هـل نحتفـل بالمولـد النبوي؟
للكاتب : عبدالرحمن بن عبدالله السحيم
الموضوع طويل.. ومن أراد الفائدة فليقرأ حتى النهاية...
فما مدى صحّـة الدعوى؟
روى البخاري ومسلمٌ عَنِ ابن عَبّاسٍ رضي الله عنه أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: «لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُمْ, لادّعَى ناسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالهُمْ».
إن كلَّ إنسانٍ يستطيعُ أن يدّعي ما يريد، وأن يقولَ ما يشاء، غير أن الحقائقَ تكذِّبَ ذلك القولَ أو تصدِّقُـه.
قال الحسن البصري -رحمه الله- : "زعم قومٌ أنـهم يحبون اللهَ فابتلاهم الله بهذه الآية"،
يعني قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]".
قال ابن كثير -رحمه الله- :
"هذه الآيةُ الكريمة حاكمةٌ على كل من ادّعى محبة الله
وهو على غير الطريقة المحمدية فإنه كاذبٌ في دعواه في نفس الأمر
حتى يتّبع الشرعَ المحمدي والدينَ النبوي في جميع أقوالِه وأفعالِه".
أولاً: يرد هذا السؤال:
هل نحن أكثر حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة؟
لقد سطّرَ أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أعظمَ ملحمةٍ في الحبِّ. سطّروها بدمائهم فِداءً لرسولهم صلى الله عليه وسلم، قدّموا بين يديه صدورهم ونحورهم، فدَوه بكل غالٍ ونفيس.
وصَفَهُم عُروةُ بنُ مسعودٍ -وكان مشركاً-
حين كان يرمقُ أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه، فقال:
"فوالله ما تنخم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نخامـةً إلا وقعتْ في كفِّ رجلٍ منهم فَدَلَكَ بـها وجهَه وجلدَه، وإذا أمرهم ابتدروا أمرَه،
وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه،
وإذا تكلم خفضوا أصواتَهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظرَ تعظيماً له.
ولما رجع عروةُ إلى أصحابه قال: أي قوم، والله لقد وفَدْتُّ على الملوك ووفَدتُّ على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إنْ رأيتُ ملِكاً قط يعظمْه أصحابُه ما يعظمُ أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم محمداً" [رواه البخاري].
وفي الصحيحين من حديث أنسٍ رضيَ اللهُ عنه قال:
لما كان يومَ أحُدٍ انـهزمَ الناسُ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو طلحةَ بينَ يدَي النبيّ صلى الله عليه وسلم مُجوّبٌ عليهِ بحجَفةٍ له -وكان أبو طلحةَ رجلاً رامياً شديدَ النـزعِ-،
كَسَرَ يومَئذ قوسَينِ أو ثلاثاً، وكان الرجلُ يَمرُّ معه بجعْبةٍ من النّبل فيقولُ: انْثُرها لأبي طلحةَ.
قال: ويُشرِفُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ينظرُ إلى القوم، فيقولُ أبو طلحة:
"بأبي أنتَ وأمي، لا تُشرفْ يُصيبُكَ سهمٌ من سِهام القوم، نَحرِي دُونَ نحرِك".
ويومها شُلّتْ يدُ أبي طلحة رضي الله عنه...
تساقط الصحابةُ أمامه الواحدُ تِلو الآخر فداء له صلى الله عليه وسلم ولرسالته.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُفـْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُريْشٍ، فَلَمّا رَهِقُوهُ قَالَ:
«مَنْ يَرُدّهُمْ عَنّا وَلَهُ الْجَنّةُ؟» أَوْ «هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ»،
فَتَقَدّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتّىَ قُتِلَ, ثُمّ رَهِقُوهُ أَيْضاً. فَقَالَ:
«مَنْ يَرُدّهُمْ عَنّا وَلَهُ الْجَنّةُ» أَوْ «هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ؟»،
فَتَقَدّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتّىَ قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّىَ قُتِلَ السّبْعَةُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ:«مَا أَنْصَفـْـنـَا أَصْحَابَنَا» [رواه مسلم].
ومع كلِّ هذا الحب وتلك التضحيات، ما كانوا يَغـْـلـُون فيه صلوات الله وسلامه عليه؛
فهذا أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه يقول: "ما كان شخصٌ أحبُّ إليهم من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك"
[رواه أحمد والترمذي والبخاري في الأدبِ المفردِ بأسانيدَ صحيحة].
لقد زعمَ أقوامٌ أنـهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم مُحِبُّون، ودعواهم في وادٍ وأعمالُهم في وادٍ آخر.... شتّان بين مشرِّقٍ ومُغرِّبِ!!
إن محبَّتَه صلى الله عليه وسلم إنما تكون بإحياءِ سُنَّتِه، تكون باقتفاءِ أَثَرِه، تكون بطاعته فيما أمر.
وليست محبتُه بالتغنِّي بشمائله بقرعَ الدفوفِ ليلةَ مولده، ولا بالغلو فيه؛ فهذا معصيةٌ له عليه الصلاة والسلام، حيث قال:
«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله»
[رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه].
وإن من الإطراء إضفاء بعض صفات الله عليه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قول القائل:
مالي من ألــــوذ به ســــــواك *** عند حـدوث الحــادث الـعمـــــــــم
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلـــم
فهذا إطراء وغلو لا يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
بل هو عين إطراء النصارى لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، فإن النصارى ادعت في عيسى الألوهية، وأضافت إليه شيئا من صفات الله عز وجل،
وهناك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل كفعل النصارى، بأن أدعى أن من علومه علم اللوح والقلم، ومن جوده الدنيا والآخرة،
وأنه هو الملاذ والملجأ والمستعاذ، وكل هذا لا يرضاه صاحب الملة الحنيفية.
جاءه رجل فكلّمه فقال: "ما شاء الله وشئت"،
فقال: «أجعلتني مع الله عدلا -وفي لفظ- ندا لا بل ما شاء الله وحده»
[قال الألباني إسناده حسن].
فهذه أمثلة على إنكاره صلى الله عليه وسلم على من جعله لله نداً أو أضاف إليه شيء من صفات الله، أو نعته ووصفه بنعوت الله وصفاته.
فمن أحدث في دين رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فإنما هو يستدرك على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.
ig kpjtg fhgl,g] hgkf,d
المفضلات