السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن قال قائل لم سمي الإعراب إعرابا والبناء بناء قيل أما الإعراب ففيه ثلاثة أوجه:
إحدها أن يكون سمي بذلك لأنه يبين المعاني مأخوذ من قولهم أعرب الرجل عن حجته إذا بينها ومنه قوله الثيب يعرب عنها لسانها أي يبين ويوضح قال الشاعر - من الطويل - ( وجدنا لكم في آل حم آية تأولها منا تقي ومعرب ) فلما كان الإعراب يعين المعاني سمي إعرابا.
والوجه الثاني أن يكون سمي إعرابا لأنه تغير يلحق أوآخر الكلم من قولهم عربت معدة الفصيل إذا تغيرت فإن قيل العرب في قولهم عربت معدة الفصيل معناه الفساد فكيف يكون الإعراب مأخوذا منه قيل معنى قولك أعربت الكلام أي أزلت عربه وهو فساده وصار هذا كقولك أعجمت الكتاب إذا أزلت عجمته وأشكيت الرجل إذا أزلت شكايته و على هذا حمل بعض المفسرين قوله تعالى ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها ) أي أزيل خفاءها وهذه الهمزة تسمى همزة السلب
والوجه الثالث أن يكون سمي إعرابا لأن المعرب للكلام كأنه يتحبب إلى السامع باعرابه من قولهم امرأة عروب إذا كانت متحببه إلى زوجها قال الله تعالى ( عربا أترابا ) أي متحببات إلى أزواجهن فلما كان المعرب للكلام كأنه يتحبب إلى السامع بإعرابه سمي إعرابا.
وأما البناء فهو منقول من هذا البناء المعروف للزومه وثبوته فإن قيل فما حد الإعراب والبناء قيل أما الإعراب فحده اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا وأما البناء فحده لزوم أواخر الكلم بحركة أو سكون.
فإن قيل كم ألقاب الإعراب والبناء قيل ثمانية : أربعة للإعراب و أربعة للبناء فألقاب الإعراب رفع ونصب وجر وجزم وألقاب البناء ضم وفتح وكسر ووقف ا وهي وإن كانت ثمانية في المعنى فهي أربعة في الصورة فإن قيل فلم كانت أربعة قيل لأنه ليس إلا حركة أو سكون فالحركة ثلاثة أنواع الضم والفتح والكسر فالضم من الشفتين والفتح من أقصى الحلق والجر من وسط الفم والسكون هو الرابع
فإن قيل هل حركات الإعراب أصل لحركات البناء أو حركات البناء أصل لحركات الإعراب
قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب بعض النحويين إلى أن حركات الإعراب هي الأصل وأن حركات البناء فرع عليها لأن الأصل في حركات الإعراب أن تكون للأسماء وهي الأصل فكانت أصلا والأصل في حركات البناء أن تكون للأفعال والحروف وهي الفرع فكانت فرعا وذهب آخرون إلى أن حركات البناء هي الأصل وأن حركات الإعراب فرع عليها ! لأن حركات البناء لا تزول ولا تتغير عن حالها وحركات الإعراب تزول وتتغير وما لا يتغير أولى بأن يكون أصلا مما يتغير.
فإن قيل هل الإعراب والبناء عبارة عن هذه الحركات أو عن غيرها قيل الإعراب والبناء ليسا عبارة عن هذه الحركات و إنما هما معنيان يعرفان بالقلب ليس للفظ فيهما حظ.
ألا ترى أنك تقول في حد الإعراب هو اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل وفي حد البناء لزوم أواخر الكلم حركة أو سكونا ولا خلاف أن الاختلاف واللزوم ليسا بلفظين وإنما هما معنيان يعرفان بالقلب ليس للفظ فيهما حظ والذي يدل على ذلك أن هذه الحركات إذا وجدت بغير صفة الاختلاف لم تكن للأعراب و إذا وجدت بغير صفة اللزوم لم تكن للبناء فدل على أن الإعراب هو الاختلاف والبناء هو اللزوم والذي يدل على صحة هذا إضافة هذه الحركات إلى الإعراب والبناء فيقال حركات الإعراب وحركات البناء ولو كانت الحركات أنفسها هي الإعراب أو البناء لما جاز أن يضاف إليه لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز ألا ترى أنك لو قلت حركات الحركات لم يجز فلما جاز أن يقال حركات الإعراب وحركات البناء دل على أنهما غيرها فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.
من كتاب أسرار العربية
تأليف
كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن أبي سعيد الأنباري
glQ sld hgYuvhf Yuvhfh ,hgfkhx fkhxh
المفضلات