ثامناً: الثقة بالطريق:
لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم، كان ثباته عليه أكبر.. ولهذا وسائل منها:
- استشعار أن الصراط المستقيم الذي تسلكه ليس جديداً ولا وليد قرنك وزمانك، وإنما هو طريق قد سار فيه من قبلك الأنبياء والصديقون والعلماء والشهداء والصالحون.
- الشعور بالاصطفاء والمنة من الله، قال الله عز وجل: "الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى" (59/النمل).
تاسعاً: ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل:
النفس إن لم تتحرك تأسن، وإن لم تنطلق تتعفن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس: الدعوة إلى الله، فهي وظيفة الرسل، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات، وتنجز المهمات (فلذلك فادع، واستقم كما أمرت).
وليس يصح شيء يقال فيه " فلان لا يتقدم ولا يتأخر " فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، والإيمان يزيد وينقص.
والدعوة إلى المنهج الصحيح - ببذل الوقت، وكدّ الفكر، وسعي الجسد، وانطلاق اللسان، بحيث تصبح الدعوة هم المسلم وشغله الشاغل - يقطع الطريق على محاولات الشيطان بالإضلال والفتنة.
زد على ذلك ما يحدث في نفس الداعية من الشعور بالتحدي تجاه العوائق، والمعاندين، وأهل الباطل، وهو يسير في مشواره الدعوي، فيرتقي إيمانه، وتقوى أركانه.
فتكون الدعوة بالإضافة لما فيها من الأجر العظيم وسيلة من وسائل الثبات، والحماية من التراجع والتقهقر، لأن الذي يُهاجم لا يحتاج للدفاع، والله مع الدعاة يثبتهم ويسدد خطاهم والداعية كالطبيب يحارب المرض بخبرته وعلمه، وبمحاربته في الآخرين فهو أبعد من غيره عن الوقوع فيه.
عاشراً: الالتفاف حول العناصر المثبتة:
تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام: (إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر) حسن رواه ابن ماجة.
البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات. وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فيها المسلمين برجال.
كما حدث مع الصديق في فتنة مانعي الزكاة ومع الإمام أحمد في فتنة القرآن كلام الله.
وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
الحادي عشر: الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام:
نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها.
: "وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)" آل عمران.
ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثبت أصحابه المعذبين أخبرهم بأن المستقبل للإسلام في أوقات التعذيب والمحن قال لهم: (وليُتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه) رواه البخاري.
الثاني عشر: معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به:
في قول الله عز وجل: "لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ" (196/آل عمران) تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم.
وفي قوله عز وجل: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء" (17/الرعد) عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له.
وقوله تعالى: "وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ" (55/الاأنعام) فضح أهل الباطل وتعرية أهدافهم ووسائلهم حتى لا يؤخذ المسلمون على حين غرة، وحتى يعرفوا من أين يؤتى الإسلام.
فالجهل بالأعداء قد يؤدي لزلل الأقدام.
الثالث عشر: استجماع الأخلاق المعينة على الثبات:
وعلى رأسها الصبر، ففي حديث الصحيحين: (وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر) رواه البخاري.
وأشد الصبر عند الصدمة الأولى
الرابع عشر: وصية الرجل الصالح:
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته، فتكون كلمات ينفع الله بها، ويسدد الخطى، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله، ولقائه، وجنته، وناره.
وذلك كما قيض الله للإمام أحمد من يثبته. فذاك الأعرابي يقول للإمام أحمد: " يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم، وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه، فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة، وإن كنت تحب الله، فاصبر على ما أنت فيه، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل ".
قال الإمام أحمد: وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع عن ذلك الذي يدعونني إليه (البداية والنهاية).
ومنها الحرص على طلب الوصية من الصالحين: قبل سفر، أثناء ابتلاء، أو قبل محنة متوقعة، إذا عُينت في منصب أو ورثت مالاً وغنى.
الخامس عشر: التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت:
والجنة بلاد الأفراح، وسلوة الأحزان، ومحط رحال المؤمنين والنفس مفطورة على عدم التضحية والعمل والثبات إلا بمقابل يهوّن عليها الصعاب، ويذلل لها ما في الطريق من عقبات ومشاق.
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم ذكر الجنة في تثبيت أصحابه، ففي الحديث الحسن الصحيح مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بياسر وعمار وأم عمار وهم يؤذون في الله تعالى فقال لهم: (صبراً آل ياسر صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) رواه الحاكم.
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول للأنصار: (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) متفق عليه.
وكذلك من تأمل حال الفريقين في القبر، والحشر، والحساب، والميزان، والصراط، وسائر منازل الآخرة.
كما أن تذكر الموت يحمي المسلم من التردي، ويوقفه عند حدود الله فلا يتعداها. لأنه إذا علم أن الموت أدنى من شراك نعله، وأن ساعته قد تكون بعد لحظات، فكيف تسول له نفسه أن يزل، أو يتمادى في الانحراف، ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم : (أكثروا من ذكر هادم اللذات) رواه الترمذي.
يتبع إن شاء الله...
المفضلات