والكراهية، فإنَّه يقال عن الإسلام: إنَّه - كما يظهر مِن نصوص كثيرة في مصدريه -الإسلام وبغض (الآخر)
ما هو موقف الإسلام تجاهَ الآخر، الذي لا يَدين به مِن حيثُ الحبُّ والبغضُ والمودَّة
يَنهَى أتباعه عن حبِّ (الآخر) ومصادقته وإقامة عَلاقات وديَّة معه، كما في آية المائدة:المسلمين، وتجعل هذا مِن علامة الإيمان، كحديثِ:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ... ﴾ [المائدة: 51]،
والآية الأخرى في سورة المجادلة:
﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22]،
وحديث
((المرءُ على دِين خليلِه))
وغير ذلك مِن الآثار، بل إنَّنا لنجدُ بعضَ النصوص تُشجِّع على بُغْض المسلم لغير
((أوثقُ عُرى الإيمان: الحبُّ في الله، والبغضُ في الله)).أعلى درجات الإيمان بغضُ مَن يُبغضه الله وحبُّ مَن يحبه الله، بل جاءتْ بعض النصوص
ومعلومٌ أنَّ الآخر - وهو الكافِر عندَ المسلمين - ممَّن يبغضه الله - تعالى - ولا يُحبُّه، فمِن
تُحرِّض على العنصرية مع الآخَر، كما في حديثِ:
((لا تَبدؤوا اليهودَ والنصارى بالسلام، وإذا لَقِيتُموهم في طريقٍ فاضطرُّوهم إلى أضيقِه)).
ولا حاجةَ إلى نقْل آراء بعضِ الفقهاء في معاملةِ أهل الذِّمة وإلزامهم زِيًّا معيَّنًا، وحِرْمانهممن ممارسة بعضِ الوظائف، وغير ذلك من المعاملة العُنصريَّة، بل الكلام هنا حولَ محبَّة
الآخَرين والسَّماحة معهم، وهو أمر تَنشُده الإنسانيةُ اليوم وتحتاج إليه، وقد نادتْ به بعضُالاتجاهات الفِكريَّة المعاصرة، فلِمَ كان موقف الإسلام سلبيًّا في هذه القضية؟!
يعمدون عادةً إلى ما يفْعله المتَّهم في قَفَص الاتِّهام من المسارعة إلى نفْي التُّهمة مباشرةً،
وقبل الإجابةِ عن هذه الشُّبهة تجمل الإشارةُ إلى أنَّ المنهزمين داخلَ الصفِّ الإسلامي
ونفي حيثياتها، في الوقتِ الذي يُقدِّم فيه المدعي من ملفِّ المتَّهم ما يُثبِت تلبس المتَّهمبالتُّهْمة الموجَّهة إليه.
وهذا الصنيع مِن المنهزمين خطأٌ محض، فإنَّه لا بدَّ من النظر في التُّهمة نفسِها؛ أهي ممَّايقع تحتَ الإدانة ويستوجب العقوبةَ أم لا؟ ولا بدَّ من النظر أيضًا في حال المدَّعي، وهل
هو طاهرُ الثوب ممَّا يَرمِي به الآخرين؟ أم كان ينبغي له أن يُوجِّهَ الاتهام إلى نفسه قبل أنيُوجِّهه إلى غيره؟
إنَّ الذين يُكثرون اللَّغَطَ حولَ الإسلام ومبادئه، وسماحته وأخلاقه وأحكامه، ليَفعلون ذلكوأيديهم ملوَّثة بدِماء الأبرياء مِن الضعفاء الذين قتَلوهم وشرَّدوهم، ونَهَبوا ثرواتهم في بقاعٍ
شتَّى حولَ العالَم.
وتأسيسًا على ما سَلَف، فإنَّه يجدُر بنا أن نطرَح سؤالاً وهو: ومَن مِن أهل المِلل والدِّياناتوالمذاهب أحبَّ الآخرين وعامَلَهم بلا عُنصرية وتمييز؟!
أهُم اليهود الذين يرَوْن مَن سواهم منَ الأُمم حميرًا؟ أم هُم الصَّهاينة الذين يأتِمرون علىالعالَم بأَسْره؟ أهُم النَّصارى الذين يزعمون أنَّ دِينهم يأمرهم بحبِّ أعدائهم بينما يشهَد التاريخُ
المسيحي منذُ عهده الأوَّل إلى يومِنا الحاضر بأنَّ النصارى لم يُحبُّوا حتى إخوانهم المختلفينمعهم، فضلاً عن أعدائهم؟ وأمَّا أعداؤُهم - وبخاصَّة المسلمين - فيكفيك الحملاتُ الصليبيَّة على
الشَّرْق الإسلامي التي سجَّل فيها جنودُهم ورُهبانُهم صفحاتٍ سوداءَ مِن الظلم والبغي، والإبادةالجماعيَّة، والأخلاق البربريَّة، ولا تفوتنَّك محاكمُ التفتيش في العصورِ الوُسْطَى، و"البوسنة
والهرسك" في العصر الحديث.أفي الشيوعيَّة تنظيرًا في فكر "ماركس"، وتطبيقًا في حُكم "لينن" و"ستالين" ونحوهما؟!
أم يُقال: إنَّ حبَّ الآخر موجودٌ في المذاهب الفكرية العلمانية المعاصِرة، فنسأل: أين نَجِدُه إذًا؟
أم في الرأسمالية الإمبرياليَّة كما جسَّدها على أكملِ وجْه الاستعمارُ الإنجليزي والفَرَنسي والإسبانيفي آسيا وإفريقيا؟! أم إنَّ إبادةَ الهنود الحُمر في أمريكا تُعَدُّ حَسَنةً من حسناتِ الفِكر الرأسمالي؟
هل يُمكننا أن نَجِد ذلكم الحبَّ والتسامح في فاشية "موسولني" أو نازية " هِتْلر"؟!سماحتها؟ أفي "فيتنام "؟ أم "العراق"؟ أم "أفغانستان"؟!
أم لعلَّنا نجد بُغيتنا وطلبتنا منه في " الليبرالية الحنونة" التي تُجسِّدها في الوقت الراهن راعيةُ
الحريَّة والتعدديَّة في العالَم "أمريكا العطوفة"؟! فإلى أين يا تُرى نُيمِّم وجهَنا لنتعرَّف على
أين وعندَ مَن على أرضِ الواقِع يوجَد "حب الآخر والسماحة معه"؟! أم هي شعاراتٌ برَّاقةتُرْفَع عندَ الحاجة فحسبُ؟!
إنَّنا لو فتحْنا بابَ الاتِّهام واستشهدنا بالواقِع، فلن يفلتَ أحدٌ مِن الذين يَكيلون التُّهم للإسلامِويحسبون أنَّهم منها بُرآء، على أنَّنا لو استنطقْنا التاريخ القديم والمعاصِر، ونظرْنا إلى معاملة
المسلمين لغيرِهم أيَّامَ قوَّتِهم وسلطانهم، وقارنَّاه بمعاملةِ غيرهم لهم عندَ استحواذهم على بلادِالمسلمين، لرأينا البَونَ شاسعًا بين المعاملتَين، ولرأينا الكِفَّة راجحةً لصالح المسلمين قديمًا
وحديثًا، ولكن أعداء الإسلام مُولَعُون بالكذب والبُهت والتجنِّي عليه، ويتديَّنون بذلك إنْ كانوامليِّين، ويرونه واجبًا فكريًّا إنْ كانوا علمانيِّين، وكتابات المستشرِقين على اختلافِ أطيافهم
خيرُ دليلٍ على ذلك.بُغْضه؟ إلى احترامِه والإعجاب به؟ أمْ إلى النَّظَر إليه بانتقاصٍ وازدراء؟
ولنرجِع الآن إلى الكلام على تِلكم القضية: هل يدعو الإسلامُ أتباعَه إلى حبِّ الآخر؟ أمْ إلى
بداية لا بدَّ مِن توضيح حقيقةٍ مهمَّة، وهي: هل الإسلامُ هو الطريقُ الوحيد إلى الله تعالى؟ أم هوطريقٌ مِن طرق كثيرة؟ هل هو حقيقةٌ مُطلَقة أم نسبيَّة؟ أهو وحْده الصواب، أم هو وغيره صواب؟
أهو حقٌّ محض ومِن ثَمَّ خير محض؟ أم هو حقٌّ وباطل، وخير وشر؟
إنَّ الإجابةَ عن هذه الأسئلة أساسٌ في توضيحِ هذه القضية.
إنَّ الإسلام ليس فِكرةً أرضيةً، ولا تَجرِبة بشَريَّة قابلة للصواب والخطأ، والحقِّ والباطل،وأنَّه ليس مَذهبًا اخترعَه محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن عنده، بل هو وحيٌ
من عندَ الله العزيز الحكيم.
وهو - الإسلام - دينُ الأنبياء جميعًا مِن آدم إلى محمَّد - عليهم السلام - فهو دِينُ إبراهيم وإسماعيلوإسحاق، وموسى وعيسى - عليهم الصلاة والسلام - وما محمَّدٌ إلا حلقةٌ في سلسلة، ولَبِنةٌ في بناء،
غير أنَّ شريعته وكتابه فيهما الكلمة الأخيرة مِن السماء إلى الأرضِ، وقد كَفَلَتْ - بما تضمَّنتْه منأحكام وأقضية - السعادةَ لجميع البشَر في جميعِ أنحاء الأرض في كلِّ عصر مِن العصور التي تَلَتْ
نزولها.العبادات؛ لانفرادِه بسائرِ نُعُوت الكمال والجلال، وصِفات الخلْق والرزْق والتدبير، مع الإيمان
ثم الإسلامُ هو الإيمان بالله - تعالى - خالقًا لهذا الكون، وإفراده تعالى - دون غيره - بسائرِ أنواع
بالرُّسُل أجمعين، وتصديقهم فيما جاؤوا به مِن عند الله - تعالى.الذي عجَز عقلُ الإنسان عن إدراك أسرارِه عبرَ ألوف السِّنين قضاها في هذه المحاولة - إنَّما وُجِد
هذا هو الإسلام، فما هو ضدُّه؟ وما هو غيرُه؟
إنكارُ وجودِ الله - تعالى - والهُزء بالعَقْل البشري، بالزعمِ بأنَّ هذا الكونَ البديعَ المحكم الصُّنْع -
بمحضِ الصُّدفة؟!وتسويةِ المخلوق بالخالِق، والمقهور بالقاهر، والمنعَم عليه بالمنعِم؟!
صَرْف العبادة لغيرِ مستحقِّها، وإضفاء نعوتِ الكمال والجلال على مخلوقٍ مِن مخلوقات الله تعالى،
التكذيبُ ببعضِ الرُّسل، ونعْته بأقبحِ النعوت، ونبْذ كتابه مع كونه تصديقًا لما بين يديه من الكُتبوالرسل، ورفْض الانضواء تحتَ شريعته، مع أنَّها كلمةُ الله الخاتمة، وفيها السعادة لجميع مَن تَبِعَها؟!
التكذيب بالبعْثِ والقيامة، والزعم بأنَّها خرافات وأوهام، والانغماس في وحْلِ الشهوات البهيميَّة؟!والفساد والرذيلة في الأرض؟!
اتِّباع الأفكار البشريَّة والشيطانيَّة التي تدعو إلى محاربةِ الخير والفضيلة والرَّحمة، ونشْر الشرور
أهذه مضاداتُ الإسلام التي يُقال عن صاحبِها: إنَّه "كافر"، أو كما يُقال في عصرنا - عصر التزييف-: إنَّه " الآخَر"؟!
فالمتلبِّس بهذه المضاداتِ أو بواحدةٍ منها، أهلٌ للحبِّ أم للبُغض؟ كيف يطلب الإسلامُ من أتباعه أنيحبُّوا الباطل والشر أو أصحابَهما؟!
لأنَّنا مجبولون على حبِّ الخير والعدْل، والجمال والكمال، وبُغض أضداد ذلك مِن الشر والظلمإنَّه من الظُّلم للإسلام أن نُلزمه أن يعترفَ بالباطل، ويُقرَّ بالخطأ والإثم.
وها هنا نقول أيضًا:
إنَّه مِن الظلم للإسلام أن نلزِمه أن يدعوَ أتباعه إلى حبِّ المبطلين والكاذبين،
والداعين إلى الغي والضلال.
إنَّك لو طلبتَ من إنسان سَوِيٍّ أن يحبَّ مجرمًا ما، أو جريمةً ما، لكنتَ طلبتَ منه ما لا طاقةَ له به؛
والنقص، إنَّنا لا نَقْدِر على غير هذا؛ لأنَّ فطرتنا هكذا.له نِدًّا، أو يزعم أنَّ له زوجةً وولدًا، أو غير ذلك من وجوهِ الكُفر والإلحاد والشِّرْك، لرأى أنَّ ذلك
ولو أنصفَ المرءُ ونظَر إلى حقيقةِ الكافر الذي يُنكر أظهرَ حقيقة، وهي: وجود الله تعالى، أو يجعل
الرجلَ يرتكب جريمةً نكراءَ، هي أبشعُ مِن كثير من جرائم القتْل والغدْر والخِيانة، التي فُطِر الناسعلى بُغضِها وبغض مرتكبيها.
فالآخر - وليس الإسلام - هو مَن أنْزَل نفسَه هذه المنزلةَ، وأوْجَب لنفسه هذا الشعورَ مِن عدم الحبِّوالودِّ.
ثم يُقال: ما هو المقصودُ بعدم حبِّ الآخر وبُغْضه الذي أومأتْ إليه النصوصُ الإسلامية؟كما هو في الصِّهْيَونيَّة أو النازية أو الفاشية؟
أهو البُغضُ الذي يحمل على العنصريةِ ضدَّ الآخرين، وظلمهم واضطهادهم وإيذائهم،
كلاَّ! إنه إيقاظٌ للبُغض الجِبليِّ الذي ينبغي أن تحملَه كلُّ فطرة سويَّة لكلِّ جائرٍ وظالمٍ لنفسهأو غيره.
وهو - أيضًا - تعبيرٌ عن الاستعلاءِ اللازم لقِيَم الحقِّ والخير والعدل وأهلها، على معاني الباطلوالشرِّ والظلم وأهلها، وهو المعنى الموجودُ في حديث: ((وإذا لقيتموهم في طريقٍ فاضطرُّوهم إلى
أضيقِه))،ليس المراد أن يترُكَ المسلِمُ طريقًا ليزاحمَ أحدًا ملجئًا إيَّاه إلى الجِدار أو الرصيف، فإنَّالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه ما فَعَلوا هذا، بل المرادُ عدمُ التوسعةِ لهم وإخلاء الطريق
أمامَهم على حسابِ تضييق طريقِ المسلم، بل يأخُذ المسلِم في طريقِه على ما هو عليه غير عابئولا مكتَرِث.
إنَّ هذا الأمرَ لا يختلف كثيرًا عمَّا يفعله الشرفاءُ وأصحاب المبادئ عندَ رؤية أهلِ الباطل مِن أهلالثروة والمناصِب، إنهم يتصرَّفون معهم بطريقةٍ استعلائية، لكنَّها غير مذمومة، تختلف عن سلوكِ
أهل النِّفاق وضِعاف النفوس أمامَ ما تمليه العادةُ من الخضوع والاستكانة مع أهل المناصب والجاه.لأنَّ عِلَّته قابلةٌ للإزالة، وفي مقدور كلِّ إنسان رفعُها، فدوافعه ليستْ قائمةً على أشياء اضطراريَّة
وهو - أيضًا - شعورٌ منوط بسببٍ يبقَى ببقائه، ويزول بزواله، فليس هو موقفًا أبديًّا سرمديًّا؛
لا دخْلَ للإنسان فيها كاللَّوْن والجنس والأرض، بل على ما اختارَه الإنسانُ لنفسِه، وفي مقدورِهووُسعه التخلِّي عنه.
فما الذي يحول بيْن أيِّ إنسان وبيْن سلوكه طريقَ الحق والخير والعدل، فيتخلَّص من هذا الشُّعور،وهذا الموقف الذي يتَّخذه المسلمون منه؟ إذ إنَّه بمُجرَّد دخولِ الإنسان في الإسلام يَنتهي الأمر برُمَّته،
ويصبح المسلمُ الجديد مثله مثلُ مَن وُلِد مسلمًا، وله عشراتُ الآباء والأجداد المسلمين، فما يَضيرأهلَ الأرض أجمعين أن يَدخُلوا في الإسلام؛ لتكونَ بينهم مَودَّةٌ واحدة، ومعاملة واحدة؟!
إنَّ هذا الشعورَ بمثابة الغِشاء الذي يحفظ الهُويَّة الإسلامية مِن الانخراطِ في باطلِ الآخرين،أو الانخداع به، أو الإعجاب ببهرجِه الزائِف وزُخْرفه المزوَّر.
إنَّه احترازٌ وقائي مِن اندماج أهلِ الحقِّ والعدل مع أهلِ الباطل والظُّلم في صداقاتٍ شخصيةورُوحية، مِن شأنها أن تُضعِف هاجسَ الإيمان والولاء للحقِّ، ومقْت الكفر والباطل تحتَ تخدير
المخادَنة والمخالَلَة، والركون إلى الطرَف الآخَر وإلْفه والميل إليه، ومِن ثَمَّ الركون إلى ما مَعَهمِن باطل وظلم.
ومع ذلك لا يَعني هذا الشُّعور المقاطَعة التامَّة بين المسلِم وغيره، فإنَّه - وكما ثبَت بأدلَّة الشريعةالصحيحة - لا حرجَ أبدًا على المسلِم في التعامل مع غيرِ المسلِم، بل الأكْل معه ومِن طعامه، بل
وعيادته وزيارته، وإجابة دعوته وقَبول هَديَّته، والإهداء له والتصدُّق عليه، والقيام بحقِّه إنْ كانجارًا، كل ذلك لا حرَجَ على المسلِم فيه، بل دِينه يأمرُه بالسماحة، وحُسْن الخُلُق، والإحسان، وعدم
الإيذاء، ولو مع الحيوان الأعجَم، لكن هذه الأمور لا تَتنافى مع الأمر ببُغض التجنِّي على اللهوالكذب عليه وعلى رُسلِه، وبُغض مَن يَحمِل هذا الظلمَ ويُمارس هذا التجنِّي.
ثم يُقال - أيضًا -: إنَّ هذا البُغضَ للآخَرِ مقيَّد بقيود تمنعه من أن يكون إحساسًا أو سلوكًا عُنصريًّاتمييزًا، إنَّه محاطٌ بسياج الشريعة الكاملة التي مِن أبجدياتها تمجيدُ العدل، والأمر به مع كلِّ أحد،
بقَطْع النظر عن لَونه وجِنسه بل ودِينه، وتقبيح الظلم والنهي عنه مع كلِّ أحد، مسلمًا كان أو غيرَمسلم، مسالمًا للمسلمين أو معاديًا لهم.
هذا العدلُ الذي هو أساسٌ من أُسس الشَّرْع كفيلٌ ألا يجعلَ هذا الشعور تُجاهَ غير المسلمين شعورًاعدوانيًّا عنصريًّا اضطهاديًّا، فهو مطلوبٌ لأهداف معيَّنة، ومقدر بحدود معيَّنة، ما وراءَها منهي عنه،
آثِم فاعلُه في ميزانِ الشرع.
ولا عجبَ أبدًا أن يجتمعَ البُغض والعدل في الشريعةِ الكاملة الخالِدة، وإنْ كان هذا عزيزًا أو معدومًافي الدِّيانات المحرَّفة والمذاهب الفِكريَّة المعاصرة.
وعلى هذا، فغيرُ المسلِم آمِن من أن يقودَ ذلكم الشعورَ السلبي ضدَّه إلى اضطهادِه أو ابتزازه، وهذاالذي يَعنِيه ويحتاج إلى ضمانتِه، فهو ليس بحاجةٍ إلى شعارات جوفاءَ مكتوبة على أوراق، ولا مكانَ
لها عندَ التطبيق على أرض الواقِع.
وإنِّي لأجدُ التعبير عن هذا المعنى في حادثةٍ نقلتْها كتبُ التاريخ بين الخليفة الراشد الثاني عمر بنالخطاب وقاتِل أخيه زيد بن الخطَّاب، فهذا القاتل كان مِن المرتدِّين الذين ارتدُّوا بعدَ وفاة النبيِّ –
صلَّى الله عليه وسلَّم - وحاربَهم المسلمون، وكان زيد بن الخطَّاب من الذين قُتلوا في إحدى المعاركمع المرتدِّين، ثم إنَّ قاتلَه أسلم، فحُقِن دمُه بذلك، وفي يومٍ ما لقيه عمرُ بعد أن تولَّى الخِلافة، فقال له:
واللهِ لا أحبُّك أبدًا، فقال له الرجل: وهل يمنعني ذلك مِن عدلك شيئًا؟ قال: لا، فقال الرجل: إنَّما يَبكيعلى الحبِّ النساءُ!
أجَلْ، إنَّما البغية هي العدلُ وهي التي ينبغي أن يُحاقق الناس إليها، وتُعرَف سماحتُهم من عنصريتهمعن طريقِها.
ولن تَجِدَ اليومَ العدلَ التام مع الآخرين في أكملِ صُوَره في غير الإسلام؛ لأنَّ شريعتَه جاءتْ تامَّةوكاملة، وما سوى التمام والكمال، فهو نقصانٌ وقصور.
وإنَّك لو نظرتَ إلى خُلُق العدل الذي يطالب المسلِمَ مُطالبةً لا هوادةَ فيها مع القريبِ والبعيد والعدوِّوالصديق؛
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُواهُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]،
﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]،
﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9].التخلُّق به؛
لو نظرتَ إلى العدل وضممتَ معه حُسنَ الخُلُق الذي نُدِب المسلِم إليه ووُعِد بأعْلى الدرجات على
((خِيارُكم أحاسنُكم أخلاقًا))،
((إنَّ المُسلِمَ لَيُدركُ بحُسن خُلُقه درجةَ الصائم القائِم))،
((لا شيءَ أثقلُ في الميزان مِن خُلُق حسَن)).
إنَّك لسوف تَجِد عندها أنَّ السلوك الإسلامي عندَ المسلم المتخلِّق بخُلُق دِينه المتمسِّك بأوامرِ شرْعه،لهو السلوك الأمْثَل في معاملةِ الآخَر، ولا يكاد الآخَر يرجو خيرًا أو يأمن شرًّا إلا عند المسلم.
إنَّ المسلم مُطالَب بالأمانة مع جميعِ الناس؛ لأنَّ الغِشَّ حرام مع الجميع، ومُطالَب بكفِّ أذاه عمَّن لميؤذِه؛ لأنَّ إيذاء الناس بغير حقٍّ ظلمٌ، والله - تعالى - حرَّم الظلم على نفسِه وعلى عباده، فليس لهم
أن يَتظالموا، وهو ممنوعٌ مِن الكذب والخيانة والغدْر وإخلافِ الوعْد والسَّرِقة وأكْل أموال الناسبالباطل؛ لأنَّ هذه الأمور جميعًا مُحرَّمة في دِينه مع كلِّ أحد مسلمًا أو غير مسلم.
وفوق ذلك، فإنَّ المسلم المسارِع في مرضاةِ ربِّه والالتزام بدينه مَعنِيٌّ بمساعدةِ المحتاجين، وإغاثةِالمكروبين، ومدِّ يدِ العون للمنكوبين مسلمين كانوا أو غير مسلمين، وفي قلْب المسلِم رحمةٌ وشفقةٌ
يستحقُّها كلُّ مَن هو أهل لها مِن إنسان أو طير أو حيوان.سعيٍ حثيث لاجتثاثِ الإسلام وإبادة المسلمين - ليستْ وليدةَ اليوم، بل هي موجودةٌ منذ أيَّام الدعوة
أخيرًا: بقِي أن يُقال: إنَّ مشاعر الكراهية والحِقد الشديدَيْن ضدَّ الإسلام والمسلمين، والتي تُترجَم إلى
بمكَّة مِن كفَّار قريش، ثم أيَّام الدولة بالمدينة مِن اليهود، وهي باقيةٌ عبْرَ العصور كما يشهد التاريخُ(الآخر)؟ أليس من البلَهِ والسَّفَه مودَّة ومحبَّة مَن يتربَّص بك الدوائر، ويَحيك لك المؤامرات، ويَعُدُّ
بذلك، وإذا كان الأمرُ على هذا النحو، فكيف يَغيب هذا الملحظُ عن منتقدي الإسلام في موقفِه مِن
العُدَّةَ للانقضاضِ عليك متى أمكنه ذلك؟!وقتْل "مروة الشربيني" لأجْلِ حِجابها، وإهانة المصحف وإحراقه - عنَّا ببعيدٍ لمَن كان ضعيفَ
إنَّ الله - تعالى - بعِلمه المطلَق لِمَا كان ولِمَا سيكون، علِم موقفَ أعداء الإسلام منه ومِن أتباعه،فحذَّر عباده المسلمين من الانخداع بهم والرُّكون إليهم، وتصديق شِعاراتهم البرَّاقة الكاذبة؛ كالسعيِ
نحوَ تحقيق السلام الإنساني والأمن العالمي.
وقد رأيْنا التاريخَ والواقع يَشهدانِ بكَذبِهم شهادةً لا الْتباسَ فيها ولا التواء، وما رُسومُ "الدنمارك"،
الذاكرة فنَسِي أو تناسى التاريخَ، وزعم أنَّ عُنصريَّة الماضي قد تولَّتْ وخمدَتْ نيرانُها.
منقولhgYsghl ,fyq (hgNov)
المفضلات