|
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 3264
تاريخ التسجيل : 24 - 1 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
المشاركات : 642
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 1
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 3
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 14
العقاب مسرح و ادوات .. (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
سماحة الاسلام
"وإذا قارنا بين موقف العرب المسلمين من الإسبان عندما فتحوا الأندلس عام 711م، وموقف الملوك الإسبان ومحكمة التفتيش من العرب المسلمين بعد سقوط غرناطة عام 1492م، تبدو لنا الصورة متناقضة تمامًا. فعندما فتح العرب الأندلس لم يُجبروا أحدًا على اعتناق الإسلام انطلاقًا من قواعد قرآنية مثل : {لا إكراه في الدين} و {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} ... إلخ. وإنما انتشر الإسلام في أوساط الإسبان انتشارًا عفويًا، وأطلق على الذين تحولوا من المسيحية إلى الإسلام مصطلح «المولدين». أما الإسبان الذين ظلوا على المسيحية وعاشوا في ظل الدولة العربية الإسلامية - وعُرفوا باسم «المستعربين» - فقد عاشوا عيشة كريمة . والتزم العرب بكل المعاهدات التي أُبرمت معهم، وسهر الأئمة والفقهاء المسلمون على حسن تنفيذها، حيث تمتع هؤلاء بموجبها بحريتهم الدينية والقضائية والإدارية والاقتصادية. ومع أنهم احتفظوا بلغتهم وتقاليدهم وكنائسهم وكهنتهم وآدابهم، فإنهم أعجبوا بلغة العرب وثقافتهم وعاداتهم فأضحوا عمليًا عربًا. ولم يفكر عرب الأندلس، ولا لحظة واحدة، في إبادتهم أو طردهم أو إجبارهم على اعتناق الإسلام بحجة تحقيق الوحدة الدينية والسياسية، ولم يُؤخذ على بني أمية في الأندلس، الأمراء منهم والخلفاء، أي تصرف فيه ظلم أو جور بحق المستعربين . ومن هنا تبدو المفارقة في تاريخ الأندلس فالإسبان الذين اضطهدوا العرب وطردوهم من إسبانيا بعد سقوط غرناطة عام 1492م هم أحفاد هؤلاء «المستعربين» الذين سبق أن تمتعوا بحماية العرب ورعايتهم. كما كان موقف رجال الكنيسة الإسبان عجيبًا حقًا، حيث شجعوا الملوك الإسبان على نقض المعاهدات مع العرب، وعلى إجبار المسلمين على التنصر، وعلى تحويل المساجد إلى كنائس، كما شجعوا محكمة التفتيش على مطاردة وسجن ومصادرة وإحراق وإبادة وطرد العرب المسلمين. لقد ترتب على الأعمال الوحشية التي ارتكبتها محكمة التفتيش الإسبانية، على امتداد قرن ونيف ، ومن ثم على قرار الطرد الجماعي للمورسكيين، نتائج بالغة الخطورة من حيث تنوعها وعمقها وشموليتها. فمن الناحية الاقتصادية، فقدت إسبانيا مئات الآلاف من المورسكيين ذوي الخبرة الواسعة في شئون الزراعة والري والصناعة والتجارة... وبالتالي تدهورت الحياة الاقتصادية فيها تدهورًا سريعًا، في حين ازدهرت كل ميادين الاقتصاد في البلدان التي هاجروا إليها. أما الحياة الثقافية فقد انحطت أيضًا انحطاطًا شاملاً نتيجة الرعب الذي نشرته محكمة التفتيش في أوساط المثقفين المورسكيين، حيث انعدم النقد وتوقف الإبداع، وانشغل المثقفون في حماية أرواحهم من جرائم المحكمة ودسائس رجالها عن المشاركة في النهضة الأوربية الحديثة. كما أن طرد مئات العلماء المورسكيين من إسبانيا أدى إلى فقدان الكثير من العناصر المبدعة، هذا فضلاً عن أن إحراق المحكمة لكتب التراث العربي شكل كارثة علمية لا تعوض لا بالنسبة إلى إسبانيا فحسب، وإنما بالنسبة إلى الإنسانية قاطبة ،في حين كان المورسكيون رواد الحداثة والتقدم في بلدان المغرب العربي بعد استقرارهم فيها. أما من الناحية الأخلاقية فقد أدت أعمال محكمة التفتيش إلى انحطاط القيم الأخلاقية، حيث انعدمت الثقة بين أبناء المجتمع الواحد الذين أخذوا يتبادلون التهم التي لا يبررها سند، لا سيما وقد خصصت المحكمة - كما أشرنا - مكافآت مادية ومعنوية للوشاة والمخبرين، وراح ضحية ذلك آلاف من الأبرياء. كما أصبح بعض المفتشين مضرب المثل في قسوتهم وجرائمهم وسوء أخلاقهم، حتى أن بعضهم لم يتورع عن اغتصاب زوجات المتهمين وبناتهم باسم محكمة التفتيش. لقد كانت محكمة التفتيش الإسبانية، في حقيقتها، منظمة «إرهابية» في فكرها وسلوكها: وجاءت أعمالها كارثة على اليهود و العرب المسلمين من ناحية وعلى إسبانيا ومستقبلها السياسي والحضاري من ناحية أخرى. لقد فشلت هذه المحكمة في معالجة مسألة الأقليات الدينية في إسبانيا لأن أيديولوجيتها ومناهج عملها وأدواتها تناقضت مع الدين والعقل والتاريخ. حقًا إنها «تجربة» تستحق الدراسة". (محاكم التفتيش هل يمكن أن تعود؟ )مجلة العربى ).. الدكتور عادل زيتون)
يقول توماس أرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) ص 73:
"ولما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن، وعسكر أبو عبيدة في بلدة فحل، كتب الأهالي النصارى في تلك البلاد إلى العرب الفاتحين يقولون: يا معشر المسلمين! أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، وأنتم أوفى لنا وأرأف بنا، وأكفُّ عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا".
وقال: "وغلَّق أهل حمص أبواب مدينتهم، دون جيش هرقل، وأبلغوا المسلمين أن ولايتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم الإغريق والروم وتعسفهم".
وقال أيضا: " لقد عامل المسلمون المسيحيين العرب بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع بحق أن نحكم أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح"
ويشهد على ذلك المستشرق "هنرى دى كاستيرى" الذى يقول : ان دخول اهل الذمة فى الاسلام كان يحتاج الى محضر يثبت امام القاضى ويوضح فيه ان المسيحى الذى اعتنق الاسلام دخل فيه عن اقناع تام غير خائف او مكره , وان خلفاء بنى امية لم ينظروا بعين الرضا الى كثرة دخول المسيحين فى الاسلام . وذلك لانخفاض الضرائب المجبية نتيجة نقص الجزية , فقد هبطت الضرائب ايام معاوية الى النصف عما كانت عليه ايام عثمان لتزاحم الاقباط على دخول الاسلام ., ومن اجل ذلك ضيق الخلافاء باب دخول الاسلام , واستدل على رأيه بما كتبه حيان الى عمر بن عبد العزيز اذ قال له: اذا دامت الحال فى مصر على ما هى عليها لآن اصبح مسيحيوا البلاد مسلمين,, وخسرت الخلافة ما تجتبيه من اموال , فارسل اليه عمر بن العزيز "ويحك ان الله قد بعث محمد صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا " . (التعصب والتسامح بين الاسلام والمسيحية – الشيخ محمد الغزالى ص188 )
ويؤكد هذه الشهادة المستشرق "جيبون" حيث يقول : "ان الاسلام الذى نشر لواءة بين المسيحين والمسلمين اكثر من اربعة قرون كان مؤسسا على تسامح الاسلام وتعاليمه نحو الخير والسلام " . (افتراءات واباطيل - المستشار على عبد اللاه طنطاوى ص46 )
hgurhf lsvp , h],hj >> (2)
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 3264
تاريخ التسجيل : 24 - 1 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
المشاركات : 642
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 1
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 3
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 14
بعيدا عن الحروب واسبابها
ولاختصار الطريق بعيدا عن الحروب واسبابها يقول العقاد:
وايسر من استقصاء الحروب واسبابها في صدر الاسلام ان نلقى نظرة عامة على خريطة العالم في الوقت الحاضر لنعلم ان السيف لم يعمل فى انتشار الدين الاسلامى الا القليل مما عمله الاقناع والقدوة الحسنة . فان البلاد التى قلت فيها حروب الاسلام هى البلاد التى يقيم فيها كثر مسلمى العالم , وهى بلاد اندونسياة والهند والصين وسواحل القارة الافريقية وما يليها من سهول الصحارى الواسعة فان عدد المسلمين فيها قريب من ثلثمائة مليون , ولم يقع فيها من الحروب بين المسلمين وابناء تلك البلاد الا القليل الذى لا يجدى في تحويل الالاف عن دينهم بل الملايين
ونقارن بين هذه البلاد والبلاد التى اتجهت اليها غزوات المسلمين لاول مرة في صدر الدعوة الاسلامية : وهى بلاد العراق والشام . فان عدد المسلمين فيها اليوم قلما يزيد على عشرة ملايين يعيش بينهم من اختاروا البقاء ععلى دينهم من المسيحين واليهود واشباه الوثنين . ومن المفيد في هذا الصدد ان نعقد المقارنة بين البلاد التى قامت فيها الدولة الاسلامية والبلاد إلى قامت فيها الدولة المسيحية من القارة الاروبية . فلم يبق في هذه القارة احد ععلى دينه الاول قبل دخول المسيحية . وقد اقام المسلمون قرونا في الاندلس وخرجوا منها وابناؤها اليوم كلهم مسيحيون . [حقائق الاسلام واباطيل خصومه – العقاد ص169 , 170]
ثم يستطرد العقاد فى كتابه عبقرية محمد محكما المنطق فيقول : حين بدأ محمد صلى الله عليه وسلم كان وحيدا لا مال معه ولا سلاح واسلم الكثير من الناس الذين لم يخضعوا للسيف ليسلموا , وانما تعرضوا بأسلامهم للسيف واحتملوا السيف في سبيل الله . (عبقرية محمد – عباس محمود العقاد )
بينما يقول الدكتور "مراد هوفمان "في كتابه " الاسلام في الالفية الثالثة " بفضل هذا التسامح الدينى تعايش وتقبل المسلمون الديانات الاخرى واتباعها , وهم يفعلون ذلك إلى الان , ولم يحتذوا بالمثال المسيحى – لنذكر يونيفاتيوس فى جرمانيا , ومحاكم التفتيش في اسبانيا على سبيل المثال – الذى اجبر اتباع ديانات اخرى بالقوة على اعتناق المسيحية .. ثم يستطرد ويتجسد التسامح الدينى – الذى نص عليه القرآن في مظاهر متعددة مثل بقاء اليونان على مسيحيتها بالرغم من حكم الاتراك المسلمين لها لما يزيد على 500 عام .
أمَّا توماس آرنولد فقال عن تسامح الإسلام بعيدا عن استقصاء الحروب واسبابها : "ومن أمثلة تسامح الإسلام أنَّ القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة، وأنَّ العرب المسيحيين الذين يعيشون في زمننا هذا بين جماعات مسلمة لدليل على هذا التسامح، وأنَّ كثيرين من قبيلة غسان، وهم من أشد القبائل أصالة في العروبة دخلوا المسيحية في نهاية القرن الرابع الميلادي تقريباً، ولا يزالون متمسكين بالدين المسيحي"(انظر: الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم حسن و"آخرين"، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط/3، 1970م، ص 70.).
ومن عباراته: "لا يعرف الإسلام من بين ما نزل به من خطوب وويلات خطباً أعنف من غزوات المغول، فلقد انسابت جيوش جنكيزخان، واكتسحت في طريقها العواصم الإسلامية، وقضت على ما كان بها من مدنية وحضارة، إلاَّ أنَّ الإسلام لم يلبث أنْ نهض من غفوته، واستطاع عن طريق دعاته أنْ يجذب أولئك الفاتحين ويجبرهم على اعتناقه"(المصدر السابق ، ص 248-250.).
ويقول في مكان آخر: "ظهر أنَّ فكرة أنَّ السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق، وظهر أنَّ الدعوة والإقناع كانا الطابعين الرئيسين لحركة الدعوة"(المصدر السابق ص88).
وتحت نفس العنوان يقول جستاف لوبون : "وسيرى القارئ حين نبحث في فتوح العرب وأسباب انتصاراتهم أنَّ القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن فقد ترك العرب الفاتحون المغلوبين أحراراً في أديانهم، وقد أثبت التاريخ أنَّ الأديان لا تفرض بالقوة"(حضارة العرب ، ترجمة عادل زعيتر ، مطابع عيسى الحلبي وشركاه ، ط / 4 ، ص 127 .).
لقد عرف الخلفاء الأوائل رضي الله عنهم كيف يحجمون عن حمل أحد بالقوة على ترك دينه، وعرفوا كذلك كيف يبتعدون عن إعمال السيف فيمن لم يسلم(المصدر السابق ص129).
ويلاحظ أنَّ الصليبيين عندما جاءوا إلى الشرق الإسلامي كان هدفهم محو الإسلام والقضاء عليه، وذلك حين ضعفت الخلافتان العباسية والفاطمية، ولكن ظهر عكس ما كان متوقعاً؛ فإذا بالإسلام يجذب إليه مجموعات من الصليبيين، دخلوا الإسلام وحاربوا مع المسلمين"(محمد حسين فضل الله : الإسلام ومنطق القوة ، ص 212).
وفي القرن السابع الهجري هجم المغول على العالم الإسلامي، وكان هجومهم قاسياً وحشياً، أزالوا به الخلافة العباسية سنة 656هـ، وأصبح لهم اليد العليا، ولكن سرعان ما جذبهم الإسلام إليه، مما يدل على أنَّ الإسلام لم ينتشر بين المغول بالقوة"(المصدر السابق ص213).
إنَّ الإسلام هو دين الرحمة والرفق، ولا رحمة ولا رفق مع الإرهاب، لذلك لا يبيح الإسلام في ميادين القتال أنْ تقتل المرأة، ولا الطفل، ولا الشيخ الكبير، أو كل من لا يحمل السلاح، كما لا يبيح ترويع عابد في محرابه أو راهب في صومعته، ولا الإجهاز على الجريح، ولا التمثيل بجثة قتيل، كل ذلك اعترافاً بإنسانية الإنسان حتى لو كان ميتاً (انظر: د. أحمد محمد الحوفي: سماحة الإسلام، مكتبة نهضة مصر، دون طبعة ودون تاريخ، ص 65.).
اما اذا تكلمنا عن الفتوحات الاسلامية نجد ان تلك الفتوحات لم يكن مقصوداً منها التوسُّع لإخضاع العالم بحد السيف، بل كانت تهدف إلى مساواة الشعوب كلها في ظل الإسلام، يضاف إلى ذلك أنَّ الإسلام لم ينتشر في البلاد المفتوحة إلاَّ بعد مضي عدة سنوات على تلك الفتوحات. وكانت أهم أسباب انتشاره: سماحته وتسامحه، ومخالطة المسلمين غيرهم من السكان، لذلك نرى أنَّ الإسلام منتشر اليوم في بلاد ليس للمسلمين عليها نفوذ أو سلطان(منير شفيق: الإسلام في معركة الحضارة، الناشر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، بيروت، دار البرق للنشر، تونس، ط/1، 1991م، ص 89.).
ويلاحظ وجود عدد كبير من غير المسلمين في البلاد الإسلامية لم يتعرضوا لأي نوع من أنواع الاضطهاد بسبب عقيدتهم، كما يلاحظ وجود أكثريات إسلامية في المناطق التي لم تتأثر بالفتح الإسلامي إلاَّ بعد وقت طويل. فقد تقبل الناس الدعوة في هذه المناطق بصدر رحب، لأنَّ الدعوة انتشرت بالحكمة والموعظة الحسنة، وكانت تدعو إلى دين الفطرة(المصدر السابق ص210).
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 3264
تاريخ التسجيل : 24 - 1 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
المشاركات : 642
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 1
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 3
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 14
الاسباب الحقيقية
اما اذا استقصينا الاسباب الحقيقية التى ادت إلى ذلك فيمكن ان نرجع إلى كتاب فقه الجهاد للشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوى فتحت عنوان أهداف القتال في الإسلام ارجع الشيخ القرضاوى الاهداف الى :
1- رد الاعتداء: دفع الاعتداء وردُّه بالقوة، سواء كان هذا الاعتداء واقعًا على الدين أم على الوطن والأرض.
فأما الاعتداء على الدين، فيتمثل في فتنة المسلمين عن دينهم، واضطهادهم من أجل عقيدتهم، أو الوقوف في وجه الدعوة ومنعها، والصدِّ عنها، والتعرُّض لدعاتها بالأذى إلى حدِّ القتل.
يقول تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} البقرة: 190- 192.
وتؤيد الكتابة الايطالية لورا فيشيا فاغليرى الدكتور يوسف القرضاوى حيث تقول فى هذا الصدد فى مؤلفها "دفاع عن الاسلام " : "ان الاسلام لا يبيح امتشاق الحسام الا دفاعا عن النفس ... وهو ينظر الى الحرب على انها حريق يجب اطفاؤه بأسرع ما يمكن كلما اندلعت ناره ... ولقد سن مجموعة من القواعد والعادات ابتغاء جعل الحرب انسانية . (دفاع عن الإسلام، ترجمة منير البعلبكي، دار العلم للملايين، ط/5، 1981م، ص 11(
وتضيف في موضع آخر من كتابها "دفاع عن الإسلام": "لقد كانت الحرب عند المسلمين وسيلة لحماية الدين الجديد وتعظيمه، ولم تكن غاية في ذاتها، بل كانت دفاعاً ضرورياً لا عدواناً جائراً"(المصدر السابق ص38).
وترى أنَّ القرآن عبَّر عن هذا المعنى حين قال:{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }(البقرة:190).
ويقول الشيخ محمد ابو زهرة : كان قتال الاسلام الذى شرعه الله ونفذه النبى صلى الله عليه وسلم دفاعا وليس اعتداء , ولكن من الدفاع ما يلبس لباس الهجوم , فانه بمجرد ان انتشر الاسلام فى البلاد العربية وجاء بمبادىء الاخوة الانسانية العامة , والمساواة بين الخلق , والتكافل الاجتماعى , ومنع القوى فى ان يتحكم بالضعيف , توجس الملوك الظالمين خيفة من ذيوعه وانتشاره فى ديارهم , وبين رعايهم فوقفوا له بالمرصاد , فكسرى هم ان يقتل النبى , وهرقل قتل الذين دخلوا فى الاسلاممن اهل الشام , وبذلك صار الاسلام يرلد به السوء وينال بالاذى , وتنتهز الفرص لللانقضاض عليه , وما كان من شأن القائد ان ينتظر عدوه حتى يغزوه , ومن هنا لبس الدفاع ثوب الهجوم . (من مقال منشور بمجلة لواء الاسلام بعنوان الجهاد فى الاسلام , عدد ذى القعدة والحجة , 1379ه – 1960م) .
وغنى عن البيان ان هذه الحرب تعتبر بلغة العصر الحديث حربا وقائية . والحروب التى يخوضها المسلمون محكومة بقوانين الاسلام التى تلزمها بأيثار المسلم عند اول بوادره , وحماية حق الحياة لغير المقاتلين من الاطفال والنساء والشيوخ والاسرى , ورعاية الجرحى والمصابين , ثم تحمى حرية العقيدة , وحرية العمل , وحرية التعبير لمن كانوا اعداء الامس اذا ما جنوا للسلم والقوا السلاح ولم تكن حروب المسلمين للفتح والاستعمار انما كانت فتوح ايمان وتعمير وبنيان ولم تكن كما زعموا _ الغنائم والسلب والنهب سببا من اسبابها , فقد وضع الاسلام للحرب قوانينا تحكمها من بدأ اعلانها حتى تضع اوزارها , ولقد نهى الاسلام المسلمين عن مباغتة المعاهدين لهم بالحرب اذا نقضوا عهودهم معهم , بل امرهم بمكاشفتهم قبل حربهم حتى يكونوا على بينة من امرهم , وان سماحة الاسلام كان لها السبق فى هذا الشأن منذ اربعة عشر قرنا على القوانين المعاصرة التى تضمنتها قرارات مؤتمر لاهاى سنة 1907 والذى نص على ان يجب ان لا تبدأ الاعمال الحربية الا بعد اخطار سابق . (افتراءات واباطيل – المستشار على عبداللاه طنطاوى ص40 , 41 )
2- منع الفتنة أو تأمين حرية الدعوة: وهذا ما صرَّح به القرآن الكريم في آيتين من كتاب الله، إحداهما في سورة البقرة في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193].
والثانية في سورة الأنفال في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال:39].
إنقاذ المستضعفين من خلق الله، من ظلم الجبَّارين، وتسلُّط المستكبرين في الأرض بغير الحقِّ، الذين يستخفُّون بحرمات الضعفاء، ويسومونهم سوء العذاب، ويُهدِرون إنسانيتهم، لأن في أيديهم القوة المادية التي تمنع الأيدي أن تُدافع، وتُخرس الألسنة أن تتكلم، وتُكره الناس على أن يسكتوا عن الحقِّ أو ينطقوا بالباطل.
يقول تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً * وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء:75،74].
تأديب الناكثين للعهود ولا يرعَون المواثيق، فهم يحافظون عليها ما دامت في صالحهم، فإذا رأوا أنها لم تعُد تخدُمهم، وكان بهم قوة: ضربوا بها عُرض الحائط، وداسوها بأقدامهم، ولم يرعَوا لعهد حرمة، ولم يرقبوا في مؤمن إلاًّ ولا ذمَّة.
وقد أشار القرآن إلى موقف هؤلاء القوم ونقضهم المستمر للعهود المُبرمة بينهم وبين المسلمين، ف: {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وهُمْ لا يَتَّقُونَ * فَإمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: 55-57].
فرض السلام الداخلي بالقوة: وهناك نوع من القتال يختلف عما ذكرناه، فهو ليس موجَّها إلى غير المسلمين، بل هو موجَّه إلى المسلمين أنفسهم، لفضِّ النزاع المُسلَّح بينهم، فله هدف محدَّد، وغاية معلومة، وهي: فرض السلام الداخلي بالقوة بين الطائفتين المتنازعتين من المسلمين، وهذا ما كلَّف الله به الأمة المسلمة متضامنة، فهو من فروض الكفاية الواجبة على الأمة، وأول مَن يطالب به الخليفة أو الإمام أو مَن يقوم مقامه.
يقول تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10،9]. [فقه الجهاد 1/ 423- 4]
وتحت عنوان القتال المرفوض في الإسلام
تحدث الشيخ القرضاوي عن مجموعة من الأهداف المرفوضة للقتال في الرؤية الإسلامية، ومنها:
هدف محو الكفر من العالم مرفوض: وهو هدف مناقض مناقضة صريحة لما قرَّره القرآن من أن اختلاف الناس في أديانهم وعقائدهم، وانقسامهم إلى مؤمنين وكافرين، وموحِّدين ووثنيين، ومصدِّقين بالرسل ومكذِّبين لهم: كل هذا واقع بمشيئة الله تعالى التي لا تنفصل عن حكمته عزَّ وجلَّ، فهو الذي خلق الناس مختلفين، أو قابلين للاختلاف في الإيمان وضدِّه، كما : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]، {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13]، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118]، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن:2].
هدف قسر الناس -أو بعضهم- على الإسلام مرفوض: القرآن يرفض مبدأ الإكراه في الدين، وقد في القرآن المكي لرسوله محمد: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]، وهذا استفهام إنكاري معناه النفي القاطع لفكرة الإكراه، وأن هذا ليس في قدرة الرسول؛ لأنه ضدَّ المشيئة الإلهية.
الهدف الاقتصادي للجهاد مرفوض [وهذا لا ينفي تحقق مكاسب اقتصادية بسبب الحروب التي خاضها المسلمون من أجل نشر الإسلام وتبليغه للعالمين، لكن الغاية في الأساس هي التبليغ والدعوة وليست التسلط على أموال الناس بغير حق]: الحقُّ أن الإسلام يمنع الفرد المجاهد، أو الجماعة المجاهدة، أن تدخل في نيتها وفي غاياتها: المغانم الدنيوية، سواء كانت مادية مثل الأموال والمغانم والمكاسب، أم كانت معنوية مثل الجاه والشهرة والمحمدة عند الناس.
وإذا دخل شيء من ذلك في غاية الجهاد أو نية المجاهد: أفسد الجهاد، وأضاع أجره، وأخرجه من اعتباره جهادا في سبيل الله.
الأديان والجهاد
ويتحدث الشيخ القرضاوي عن الجهاد بين شريعة التوراة وشريعة القرآن ويذكر نصوصا من التوراة وهو النص المقدس عند اليهود والنصارى على حد سواء.
تقول التوراة في (سفر تثنية الاشتراع) في (الإصحاح العشرين) تحت عنوان (شرائع حصار وفتح المدن البعيدة) في الفقرة العاشرة وما بعدها:
(وحين تتقدمون لمحاربة مدينة فادْعُوها للصلح أوَّلاً. فإن أجابتكم إلى الصلح واستسلمت لكم، فكلُّ الشعب الساكن فيها يصبح عبيدا لكم. وإن أبت الصلح وحاربتكم فحاصروها، فإذا أسقطها الربُّ إلهكم في أيديكم، فاقتلوا جميع ذكورها بحدِّ السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم، وكلُّ ما في المدينة من أسلاب، فاغنموها لأنفسكم، وتمتَّعوا بغنائم أعدائكم التي وهبها الربُّ إلهكم لكم. هكذا تفعلون بكلِّ المدن النائية عنكم، التي ليست من مدن الأمم القاطنة هنا) انتهى.
هذا أمر التوراة الصارم لبني إسرائيل، أو لليهود المؤمنين بشريعة موسى في شأن حصار المدن البعيدة وفتحها: إذا أجابت دعوة السلم والصلح، فجميع أهلها عبيد لهم بلا استثناء! وإذا لم تُسلِّم لهم فليحاربوا، وإذا سقطت في أيديهم، فعليهم أن (يقتلوا جميع ذكورها بحدِّ السيف)، هكذا أمرهم (الربُّ الإله). ولم تقبل شريعة التوراة من هؤلاء بديلا لقتلهم بحدِّ السيف: أن يدخلوا في دين اليهودية مثلا، أو يدفعوا لهم جزية، أو غير ذلك. ولم يستثنِ أمر (الربِّ الإله) أحدا من الذكور: لا شيخا كبيرا، ولا طفلا صغيرا.
شرائع حصار وفتح مدن أرض الموعد: أما شعوب المنطقة التي يطلق عليها (أرض الميعاد) أي سكان أرض فلسطين، فتقول التوراة في شأنها: (أما مدن الشعوب التي يَهَبها الرب إلهكم لكم ميراثا، فلا تَسْتَبْقوا فيها نَسَمَة حية، بل دمِّروها عن بكرة أبيها، كمدن الحثِّيِّين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، كما أمركم الربُّ إلهكم، لكي لا يعلِّموكم رجاستهم التي مارسوها في عبادة آلهتهم، فتغووا وراءهم وتخطئوا إلى الربِّ إلهكم)[ انظر: الكتاب المقدس (التوراة) سفر التثنية: الإصحاح العشرين (10- 18) صـ392، 393] انتهى.
ويعلق شُرَّاح التوراة على هذه الفِقرة فيقولون: (كيف يمكن لإله رحيم أن يأمر بإهلاك كل المراكز الآهلة بالسكان؟ لقد فعل ذلك لحماية بني إسرائيل من عبادة الأوثان، التي كانت، ولابد، ستجلب الخراب عليهم (20:18) وفي الحقيقة؛ لأن بني إسرائيل لم يقضوا تماما على هذه الشعوب الشرِّيرة كما أمرهم الله، تعرَّضوا باستمرار لاضطهادهم، وإلى الكثير من سفك الدماء والتخريب، أكثر مما لو كانوا أطاعوا توجيهات الله قبل كلِّ شيء)!! اهـ.
فأين هذا مما جاء به القرآن من قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة:191،190].
الانتشار بحد السيف
يؤكد الشيخ القرضاوي إشاعة كثير من المنصِّرين -أو المبشِّرين– والمستشرقين المتعصِّبين: أن الإسلام لم ينتشر في العالم إلا بحدِّ السيف، وإخضاع الناس لعقيدته بالقوة العسكرية، ولولا هذا ما انفتحت له القلوب، ولا اقتنعت به العقول، ولكنها أُكرهت عليه إكراها تحت بريق السيوف، فخيَّرهم بين الإسلام والقتل، فإما أن يُسلِم وإما أن يطير عنقه!
وهذه فِرْية تكذِّبها تعاليم الإسلام القطعية، وتكذِّبها وقائعه التاريخية، ويكذِّبها المنصفون من المؤرخين المستشرقين أنفسهم.
فأما تعاليم الإسلام، فهي تنفي الإكراه في الدين نفيا مطلقا عاما، بقوله تعالى في القرآن المدني: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256].
وهو يؤكد ما جاء في القرآن المكي من قوله تعالى بصيغة الاستفهام الإنكاري: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]، وقوله تعالى على لسان نوح: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28].
وأما وقائع التاريخ، فهي تقول: إن المسلمين حينما فتحوا البلاد، لم يتدخَّلوا قط في شئون دينها، ولم يرغموا أحدا قط على تغيير عقيدته، ولم يثبت التاريخ واقعة واحدة أكره فيها فرد غير مسلم، أو أسرة غير مسلمة، أو بلدة غير مسلمة، أو شعب غير مسلم، على الدخول في الإسلام.
ولقد اتَّخذ المبشِّرون والمستشرقون من الفتوح الإسلامية: دليلا على أن الإسلام إنما انتشر بهذه القوة والسرعة، نتيجة لأنه قهر الناس بالسيف، فدخل الناس تحت بريقه مذعنين طائعين.
ونقول لأصحاب دعوى انتشار الإسلام بالسيف: إن السيف يمكنه أن يفتح أرضا، ويحتلَّ بلدا، ولكن لا يمكنه أن يفتح قلبا. ففتح القلوب وإزالة أقفالها يحتاج إلى عمل آخر، من إقناع العقل، واستمالة العواطف، والتأثير النفسي في الإنسان.
وأما المستشرقون المنصفون من المؤرِّخين الغربيين، فحسبنا منهم عَلَم واحد، شهد له الجميع بالأصالة في علمه، والاستقصاء في بحثه، ومعاناته في الحصول على وثائقه من شتَّى المصادر، ومختلف الأقطار، ومختلف اللغات، ألا وهو البحَّاثة القدير (توماس آرنولد) كما يتجلَّى ذلك في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) الذي أثبت فيه بما لا يَدَع مجالا للشكِّ أن الإسلام لم ينتشر في العالم بحدِّ السيف، بل انتشر بالدعوة والحجَّة والإقناع، وأخلاق المسلمين، ولم يثبت في التاريخ قط أن شعبا من الشعوب، أو قبيلة من القبائل، أو حتى أسرة من الأسر أُجبروا على التخلِّي عن دينهم، أو الدخول في الإسلام.
كما اعترف بذلك بحقٍّ المؤرخ الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب)، وكذلك المستشرق البريطاني المعروف (مونتجمري وات) في كتابه (الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر).[ فقه الجهاد 1/ 479- 4]
|
|
المفضلات