بسم الله الرحمن الرحيم
البَقَرَة
قرآن كريم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَإِذْ قُلْنَا لِلمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ ، وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ، فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
عندما انتهى أمر سجود الملائكة لآدم عليه السلام وطُرد إبليس من رحمة الله ، أرد المولى عز وجل أن يـُدخل آدم عليه السلام حقل الاختبار قبل إرساله بالرسالة الإلهية واتباع البشرية للمنهج الذي سيؤهله الله لهم ... وكذا الغواية التي سيتعرض لها من إبليس ... والله عز وجل رحمة منه لم يشأ أن يبدأ آدم مهمته في الوجود على أساس نظري ، لأن هناك فرقاً بين الكلام النظري والعملي .
قد يقال لأي شخص شيء ويوافق عليه من الناحية النظرية ولكن عندما يأتي الفعل فإنه لا يفعل شيء .
إذن فالفترة التي عاش فيها آدم عليه السلام في الجنة كانت تطبيقاً عملياً لمنهج العبودية ، حتى إذا خرج إلى مهمته لم يخرج بمبدأ نظري ، بل خرج بمنهج عملي تعرض فيه لا فعل ولا تفعل .. والحرام والحلال وإغواء الشيطان والمعصية .
ثم بعد ذلك يتعلم كيف يتوب ويستغفر ويعود إلى الله ، وليعرف بنو آدم أن الله لا يغلق بابه في وجه العاصي ، وإنما يفتح له باب التوبة .
ولا يدعي البعض أن الجنة التي مارس به آدم تجربة تطبيق منهج الله عز وجل هي جنة الخلد كما يدعي النصارى واليهود بجهالة ، إنما حي جنة سيمارس فيها تجربة تطبيق المنهج فقط ، ولذلك كيف يدخل إبليس جنة الخلد بعد أن عصى الله وطرده ...
فلا بد أن نتنبه إلى ذلك جيداً حتى لا يقال أن معصية آدم هي التي أخرجت البشر من الجنة .. لأن الله عز وجل قبل خلق آدم حدد مهمته فقال :
البَقَرَة
آية رقم : 30
قرآن كريم
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُّفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ
فآدم عليه السلام مخلوق للخلافة في الأرض ومن صلح من ذريته يدخل جنة الخلد في الآخرة ، ومن دخل جنة الخلد عاش في النعيم خالداً .
ولقد أمد الله سبحانه الجنة التي سيمارس فيها آدم وزوجته كل سبل الحياة كما أمد الأرض بكل سبل الحياة قبل أن يبدأ بها الإنسان سبل حياته .
وعندما جاء الأمرلآدم وزوجته لممارسة والتدريب لتطبيق المنهج الإلهي في الجنة ، فأمر الله سبحانه وتعالى آدم وزوجته أن(( وكلا منها رغداً حيث شئتما )) ولاستكمال المنهج الإلهي (( ولا تقربا هذه الشجرة )) ، فنجد أمر الله بالأمر والنهي .. افعل ولا تفعل .. فالمباح كثير والممنوع قليلا ... ونرى أن ما ممارسة آدم عليه السلام مطابق لحياتنا العملية على الأرض .. وهذا لصدق القول لما سبق ذكره عاليه .
وبدأ ممارسة إبليس مهمته ، وهي عداوته الرهيبة لآدم وذريته .
وقد أوضح الله عز وجل لآدم أن إبليس عدوه
طه
آية رقم : 117
قرآن كريم
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى
ولكن الله سبحانه وتعالى بين لنا أن آدم عليه السلام يتمثل فيه أنه بشر يصيب ويخطئ وتدركه الغفلة ، وقد يخالف منهج الله في شيء ، ثم يستيقظ من الغفلة فيتوب إن أراد التوبة ... لأن إبليس قال له (( هل أدلكم على شجرة الخلد وملك لا يبلى)) ... ولم تنجح هذه المحاولة مع آدم وحواء .. فقال لهم إبليس في محاولة أخرى (( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين )) وقد فات على آدم عليه السلام أنه لو كان هذا صحيحاً .. لأكل إبليس من الشجرة ولم يطلب إبليس من الله أن يمهله إلى يوم الدين ....... وهنا وقع النسيان
طه
آية رقم : 115
قرآن كريم
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
وهل النسيان معصية .. حتى يقول الله سبحانه
طه
آية رقم : 121
قرآن كريم
فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى
نعم النسيان كان من معصية في الأمم السابقة .. بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( رفع على أمتي الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه )) رواه الطبراني عن ثوبان .
ونسي وعصى . تؤدي معنى واحداً .
ولا بد أن نفطن إلى قول الله تعال (( ثم اجتباه ربه ))
إذن فالاصطفاء للرسالة جاء بعد المعصية ، لأن عصيانه كان أمر طبيعياً لأنه بشر ، يخطئ ويصيب ، يسهو ويغفل ، ولكن بعد أن خرج آدم من الجنة اجتباه الله ليكون نبياً ورسولا ، ومادام صار نبياً ورسولا فالعصمة تأتي له :
طه
آية رقم : 122
قرآن كريم
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى
إذن لا يصح لنا أن نقول : كيف يعصي آدم عليه السلام وهو نبي ؟ نقول :
تنبه .. تنبه .. تنبه إلى أن النبوة لم تأته إلا بعد أن عصى وتاب ، فهو يمثل مرحلة البشرية لأنه أبو البشر كلها ، والبشرية منقسمة إلى قسمين :
بشر مبلغون عن الله ..
وأنبياء يبلغون عن الله ..
فله في البشرية أنه عصى ، وله في النبوة أن ربه قد اجتباه فتاب عليه وهداه ... ولو قال مضلل أن آدم عليه السلام خلقه الله لكي يكون مخلوقاً للجنة ... فهذا خطأ ... أفهموا عن الله .. لأنه قال
(((((إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ))))) البَقَرَة آية رقم : 30
وقس على ذلك كل الأنبياء والرسل .. فمثلاً ما جاء عند سيدنا موسى عليه السلام بقول [ قال فعلتها إذن و أنا من الضالين ..] ( الشعراء 20 ) ... فلو تتبعنا قصة سيدنا موسى نجد أن ما حدث منه كان قبل أن يكون نبياً .. لأنه تاب واستغفر ، فغفرالله له ..
ثم جاءت الرسالة من الله عز وجل وكانت بدايتها موجهة لفرعون .. وفي هذه اللحظة واجهه فرعون بخطئه .. ولكن سيدنا موسى عليه السلام لم يشر أنه كان كافر ولكن قال فعلتها وأنا في الضلال قبل أن يصطفيني الله عز وجل لأنه نبي ورسول .. وهذا لكل الأنبياء والرسل
ونجد البعض يدعي أن ينسب لله الغواية .. ويستشهد بجهالة الآية 16 بسورة الأعراف
الأَعْرَاف
آية رقم : 16
قرآن كريم
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ
نجد هنا أن الإغواء . إغراء بالمعصية ، ومن الإغواء الغّيّ وهو : الإهلاك ، يقول الحق سبحانه
مَرْيَم
آية رقم : 59
قرآن كريم
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّا
ً
وحين نقرأ ((فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي)) أي فبإغوائك يا الله لي سأفعل كذا وكذا ، وبذلك يكون قد نسبت الإغواء لله . لكن :
هل يغوي ربنا أو يهدي ؟
إن الله يهدي دلالة وتمكيناً ، وسبحانه خلق الشيطان مختاراً ، ولم يخلقه مرغماً ومسخراً كالملائكة ، ولأنه قد خـُلق مختاراً فقد أعطاه فرصة أن يطيع وأن يعصى ، وكأن الشيطان بقوله هذا يتمنى لو أنه قد خلق مقهوراً .
ويقول إن الله هو الذي أعطاه سبب العصيان .
ولم يلتفت إلى أن الاختيار إنما هو فرصة لا للغواية فقط ، ولكنه فرصة للهداية أيضاً . وأنت أيها الشيطان الذي اخترت الغواية .
إذن
فقول الشيطان ((فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي)) إنما يريد به الشيطان : أن يدخل بمعصيته على الله ، ونقول له .. لا
إن ربنا لم يغوٍ ، لأن الحق سبحانه وتعالى لا يغوي وإنما يهدي ، لأن الله لو خلقه مرغماً مقهوراً ما أعطاه فرصة أن يختار كذا أو يختار كذا ، فقد خلقه على هيئة (افعل) و (لا تفعل ) ,اختار هو ألا يفعل إلا المعصية .
والله أعلم
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
hgv] ugn afim s,vm hgfrvm Ndm 30
المفضلات