بسم الله الرحمن الرحيم
متى يجوز حرق المصحف إذا أصابه تلف؟
الحمد لله الذي نزل الكتاب على عبده ولم يجعل له عوجاً، وصلى الله وسلم على محمد القائل: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر".1
لقد مدح الله كتابه وأثنى عليه بما هو أهله: "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ"2، لذلك أجمعت الأمة على إجلاله وتعظيمه، إذ إجلاله وتعظيمه من تعظيم حرمات الله، وإجلاله من إجلال الله عز وجل.
قال الإمام النووي: (أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه، قال أصحابنا وغيرهم: ولو ألقاه المسلم – والعياذ بالله تعالى - في القاذورات صار الملقِي كافراً، قالوا: ويحرم توسده، بل توسد آحاد كتب العلم حرام).3
وقال القاضي عياض تحت مبحث "الحكم بالنسبة للقرآن": (واعلم أن من استخف بالقرآن، أوالمصحف، أوبشيء منه، أوبشيء مما صرح به فيه من حكم، أوخبر، أوأثبت ما نفاه، أونفى ما أثبته، على علم منه بذلك أوشك في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع).4
ينبغي أن يحفظ المصحف في مكان نظيف طاهر، بعيداً من عبث العابثين والصبيان، ومن أن تناله الأرجل والأقدام، ولا ينبغي أن يكتب عليه، أويجعله محفظة لحفظ المستندات والأوراق المالية ونحو ذلك.
وهذا الاحترام يتعدى إلى كل الصحف التي تحوي شيئاً من أسماء الله، أوشيئاً من القرآن أوالحديث، فلا ينبغي أن يجلس عليها أوتتخذ سفرة للأكل، أوتلف بها الأغراض، أوتزال بها الأوساخ والنجاسات، أوتتخذ وسادة، وينبغي للكبار من الوالدين والمعلمين أن يعودوا الصغار على ذلك، وأن ينبهوهم على احترام كتاب ربهم، وكتب العلم الشرعي، ويحذروهم من إهانتها والعبث بها.
هذا إن كانت تمكن من الاستفادة منها والقراءة فيها، أما إذا تمزقت وتلفت بحيث يصعب القراءة فيها، فيجب جمعها وحفظها في أماكن خاصة، والحذر أن توضع في سلات القمائم والأوساخ وأن يتخلص منها، حتى لا تكون عرضة للوطء بالأقدام أوأن تحركها الرياح أنى شاءت، ولربما ألقتها في أماكن تختلط بالقاذورات.
مذاهب الناس في حرق المصحف إذا تعذرت الاستفادة منه، والصحف والأوراق التي تحوي شيئاً من القرآن أوالحديث وما شاكل ذلك
ذهب الناس في ذلك مذهبين، هما:
1. تحرق في مكان خاص، وفي ذلك إكرام وصيانة لها من أن تداس وتهان.
2. لا تحرق.
والراجح المذهب الأول، ودليله ما فعله الخليفة الراشد والإمام العادل عثمان بن عفان بمشهد من الصحابة الكرام، وعُدَّ ذلك من أجل أعماله، لا كما عدها الرافضة من أكبر المآخذ عليه.
قال النووي: (اعلم أن القرآن العزيز كان مؤلفاً في زمن النبي على ما هو في المصاحف اليوم، ولكن لم يكن مجموعاً في مصحف، بل كان محفوظاً في صدور الرجال، فكان طوائف من الصحابة يحفظونه كله، وطوائف يحفظون أبعاضاً منه، فلما كان زمن أبي بكر الصديق وقتل كثير من حملة القرآن خاف موتهم، واختلاف من بعدهم فيه، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم في جمعه في مصحف، فأشاروا بذلك، فكتبه في مصحف وجعله في بيت حفصة5، فلما كان في زمن عثمان، وانتشر الإسلام، خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدي إلى شيء من القرآن أوالزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحف، وبعث بها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي وسائر الصحابة).6
قال علي رضي الله عنه: "يا معشر الناس، اتقوا الله، وإياكم في الغلو في عثمان وقولكم "حرَّاق المصاحف"، فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب محمد".
وفي رواية عنه: "لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان".
قال القرطبي: (قال ابن بطال: وفي أمر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى، وأن ذلك إكرام لها وصيانة عن الوطء بالأقدام، وطرحها في ضياع من الأرض.
روى معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده الرسائل فيها بسم الله الرحمن الرحيم، وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة.
وكره إبراهيم النخعي أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله تعالى، وذكر من حرقها أولى بالصواب، وقد فعله عثمان.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: جائز للإمام تحريق الصحف التي فيها القرآن إذا أداه الاجتهاد إلى ذلك).7
وكذلك الأمر لغير الصحف إذا نقش شيء من القرآن في خشب أوحائط ثم استغني عنه أوتلف أن يحرق.
وليحذر من إحراق الخشب للوقود إن كان فيه شيء من القرآن، أوأسماء الله، أوالحديث، أونحو ذلك.
والله الموفق للخيرات، وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم في الخيرات.ljn d[,. pvr hglwpt Y`h Hwhfi jgt?
المفضلات