بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــ
بحــــث
فى فقه الإجماع
**************************************************
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين والمعصومين، وعلى أئمة الهدى والدين، الذين تمسكوا بالكتاب وسنة الرسول الأمين، واستنبطوا منها الشرائع الفرعية ببذل الصدق واليقين، وصدّقوا صحف الأولين ، وجعلوا الكعبة المقدسة قبلة لقرباتهم وهي مركز للعالمين؛ فرضينا بالله رباً و إلهاً، وبمحمدٍ ص رسولاً ونبياً، وبالإسلام ديناً و شريعةً، وبالإيمان محبة واعتقاداً، وبالإحسان تزكية ومعرفةً، وبدفاع الفتن إعلاءً و إظهاراً، وبتداول الأيام عبرةً و نصيحةً وبالقرآن حجةً و إماماً، وبالحديث شرحاً و بياناً، وبالفقه تفريعاً و تفصيلاً ، وبالكلام تعقلاً و تدليلاً، وبالرسل تصديقاً و إقراراً، وبالكتب المنزلة إيقاناً وشهادةً، وبالملائكة عصمةً و تدبيراً، و بالشخصيات المقدسة حباً و انقياداً، وبتربيتهم سمعا و طاعةَ، وبالكلمة الطيبة جمعاً واجتماعاً، وبالكعبة المعظّمة قبلةً و جهةً، و بجميع شرائع الله تعظيماً و تبجيلاً، و بالقضاء والقدر رضاءً و تسليماً، وباليوم الآخر حشراً و نشراً، وبالبعث والوقوف صدقا و عدلاً، وبجميع هذه الأمور مسلكاً (مذهباً) و مشربًا، وكفانا هذا الرضاء سراً وعلانيةً. وبعد فإن هذا بيان لمسلك (مذهب) أهل الحق و الإتقان، وشرح لمشرب أهل الصدق والإيقان، وإيضاح لذوق أهل المحبة والعرفان، فنسأل الله التوفيق والسداد والعدل والاقتصاد، وبه الثقة وعليه الاعتماد .
وبعد :
نذكر فيما هو آت بعض من مسائل الأجماع وهو ما سينطلق بالفهم المبسط غير المطول ليقتصر على تدارك الفهم البسيط غير الممل فى الحديث وذلك للوصول بالقارئ المبتدئ بأقصى درجات الفهم الجيد للموضوع والله ولى التوفيق -
************
أولاً : تعريف الإجماع لغةً واصطلاحاً :
وهو في اللغة يرد بالاشتراك لمعنيين :
أحدهما : العزم ، قال الله تعالى فأجمعوا أمركم ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم ( لاصيام لمن لم يجمع الصيام من الليل ) أخرجه الخمسة من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر عن حفصة _ رضي الله عنهم _ مرفوعاً واختلف في وقفه ورفعه ورجح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والنسائيوقفه، ورجح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي والخطابي رفعه ، وقال البخاري : فيه اضطراب ، وقال أحمد : ماله عندي ذاك الإسناد (ويجمع أي يعزم وبهذا بوبالترمذي في سننه .
ثانيهما : الاتفاق ، يقال : أجمع القوم على كذا أي صاروا ذوي جمع ، كما يقال : ألبن وأتمر إذاصار ذا لبن وذا تمر . وذكره أبو علي الفارسي والراغب في المفردات والزبيدي وغيرهم .
حواشى -
واعترض ابن الفارض المعتزلي على هذا بأن إجماع الأمة يتعدى ب ( على) والإجماع بمعنى العزيمة لا يتعدى ب ( على) .
- ويجاب عنه : بما حكاه ابن فارس في المقاييس فإنه قال : يقال أجمعت على الأمر إجماعا ، وأجمعته .
وقد جزم بكونه مشتركا بين المعنيين أيضا الغزالي.
- وقال القاضي : العزم يرجعإلى الاتفاق ; لأن من اتفق على شيء ، فقد عزم عليه ،
وقالابن برهان وابن السمعاني : الأول أي العزم أشبه باللغة ، والثاني أي الاتفاق أشبه بالشرع .
- ويجاب عنه : بأن الثاني وإن كان أشبه بالشرع فذلك لا ينافي كونه معنى لغويا ، وكون اللفظ مشترك اى بينه وبين العزم .
قالأبو علي الفارسي : يقال أجمع القوم إذا صاروا ذوي جمع، كما يقال ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وتمر .
- تعليق -
خلاصه
* الأجماع فى اللغه ينزل على معنيين : أولهما العزم على أنعقاد ثانيهما الاتفاق في البين ويضاف بتحصيلهم تجميع المتفرق ومنه قوله تعالى : ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) .
وهو في الأصطلاح :
على اتمام المختار فى المعنى الأصطلاحى : هو اتفاق مجتهدي أمة محمدصلى الله عليه وسلم بعد وفاته في حادثة على أمر من الأمور في عصر من الأعصار -
ومنه نخرج بالآتى :
- والمراد بالاتفاق الاشتراك ، إما في الاعتقاد ،أو في القول ، أو في الفعل .
- ويخرج بقوله ( مجتهدي "أنظر التعليق" أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) اتفاق العوام ، فإنه لا عبرة بوفاقهم ولا بخلافهم .
- ويخرج منه أيضا : اتفاق بعض المجتهدين .
- وبالإضافة إلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خرج اتفاق الأمم السابقة .
- ويخرج بقوله ( بعد وفاته) الإجماع في عصره صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه لا اعتبار به قال الآمدي : وإجماع الموجودين فيزمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي بالإجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. الإحكام للآمدي 1/109 .
- ويخرج بقوله ( في عصر من الأعصار ) ما يتوهم من أن المراد بالمجتهدين جميع مجتهدي الأمة في جميع الأعصار إلى يوم القيامة ، فإن هذاتوهم باطل ; لأنه يؤدي إلى عدم ثبوت الإجماع ، إذ لا إجماع قبل يوم القيامة ، وبعد يوم القيامة لا حاجة للإجماع .
- والمراد بالعصر : عصر من كان من أهل الاجتهاد في الوقت الذي حدثت فيه المسألة ، فلا يعتد بمن صار مجتهدا بعد حدوثها ، وإن كان المجتهدون فيها أحياء .
- وقوله ( على أمر من الأمور ) يتناول الشرعيات ،والعقليات والعرفيات ، واللغويات .
- ومن اشترط في حجية الإجماع انقراض عصر المجتهدين المتفقين على ذلك الأمر ، زاد في الحد قيد الانقراض .
- ومن اشترط عدم سبق خلاف مستقر ، زاد في الحد قيد عدم كونه مسبوقا بخلاف .
- ومن اشترط عدالة المتفقين أو بلوغهم عدد التواتر ، زاد في الحد ما يفيد ذلك .
حواشى -
اختلفت عبارات الأصوليين في تعريف الإجماع والسبب في هذا يعود إلى أمور :
الأول : الخلاف في تحديد المجمعين فالبعض يرى أنه خاص بأهل الحل والعقد من المجتهدين والبعض الآخر يجعله عاماً فيدخل فيه جميع الأمة من العوام وغيرهم فمن يخصه بالمجتهدين يعبر بقوله : ( اتفاق المجتهدين ) ومن يدخل العوام يعبربقوله : ( اتفاق الأمة) .
الثاني : الخلاف في زمن الإجماع فبعضهم يخصه بعصر الصحابة كابن حزم ومن وافقه وبعضهم يجعله عاماً في جميع العصور ، فمن يخصه بعصر الصحابة يعبر بقوله : ( اتفاق أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم ( أو اتفاق ( الصدر الأول ) ومن يجعله عاماً يقول : (اتفاق المجتهدين في جميع العصور)
الثالث : الخلاف في الأمور المجمع عليها فبعضهم يحصرها في الأمور الشرعية وبعضهم يعممها ، فمنيحصرها بالأمور الشرعية يقول : ( اتفاق على أمرٍ أو حكمٍ شرعي أو ديني ) ومن يعممها يقول : ( اتفاق على أمرٍ من الأمور ).
الرابع : الخلاف في بعض شروط الإجماع مثل اشتراط انقراض العصر واشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر ونحوها فمن يشترط ذلك يجعله قيداً في التعريف ومن لا يشترطه لا يذكره في التعريف .
الخامس : الغزالى , - رحمه الله - : اتفاق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على أمر من الأمور الدينية . ويرد عليه أنه [ يوجد ] ولا يطرد بتقدير عدم المجتهدين ، ولا ينعكس بتقدير اتفاقهم على عقلي أو عرفي .
- تعليق -
خلاصه
- ما أنفرط له أهل العلم والأصوليين على أن الأجماع أصطلاحا الاتفاق البين الصريح من مجتهدى المسلمين من أمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهنا نقف على كلمة مجتهدى الأمة: فالمجتهد: هو الذي يبذل وُسعه في طلب الظن بحكم شرعي على وجه يُحس معه بالعجز عن المزيد عليه والأمة : هي الطائفة من الناس تجمعها رابطة، والمراد بها : أمة محمد صلى الله عليه وسلم،أي: أتباعه المؤمنون به في أي زمان، وهم أمة الإجابة لا أمة الدعوة بعد أن أتته المنيه بأبى هو وأمى فى أمرا من الأمور فى عصرا من العصور .
************
ثانياً : إمكان حصول الإجماع وانعقاده :
- تعليق -
1/ وجوده وحصوله فقد وجدنا الأمة مجمعة على أن الصلوات خمس وأن صوم رمضان واجب ، وكيف يمتنع تصوره والأمة كلهم متعبدون باتباع النصوص والأدلة القاطعة ومعرضون للعقاب بمخالفتها .
فإن قيل هذه الأمور حصلت بالتواتر وليس بالإجماع ؟
أجيب بأن هذها لأمور حصلت بالأمرين معاً : التواتر والإجماع مقارنة أو مرتباً بمعنى أنه حصل الإجماع والتواتر معاً ، أو حصل التواتر ثم الإجماع ، أو حصل الإجماع ثم التواترفالمقصود هو أنه حصل فيها الإجماع وهو المطلوب .
فإن قيل هذه علمت من الدين بالضرورة ومحل الخلاف هو فيما لم يعلم بالضرورة ؟
أجيب : بأنه حصل الإجماع كذلك فيما لم يعلم بالضرورة كالإجماع على أجرة الحمام وأجرة الحلاق ، وخلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وتحريم شحم الخنزير ، وتحريم بيع الطعام قبل القبض ، وتوريث الجدة السدس، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها وغير ذلك .
2/ الرسول خاتم النبيين وشريعته باقية إلى يوم الدين، وبقاء الشريعة بعد انقطاع الوحي يقتضي ضرورة عصمة الأمة، فإذا أجمع مجتهدوها على حكم كان ما أجمعوا عليه كالمسموع من رسول الله (ص)، والمسموع منه (ص) موجب للعلم قطعاً، فما أجمعوا عليه يأخذ حكمه.
3/ القياس على حصول الإجماع في الأمور الدنيوية فكما لا يمتنع اجتماعهم على الأكلوالشرب لتوافق الدواعي فكذلك على اتباع الحق واتقاء النار .
4/ القياس على حصول الاتفاق من الأمم الباطلة فكما حصل إطباق اليهود مع كثرتهم علىالباطل فلم لا يتصور إطباق المسلمين على الحق ؟! .
5/ أن الأصل هو الجواز والإمكان ، ويلزم من يدعي خلاف ذلك أن يأتي بالدليل .
************
يتبع بإذن الله تعالى ,,,hgY[lhu tn Hw,g hgtri
المفضلات