جامعة الخليل
كلية الآداب
قسم اللغة العربية
عنوان البحث
عمر بن أبي ربيعة
إعداد
علي "محمد زايد" غيث
بإشراف
الدكتور عبد المنعم الرجبي
قدم هذا البحث, استكمالا لمتطلبات مساق في الشعر الإسلامي والأموي, الفصل الصيفي من عام 2008مـ
m
الحمد لله منزل أبلغ الكلام, معلم الإنسان البيان, وأفضل صلاة وأتم تسليم, على من أوتي جوامع الكلم, ومحاسن الحكم, القائل:" إن من البيان لسحرا ", اصطفاه ربه من خيرة خلقه, وأعطاه فصاحة في قوله, فعبر عن مراده بأوجز عبارة, وألطف إشارة. وبعد:
فهذا البحث يلقي الضوء على شاعر الغزل عمر ابن أبي ربيعة مبينا شيئا يسيرا عن هذا الشاعر العملاق, عن النجم في وقته, والقدوة لمن بعده, عن رأس المدرسة الحسية على حد تعبيرهم.وقد اتبعت في بحثي منهجا تحليليا نقديا؛ وهذا يظهر من خلال الحديث عن الحسية في شعر عمر بن أبي ربيعة.
وقد كانت هيكلية البحث كالتالي:
بدأ البحث بمقدمة ذكر فيها ما يجب ذكره حسب المنهجية الحديثة للكتابة, ثم تلا هذه المقدمة تمهيد ذكر فيه نسب الشاعر وحياته, ثم بثلاثة محاور:
1. الحسية في شعر عمر.
2. المغامرات في شعر عمر.
3. المستوى الفني لشعر عمر
ثم تلا هذه المحاور الثلاثة خاتمة, ومِنْ ثَمَّ أُتبعتْ بالمصادر والمراجع, ثم بالفهرست.
وقد اعتمد في هذا البحث على المصادر والمراجع التالية: الشعر والشعراء لابن قتيبة, وشرح المعلقات السبع للزوزني, وفي الشعر الإسلامي والأموي لعبد القادر القبط, الأمالي للقالي, والأغاني لأبي فرج الأصبهاني.
ويجدر الإشارة إلى أن هذه المصادر كانت متيسرة, وإن خالط تكوين البحث صعوبة, فهي ليست آتيةً من البحث ذاته, وإنما هي من الظروف التي كتب خلالها البحث, إذ إن أبرز هذه الظروف آتٍ من كثرة الواجبات الجامعية من حيث إعدادُ البحوثِ والامتحانات, وكذلك من قلة الوقت المتاح لهذا البحث.
وإن نسيت, فلا أنسى شكر دكتوري الفاضل, عبد المنعم الرجبي؛ إذ إنه من اختار لي بحثي, وحثني عليه.
وهنا, لا يسعني إلا أن أقول: كتب الله الكمال لكتابه, ونفاه عن غيره, وحسبي أني حاولت؛ فإن وفقت, فلله الحمد والمنة, وإلا فمن تقصيري ونقصي.
الباحث
M
نسبه, وحياته:
هو عمر بن عبد الله([1]) بن أبي ربيعة([2]) ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة القرشي, كان يكنى أبا الخطاب. ولد سنة: (23هـ/644مـ), وكان تاريخ ولادته السببَ في تسميته عمر؛ إذ إنه ولد في الليلة نفسها التي توفى الله بها عمر بن الخطاب, أمير المؤمنين t, وذلك ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة, وكان الحسن البصري يقول فيها: أي حقٍّ رفع, وأي باطل وضع؟! يعني مقتل عمر ووضع عمر. وتوفي سنة: (93هـ/711مـ)؛ في هذا التاريخ كان يغزو في البحر في مدينة دهلك([3]), فمات فيه_ أي في الغزو _حرقا أو غرقا بعد حرق سفينته([4]).
وأمه هي مجد سبيت([5]) من حضرموت, وقال ابن سلام: هي من حمير, ومن هناك أتاه الغزل([6]). ولقد كانت أمه مولدة من مولدات اليمن([7]). وله أخوان: الحارث بن عبد الله, ويلقب بـ(القباع), وعبد الرحمن بن عبد الله([8]).
ويكون أبو جهل بن هشام بن المغيرة ابن عم أبيه, وكذلك أم عمر بن الخطاب t, حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم أبيه([9]).
لقد كان عمر بن أبي ربيعة من الشعراء الحضريين, أي من الشعراء الذين سكنوا في الحضر, فلقد كان من أهل مكة, ولد فيها_ على ما سبقت الإيماءة إليه _يوم أن مات عمر بن الخطاب t. كان شابا وسيما, ذا جمال وشهرة, حيث كان معروفا في المدينة ومكة وما حولهما من بواد, بل ذاع صيته في أرجاء الخلافة الأموية وقتئذٍ, فكان اسمه يوما بعد يوم يمتد في آذان الناس, ويكأنه تسبيح في أفواههم, فلا تكاد تخلو المجالس من ذكره؛ فمجالس الحكمة تستشهد بأقواله, ومجالس الترف والغناء تلهو بمغامراته وأشعاره, ومجالس النساء تسبحن بحبهنَّ له, وبعشقهنَّ فيه, فتلك النسوة همن في حبه, وطربن لشعره؛ حتى دفع أحدهم إلى التحذير من تناقل شعره, فهو السحر الذي أفسد عليهم حياتهم, وهو الكابوس الذي أقض عليهم مضاجعهم. فابن جريج يقول([10]):" ما دخل على العواتق في حجالهن شيء أضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة ". وقال هشام بن عروة: لا ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة؛ لا يتورطن في الزنا تورطا, ومن ثَمَّ أنشد:
لقد أرسلتُ جاريتي ... وقلتُ لها خُذِي حَذَرَكْ
وقُـولي في مُلاطفةٍ ... لزينَـب نَوِّلي عُمَرَكْ([11])
فهذه كلها أمارات شهرته, وعلوِّ شأنه, ورفعة كعبه في مجتمعه ذاك, ولعلَّ من جعل من تلك الفترة (نجم سينما) قد أصاب القول؛ النجم السينمائي يكون ذائع الشهرة, كلٌ يتمنى الجلوس معه, وكلٌ يتمنى مصاحبته؛ ليشهر بشهرته, وليذكر بذكره, وهذه هي الحال مع عمر بن أبي ربيعة: هو الذي تستعر له القلوب, هو المعشوق الذي يستصبيهن, وهو المحبوب الذي يعذبهن, فأي فتاة سمعت به ولم يبرها حبه؟! وأي فتاة رأته ثم لم تملأ عينيها بجماله وحسنه, وبهوته وزهوته؟! وأي فتاة لم يعجبها رشاقته وعذوبته, ولطفه ورقته؟!
ولقد شاءت الأقدار أن يكون ذا مال كثير, ولعل ماله ساعده في ما وصل إليه من رفيع شأن, وعلوِّ كعب عند سيدات مكة وفتياتها, فلقد أشرنا آنفا أن أباه كان غنيا, بل ولقب بالعدل؛ لأنه عدل أهل مكة بكسوتهم للكعبة, فهذه الثروة جعلت منه شابا مرموقا موسرا, فحق لنا أن نصفه بما وصفت به النساء المدللات المخدومات, فنصفه بقولنا: (نؤوم الضحى).
ولعلَّ ما وصل إليه كان سببا من تقربه من عبد الملك بن مروان, حيث كان يصل إليه فيكرمه, ويدنيه منه. وهذه الأمور_ مجتمعة _جعلته فخورا بنفسه, معجبا بها, فصور نفسه بشعره أنه المعشوق لا العاشق, والمطلوب لا الطالب, والمتبوع لا التابع, وكذلك لعلَّها هي التي صنعت له مغامراته, وهي التي عرضته للآثام التي ارتكبها.
ثم انتبه إلى نفسه في الكبر, فنذر أن لا يقول بيت شعر إلا عتق به رقبة؛ حتى يبتعد عن قول الشعر, وحتى ينسى تلك المغامرات التي خاض غمارها, مشوبة بالآثام والمحرمات, والمخاطر والمهلكات, ومع هذا الذي رأيناه منه في آخر حياته؛ من نذره لنفسه أن يعتق رقبة بكل بيت شعر يقوله, إلا أنه لا بدَّ من سنة الله في خلقه أن تتحقق, فكيف بمن قضى جل حياته في الشعر, بل عاش له أن يتركه هكذا بكل سهولة ولين؟! أليس من شبَّ على شيء شاب عليه؟! بلى. ولعلَّ ما حدث معه لما قام من نومه ذات مرة لدليل خريت, وبرهان ساطع على صدق قولنا, "فبينما هو يطوف بالبيت إذ نَظر إلى فتى من نُمير يلاحظ جاريةً في الطواف، فلما رأى ذلك منه مِراراً أتاه، فقال له: يا فتى، أمَا رأيت ما تصنع؟ فقال له الفتى: يا أبا الخَطّاب، لا تَعجل عَليّ، فإنّ هذه ابنة عمّي، وقد سُمّيت لي ولستُ أقدر على صَداقها، ولا أظفر منها بأكثر مما ترى، وأنا فلان بن فلان، وهذه فلانة بنت فلان. فعرفهما عُمر، فقال له: أقعد يا بن أخي عند هذه الجارية حتى يأتيكَ رسولي. ثم ركب دابّته حتى أتى منزلَ عم الفتى، فقَرع الباب، فخرج إليه الرجل، فقال: ما جاء بك يا أبا الخطّاب في مثل هذه الساعة؟ قال: حاجة عَرضت قِبَلك في هذه الساعة. قال: هي مَقْضية. قال عمر: كائنة ما كانت؟ قال: نعم. قال: فإني قد زوَّجت ابنتك فلانة من ابنِ أخيك فلان. قال: فإني قد أجزتُ ذلك. فنزل عُمر عن دابَّته، ثم أرسل غلاماً إلى داره، فأتاه بألف درهم، فساقها عن الفتى، ثم أرسل إلى الفتى فأتاه، فقال لأبي الجارية: أقسمتُ عليك إلا ما ابتني بها هذه الليلَة. قال له: نعم. فلما أدخلت على الفتى انصرف عمر إلى داره مسروراً بما صنع، فرمى بنفسه على فراشه وجعل يتململ، ووليدة له عند رأسه، فقالت له: يا سيدي، أرقت هذه الليلة أرقاً لا أدري ما دَهمك؟ فأنشأ يقول:
تقول وليدتِي لمّا رأتْنيِ ... طَربتُ وكنتُ قد أقصرتُ حِيناً
أراك اليوم قد أحدثتَ شَوقاً ... وهاج لك الهَوى داءً دفينا
وكنتَ زعمْتَ وإن تَعزي ... مَشُوق حين يَلقي العاشِقينا
ثم ذكر يمينَه فاستغفر الله, وأعتق رقبةً لكل بيت([12])".
فمع كل هذا النسك, ومع كل الحرص على ترك الشعر لم يستطع ذلك, وبقي كذلك يتشبب بالنساء اللواتي أتين ليحججن إلى بيت الله, ويطفن حول الكعبة, فلما علم عمر بن عبد العزيز t ذلك منه نفاه إلى جزيرة دهلك, وقد ختمت حياته بالشهادة. قال عبد الله بن عمر t:" فاز عمر بن أبي ربيعة بالدنيا والآخرة؛ غزا في البحر, فأحرقوا سفينته، فاحترق"[13].
&&&
أولا_الحسية في شعر عمر:
لا جرم أن شاعرا مثل عمر بن أبي ربيعة يتلقاه الأدباء والبلغاء من كل حدب وصوب؛ إذ إنه شاعر مرموق, له أصالته وعراقته في الغزل الشعري, بل يعد رأس مدرسة شعرية جديدة, هي مدرسة الشعر الحضري, وخليق بنا هاهنا أن نذكر بعضا من الدراسات التي تناولته:
1. كتب في سيرته: (أخبار عمر ابن أبي ربيعة) لابن بسام[14].
2. ألف كذلك: (عمر بن أبي ربيعة_دراسة تحليلية) لجبرائيل جبور.
3. وألف: (عمر بن أبي ربيعة شاعر الغزل) لعباس محمود العقاد.
4. وعلى شاكلته: (حب ابن أبي ربيعة) لزكي مبارك.
وهناك كذلك من تناوله خلال ظاهرة معينة أمثال شوقي ضيف, وشكري فيصل, وعبد القادر القبط. ومن اللافت للنظر أن معظم من تعرضوا له بالدراسة قد وصفوا شعره بالحسية, خلافا لشعراء الغزل العذري؛ إذ إن شعرهم لم يوصف بهذا الوصف, بل وصف بالعفة والطهارة والحشمة.
وقد بدا لي من تتبع من قالوا بالحسية أنهم لم يصدروا حكمهم هذا بناءً على دراسة شعر عمر بن أبي ربيعة, بل على دراسة مغامراته التي يعتريها شيء من الحسية, بغض النظر عن شرعيتها, فهذه" كانت وليدة المزج بين ما يروى عن حياة هذا الشاعر وسلوكه وتنقله_ للحب أو للهو _من امرأة لأخرى, وشعره الذي يصور فيه تلك الحياة, وهذا السلوك"[15].
والحق, لو تأملنا شعره بعامة, وشعر مغامراته بخاصة, تأمَّل مدرك واعٍ بصير, لألفينا عمر بن أبي ربيعة في شعره غير حسي كالشعراء الجاهليين أمثال امرئ القيس في مغامراته مع ابنة عمه, عنزة. وكذلك مع أم الرباب وأم الحويرث, ومع بيضة خدر. فامرؤ القيس كان حسيا بكل ما للكلمة من معنى, يصف جسد محبوبته: من ساق وعنق وشعر...إلخ. ويصف ما يحدث في مغامراته من مضاجعة وقُبَلٍ وعناق, ولنأخذ نموذجا من معلقته؛ يقول في وصف الجسد:
مُهَفْهَفَة ٌ بَيْضاءُ غيرُ مُفاضَة ٍ... ترائبها مصقولة ٌ كالسجنجل
كِبِكْرِ المُقاناة ِ البَياضِ بصُفْرَة ٍ... غذاها نميرُ الماء غير المحللِِ
ـــــــــــ ... ـــــــــــ
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحِش ... إذا هيَ نَصّـتْهُ وَلا بمُعَطَّلِ
وفرعٍ يُغشي المتنَ أسودَ فاحم ... أثيت كقنو النخلة ِ المتعثكلِ
غدائرهُ مستشزراتٌ إلى العلا ... تضِل المداري في مُثنى ومُرسل
وكشح لطيف كالجديل مخصر ... وساق كأنبوبِ السقي المُذلل
وَتَعْطو برخَصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنّهُ ... أساريعُ ظبي أو مساويكُ إسحلِ
ويقول في أحداث مغامراته_ مبيِّنا ما جرى بينه وبين محبوبته _:
ويوم دخلتُ الخدرِ خدر عنيزة ... فقالت لك الويلات إنكَ مُرجلي
تقولُ وقد مالَ الغَبيطُ بنا معاً ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزلِ
فقُلتُ لها سيري وأرْخي زِمامَهُ ... ولا تُبعديني من جـناك المعـللِ
فمِثلِكِ حُبْلى قد طَرَقْتُ ومُرْضعٍ ... فألهيتُـها عن ذي تمائمَ محول
إذا ما بكى من خلفها انْصَرَفَتْ لهُ ... بشِقٍّ وَتحتي شِقُّها لم يُحَوَّلِ
ــــــــــــ ... ــــــــــــ
فلما أجزْنا ساحة الحيِّ وانتحى ... بنا بطنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ
هصرتُ بِفودي رأسها فتمايلت...عليَّ هضيمَ الكَشحِ رِيّا المُخَلخَلِ([16])
فهذه الأبيات فيها دلالة واضحة على مادية الشعر عند امرئ القيس وحسّيته, ولكن نُفتقد هذه النماذج في شعر عمر بن أبي ربيعة, فلقد كانت الغاية ذات الشأن عنده الأمرَ الفني ليس إلا, فإن ذكر شيئا حسيا, أو فيه رائحة الحسية فإنما يجنده لخدمة تلك الغاية الفنية, قاصدا منها إخراج قصائده إخراج القالب المميز, بغية إمتاع السامع لهذه القصائد. ولعلَّ عبد القادر القبط أدرك هذا الأمر؛ إذ يقول:" ويدرك من يمعن النظر في هذه القصائد أن غاية الشاعر الأولى كانت فنية, يقصد بها أن يفلح في رواية تلك الحركة المادية والنفسية للزائر العاشق, والمزورة المشدودة بين الحب والوجل...ولم يكن همُّ الشاعر أن يصف متعة, أو يتحدث عن شهواته, أو يصف محاسن صاحبته وصفا تفصيليا حسيا يمكن من أجله أن تطلق عليه هذه الصفة"([17]).
وآية قولنا وبرهانه؛ أن قصيدة الشاعر_ غالبا _لا نجد الحديث فيها عن شيء من المتعة الحسية أو رائحتها إلا مجرد إشارات وإيماءات, ولو ربطنا أحداث المغامرة التي يكون قد مهد فيها للقاء المحبوبة والخليلة بتلك الإشارة الحسية لما تناسب الحجم, ولكان غير لائق بهذا المجهود أن يقترن به تلك الإشارة الحسية إلا إن كان قد أتى بها ليتمم مغامرته, منهيا لها. ولو تأملنا رائيته_ التي تقع في خمسة وسبعين بيتا _لوجدنا ما سبق الحديث عنه؛ فلقد مهد عمر ابن أبي ربيعة فيها للقاء بأربعة وثلاثين بيتا, ثم يختم لقاءه بقوله:
فَبتُّ قريرَ العينِ, أُعطيتُ حَاجَتي.....أُقَبِّـلُ فاها في الخـَلاءِ فَأَكثَرِ
ويعلق القبط على هذا البيت بقوله:" ولسنا نريد هنا أن نناقش أخلاقية هذه المتعة أو شرعيتها, ولكنا نريد أن نبين أن مثل هذه الإشارات أبعد ما تكون عن الحسية, بمعناها المعروف في الفنِّ والأدب, حين يلحُّ الشاعر أو الفتان على إبراز الملامح الجسدية المادية الخالصة, وتصوير المتع والشهوات تصويرا فيه كثير من التجسيم والتفصيل"([18]).
ومثل هذه الخاتمة لمغامراته كثير, ومنها:
_فلثمت فاها, آخذا بقرونها .....شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
_فبت ألثـمها طورا, ويمتعني..... إذا تمايل عنه, الـبرد والخصر
وهناك إشارات نلمس من خلالها عزوف الشاعر وحرصه على اجتناب الخوض في الحديث عن لهيه ومغامراته وتجاربه, بعد أن وصل إلى قدرته الفنية الإبداعية واستهلكها في تلك التجارب_ حسب ما تهوى الأنفس وتشتهي _في معرض وصف السعي للقاء المحبوب نفسه, وخير مثال على هذا الذي ذكرنا قوله_ من قصيدة طويلة له _:
فيا طِيبَ لهوٍ ما, هُناكَ, لهَوْتُهُ.....بمُسْتَمْتَعٍ مِنْها, ويا حُسْنَ مَنْظَرِ!
وكذلك قوله من مغامرة أخرى:
بتُّ في نِعمةٍ, وبات وسادي..... معصما, بينَ دُملُجٍ وسِوارِ
وربَّ قائل يقول: ألا يصرح أبدا في قصائده؟! نقول له: نعم, لا بدَّ من التصريح في مغامرة لا ينفع معها إلا التصريح, ولكنَّ هذا التصريح لا يصل إلى مستوى التصريح في مغامرات من وصف شعرهم حسيّاً بحق, بل إن تصريحه يكون باحتيال؛ حتى لا ينساق وراء ذاك الحديث الحسي المفصل تفصيلا, فيستعين بالإيماءات والرموز على ذلك, ولعلَّ مغامرته التي يصف بها موقف التقائه بخليلة له زارها تُمكِّن في النَّفس ما رغبنا إليه, وحرصنا على تبيينه, وفيها يقول[19]:
فَتَجَهَّـمَتْ، لَـمّا رَأَتْني دَاخِلاً....بِـتَلَهُّفٍ مِـنْ قَوْلِها، وَتَهَدُّدِ
ثمّ ارعوتْ شيئاً وخفض جأشها.... بعدَ الطموح تهـجدي وتوددي
في ذاك ما قد قلتُ: إني ماكثٌ..... عشراً، فقالتْ: ما بدا لك فاقعد
حتى إذا ما العشرُ جنّ ظلامها،..... قَالَتْ أَلا حَانَ التَّـفَرُّقُ فَاعْهَدِ
واذكرْ لنا ما شئتَ مما تشتهي،.....واللهِ لا نعصيكَ أخرى المـسند
فهذه الأبيات لا تحتوي على غير الكنايات والرموز "يبدو تلطف الشاعر فيها واضحا حتى لا يغرق في وصف حسي لم يكن من قصده الفني أن يغرق فيه, وهو لهذا حين يصف محاسن المرأة يبدو كأنه يقضي واجب التقليد الفني الذي يقتضي في مثل هذا المقام أن يلم الشاعر بشيء من هذا الوصف "[20].
وفي ختام مقالتنا اليسيرة هذه_ التي لا تفي بموضوع كبير مثل هذا _لا نتفق مع من وصف شعره بالحسية أمثال طه حسين وشوقي ضيف, بل نتفق مع القبط في وضع عمر موضعا لا يوصف بالعذريين فيكون منهم, ولا بالحسيين_ كما في المعنى العميق _فيكون منهم, وإنما هو شاعر مرموق يصف مغامراته بإشارات رائحتها حسية.
ثانيا_المغامرات في شعر عمر:
لعلَّ المغامرات هي أكثر ما يفتح الآفاق أمام الشاعر, وتجعل له مادة متوفرة لقول الشعر, وتذكُّرِ الأيام الخوالي برفقة الخليلات والخدينات وصحبتهنَّ. ولا نكاد نجد شاعرا لا يصف مغامراته في شعره, سواء أكانت هذه المغامرات في الحرب, أو التِّرحال, أو زيارة المحبوبة, وغير هذه وتلك, فهي سنن شعرية مذ عرفنا الشعر, فهذا امرؤ القيس يصف مغامراته؛ يصف يوم دارة جلجل[21], ويصف مغامرته مع (بيضة خدر), وغير هذا. وقرينه عنترة يصف لقاءه مع أعدائه, وذاك زهير برع في وصف مغامراته في الرحيل والتِّرحال, وجاء من بعدهم كذلك فوصف من مغامراته ما وصف, ولعلِّ عمر بن أبي ربيعة كان من الذين وفقوا توفيقا يدل على ثقة عالية بالنفس, وذوق شفاف, وحسٍّ مرهف, وقدرة تثير العجب في تصوير تلك المغامرات التي خاضها مع خليلاته وصويحباته, ومع المعجبات به, كيف لا, وهو من جعل العرب تشهد لقريش بالشعر بعد عدم[22]؟!
ومغامرات عمر بن أبي ربيعة كانت هي اللافت في شعره, وهي التي استوقفت الأدباء, فهو لم يُعرف إلا من خلال مغامراته, المنسوجة بلغة الشعر والمروية. ومن أمعن النظر, وأعاد قراءة مغامراته يجدها على ضربين:
1. ضرب يذكر فيه سلوكه تجاه حبيباته وخليلاته, فهو الذي حرص على أن يرى تلك الخليلات, وخاطر بنفسه من أجلهن, وهذا سلوك طبيعيٌّ لشاب أراد العيش في حياة هنيئة, أراد العيش في نِعْمَةٍ ونَعْمَةٍ, يلتمس من خلال مغامراته هذه حياةً توصف بالسعادة والحبور, والهناءة والسرور. فهذه المغامرات غالبا ما يقوم بها في جنح الليل على خوف وترقب, مربكا خليلاته بزيارته لهنَّ, ومن ثمَّ تعود الطمأنينة لهنَّ كما يعود النور للأرض بعد الكسوف والخسوف. ومن القصائد التي تمثل هذا الضرب من المغامرات قصيدته هذه:
نام الخـليُّ، وبتُّ غيرَ موسـدِ،....أَرْعى النُّجومِ بِهَا كَفِعْلِ الأَرْمَدِ
حتى إذا الجوزاءُ وهناً حلـقتْ،....وَعَلَتْ كَواكِبُها كَجـَمْرٍ مُوقَدِ
نامَ الألى ليس الهوى من شأنهم،....وَكَفَاهُمُ الإدْلاَج مَنْ لَـمْ يَرْقُدِ
في لَيْلَة ٍ طَخْياءَ يُخْشـَى هَوْلُها.....ظَلْمَاءَ مِنْ لَيْلِ التّمامِ الأَسْـوَدِ
فَطَرَقْتُ بَابَ العَامـِرِيَّة ِ مُوْهِناً.... فِعْلَ الرَّفِيـقِ أَتَاهُمُ لِلْمَـوعِدِ
فَإذا وَلِيدَتُها: فَقُلْتُ لَهَا: افْتَحي.....لمتيمٍ، صـبّ الفؤادِ، مـصيد
َتَفَرَّجَ البـابانِ عَنْ ذِي مِـرَّة ٍ.... ماضٍ عَلَى العِلاَّتِ لَيْسَ بِقُعْدُدِ
فَتَجَهَّـمَتْ، لَـمّا رَأَتْني دَاخِلاً .......بِـتَلَهُّفٍ مِـنْ قَوْلِها، وَتَهَدُّدِ
ثمّ ارعوتْ شيئاً وخفض جأشها..... بعدَ الطموح تهـجدي وتوددي
في ذاك ما قد قلتُ: إني ماكثٌ..... عشراً، فقالتْ: ما بدا لك فاقعد
حتى إذا ما العشرُ جنّ ظلامها، .....قَالَتْ أَلا حَانَ التَّـفَرُّقُ فَاعْهَدِ
واذكرْ لنا ما شئتَ مما تشتهي..... واللهِ لا نعصيكَ أخرى المـسند
ومن هذا الضرب كذلك مغامرته التي رواها في داليته هذه كذلك:
تَشُطُّ غَداً دارُ جيرانِنا..... وللدارُ، بعدَ غدٍ، أبعدُ
إذا سلكتْ غمرَ ذي كندة ٍ،.... معَ الركبِ قصدٌ لها الفرقدُ
وحثَّ الحداة ُ بها عبرها، .....سراعاً، إذا ما ونتْ تطرد
هنالك، إما تعزى الفؤادُ،.... وإما على إثرهمْ يكمد
فليستْ ببدعٍ، لئن دارها..... نَأَتْ فَکلْعَزَاءُ إذاً أَجْلَدُ
صرمتُ، وواصلتُ، حتى علم .... تُ: أينَ المصادرُوالموردُ
وجربتُ من ذاكَ، حتى عرفـ....ـتُ ما أتوقى ، وما اعمد
وعينٌ تصابي وتدعو الفتى..... لِمَا تَرْكُهُ لِلْفَتَى أَرْشَدُ
فتلكَ التي شيعتها الفتاة ُ......إلى الخِدْرِ قَلْبِي بِهَا مُقْصَدُ
تَقُولُ وَقَدْ جَدَّ مِنْ بَيْنِها .....غداة َ غدٍ، عاجلٌ موفد:
أَلَسْت مُشَيِّعَنا لَيْلَة ً......نُقَضِّي اللُّبَانَة َ أَو نَعْهَدُ
فقلتُ: بلى ، قلّ عندي .... لكمْ كلالُ المطيّ، إذا تجهدُ
فَعودي إلَيْها فَقُولي لَهَا: .....مَساءُ غَدٍ لَكُمُ مَوْعِدُ
وآية ُ ذلكَ أن تسمعي،......إذا جِئْتُكُمْ ناشِداً يَنْشُدُ
فَرُحْنَا سِراعاً وَرَاحَ الهَوَى..... إلَيْها دَليلاً بِنا يَقْصِدُ
فَلَمَّا دَنَوْنَا لجَرْسِ النُّباحِ......إذا الضوءُ، والحيُّ لم يرقدوا
نأينا عن الحيِّ، حتى إذا..... تودع من نارها الموقد
وَنَامُوا بَعَثْنا لَها ناشِداً......وفي الحيِّ بغية ُ من ينشد
فقامتْ، فقلتُ: بدتْ صورة ٌ،....مِنَ الشَّمْسِ شَيَّعَها الأَسْعَدُ
فجاءت تهادى على رقبة ٍ،....من الخوفِ، أحشاؤها ترعد
وَكَفَّتْ سَوَابِقَ مِنْ عَبْرَة ٍ.....على الخدّ، جالَ بها الإثمد
تَقُولُ وَتُظْهِرُ وَجْداً بِنا.....ووجدي، وإن أظهرتْ، أوجد:
لَمِمَّا شَقائي تَعَلَّقْتُكُمْ .....وَقَدْ كَانَ لي عِنْدَكُمْ مَقْعَدُ
عراقية ٌ، وتهامي الهوى،..... يَغُورُ بِمَكَّة َ أَوْ يُنْجِدُ
2. ضرب يذكر فيه ما حدث من بعض المعجبات به تجاهه, فتارة يصف مقلبا فعلنه به, وتارة يذكر إعراضه عنهنَّ. فعمر بن أبي ربيعة بوصفه شاعرا فتيّاً من فتيان قريش, ومرموقا مشهورا, يلهج الناس بذكره, ويتغنى به المغنون, كل هذا جعل منه محلَّ إعجاب من فتيات قريش[23], ووسيلة ينلن من خلالها شهرة, وذلك من خلا أن يشيد بذكرهن, ويطرهن بمحاسن الذكر والملح, فلا بد إن من أن يربطن أسبابهنَّ بسببه؛ حتى يحصلن على ما ترنو إليه أعينهن, ظانَّين بذلك أنهنَّ سيصبحن سيدات مجتمع, يحترمن من قبل الجميع؛ فتحصل لهن تلك المكانة الخلابة البديعة. والمتتبع لشعر عمر بن أبي ربيعة يدرك حرص النساء على مسامرته, وتناول الأحاديث في أمور من شأنها تطري الجلوس متعة وأنسة, ففي عينيته يذكر قصة له تحصل الفائدة بالتمثل بها؛ "خرجت هند والرباب إلى متنزه لهما بالعقيق في نسوة فجلستا هناك تتحدثان مليا ثم أقبل إليهما خالد القسري وهو يومئذ غلام مؤنث يصحب المغنين والمخنثين ويترسل بين عمر بن أبي ربيعة وبين النساء فجلس إليهما فذكرتا عمر بن أبي ربيعة وتشوقتاه فقالتا لخالد يا خريت وكان يعرف بذلك لك عندنا حكمك إن جئتنا بعمر بن أبي ربيعة من غير أن يعلم أنا بعثنا بك إليه فقال أفعل فكيف تريان أن أقول له قالتا تؤذنه بنا وتعلمه أنا خرجنا في سر منه ومره أن يتنكر ويلبس لبسة الأعراب ليرانا في أحسن صورة ونراه في أسوأ حال فنمزح بذلك معه فجاء خالد إلى عمر فقال له هل لك في هند والرباب وصويحبات لهما قد خرجن إلى العقيق على حال حذر منك وكتمان لك أمرهما قال والله إني إلى لقائهن لمشتاق قال فتنكر والبس لبسة الأعراب وهلم نمض إليهن ففعل ذلك عمر ولبس ثيابا جافية وتعمم عمة الأعراب وركب قعودا له على رحل غير جيد وصار إليهن فوقف منهن قريبا وسلم فعرفنه فقلن هلم إلينا يا أعرابي فجاءهن وأناخ قعوده وجعل يحدثهن وينشدهن فقلن له يا أعرابي ما أظرفك وأحسن إنشادك فما جاء بك إلى هذه الناحية قال جئت أنشد ضالة لي فقالت له هند أنزل إلينا واحسر عمامتك عن وجهك فقد عرفنا ضالتك وأنت الآن تقدر انك قد احتلت علينا ونحن والله احتلنا عليك وبعثنا إليك بخالد الخريت حتى قال لك ما قال فجئتنا على أسوأ حالاتك وأقبح ملابسك فضحك عمر ونزل إليهن فتحدث معهن حتى أمسوا ثم إنهم تفرقوا"[24]. ففي ذلك يقول[25]:
ألمْ تسألِ الأطلالَ والمترَبَّعا ... ببطنِ حليَّاتٍ دوارسَ بلقَعا
إلى السَّرحِ من وادي المغمَّسِ بدِّلتْ ... معالمهُ وبلاً ونكباءَ زعزَعا
فيبخلنَ أو يخبرنَ بالعلمِ بعدَما ... نكأنَ فؤاداً كان قدماً مفجَّعا
بهندٍ وأترابٍ لهند إذ الهوَى ... جميعٌ وإذ لم نخشَ أنْ نتصدَّعا
وإذا نحنُ مثلُ المزنِ كانَ مزاجُهُ ... كما صفقَ السّاقي الرَّحيقَ المشعشعا
وإذ لا نطيعُ العاذلينَ ولا نرَى ... لواشٍ لدينا يطلبُ الصّرْمَ موضعا
تنوعتنَ حتَّى عاودَ القلبَ سقمُهُ ... وحتّى تذكرتُ الحديثَ المودَّعا
فقلتُ لمطريهنَّ في الحسنِ إنَّما ... ضررتَ فهلْ تسطيعُ نفعاً فتنفعا
وشرَّيتَ فاستشرى وقدْ كانَ قد صَحا ... فؤادٌ بأمثالِ المَها كانَ موزَعا
وهيَّجتَ قلباً كانَ قدْ ودَّعَ الصِّبا ... وأشياعَهُ فاشفعْ عسَى أنْ تشفَّعا
فقالَ اكتفلْ ثمَّ التثمْ فأتِ باغياً ... نسلِّمْ ولا تكثرْ بأنْ تتورَّعا
فإنَّي سأخفِي العينَ عنكَ فلا ترَى ... مخافةَ أن يفشُو الحديثَ فيسمعَا
فأقبلتُ أهوِي مثلَ ما قالَ صاحِبي ... لموعدِهِ أزجي قعوداً موقعاً
فلمّا تواقفنا وسلّمتْ أشرقتْ ... وجوهٌ زهاها الحسنُ أنْ تتقنّعا
تبالهنَ بالعرفانِ لمّا عرفننِي ... وقلنَ امرؤٌ باغٍ أكلَّ وأوضعا
وقرّبنَ أسبابَ الهوى لمتيَّمٍ ... يقيسُ ذراعاً كلّما قسنَ إصبَعا
فلمّا تنازعْنا الأحاديثَ قلنَ لي ... أخفتَ علينا أنْ تغرَّ وتخدَعا
فبالأمسِ أرسلْنا بذلكَ خالداً ... إليكَ وبيّنّا لهُ الشّأنَ أجمَعا
فما جئتنا إلاّ على وفقِ موعدٍ ... على ملاءٍ مّنا خرجنا لهُ معا
رأينا خلاءً من عيونٍ ومجلِساً ... دميثَ الرُّبا سهلَ المحلَّةِ ممرِعا
وقلنَ كريمٌ نالَ وصلَ كرائمٍ ... فحقَّ بنا في اليومِ أنْ نتمتَّعا
فلقد رأينا كيف خطط للقائه, وهذه مغامرة من كثير!
&&&
ثالثا_ المستوى الفني لشعر عمر:
لا يرد في عقل ذوي الفطرة السليمة, والبصر النافذ, ولا يختمرهم شك أو يعتريهم, أن عمر بن أبي ربيعة من فحول الشعراء الإسلاميين, وهو من طبقة جرير والفرزدق, وقد كان حجة في اللغة. لقد رق شعره وعذبت ألفاظه وجزلت, ولانت معانيه, فحق وصفه بالسحر, لقد سحر عقول الشعراء والفتيات, وسأقتصر هاهنا بنقل أقوال القدماء به:
1. لقد وصف عمر بن أبي ربيعة بالابتداع والابتكار في عالم الشعراء مذ عرف شعره, ولا شك أنه هذه شهادة من ثلاثة شعراء تضعنا موضعا لا نضل فيه مع شاعر مثل عمر, فهذا الفرزدق لما سمع قوله:
فلمَّا اقتصـرنا دونهنَّ حـديثنا ... وهنَّ طبيباتٌ بحاجاتِ ذي الثّكل
عرفْنَ الذي نهوى فقلن لها ائذني ... نُطفْ ساعةً من بردِ ليلٍ وفي سلِ
فقالت فلا تلبثنَ قلنَ لها اصبري ... أتيناك وانسبنَ انسيابَ مها الرملِ
وقمنَ وقد أفهمن ذا اللبِّ إنما ... فعلنَ الذي يفعلنَ إذْ ذاك من أجلي
صاح الفرزدق, وقال[26]: هذا_ والله _الشعر الذي أرادته الشعراء, فأخطأته وبكت الديار!
ولما سمع جميل قوله:
فسلّمت واستأنسـت خيفة أن يرى ... عدو بكائي أو يرى كاشحٌ فعلي
فقالت وأرخت جانب السّجف إنما ... معي فتكلم غيـر ذي رقـبة أهلي
فقلـت لها مـا بي لهـم من ترقّب ... ولـكنّ سـريّ ليس يحمله مثلي
يقول: لا يصلح أن يحمله إلا أنا, ولا يصلح أن يحمله غيري، ومثله في الكلام هذا الأمر لا يحمله حامل مثلي. فأستخذى جميل, وصاح[27]: هذا_ والله _ما أرادته الشعراء فأخطأته, وتعللت بوصف الديار!
2. ولقد عرف عنه كذلك الرفعة في شعر النسب؛ قال الزبير[28]: ليس من شعراء الحجاز يتقدّم جميلاً وعمر في النّسيب والناس لهما تبعٌ. ويقول عبد الله بن مسلمة بن أسلم[29]: لقيت جريرا فقلت له: يا أبا حزرة, إن شعرك رفع إلى المدينة, وأنا أحب أن تسمعني منه شيئا, فقال: إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب, وإن أنسب الناس المخزومي, يعني ابن أبي ربيعة.
خاتمة:
وأهم ما عندي هو:
1. ليس من الدقة بحال أن نصف شعر عمر بالحسية, معتمدين بذلك على مغامراته, بل ينبغي الوقوف على حد التعبيرات التي وردت في أشعاره.
2. يعد عمر بن أبي ربيعة شاعرا مبتكرا, الكل يشهد له بالبراعة والقدرة, فهو الذي جعل العرب تشهد لقريش في الشعر, وهو الذي يحلف بحياته كثيرون.
3. مغامرات عمر بن أبي ربيعة بحاجة لدراسة بشكل مترابط فيما بينها, ولعلنا نتمثل في هذا مستقبلا.
&&&
المصادر والمراجع:
1. ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم): الشعر والشعراء. تحقيق أحمد محمد شاكر. القاهرة, دار المعارف, ط2, 1967م.
2. الزوزني (عبد الله بن أحمد): شرح المعلقات السبع. تحقيق محمد عبد القادر الفاضلي. بيروت_صيدا, المكتبة العصرية, ط1, 2004م.
3. الأصفهاني, أبو الفرج: الأغاني. تحقيق سمير جابر. بيروت, دار الفكر, ط2, 19م.
4. القبط, عبد القادر: في الشعر الإسلامي والأموي. بيروت, دار النهضة العربية, ط1, 1979م.
5. القالي, أبو علي: الأمالي. تحقيق إسماعيل يوسف التونسي. مصر_القاهرة, دار الكتب المصرية, ط1, 1917م.
n
مقدمة............................................. ........................(أ)
تمهيد: نسبه, وحياته............................................ ...........(3)
أولا_ الحسية في شعر عمر: ...............................................(6)
ثانيا_ المغامرات في شعر عمر: ...........................................(10)
ثالثا_ المستوى الفني لشعر عمر: .........................................(15)
خاتمة............................................. ......................(16)
المصادر والمراجع.......................................... ..............(7 1)
فهرس.............................................. ....................(18)
[1] كان اسم أبيه بحيرا, فسماه النبي e عبد الله, وكان يلقب بالعدل؛ لأن قريشا كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنة ويكوسوها هو من ماله سنة, فأرادوا بذلك أنه وحده عدل لهم جميعا في ذلك, وكان تاجرا موسرا وكان متجره إلى اليمن, وكان من أكثرهم مالا.
[2] اسم أبي ربيعة عمرو, وقيل: حذيفة, وقيل: اسمه كنيته, والأكثر يقوله: عمرو. وكان يلقب بذي الرمحين؛ لطوله, كأنه يمشي علي رمحين. وقيل: إنه قاتل يوم عكاظ برمحين؛ فسمي ذا الرُّمْحين لذلك. وكان من أشراف قريش في الجاهلية, وأسلم يوم الفتح.
[3] جزيرة بينها وبين بلاد الحبشة نصف يوم في البحر، وطول هذه الجزيرة مسيرة يومين، وحواليها ثلاثمائة جزيرة معمورة أهلها مسلمون، وإذا أتت الحبشة لمناجزتهم صعدوا جبلاً عالياً يقابل جزيرة دهلك, وأوقدوا فيه ناراً فيخرج المسلمون إليهم في السفن، وإلى ساحل جزيرة دهلك هاجر أصحاب النبي e إلى النجاشي، وفي هذه الجزيرة مساجد جامعة وأحكام عادلة، وقد ولي القضاء فيها بعد الأربعمائة محمد بن يونس، مالكي من أهل الأندلس.
[4] ابن قتيبة: الشعر والشعراء. ج1, ص: 119.
[5] قال عمر بن شبة: أم عمر بن أبي ربيعة أم ولد سوداء من حبش, يقال لهم فرسان. وهذا غلط من أبي زيد؛ تلك أم أخيه الحارث بن عبد الله الذي يقال له القُبَاعُ, وكانت نصرانية.
[6] الأصبهاني, أبو الفرج: الأغاني. ج1, ص:75. يقال: غزل يماني, ودلّ حجازي.
[7] ابن المبارك: منتهى الطلب من أشعار العرب. ج1, ص: 150.
[8] ابن قتيبة: الشعر والشعراء. ج1, ص: 119.
[9] م. ن, ج1, ص:119.
[10] م. س, ج1, ص:84.
[11] م. ن, ج1, ص:84
[12] الأندلسي, ابن عبد ربه: العقد الفريد. ج2, ص:346.
[13] ابن قتيبة: الشعر والشعراء. ج1, ص: 119. هناك من ذكر موته بالغرق, وليس بالحرق. والله أعلم.
[14] الشاعر المتوفى سنة: 303 هـ. قال ابن خلكان: لم يستقص أحد في بابه أبلغ منه.
[15] القبط, عبد القادر: في الشعر الإسلامي والأموي. ص:173.
[16] الزوزني: شرح المعلقات السبع. ص: 9_34.
[17] في الشعر الإسلامي والأموي. ص:174.
[18] م.ن, ص: 175.
[19] الديوان. ص: 106. نقلا عن عبد القادر القبط: في الشعر الإسلامي والأموي. ص: 177.
[20] القبط, عبد القادر: في الشعر الإسلامي والأموي. ص:178.
[21] دارة جلجل: غدير ماء, احتال امرؤ القيس عنده على ابنة عمه عنيزة والعذارى اللواتي معها؛ إذ إنه جمع ثيابهنَّ لما نزلن في مياه الغدير وجلس عليها, ولم يعطهنَّ ثيابهنَّ إلا عندما خرجن له عراة, كاشفات عوراتهنَّ, فنال منهنَّ وقتئذٍ.
[22] قال ابن إسحاق: العرب تقر لقريش بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر, فإنها كانت لا تقر لها به حتى كان عمر بن أبي ربيعة, فأقرت لهما الشعراء بالشعر أيضا, ولم تنازعها شيئا.
[23] اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه ومجلسه وحديثه فتشوقن إليه وتمنينه فقالت سكينة أنا لكن به فبعثت إليه رسولا أن يوافي الصورين ليلة سمتها فوافاهن على رواحله فحدثهن حتى طلع الفجر وحان انصرافهن فقال لهن والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر النبي والصلاة في مسجده ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئا ثم انصرف إلى مكة وقال في ذلك:
( ألمِمْ بزينبَ إنّ البينَ قد أفدا ... )
[24]الأصبهاني, أبو الفرج: الأغاني. ج22, ص:14.
[25] الديوان. ص: 228. نقلا عن عبد القادر القبط: في الشعر الإسلامي والأموي. ص: 193.
[26] الأصبهاني, أبو الفرج: الأغاني. ج2, ص:365.
[27] ابن قتيبة: الشعر والشعراء. ج1, ص: 119.
[28] القالي, أبو علي: الأمالي. ج1, ص: 167.
[29]الأصبهاني, أبو الفرج: الأغاني. ج1, ص:85.fpe: ulv fk Hfd vfdum>
المفضلات