من عرض أفعاله على ميزان الشرع، والشرع هو الذي يحكم على الحاكم وعلى تصرفاته، وسلطة الشرع فوق سلطة الحاكم.
ولمّا كان منصب الحاكم مظنّة لحدوث الغفلة والترف والطمع والكِبْر والتعاظم كان السلف حريصون على نصح الحكام وزجرهم وتخويفهم ومراقبتهم لئلا يركنوا إلى الدنيا ويضيعوا أمور المسلمين.
وحرص السلف على مراقبة الحاكم وتوجيهه دليل على فقههم واستشعار مسؤوليتهم تجاه دينهم وأمتهم، حيث كان فعلهم له أثر كبير في حفظ دعائم الدين وثوابته وتشريعاته.
تفكّر في هذا وما يقوم به الحكام في زماننا من إفساد وتضليل، وتفكّر في موقف الناس والعلماء من تصرفات الحكام، سوف يظهر لك خللاً كبيراً في هذا الأمر، نتج عنه تضييع شريعة الله والتلاعب بها، وتمادي الحكام في الباطل والخيانة، وفتح باب عظيم للشر والفساد على المسلمين.
فمتى سوف تعي الأمة دورها، ومتى سوف يؤدي العلماء مسؤوليتهم.
وباقي النقاط سنتكلم عنها في الحلقات القادمة إن شاء الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.sgsgm igl,h tgkjt;v (5)
المفضلات