ديمونا.. الموت القادم من إسرائيل
مفاعل ديمونا الإسرائيلي
أخفقت أكثر من 15 دولة عربية في تمرير قرار يخضع برنامج إسرائيل النووي للتفتيش الدولي بالمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا 15-9-2003.. واضطرت لسحب مشروع القرار على وعد أن يطرح المشروع النووي الإسرائيلي للمناقشة في اجتماع العام المقبل.. هل نأمل بأن يفتح للنقاش قبل أن يصبح "ديمونا" الإسرائيلي "تشرنوبل" الشرق الأوسط؟
فالدلائل تشير إلى أن مفاعل ديمونا -أهم منشأة نووية إسرائيلية- دخل في مرحلة الخطر الإستراتيجي؛ بسبب انتهاء عمره الافتراضي والذي يظهر واضحًا للعيان من خلال تصدعه وتحوله إلى مصدر محتمل لكارثة إنسانية تحصد أرواح مئات الآلاف من الضحايا إن لم يكن الملايين.
وحسب التقارير العلمية وصور الأقمار الصناعية لديمونا المنشورة بمجلة "جينز إنتلجنس ريفيو" المتخصصة في المسائل الدفاعية الصادرة في لندن عام 1999 والتي استندت في معلوماتها إلى صور التقطتها الأقمار الصناعية التجارية الفرنسية والروسية، فإن المفاعل النووي يعاني من أضرار جسيمة بسبب الإشعاع النيتروني. ويحدث هذا الإشعاع أضرارًا بمبنى المفاعل، فالنيترونات تنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى مما يجعله هشًّا وقابلاً للتصدع.
هذا إضافة إلى أن المفاعل أصبح قديمًا (40 عامًا) بحيث تآكلت جدرانه العازلة. كما أن أساساته قد تتشقق وتنهار بسبب قدمها محدثة كارثة نووية ضخمة. وعلى الرغم من استبدال بعض الأجزاء من المفاعل فإن هناك خلافًا جديًّا يدور حول ما إذا كان من الأفضل وقف العمل في المفاعل تمامًا قبل وقوع كارثة.
ويرى الخبراء أن إصابة الكثير من سكان المناطق المحيطة بالمفاعل الشائخ بالأمراض السرطانية والعاملين فيه أيضًا كان بسبب تسرّب بعض الإشعاعات من المفاعل. فقد كشف تقرير أعدته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي أذيع بتاريخ 1-7-2003، أن العشرات من عمال المفاعل النووي ماتوا تأثرًا بالسرطان في وقتٍ ترفض فيه إدارة المفاعل والحكومة الإسرائيلية مجرد الربط بين إصابتهم -ومن ثَم موتهم- وبين إشعاعات متسربة.
وطبقًا لصحيفة القدس الفلسطينية العدد المنشور في 28-1-2003، فإن المحاكم الإسرائيلية تنظر الآن في أكثر من 45 دعوى قضائية تقدمت بها عائلات المهندسين والخبراء والفنيين العاملين في المفاعل النووي في ديمونا بصحراء النقب؛ بسبب تفشي الإصابة بالسرطان خلال السنوات الأخيرة بعد اختراق الإشعاعات النووية لأجسادهم. وقد طالبوا في الشكاوى المقدمة بسرعة صرف تعويضات عاجلة تقدر بنحو 50 مليون دولار نتيجة الأضرار التي لحقت بهم خلال سنوات عملهم.
وكما ذكرت شبكة الإنترنت للإعلام العربي، فالخبراء الأساسيون العاملون في المفاعل الأكثر إصابة بالمرض، بينما تقل الإصابة بنسبة 50% لدى الفنيين والمساعدين من الدرجة الثانية والذين لا يتعرضون مباشرة للإشعاع النووي. يليهم حراس المفاعل النووي، حيث سيصيبهم المرض في السنوات الثلاث المقبلة إذا ما استمروا في عملهم. كما تم اكتشاف أعراض مرض السرطان لدى أكثر من 70% من سكان النقب.
وقد نسب تقرير القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إلى أحد العمال الذين أصيبوا بالسرطان تأكيده "أن الحرائق كانت تندلع بشكل يومي تقريبًا داخل المفاعل، وقد استنشقنا بخار المواد النووية الخطيرة"، فيما صرّح عامل آخر "كنت عدة مرات أجد نفسي داخل غيمة صفراء من المواد السامة".
5 قنابل نووية سنويًّا
بدأ تشغيل مفاعل ديمونا في كانون الأول/ ديسمـبر 1963، بدعم من فرنسا التي زودت إسرائيل بالآلات والمعدات اللازمة لذلك. وكانت طاقته آنذاك لا تتعدى 26 ميجاوات، مما يترجم إنتاجيًّا بحوالي 8 كيلوجرامات من البلوتونيوم، وهذا يكفي لصناعة قنبلة نووية واحدة بقوة 20 كيلو طنًّا من المتفجرات. وفي السبعينيات رفعت إسرائيل طاقة الإنتاج القصوى لمفاعل ديمونا إلى حوالي 70 ميجاوات، بزيادة قدرها 44 ميجاوات، بينما تسعى إسرائيل حاليًا لزيادة الكفاءة الإنتاجية لمفاعل ديمونا لتصل إلى ما يقارب 100 ميجاوات، متجاهلة كل ما يعانيه المفاعل من مشاكل.
موردخاي فانونو أثناء محاكمته
وكان موردخاي فانونو، التقني الإسرائيلي الذي عمل لمدة 10 سنوات في مركز الأبحاث النووية قد أكد في اعترافاته التي أذيعت بتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية في مارس الماضي أن إسرائيل قد أنتجت حوالي 100 قنبلة نووية، وأن مفاعل ديمونا ينتج 40 كيلوجرامًا من البلوتونيوم سنويًّا. ويقضي فانونو الآن مدة عقوبة 18 عامًا بتهمة إفشائه أسرارًا عسكرية.
ويقول فانونو: "يعلم الجميع أنني لم أسجن لأني سرقت أو قتلت، أنا هنا بسبب ما أومن به، وإذا أُخذ في الاعتبار مبادئي والمعلومات التي حصلت عليها، فسيكون حتمًا عليّ أن أفعل ما فعلت"، ويضيف "لقد كانت حريتي ومجازفتي بحياتي ثمنًا دفعته لأكشف الستار عن مخاطر الأسلحة النووية المحيطة بالمنطقة".
جدير بالذكر أن خبراء الطاقة النووية استنادًا إلى معلومات فانونو يؤكدون أن مفاعل ديمونا يصنع للكيان الصهيوني 5 قنابل نووية سنويًّا بقوة تبلغ 20 كيلو طنًّا للقنبلة الواحدة.
البلوتونيوم
ويشكل إنتاج البلوتونيوم إحدى أخطر العمليات في العالم؛ إذ إن إنتاج كيلوجرام واحد من البلوتونيوم ينتج أيضا 11 لترًا من سائل سام ومشع مثل مركبات الأيزوسيانيد Iso-cyanide كمنتج جانبي، وعلى الرغم من كل المشاكل التي تواجه مفاعل ديمونا فإن إسرائيل تواصل إنتاج البلوتونيوم داخله.
البلوتونيوم الخام الذي يتم إنتاجه في مفاعل ديمونا عبارة عن مسحوق حامضي أخضر اللون، يسخن في درجات حرارة عالية جدًّا، ويتحول إلى سائل يتم ترشيحه لتنتج بعدها "أزرار" صغيرة بوزن 130 جرامًا. ويمكن للمفاعل طبقًا لاعترافات التقني الإسرائيلي فانونو أن ينتج 9 أزرار أسبوعيًّا. أي أن مفاعل ديمونا ينتج سنويًّا 40 كيلوجرامًا من البلوتونيوم، أي ما يساوي 10 - 12 قنبلة.
وتشير التقارير الصادرة عن معهد الأبحاث التطبيقية بالقدس ووزارة البيئة الفلسطينية، إلى أن هناك اعتقادًا بأن المفاعل الإسرائيلي استهلك خلال الأربعين عامًا الأخيرة 1400 طن من اليورانيوم الخام.
نظرة أقرب
صورة بالقمر الصناعي لمركز الأبحاث النووية
ومفاعل ديمونا من النوع الحراري. قامت بتنفيذه شركة سان جوبيان الفرنسية التي تملك الحكومة الفرنسية 66% من أسهمها. ويشبه مفاعل سافانا ريفر الأمريكي في ساوث كارولينا.
يقع مفاعل ديمونا النووي أو ما يسمّى بـ"مركز الأبحاث النووية" وسط صحراء النقب. والمنطقة صحراوية جبلية قليلة السكان. ولا يعرف أحد الاسم العربي لها، وإن كان هناك من يطلق عليها أم دومنة أو أم أرديمة. لكن من المؤكد أن أرض ديمونة كانت ملكًا لقبائل بدوية تعرف باسم عرب التائهة.
تحيط بالمفاعل أشجار عالية ونباتات كثيفة لإبعاده عن الأنظار. وأقيمت حول الموقع أسلاك كهربائية وطرق لدوريات الحراسة. وتمهد التراكتورات التربة الوحلية يوميًّا لتسهيل اكتشاف آثار الزوار غير المرغوب بهم. ونصبت إسرائيل بطاريات مضادات جوية حول المكان لإسقاط كل جسم طائر يظهر على الرادار.
غرفة مراقبة المفاعل
على سطح الأرض يوجد بناء من طابقين يحتوي على مرافق مثل مقصف، مكاتب، مخازن وحمامات. يقع هذا البناء بسيط المظهر على مسافة غير بعيدة من جسم المفاعل الذي تغطيه قبة ظاهرة لكل من يسافر على طريق ديمونا - إيلات.
تسيطر غرفة مراقبة المفاعل على جميع فعاليات الطوابق الخمسة الواقعة تحت الأرض. وقد تحولت هذه الغرفة مع مرور الوقت إلى غرفة الشخصيات المهمة جدًّا. وتلقب هذه الغرفة بـ"شرفة جولدا"؛ لأن جولدا مائير خصصت الكثير من وقت فراغها في مطلع السبعينيات للتجول داخل المفاعل للإشراف على عمله.
ورغم ما وصلت إليه التقنيات داخل المفاعل من تطور فإن كافة الدلائل العلمية تشير إلى أن التطور الكبير في التقنيات لا يمكن أن يمنع حدوث كوارث نووية، وخير دليل على ذلك وقوف التقدم التقني الأمريكي عاجزًا أمام كارثة "ثري مايل" النووية، والروسي أمام كارثة "تشرنوبل".. فهل تفلح إسرائيل في منع كارثة "ديمونا"؟!
02/10/2003
إياد القرا
]dl,kh>> hgl,j hgrh]l lk Ysvhzdg
المفضلات