بسم الله الرحمن الرحيم
أفضل تعريف مختصر للسلفية ، والذي يرد على كل الشبهات حول هذا المنهج - كشبهة أن السلفية ما هي إلا تقليد لابن عبد الوهاب وابن تيمية وغيرهم من الأئمة رحمهم الله جميعا - ، هو :
السلفية هي "اتباع الدليل" .
وأنقل جزءا من كتاب "الإسلام لعصرنا" (ص:7-12) يبين فيه المؤلف أن السلفية منهج علمي متين يجب أن يقبله جميع العقلاء حتى من غير المسلمين :
"الإسلام كما أنزله الله تعالى على محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن غير تحريف ولا تبديل هو الدين الذي رضيه سبحانه وتعالى للناس أجمعين في كل مكان وكل عصر منذ مبعث رسوله الأمين وإلى أن يقوم الناس لرب العالمين . فالإسلام لعصرنا كما كان للعصور قبلنا ، لكن إذا كانت نصوص الشرع لا تتغير ولا تتبدل ؛ فإن أحوال الناس تتغير وتتبدل ؛ فماذا يفعلون ؟
يقول المتذبذبون : دعوا النصوص كما هي ؛ لكن أعيدوا تفسيرها وأعطوها من المعاني ما يتناسب مع ثقافة عصركم كما أعطاها من سبقكم ما يتناسب مع ثقافة عصره ؛ فإن النصوص وحي إلهي لكن فهمها جهد بشري . النصوص مطلقة لكن فهمها نسبي .
يقول الثابتون على الحق : لكن نصوص القرآن نزلت بلغة عربية ذات معانٍ محددة يعقلها العارفون بهذه اللغة { إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }{يوسف:2} ثم جاءت السنة لتزيد المعاني اللغوية بياناً ، ثم إن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسروا هذه النصوص بحسب ما فهموا من لغة القرآن والسنة التي كانت لغتهم ، وبحسب ما سمعوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وبحسب ما شاهدوا من المناسبات التي نزلت بسببها الآيات ، والأحوال التي ذكرت فيها الأحاديث ، ثم جاءت الأجيال تلو الأجيال من أئمة المسلمين وعلمائهم لتَفْهم من نصوص الكتاب والسنة هذا الفهم نفسه كما تدل عليه مؤلفاتهم ؛ فالقول بأنهم فسروا النصوص بحسب ثقافة عصورهم إنما هو مجرد وهْم تبطله الحقائق التاريخية .
يقول المتذبذب : أتعني أنهم لم يختلفوا ؟
يقول الثابت : لم يختلفوا في المعاني الأساسية للنصوص إلا اختلافات يسيرة ، لكن اختلفوا فيما يمكن أن يستنتج من النص مثلاً ، أو في المسائل الاجتهادية التي لا نصوص فيها ، لكن المهم أن اختلافهم لم يكن بسبب اختلاف ثقافات عصورهم كما تدعي ، وإنما كانت اختلافات فردية حتى في داخل العصر الواحد ، وكانت اختلافات بين من التزموا بذلك المنهج الصحيح الذي بيّنتُه لك بإيجاز وبين الذين لم يلتزموا منهجاً علمياً ؛ وإنما أخذوا يفسرون النصوص بحسب أهوائهم ورغباتهم .
- أتعني أن لتفسير نصوص الكتاب والسنة منهجاً علمياً ؟
- بل أعني أن لتفسير النصوص كلها سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية مناهج علمية .
- كيف ؟
- أظنك تتكلم الإنجليزية .
- نعم .
- إذا قرأت قصيدة من قصائد شكسبير مثلاً ، فكيف تفهمها ؟
- أرجع إلى الكتب التي تولتْ شرحها ، وبينتْ ما قصده شكسبير منها .
- أتعني أنك لا تفهمها بحسب ثقافة عصرك أو ثقافة بلدك العربي ؟
- لا ؛ بل لأنني أريد أن أعرف ما قصده شكسبير من كلماته .
- أتعني أنك تعطي كلماته المعاني التي قصدها والتي كانت شائعة في عصره حتى لو كانت تلك المعاني مخالفة للمعاني السائدة الآن في اللغة الإنجليزية ؟
- لا شك في ذلك ؛ لأن قصدي أن أعرف ما قال شكسبير ، فإذا أعطيت كلماته المعاني السائدة الآن فإني أكون قد قوّلته ما لم يقل .
هل تفعل الشيء نفسه بالنسبة لنص من نصوص أرسطو مثلاً إذا كنت تحاول أن تكون مختصاً بفلسفته ؟ أعني : هل تحاول أن تدرس لغته التي كتب بها فلسفته ؟
- أجل ، وأحاول أن لا أخلط بينها وبين اللغة اليونانية الحديثة ؛ لأن قصدي أن أفهم ما قال أرسطو .
- هل تكتفي في فهم نصوصه إذن بدراستك للغة اليونانية التي كتب بها ، أم أن هنالك وسائل أخرى تعينك على فهم كلامه ؟
- نعم هنالك وسائل أخرى منها : أن أدرس كيف فهمه معاصروه ؛ لأنهم أدرى به ، ومنها : الاستعانة بالخبراء الذين سبقوني .
- ما أظنك إلا متبعاً منهجك هذا نفسه في دراستك لشاعر جاهلي كامرئ القيس .
- بلى ؛ فأنا لا أعرف لهذا المنهج بديلاً في دراسة النصوص البشرية .
- هذا المنهج الذي اتبعته في دراستك لما أسميته بالنصوص البشرية هو المنهج العلمي الذي نريد منك اتباعه في دراستك للنصوص الإسلامية . نريد أن يكون همك هو أن تفهم مراد الله ومراد رسوله بقدر المستطاع ، وأن تكون أميناً في ذلك ؛ لا
تُقوّل الله أو رسوله ما لم يقولا ، وأن تقرر معنى نصوصهما كما هي حتى لو رأيتها مخالفة لما هو سائد في عصرك .
- لكن هنالك فوارق مهمة أراك قد أغفلتها بين النصوص البشرية والنصوص الإلهية .
- ما هي ؟
- منها : أنني أستطيع أن أفهم مراد البشر ؛ لأنهم مخلوقون محدودون يخاطبونني بلغة محدودة ، أما الله تعالى فمطلق ؛ فلا يمكن أن تسع اللغة المحدودة معانيه المطلقة ؛ لذلك كان من حق كل إنسان أن يفسرها بلغته المحدودة حتى تتسع معانيها فتقترب من المطلق !!
- دعك يا أخي من الكلام الغامض عن تفسير المطلق والمحدود ؛ فإنها ألفاظ لا طائل تحتها ؛ واللهُ تعالى لم يسمّ نفسه ولا سماه رسوله بالمطلق ولا وصفه بذلك . إن خلاصة ما تريد أن تنتهي إليه هو أن البشر حين يتكلمون باللغة العربية يكون لكلامهم معنى محدد يمكن معرفته بطريقة علمية ، وأما إذا خاطَبَنَا اللهُ بهذه اللغة فإنه لا يكون لكلامه معنى يمكن معرفته بطريقة علمية ! ألا ترى أنك جعلت الله تعالى عاجزاً عما جعلت البشر قادرين عليه ؟ كيف يستطيع البشر حين يخاطبوننا باللغة العربية أن يوصلوا معانيهم التي قصدوها إلينا ولا يستطيع رب البشر أن يفعل ذلك ، وقد قال إنه إنما خاطبنا بهذه اللغة لنفهم عنه ما يقول ؟
- هذا بيان معقول ؛ لكنّ هنالك فارقاً آخر هو أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، فإذا أعطينا نصوصه المعاني ذاتها التي أعطاها إياها الصحابة مثلاً ، فإنا نكون قد حصرناها ؛ وبذلك حصرنا الإسلام في زمان معين ومكان معين !
- فما البديل إذن ؟
- البديل هو كما قلت لك : أن يفسر كل أهل عصرٍ تلك النصوص بما يتناسب مع ثقافة عصرهم .
- حتى لو كانت هذه التفاسير متضاربة متناقضة ؟
- نعم ؛ لأن فهم النصوص الإلهية هو كما قلت لك نسبي ؛ فما يفهمه أهل كل عصر صحيح بالنسبة لهم حتى لو كان غير صحيح بالنسبة لغيرهم .
- هل هذا هو ما فهمته من مقولة : إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ؟
- أجل ، وما أراك قادراً على الإتيان بفهمٍ غيره أو أحسن منه .
- إذا كانت صلاحية الكلام لكل زمان ومكان تعني أن تُغيّر معانيه لتناسب أهواء الناس في كل زمان ومكان ، فإن كل كلام حتى لو كان لأبلد الناس يمكن أن تكون له هذه الميزة .
- كيف ؟
- فما على صاحبه إلا أن يقول : هذا ما أراه اليوم وفي مكاني هذا ، لكنني أجيز لكل من يؤمن بمذهبي هذا وينتمي إليه أن يغير فيه ما شاء الله بحسب ما يعن له في زمانه ومكانه . فهل يعتقد إنسان يقدر الله حق قدره أن كلامه سبحانه يمكن أن يخضع لمثل هذا التفسير العابث ؟
- فما معنى كون الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان إذن ؟
- معناه أنه كما أنزله الله ومن غير تحريف ولا تبديل صالح لكل من يريد الهداية من الأفراد والجماعات في كل زمان ومكان . والسر في هذا أنه تنزيل من حكيم عليم ، علم ما هو صالح لعباده بما هم به بشر ، لا بما هم به أهل هذا العصر أو ذاك ، ولا بما هم به عرب أو عجم ، أو أصحاب زراعة أو صناعة ، أو في شرق الأرض أو غربها ، أو غير ذلك من الاختلافات التي لا تؤثر في بشريتهم ، فأنزل عليه كتاباً غير مقيد بشيء من هذا كله .
- إذن فما معنى عبارتك : (الإسلام لعصرنا) ؟
- معناها أنه إذا كانت نصوص الكتاب والسنة لا تتغير ولا تتبدل فإن أحوال الناس تتبدل وتتغير ، فيجدّ لهم من المشكلات اللغوية والفكرية ، والعلمية التجريبية ، ما يحتاجون معه إلى أن يُعانوا على فهم دينهم الفهم الصحيح ، وأن تزداد ثقتهم فيه وإيمانهم به ، وذلك يكون :
بتفسير حقائقه الثابتة بلغة جديدة يفهمونها ، إن كانوا عرباً ، أو بترجمتها إلى لغاتهم إن لم يكونوا عرباً ، وبتقويم ما يجدّ من أفكار ، والرد على ما يُثار من شبهات ، وبإيجاد الحلول الإسلامية لما يجدّ من مشكلات عملية ، وبالاستفادة من الكشوف العلمية الموافقة للنصوص الإسلامية في تثبيت الإيمان والدعوة إلى الإسلام ، إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تتأتى إلا بإمعان النظر في النصوص وتدبرها .
إن النصوص محدودة لكن ما يُستنتج منها غير محدود ، كيف لا والقرآن كتاب لا تنقضي عجائبه ؟!"
hgsgtdm lki[ ugld ljdk ,gdsj jrgd]h Huln H, v[udm >>
المفضلات