السؤال تحدث المسيح عن التثليث وقال : إنه ابن الرب ، فهل بوسعكم – رجاء - تفسير هذه الآية من " إنجيل ماثيو " الموجود فى السورة 28 الآيات 16 - 20 ؟ وهل يثبت ذلك أن المسيح عيسى هو ابن الرب ؟ وقد كنت أفكر فى اعتناق الإسلام لكن أمور كهذه كانت تسبب لي مشكلات . وشكراً جزيلاً .
_________________________________
الجواب :
الحمد لله
أولاً: نحمد الله جل جلاله أن وفقك ، وأنت في هذه السن المبكرة ، إلى أن تبحث عن الحق ، وتسأل وتناقش فيه ، ولا تكتفي بأن يكون دينك كالذي نشأت عليه من دين الآباء والأجداد ، ونسأل الله أن يتم عليك نعمته عليك بالتوفيق للحق الذي يرتضيه من عباده ، وأن يشرح صدرك لقبوله والانقياد إليه . ثانياً: مما ينبغي أن يعلم ـ قبل الجواب عن سؤالك ـ أن الله جل جلاله ليس يشبهه أحدٌ من خلقه ، بل هو واحد أحد ، فرد صمد ، ليس له صاحبة ولا ولد ، وليس له شبيه ولا نظير ، بل هو غني بنفسه عن ذلك كله سبحانه ، وما المسيح عيسى بن مريم إلا رسول من عنده تعالى ، جاء بني إسرائيل بشيراً ونذيراً ، وقد جعله الله تعالى آية للناس حيث أنجبته أمه من غير زوج ، وهذه الآية لا تجعله ابناً للرب تعالى ، فإن " آدم " عليه السلام ليس له أب ولا أم باتفاق جميع الأديان ، فلو كان مجرد الولادة من غير أب حجة في أن يقال إن المسيح ابن الله ، لكان آدم عليه السلام أولى بذلك ، كما أن خلق " حواء "عليها السلام أعظم من خلق عيسى بن مريم عليه السلام ، ولم يقل عاقل إنها ابنة الله . ولهذا قال الله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) سورة آل عمران/59- 61 . ثالثاً: النص المشار إليه في السؤال هو : " وأما الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى " الجليل " إلى الجبل حيث أمرهم يسوع . ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكّوا . فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً : " دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض . فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس . وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ، وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " . إنجيل " متى " ( 28 / 16 – 20 ) . والآن إلى نقد تلك الآيات وأنها مقحمة لا أصل لها . قال الدكتور منقذ السقَّار – وفقه الله - :
وأول نقد يتوجه لهذه الفقرة : أنها رغم أهميتها لم ترد في الأناجيل الثلاثة الأخرى التي اتفقت على إيراد قصة دخول المسيح " أورشليم " راكباً على جحش ، فهل كان ركوبه على جحش أهم من ذكر التثليث فلم يذكره سوى " متى " ؟ .
بل إن خاتمة إنجيل " مرقس " نقلت ذات الوصية التي أوصاها للتلاميذ فلم تذكر صيغة التثليث التي انفرد بذكرها " متى " ، حيث يقول " مرقس " : " وقال لهم : اذهبوا إلى العالم أجمع ، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ، من آمن واعتمد خلص ، ومن لم يؤمن يدن " ( مرقس 16 / 15 ) ، وهذا دال على إلحاقية نص التثليث وعدم أصالتها .
وهذه الفقرة دخيلة بدليل قول علماء الغرب أيضاً :
1. يقول " ويلز " : " ليس دليلاً على أن حواريي المسيح اعتنقوا التثليث " .
2. ويقول " أدولف هرنك " في كتابه " تاريخ العقيدة " : " صيغة التثليث هذه التي تتكلم عن الآب والابن والروح القدس : غريب ذِكرها على لسان المسيح ، ولم يكن لها وجود في عصر الرسل … كذلك لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم النصرانية ما يتكلم به المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات ، إن " بولس " لا يعلم شيئاً عن هذا " ، إذ هو لم يستشهد بقول ينسبه إلى المسيح يحض على نشر النصرانية بين الأمم .
3. ويؤكد عدم أصالة هذه الفقرة مفسرو الكتاب المقدس ومؤرخو المسيحية كما نقل ذلك المطران كيرلس سليم بسترس - رئيس أساقفة بعلبك وتوابعها للروم الكاثوليك – بقوله :
" يرجّح مفسرو الكتاب المقدس أنّ هذه الوصية التي وضعها الإنجيل على لسان يسوع ليست من يسوع نفسه ، بل هي موجز الكرازة التي كانت تُعِدُّ الموعوظين للمعمودية في الأوساط اليونانية ، فالمعمودية في السنوات الأولى للمسيحية كانت تعطى " باسم يسوع المسيح " ( أع 2 / 38 ، 10 / 48 ) أو " باسم الرب يسوع " ( أع 8 / 16 ، 19 / 5 ) ، من هنا يرجّح المؤرخون أن صيغة المعمودية الثالوثية هي موجز للكرازة التي كانت تُعِدُّ للمعمودية ، وهكذا توسّع استدعاء اسم يسوع ليشمل أبّوة الله وموهبة الروح القدس " .
" اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر " المطران كيرلس سليم بسترس ( 2 / 48 ) .
4. وحين نقل المؤرخ " يوسابيوس القيصري " هذه الفقرة من إنجيل " متَّى " لم يذكر فيها الآب ولا الروح القدس ، بل قال : " فقد ذهبوا إلى كل الأمم ليكرزوا بالإنجيل معتمدين على قوة المسيح الذي قال لهم : " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم باسمي " " .
" تاريخ الكنيسة " يوسابيوس القيصري ، ( ص 100 ) .
5. ومما يؤكد هذا : أن المخطوطات العبرية المكتشفة حديثاً لإنجيل " متى " – الذي كتب أصلاً بالعبرانية – ليس فيها هذا النص ، وهذا الأمر اعتبره الدكتور ج ريكارت - أستاذ اللاهوت في الكلية الإرسالية الإنجيلية (Kaufman, Texas) في كوفمان في ولاية تكساس – دليلاً قاطعاً على إلحاقية هذا النص بإنجيل متى ، وقال : " إن الكنيسة الكاثوليكية بالإضافة إلى أرثوذكس المشرق قد كذبوا على العالم فيما يخص هذا النص من " متى " ؛ وذلك لأن كل من عمِّد بهذه الطريقة قد عُمد كذباً ومات من غير خلاص " .
http://www.jesus-messiah.com/apologe...hew-proof.html
ويذكرنا الدكتور ريكارت بالعديد من النصوص الإنجيلية التي تتحدث عن التعميد بيسوع المسيح فقط ، كما في قول بطرس في خطبته الشهيرة : " توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس " ( أعمال 2 / 38 ) ، والسامريون اعتمدوا بمعمودية يوحنا المعمدان ، فلما سمعوا بطرس " اعتمدوا باسم الرب يسوع " ( أعمال 19 / 5 ) ، فلم يطالبهم بطرس بالتعميد باسم الآب والروح القدس ، واكتفى بالتعميد باسم يسوع .
6. ويؤكد تاريخ التلاميذ عدم معرفتهم بهذا النص ، إذ لم يخرجوا لدعوة الناس كما أمر المسيح في هذا النص المزعوم ، بل إنه أمرهم باجتناب دعوة غير اليهود :
أ. " هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع ، وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم لا تمضوا ، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا ، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (متى 10 / 5 – 6).
ب. ويتطابق هذا مع شهادة تاريخية تعود للقرن الثاني تناقض الأمر المزعوم بدعوة الأمم وتعميدها باسم الثالوث ، إذ يقول المؤرخ الكنسي " أبولونيوس " : " إني تسلمت من الأقدمين أن المسيح قبل صعوده إلى السماء كان قد أوصى رسله أن لا يبتعدوا كثيراً عن أورشليم لمدة اثنتي عشرة سنة " .
" الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة " الأنبا ايسذورس ( 1 / 39 ) .
ج. وقد التزم التلاميذ بأمر المسيح عليه السلام ، ولم يخرجوا من فلسطين إلا حين أجبرتهم الظروف على الخروج ، " وأما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس ، فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكيا ، وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط " ( أعمال 11 / 19 ) ، ولو كانوا سمعوا المسيح يأمرهم بدعوة الأمم باسم الآب والابن والروح القدس : لخرجوا امتثالاً لقوله ، من غير إكراه ، ولبشروا الأمم بدعوته .
د. ولما حدث أن " بطرس " استدعي من قبل " كرنيليوس " الوثني ليعرف منه دين النصرانية ، ثم تنصر على يديه لما حصل ذلك : لامَه التلاميذ فقال لهم : " أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه ، وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما إنه دنس أو نجس " ( أعمال 10 / 28 ) ، لكنه لم يذكر أن المسيح أمرهم بذلك ، بل قال : " نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات ، وأوصانا أن نكرز للشعب " ( أعمال 10 / 42 ) ، أي : لليهود فقط ، ولما رجع إلى " أورشليم " تعرض لمزيد من اللوم فقد " خاصمه الذين من أهل الختان ، قائلين : إنك دخلت إلى رجال ذوي غلفة ، وأكلت معهم ! " ( أعمال 11 / 2 – 3 ) ، فبدأ " بطرس " يحكي لهم عن رؤيا منامية رآها سوغت له الأكل مع الأمميين ( أعمال 11 / 4 – 10 ) ، ثم حكى لهم كيف جاءه الروح القدس ، وأمره بالذهاب ، " قال لي الروح أن أذهب معهم غير مرتاب في شيء ، وذهب معي أيضاً " ( أعمال 11 / 12 ) .
وبعد هذا العرض الإقناعي المسهب من بطرس رضي التلاميذ عن ذهابه إلى الغلف ، " فلما سمعوا ذلك سكتوا ، وكانوا يمجدون الله قائلين : إذا أعطى الله الأمم أيضاً التوبة للحياة " ( أعمال 11 / 18 ) .
وعليه فهؤلاء جميعاً بما فيهم بطرس لا يعلمون شيئاً عن نص " متَّى " الذي يأمر بتعميد الأمم باسم الآب والابن والروح القدس ، لماذا ؟ لأن المسيح لم يقله ، وهم لم يسمعوه ، ولو كان المسيح قاله لما احتاج الأمر إلى عتاب وملامة .
7. وأيضاً اتفق التلاميذ مع " بولس " على أن يدعو الأمميين ، وهم يدعون الختان - أي : اليهود ، يقول بولس : " رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة ( الأمم ) كما بطرس على إنجيل الختان … أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم ، وأما هم فللختان " ( غلاطية 2 / 7 – 9 ) ، فكيف لهم أن يخالفوا أمر المسيح - لو كان صحيحاً نص " متى " - ويقعدوا عن دعوة الأمم ، ثم يتركوا ذلك لبولس وبرنابا فقط ؟ .
فكل هذه الشواهد تكذب نص " متى " ، وتؤكد أنه نص مختلق لا تصح نسبته إلى المسيح .
ثم عند غض الطرف عن ذلك كله : فإنه ليس في النص ما يسلم بأنه حديث عن ثالوث أقدس اجتمع في ذات واحدة ، فهو يتحدث عن ثلاث ذوات متغايرة قرن بينها بواو عاطفة دلت على المغايرة ، والمعنى الصحيح لخاتمة " متى " : " اذهبوا باسم الله ورسوله عيسى والوحي المنزل عليه بتعاليم الله عز وجل " ، ولهذه الصيغة الواردة في " متى " مثل لا يصرفه النصارى للتثليث ، فقد جاء في بعض رسالة " بولس " إلى " تيموثاوس " : " أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين … " ( تيموثاوس ( 1 ) 5 / 21 ) فإن أحداً لم يفهم من النص ألوهية الملائكة أو أنهم الأقنوم الثالث ، ويقال في نص " متى " ما يقال في نص " بولس " .
ويشبهه ما جاء " سفر الخروج " من دعوة بني إسرائيل للإيمان بالله وبموسى من غير أن يفهم تساوي المعطوفين في قوله : " فخاف الشعب الرب ، وآمنوا بالرب وبعبده موسى " ( الخروج 14 / 31 ) .
وهذا الأسلوب في التعبير معهود في اللغات والكتب ، وقد نزل في القرآن مثله ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ) النساء/ 136 ، وغير ذلك من الآيات القرآنية .
" الله جل جلاله واحد أم ثلاثة " ( ص 122 – 125 ) .
على أننا ننبهك أيها اللبيب الباحث عن الحق ، إلى أنه على افتراض أن هذه الكلمة ليست مضافة إلى إنجيل متى ، وأنه وردت فيه هكذا ، فليس معنى ذلك أن المسيح ابن الله ، على ما يقال عند النصارى ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فقد ورد إطلاق هذا اللفظ على غير المسيح أيضا ، وفي سياقات عديدة ، لا يقول أحد من أهل ملتكم أنها تعني البنوة الحيقية .
وتأمل هذه العبارة في إنجيل "متى" الذي تسأل عنه :
{ طوبى للأنقياء القلب ، لأنهم يعاينون الله ، طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناءَ الله يُدْعَون }
[ متى : 5/8-9 ] .
فهل كل صانعي السلام ، على ما ورد في إنجيل "متى" هم أبناء الله ، كما يذكر نفس الإنجيل أن عيسى ابن الله ؟!!
وينظر في موقعنا جواب السؤال رقم (82361) .
ويمكنك الاطلاع على مزيد من الأقوال لعلماء نصارى وقساوسة مع توثيق أكثرها بصور من الكتاب المنقول نفسه تحت هذا الرابط :
http://www.aljame3.net/ib/index.php?...aded&pid=35588 وستجد أيضاً مراجع وشروحات مصنفة للنصارى كلها تنفي هذا النص أن يكون في " لإنجيل متى " ، ومن هذه الشخصيات والمراجع : 1. " دبليو بيترسون " . 2. " قاموس انكور للكتاب المقدس " 3. " قاموس بيك " . 4. كتاب " History of Dogma " . 5. " من أجل المسيح " توم هاربر . 6. " دائرة المعارف البريطانية " طبعة 1911 م . 7. " موسوعة شاف هيرزوج للعلوم الدينية " . 8. " الموسوعة الكاثوليكية " . 9. " دراسات في العهد الجديد " الجامعة الكاثوليكية الأمريكية بواشنطن ، 1923م . وأخيراً : نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للحق ، وأن يكتب لك الخير ، وأن يوفقك لما يحب ويرضى من الاعتقاد والأقوال والأفعال ، ونحسن الظن بك أن تفعل ما هو صواب ، وننتظر منك ن تفرحنا بعد اتخاذ ذلك القرار الصائب . وأي استفسار آخر فنحن على أتم الاستعداد له ، ولن تجد إجاباتنا إلا علميَّة موثقة ، ننصح لك ولا نغشك ، ونرضى لك ما نرضاه لأنفسنا . والله الموفق
الإسلام سؤال وجواب
hg[,hf uk kw td " Yk[dg lj~Qn " drt phzghW fdki ,fdk Hk dEsgl !
المفضلات