تتوق أحلام العقلاء من الناس أن يتعايشوا في سلام وتفاهم مع المخالفين لهم في العقيدة والجنس والأفكار، وقد تتطور هذه الأحلام والآمال فتطلب احترامًا متبادلاً بين الأطراف المختلفة، أو تطلب عدلاً في التعامل؛ فلا ظلم ولا عدوان.وقد يحلم القليل بما هو أسمى وأرقى، وهو أن يصل التعامل -ولو في موقف من المواقف- إلى درجة الألفة والإحسان؛ فتتبادل الابتسامات -وأحيانًا الهدايا- ويسود جوٌّ من الهدوء والأمان.لكن أن يصبح الإحسان إلى المخالفين، والبرِّ بالمعارضين، قانونًا أصيلاً يُتَّبَعُ في غالب مظاهر الحياة، فهذا ما لا يخطر على بال أحد!!هذا هو الإسلام الذي لا يعرفه كثير من العالمين، بل قد لا يعرفه كثير من المسلمين..!!بره الرسول بغير المسلمينالبر بمن آذاه من غير المسلمينالبر بغير المسلمين منهج إلهي
ينبع جمال المنهج الإلهي في البر بغير المسلمين من كونه ليس قانونًا بشريًّا يصطلح الناس على إقراره أو إلغائه، ولكن من كونه قانونًا إلهيًّا سماويًّا، يتعبد المسلمون لربهم بتطبيقه..يقول تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].ألا ما أعظمه من إلهٍ! وما أرحمه من ربٍّ!إنه يوصي المؤمنين أن يَبَرُّوا طائفة من البشر رفضت دعوة الله ، وخالفت نبيه، واتبعت منهجًا مخالفًا لما أراده سبحانه!!والمسلمون يتقرَّبون إلى ربهم ببرِّ هؤلاء المخالفين لهم في العقيدة، ما داموا لم يحاربوهم أو يظلموهم!!والبرُّ درجة أعلى من القسط، بدليل أن الله أضاف القسط إليها فقال:{أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}.ولاحظ أن الله جاء بكلمة لا تُستخدم إلا في أعظم صور التعامل وأرقاها، فهي تستخدم في وصف صورة التعامل بين الأبناء وآبائهم وأمهاتهم، كما يقول رسول الله عندما سُئِل عن أي العمل أحب إلى الله فقال: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا». قال السائل: ثم أيُّ؟ قال: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»[2].و: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]..ومثال ذلك كثير في القرآن والسنَة، وكلها يشير إلى عظم قيمة «البر».فهذه هي الدرجة التي يريد الله منا أن نتعامل بها مع غير المسلمين في حالة عدم حربهم لنا..وإذا كان هذا القانون معجزًا في سُمُوِّه ورُقِيِّه، فقد كانت سيرة رسول الله معجزة أيضًا في تطبيق هذا القانون وممارسته.
[1] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/447.
[2] البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة على وقتها (504)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (85).
المصدر
hgfv fydv hglsgldk lki[ Ygid
المفضلات