صاحبه في الغار (2-2)
ليلة الغار:
يا ليلة الغار هلا عدت ثانية
سقى زمانك هطال من الديم
وليلة بدر الأبرار، وليلة الدار:
أبو بكر يوم أعلن إسلامه، ويوم ارتحل مع صاحبه، مرةً خلفه، ومرة أمامه، ويوم جهز جيش أسامة.
وأبو بكر ساعة سمع سورة اقرأ، وساعة صدق المعصوم في الإسراء، وساعة مات الحبيب، وأظلمت الغبراء.
ثلاث فيك لو قسمت لشعب
لصار الفرد منهم رأس قوم
ثباتك والسيوف مضرجات
وبذلك والزمان زمان عدم
وصدق فيك يشرق لو تبدى
لقال البدر قد ضيعت رسمي
أبو بكر أعلن الحرية؛ لأنه أول من استقبل عبداً، وأول من ودع عبداً، استقبل بلالاً أيام البلاء، يوم كانت قريش ثائرة على السود، هائمة في السيادة، ضالعة في الاستعباد.
وودع أسامة الأسود يركب على الفرس بسواده.
والصديق يطأ الثرى ببياضه ليقول للناس: لا ألوان ولا أنساب ولا ألقاب عندنا، حمل رسالة، وصحة يقين، وطهر ضمائر، وسمو همم، هو مع خليله وإمامه وحبيبه وأسوته في الصلاة خلفه، في الحرب أمامه، في الطلب لديه، في المهمات عنده.
أبو بكر قلب نبيل، وجسم نحيل، شاب الإرادة، شيخ التجارب، أحيا قلبه بالإيمان فلم يمت أبداً، وأمات نفسه عن الشهوات فلم تعش أبداً.
هاج الناس يوم مات الرسول صلى الله عليه وسلم فسكن أبو بكر، تلعثموا فتكلم، أراد أن يخبرهم بالمصاب، فأتى بالعجب العجاب، [[من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت]].
نحيف أسيف شريف.
نحيف لم يتخم من موائد اللاهين، وبعض الرعية في أسراب الجائعين.
وأسيف بكى من التنزيل، ودمعت عيناه من خوف الجليل، ووجل ليوم الرحيل.
وشريف سمت روحه عن الشهوات، وعظم قلبه أن تناله الشبهات، ونظفت يده عن هاء وهات، عنده صحة قطرة سقاها معين التوحيد، ونضحها نسيم الهجرة، وأنضجتها شمس الجهاد، عقيدته توقد من شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية، بل ربانية سنية سلفية، نور على نور:
جاءت به في ليلة مأهولة
متبلج البسمات كالنجم الأغر
شاب رأسه من تلك الأيام، يوم رأى إمامه وقدوته يؤذى في الطواف، ويوم شاهد السيوف تلف الغار، ويوم أبصر الحبيب يودع الحياة.
صفقته رابحة، وكفته راجحة، وعطاياه غادية رائحة، أنطق بحجته ألسنة النبلاء، فشهدت: أن لا إله إلا الله. وأسكت بدولته أفواه البغاة، يوم قالت: لا إله.
أرسل لواءه الأبيض على العنسي الأسود، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.
وأرسل طلحة على طليحة، فصغر الاسم، ومحى الرسم، ولا يغل اسم الله اسم.
جمع له المرتدون الخيول المرسلات، فسلط عليهم السيوف النازعات، منعوا زكاة المال، فأخذ منهم زكاة الرجال، قطعوا الحبال فارين، فجزهم في العمائم مقيدين.
مات المعلم يوم الاثنين، ومات التلميذ يوم الاثنين لأنه: ((ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) وتنتهي بهما في دار المقام، ويذهب الحزن كله: ((وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)).
وتوافقت تلك المناقب مثلما
شاء الإله وزادها مولاها
------
منقولة من جريدة المدينة للدكتور عائض القرني
دمعت عيناي وانا اقرأها ،،
اعجبتني فاحببت ان انقلها لكم ..whpfi td hgyhv (2-2)
المفضلات