الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلوس (829-842م):
هو ثاني أباطرة الأسرة العمورية و التي عرفت أيضا بالأسرة الفريجية نظرا لأن أباطرتها كانوا ينتسبون إلى مدينة عموريه التي تقع في تركيا الحالية و قد عرف في المصادر العربية باسم توفيل و قد قدر لهذا الإمبراطور أن يلعب دورا هاما في تاريخ المسلمين فكيف ذلك ؟
لقد كان هذا الإمبراطور متأثرا بالخليفة العباسي هارون الرشيد و قد ظهر هذا التأثر في اختلاطه بالعامة و حل مشاكلهم بنفسه و قد عاصر ثيوفيلوس أثنين من أقوى خلفاء الدولة العباسية و هما المأمون و المعتصم بالله و نبدأ أولا بعلاقته بالمأمون .
العلاقات بين ثيوفيلوس و المأمون :
لقد نشبت في عهد الخليفة المأمون ثورة بابك الخرمي الذي كان ينادي بعودة بعض المظاهر الوثنية و أهتم الخليفة المأمون بالقضاء على هذه الثورة و لكن لجأ بابك إلى التحالف مع ثيوفيلوس و دخل خمسة عشر ألفا من أتباع بابك الخرمي في خدمة ثيوفيلوس الذي أنزلهم في ثغر الأناضول المواجه للدولة العباسية و قام ثيوفيلوس بالخروج على رأس جيشه في 834م متجها إلى حدود الدولة العباسية محدثا مظاهرة عسكرية كبرى هناك فرد المأمون بالخروج على رأس جيشه و دارت مناوشات بين جيش المسلمين و جيش البيزنطيين أنتصر فيها جيش المسلمين .
و لكن ثيوفيلوس لم يهدأ فقام بالخروج على رأس جيشه في عام 835م و أجتاح بعض القرى الإسلامية في الأناضول و أرسل إلى الخليفة المأمون يعرض عليه الهدنة في مقابل أعادة القرى الإسلامية و لكن حسب رواية الطبري و واضحة فأن المأمون رفض العرض وخرج على رأس جيشه و أنزل هزائم كبرى بالجيش البيزنطي و أستعاد القرى مرة أخرى و تمكن العباس بن المأمون من أنزال هزيمة كبرى بالجيش البيزنطي و استولى على قلعة هرقلة و عاد المأمون إلى بغداد.
و في عام 836م خرج المأمون بنفسه هذه المرة و بدون أية مقدمات إلى أرض الروم و أنزل هزائم كبرى بالجيش البيزنطي وحاصر قلعة اللؤلؤة الحصينة ثلاثة أشهر و استولى عليها و لكنه مرض و نقل إلى الرقة في شمال الشام حيث توفي هناك ودفن في دار خاقان خادم الرشيد رحمه الله تعالى
العلاقات بين ثيوفيلوس و المعتصم بالله :
عقب وفاة الخليفة المأمون تولى مكانه أخيه المعتصم الخلافة و كان المعتصم فارسا شجاعا إلى أقصى حد و استعان المعتصم بالأتراك في الجيش وكان أول من أستقدمهم وولاهم مناصب رسمية في الدولة العباسية و بنى لهم مدينة خاصة بهم و هي سامراء و قد عرفت آنذاك بسر من رأى و كانت أيضا حاضرة الدولة في عهد المعتصم .
و عند تولي المعتصم الخلافة كانت ثورة بابك الخرمي قد شارفت على الانتهاء ففكر ثيوفيلوس في نجدة بابك الخرمي فقام بخرق الهدنة التي عقدها معه المعتصم عند توليه الخلافة و قام في 837م بالخروج على رأس جيشه و عبر نهر الفرات و هاجم حصن زبطرة و أهله المسلمين و أحدث مذبحة كبرى في الحصن راح ضحيتها 10 الآف مسلم ثيوفيلوس ف مسلم بما في ذلك هتك عرض النساء وسمل أعين الأطفال و أركبهم على أحصنة و أرسلهم إلى المعتصم كما هاجم مدينتي سميساط و ملطية ودمرهم تدميرا كاملا.
رد فعل الخليفة العباسي المعتصم بالله :
كان المعتصم وقت وقوع الأحداث في مدينة سامراء و لم يكن قد علم شيئا بعد حتى أيقظه عمه المنصور ذات صباح على الأبيات الآتيه :
يا غارة الله قد عاينت تنتهكي هتك النساء و ما منهن ترتكب
هب الرجال على أجرامها قتلت ما بال أطفالها بالذبح تنتهب
(و كان المنصور أول من بدأ في الشعر بغارة الله )
ويقول أبن الأثير "وكان المعتصم على سريره فبلغه أن امرأة عربية هاشمية صاحت وهي أسيرة في يد الروم وا معتصماه فأجابها لبيك لبيك و نهض من ساعته و أمر بنفر النفير و بأذان الجهاد "
و جمع المعتصم قادته و سألهم ما هي أمنع و أحصن مدن الروم فأجابوه عموريه حيث ولد فيها ثيوفيلوس فأقسم المعتصم على خرابها و أقسم على أن يذل ثيوفيلوس و يقضي على هيبته و يجعله سخرية لجنوده البيزنطيين ,
و أرسل المعتصم قواته و أمرهم بنبش الأرض عن بابك الخرمي حتى يقتلوه و بالفعل تمكنت قوات المعتصم من قتل بابك و بذلك أنتهت فتنته و بقي تدمير عموريه .
الزحف على عموريه :
في أبريل 838م غادرت الجيوش الإسلامية مدينة سامراء و بلغ عددها مائة ألف جندي و كان يوما مشهودا في تاريخ الدولة العباسية معظمنا لا يعلمه للأسف حيث كتب المعتصم على رايات الجيش و ألويته عموريه و أمر جنده بلبس أحسن الثياب و كانت جرأة عظيمة من المعتصم حيث أعلن هدفه صراحة و كان ذلك إذلال عظيم للبيزنطيين وقد حذر جميع المنجمين الخليفة من الخروج و لكنه لم يأبه لكلامهم .
و ضع المعتصم خطة عسكرية محكمة للوصول إلى عموريه تقض بتقسيم الجيش الإسلامي إلى ثلاثة أقسام قسم عليه المعتصم و أخر عليه أشناس ة الأخير عليه الأفشين و يبلغ عدد كل قسم 33 ألف و تكون أنقرة هي الهدف الأول للحملة و تجتمع فيها القوات الإسلامية للزحف على عموريه و أتفق على أن يسير الأفشين إلى أنقرة عبر طريق درب الحدث أما أشناس و المعتصم فيسيروا عبر الطوانه و يلتقي الثلاثة في أنقرة
أما ثيوفيلوس فقد غادر القسطنطينية في مايو 838م و علم أن عموريه هي هدف المعتصم فأسند مهمة الدفاع عن المدينة الى قائد ثغر الأناضول و يدعى أثيتيوس و عرف في المصادر العربية باسم ناطس أما ثيوفيلوس فقد أنتقل الى خرسيوس عند البحر الأسود منتظرا مجيء الجيش الإسلامي دون أن يعلم بتقدم عدد من القوات الإسلامية عبر درب الحدث بقيادة الأفشين .
و لكن وصلت الأنباء إلى ثيوفيلوس بتقدم بعض القوات الإسلامية عبر درب الحدث فذهب لملاقاة الأفشين في نحو 120ألف جندي في حين أن عدد قوات الأفشين 33ألف فحسب و دارت المعركة بن الطرفين في 22 يوليو 838م (25 شعبان 232ه) و أستبسل الجنود المسلمين أستبسالا عظيما رغم قلة عددهم و كان الأفشين قد ذكرهم بثأر إخوانهم في زبطرة و أحرز الجنود تحت قيادة الأفشين انتصار عسكريا عظيما و أفنوا الجيش البيزنطي عن أخره و هرب ثيوفيلوس حافى القدمين – و كاد أن يسقط أسيرا – إلى قلعة دورليوم حيث تعرف عليه جنوده بالصدفة أما المعتصم و أشناس فقد وصلا أنقرة و دمرا المدينة انتقاما لأهل زبطرة و في أثناء ذلك وصل الأفشين حاملا رايات النصر .
قام المعتصم بالزحف على عمورية ابتداء من أنقرة وسار أشناس في المقدمة يليه المعتصم ثم الأفشين و قام المعتصم بتدمير جميع القرى البيزنطية على طريق أنقرة – عموريه حتى وصل عموريه و حاصرها مدة أسبوعين ثم سقطت المدينة في رمضان 232ه و دخلها المعتصم و سواها بالأرض و أسر أهلها و باعهم في أسواق النخاسة و يقال أنه تعرف على المرأة التي استنجدت به و أعادها إلى أهلها و فكر المعتصم في فتح القسطنطينية و لكن قامت ضده مؤامرة في بغداد فرجع بجيشه ثم وافته المنية في 841م و كذلك توفي ثيوفيلوس كمدا في 842م
المصادر :
ابن الأثير : الكامل في التاريخ
السيوطي : تاريخ الخلفاء
المسعودي : مروج الذهب
وليم لانجر : موسوعة تاريخ العالم
ول ديورانت :قصة الحضارة
hgYlfvh',v hgfd.k'd ed,tdg,s
المفضلات