إلينا عمدًا من قِبَل الغرب ودُعاتِه في بلادنا.
السوبرماركتية !!
د. محمد إبراهيم فرحات
من الأنماط السلوكية التي انتشرتْ في مجتمعاتنا نمطُ الحياة الاستهلاكية، وهو نمطٌ مستورد صُدِّر
وهذا النمطُ مبنِيٌّ على الفلسفة التي يعتنقها هؤلاء القوم، والتي تقوم في جوهرها على فكرة أنالإنسانَ هو محور هذا الكون؛ وعليه فلديه الحريةُ الكاملة في التصرف فيما حوله بما يُشبِع رغباته.
وخطورة هذا السلوك ليس في الانشغال بملذَّات الحياة الدنيا فقط، بل المشكلة الحقيقية في أثر هذاالسلوك على النمط الفكري وما يتبعه مِن تغيُّر عام في المجتمع.
فهذه الثقافةُ الاستهلاكيَّةُ تقوم على فكرة أنني أملك المال، وأنني حرٌّ في التصرف فيه، وعليه فإنلي الحق الكامل في اختيار ما يناسبني من المعروض فوق الأرفف.
أقتنع به أنا من الأقوال التي تعرض عليَّ، فالعلماء والفقهاء وظيفتهم كأية شركة منتجة، عليهم
وعند البعض يصير الدِّين أحد المعروضات على أرفف الحياة!!
فما دمتُ أنا حرًّا، وأملك عقلي، فأستطيع أن أنتقي من الدين ما يناسبني وما أراه أنا صحيحًا، وما
إقناعي بما لديهم من بضاعة، وأنا وحدي الذي له القول الفصل فيما يوضع في سلة اهتماماتي!
بل قد يتعدَّى الأمر إلى اختيار الدين أصلاً أو عدم اختياره، وتركه هناك، على الرف!
والحقيقة أن هذا النمط لا علاقة له بالإسلام على الإطلاق؛
فالإنسانُ في حقيقته ليس حرًّا، إنما هو عبدٌ لله، لا يملك التصرُّف في أي شيء، حتى يرجعإلى مولاه.
فالمال ليس ملكًا للإنسان على إطلاقِه، بل هو مُستخلَف فيه، إنْ أنْفَقَه فيما هو خير كان خيرًا،وإن لم يفعلْ فهو محاسَب على هذا.
قال - تعالى -:زجاجة المياه الغازية التي اشتريتَها من عشرين عامًا مضتْ؟!
﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7]؛
فهل تخيَّل أحدٌ منا أنه سيُسأل عن كلِّ شيء اشتراه بماله، هل تخيَّلت مثلاً أنك ستسأل عن
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((لا تزول قدَمَا عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ: عن عُمُره فيم أفناه؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به؟وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟))؛ [صحيح].
هذا عن المال، أما عن الدين فالإنسان ليس حرًّا في التصرُّف معه، بل لا خيار للمسلم إلا أنينقاد لهذا الدين.
ومن العجب أن الناس لا يلتفتون إلى حقيقة أن دينهم اسمه الإسلام، ولا يسأل المرء نفسه:
لماذا هذا الاسم تحديدًا؟
لماذا لم يكن اسمه: دين التوحيد مثلاً، وهو دين التوحيد الخالص؟
الجواب:
أن الإسلام قائمٌ على العبودية الحقَّة لرب العالمين، والتي لا تقوم إلا بالاستسلام الكامل لله
سبحانه وتعالى. فلا إسلام بلا خضوع وانقياد لله وحده.
أما مَن أعلن الإسلام ولم يخضعْ لأحكام الله ولا لشرعِه؛ فهذا يحتاج إلى مراجعة إسلامه، حتىيعلم بمَ يلقى ربه يوم الدين؟
والصنف الشائع فعلاً من أهل "السوبرماركتية" هو من تجاذبته أهواء "السوبرماركت" وقواعدالإسلام، فاختار ألا يخرج خاسرًا، فانتقى بعضًا من هذا وخلطه بقليلٍ من ذاك، وأقنع نفسه أنه
هكذا قد حل المشكلة.مَن ينتقي من أرفف المعروضات، ويقول: سآخذ هذا، وأدع ذاك؛ فهذا قد فَعَل فِعْل أهل الكتاب
ولا والله، إنما هو محض خداع، فلا يكون الدين دينًا حتى يأخذه العبد كله، طواعية وحبًّا، أما
من قبل، ألم يقل الحق - تعالى - فيهم:ولا يتركوا منها شيئًا، وألا يكونوا ممن اتخذ إلهَه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعلَه،
﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ [البقرة: 85]؟
ولكن المسلم يسمع الخطاب الشرعي:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208].
قال السعدي - رحمه الله -:
"هذا أمر من الله - تعالى - للمؤمنين أن يدخلوا ﴿ فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾؛ أي: في جميع شرائع الدين،
وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعًا للدين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه مِن أفعالالخير، وما يعجز عنه يلتزمه وينويه، فيدركه بنيته". فيقول المسلم الصادق:
﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [البقرة: 285].
أسأل الله أن يجعلنا من المسلمين الصادقين، وألا يجعلنا من "السوبرماركتيين".
المصدر : الألوكةhgs,fvlhv;jdm !!
المفضلات