بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه و من والاه .
أما بعد :
فإن الصراع بين الحق و الباطل قديم و لا يتوقف و هذا الصراع من سنن الله في خلقه . و إن صراع المسلمين مع أعدائهم يكلل بالنصر إن أخذ المسلمون بأسباب النصر، و سلكوا دروبه و إن من تلك الدروب درب التسلح بالعلم .فما هزمنا من هزمناه إلا بسلاح العلم و اللسان قبل السنان و ما حقق الرسل النصر على من عاداهم إلا بسلاح العلم و إقامة الحجة على المخالف و نسبته إلى الجهل. لكن و الحق يقال إن الأعداء لا يغمض لهم جفن و إنهم ليجلبون على المسلمين بخيلهمن و رجلهم و لا يدعون فرصة للهجوم إلا انتهزوها و لا مسلكا صعبا كان أو ذلولا إلا ساروا فيه يحدوهم الأمل لزلزلة معتقد المسلمين.قال اليهودي، القس النصراني صموئيل زويمر في مؤتمر القدس سنة 1935 للميلاد وهو يخاطب المبشرين بالنصرانية في العالم الإسلامي ما نصه (.. إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية - ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية - فإن في هذا هداية لهم وتكريماً (!!) وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، ولذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه وتهنئكم دول المسيحية والمسيحيون جميعاً من أجله كل التهنئة.)
و إن إخراج المسلمين من دين الله إلى عبادة الخروف تكون بأساليب منها إمطارهم بسيل من الشبهات التي تنفرهم من دينهم ليرتموا بعدها في أحضان يسوع الإنسان يعبدونه و يقدمون له ألوانا من العبادات يشربون دمه و سيأكلون لحمه . و هنا يظهر الدور الخطير و الجسيم للرد على الشبهات و تفنيد الآراء الهدامة الباطلة و تسويتها بالأرض. إن المجرم زويمر يعرف تمام المعرفة دور صلة العبد بربه و دور الأخلاق بصفتها مظهر يجسد ذلك الإيمان على أرض الواقع و لما كان الأمر كذلك كان لزاما على جحافل المبشرين أن ينشروا في الأرض زوابع من الشبهات تدع المسلم حيران لا يدري ما يفعل و كيف يرد فتبقى تلك الشبهات تتلجلج في صدره و يسمع لصداها حتى يصبح الصوت مدويا لا يدع صاحبه يغتمض له جفن . و أعرف مسلما كان يتردد على منتديات النصارى حتى أصابته عدوى مقالتهم فترددت كلمات النصارى في آذانه حتى كادت تغلبه لولا لطف الله، ثم أقوال العلماء الذين أجابوا عن شبهات النصارى حتى انبلج الحق و انشرح صدره . و أعرف أختا لنا في الله أكثرت من سماع شبهات النصارى حتى دعت إلى ردّ ما في الصحيحين من الأحاديث و سار على نهجها آخر. و الأمثلة في ذلك كثيرة جدا. لكن وجب التنبيه أن الموهوم لا يدفع المعلوم، وأن المجهول لا يعارض المحقق كما قال ناصر السعدي رحمه الله.فالمعلوم المحقق هو الإسلام و تعاليمه و شرائعه و الموهوم المجهول هو ما يتخرص به الأعداء فلا يجب على مسلم عاقل أن يدع دينه لشبهة و أن يرد الدين الحق لعارض يمكن أن ينجلي بسهولة .
إن النصارى في سعي حثيث لإخراج المسلمين من دينهم و تنصيرهم لكن رغم الأوقات الثمينة و الأموال الطائلة التي أنفقوها فإنهم لا يحصدون إلا الفشل الذريع و الإخفاق المريع . فما من مخطط إلا و كسد و ما من بضاعة إلا بارت و لو أن المسلمين كلهم كانوا في خندق واحد لقضي الأمر .و لو عملنا بمقتضى هذه القولة لكان لنا و لعدونا شأن آخر: ما من مسلم إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام، فإياك إياك أن يؤتى الإسلام من قبلك.
و إن مما يسر الفؤاد ويقطع دابر الكفر و العناد أن ما ثبت بالدليل و البرهان و الحجة أدى إلى العلم القطعي الذي لا مرية فيه و لا شك أنه الحق و ما سواه الباطل.
إن ما قامت الأدلة على أنه حق وجب الجزم بصدقه والجزم ببطلان ما عارضه و خالفه و لا نسمع لتشنيع مشنع و سخرية مستهزئ ، و لو أثار مثير ما شاء من الشبه فإنه لا يخرج ذلك الحق من دائرته. قال السعدي رحمه الله في تفسيره:
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } .
يخبر تعالى محتجا على النصارى الزاعمين بعيسى عليه السلام ما ليس له بحق، بغير برهان ولا شبهة، بل بزعمهم أنه ليس له والد استحق بذلك أن يكون ابن الله أو شريكا لله في الربوبية، وهذا ليس بشبهة فضلا أن يكون حجة، لأن خلقه كذلك من آيات الله الدالة على تفرد الله بالخلق والتدبير وأن جميع الأسباب طوع مشيئته وتبع لإرادته، فهو على نقيض قولهم أدل، وعلى أن أحدا لا يستحق المشاركة لله بوجه من الوجوه أولى، ومع هذا فآدم عليه السلام خلقه الله من تراب لا من أب ولا أم، فإذا كان ذلك لا يوجب لآدم ما زعمه النصارى في المسيح، فالمسيح المخلوق من أم بلا أب من باب أولى وأحرى، فإن صح إدعاء البنوة والإلهية في المسيح، فادعاؤها في آدم من باب أولى وأحرى، فلهذا { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك } أي: هذا الذي أخبرناك به من شأن المسيح عليه السلام هو الحق الذي في أعلى رتب الصدق، لكونه من ربك الذي من جملة تربيته الخاصة لك ولأمتك أن قص عليكم ما قص من أخبار الأنبياء عليهم السلام. { فلا تكن من الممترين } أي: الشاكين في شيء مما أخبرك به ربك، وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهي أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، { فماذا بعد الحق إلا الضلال } وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته ويدعو إليه.
و هو كما ترى كلام نفيس للغاية .
يتبع بحول اللهlki[ hgv] ugn hgafihj shil td Yovh[ hgl,q,u ;jhfh Yg;jv,kdh >
المفضلات