ظاهرة القمص زكريا بطرس.. لماذا?! - د. محمد عمارة
أي دين هذا الذي تأسس ويتأسس علي مبدأ لا أخلاقي?!.. وأي «فكر » ذلك الذي يتوصل -ولا نقول يتسول- بالكذب, حتي ليجعل الحصن علي هذا الكذب وصايا رسولية!!.. وكتابا مقدسا ?!..
قبل فترة شرع القمص زكريا بطرس, في قناة فضائية تبث من قبرص تسمي «الحياة» في الحديث عن عقائد الإسلام والمسيحية بصورة تجافي المنطق والعقل والنصوص المقدسة , وتحدي علماء المسلمين وعلي رأسهم شيخ الأزهر الشريف أن يردوا عليه, وانبري له واحد من علماء المسلمين ليفند أكاذيبه ومزاعمه هو الأستاذ مصطفي ثابت, الذي قدم نسخة من ردوده علي القمص بطرس للدكتور محمد عمارة -المفكر الإسلامي المعروف- حيث كتب هذه المقدمة الخطيرة التي ننشرها في حلقتين, ثم نبدأ -بمشيئة الله- نشر حلقات من الكتاب العلمي الموضوعي, خدمة للحق والحقيقة وهدية لقرائنا الكرام .
في التقديم لهذا الكتاب -الذي لا يحتاج إلي تقديم- سنحاول تقديم إضافة -لم يتطرق إليها المؤلف- تجيب علي هذا السؤال :
. لماذا دخلت الكنائس المحلية, في وطن العروبة وعالم الإسلام, ميدان العمل علي تنصير المسلمين.. بعد أن كانت شديدة الحذر من دخول هذا الميدان علي امتداد تاريخها مع الإسلام والمسلمين ?
.. لقد عاشت الكنائس النصرانية في الشرق الإسلامي قرونًا طويلة وهي تدرك أن الإسلام هو الذي أنقذها وأنقذ نصرانيتها من الإبادة الرومانية التي امتدت منذ ظهور المسيحية وحتي الفتوحات الإسلامية -ففي تلك القرون الستة عاشت النصرانية الشرقية - تحت نير الاستعمار الروماني -ديانة سرية مضطهدة ومطاردة ومتهمة بالهرطقة, حتي لقد اغتصب الرومان كنائسها وأديرتها- بعد تدينهم بالنصرانية.. منذ الانشقاق الذي حدث في «مجمع خلقدونية» سنة 451م, وتكون «المذهب الملكاني» الروماني, المعادي للنصرانية الشرقية.. فتواصل الاضطهاد الروماني للنصرانية الشرقية بعد اعتناق روما للنصرانية , كما كان الحال في عصر وثنية الرومان !..
ولقد استمر هذا الاضطهاد, الذي هربت منه قيادات النصرانية الشرقية إلي الصحاري والجبال والمغارات.. والذي تؤرخ الكنائس الشرقية حتي الآن بمجازره ضد أنصارها , فتسميه «عصر الشهداء »!..
عاشت النصرانية الشرقية هذا التاريخ, حتي جاء الفتح الإسلامي فحرر أوطانها من القهر السياسي والحضاري والثقافي والاقتصادي.. وحرر ضمير رعاياها من القهر الديني .
وظلت هذه النصرانية الشرقية وكنائسها واعية بذكريات هذا التاريخ الدموي .. وعارفة ومعلنة عن فضل الإسلام وفتوحاته التحريرية في إنقاذها من الهلاك والانقراض .
. فشاهد العيان علي الفتح الإسلامي لمصر, الأسقف «يوحنا النقيوسي» هو القائل :
«إن الله الذي يصون الحق, لم يهمل العالم, وحكم علي الظالمين, ولم يرحمهم لتجرئهم عليه, وردهم إلي يد الإسماعيليين [العرب المسلمين], ثم نهض المسلمون وحازوا كل مصر.. وكان هرقل [610- 641م] حزينًا.. وبسبب هزيمة الروم الذين كانوا في مصر , وبأمر الله الذي يأخذ أرواح حكامهم.. مرض هرقل ومات.. وكان عمرو بن العاص [50ق هـ - 43هـ 574- 664م] يقوي كل يوم في عمله, ويأخذ الضرائب التي حددها, ولم يأخذ شيئًا من مال الكنائس, ولم يرتكب شيئًا ما, سلبًا ونهبًا, وحافظ علي الكنائس طوال الأيام»(1 (.
. كما تحدث هذا الأسقف عن الأمان الذي أعطاه عمرو بن العاص للبطرك «بنيامين » [39هـ- 659م] بطرك المصريين -الذي كان هاربًا من مطاردة الرومان ثلاثة عشر عامًا - وعن عودته إلي رعيته.. واستقبال عمرو بن العاص له.. وزيارة البطرك للكنائس التي حررها له الإسلام.. والسعادة التي عبر عنها وأعلنها بما صنع الفتح الإسلامي للنصرانية المصرية.. فقال الأسقف يوحنا النقيوسي :
«ودخل الأنبا «بنيامين» بطريرك المصريين, مدينة الإسكندرية, بعد هربه من الروم ثلاثة عشر عامًا.. وسار إلي كنائسه , وزارها كلها, وكان كل الناس يقولون: هذا النفي, وانتصار الإسلام, كان بسبب ظلم هرقل الملك, وبسبب اضطهاد الأرثوذكسيين.. وهلك الروم لهذا السبب, وساد المسلمون مصر .. وخطب الأنبا «بنيامين» -في دير «مقاريوس»- فقال: لقد وجدتُ في الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدهما, بعد الاضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها الظلمة المارقون»(2 (.
وبعد الأسقف «يوحنا النقيوسي» بعدة قرون, يشهد الأسقف «ميخائيل السرياني» علي ذات الحقيقة, فيقول عن تحرير الإسلام للنصرانية المصرية والشرقية, وعن سماحة الإسلام مع نصارى مصر :
«لم يسمح الإمبراطور الروماني لكنيستنا المونوفيزتية [القائلة بالطبيعة الواحدة للمسيح] بالظهور, ولم يصغ إلي شكاوى الأساقفة فيما يتعلق بالكنائس التي نهبت, ولهذا, فقد انتقم الرب منه .
لقد نهب الرومان الأشرار كنائسنا وأديرتنا بقسوة بالغة, واتهمونا دون شفقة, ولهذا جاء إلينا, أبناء إسماعيل من الجنوب لينقذونا من أيدي الرومان, وتركنا العرب نمارس عقائدنا بحرية, وعشنا في سلام»(3 . )
ولما حرر عمرو بن العاص كنائس مصر وأديرتها من الاغتصاب الروماني , وردها إلي أهلها «خرج للقائه من أديرة وادي النطرون سبعون ألف راهب, بيد كل واحد عكاز, فسلموا عليه وكتب لهم كتابًا [بالأمان] هو عندهم»(4) -في أديرتهم .
وحتى القرن العشرين, ظل المؤرخون النصارى الوطنيون يشهدون علي هذه الحقيقة -حقيقة إنقاذ الإسلام للنصرانية الشرقية من الإبادة الرومانية- فكتب صاحب كتاب [تاريخ الأمة القبطية] -يعقوب نخلة روفيله- [1847- 1905م] يقول :
«ولما ثبت قدم العرب في مصر, شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهلين واستمالة قلوبهم إليه, واكتساب ثقتهم به, وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه, وإجابة طلباتهم .
وأول شيء فعله من هذا القبيل: استدعاء «بنيامين» البطريرك, الذي اختفي من أيام هرقل ملك الروم, فكتب أمانا أرسله إلي جميع الجهات يدعو فيه البطريرك للحضور, ولا خوف عليه ولا تثريب, ولما حضر وذهب لمقابلته ليشكره علي هذا الصنيع , أكرمه وأظهر له الولاء, وأقسم له بالأمان علي نفسه وعلي رعيته, وعزل البطريرك الذي كان أقامه هرقل, ورد «بنيامين» إلي مركزه الأصلي معززًا مكرمًا.. وكان «بنيامين » موصوفًا بالعقل والمعرفة والحكمة, حتى سمّاه بعضهم «بالحكيم».. وقيل: إن عمرًا لما تحقق ذلك منه, قربه إليه, وصار يدعوه في بعض الأوقات ويستشيره في الأحوال المهمة المتعلقة بالبلاد وخيرها, وقد حسب الأقباط هذا الالتفات منَّة عظيمة وفضلاً جزيلاً لعمرو .
واستعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء القبط وعقلائهم علي تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة الأهالي, فقسم البلاد إلي أقسام يرأس كلا منها حاكم قبطي ينظر في قضايا الناس ويحكم بينهم, ورتب مجالس ابتدائية واستئنافية مؤلفة من أعضاء ذوي نزاهة واستقامة, وعيّن نوابًا من القبط ومنحهم حق التداخل في القضايا المختصة بالأقباط والحكم فيها بمقتضي شرائعهم الدينية والأهلية, وكانوا بذلك في نوع من الحرية والاستقلال المدني, وهي ميزة كانوا قد جردوا منها في أيام الدولة الرومانية .
وضرب عمرو بن العاص الخراج علي البلاد بطريقة عادلة.. وجعله علي أقساط, في آجال معينة, حتي لا يتضايق أهل البلاد .
وبالجملة, فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يروها من أزمان»(5.)
نعم.. ظلت الكنائس المحلية في الشرق الإسلامي طوال قرون عيشها المشترك مع الإسلام, واعية بهذه الحقائق, وذاكرة لها, ومتذكرة لآثارها.. ولذلك, انخرطت مع رعيتها -طوال هذه القرون- فاندمجت في الأمة الواحدة, وأسهمت في بناء الحضارة الإسلامية الواحدة.. وانتمت إلي مكونات الهوية الواحدة التي جمعت بين الجميع -هوية : اللغة.. والتاريخ.. ومنظومة القيم والأخلاق - مع التنوع والتمايز في عقائد الدين .
وفي ضوء هذه الحقائق التاريخية -التي شهد عليها وبها الأساقفة والمؤرخون - والتي أثمرت قدرًا من الاندماج القومي والحضاري والثقافي, ونماذج من العيش والتعايش المشترك, صار مضربًا للأمثال ونموذجًا للاحتذاء.. في ضوء ذلك يأتي السؤال -الذي يحيّر البعض- عن السر الذي جعل قطاعات عديدة.. ومتنفذة.. وأحيانًا قائدة -في هذه الكنائس, تتحول عن حذرها التاريخي من العمل علي تنصير المسلمين, لتنخرط في عملية التنصير.. وبالاشتراك مع من?.. مع الغربيين, أحفاد الذين اضطهدوا الأسلاف!.. وضد من?.. ضد المسلمين, أحفاد الأسلاف الذين حرروا أولئك الأسلاف ?!.
لقد بدأ التنصير -الذي يسمونه تبشيرًا- كجزء من الغزوة الاستعمارية الغربية للشرق, مارسته مذاهب النصرانية الغربية -البروتستانت والكاثوليك- وكانت سهام هذا التنصير -في مراحله الأولي- موجهة ضد أبناء الكنائس الشرقية, لأنهم الأقرب في الاستجابة لمذاهب نصرانية بينها وبينهم وجوه شبه كثيرة.. ولما كانت عليه كنائسهم الشرقية من جمود وتخلف وجهل وتقليد.. ولما كان في موالاة مذاهب المستعمرين من امتيازات .
وبعد أن اكتسب هذا التنصير الغربي لمذاهبه الغربية مواطئ أقدام بين النصرانية الشرقية, بدأ يتوجه نحو تنصير المسلمين.. لكنه -رغم طول الزمن.. وكثرة الإنفاق .. ومشقة الجهود- لم يحصد إلا خيبة الأمل في ميادين التنصير للمسلمين !!..
ولهذه الحقيقة, تداعت الكنائس الغربية -والأمريكية المشيخية منها علي وجه الخصوص- لدراسة تاريخ التنصير.. وتجاربه.. وأساليبه.. والدروس المستفادة من هذا الإخفاق.. ولدراسة الأساليب الجديدة لتنصير المسلمين.. فكان المؤتمر التاريخي الذي عقد في منتصف مايو 1978م -في «كولورادو»- بولاية «كاليفورنيا» -بالولايات المتحدة الأمريكية- والذي ناقش المؤتمرون فيه أربعين بحثًا.. ثم نشرت وثائقه -إلا ما له حساسية شديدة!- باللغة الإنجليزية سنة 1978م.. ثم ترجمت إلي العربية, تحت عنوان : [التنصير: خطة لغزو العالم الإسلامي] -فيما يقرب من ألف صفحة .
ففي وثائق هذا المؤتمر ومداولاته -التي تمثل «بروتوكولات قساوسة التنصير»- نجد الإجابة علي هذا السؤال :
لماذا خرجت الكنائس الشرقية -أو بعضها علي الأقل- عن هذا «الحذر التاريخي» فانخرطت في ميدان تنصير المسلمين, بعد أن كانت تبتعد عن ذلك طوال تاريخ تعايشها وعيشها المشترك مع الإسلام والمسلمين ?!
إن هذا التحول التاريخي في الموقف الكنسي الشرقي من هذه القضية, هو -بإيجاز شديد- جزء من النجاح الغربي في توظيف الكنائس الشرقية بعملية تنصير المسلمين, التي هي جزء من الحملة الغربية ضد الصحوة الإسلامية المعاصرة والبعث الإسلامي الحديث .
لقد جاء حين من الدهر -في ظل الاستعمار الغربي الحديث للشرق الإسلامي - ظن فيه الغرب الاستعماري -وظنت فيه الكنائس الشرقية- أن «العلمانية» -التي جاءت إلي بلادنا في ركاب المستعمرين الغربيين- قد أزاحت الإسلام عن مكانته في السياسة والدولة والاجتماع والقانون.. وأنه لم يبق من هذا الإسلام إلا العقائد والشعائر والعبادات.. وأن التصنيع الحديث والعلوم الطبيعية وتقنياتها ونظرياتها قد صنعت بالإسلام ما صنعته بالنصرانية الغربية, عندما همّشتها, وعزلتها عن التأثير في مختلف ميادين الحياة .
لكن.. وفجأة.. فوجئ الغرب -السياسي والديني- بأن الإسلام لم يتزحزح عن أي من قواعده الراسخة في ميادين الدولة والسياسة والاجتماع والقانون.. وأنه لم تتم أي علمنة حقيقية في عالم الإسلام.. ولقد نشرت مجلة [شئون دولية] -الصادرة في «كمبردج » بانجلترا- عدد يناير سنة 1991م -دراسة عن موقف الإسلام هذا.. فقالت :
«إن النظرية التي يعتنقها علماء الاجتماع, والتي تقول: إن المجتمع الصناعي والعلمي الحديث يقوّض الإيمان الديني -مقولة العلمنة- صالحة علي العموم.. فالتأثير السياسي والسيكولوجي للدين قد تناقص عمليًا في كل المجتمعات, وبدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة.. لكن عالم الإسلام استثناء مدهش وتام جدًا من هذا.. فلم تتم أي علمنة في عالم الإسلام. إن سيطرة الإسلام علي المؤمنين به هي سيطرة قوية, وهي بطريقة ما أقوي الآن عما كانت من 100 )مائة) سنة مضت. إن الإسلام مقاوم للعلمنة في ظل كل النظم السياسية -الراديكالية.. والتقليدية- والتي تقف بين بين- وإن وجود تقاليد محلية للإسلام, قد جعل عملية الإصلاح الذاتي, استجابة لدواعي الحداثة, تتم باسم الإيمان المحلي .. الأمر الذي مكن العالم الإسلامي من الإفلات من المعضلة التي أرقت المجتمعات الأخري.. معضلة إخفاء الطابع المثالي علي الغرب, ومحاكاته -الباعثة علي الإذلال !- وهذا هو التفسير الأساسي لمقاومة الإسلام المرموقة لاتجاه العلمنة ».
ولهذا الاستعصاء الإسلامي علي العلمنة والتهميش والتواري.. قرر الغرب السياسي : اتخاذ الإسلام عدوًا, وإعلان ذلك صراحة, في ذات اللحظات التي تهاوي فيها الخطر الشيوعي داخل الحضارة الغربية.. وعن هذه الحقيقة تتحدث مجلة [شئون دولية ] فتقول :
«لقد شعر الكثيرون بالحاجة إلي اكتشاف تهديد يحل محل التهديد السوفيتي .. وبالنسبة إلي هذا الغرض فإن الإسلام جاهز في المتناول.. فالإسلام من بين الثقافات الموجودة في الجنوب هو الهدف المباشر للحملة الغربية الجديدة ليس لسبب سوي أنه الثقافة الوحيدة القادرة علي توجيه تحد فعلي وحقيقي لمجتمعات يسودها مذهب اللاأدرية وفتورالهمة واللامبالاة, وهي آفات من شأنها أن تؤدي إلي هلاك تلك المجتمعات ماديًا , فضلاً عن هلاكها المعنوي ».
إذًا.. ها هو الغرب السياسي قد أعلن الحرب علي الإسلام.. واتخذه عدوًا أحلّه محل الخطر الشيوعي -الذي انهار- وذلك لاستعصاء الإسلام علي العلمنة والتهميش .. وبقائه منهاجًا شاملاً للدين والدولة.. والدنيا والآخرة.. والسياسة والقانون والعمران.. وفشل المحاولات الغربية لحصره في المحاريب والشعائر والطقوس والعبادات , وترك دنيا المسلمين وثروات أوطانهم «للقيصر الغربي »!.
لقد اتخذوه عدوًا, وأعلنوا عليه الحرب, لصموده ممثلاً ومزكيًا لثقافة المقاومة وروح الجهاد لتحرير أمة الإسلام وعالمه وحضارته من الهيمنة الغربية, وفق نموذج ذاتي للتجدد والتجديد, متميز عن النموذج الغربي في الحداثة والتقدم والنهوض .
* وعلي جبهة «الغرب الديني» كان التوازي مع «الغرب السياسي» في الموقف من الإسلام.. وكان السعي من قًبل النصرانية الغربية لمحاصرة الصحوة الإسلامية ومعاجلتها.. ولتنصير المسلمين, بالاعتماد المتبادل -هذه المرة- مع الكنائس المحلية الشرقية !!..
لقد تحدثت «بروتوكولات قساوسة التنصير» في مؤتمر «كولورادو» عن «أن الصحوة الإسلامية قد بلغت شأوا لم تبلغه لعدة قرون مضت» وعن «تحرك جماهير هذه الصحوة لفرض تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر.. وتطبيق الدستور الإسلامي في باكستان..»(6.)
كما تحدثت هذه «البروتوكولات» عن «أن الإسلام -منذ ظهوره في القرن السابع- قد مثّل تحديا لكنيسة يسوع المسيح(7).. وعن أن هذا «الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية.. وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعيا وسياسيا.. إنه حركة دينية معادية للنصرانية, مخططة تخطيطا يفوق قدرة البشر!.. ونحن بحاجة إلي مئات المراكز, تؤسَس حول العالم, بواسطة النصارى , للتركيز علي الإسلام, ليس فقط لخلق فهم أفضل للإسلام, وللتعامل النصراني مع الإسلام, وإنما لتوصيل ذلك الفهم إلي المنصرين من أجل اختراق الإسلام في صدق ودهاء..»(8 )!!
* كما تحدثت هذه «البروتوكولات» عن معالم هذا الدهاء في اختراق الإسلام .. والتي تتمثل -ضمن ما تتمثل- في التنصير من خلال الثقافة الإسلامية.. والمصطلحات الإسلامية.. واستغلال الموروث الإسلامي -عن طريق التحريف والتأويل-.. فقالت هذه «البروتوكولات»: «إنه من الممكن, في بعض الأحوال, الذهاب أبعد فيما يتعلق باستعمال المصطلحات القرآنية, مع إعطاء اهتمام خاص إلي الثقافة الإسلامية, وتكييف اللغة لحروف خاصة, واستعمال قواعد الإملاء القرآنية للأسماء الإنجيلية المعروفة, واستعمال الألقاب التبجيلية والتعبيرات القرآنية» في ترجمة الإنجيل(9)!!.. وذلك وصولا «إلي المسلمين من أجل المسيح علي أساس تأويلات قرآنية..»(10)!! «وبهذه الطريقة تصبح عملية التنصير مثل الخميرة التي تعمل داخل الكيان كله لتمكن الروح النصرانية وتعاليمها من إحداث التغيير الطبيعي»(11 )!!
* ولم يقف هذا الانزعاج من صمود الإسلام أمام العلمنة والعلمانية.. والفزع من صحوته.. وتمدده.. لم يقف ذلك عند البروتستانتية الغربية -وخاصة الأمريكية-.. بل شاركتها في ذلك الانزعاج والفزع الكاثوليكية أيضا.. فتحدث كبار كرادلة الفاتيكان عن الصحوة الإسلامية «التي تفتح أوربا فتحا إسلاميا جديدا»!!.. وعن «التحدي الإسلامي»!!.. وعن تكاثر المسلمين أمام انقراض الأوروبيين!!.. فقال الكاردينال «بول بوبار» -مساعد بابا الفاتيكان.. ومسئول المجلس الفاتياني للثقافة-: «إن الإسلام يشكل تحديا بالنسبة لأوروبا وللغرب عموما, وإن المرء لا يحتاج إلي أن يكون خبيرا ضليعا كي يلاحظ تفاوتا بين معدلات النمو السكاني في أنحاء معينة من العالم, ففي البلدان ذات الثقافة المسيحية يتراجع النمو السكاني بشكل تدريجي, بينما يحدث العكس في البلدان الإسلامية النامية. وفي مهد المسيح, يتساءل المسيحيون بقلق عما سيحمله لهم الغد, وعما إذا لم يكن موتهم مبرمجا بشكل ما ?!!.
إن التحدي الذي يشكله الإسلام يكمن في أنه دين وثقافة ومجتمع وأسلوب حياة وتفكير وتصرف, في حين أن المسيحيين في أوروبا يميلون إلي تهميش الكنيسة أمام المجتمع, ويتناسون الصيام الذي يفرضه عليهم دينهم, وفي الوقت نفسه ينبهرون بصيام المسلمين في شهر رمضان»(12 )!!
كما يتحدث المونسنيور «جوزيبي برنارديني» -بحضرة بابا الفاتيكان- سنة 1199م عن هذا «الفتح الإسلامي الجديد» لأوروبا!!.. فيقول: «إن العالم الإسلامي سبق أن بدأ يبسط سيطرته بفضل دولارات النفط.. وهو يبني المساجد والمراكز الثقافية للمسلمين المهاجرين في الدول المسيحية, بما في ذلك روما عاصمة المسيحية فكيف يمكننا ألا نري في ذلك برنامجا واضحا للتوسع, وفتحا جديدا»(13 )?!
إنه الانزعاج والفزع من الإسلام.. وصموده أمام العلمنة.. واستعصائه عليها .. وصحوته.. وتمدده الذي سموه «فتحا جديدا لأوروبا والغرب »!
وإنها المعاجلة الغربية لهذه الصحوة الإسلامية, بإعلان الحرب الشاملة علي الإسلام -دينيا.. وسياسيا .. وإعلاميا- لمعاجلة هذا الخطر الذي سموه -في البداية- «الحظر الأخضر».. ثم ما لبثوا أن أطلقوا عليه أسماء أخري, منها «الأصولية» ومنها «الإرهاب »!!..
* وفي إطار هذا المخطط الغربي -علي الجبهة الدينية لتنصير المسلمين- كل المسلمين! جاء الحديث عن المتغير الجوهري -والجديد- الذي رسمته النصرانية الغربية للكنائس المحلية الشرقية, في عملية تنصير المسلمين.. مخطط التنصير للمسلمين بالاعتماد المتبادل بين الكنائس الغربية والكنائس الشرقية.. أي إخراج الكنائس الشرقية من «وطنيتها» ومن «انتمائها الشرقي», وتوظيفها -من قًبل النصرانية الغربية - في عملية تنصير المسلمين!.. وعن هذا «المتغير -الجوهري- والجديد» قالت «بروتوكولات قساوسة التنصير» الأمريكان في مؤتمر «كولورادو»: «إنه علي مديري إرساليات أمريكا الشمالي والقادة المنصرين الآخرين أن يكتشفوا ويوطدوا أساليب جديدة للتعاون والمشاركة مع كنائس العالم الثالث وعملها المنظم للوصول إلي المسلمين, لقد وطدنا العزم علي العمل بالاعتماد المتبادل مع كل النصاري والكنائس الموجودة في العالم الإسلامي.. إن نصاري البروتستانت -في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا- منهمكون بصورة عميقة في عملية تنصير المسلمين.. ويجب أن تخرج الكنائس القومية من عزلتها وتقتحم بعزم جديد ثقافات ومجتمعات المسلمين الذين تسعي إلي تنصيرهم.. وعلي المواطنين النصاري في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبية العمل معًا بروح تامة, من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصير المسلمين.. إذ يجب أن يتم كسب المسلمين عن طريق منصرين مقبولين داخل مجتمعاتهم.. ويُفضل النصاري العرب في عملية التنصير.. إن تنصير هذه البلاد سوف يتم من خلال النصاري المنتمين إلي الكنيسة المحلية..»(14 )!!
* هكذا تم التخطيط النصراني الغربي لغواية الكنائس الشرقية, وتوظيفها في المخطط الغربي لتنصير المسلمين.. كما سبق أن خطط الغرب السياسي لغواية العلمانيين الشرقيين وتوظيفهم في عملية تغريب الأمة الإسلامية.. بهدف كسر شوكة الإسلام, وتحقيق التبعية الحضارية -في عالم الإسلام- للمركز الحضاري الغربي !!..
وفي إطار هذا المخطط.. المكتوب والمعلن.. يجب أن نري «ظاهرة القمص زكريا بطرس».. قمص الكنيسة الأرثوذكسية المصرية, وجهوده الساعية إلي تنصير المسلمين, من خلال حلقاته التلفازية, التي يناقشها.. ويرد عليها.. ويسحقها ويمحقها -بعلم.. وأدب.. وموضوعية .. وصبر جميل- هذا الكتاب الذي نقدم بين يديه هذه الصفحات .
* بقي أن نقول -في ختام هذا التقديم-: إن المؤلف -العالم الجليل الأستاذ مصطفي ثابت -قد نقل المعركة إلي ميدانها الطبيعي والحقيقي.. إلي العقائد التي يؤمن بها هذا «القمص» ومن علي شاكلته.. إلي عقائد :
1- الثالوث.. وما فيها من شرك بالوحدانية وكفر بالتوحيد ..
2- والتجسد.. وما فيه من حلول يتنزه عنه الله -سبحانه وتعالي -..
3- والكفارة.. وما فيها من افتراء علي العدل الإلهي -الذي هو اسم من أسماء الله الحسني -..
وبذلك, هدم مرتكزات القوم.. وكشف عوار بضاعتهم المزجاة.. ثم عرّج علي الزيف والتزييف الذي تعاملوا به مع التراث الإسلامي.. فكشف الكذب الصراح, الذي جعلوه دينا يتدينون به, رسم لهم طريقه وسلكه قبلهم رسولهم «بولس» الذي قال: «فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده فلماذا أُدان أنا بعدُ كخاطئ»? -رومية 3: 7 -..
هكذا صنعوا ويصنعون عندما جعلوا ويجعلون من الكذب دينا يتقربون به إلي الإله!!.. الأمر الذي يجعلنا نتذكر قول المعصوم, رسول الإسلام محمد بن عبدالله -صلي الله عليه وسلم-: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» -رواه البخاري -..
لقد كشفت صفحات هذا الكتاب -الذي نقدم بين يديه- هذا «الزيف والكذب», الذي مارسه «القمص» مع علماء الإسلام.. وذلك من مثل :
1- إذا «حكي» الأستاذ عباس محمود العقاد [1306 - 1383هـ 1899 - 1964م] -في كتاب [الله]- ملخصا لرأي كهنة المسيحية في التثليث.. قدمه «القمص» علي أنه «رأي العقاد».. فصوره في صورة من يؤمن بالتثليث !!.
2- التزوير الصريح, بنسبة نصوص مكذوبة إلي بعض علماء الإسلام.. مثلما صنع «القمص» مع الشيخ محيي الدين بن العربي [560 - 638هـ 1165-1240م].. عندما نسب إليه وإلي كتابه [نصوص الحكم] ما لم يرد في هذا الكتاب !!..
3- ومثلما صنع مع المعتزلة -الذين لم يرجع «القمص» إلي كتاب من كتب علمائهم , المحققة والمنشورة.. وإنما نسب إليهم -زوروا وبهتانا - كلاما ورد في كتب خصومهم , يقول: «إن كلام الله حلّ في الشجرة, أي تجسد فيها»!.. مع أن المعتزلة -الذين اشتهروا بأهل التوحيد والعدل- قد جعلوا همهم الأكبر الحفاظ علي أرقي مستويات التنزيه للذات الإلهية.. حتي ذهبوا -في سبيل ذلك- إلي القول بخلق القرآن -الذي هو كلام الله- لينفوا «قًدم الكلمة» ويسدوا الباب علي عقائد النصاري في ألوهية المسيح.. بل وكانوا فرسان الرد علي عقائد النصاري.. وعلي كل دعاوي الحلول والاتحاد والتجسُّد والتشبيه.. ولهم في ذلك ردود محققة ومنشورة, هرب «القمص» من الإشارة إليها !!..
* وإذا كانت مسيحية «القمص» إنما تقوم علي فكرة لا أخلاقية -فكرة الخطيئة , التي تعني لعن البشرية, وتأبيد اللعنة عليها بذنب لم ترتكبه-.. فإن هذا «القمص» قد توسل بالكذب لإثبات ما يعتقد, وما يريد أن يسوّقه من أفكار.. متبعا في ذلك وصايا النصوص المحرفة التي يؤمن بها.. النصوص التي جعلت من رسولهم «بولس», برأي «بروتوكولات قساوسة التنصير» الإمام السابق والمعلم لـ«ميكيافيلي» [1469-1527م ]!!.. فلقد قالت عنه وثائق مؤتمر «كولورادو»: «لقد جسد الرسول بولس المسيح في شكل يهودي ليصل إلي اليهود, وجسده في شكل وثني كي يصل إلي الوثنيين»!!.. وانطلاقا من هذه «الميكيافيلية» دعوا إلي «مسيح يتجسد بشكل إسلامي كي يصلوا إلي المسلمين»(15 )!!
فإذا كان رسولهم «بولس» قد مسخ نصرانية عيسي -عليه السلام- في شكل يهودي , ليقنع بها اليهود, ومسخها في شكل وثني روماني, ليقنع بها الرومان الوثنيين.. فها هو «القمص» زكريا بطرس يحاول مسخ التراث الإسلامي في صورة نصرانية, ليتوسل بذلك إلي تنصير المسلمين.. خروجا بذلك علي الموقف التاريخي للكنائس الشرقية.. وانخراطا في المخطط الغربي الذي أعلنت عنه «بروتوكولات قساوسة التنصير» في مؤتمر «:كولورادو » سنة 1978م ..
فأي دين هذا الذي تأسس ويتأسس علي مبدأ لا أخلاقي?!.. وأي «فكر» ذلك الذي يتوصل -ولا نقول يتسول- بالكذب, حتي ليجعل الحصن علي هذا الكذب وصايا رسولية!!.. وكتابا مقدسا ?!..
* هذا, ولا يزال الباب مفتوحا لعطاء المؤلف -العالم الجليل الأستاذ مصطفي ثابت- الذي رد في هذا الجزء علي عقائد «القمص» ومن علي شاكلته.. إذ الجزء الثاني -والتالي- بعون الله تعالي ستدور حلقاته حول إقامة البراهين -العقلية والنقلية- علي تحريف هذا الذي سموه «:كتابا مقدسا ».
بارك الله لعالمنا الجليل -الأستاذ مصطفي ثابت- ونفع به وبعلمه.. وجعل هذا الجهد العلمي المتميز والممتاز في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, الواحد الأحد, الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوًا أحد .
وأزكي صلوات الله وتسليماته علي محمد بن عبدالله, المبعوث رحمة للعالمين.. والذي أوحي إليه ربه كما أوحي إلي النبيين من قبله.. وأنزل عليه القرآن الكريم, المحفوظ حفظا ربانيا.. والمصدق لما بين يديه من كتاب.. والذي علّمه وعلّم أمته: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملآئكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } [البقرة: 285 ].
(1) [تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي: رؤية قبطية للفتح الإسلامي] ص 201, 220 . ترجمة ودراسة: د. عمر صابر عبد الجليل طبعة القاهرة -دار عين- سنة 2000م .
(2) المصدر السابق. ص 220 .
(3) د. صبري أبو الخير سليم [تاريخ مصر في العصر البيزنطي] ص 62. طبعة القاهرة -دار عين- سنة 2001م .
(4) المرجع السابق. ص 194.
(5) يعقوب نخلة روفيلة [تاريخ الأمة القبطية] ص 54- 57- تقديم: د. جورت جبرة. الطبعة الثانية -القاهرة- مؤسسة مار مرقس لدراسة التاريخ سنة 2000م .
(6) [التنصير: خطة لغزو العالم الإسلامي] ص 8. طبعة مالطا سنة 1991م .
(7) المصدر السابق. ص 329 .
(8) المصدر السابق. ص 123 .
(9) المصدر السابق. ص 551 .
(10) المصدر السابق. ص 815 .
(11) المصدر السابق. ص 595, 596 .
(12) من حديث إلي صحيفة «الفيجارو» -الفرنسية- والنقل عن صحيفة «الشرق الأوسط» -لندن- في 1-10 سنة 1999م .
(13) صحيفة «الشرق الأوسط» -لندن- في 13- 10- 1999م .
(14) [التنصير : خطة لغزو العالم الإسلامي] ص 790, 53, 56, 4, 5, 627, 630, 383, 845 .
(15) المصدر السابق. ص 762 ./hivm hgrlw .;vdh f'vs>> glh`h?! - ]> lpl] ulhvm
المفضلات