فوائد آية
قال العمـروني أبو عـبيد كفاه الله كل جبار عنيد : هذه الآية : ﴿ رَبِّ إِنِّى لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾(1) ، اشتملت على ثلاث فوائد حسان تمام غير خِدَاجٍ ، ـ كم في دنيا الناس من يشتكيها(؟!) وكم في الحياة الدنيا من يبكيها(؟!) ، ـ فإن موسى عليه السلام عندما اِئْتَمَرَ القوم به (4)ليقتلوه خرج بثلاث :الأولى : خرج خائفاً يترقب ، ﴿ فَخَرَجَ مِنهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ... ﴾(3).الثانية : خرج ولا زاد له ، بل فقيراً مُعْدِماً لا يملك قوت يومه.الثالثة : خرج عزباً لا زوج له ولا صاحبة.وهو في كل حال وشأن لا يَفْتُرُ لسان قاله عن الدعاء ، فعندما اِئْتَمَرَ مَلأُ فرعون به ليقتلوه وجاءه النذير وخرج من المدينة خائفاً يترقب قال عليه السلام : ﴿ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾(3).وعندما توجه تلقاء مدين دعا كذلك قائلاً : ﴿ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ ﴾(4) ، فلم يَغْفُلْ عن الدعاء ؛ بل جعله هِجِّـيرَاهُ(5) ، نقول هذا لمن يَهْزَأُ بالدعاء ويزدريه ، قال الإمام الشافعي أبو عبد الله قدس الله روحه :أَتَهْزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيْهِ وَمَا تَدْرِي بِمَا صَنَعَ الدُّعَاءُسِهَامُ اللَّيْلِ لَا تُخْطِي وَلَكِنْ لَهَا أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ انْقِضَاءُفوالله ما أخطأت سهام دعاء موسى عليه السلام ، بل بلغت الْمَدَى(6) ، وكانت أمضَى ـ في قضاء حاجته ، وكشف كربته ـ من الْمُدَى(7) ، فكان أن هداه الله ، فَوَرَدَ ماء مدين ، وكان من قصته ما قَصَّ الله علينا فأعـان امرأتين أُخْتَينِ ضَعِيفَتَين حَيِيَّتَيْنِ منعهما الضـعف ، والحـياء ، أن تَرِدَا المـاءَ حـتى قالتا : ﴿ لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ ﴾(8).﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ ﴾ ؛ اعتذار ، ودافعٌ مُلْجِىءٌ ، ـ وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ـ ، فالأب شيخ كبير رَقَّ عظمه فلا يقوى على ما يقوى عليه الرِّعَـاءُ ، وأن يَرِدَ بالشِّياه المياه ؛ فقامت بذلك عنه بنتاه ، فحمـَّل الضعيف لعجزه ضعيفاً مثله ، لا يقوى على مزاحـمة الرعاء ، فَقَيَّضَ الله للضعيفين قوياً أميناً ، ذا حاجة ؛ وكم من ذي حاجة ، حاجته عند من له إليه حاجة(!) ، ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ﴾(1) ،فقضيت للضعيف الحيي حاجته.وجاء دور حاجة موسى لتقضى لموسى ، سِهَامٌ رِيْشَتْ تحت ظِلِّ الغربة ، رَاشَهَا خائف فقـير بريش افتقاره ، وانكساره : ﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾.وهذا الدعاء هو بيت القصيد ، وما يبغي الخائف العَزَبُ الفقير وما يريد ، وجاءت حاجة موسى إلى موسى تمشي على استحـياء ، على لسان حيية : ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾(9) ، فَمَنَّ الله عليه وأنعم بثلاث نِعَمٍ أجراً من لدنه ، وهي :الأولى : أن أَمَّنَهُ من خوف.: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾(9).والثانية : أن أطعمه من جوع ، فرزقه عملاً بعد أن كان فقيراً.: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَئْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ﴾(10) ، وسيأتي جواب سؤْلِهَا بقبول موسى أجيراً عند أبيها.والثالثة : أن زَوَّجَهُ إحدى ابنتي الرجل الصالح الذي آواه بعد أن كان عزباً لا سكن له ولا مأوى.: ﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَينِ ﴾(11) ـ ثم أَرْدَفَ قائلاً مُعْلِناً قَبُولَ موسى رَاعِـياً عنده جَـواباً لطلب ابنته ـ ﴿ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾(11).فأنكحه إحدى ابنتيه، وجعل عمله عنده مهراً لها ، فتمَّ لموسى عليه السلام أمره بدعاء : ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾.فيا خائفاً يريد سلامةً وأمناً ، ويا فقيراً عائلاً يريد رزقاً وعملاً ، ويا عزباً يريد زوجاً ، ومَودَّةً وسكناً ؛ أقبل وقل ما قال موسى عليه السلام : ﴿ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ ، و ﴿ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ ﴾ ، و ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ تأمن ، وتغنى ، ويجعل الله لك سكناً ومأوى.وكتبأبو عبيد العمرونيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1)سورة القصص الآية : ( 24 ).(2)( اِئْتَمَرَ القَوْمُ بِهِ : تَشَاوَروا ، وأَمَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقَتْلِهِ )( المحيط ، الغني ).(3)سورة القصص الآية : ( 21 ).(4)سورة القصص الآية : ( 22 ).(5) هِجِّيرَاهُ : دَأَبَهُ ، وَدَيْدَنَهُ.(6)المدى : الغاية ، والمنتهى.(7)المدى : جمع مُدْية الشفرة الكبيرة.(8)سورة القصص الآية : ( 23 ).(9)سورة القصص الآية : ( 25 ).(10)سورة القصص الآية : ( 26 ).(11)سورة القصص الآية : ( 27 ).t,hz] Ndm
المفضلات