القرءان الرائع
د/ جارى ميللر
ليس المسلمين هم فقط الذين يطلقون على القرآن الكريم بأنه رائع ومدهش ، وهم فقط الذين يقدرون هذا الكتاب ويجلونه ؛ فى الحقيقة فقد أطلق عليه غير المسلمين هذه الصفة ، وحتى من أناس يكرهون الإسلام كراهية كبيرة ، ما زالوا يطلقون عليه هذه الصفة .
مقدمة :
إحدى النقاط التى تحير غير المسلمين حينما ينظرون فى هذا الكتاب نظرة وثيقة ، أن القرآن يظهر لهم بغير ما كانوا يتوقعونه . كانوا يتوقعون كتابا قديما مر عليه أربعة عشر قرنا ، وخرج من الصحراء العربية ؛ وهذه كانت هى نظرتهم المسبقة لهذا الكتاب . ويفاجئون بأنه ليس كما توقعوا بالمرة . بالإضافة إلى ذلك ، فهم كانوا يتوقعون أن الكتاب سيتكلم عن الصحراء التى خرج منها . نعم قد تكلم القرآن الكريم عن الصحراء فى بعض سوره ، ولكنه أيضا تكلم عن البحار ، وماذا يحدث فيها من العواصف .
عن البحر :
منذ سنوات ، وصلتنا فى ترونتو قصة عن بحار تجارى يعيش فى البحر . أهداه أحد المسلمين نسخة مترجمة من القرآن ليقرأها . البحار لا يعلم شيئا فى التاريخ عن الإسلام ، ولكنه كان مهتما لقراءة القرآن . وعندما انتهى من قراءته ، أعاد النسخة للمسلم وسأله هل كان محمد ( عليه الصلاة والسلام ) بحارا ؟؟؟ كان متأثرا بشدة بما قرأه فى القرآن عن العواصف فى البحر ... وحينما أخبر بالنفى وبأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعيش فى الصحراء ، كان هذا كافيا له وأعلن إسلامه .
فقد عايش العواصف فى البحر ، ووجد الدقة فى وصفها فى القرآن الكريم ، وأيقن أن من يكتب هذا الوصف لا يمكن إلا أن يكون عاينه ، ولما كان الرسول لم يركب البحر ، فلا بد أن يكون هذا من عند الله سبحانه وتعالى . الآية رقم ( 24 من سورة النور ) :::
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ
هذه فقط إحدى النقاط التى تبين أن القرآن ليس مرتبطا بمكان معين دون مكان آخر . وبالتأكيد ، فالإشارات الكونية التى ذكرت فيه لايمكن أن تكون وليدة الصحراء من أربعة عشر قرن مضت .
أدق الأشياء :
قبل النبوة بعدة قرون، كانت هناك نظرية معروفة عند الإغريق ، وضعها الفيلسوف الإغريقى " دومقريتوس " .، هو ومن جاؤا بعده قالوا أن المادة تتكون من ذرات دقيقة لا تتحطم ، غير مرئية . وأيضا كان العرب يعرفون نفس المعنى ، وكلمة " ذرة " فى أدبهم ، ويعرفون أنها أصغر شئ ممكن . الآن وقد جاء العلم الحديث واكتشف أن هذه الذرة من الممكن تحطيمها إلى الجزيئات الأصغر التى تكونها ... هذه نظرية جديدة أكتشفت فقط فى القرن الماضى ، وقد ألمح لها القرآن الكريم فى سورة سبأ الآية رقم ( 3 ) :::
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {3}
مما لا شك فيه أن مثل هذا التقرير يعتبر غريبا على من سمعوه من أربعة عشر قرنا ، وهذا مما يدل على أن القرآن متجدد كل حين .
محمد ( عليه الصلاة والسلام ) والقرآن الكريم :
جدلا ... الفرضية التى يقول بها بعض غير المسلمين بإن القرآن نتاج بشرى ، فلو كان كذلك لانعكس ما يكون فى ذهن مؤلفه عليه . فى الحقيقة فبعض الموسوعات وبعض الكتب تذكر أن القرآن الكريم نتاج هلوسة كانت تمر بالنبى ( عليه الصلاة والسلام ) . لو كانت هذه الفرضية صحيحة بأن هناك مشاكل نفسية كان الرسول يمر بها ، لظهر ذلك جليا فى نص القرآن الكريم ذاته . هل يوجد فى القرآن الكريم ما يدعم هذه النظرية ؟؟؟ للإجابة على هذا السؤال إيجابا أو سلبا ، فلينظر المرء إلى ما هى هذه الأشياء التى كان يعايشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لها انعكاسا فى نصوص القرآن ؟؟؟
من المعروف أن حياته عليه السلام كانت حياة صعبة . كل أولاده وبناته قبضوا فى حياته ماعدا السيدة فاطمة ، وقد كانت له زوجة لعدة سنين " السيدة خديجة . رضى الله عنها " لها مكانة كبيرة فى قلبه وحياته ، ولم تمت فقط فى حياته بل ماتت فى أصعب ظروف حياته . فى الواقع فقد كانت زوجة عظيمة لأنه فى بداية الوحى لجأ إليها خائفا يرتعد فواسته وثبتته وأيدته . وأنت لاتجد .. حتى فى أيامنا هذه ... أحدا من العرب حينما يكون خائفا أن يذهب لزوجته ليعلنها بهذا الخوف، ولكن لا يتم هذا الإخبار إلا إذا كانت هناك رابطة قوية جدا بينه وبين زوجته حتى يرفع تلك الكلفة بينهما ، وهذا يوضح لك مدى قوتها وثقة الرسول عليه السلام فيها ، وبالرغم من أن هذه بعض الأمثلة فقط التى تنبئ بما كان يدور فى ذهن الرسول ولكنها كافية لتوضح وجهة نظرى .
القرآن الكريم لم ترد فيه مثل هذه الأشياء ، لا موت بنيه ، لا موت زوجته ، لا انفعالاته فى بداية نزول الوحى عليه وتصرف زوجته معه ... لا شئ من هذا ... بالرغم من أن هذه الأمور قد آلمته وشغلته وأخذت جزءا كبيرا من انفعالاته ، ولو كان القرآن الكريم من نتاجه الشخصى لظهرت انفعلاته النفسية وأمثالها فى نصوصه .
الإشارات العلمية فى القرآن الكريم :
فى الحقيقة فإن القرآن الكريم يختلف عن الكتب السماوية بل عن كل الكتب الدينية الأخرى فهو ملئ بالإشارات الكونية . وهذا من متطلبات العلماء . فى أيامنا هذه يتبنى الكثير من الناس نظريات عن نشأة الكون وكيف يعمل . هؤلاء موجودون فى كل مكان ، ولكن المجتمع العلمى لا يأبه لأقوالهم أو يستمع إليهم ، لأنه فى القرن الماضى اعتمد المجتمع العلمى نظرية " أختبار عدم الزيف Test of Falsification " .. ( الترجمة مع التصرف لأنه لا يجوز نسبة الزيف حينما نتكلم عن القرآن ) يقرر هذا الإختبار أن من يأتى بنظرية فلكى تستحق النظر فيها لابد أن يأتى بالإختبارات اللازمة ليدلل على صحتها من عدمه .
مثل هذا الإختبار كان السبب فى أن المجتمع العلمى استمع لـ " أينشتين Einestien " فى بداية القرن الماضى ، ذكر نظرية جديدة عن الكون وقال أعتقد أن الكون حدث هكذا ، ولكى تتحققوا من قولى فهناك ثلاث طرق لإثبات ذلك وصدق ما أقول ، وبناء عليه طبق المجتمع العلمى هذه الإختبارات على ادعائه وخلال ست سنوات صدقت نظريته وتحققت الثلاثة أختبارات . وبهذه الطريقة اكتسب ثقة المجتمع العلمى وجعله يستمع إليه ويصدقه ويثبت صحة نظريته .
هذا بالضبط " اختبار عدم الزيف " الذى جاء به القرآن الكريم ، بعضها قديم وثبتت صحته ، وبعضها ما زال قائما إلى الآن . " إذا كنت تتدعى أن هذا الكتاب غير صحيح فافعل كذا أو كذا أو كذا لتثبت ذلك ... وفى مدة أربعة عشرة قرنا لم يستطع أحد أن يفعل كذا أو كذا أو كذا مما يدل على صحته وأنه الحق موحى به من عند الله " .
إختبار عدم الزيف :
أقترح عليك ، أنك إذا دخلت فى نقاش مع أحد عن الأديان أن تسأله هذا السؤال " هل هناك فى دينك اختبار للزيف " أى اختبار " بحيث إذا أثبت أنا هذا الزيف تكون عقيدتك غير صحيحة وإذا لم أثبتها تكون عقيدتك صحيحة ؟؟؟ وأنا أؤكد من الآن أنك لن تجد مثل هذه الإختبارات عند أى ديانة أخرى ، لا شئ بالمرة !!! لا اختبار .. لا دليل .. لا شئ !!! وذلك لأنهم لا يحملون فكرة أن ما يقدمونه من أفكار واعتقادات ، يجب أن يكون مصحوبا بما يتيح للآخرين فرصة إثبات أنه ليس خطأ ... ولكن الإسلام يفعل ذلك .
وكمثال واضح كيف أن الإسلام يترك للإنسان الفرصة لأن يبحث عن صحة ما جاء به ... وفى الواقع لقد أذهلتنى هذه الآية الكريمة رقم ( 82 ) من سورة النساء حينما قرأتها لأول مرة !!!
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً
هذا تحد صريح لغير المسلمين . فى الأساس هى تدعوهم لأن يجدوا خطأ واحدا فى التنزيل ، هذه الطريقة فى التحدى ... فى حد ذاتها ... ليست من طبيعة البشر . لا تجد ... كمثال لتتصور طبيعة التحدى ... أحدا يدخل اختبار ويجيب على الأسئلة ثم يكتب فى آخر الإمتحان للممتحن ، أنا أتحداك أن تجد خطأ واحدا فى إجابتى ، لا يفعل أحد ذلك ، لأن هذا التحدى سيدفع الممتحن إلى أن يقضى ليلته فى البحث عن خطأ حتى يجده . ولكن هذه هى الطريقة التى يتحدى الإسلام بها المعاندين .
أسألوا أهل الذكر :
ومن سمات القرآن الكريم الهامة والتى تتكرر فيه أنه يوجه النصح للقارئ . يزود القرآن قارئه بالحقائق المختلفة ويوجه له هذه النصيحة : " إذا أردت أن تعرف أكثر عن هذه النقطة أو تلك أو إذا كنت فى شك فيما يقال لك ، فاسأل أهل الذكر " . هذه أيضا سمة مدهشة فيه . ليس من المألوف أن يأتيك كتاب من أحد غير متمرس فى الجغرافيا ، النبات ، علم الأحياء ..... الخ ، ويناقش هذه المواضيع ثم يقول لك " إذا كنت فى شك من أى شئ فاسأل أهل الذكر " . وبناء على ذلك ففى كل العصور اتبع المسلمون هذه النصيحة القرآنية وخرجوا باكتشافات مدهشة . إذا نظر الإنسان لأعمال علماء المسلمين لعدة قرون مضت ، سيجدهم اتبعوا هذا المنهج فى البحث وأخذوا من العلوم السابقة ولم ينغلقوا على أنفسهم . هذا المنهج يحثهم على البحث فى هذا المكان أو هذا المكان ليجدوا شيئا ، مستدلين بذلك على توجيهات القرآن الكريم .
وكمثال ... وليس حصرا ... فإن القرآن تكلم عن أصل الإنسان ، وطلب من قارئه أن يسير فى الأرض ليبحث عن ذلك ، " قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق " . يعطى الإنسان لمحة ويطلب منه البحث بنفسه ، وإليك المثل التالى .
علم الأجنة :
من عدة سنين قامت مجموعة من الرجال فى الرياض بالمملكة السعودية العربية بجمع آيات من القرآن الكريم عن خلق الأجنة فى الأرحام ونموها . وقالوا " هذا ما ذكره القرآن ، هل هو الحقيقة ؟ " ... فى الجوهر فقد أخذوا بالنصيحة التى وجههم لها القرآن الكريم " واسألوا أهل الذكر " . واختاروا كما حدث عالم غير مسلم يعمل فى السلك الأكاديمى بجامعة ترونتو . واسمه " كيث موور Keith Moore " وهو مؤلف كتب فى علم الأجنة - وله شهرة عالمية فى الموضوع . دعوه للرياض وقدموا له النصوص وما يقول القرآن سائلين " هل هذا صحيح ؟ " " ماذا يمكن لك أن تقول لنا ؟ " .
وفى الرياض قدموا له كل مايساعده على الترجمة وكل م####ده ، وقد كان فى غاية الدهشة لما وجد حتى أنه عدل فى كتبه . وفى أحد كتبه المسمى " قبل أن نولد Before We Born " فى الجزء الخاص بتاريخ علم الأجنة أضاف فى طبعة جديدة بعض المواد التى لم ترد فى الطبعات السابقة تفيد أن القرآن ذكر هذه التفاصيل من 14 قرن وأن المسلمين كانوا يعلمون ما لم يعلمه الآخرون .
وقد كان لى شرف اللقاء مع الدكتور كنيث موور فى حلقة تلفزيونية وتكلمنا كثيرا فى هذا الموضوع - وقد كانت هناك شرائح مصورة وما إلى ذلك . وقد ذكر أن بعض ما ذكره القرآن الكريم " لم يكن معروفا منذ حوالى 30 عاما " ( يراعى أن هذه مقالة قديمة ) . وذكر شيئا بالتحديد أن ماذكره القرآن الكريم عن العلقة فى أحد مراحل تكوين الإنسان ( سورة الحج آية رقم " 5 " ... المؤمنون آية رقم " 14 " ... غافر آية رقم " 67 " ) كانت جديدة بالنسبة له ، وعندما بحثها وجدها صحيحة وقد أضاف ذلك فى كتابه . وقال " أنا لم أفكر فى ذلك من قبل " وذهب إلى قسم الحيوان ليحضر صورة للعلقة . وحينما وجدها تشبه الجنين الإنسانى قرر وضعها فى أحد كتبه .
وبالرغم من أن المثال السابق هو لرجل غير مسلم يبحث فى القرآن ، فهو صحيح لأنه متخصص فى علمه ، ولو قال بذلك رجل عادى عما ذكره القرآن فى علم الأجنة فلا يؤخذ بقوله . على كل حال ، فبالنسبة لمكانة العالم والإحترام لمكانته فحينما يصل من بحثه إلى مفهوم معين فمن الطبيعى أن يكون صحيحا .
الشكوك التى أثيرت :
وضع د. موور كتابا عن علم الأجنة التحليلى ، وحينما نشره فى ترونتو أثار ضجة كبيرة ، وصدرت بعض الصحف فى كندا على صفحاتها الأولى العنوان الآتى " عجائب وجدت فى كتاب عبادة قديم " ويتضح من هذا أن الناس لم تفهم جيدا ما هو الموضوع !!! وسأل أحد محررى الصحف د. موور " ألا تعتقد أن العرب كانوا يعرفون هذه الأشياء ... أوصاف ما يحدث للجنين والتغيرات التى تلم به وتطوراته ؟ ربما لم يكونوا علماء ولكنهم قاموا ببعض التشريحات البدائية بمعرفتهم - نقبوا فى بعض الأرحام ووصلوا إلى ما وصلوا إليه ؟؟؟ " أجابه د. موور على الفور " ولكنك نسيت شيئا هاما !!! - كل الشرائح التى عرضتها للأجنة وظهرت فى الأفلام أخذت من صور ميكروسكوبية دقيقة جدا لاترى إلا بالمجهر ، فكيف يكون من الممكن أن يكتشف علم الأجنة فى ذلك الوقت ؟؟؟ " .
كل الأوصاف التى ذكرت عن مراحل الجنين فى القرآن الكريم هى لأشياء فى منتهى الصغر لا ترى بالعين المجردة ، وتحتاج لميكروسكوب، وبما أن الميكروسكوب أخترع فقط من مائتى عام مضت " ربما أنه من أربعة عشر قرنا كان أحدهم يمتلك سريا هذا الميكرسكوب وقام بهذه الأبحاث ولم يخطئ ، ثم علم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأقنعه بكتابة ذلك فى القرآن ثم حطم هذا الميكروسكوب ليحتفظ بهذا السر للأبد ... هل تعتقد ذلك ؟؟؟ بالطبع لا ، إلا إذا أتيت ببرهان يعزز كلامك وهذه النظرية المضحكة !!! وحينما سأل د. موور وكيف تفسر هذه المعلومات ؟؟؟ قال " لا يمكن إلا أن يكون هذا الكتاب موحى به من عند الله " .
علم طبقات الأرض :
أحد زملاء د. ميللر فى جامعة تورنتو " مارشال جونسون Marshall Johnson " يتعامل بكثرة مع علم طبقات الأرض فى الجامعة أصبح مهتما بالقرآن الكريم وبإشاراته الكونية ... بعد أن استمع لـ د. ميللر ودقة ما ورد فى القرآن عن الأجنة ... طلب من المسلمين أن يجمعوا له الآيات التى تشير إلى تخصصه . مرة ثانية إندهش الناس للمخرجات . وبما أنه هناك الكثير والكثير الذى ذكر فى القرآن فإن ذلك يحتاج لوقت لتحقيق كل موضوع . وما ذكر كان كافيا لموضوعنا هذا لغرض إثبات أن بالقرآن إشارات علمية واضحة ودقيقة وفى نفس الوقت يوجه القرآن قارئيه بأن يسألوا أهل الذكر والعلم ليتحققوا من أصالته وذلك كما حدث فى موضوعى علم الجنة وطبقات الأرض .
مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ :
ومما لا شك فيه فهناك سمة فى القرآن الكريم لا توجد فى كتاب آخر ، فمن المهم أن نلاحظ حينما يذكر القرآن معلومات معينة فيقول للقارئ " ما كنت تعلمها من قبل " . لا يوجد مخطوط يقول هذا القول . فكلها حينما تذكر موضوعا تاريخيا قديما تحدد من أين جاءت بهذه المعلومات .
وكمثال ، حينما يناقش الكتاب المقدس موضوعا تاريخيا قديما ، يقول هذا الملك عاش هنا ، وهذا قد حارب هذه المعركة ، وهذا الآخر كان له من الأبناء كذا وكذا .... الخ . وإذا أردت مزيدا من المعلومات فعليك بقراءة كتاب كذا وكذا لأنك ستجد التفاصيل فيها . وبالعكس من هذا المفهوم تجد القرآن الكريم ، القرآن يزودك بالمعلومة ويذكر لك أنها جديدة عليك . من الطبيعى أنك ستجد النصح أين تتحقق منها وتتأكد من صحتها . والغريب أن مثل هذه المعلومات لم تكن فى أى وقت معرضة للتحدى من قبل غير المسلمين وذلك لمدة أربعة عشرة قرنا . والعجيب أن أهل مكة من المشركين الذين كانوا فى عداء مستحكم مع الإسلام لم ينقضوا هذه المعلومات ويقولوا هذه ليست بجديدة نحن نعلم من أين أتى بها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لقد تعلمنا هذا بالمدرسة !!! لم يستطيعوا التحدى مطلقا لأن هذه المعلومات فعلا كانت جديدة لهم .
وتحقيقا لنصائح القرآن الكريم للبحث عما ورد فيه ( حتى لو كان جديدا ) فقد أرسل الخليفة عمر بن الخطاب مجموعة من الرجال للبحث عن الجدار الذى شيده ذو القرنين قبل نزول الوحى بالقرآن ، وقد كان العرب لم يسمعوا شيئا عن هذا الجدار من قبل ، ولكن بما أن القرآن قد وصفه فقد تمكنوا من العثور عليه ، وهو الآن موجود فيما يسمى " دربيند Durbend " فى الإتحاد السوفيتى . ( مداخلة : هذه أول مرة أسمع فيها هذه القصة ) .
الدليل على الأصالة :
لابد من التأكيد هنا على أن القرآن يحتوى على أشياء كثيرة كثيرة جدا من الدقة بمكان ، ولكن ليس كل كتاب دقيق يعنى أنه موحى به من عند الله . الدقة هى أحد المعايير بأن الكتاب من الوحى . فمثلا كتاب دليل التليفونات دقيق ولكنه ليس وحيا . المشكلة الحقيقية هى أن تبحث عن برهان مقنع عن مصدر القرآن الكريم، ولا يمكن لأحد أن ينكر ببساطة أصالته دون دليل ، إذا أمكن لأحد أن يجد خطأ فيه ( ولن يستطيع ) فله حينئذ أن ينكر تلك الأصالة ، وهذا ما يشجع عليه القرآن قارئه .
بعد إحدى محاضراتى فى جنوب إفريقيا جاءنى رجل غاضب لما ذكرته فى المحاضرة قائلا لى " أنا سأسهر الليل اليوم وآتيك بما يدحض ما جاء بالقرآن " قلت له على الفور " أهنئك " . ما ذكرته أنت هو الإجراء الصحيح . وبهذه الطريقة أنصح أن تقابلوا بها المعاندين ، فهذا نفسه ما دعى إليه القرآن الكريم " اذهب وأبحث " ، وبعد أن تقبل التحدى ويثبت لك صحة أن القرآن وحى من الله سبحانه وتعالى ستعود من الخاضعين لعظمته والمقبلين عليه . " مداخلة : وهذا بالضبط ما حدث لكثير من القساوسة الذين درسوا القرآن الكريم ليهاجموه فأسلموا " .
واحدى القواعد الأساسية التى لا تكرر وتتعلق بأصالة القرآن ، أن عدم قدرة أحد على فهم إحدى الظواهر لا يعنى قبوله لشرح أحد غيره لها . وبالتحديد فإن لم يستطع شخص أن يفسر ظاهرة ما فليس معنى هذا أن يقبل تفسير الآخرين . وبالتالى فرفضه هذا لتفسير الآخر يعيد المسئولية على عاتقه هو للبحث عن تفسير يقنعه . هذه النظرية العامة تنطبق على مفاهيم كثيرة فى حياتنا ، كما تنطبق بشكل رائع على تحديات القرآن الكريم فهى تشكل صعوبة كبرى على من يقول " لا أعتقد هذا " . فبمجرد رفضه للآخرين عادت المسئولية عليه ليجد التفسير الصحيح بنفسه .
فى الحقيقة هناك آية فى القرآن أرى أنه أسئ ترجمتها باللغة الإنجليزية ، يذكر فيها الله سبحانه وتعالى أولئكم الذين يستمعون الحق يبين لهم ، وتنص على أنه نسى الواجب
عليه حينما يسمع ما يقال له للتأكد من صدقه . ( مداخلة : أعتقد أنه يشير إلى هذه الآية من سورة الكهف " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً {57} " ) فيكون الإنسان مذنبا حينما يسمع الحق ولا يعيره التفاتا ليثبت لنفسه أنه الحق . فعلى المرء أن يبحث فيما يقال له من معلومات فيغربلها ليلقى بما يتبين له أنه غير سليم ويستفيد بما هو سليم إما فى التو أو فيما بعد .
لا يصح أن تبقى الأفكار تضطرب فى ذهن المرء . لابد لها أن توضع فى الموقع الصحيح . وكمثل على هذا ، فالأمور التى تضطرب فى الذهن لابد من التمايز بينها لمعرفة هل هى أقرب للحق أم للباطل ، ولكن إذا عرضت أمامه كل الحقائق فعليه أن يقرر بحزم أين يقف هو ؟؟؟ وحتى إذا لم يكن إيجابيا حول أصالة الموضوع ، فمن المفروض عليه أن يستمر فى بحثه ويعترف أنه مازال غير متأكد من المعلومات . وبالرغم من أن هذه النقطة الأخيرة قد تظهر بأنها تافهة ، فى الواقع ، إلا أنه من المفيد الوصول إلى خاتمة إيجابية فيما بعد ، بمعنى أن ذلك يحث المرء على الأقل ... معرفة حاله ، البحث المتواصل أو مراجعة الحقائق .
هذا التفاعل مع المعلومات تعطى له " دافعا " حينما تظهر اكتشافات مستقبلية أو معلومات إضافية . الشئ المهم أن يتعامل المرء مع الحقائق ولا يهملها أو يتغاضى عنها .
استنزاف البدائل :
المصداقية الكاملة لأصالة القرأن الكريم تأتى من الثقة المتناهية فى كثير من نصوصه التى تنهج منهجا مختلفا أُطلق عليه " استنزاف البدائل ". فى جوهر هذا الإتجاه يقول القرآن " هذا الكتاب تنزيل من رب العالمين ؛ إذا أنت لم تعتقد ذلك فماذا يكون إذا ؟؟؟ وبكلمات أخرى ، القرآن يتحدى القارئ بأن يأتى بتفسير آخر . هذا كتاب من ورق ومداد ( مداخلة : أفضل أن تكون الترجمة " هذا كتاب من حروف اللغة العربية " )، ما هو مصدره إذا ؟؟؟ القرآن يقرر أنه موحى به من الله سبحانه وتعالى ، فإذا كان غير ذلك فمن أى المصادر جيئ به ؟؟؟ الحقيقة الكبرى أنه حتى الآن لم تصدر إجابة يقبلها العقل . وهكذا استنزفت كل البدائل !!! وقد حصر غير المسلمين هذه البدائل فى اثنتين فقط أو مدرستين للفكر متعارضتين ، وتصر كل مدرسة على إحدى هذه البدائل أو الأخرى !!!
هناك مجموعة كبيرة من غير المسلمين بحثوا القرآن الكريم وخرجوا بالمقولة التى سبقهم بها المشركين فى مكة ، وقالوا لقد كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يعتقد أنه نبى " لقد كانت به جنة " ، فهم يعتقدون بجنونه بشكل ما . وفى المقابل يقول الآخرون " هناك شئ نجزم به ونعتقده " لقد كان كذابا " ... وهاتين المقولتين متعارضتين تمام التعارض .
وفى الحقيقة هناك مراجع كثيرة تذكر هاتين النظريتين . يبدؤا بقول أنه مجنون ثم ينتهوا بقول أنه كذاب !!! ولا يدركون بقليل من التفكير أن الإتهامين متناقضين ولا يمكن الجمع بينهما ؟؟؟ مثلا لو كان أحدهم مخدوع ويظن أنه نبى فإنه لايجلس متأخرا بالليل يخطط ، كيف أقول للناس فى اليوم التالى لأخدعهم ، فهو يتصور أنه سيوحى إليه وستأتيه الإجابة على أسئلتهم بالوحى .
الرد على الفريتين :
( مداخلة قبل البدء فى الموضوع : فرية أن به جنة ، داحضة من تلقاء نفسها ولا يقول بها عاقل قرأ القرآن أو ترجمة له ، هذا البناء الضخم المترامى الأطراف والذى يبحث فى كل شئ ويقنن كل كبيرة وصغيرة تنفع البشرية ، وهو " أى القرآن الكريم " فى حد ذاته رد على هذه الفرية التى لا تستقيم ولا يقول بها إلا من لم يعمل عقله ... أما الفرية الثانية فسيأتى دحضها فيما بعد ) .
فى الواقع أن جزءا كبيرا من القرآن يأتى إجابة على أسئلة تثار . يسأل أحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتى الوحى بالإجابة على السؤال . ولو كان من يدعى رسالة ما ، يظن أنه نبى ... لأن به جنون ... فإذا سأله أحد سؤالا ، فهو يظن أن الملك يضع الإجابة فى أذنه . ولأنه مجنون فهو لاشك يظن ذلك . ولن يقول للسائل انتظر قليلا ثم يذهب لأصدقائه متحريا عندهم الجواب على السؤال . فهذا التصرف لا يأتى إلا من الذى لا يعتقد أنه نبى . والذى لا يقبل به غير المسلم أن هاتين الصفتين لا تحدثان فى نفس الشخص ، فإما أن يكون هذا وإما أن يكون ذاك ، لا يمكن أن يكون الإثنين فى وقت واحد . إما مخدوع وإما كذاب . لأنهما شخصيتين مختلفتين تمام الإختلاف .
وهذا السيناريو التالى يعطيك فكرة عن الدائرة المغلقة التى يدور فيها غير المسلم باستمرار !!! إذا سألت أحد المكذبين " ماهو مصدر القرآن الكريم ؟؟؟ " فسيقول لك مصدره من ذهن رجل به جنة . تعود فتسأله !!! " إذا كان مصدره مِن ذهن مَن به جنة فمن أى المصادر آتى بما فيه من معلومات ؟؟؟ ... قطعا لقد وردت معلومات كثيرة بالقرآن الكريم لم يكن يعرفها العرب فى ذلك الوقت ولم تكن مألوفة لديهم ... وبناء على مجابهته بهذه الحقائق فيغير فورا موقفه ويقول " حسنا ربما لم يكن به جنة ولكن أحدا زوده بهذه المعلومات فكذب وقال للناس أنه نبى ." . عند هذه النقطة تعود أنت فتسأله ، إذا كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كاذبا فمن أين جاء بكل هذه الثقة التى صاحبته ثلاثة وعشرين عاما ؟؟؟ كيف استطاع أن يكون تصرفه طوال هذه المدة على أنه رسول يوحى إليه ؟؟؟ " ... وبذلك تم لك أن تحشره فى زاوية ، فيضطر ليعود ويقول ربما لم يكن كاذبا وقد كان به جنة !!! ناسيا أنه أجهض هذه الفرية توا !!! وهكذا يبدأ فى الدورة العقيمة ثانيا .
كما ذكر سابقا فهناك معلومات كثيرة فى القرآن لايمكن نسبتها إلا إلى الله عز وجل ولا يمكن نسبتها لأحد غيره سبحانه وتعالى . مثلا من الذى قال للرسول عن ذو القرنين ؟؟؟ وعن السد الذى يبعد شمالا مئات الأميال عن الجزيرة العربية . من الذى قال له عن تطورات الجنين فى الرحم ؟؟؟ وحينما يجمع الناس هذه الحقائق الجلية ، فإن رفضوا نسبتها إلى الذات العلية ففورا ينسبوها إلى رسول الله وأنه استقاها من آخرين وخدع الناس وقال أنه نبى يوحى إليه . على كل حال فهذه النظرية يسهل دحضها ببساطة بهذا السؤال " إذا كان الرسول كاذبا فمن أين جاء بكل هذه الثقة ؟؟؟ لماذا كان يقول لأناس فى وجوههم ما لا يستطيع الآخرون ذكره لهم ؟؟؟ هذه الثقة فى القول وفى العمل لا تأتى إلا إذا كان فعلا هو نبى يوحى إليه من الله سبحانه وتعالى .
( مداخلة : أتذكر وقد كنت أستمع إلى محاضرة يتكلم فيها المحاضر عن الإيمان بالله مستشهدا ببعض الآراء الفلسفية ، وبعد المحاضرة طلبت التعقيب عليها فقلت ، إن المتتبع لحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد أن يؤمن بالله ، فإيمانه وثقته التى لاتحد والنور الذى يشع من إيمانه هو ، بالله سبحانه وتعالى ، وأثر ذلك على كل تصرفاته لهى أكبر معين ننهل نحن منه ، فمن نوره نقتبس نور إيماننا ، فهو النور الذى لا ينضب ، وهو المثال العملى الذى يغنينا عن آراء الفلاسفة ، وذلك أدعى إلى الإيمان الثابت الذى لا يتزعزع " .
الوحى ... وأبو لهب :
سأختصر فى الترجمة فالقصة معروفة
وخلاصتها أن القرآن ذكر أن عم رسول الله هو وزوجته من أهل النار وقد عاشوا بعد هذا التقرير مدة طويلة وماتوا على الكفر والعياذ بالله ، فإن لم يكن ذلك وحى من الله فماذا يكون التفسير المقنع يا أغبياء ؟؟؟
الهجرة :
أيضا هذه القصة معروفة من هجرته عليه السلام وثقته فى نصر الله فى أحرج الأوقات حتى أنه نعس وهو فى الغار ، وما قاله لسيدنا أبو بكر رضى الله عنه " ما بالك فى
اثنين الله ثالثهما " .
مفارقة مع قس :
منذ سبعة أعوام مضت زارنى قسيس فى المنزل ، وفى الغرفة التى كنا نجلس فيها كانت هناك ترجمة للقرآن الكريم فوق الكتب ولكنها بحيث لا تظهر أنها للقرآن ، وبذلك لم يعرف القس ماهى . وأثناء المناقشة التى دارت بينى وبينه ، أشرت للقرآن الكريم وقلت له " أنا أثق بهذا الكتاب " ناظرا إلى القرآن ، ومن غير أن يعرف ماهية الكتاب الذى أشير إليه ، أجاب " إن لم يكن هذا الكتاب هو الكتاب المقدس ، فهو مكتوب من أحد البشر " وكاستجابة لهذه الملاحظة قلت له " دعنى أذكر لك شيئا مما فى هذا الكتاب " وأمضيت حوالى ثلاث أو أربع دقائق أسرد له بعض ما جاء فيه ، وبعد هذه الدقائق ، عاد وغير من لهجته قائلا " أنت محق ليس هذا قول بشر ، هذا من أقوال الشيطان ، الشيطان قد كتبه " . بالطبع هذا التعليق السريع بائس جدا لأسباب كثيرة ، فهو اعتذار رخيص جدا ، كما أنه هروب من مواجهة موقف محرج .
وتوجد فى الإنجيل قصة مشابهة تذكر ، أن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام أحيا ميتا كان قد قبر لمدة أربعة أيام ، وحينما وصل للقبر قال له انهض ، فقام الميت أمام اليهود وهم يشاهدون هذا الموقف ، فصرخ بعضهم ، الشيطان يساعده الشيطان يساعده ، وحينما تقال هذه القصة فى الكنائس يبكى النصارى ويقولون ياليتنا كنا هناك حينئذ ، ولم نكن كهؤلاء اليهود الأغبياء . هذا بالضبط ما يفعله هؤلاء الأغبياء الآن ، حينما ذكرت له فقط فى ثلاث دقائق حقائق عن القرآن الكريم ، فقال هذا من كلام الشيطان ، وذلك لأنه حشر فى زاوية ولم يجد إجابة مقنعة ، فلجأ إلى هذا الإعتذار الرخيص ليهرب من الموقف .
مصدر القرآن الكريم :
ومثل آخر تجده فى الموقف الضعيف الذى وقف فيه مشركى مكة فى اتهام الرسالة المحمدية . كانوا يقولون " الشيطان تنزل بالقرآن على محمد " ، وأمام كل تخرص يقولوا به يتنزل الجواب على رسول الله . ففى الآيتين رقمى 51 - 52 من سورة القلم تقرر بالتحديد :
وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {51} وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ {52}
وهذا إجابة على تلك التخرصات . وفى الواقع هناك فى القرآن كثير من مثل هذا الرد على من يقولون بأن الشياطين هى التى كانت تأتى للرسول عليه الصلاة والسلام بالرسالة . فمثلا أيضا فى الآيات التالية من سورة الشعراء تؤكد نفس المعنى :
وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ {210} وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ {211} إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ {212}
وفى مكان آخر فى سورة النحل :
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {98}
والآن !!! هل يعقل أن يكون الشيطان هو الذى كتب هذا ؟؟؟ يقول للإنسان " قبل أن تقرأ كتابى استعذ بالله منى واطلب أن يحميك الله منى ؟؟؟ هل يعقل هذا عاقل ؟؟؟ هؤلاء المعاندين يعرفون أنه حتى لو كان ... جدلا ... الشيطان يمكنه كتابة ذلك إلا أن قدرة الله العلى القدير تمنعه ، فما ينبغى له ذلك ولا يستطيع . وبالرغم من ذلك حينما يقرأون الكتاب المعجز
يصرون على قول ذلك الإفك .
والحمد والشكر لله سبحانه وتعالى فالمسلمون لا يقفون هذا الموقف المشين . بالرغم من أن الشيطان قد تكون له بعض القدرات ، ولكن قدرة الله هى الغالبة . ولا يكون المسلم مسلما إلا إذا آمن بذلك . غير المسلمين يقرون بأن الشيطان تحدث منه أخطاء بسهولة ، وبذلك فهو قد يناقض نفسه إذا كتب كتابا، وهذه الآية من سورة النساء تصف القرآن الكريم بأنه ليس به أخطاء :
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً {82}
الموسوعة الكاثوليكية الجديدة :
هذا هو عين الشئ ( It is this very sort of thing ) ... مجابهة الناس بالحقائق ... التى شدت انتباه غير المسلمين . فى الحقيقة هناك مرجع يتعلق بالموضوع فى " المسوعة الكاثوليكية الجديدة " فى مقال تحت موضوع القرآن ( الكريم ) تقول الكنيسة الكاثوليكية :
" طرحت عدة نظريات عبر القرون عن مصدر القرآن ... واليوم لا يقبل عاقل أيا من هذه النظريات !!! "
والآن هذه هى الكنيسة الكاثوليكية التى لها جذور فى الماضى لعدة قرون تنكر تلك المحاولات البائسة لتفسير مصدر القرآن .
لاشك أن القرآن يشكل معضلة للكنيسة الكاثوليكية . فالقرآن يقرر أنه وحى إلهى ولهذا درسوه . ويحرصون كل الحرص على أن يجدوا دليل على كذب ذلك ولكنهم لم يستطيعوا . لم يجدوا تفسيرا مقنعا يحقق غرضهم . على الأقل فهم أمناء فى بحثهم ولا يقبلون بالترجمات الغير مؤكدة التى وردت له . تقول الكنيسة أنه فى الأربعة عشرة قرنا الماضية لم يأت تفسير معقول لمصدره ( من غير المسلمين بالطبع ) . كما أنها تعترف أن القرآن ليس أدبا عاديا يمكن أن يهمل . وبالطبع هناك الآخرون الذين ليسوا فى هذا المستوى من الأمانة . يسرعون دون تثبت ويقولون " القرآن جاء من هنا ... القرآن جاء من هناك " دون أن يفكروا فيما يقولون .
من الطبيعى أن مثل هذا التقرير من الكنيسة الكاثوليكية يترك النصرانى العادى فى بعض الصعوبة . فقد يكون له تصورات شخصية عن مصدر القرآن ، ولكنه كعضو فرد فى الكنيسة لايجوز له أن يعتمد على أفكاره هو . لأن اعتماده لأفكاره هو يخرجه عن الطاعة والولاء المطلوبان للكنيسة . فعضويته بالكنيسة تتطلب منه قبول كل ما تقرره بدون أية تساؤلات وأن ينفذ ما تقول به الكنيسة يوميا كعمل روتينى . فحينما تقول الكنيسة " لا تسمعوا لهذا الذى يقال عن القرآن " إذا فما الذى يمكن أن يقال عن وجهة نظر الإسلام ؟؟؟ فإذا كان غير المسلمين يقرون بأن هناك شئ فى القرآن ... شئ يمكن الإعتراف به ... إذا لماذا مازال هناك أناس عنيدون ومعادون جدا لما يقول به المسلمون يوافق هذه النظرية ؟؟؟ هذا بالتأكيد شئ يقدم لمن له عقل يمكن أن يتأمل به هذه الحقيقة ويريد أن يستوعبها .
الهوس ( Myth Mania ) :
وبالإضافة إلى الإتهامات التى يرددها غير المسلمين، هناك اتهام يكمل مجموعة الإتهامات العقيمة الأخرى . فى الأساس يدعى هؤلاء القوم أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان و مهوسا يصدق نفسه . وهناك مرض معروف فى علم النفس اسمه " الهوس Myth Mania " ، وهو نوع آخر من الجنون ، يكذب فيه المرء ثم يصدق نفس، وبذلك أضل قومه . معنى هذا ببساطة أن المريض بهذا المرض يكذب ويكذب ثم يصدق نفسه . هذا ما يقول به غير المسلمين ، ومثل هذا المريض لا يأتى مطلقا بحقائق والقرآن كله حقائق . كل شئ فيه يمكن البحث فيه وتأسيسه على الصدق . فذكر الحقائق هى الفيصل بين المهووس وغير المهووس . وعندما يحاول الأطباء النفسيين علاج المهووس يواجهونه بالحقائق باستمرار إلى أن يشفى .
فمثلا إذا ادعى أحد أنه " ملك انجلترا " فالطبيب النفسانى يواجهه بأسئلة محددة " أنا أصدق أنك ملك انجلترا ... إذا فأين الملكة ؟؟؟ ... أين رئيس الوزراء؟؟؟ ... وأين حراسك ؟؟؟ ... الآن ! وحينما لا يجد المسكين جوابا لهذه الأسئلة يبدأ فى التماس الأعذار قائلا ... الملكة عند أمها ّّّ !!! رئيس الوزراء مات !!! وباستمرار المجابهة يشفى من مرضه " معلنا أنه ليس الملك . إذا فالحقيقة لا تتفق مطلقا مع المهووس .
القرآن الكريم يجابه قارئه بنفس الطريقة التى يطبقها الطبيب النفسانى ، وذلك مثلا فى الآية رقم ( 57 ) من سورة يونس :::
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
ربما يكون التفسير المباشر لهذه الآية غير واضح ، ولكن باعتماد المثل السابق تتضح الصورة . فى الجوهر القرآن الكريم علاج لما فى الصدور ، فهو يشفى الأوهام التى فى الصدور بقراءته وذلك بمواجهة هؤلاء المرضى بالحقائق . فقموقف عام يقول لك " يا أيها الناس أنتم تقولون كذا وكذا بالنسبة لهذا أو ذاك ، ولكن ماذا عن هذا ؟؟؟ كيف تقولون هذا بينما أنتم تعرفون ذلك؟؟؟ وهكذا حتى يشفى المريض . أسئلة تجبر الإنسان على فهم الأمور المتعلقة بالموضوع المثار وفى نفس الوقت تعمل على شفائه من الأوهام التى تدور فى خلده وذلك بمجابهته بالحقائق . وبذلك ينفُض ُ من داخله النظريات الباطلة والضعيفة عن الله سبحانه وتعالى والرسالة .
شهادة مفكر :
منذ زمن قريب درس القرآن الكريم أحد المفكرين الكبار بالكنيسة الكاثوليكية ... اسمه هانز Hans ... وأعطى رأيه فيما قرأ . هذه الرجل له مكانته فى الكنيسة وبعد فحص دقيق للقرآن أعطى تقريره عما وجد فيه قائلا " لقد تكلم الله للإنسان من خلال محمد " . مرة ثانية هذا تقرير من رجل غير مسلم ... من أكبر القادة المفكرين بالكنيسة .
لا أعتقد بأن " البابا " سيتفق مع مقولته !!! ولكن مثل هذا التقرير من رجل مشهور بالكنيسة يدعم ما يقول به المسلمون . لابد أن يشكر على أنه أ عطى للقرآن حقه فى أنه كتاب لايجب أن يهمل وأنه موحى به للبشرية .
من الحقائق السابقة يتضح أن كل المحاولات للهجوم على القرآن الكريم أصبحت داحضة ، ولا توجد أية اتهامات أخرى توجه إليه الآن .
عبء البرهان على الناقد :
إذا كان الكتاب ليس وحيا ، إذا فهو خداع ؛ وإذا كان خداعا ، " فما هو أصله ؟؟؟ وأين هو الخداع فيه ؟؟؟
" ... فى الحقيقة فالإجابة الصحيحة لهذه الأسئلة ينعكس ضوءها على أصالة القرآن الكريم ويسكت الإدعاءات الغير مؤكدةَ المرةَ للمتشككين.
وبالتأكيد إذا أصر المشككون على دعاويهم بأن القرآن خداع ، إذا فعليهم هم أن يأتوا بالدليل الذى يساند دعواهم . عبء البرهان يقع عليهم هم ، ليس علينا نحن ! لا يجوز لأحد أن يطلق نظرية دون أن يتبعها بحقائق تثبتها ؛ إذا فأنا أقول لهم " أعطونى مثلا واحدا للخداع فى القرآن الكريم ! أرونى أين أجد فيه هذا الخداع ؟؟؟ وإلا فلا يحق لكم مطلقا هذا التخرص المقيت " .
فيما بعد ، وعلى عجالة ألخص النقاط التى وردت لأنها معروفة وذكرت بالتفصيل كثيرا من آخرين :
1 - ذكر القرآن أن السموات والأرض كانت رتقا ففتقناهما . وقد ثبت ذلك .
2 - ذكر القرآن أن أنثى النحل هى التى تعطى الرحيق ، وهذا إكتشاف جديد للبشرية .
3 - كرر ذكر قصة أبو لهب وامرأته حمالة الحطب ، ولمدة عشرة أعوام لم ينطقوا بكلمة تنجيهم من النار ، ولا يقول بمصيرهم هذا إلا علام الغيوب .
4 - ذكر أن الشمس ذُكر بأنها تسبح فى الفضاء وهذه الحركة لها مدلولها الذى اكتشف حديثا .
5 - ذكر أن القرآن الكريم أشار إلى وجود الليل والنهار فى وقت واحد حينما تكلم عن قيام الساعة " ...
ليلا أو نهارا ... "
" مداخلة : بالطبع هناك الكثير والكثير من عجائب القرآن الذى لا تنتهى عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد ، وأقول لكم ... وغالبيتكم لمستم ما أقول ... أنك كلما أعطيت نفسك للقرآن بأن تتدبر آياته أعطاك القرآن من نفحاته وأظهر لك الجديد من المعانى التى لم يسبق لك ملاحظتها من قبل ، فهو" ..... الكلمة الطيبة التى أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون "
hgrvxhk hgvhzu ]L [hvn ldggv
المفضلات