بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
{قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا..}
عندما ننظر إلى مسألة الحكم والحاكمية بنظرة شرعية ثاقبة ونربطها بالنصوص الشرعية ونُنـزلها منزلتها من خلال فهم الدلائل، يسهل علينا معرفة الحكم الشرعي المتعلق بهذه المسألة.
إذا فهمنا معنى توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات فهماً دقيقاً شاملاً، وتأملنا في معنى الوحدانية التي يستحقها الخالق سبحانه وتعالى، عندها سوف نعرف ما هي منزلة الحكم بشرع الله وفي أي باب ما أبواب الشريعة يجب أن تُدرج.
إن معنى العبودية بمفهومها الشامل يُحتم على الإنسان أن يكون عبداً لله وحده في جميع تصرفاته، خاصة منها ما فيه معنى الذل والانقياد والرضى والاستسلام.
إذا تأملنا في توحيد الألوهية وإخلاص العبادة لله وحده مع شمولية الدين عرفنا أن معنى توحيد الله في العبادة ليس فقط في الركوع والسجود والنذر والذبح، بل في إقامة شرع الله ونظامه الذي يظهر من خلاله تمام التعبد والذل والانقياد لله وتمام وحدانيته سبحانه.
عندما نُقِر بربوبية الله وسلطانه وقهره وملكه، يجب أن يظهر دليل هذا الإقرار في تصرفاتنا كعبيد لله مملوكون له تحت سلطانه وقهره، وذلك بكمال الذل والانقياد والاستسلام لحكمه وشرعه وأمره.
إذا كُنا مُقرين ومؤمنين بأسمائه وصفاته، ومن صفاته الحكم، فهو الذي يحكم ونحن الذين نستجيب ونطبّق حكمه ونرجع إليه، ومن أسمائه العدل، فلا عدل إلا حكمه وكل حكم خالف حكمه فهو الظلم الواضح البيّن، فيجب علينا أن نُظهر حقيقة هذا الإيمان بالحكم بشرعه والتحاكم إليه والرضى به.
إن اختزال مسألة الحاكمية وحصرها في نص أو نصين دون النظر إلى حقيقة المسألة هو ما أوقع كثيراً من الناس في الخلل في فهم هذه المسألة ووضعها في غير موضعها.
إن أمر الشريعة بتنصيب الحاكم إنما هو لإقامة معاني التوحيد والعبودية والانقياد لله وذلك بالحضوع والاستسلام لحكمه وشرعه، ولم يوضع الحاكم لينازع الله في حكمه ويجعل نفسه ندّاً لله فيضع نظاماً يضاد ويصادم به حكم الله، فينتشل الناس من العبودية والخضوع لله وحكمه إلى العبودية والخضوع له من دون الله.
انظر إلى الأدلة الشرعية وهي تضع لنا الأصل في كيفية معاملة الحاكم، ومتى يجب السمع والطاعة له، ثم اربط هذا بأصل الموضوع ليتبين لك أن سلطة الحاكم مرتبطة ومقيدة بهذا الأصل العظيم، أعني مسألة التوحيد.
تأمّل معي:
يقول الله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر...).
في هذه الآية أمر الله بطاعته وطاعة رسوله بتكرار لفظ الأمر[أطيعوا] ولما جاءت طاعة ولي الأمر لم يُسبق بلفظ الأمر[أطيعوا] وإنما عُطِف على طاعة الله ورسوله، بهذا يتبين لك أن طاعة ولاة الأمر إنما هي مقيدة فيما هو طاعة لله وسوله صلى الله عليه وسلم.
ثمّ لاحظ عند المنازعة أُمِرنا بالرد إلى الله والرسول، ولم يُذكر هنا ولي الأمر، لنعلم أن حكم الشرع هو المقصد والمرجع ولا قيمة لحكم الحاكم إذا خالف شرع الله.
والسنة أيضاً بينت هذا الأمر بكل وضوح
تأمل الأحاديث:
[ إن أُمّر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا]. رواه مسلم.
وفي لفظ:( لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا). رواه مسلم
وفي رواية الطبراني في المعجم الكبير: (إن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له ما أقام فيم كتاب الله تعالى) وقال صلى الله عليه وسلم:(إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين ) رواه البخاري.
قد يظُنّ بعض الناس أن إقامة الدين والقيام بشرع الله يكفي فيه إقامة الصلوات وبعض الأمور الشرعية كالنكاح والطلاق ونحوها، وبذلك يكون الحاكم مقيماً لكتاب الله.
وهذا خلل عظيم في فهم دين الله الذي جاء لينظم جميع مناحي الحياة.
تأمل قول الله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة..) فالله سبحانه يأمر عباده بالدخول في جميع شرائع الإسلام كافة، وبهذا تعلم أن دين الله ليس ألعوبة يؤخذ منه ويترك حسب الهوى وإرادات النفس.
وعندما تقرأ قول الله تعالى: (فمن يكفر بالظاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى).
وقول الله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما إنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد إمروا أن يكفروا به).
وقول الله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله..)
عند تأمّلك لهذه الآيات تعلم أنه كما أن العبادة يجب أن تكون لله وحده، وأن الله أغنى الأغنياء عن الشرك فلا ينفع سيل من التوحيد مع قطرة من الشرك الأكبر، وأنه لا يصح الإيمان إلا بالكفر بالطاغوت، فكذلك الأمر بالنسبة للحكم لابدّ أن يكون بشرع الله وحده تتمثل فيه معالم التوحيد والانقياد لله وحده، ولا ينفع الحكم بشرع الله مع الحكم بشريعة الطاغوت، ومن يريد أن يجمع بين الحق والباطل، وشرع الله ونظام الطاغوت حاله كحال المنافقين الذين يريدون الجمع بين الإيمان والكفر، وكحال الذين قال الله فيهم: (يقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقاً..).
تفكّر يا أخي في هذه الآيات والأحاديث، ثم تفكّر فيما يلي:
- إذا كان أمر الحكم لا يستقيم إلا بالسمع والطاعة، والشرع أمرنا بالسمع والطاعة لمن يقيم فينا كتاب الله، فهل يجب السمع والطاعة لمن لا يقيم فينا كتاب الله؟!
- وإذا كان لا يجوز أن نسمع ونطيع من لا يحكم فينا كتاب الله فهل يصح بقاءه في الحكم بلا سمع ولا طاعة؟ إذاً ما هي فائدة بقائه؟
- إذا كان الحاكم بغير شرع الله طاغوتاً كما سماه القرآن فهل يكون الطاغوت ولي أمر للمسلمين؟
- إذا كان الكفر بالطاغوت شرطاً في الإيمان فهل من الكفر بالطاغوت السمع والطاعة والانقياد له ولحكمه من دون الله؟
تفكّر يا أخي في هذا، وتفكّر فيما نسمعه من كثير من العلماء وطلبة العلم:
- يُسمون من لا يقيم كتاب الله ولي أمر للمسلمين.
[كيف يكون ولي أمر للمسلمين من ضيع حكم الله ويحكم فيهم بحكم الطاغوت]
- يوجبون السمع والطاعة لمن لا يقيم كتاب الله.
[والشرع إنما قيد السمع والطاعة لمن يقيم كتاب الله، وهل الكفر بالطاغوت يكون بالسمع والطاعة له؟]
- يحرمون الخروج على من لا يقيم كتاب الله.
[إذا كان لا يجوز الخروج على حكم الطاغوت فعلى حكم مَن يجب الخروج؟!].
فكيف نكفر بالطاغوت إذاً؟!
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
sgsgm igl,h tgkjt;v (6)
المفضلات