الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه الى يوم الدين .. اما بعد
اعجب حقيقة من امر هؤلاء الملاحده خصوصا ممن ينتسبون للعربيه وهم يفتخرون بعدم تقيدهم بأى معتقد ودين وقد ظنوا بذلك انهم الصفوه المضائه فى الظلام الدامس الذين استطاعوا ان يتحرروا من قيود فُرضت على آبائهم واجدادهم، وذلك بعد ان تركوا العنان لعقولهم الخاويه العطبه تنسج لهم حكايات طريفه عن بدء الخلق والكيفيه للوصول الى نتائج يؤمن بها من لا عقل له تتناسب مع اهوائهم وافكارهم الشاذه، والحقيقة التى يعلموها او لا يعلموها انهم ليسوا الا ابواق ينفخ بها من الغرب لأناس بذلوا خشاشة انفسهم لهدم كل قيم ولنشر الفساد فى الارض، اناس يزعمون انهم تحرروا من سطوة اى معبود وهم فى الحقيقة عبدة لشيطان رجيم .
والحق انه لم يكفر الملاحده بالله تعالى الا فرارا من العباده حيث الطاعه والالتزام، فقد غلبته شهوته فخشى ان تحدَّ العباده من نزعاته الخبيثه وتحول دون وصوله إلى نزواته الدنيئة، فصال وجال ليتضح قبحه وقبح ما ينادى به، وسوف يعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون.
جائنا احد هؤلاء من ايام قليله يروج لهذا المستنقع الفكرى الآسن العفن الذى ولج فى خضامه وقد امتلئ منه حتى الثماله، وان احسنَّا الظن به وبمن معه وهو المقدم طبعا بالرغم من عدم جديته الواضحه بين اسطره، عليه نمد ايادى الخير لننتشله مما هو فيه ونحاور عقله الصلد الذى لا يلين الا لباطل دون الاحتكام الى شرائع واحكام انزلها العلى القدير والتى لا يؤمن هو بها طبعا ، لذا فيجب ان يصدع لما يحويه الموضوع من نتائج توصل اليها العقل البشرى المتفرد الذى كفر بخالقه والا فاليعلم انه مجادل بالباطل و أن ما يفعله هنا هو ممارسة لما ترتب على كفره بالله تعالى من عداء ومحاربة ونشر لأفكار معينه وتنفيس عن بعض النوازع الكفرية أكثر منه حوار جاد .... فالينتبه ! هداه الله
حوار العقل
اعترض من لا دين له - هكذا وصف نفسه فرحا - على الحكمة الربانيه من خلق الانس والجن فى قول الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)الذاريات، وقد استنكر ان يكون سبب وجود الانسان على الارض هو (العباده) فهذه الكلمة اوجدت فى نفسه ما اوجدته من ظلم للبشر ثم اردف وقال(بماذا سوف يستفيد الله بعبادتنا)؟، فما هى الا قوه خارقه قد اوجدت البشر على الارض ليعيشوا فى سلام آمنيين دون ان تأمرهم هذه القوه بأى شئ !!، سبب يُحترم بالرغم من تفاهته ولا عقلانيته - حيث انه الحكم الوحيد فى موضوعنا هذا - الا انه جدير بالنقاش .
اذا اخوتى فى الله على درب هذا الملحد نحن على كوكب الارض هذه الفتره القصيره جدا - بالنسبه لعمر الكون -التى من المفروض ان نعيشها بسلام وآمان وما هى الا حياتنا الدنيا نعيش فيها ونموت وما نحن بمبعوثين !،
والسؤال .. هل اخيرا وجد هذا الملحد العدل الضائع للبشريه ؟ هذا العدل الذى حاولت العباده طمسه ليعيش الانسان فى ظلم جائر بين صلاة وصيام وزكاة واداءا للفروض وحرمانا من المتع التى سخرتها له الطبيعه ؟ هل وُجد العدل اخيرا ليقف بعدها الانسان رافعا يده بانتصار وقد ارتسمت على ملامحه علامات النصر والسعاده وهو يقول ( لست عبدا لأحد .. انا حر) ؟!!
لست عبدا لاحد .. انا حر!
قالها الرجل وهو فى قمة السعاده متكئا على كرسيه الفخم و قد اشعل فى يده لفافة من ارقى انواع التبغ فى العالم وفى يده الاخرى المحلاه بالساعه الذهبيه والخاتم الثمين فنجان من القهوه يتلذذ فى شرابه، وقد اراح رأسه على مقعده الجلد ينظر الى سقف حجرة مكتبه المُزخرف يفكر بعمق شديد وحيره بالغه اين سيقضى صيفه هذا العام، فى باريس ام فيينا ام فى جزر الهاواى، الحياه قصيره والمتع كثيره هكذا وجد نفسه فى حيره، ولكن هذا كله لا ينفى سعادته البالغه بما قرأه فى الجريده ومقالة هذا الملحد التى عنونها بــ (لست عبدا لأحد ...انا حر)، مقاله رائعه - كما وصفها هو - جردت البشريه من رداء العبوديه لله سبحانه فكان مفادها (ان هى الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين).
" نعم نحن لم نخلق للعباده " قالها بصوت مسموع وهو ينفث دخانه الكثيف من انفه بتباهى وفخر بالغ فسمع كلماته هذا الرجل المعدم الفقير - اسمه (شلبى) - الذى يمسح له حذائه الفاخر المصنوع من جلد التمساح الطبيعى، فنظر اليه بعينين ناعستين من شدة الجوع والارهاق والتعب والعرق يبلل جبهته ..ودار بينهما هذا الحديث
قال الرجل الغنى : لماذا تنظر لى هكذا يا شلبى .. الم يعجبك كلامى ؟! نعم نحن لم نُخلق للعباده.. لم نُخلق لنركع ونسجد ونزكى ونصوم ونلتزم بشرائع حدَّت من متاعنا وحريتنا، الا تجد ان فى هذا ظلم عظيم للبشر، القوه التى اوجدتنا فى هذا الكون يا شلبى لم تسخرنا لعبادتها وانما سخرت نفسها وكل ما حولها لخدمتنا لنعيش حياه ممتعه فى رفاهيه حت نموت .
قال الفقير وقد اتسعت عيناه من الدهشه : هل تعنى حضرتك اننا سوف نموت دون بعث آخر وانه لن تكون هناك حياة اخرى اما فى الجنه او فى النار ولا حساب وعقاب ولا كل هذا ؟
قال الغنى بفخر وتحدى : نعم هو كذلك يا شلبى .. استحلفك بأغلى شئ ..الا تلتمس من كلامى هذا العدل والحريه المطلقه لبنى البشر؟
قال الفقير بلهفه : بلا انه العدل والحريه انت على حق سيدى نحن فعلا لم نُخلق للعباده
ثم اردف وهو يمصمص شفتيه متظاهرا بالاسف : سوف اعود لأخبر زوجتى بصرف النظر عن الجمعيه التى ارادت ان تقيمها مع الجيران لنذهب للعمره السنه القادمه، فلم نعد بحاجة لعمرة او غيرها وانا اولى بهذا المال واطفالى.
قال الغنى وقد اهتز بدنه من الضحك : عُمره ؟!! يالك من مسكين
ضحك الفقير لضحك الغنى ثم انتظر قليلا بعدها قال بمكر : دعنى اسألك سؤالا سيدى .
قال الغنى : تفضل.
قال الفقير : عدد لى اصناف غدائك اليوم ؟
انزعج الغنى من هذا التطفل الذى لم يتوقعه ..فتغيرت ملامحه وقال بعصبيه : مالك انت بغدائى ؟
ثم قال بعد زفير طويل ليريح الفقير : جمع غدائى جميع اصناف المأكولات البحريه واضف الى ذلك الحلويات بمختلف انواعها .
قال الفقير : اعذرنى سيدى ولكن هل لى بسؤال آخر ؟ .. تمتلك كم سياره ؟
قال الغنى بهدوء وكأنه اعتاد وقاحة الفقير : عندى اربع سيارات وتعتبر اغلى سيارات صُنعت فى العالم
ثم اردف الغنى : وامتلك بيتا على الاقل فى ارقى منطقه من كل بلد فى العالم وعندى من الاولاد عشر والشركات ما لا حصر لها ولا ينقصنى سوى وقاحتك التى لم تعد تُتحمل .. هل تحقد على يا شلبى ؟!
قال الفقير : اسف سيدى ولكن صدقا انا لا احقد عليك
ثم تابع وقال : اتعلم سيدى ان لى ابنا قد مات وهو فى العشرين من عمره .. اتعلم كيف مات ؟
اعتدل الغنى فى جلسته وقال فى اسف ودهشه : كيف؟
قال الفقير : مات تحت عجلات الاتوبيس وهو يحاول اللحاق به بعد ان تأخر على كليته .. هل تعتقد سيدى ان شابا بعمره استمتع من الدنيا مقدار تمتعك انت بها ؟ للاسف لم تكن عنده سيارة فارهه تكفه عن مجاهدة المواصلات يوميا ولا اذكر انه رجع بيته فى مره فوجد صنفا واحدا مما اكلت انت على مائدة غدائك ولا اذكر ايضا انه اشترى خاتما او ساعة او لبس حذائا كالذى تلبسه انت او سافر لأى محافظة مجاوره يقضى صيفه فيها.
قال الغنى وقد ارتسمت على وجهه ملامح الغباء : ماذا تقصد ؟
قال الفقير : ان كنت ترى ان العدل فى تجردنا من العباده وان من اوجدنا اراد بنا خيرا حيث الحرية التامه دون التقيد بشرائع واوامر ..فأى عدل تراه حين توضع حياتك بكفه وحياة ابنى البائسه فى اخرى اى عدل ارادته هذه القوه الخارقه للبشريه؟!! ، ابنى الذى لم يعش سوى عشرين سنه من الجد والتعب والكفاح وانت الطاعن فى السن المستمتع بكل لحظة فى عمرك، اى عدل تراه هداك الله ؟.
صمت الغنى برهة وهو يفكر فى كلام الفقير فى ذهول محاولا ايجاد حل وكأن كوبا من الثلج سقط على رأسه ..ثم فطن اخيرا لمقصد الفقير وقال له : هل تقصد ان العباده قد حلت هذا الاشكال ؟ مازال الامر سواء يا عزيزى حتى مع العباده.
فرد الفقير فى هدوء وهو يبتسم وقال : لا يا سيدى لم يعد الامر سواء مع العباده ..وسوف اشرح لك .
تابع الفقير وقال : العدل والعباده وجهان لعملة واحده لا ينفصلان ابدا فالعدل هو عبادة الله وعبادة الله هى العدل، فما خُلقنا الا لنعبد الاها واحدا، هذا الاله الخالق انزل شرائع واحكام امرنا فيها بالفضائل ونهانا فيها عن الرذائل وقضى لنا ان نعبده عبادة انزل هو كيفيتها وعلينا ان لا نحيد عنها، ووعد بأجر لم تره عين ولا سمعت به اذن ولا خطر بقلب بشر لمن اطاع وبالعقاب الشديد لمن عصى وتولى ، هذا الاله لا تساوى عنده الدنيا جناح بعوضه فعمرها ضئيل ونعيمها زائل ولا يساوى شيئا بالنسبه لما اعده لعباده الصالحين فى الآخره، لذا فقد صار هدف العابد فى الدنيا ان يتزود بتقوى الله فتكون له عتادا الى حسن المصير اليه، فلم يعد همه وشغله الشاغل متع الدنيا التى لم يستطع ان يحصرها جميعا فى عمره الضئيل ! .. لذا فالفقير يصبر على مشقة الدنيا ويحتسب طمعا فيما عند الله فهو خير وابقى فيعوضه الله بخير مما عجز ان يحظى به فى الدنيا .. وهذا هو العدل
قال الغنى وقد ظهرت عليه ملامح الاهتمام : ولكن يبقى ان الغنى التقى والفقير التقى وان كانا سواء فى الآخره فأين هم من الدنيا ؟
قال الفقير : يقول الله تعالى (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) فالغنى وان كان غنيا الا انه معرض لفتن لم يتعرض لها الفقير وعليه فان جهاد النفس صار اكبر ليتقى الله فيما اتاه ويعرف لله حقه فيه، وهنا نجد انفسنا مرة اخرى امام عدل عظيم احكمه الحكيم سبحانه .
شرد الغنى فى صمت يفكر ويفكر ويفكر ولم يستطع الرد
انتهت
هل يوجد رد لأى ملحد ؟
هل يملك منهم سببا آخر خُلق الانسان لاجله غير العباده ؟
وهل توفر العدل فى هذا السبب ؟
قال الحق جل وعلا ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِسَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الحديد
ملحوظه .. القصة ليست واقعيه وانما نسج خيالى لايضاح ما رغبت فى ايضاحه
(;dt kEogr gydv hgufh]i ?!) v]h ugn hglghp]i
المفضلات