لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى اله وصحبه وسلم قال شيخنا وسيدنا الإمام العلامة القدوة الزاهد العابد الورع الكامل شيخ الإسلام مفتي الفرق ناصر السنة قامع البدعة سيد الفقهاء والحفاظ تقي الدين أبو العباس احمد بن شيخنا الإمام العلامة مفتي المسلمين شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن الإمام العلامة شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني جزاه الله عن نصر دينه ونصر سنة نبيه عليه السلام خيرا # الحمد لله الهادي النصير فنعم النصير ونعم الهاد الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ويبين له سبل الرشاد كما هدى الذين امنو لما اختلف فيه من الحق وجمع لهم الهدى والسداد والذي ينصر رسله والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد كما وعده في كتابه وهو الصادق الذي لايخلف الميعاد واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة تقيم وجه صاحبها للدين حنيفة وتبرئه من الإلحاد # واشهد ان محمدا عبده ورسوله أفضل المرسلين واكرم العباد ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره اهل الشرك والعناد ورفع له ذكره فلا يذكره الا ذكر معه كما في الاذان والتشهد والخطب والمجامع والاعياد # وكبت محاده واهلك مشاقه وكفاه المستهزئين به ذوي الاحقاد وبتر شانئه ولعن مؤذيه في الدنيا والاخرة وجعل هوانه بالمرصاد واختصه على اخوانه المرسلين بخصائص تفوق التعداد فله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ولواء الحمد الذي تحته كل حماد وعلى اله أفضل الصلوات واعلاها واكملها وانماها كما يحب سبحانه ان يصلى عليه وكما امر وكما ينبغي ان يصلى على سيد البشر والسلام على النبي ورحمة الله وبركاته أفضل تحية واحسنها واولاها وابركها واطيبها وازكاها صلاة وسلاما دائمين إلى يوم التناد باقيين بعد ذلك ابدا رزقا من الله ما له من نفاد # اما بعد فان الله تعالى هدانا بنبيه محمد واخرجنا به من الظلمات إلى النور واتانا ببركة رسالته ويمن سفارته خير الدنيا والاخرة وكان من ربه بالمنزلة العليا التي تقاصرت العقول والالسنة عن معرفتها ونعتها وصارت غايتها من ذلك بعد التناهي في العلم والبيان الرجوع إلى عيها وصمتها فاقتضاني لحادث حدث ادنى ماله من الحق علينا بله ما اوجب الله من تعزيزه ونصره بكل طريق وايثاره بالنفس والمال في كل موطن وحفظه وحمايته من كل موذ وان كان الله قد اغنى رسوله عن نصر الخلق ولكن ليبلوا بعضكم ببعض وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ليحق الجزاء على الاعمال كما سبق في أم الكتاب ان اذكر ما شرع من العقوبة لمن سب النبي من مسلم وكافر وتوابع ذلك ذكرا يتضمن الحكم والدليل ونقل ما حضرني في ذلك من الاقاويل وارداف القول بحظه من التعليل وبيان ما يجب ان يكون عليه التعويل فاما ما يقدره الله عليه من العقوبات فلا يكاد يأتي عليه التفصيل وانما المقصد هنا بيان الحكم الشرعي الذي يفتى به المفتي ويقضي به القاضي ويجب على كل واحد من الائمة والامة القيام بما امكن منه والله هو الهادي إلى سواء السبيل وقد رتبته على اربع مسائل # المسالة الاولى في ان الساب يقتل سواء كان مسلما او كافرا # المسالة الثانية انه يتعين قتله وان كان ذميا فلا يجوز المن عليه ولا مفاداته # المسالة الثالثة في حكمه اذا تاب # المسالة الرابعة في بيان السب وما ليس بسب والفرق بينه وبين الكفر المسألة الاولى # ان من سب النبي من مسلم او كافر فانه يجب قتله # هذا مذهب عامة اهل العلم قال ابن المنذر اجمع عوام اهل العلم على ان حد من سب النبي القتل وممن قاله مالك والليث واحمد واسحاق وهو مذهب الشافعي قال وحكي عن النعمان لا يقتل يعني الذمي ما هم عليه من الشرك اعظم وقد حكى أبو بكر الفارسي من اصحاب الشافعي إجماع المسلمين على ان حد من يسب النبي القتل كما ان حد من سب غيره الجلد وهذا الاجماع الذي حكاه هذا محمول على إجماع الصدر الاول من الصحابة والتابعين او انه اراد به اجماعهم على ان ساب النبي يجب قتله اذا كان مسلما وكذلك قيده القاضي عياض فقال اجمعت الامة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه وكذلك حكي عن غير واحد الاجماع على قتله وتكفيره وقال الإمام اسحاق بن راهويه أحد الائمة الاعلام اجمع المسلمون على ان من سب الله او سب رسوله او دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل او قتل نبيا من انبياء الله عز وجل انه كافر بذلك وان كان مقرا بكل ما انزل الله # وقال الخطابي لا اعلم احدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله وقال محمد بن سحنون اجمع العلماء على ان شاتم النبي المتنقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له وحكمه عند الامة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر # وتحرير القول فيها ان الساب ان كان مسلما فانه يكفر ويقتل بغير خلاف وهو مذهب الائمة الاربعة وغيرهم وقد تقدم ممن حكى الاجماع على ذلك من الائمة مثل اسحاق بن راهوية وغيره وان كان ذميا فانه يقتل ايضا في مذهب مالك واهل المدينة وسيأتي حكاية الفاظهم وهو مذهب احمد وفقهاء الحديث وقد نص احمد على ذلك في مواضع متعددة قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول # كل من شتم النبي او تنقصه مسلما كان او كافرا فعليه القتل وارى ان يقتل ولا يستتاب قال وسمعت أبا عبد الله يقول كل من نقض العهد واحدث في الإسلام حدثا مثل هذا رأيت عليه القتل ليس على هذا اعطوه العهده والذمة وكذلك قال أبو الصقر سألت أبا عبدالله عن رجل من اهل الذمة شتم النبي ماذا عليه قال إذا قامت عليه البينة يقتل من شتم النبي مسلما كان او كافرا رواهما الخلال # وقال في رواية عبد الله وابي طالب وقد سئل عمن شتم النبي قال يقتل قيل له فيه احاديث قال نعم احاديث منها حديث الاعمى الذي قتل المرأة قال سمعتها تشتم النبي وحديث حصين ان ابن عمر قال من شتم النبي قتل وعمر ابن عبد العزيز يقول يقتل وذلك انه من شتم النبي فهو مرتد عن الإسلام ولا يشتم مسلم النبي # زاد عبد الله سألت أبي عمن شتم النبي يستتاب قال قد وجب عليه القتل ولا يستتاب خالد بن الوليد قتل رجلا شتم النبي ولم يستتبه رواهما أبو بكر في الشافي وفي رواية أبي طالب سئل احمد عمن شتم النبي قال يقتل قد نقض العهد وقال حرب سألت احمد عن رجل من اهل الذمة شتم النبي قال يقتل اذا شتم النبي رواهما الخلال وقد نص على هذا في غير هذه الجوابات # فأقواله كلها نص في وجوب قتله وفي انه قد نقض العهد وليس عنه في هذا اختلاف # وكذلك ذكر عامة اصحابه متقدمهم ومتأخرهم لم يختلفوا في ذلك
الا ان القاضي في المجرد ذكر الاشياء التي يجب على اهل الذمة تركها وفيها ضرر على المسلمين وآحداهم في نفس او مال وهي الاعانة على قتال المسلمين وقتل المسلم او المسلمة وقطع الطريق عليهم وان يؤوي للمشركين جاسوسا وان يعين عليهم بدلالة مثل ان يكاتب المشركين باخبار المسلمين وان يزني بمسلمة او يصيبها باسم نكاح وان يفتن مسلما عن دينه قال فعليه الكف عن هذا شرط او لم يشرط فان خالف انتقض عهده وذكر نصوص احمد في بعضها مثل نصه في الزنى بالمسلمة وفي التجسس للمشركين وقتل المسلم وان كان عبدا كما ذكره الخرقي ثم ذكر نصه في قذف المسلم على
انه لاينتقض عهده بل يحد حد القذف قال فتخرج المسألة على روايتين ثم قال وفي معنى هذه الاشياء ذكر الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي فهذه أربعة اشياء الحكم فيها كالحكم في الثمانية التي قبلها ليس ذكرها شرطا في صحة العقد فان اتوا واحدة منها نقضوا الامان سواء كان مشروطا في العهد او لم يكن وكذلك قال في الخلاف بعد ان ذكر ان المنصوص انتقاض العهد بهذه الافعال والاقوال # قال وفيه رواية اخرى لاينتقض عهده الا بالامتناع من بذل الجزية وجرى احكامنا عليهم # ثم ذكر نصه على ان الذمي اذا قذف المسلم يضرب قال فلم يجعله ناقضا للعهد بقذف المسلم مع ما فيه من الضرر عليه بهتك عرضه وتبع القاضي جماعة من اصحابه ومن بعدهم مثل الشريف أبي جعفر وابن عقيل وابن الخطاب والحلواني فذكروا انه لاخلاف انهم اذا امتنعوا من اداء الجزية او التزام احكام الملة انتقض عهدهم وذكروا في جميع هذه الافعال والاقوال التي فيها ضرر على المسلمين واحادهم في نفس اومال او فيها غضاضة على المسلمين في دينهم مثل سب الرسول وما معه روايتين احداهما ينتقض العهد بذلك # والاخرى لا ينتقض عهده ويقام فيه حدود ذلك # مع انهم كلهم متفقون على ان المذهب انتقاض العهد بذلك ثم ان القاضي والاكثرين لم يعدوا قذف المسلم من الامور المضرة الناقضة مع ان الرواية المخرجة انما خرجت من نصه في القذف واما أبو الخطاب ومن تبعه فنقلوا حكم تلك الخصال إلى القذف كما نقلوا حكم القذف اليها حتى حكوا في انتقاض العهد بالقذف روايتين # ثم ان هؤلاء كلهم وسائر الاصحاب ذكروا مسألة سب النبي في موضع اخر وذكروا ان سابه يقتل وان كان ذميا وان عهده ينتقض وذكروا نصوص احمد من غير خلاف في المذهب الا ان الحلواني قال ويحتمل ان لايقتل من سب الله ورسوله اذا كان ذميا وسلك القاضي أبو الحسين في نواقض العهد طريقة ثانية توافق قولهم هذا فقال أما الثمانية التي فيها ضرر على المسلمين واحادهم في مال او في نفس فانها تنقض العهد في اصح الروايتين واما ما فيه ادخال غضاضة ونقص على الإسلام وهي ذكر الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي فانه ينقض العهد نص عليه ولم يخرج في هذا رواية اخرى كما ذكر اولئك في أحد الموضعين وهذا اقرب من تلك الطريقة وعلى الرواية التي تقول لا ينتقض العهد بذلك فانما ذلك اذا لم يكن مشروطا عليهم في العقد # فاما ان كان مشروطا ففيه وجهان # احدهما ينتقض قاله الخرقي قال أبو الحسن الآمدي وهو الصحيح في كل ما شرط عليهم تركه صحح قول الخرقي بانتقاض العهد اذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم # والثاني لا ينتقض قاله القاضي وغيره صرح أبو الحسين بذلك هنا كما ذكره الجماعة فيما اذا اظهروا دينهم وخالفوا هيئتهم من غير اضرار كا ظهار الاصوات بكتابهم والتشبه بالمسلمين مع ان هذه الاشياء كلها يجب عليهم تركها سواء شرطت في العقد او لم تشرط ومعنى اشتراطها في العقد اشتراط تركها بخصوصها # وهاتان الطريقتان ضعيفتان والذي عليه عامة المتقدمين من اصحابنا ومن تبعهم من المتأخرين اقرار نصوص احمد على حالها وهو قد نص في مسائل سب الله ورسوله على انتقاض العهد في غير موضع وعلى انه يقتل وكذلك فيمن جسس على المسلمين او زنى بمسلمة على انتقاض عهده وقتله في غير موضع وكذلك نقله الخرقي فيمن قتل مسلما وقطع الطريق اولى # وقد نص احمد على ان قذف المسلم وسحره لا يكون نقضا للعهد في غير موضع وهذا هو الواجب لان تخريج احدى المسألتين إلى الاخرى وجعل المسالتين على روايتين مع وجود الفرق بينهما نصا واستدلالا اومع وجود معنى يجوز ان يكون مستندا للفرق غير جائز وهذا كذلك وكذلك قد وافقنا على انتقاض العهد بسب النبي جماعة لم يوافقوا على الانتقاض ببعض هذه الامور
واما الشافعي فالمنصوص عنه نفسه ان عهده ينتقض بسب النبي وانه يقتل هكذا حكاه ابن المنذر والخطابي وغيرهما والمنصوص عنه في الام انه قال اذا اراد الإمام ان يكتب كتاب صلح على الجزية كتب وذكر الشروط إلى ان قال وعلى ان احدا منكم ان ذكر محمدا او كتاب الله او دينه بما لا ينبغي ان يذكره به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة امير المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما اعطي من الامان وحل لامير المؤمنين ماله ودمه كما تحل اموال اهل الحرب ودماؤهم وعلى ان احدا من رجالهم ان اصاب مسلمة بزنى او اسم نكاح او قطع الطريق على مسلم او فتن مسلما عن دينه او اعان المحاربين على المسلمين بقتال او دلالة على عورات المسلمين او ايواء لعيونهم فقد نقض عهده واحل دمه وماله وان نال مسلما بما دون هذا في ماله او عرضه لزمه فيه الحكم
ثم قال فهذه الشروط اللازمة ان رضي بها فان لم يرضها فلا عقد له ولا جزية # ثم قال وايهم قال او فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد واسلم لم يقتل اذا كان ذلك قولا وكذلك اذا كان فعلا لم يقتل الا ان يكون في دين المسلمين ان من فعله قتل حدا او قصاصا فيقتل بحد او قصاص لا نقض عهد # وان فعل مما وصفنا وشرط انه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ولكنه قال اتوب واعطى الجزية كما كنت اعطيها او على صلح اجدده عوقب ولم يقتل الا ان يكون فعل فعلا يوجب القصاص او الحد فاما ما دون هذا من الفعل او القول فكل قول فيعاقب عليه ولا يقتل
قال فان فعل اوقال ما وصفنا وشرط انه يحل دمه فظفر به فامتنع من ان يقول اسلم او اعطي الجزية قتل واخذ ماله فيئا # ونص في الام ايضا ان العهد لا ينتقض بقطع الطريق ولا بقتل المسلم ولا بالزنى بالمسلمة ولا بالتجسس بل يحد فيما فيه الحد ويعاقب عقوبة منكلة فيما فيه العقوبة ولا يقتل الا بان يجب عليه القتل # قال ولايكون النقض للعهد الا بمنع الجزية او الحكم بعد الاقرار والامتناع بذلك قال ولو قال اودي الجزية ولا اقر بالحكم نبذ اليه ولم يقاتل على ذلك مكانه وقيل قد تقدم لك امان فامانك كان للجزية واقرارك بها وقد اجللناك في ان تخرج
من بلاد الإسلام ثم اذا خرج فبلغ مأمنه قتل ان قدر عليه # فعلى كلامه المأثور عنه يفرق بين ما فيه غضاضة على الإسلام وبين الضرر بالفعل او يقال يقتل الذمي لبسه وان لم ينتقض عهده كما سياتي ان شاء الله # واما اصحابه فذكروا فيما اذا ذكر الله او كتابه او رسوله بسوء وجهين # احدهما ينتقض عهده بذلك سواء شرط عليه تركه او لم يشرط بمنزلة ما لو قاتلوا المسلمين وامتنعوا من التزام الحكم كطريقة أبي الحسين من اصحابنا وهذه طريقة أبي اسحاق المرزوي ومنهم من خص سب رسول الله وحده بانه يوجب القتل # والثاني ان السب كالافعال التي على المسلمين فيها ضرر من قتل المسلم والزنى بالمسلمة والجس وما ذكر معه وذكروا في تلك الامور وجهين # احدهما انه ان لم يشرط عليهم تركها باعيانها لم ينتقض العهد بفعلها وان شرط عليهم تركها باعيانها ففي انتقاض العهد بفعلها وجهان # والثاني لم ينتقض العهد بفعلها مطلقا # ومنهم من حكى هذه الوجوه اقوالا وهي اقوال مشار اليها فيجوز ان تسمى اقوالا ووجوها هذه طريقة العراقيين وقد صرحوا بان المراد شرط تركها لا شرط انتقاض العهد بفعلها كما ذكره اصحابنا # واما الخراسانيون فقالوا المراد بالاشتراط هنا شرط انتقاض العهد بفعلها لا شرط تركها قالوا لان الترك موجب نفس العقد ولذلك ذكروا في تلك الخصال المضرة ثلاثة اوجه # احدها ينتقض العهد بفعلها # والثاني لاينتقض # والثالث ان شرط في العقد انتقاض العهد بفعلها انتقض والا فلا # ومنهم من قال ان شرط نقض وجها واحدا وان لم يشرط فوجهان وحسبوا ان مراد العراقيين بالاشتراط هذا فقالوا حكاية عنهم ان لم يجر شرط لم ينتقض العهد وان جرى فوجهان ويلزم من هذا ان يكون العراقيون قائلين بانه ان لم يجر شرط الانتقاض بهذه الاشياء لم ينتقض بها قولا واحدا وان صرح بشرط تركها وهذا غلط عليهم والذي نصروه في كتب الخلاف ان سب النبي ينقض العهد ويوجب القتل كما ذكرنا عن الشافعي نفسه # واما أبو حنيفة واصحابه فقالوا لا ينتقض العهد بالسب ولايقتل الذمي بذلك لكن يعزر على اظهار ذلك كما يعزر على اظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من اظهار اصواتهم بكتابهم ونحو ذلك وحكاه الطحاوي عن الثوري ومن اصولهم ان ما لاقتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل اذا تكرر فللإمام ان يقتل فاعله وكذلك له ان يزيد على الحد المقدر اذا رأى المصلحة في ذلك ويحملون ما جاء عن الرسول واصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم على انه رأي المصلحة في ذلك ويسمونه القتل سياسة وكان حاصله ان له ان يعزر بالقتل في الجرائم التي تغلظت بالتكرار وشرع القتل في جنسها
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
ولهذا افتى اكثرهم بقتل من أكثر من سب النبي من اهل الذمة وان اسلم بعد اخذه وقالوا يقتل سياسة وهذا متوجه على اصولهم # والدلالة على انتقاض عهد الذمي بسب الله او كتابه او دينه او رسوله ووجوب قتله وقتل المسلم اذا اتى ذلك الكتاب والسنة واجماع الصحابة والتابعين والاعتبار # اما الكتاب فيستنبط ذلك منه من مواضع # احدها قوله تعالى ^ قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ^ إلى قوله تعالى ^ من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطلوا الجزية عن يد وهم صاغرون ^ فامرنا بقتالهم إلى ان يعطوا الجزية وهم صاغرون فلا يجوز الامساك عن قتالهم الا اذا كانوا صاغرين حال اعطائهم الجزية ومعلوم ان اعطاء الجزية من حين بذلها والتزامها إلى حين تسليمها واقباضها فانهم اذا بذلوا الجزية شرعوا في الاعطاء ووجب الكف عنهم إلى ان يقبضوناها فيتم الاعطاء فمتى لم يلتزموها او التزموها اولا وامتنعوا من تسليمها ثانيا لم يكونوا معطين للجزية لان حقيقة الاعطاء لم توجد واذا كان الصغار حالا لهم في جميع المدة فمن المعلوم ان من اظهر سب نبينا في وجوهنا وشتم ربنا على رؤوس الملا منا وطعن في ديننا في مجامعنا فليس بصاغر لان الصاغر الذليل
الحقير وهذا فعل متعزز مراغم بل هذا غاية ما يكون من الاذلال لنا والاهانة # قال اهل اللغة الصغار الذل والضيم يقال صغر الرجل بالكسر يصغر بالفتح صغرا وصغرا والصاغر الراضي بالضيم # ولايخفى على المتأمل ان اظهار السب والشتم لدين الامة الذي به اكتسب شرف الدنيا والاخرة ليس فعل راض بالذل والهوان وهذا ظاهر لا خفاء به # واذا كان قتالهم واجبا علينا الا ان يكونوا صاغرين وليسوا بصاغرين كان القتال مأمورا به وكل من امرنا بقتاله من الكفار فانه يقتل اذا قدرنا عليه # وايضا فانا اذا كنا مامورين ان نقاتلهم إلى هذه الغاية لم يجز ان نعقد لهم عهد الذمة بدونها ولو عقد لهم كان عقدا فاسدا فيبقون على الاباحة # ولا يقال فيهم فهم يحسبون انهم معاهدون فتصير لهم شهبة امان وشهبة الإمام كحقيقة فان من تكلم بكلام يحسبه الكافر امانا كان في حقه امانا وإن لم يقصده المسلم لأنا نقول لا يخفى عليهم انا لم نرض بان يكونوا تحت ايدينا مع اظهار شتم ديننا وسب نبينا وهم يدرون انا لانعاهد ذميا على مثل هذه الحال فدعواهم انهم اعتقدوا انا عاهدناهم على مثل مع اشتراطنا عليهم ان يكونوا صاغرين تجري عليهم احكام الملة دعوى كاذبة فلا يلتفت اليها # وايضا فان الذين عاهدوهم أول مرة هم اصحاب رسول الله مثل عمر وقد علمنا انه يمتنع ان نعاهدهم عهدا خلاف ما امر الله به في كتابه # وايضا فانا سنذكر شروط عمر رضي الله عنه وانها تضمنت ان من اظهر الطعن في ديننا حل دمه وماله # الموضوع الثاني قوله تعالى ^ كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتهم عند المسجد الحرام ^ إلى قوله ^ وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ^ نفى سبحانه ان يكون لمشرك عهد ممن كان النبي قد عاهدهم الا قوما ذكرهم فانه جعل لهم عهدا ما داموا مستقمين لنا فعلم ان العهد لايبقى للمشرك الا ما دام مستقيما ومعلوم أن مجاهرتنا بالشتيمة والوقيعة في ربنا ونبينا وديننا وكتابنا يقدح في الاستقامة كما تقدح مجاهرتنا بالمحاربة في العهد بل ذلك اشد علينا ان كنا مؤمنين فانه يجب علينا ان نبذل دماءنا واموالنا حتى تكون كلمة الله هي العليا ولايجهر في ديارنا بشيء من اذى الله ورسوله فاذا لم يكونوا مستقمين لنا بالقدح في اهون الامرين كيف يكونون مستقيمين مع القدح في اعظمهما # يوضح ذلك قوله تعالى ^ كيف وان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا ولا ذمة ^ اي كيف يكون لهما ولو ظهروا عليكم لم يرقبوا الرحم التي بينكم ولا العهد الذي بينكم فعلم ان من كانت حاله انه اذا ظهر لم يرقب ما بيننا وبينه من العهد لم يكن له عهد من جاهرنا بالطعن في ديننا كان ذلك دليلا على انه لو ظهر لم يرقب العهد الذي بيننا وبينه فانه اذا كان مع وجود العهد والذلة يفعل هذا فكيف يكون مع العزة والقدرة وهذا بخلاف من لم يظهر لنا مثل هذا الكلام فانه يجوز ان يفي لنا بالعهد لو ظهر # وهذه الاية وان كانت في اهل الهدنة الذين يقيمون في دارهم فان معناها ثابت في اهل الذمة المقيمين في دارنا بطريق الاولى # الموضع الثالث قوله تعالى ^ ان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر ^ وهذه الاية تدل من وجوه
احدها ان مجرد نكث الايمان مقتض للمقاتلة وانما ذكر الطعن في الدين وافرده بالذكر تخصيصا له بالذكر وبيانا لانهم من اقوى الاسباب الموجبة للقتال ولهذا يغلظ على الطاعن في الدين من العقوبة ما لايغلظ على غيره من الناقضين كما سنذكره انشاء الله تعالى او يكون ذكره على سبيل التوضيح وبيان سبب القتال فان الطعن في الدين هو الذي يجب ان يكون داعيا إلى قتالهم لتكون كلمة الله هي العليا واما مجرد نكث اليمين فقد يقاتل لاجله شجاعة وحمية ورياء ويكون ذكر الطعن الدين لانه اوجب القتال في هذه الاية بقوله تعالى ^ فقاتلوا أئمة الكفر ^ وبقوله تعالى ^ ألا تقتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة ^ إلى قوله ^ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ^ الاية فيفيد ذلك ان من لم يصدر منه الا مجرد نكث اليمين جاز ان يؤمن ويعاهد واما من طعن في الدين فانه يتعين قتاله وهذه كانت سنة رسول الله فانه كان يندر دماء من اذى الله ورسوله وطعن في الدين وان امسك عن غيره واذا كان نقض العهد وحده موجبا للقتال وان تجرد عن الطعن علم ان الطعن في الدين اما سبب اخر او سبب مستلزم لنقض العهد فانه لابد ان يكون له تاثير في وجوب المقاتله والا كان ذكره ضائعا # فان قيل هذا يفيد ان من نكث عهده وطعن في الدين يجب قتاله
اما من طعن في الدين فقط فلم تتعرض الاية له بل مفهومها انه وحده لا يوجب هذا الحكم لان الحكم المعلق بصفتين لا يجب وجوده عند وجود احدهما # قلنا لاريب انه لابد ان يكون لكل صفة تأثير في الحكم والا فالوصف العديم التاثير لا يجوز تعليق الحكم به كمن قال من زنى واكل جلد ثم قد تكون كل صفة مستقلة بالتاثير لو انفردت كما يقال يقتل هذا لانه مرتد زان وقد يكون مجموع الجزاء مرتبا على المجموع ولكل وصف تاثير في البعض كما قال ^ والذين لايدعون مع الله اله اخر ^ الاية وقد تكون تلك الصفات متلازمة كل منها لو فرض تجرده لكان مؤثرا على سبيل الاستقلال او الاشتراك فيذكر ايضاحا وبيانا للموجب كما يقال كفروا بالله وبرسوله وعصى الله ورسوله وقد يكون بعضها مستلزما للبعض من غير عكس كما قال ^ ان الذين يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير حق ^ الاية وهذه الاية من اي الاقسام فرضت كان فيها دلالة لان اقصى ما يقال ان نقض العهد هو المبيح للقتال والطعن في الدين مؤكد له وموجب له فنقول اذا كان الطعن يغلظ قتال من ليس بيننا وبينه عهد ويوجبه فان يوجب القتال من بيننا وبينه ذمة وهو ملتزم للصغار اولى وسياتي تقرير ذلك # على ان المعاهد له ان يظهر في داره ما شاء من امر دينه الذي لا يؤذينا والذمي ليس له ان يظهر في دار الإسلام شيئا من دينه الباطل وان لم يؤذنا فحاله اشد واهل مكة الذين نزلت فيهم هذه الاية كانوا معاهدين لا أهل ذمة فلو فرض ان مجرد طعنهم ليس نقضا للعهد لم يكن الذمي كذلك # الوجه الثاني ان الذمي اذا سب الرسول او سب الله اوعاب الإسلام علانية فقد نكث يمينه وطعن في ديننا لأنه لاخلاف بين المسلمين وانه يعاقب على ذلك ويؤدب عليه فعلم انه لم يعاهد عليه لانا لو عاهدنه عليه ثم فعله لم تجز عقوبته عليه وإذا كنا قد عاهدناه على ان لا يطعن في ديننا ثم طعن في ديننا فقد نكث في يمينه ومن بعد عهده وطعن في ديننا فيجب قتله بنص الاية وهذه دلالة قوية حسنة لان المنازع يسلم لنا انه ممنوع من ذلك بالعهد الذي بيننا وبينه لكن يقول ليس كل ما منع منه نقض عهده كاظهار الخمر والخنزير ونحو ذلك فنقول قد وجد منه شيئان فعل ما منع منه العهد وطعن في الدين بخلاف اولئك فانه لم يوجد منهم الا فعل ما هم ممنوعون منه بالعهد فقط والقران يوجب قتل من نكث يمينه من بعد عهده وطعن في الدين ولا يمكن ان يقال لم ينكث لان النكث هو مخالفة العهد فمتى خالفوا شيئا مما صولحوا عليه فهو نكث ماخوذ من نكث الحبل وهو نقض قواه ونكث الحبل يحصل بنقض قوة واحدة كما يحصل بنقض جميع القوى ولكن قد يبقى من قواه ما يستمسك الحبل به وقد يهن بالكلية وهذه المخالفة من المعاهد قد تبطل العهد بالكلية حتى تجعله حربيا وقد شعث العهد حتى تبيح عقوبتهم كما ان نقض بعض الشروط في البيع والنكاح ونحوهما قد تبطل البيع بالكلية كما لو وصفه بانه فرس فظهر بعيرا وقد يبيح الفسخ كالاخلال بالرهن والضمين هذا عند من يفرق في المخالفة واما من قال ينتقض العهد بجميع المخالفات فالامر ظاهر على قوله وعلى التقديرين قد اقتضى العقد أن لا يظهروا شيئا من عيب ديننا وانهم متى اظهروا فقد نكثوا وطعنوا في الدين فيدخلون في عموم الاية لفظا ومعنى ومثل هذا العموم يبلغ درجة النص # الوجه الثالث انه سماهم ائمة الكفر لطعنهم في الدين وأوقع الظاهر موقع المضمر لأن قوله ^ أئمة الكفر ^ إما أن يعني به الذين نكثوا وطعنوا او بعضهم والثاني لايجوز لان الفعل الموجب للقتال صدر من جميعهم فلا يجوز تخصيص بعضهم بالجزاء اذا العلة يجب طردها الا لمانع ولا مانع ولانه علل ذلك ثانيا بأنهم لا ايمان لهم وذلك يشمل جميع الناكثين الطاعنين ولان النكث والطعن وصف مشتق مناسب لوجوب القتال وقد رتب عليه بحرف الفاء ترتيبب الجزاء على شرطه وذلك نص في ان ذلك الفعل هو الموجب للثاني فثبت انه عنى الجميع فيلزم ان الجميع ائمة كفر وإمام الكفر هو الداعي اليه المتبع فيه وانما صار إماما في الكفر لاجل الطعن فان مجرد النكث لا يوجب ذللك وهو مناسب لان الطاعن في الدين يعيبه ويذمه ويدعو إلى خلافه وهذا شأن الإمام فثبت ان كل طاعن في الدين فهو إمام في الكفر فاذا طعن الذمي في الدين فهو إمام في الكفر فيجب قتله لقوله تعالى ^ فقاتلوا أئمة الكفر ^ ولا يمين له لانه عاهدنا على ان لايظهر عيب الدين هنا وخالف واليمين هنا المراد بها العهود لا القسم بالله فيما ذكره المفسرون وهو كذلك فان النبي لم يقاسمهم بالله عام الحديبية وانما عاقدهم عقدا ونسخة الكتاب معروفة ليس فيها قسم وهذا لان اليمين يقال انما سميت بذلك لان المعاهدين يمد كل منهما يمينه إلى الاخر ثم غلبت حتى صار مجرد الكلام بالعهد يسمى يمينا ويقال سميت يمينا لان اليمين هي القوة والشدة كما قال الله تعالى ^ لاخذنا منه باليمين ^ فلما كان الحلف معقودا مشددا سمي يمينا فاسم اليمين جامع للعقد الذي بين العبد وبين ربه وان كان نذرا ومنه قول النبي النذر حلفه وقوله كفارة النذر كفارة اليمين وقول جماعة من الصحابة للذي نذر نذر اللجاج والغضب كفر يمينك وللعهد الذي بين المخلوقين ومنه قوله تعالى ^ ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ^ والنهي عن نقض العهود وان لم يكن فيها قسم و ^ ومن أوفى بما عاهد عليه الله ^ وانما لفظ العهد بايعناك على ان لانفر ليس فيه قسم وقد سماهم معاهدين لله و ^ واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ^ قالوا معناه يتعاهدون ويتعاقدون لان كل واحد من المعاهدين انما عاهده بامانة الله وكفالته وشهادته فثبت ان كل من طعن في ديننا بعد ان عاهدناه عهدا يقتضي ان لايفعل ذلك فهو إمام في الكفر لايمين له فيجب قتله بنص الاية وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الناكث الذي ليس بإمام وهو من خالف بفعل شيء مما صولحوا عليه من غير الطعن في الدين # الوجه الرابع انه ^ الاتقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة ^ فجعل همهم باخراج الرسول من المحضضات على قتالهم وما ذاك الا لما فيه من الاذى وسبه اغلظ من الهم باخراجه بدليل انه عفا عام الفتح عن الذين هموا باخراجه ولم يعف عمن سبه فالذمي اذا اظهر سبه فقد نكث عهده وفعل ما هو أعظم من الهم باخراج الرسول وبدأ بالاذى فيجب قتاله
الوجه الخامس قوله تعالى ^ قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ^ امر سبحانه بقتال الناكثين الطاعنين في الدين وضمن لنا ان فعلنا ذلك ان يعذبهم بايدينا ويخزيهم وينصرنا عليهم ويشف صدور المؤمنين الذين تأذوا من نقضهم وطعنهم وان يذهب غيظ قلوبهم لانه رتب ذلك على قتالهم ترتيب الجزاء على الشرط والتقدير ان تقاتلوهم يكن هذا كله فدل على ان الناكث الطاعن مستحق هذا كله والا فالكفار يدالون علينا المرة وندال عليهم الاخرى وان كانت العاقبة للمتقين وهذا تصديق ما جاء في الحديث ما نقض قوم العهد الا أديل عليهم العدو والتعذيب بايدينا هو القتل فيكون
الناكث الطاعن مستحقا للقتل والساب لرسول الله ناكث طاعن كما تقدم فيستحق القتل وانما ذكر سبحانه النصر عليهم وانه يتوب من بعد ذلك على من يشاء لان الكلام في قتال الطائفة الممتنعة فاما الواحد المستحق للقتل فلا ينقسم حتى يقال فيه يعذبه الله ويتوب الله من بعد ذلك على من يشاء على ان قوله ^ من يشاء ^ يجوز ان يكون عائدا إلى من لم يطعن بنفسه وانما أقر الطاعن فسميت الفئة طاعنة لذلك وعند التمييز فبعضهم ردء وبعضهم مباشر ولا يلزم من التوبة على الردء التوبة على المباشر الا ترى ان النبي اهدر عام الفتح دم الذين باشروا الهجاء ولم يهدر دم الذين سمعوه واهدر دم بني بكر ولم يهدر دم الذين اعاروهم السلاح # السادس ان قوله تعالى ^ ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ^ دليل على ان شفاء الصدور من الم النكث والطعن وذهاب الغيظ الحاصل في صدور المؤمنين من ذلك امر مقصود للشارع مطلوب الحصول وان ذلك يحصل اذا جاهدوا كما جاء في الحديث المرفوع عليكم بالجهاد فانه باب من ابواب الله يدفع الله به عن النفوس الهم والغم ولا ريب ان من اظهر سب الرسول من اهل الذمة وشتمه فانه يغيظ المؤمنين ويؤلمهم أكثر مما لو سفك دماء بعضهم واخذ اموالهم فان هذا يثيرالغضب لله والحمية له ولرسول وهذا القدر لايهيج في قلب المؤمن غيظا أعظم منه بل المؤمن المسدد لايغضب هذا الغضب الا لله والشارع يطلب شفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم وهذا انما يحصل بقتل الساب لاوجه # احدها ان تعزيره وتأديبه يذهب غيظ قلوبهم اذا شتم واحدا من المسلمين او فعل نحو ذلك فلو اذهب غيظ قلوبهم اذا شتم الرسول لكان غيظهم من شتمه مثل غيظهم من شتم واحد منهم وهذا باطل # الثاني ان شتمه أعظم عندهم من ان يؤخذ بعض دمائهم ثم لو قتل واحدا منهم لم يشف صدورهم الا قتله فان لا تشفى صدورهم الا بقتل الساب اولى واحرى # الثالث ان الله تعالى جعل قتالهم هو السبب في حصول الشفاء والاصل عدم سبب اخر يحصله فيجب ان يكون القتل والقتال هو الشافي لصدور المؤمنين من مثل هذا # الرابع ان النبي لما فتحت مكة واراد ان يشفي صدور خزاعة وهم القوم المؤمنين من بني بكر الذين قاتلوهم مكنهم منهم نصف النهار او أكثر مع امانه لسائر الناس فلو كان شفاء صدورهم وذهاب غيظ قلوبهم يحصل بدون القتل للذين نكثوا وطعنوا لما فعل ذلك مع امانه للناس # الموضوع الرابع قوله سبحانه ^ الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم ^ فانه يدل على ان اذى رسول الله محادة لله ولرسوله لانه قال هذه الاية عقب قوله تعالى ^ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن ^ ثم قال ^ يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله احق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله ^ فلو لم يكونوا بهذا الاذى محادين لم يحسن ان يوعدوا بان للمحاد نار جهنم لانه يمكن حينئذ ان يقال قد علموا ان للمحاد نار جهنم لكنهم لم يحادوا وانما اذوا فلا يكون في الاية وعيد لهم فعلم ان هذا الفعل لابد ان يندرج في عموم المحادة ليكون وعيد المحاد وعيدا له ويلتئم الكلام # ويدل على ذلك ايضا ما روى الحاكم في صحيحه باسناد صحيح عن ابن عباس ان رسول الله كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين فقال انه سيأتيكم انسان ينظر اليكم بعين شيطان فاذا اتاكم فلا تكلموه فجاء رجل ازرق فدعاه رسول الله فقال علام تشتمني انت وفلان وفلان فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا بالله واعتذروا اليه فانزل الله تعالى ^ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون انهم على شيء الا انهم هم الكاذبون ^ ثم قال بعد ذلك ^ ان الذين يحادون الله ورسوله ^ فعلم ان هذا داخل في المحادة # وفي رواية اخرى صحيحة انه نزل قوله ^ يحلفون لكم لترضوا عنهم ^ وقد قال ^ يحلفون بالله لكم ليرضوكم ^ ثم قال عقبه ^ الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله ^ فثبت ان هؤلاء الشاتمين محادون وسيأتي ان شاء الله زيادة ذلك # واذا كان الاذى محادة لله ورسوله فقد قال الله تعالى ^ إن الذين يحادون الله ورسوله اولئك في الاذلين كتب الله لاغلبن انا ورسلي ان الله قوي عزيز ^ والاذل ابلغ من الذليل ولا يكون اذل حتى يخاف على نفسه وماله ان اظهر المحادة لانه ان كان دمه وماله معصوما لايستباح فليس باذل يدل عليه قوله تعالى ^ ضربت عليهم الذلة اين ما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس ^ فبين سبحانه انهم اينما ثقفوا فعليهم الذلة الا مع العهد فعلم ان من له عهد وحبل لا ذلة عليه وان كانت عليه المسكنة فان المسكنة قد تكون مع عدم الذلة وقد جعل المحادين في الاذلين فلا يكون لهم عهد اذ العهد ينافي الذلة كما دلت عليه الاية وهذا ظاهر فان الاذل هو الذي ليس له قوة يمتنع بها ممن ارداه بسوء فاذا كان له من المسلمين عهد يجب عليهم به نصره ومنعه فليس باذل فثبت ان المحاد لله ولرسوله لايكون له عهد يعصمه والمؤذي للنبي محاد فالمؤذي للنبي ليس له عهد يعصم دمه وهو المقصود # وايضا فانه قد ^ ان الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ^ والكبت الاذلال والخزي والصرع قال الخليل الكبت هو الصرع على الوجه وقال النضر بن شميل وابن قتيبة هو الغيظ والحزن وهو في الاشتقاق الاكبر من كبده كأن الغيظ والحزن اصاب كبده كما يقال احرق الحزن والعداوة كبده وقال اهل التفسير كبتوا اهلكوا واخزوا فثبت ان المحاد مكبوت مخزي ممتل غيظا وحزنا هالك وهذا انما يتم اذا خاف ان اظهر المحادة ان يقتل والا فمن امكنه اظهار المحادة وهو امن على دمه وماله فليس بمكبوت بل مسرور جذلان ولانه قال ^ كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ^ والذين من قبلهم ممن حاد الرسل وحاد رسول الله انما كبته الله بان اهلكه بعذاب من عنده او بايدي المؤمنين والكبت وان كان يحصل منه نصيب لكل من لم ينل غرضه كما قال سبحانه ^ ليقطع طرفا من الذين كفروا او يكبتهم ^ لكن قوله تعالى ^ كما كبت الذين من قبلهم ^ يعني محادي الرسل دليل على الهلاك او كتم الاذى يبين ذلك ان المنافقين هم من المحادين فهم مكبوتون بموتهم بغيظهم لخوفهم انهم ان اظهروا ما في قلوبهم قتلوا فيجب ان يكون كل محاد كذلك # وايضا فقوله تعالى ^ كتب الله لاغلبن انا ورسلي ^ عقب قوله ^ ان الذين يحادون الله ورسوله اولئك في الاذلين ^ دليل على ان المحادة مغالبة ومعاداة حتى يكون أحد المتحادين غالبا والاخر مغلوبا وهذا انما يكون بين اهل الحرب لا اهل السلم فعلم ان المحاد وليس بمسالم والغلبة للرسل بالحجة والقهر فمن امر منهم بالحرب نصر على عدوه ومن لم يؤمر بالحرب اهلك عدوه وهذا احسن من قول من قال ان الغلبة للمحارب بالنصر ولغير المحارب بالحجة فعلم ان هؤلاء المحادين محاربون مغلوبون # ايضا فان المحادة من المشاقة لان المحادة من الحد والفصل والبينونة وكذلك المشاقة من الشق وهو بهذا المعنى فهما جميعا بمعنى المقاطعة والمفاصلة ولهذا يقال انما سميت بذلك لان كل واحد من المتحادين والمتشاقين في حد وشق من الاخر وذلك يقتضي انقطاع الحبل الذي بين اهل العهد اذا حاد بعضهم بعضا فلا حبل لمحاد لله ورسوله # وايضا فانها اذا كانت بمعنى المشاقة فان الله سبحانه قال ^ فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فان الله شديد العقاب ^ فامر بقتلهم لاجل مشاقتهم ومحادتهم فكل من حاد وشاق يجب ان يفعل به ذلك لوجود العلة # وايضا فانه تعالى قال ^ ولولا ان كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب النار ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ^ والتعذيب هنا والله اعلم القتل لانهم قد عذبوا بما دون ذلك من الاجلاء واخذ الاموال فيجب تعذيب من شاق الله ورسوله ومن اظهر المحادة فقد شاق الله ورسوله بخلاف من كتمها فانه ليس بمحاد ولا مشاق # وهذه الطريقة اقوى في الدلالة يقال هو محاد وان لم يكن مشاقا ولهذا جعل جزاء المحاد مطلقا ان يكون مكبوتا كما كبت من قبله وان يكون في الاذلين وجعل جزاء المشاق القتل والتعذيب في الدنيا ولن يكون مكبوتا كما كبت من قبله في الاذلين الا اذا لم يمكنه اظهار محادته فعلى هذا تكون المحادة اعم ولهذا ذكر اهل التفسير في قوله تعالى ^ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ^ الاية انها نزلت فيمن قتل من المسلمين اقاربه في الجهاد وفيمن اراد ان يقتل لمن تعرض لرسول الله بالاذى من كافر ومنافق قريب له فعلم ان المحاد يعم المشاق وغيره # ويدل على ذلك انه قال سبحانه ^ الم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ^ الايات إلى قوله ^ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ^ وانما نزلت في المنافقين الذين تولوا اليهود المغضوب عليهم وكان اولئك اليهود اهل عهد من النبي ثم ان الله سبحانه بين ان المؤمين لا يوادون من حاد الله ورسوله فلابد ان يدخل في ذلك عدم المودة لليهود وان كانوا اهل الذمة لانه سبب النزول وذلك يقتضي ان اهل الكتاب محادون لله ورسوله وان كانوا معاهدين # ويدل على ذلك ان الله قطع الموالاة بين المسلم والكافر وان كان له عهد وذمة وعلى هذا التقدير فيقال عوهدوا على ان لا يظهروا المحادة ولا يعلنوا بها بالاجماع كما تقدم وكما سيأتي فاذا اظهروا صاروا محادين لا عهد لهم مظهرين للمحادة وهؤلاء مشاقون فيستحقون خزي الدنيا من القتل ونحوه وعذاب الاخرة # فان قيل اذا كان كل يهودي محادا لله ورسوله فمن المعلوم ان العهد يثبت لهم مع التهود وذلك ينقض ما قدمتم من ان المحاد لا عهد له # قيل من سلك هذه الطريقة قال المحاد لا عهد له على اظهار المحادة فاما اذا لم يظهر لنا المحادة فقد اعطيناه العهد وقوله تعالى ^ ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس ^ يقتضي ان الذلة تلزمه فلا تزول الا بحبل من الله وحبل من الناس وحبل المسلمين معه على ان لا يظهر المحادة بالاتفاق فليس معه حبل مطلق بل حبل مقيد فهذا الحبل لا يمنعه ان يكون اذل اذا فعل ما لم يعاهد عليه او يقول صاحب هذا المسلك الذلة لازمة لهم بكل حال كما اطلقت في سورة البقرة وقوله ^ ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا بحبل من الله ^ يجوز ان يكون تفسيرا للذلة اي ضربت عليهم انهم اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا الا بحبل من الله وحبل من الناس فالحبل لا يرفع الذلة وانما يرفع بعض موجباتها وهو القتل فان من كان لا يعصم دمه الا بعهد فهو ذليل وان عصم دمه بالعهد لكن على هذا التقدير تضعف الدلالة الاولى من المحادة والطريقة الاولى اجود كما تقدم وفي زيادة تقريرها طول # الموضع الخامس قوله سبحانه ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة ^ وهذه توجب قتل من اذى الله ورسوله كما سيأتي ان شاء الله تقرير والعهد لا يعصم من ذلك لأنا لم نعاهدهم على ان يؤذوا الله ورسوله # ويوضح ذلك قول النبي من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله فندب المسلمين إلى يهودي كان معاهدا لاجل انه اذى الله ورسوله فدل ذلك على انه لايوصف كل ذمي بانه يؤذي الله ورسوله والا لم يكن فرق بينه وبين غيره ولا يصح ان يقال اليهود ملعونون في الدنيا والاخرة مع اقرارهم على ما يوجب ذلك لانا لم نقرهم على اظهار اذى الله ورسوله وانما اقررناهم على ان يفعلوا بينهم ما هو من دينهم فصل # واما الايات الدالة على كفر الشاتم وقتله او على احدهما اذا لم يكن معاهدا وان كان مظهرا للإسلام فكثيرة مع ان هذا مجمع عليه كما تقدم حكاية الاجماع عن غير واحد # منها قوله تعالى ^ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم ^ إلى قوله ^ والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم ^ إلى قوله ^ الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله ^ فعلم ان ايذاء رسول الله محادة لله ولرسوله لان ذكر الايذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة فيجب ان يكون داخلا فيه ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفا اذا امكن ان يقال انه ليس بمحاد ودل ذلك على ان الايذاء والمحادة كفر لانه اخبر ان له نار جهنم خالدا فيها ولم يقل هي جزاؤه وبين الكلامين فرق بل المحادة هي المعاداة والمشاقة وذلك كفر ومحاربة فهو اغلظ من مجرد الكفر فيكون المؤذي لرسول الله كافرا عدوا لله ورسوله محاربا لله ورسوله لان المحادة اشتقاقها من المبيانة بان يصير كل واحد منهما في حد كما قيل المشاقة ان يصير كل منهما في شق والمعاداة ان يصير كل منهما في عدوة
وفي الحديث ان رجلا كان يسب النبي فقال من يكفيني عدوي وهذا ظاهر قد تقدم تقريره وحينئذ فيكون كافرا حلال الدم لقوله تعالى ^ ان الذين يحادون الله ورسوله اولئك في الاذلين ^ ولو كان مؤمنا معصوما لم يكن اذل لقوله تعالى ^ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ^ وقوله ^ كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ^ والمؤمن لا يكبت كما كبت مكذبوا الرسل قط ولانه قد ^ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ^ الاية فاذا كان من يواد المحاد ليس بمؤمن فكيف بالمحاد
نفسه وقد قيل ان من سبب نزولها ان أبا قحافة شتم النبي فاراد الصديق قتله وان ابن أبي تنقص النبي فاستأذن ابنه النبي في قتله لذلك فثبت ان المحاد كافر حلال الدم وايضا فقد قطع الله الموالاة بين المؤمنين وبين المحادين لله ورسوله والمعادين لله ورسوله ف ^ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا اباءهم ^ الاية وقال ^ يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة ^ فعلم انهم ليسوا من المؤمنين # وايضا فانه قال سبحانه ^ ولولا ان كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب النار ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فان الله شديد العقاب ^ فجعل سبب استحقاقهم العذاب في الدنيا ولعذاب النار في الاخرة هو مشاقة الله ورسوله والمؤذي لرسول الله مشاق لله ورسوله كما تقدم والعذاب هنا هو الاهلاك بعذاب من عنده او بايدينا والا فقد اصابهم ما دون ذلك من ذهاب الاموال وفراق الاوطان # وقال سبحانه ^ اذ يوحي ربك إلى الملائكة اني معكم ^ إلى قوله ^ سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ^ فجعل القاء الرعب في قلوبهم والامر بقتلهم لاجل مشاقتهم لله ورسوله فكل من شاق الله ورسوله يستوجب ذلك # والمؤذي للنبي مشاق لله ورسوله كما تقدم فيستحق ذلك # وقولهم ^ هو اذن ^ قال مجاهد هو اذن يقولون سنقول ما شئنا ثم نحلف له فيصدقنا # وقال الوالبي عن ابن عباس يعني انه يسمع من كل أحد # قال بعض اهل التفسير كان رجال من المنافقين يؤذون رسول الله ويقولون ما لا ينبغي فقال بعضهم لا تفعلوا فانا نخاف ان يبلغه ما تقولون فيقع بنا فقال الجلاس بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا فانما محمد اذن سامعة فانزل الله هذه الاية # وقال ابن اسحاق كان نبتل بن الحارث الذي قال النبي فيه من اراد ان ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث ينم حديث النبي إلى المنافقين فقيل له لا تفعل فقال انما محمد اذن من حدثه شيئا صدقه نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا عليه فانزل الله هذه الاية # وقولهم اذن قالوه ليبينوا ان كلامهم مقبول عنده فاخبرالله انه لا يصدق الا المؤمنين وانما يسمع الخبر فاذا حلفوا له فعفا عنهم كان ذلك لانه اذن خير لا لانه صدقهم قال سفيان ين عيينة اذن خير يقبل منكم ما اظهرتم من الخير ومن القول ولا يؤاخذكم بما في قلوبكم ويدع سرائركم إلى الله وربما تضمنت هذه الكلمة نوع استهزاء واستخفاف
فان قيل فقد روى نعيم بن حماد ثنا محمد بن ثور عن يونس عن الحسن قال قال رسول الله اللهم لاتجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدا ولا نعمة فاني وجدت فيما اوحيته ^ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ^ قال سفيان يرون انها انزلت فيمن يخالط السلطان رواه أبو احمد
العسكري وظاهر هذا ان كل فاسق لا تبتغي مودته فهو محاد لله ورسوله مع ان هؤلاء ليسوا منافقين النفاق المبيح للدم # قيل المؤمن الذي يحب الله ورسوله ليس على الاطلاق بمحاد لله ورسوله كما انه ليس على الاطلاق بكافر ولا منافق وان كانت له ذنوب كثيرة الا ترى ان النبي قال لنعيمان وقد جلد في الخمر غير مرة انه يحب الله ورسوله لان مطلق المحادة يقتضي مطلق المقاطعة والمصارمة والمعاداة والمؤمن ليس كذلك لكن قد يقع اسم النفاق على من اتى بشعبة من شعبه ولهذا قالوا كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
وقال النبي كفر بالله تبرؤ من نسب وان دق ومن حلف بغير الله فقد اشرك واية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان
وقال ابن أبي مليكة ادركت ثلاثين من اصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه # فوجه هذا الحديث ان يكون النبي عنى بالفاجر المنافق فلا ينقض الاستدلال او يكون عنى كل فاجر لان الفجور مظنة النفاق فما من فاجر الا يخاف ان يكون فجوره صادرا عن مرض في القلب او موجب له فان المعاصي بريد الكفر فاذا أحب الفاسق فقد يكون محبا للمنافق فحقيقة الايمان بالله واليوم الاخر ان لايواد من اظهر من الافعال ما يخاف معها ان يكون محادا لله ورسوله فلا ينقض الاستدلال ايضا او ان تكون الكبائر من شعب المحادة لله ورسوله فيكون مرتكبها محادا من وجه وان كان موالايا لله ورسوله من وجه اخر
ويناله من الذلة والكبت بقدر قسطه من المحادة كما قال الحسن وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ان ذل المعصية لفي رقابهم أبا الله الا ان يذل من عصاه فالعاصي يناله من الذلة والكبت بحسب معصيته وان كان له من عزة الايمان بحسب ايمانه كما يناله من الذم والعقوبة وحقيقة الايمان ان لايواد المؤمن من حاد الله بوجه من وجوه المودة المطلقة وقد جبلت القلوب على حب من احسن اليها وبغض من اساء اليها فاذ اصطنع الفاجر اليه يدا احبه المحبة التي جبلت القلوب عليها فيسير موادا له مع ان حقيقة الايمان توجب عدم مودته من ذلك الوجه وان كان معه من اصل الايمان ما يستوجب به اصل المودة التي تستوجب ان يخص بها دون الكافر والمنافق وعلى هذا فلا ينقض الاستدلال ايضا لان من اذى النبي فانه اظهر حقيقة المحادة وراسها الذي يوجب جميع انواع المحادة فاستوجب الجزاء المطلق وهو جزاء الكافرين كما ان من اظهر حقيقة النفاق ورأسه استوجب ذلك وان لم يستوجبه من اظهر شعبة من شعبه والله سبحانه اعلم # الدليل الثاني على ذلك قوله سبحانه ^ يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا ان الله مخرجا ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بانهم كانوا مجرمين ^ وهذا نص في ان الاستهزاء بالله وباياته وبرسوله كفر فالسب المقصود بطريق الاولى وقد دلت هذه الاية على ان كل من تنقص رسول الله جادا او هازلا فقد كفر
وقد روى عن رجال من اهل العلم منهم ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن اسلم وقتادة دخل حديث بعضهم في بعض انه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء ارغب بطوننا ولا اكذب السنا ولااجبن عن اللقاء يعني رسول الله
واصحابه القراء فقال له عوف بن مالك كذبت ولكنك منافق لاخبرن رسول فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره فوجد القران قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله انما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق # قال ابن عمر كاني انظر اليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله وان الحجارة لتنكب رجليه وهو يقول انما نخوض ونلعب فيقول له رسول الله ^ أبالله ورسوله كنتم تستهزئون ^ ما يلتفت اليه وما يزيد عليه وقال مجاهد قال رجل من المنافقين يحدثنا محمد ان ناقة فلان بوادي كذا وكذا وما يدريه ما الغيب فانزل الله عز وجل هذه الاية # وقال معمر عن قتادة بينا رسول الله في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا ايظن هذا ان يفتح قصور الروم وحصونها فاطلع الله نبيه على ما قالوا فقال النبي علي بهؤلاء النفر فدعا بهم فقال اقلتم كذا وكذا فحلفوا ما كنا الا نخوض ونلعب
قال معمر وقال الكلبي كان رجل منهم لم يمالهم في الحديث يسير مجانبا لهم فنزلت ^ ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ^ فسمي طائفة وهو واحد # فهؤلاء لما تنقصوا النبي حيث عابوه والعلماء من اصحابه واستهانوا بخبره اخبر الله انهم كفروا بذلك وان قالوا استهزاء فكيف بما هو اغلظ من ذلك وانما لم يقم الحد عليهم لكون جهاد المنافقين لم يكن قد امر به اذ ذاك بل كان مامورا بان يدع اذاهم ولانه كان له ان يعفو عمن تنقصه واذاه
الدليل الثالث قوله سبحانه ^ ومنهم من يلمزك في الصدقات ^ واللمز العيب والطعن قال مجاهد يتهمك يسألك يزراك وقال عطاء يغتابك # و ^ ومنهم الذين يؤذون النبي ^ الاية وذلك يدل على ان كل من لمزه او اذاه كان منهم لان ^ الذين ^ و^ من ^ اسمان موصولان وهما من صيغ العموم والاية وان كانت نزلت بسبب لمز قوم واذى اخرين فحكمها عام كسائر الايات اللواتي نزلن على اسباب وليس بين الناس خلاف نعلمه انها تعم الشخص الذي نزلت بسببه ومن كان حاله كحاله ولكن اذا كان اللفظ اعم من ذلك السبب فقد قيل
انه يقتصر على سببه والذي عليه جماهير الناس انه يجب الاخذ بعموم القول ما لم يقم دليل يوجب القصر على السبب كما هو مقرر في موضعه # وايضا فان كونه منهم حكم معلق بلفظ مشتق من اللمز والاذى وهو مناسب لكونه منهم فيكون ما منه الاشتقاق هو علة لذلك الحكم فيجب اطراده # وايضا فان الله سبحانه وان كان قد علم منهم النفاق قبل هذا القول لكن لم يعلم نبيه بكل من لم يظهر نفاقه بل قال ^ وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ^ ثم انه سبحانه ابتلى الناس بامور يميز بين المؤمنين والمنافقين كما ^ وليعلمن الله الذين امنوا وليعلمن المنافقين ^ و ^ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ^ وذلك لان الايمان والنفاق اصله في القلب وانما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه فاذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه فلما اخبر سبحانه ان الذين يلمزون النبي والذين يؤذونه من المنافقين ثبت ان ذلك دليل على النفاق وفرع له ومعلوم انه اذا حصل فرع الشيء ودليله حصل اصله المدلول عليه فثبت انه حيثما وجد ذلك كان صاحبه منافقا سواء كان منافقا قبل هذا القول او حدث له النفاق بهذا القول
فان قيل لم لا يجوز ان يكون هذا القول دليلا للنبي على نفاق اولئك الاشخاص الذين قالوه في حياته باعينهم وان لم يكن دليلا من غيرهم # قلنا اذا كان دليلا للنبي الذي يمكن ان يغنيه الله بوحيه عن الاستدلال فان يكون دليلا لمن لا يمكنه معرفة البواطن اولى واحرى # وايضا فلو لم تكن الدلالة مطردة في حق كل من صدر منه ذلك القول لم يكن في الاية زجر لغيرهم ان يقول مثل هذا القول ولا كان في الاية تعظيم لذلك القول بعينه فان الدلالة على عين المنافق قد تكون مخصوصة بعينه وان كانت امرا مباحا كما لو قيل من المنافقين صاحب الجمل الاحمر وصاحب الثوب الاسود ونحو ذلك فلما دل القران على ذم عين هذا القول والوعيد لصاحبه علم انه لم يقصد به الدلالة على المنافقين باعيانهم فقط بل هو دليل على نوع من المنافقين # وايضا فان هذا القول مناسب للنفاق فان لمز النبي واذاه لايفعله من يعتقد انه رسول الله حقا وانه اولى به من نفسه وانه لا يقول الا الحق ولا يحكم الا بالعدل وان طاعته طاعة لله وانه يجب على جميع الخلق تعزيره وتوقيره واذا كان دليلا على النفاق نفسه فحيثما حصل حصل النفاق
وايضا فان هذا القول لاريب انه محرم فاما ان يكون خطيئة دون الكفر او يكون كفرا والاول باطل لان الله سبحانه قد ذكر في القران انواع العصاة من الزاني والقاذف والسارق والمطفف والخائن ولم يجعل ذلك دليلاعلى نفاق معين ولا مطلق فلما جعل اصحاب هذه الاقوال من المنافقين علم ان ذلك لكونها كفرا لا لمجرد كونها معصية لان تخصيص بعض المعاصي يجعلها دليلا على النفاق دون بعض لايكون حتى يختص دليل النفاق بما يوجب ذلك والا كان ترجيحا بلا مرجح فثبت انه لا بد ان يختص هذه الاقوال بوصف يوجب كونها دليلا على النفاق وكلما كان كذلك فهو كفر # وايضا فان الله سبحانه لما ذكر بعض الاقوال التي جعلهم بها من المنافقين وهو قوله ^ ائذن لي ولا تفتني ^ قال في عقب ذلك ^ لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الاخر ^ إلى قوله ^ انما يستاذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ^ فجعل ذلك علامة مطردة على عدم الايمان وعلى الريب مع انه رغبة عن الجهاد مع رسول الله بعد استنفاره واظهار من القاعد انه معذور بالقعود وحاصله عدم ارادة الجهاد فلمزه واذاه اولى ان يكون دليلا مطردا لان الاول خذلان له وهذا محاربة له وهذا ظاهر
واذا ثبت ان كل من لمز النبي واذاه منهم فالضمير عائد على المنافقين والكافرين لانه سبحانه لما قال ^ انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا باموالكم وانفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ^ قال ^ لوكان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله ^ وهذا الضمير عائد إلى معلوم غير مذكور وهو الذين حلفوا ^ لو استطعنا للخرجنا معكم ^ وهؤلاء هم المنافقون بلا ريب ولا خلاف ثم اعاد الضمير اليهم إلى قوله ^ قل انفقوا طوعا او كرها لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله وبرسوله ^ فثبت ان هؤلاء الذين اضمروا كفروا بالله ورسوله وقد جعل منهم من يلمز ومنهم من يؤذي وكذلك قوله ^ وماهم منكم ^ اخراج لهم عن الايمان # وقد نطق القران بكفر المنافقين في غير موضع وجعلهم أسوأ حالا من الكافرين وانهم في الدرك الاسفل من النار وانهم يوم القيامة
يقولون للذين امنوا ^ انظرونا نقتبس من نوركم ^ الاية إلى قوله ^ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ^ وامر نبيه في اخر الامر بان لايصلي علي أحد منهم واخبر انه لن يغفر لهم وامره بجهادهم والاغلاظ عليهم واخبر انهم ان لم ينتهوا ليغرين الله نبيه بهم حتى يقتلوا في كل موضع # الدليل الرابع على ذلك ايضا قوله سبحانه وتعالى ^ فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ^ اقسم سبحانه بنفسه انهم لا يؤمنون حتى يحكموه في الخصومات التي بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم ضيقا من حكمه بل يسلموا لحكمه ظاهرا وباطنا وقال قبل ذلك ^ الم تر إلى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا واذا قيل لهم تعالوا إلى ما انزل الله والى الرسول رايت المنافقين يصدون عنك صدودا ^ فبين سبحانه ان من دعي إلى التحاكم إلى كتاب الله والى رسوله فصد عن رسوله كان منافقا وقال سبحانه ^ ويقولون امنا بالله وبالرسول واطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما اولئك بالمؤمنين واذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم اذا فريق منهم معرضون وان يكن لهم الحق ياتوا اليه مذعنين افي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله بل اولئك هم الظالمون انما كان قول المؤمنين اذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا ^ فبين سبحانه ان من تولى عن طاعة الرسول واعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن وان المؤمن هو الذي يقول سمعنا واطعنا فاذا كان النفاق يثبت ويزول الايمان بمجرد الاعراض عن حكم الرسول وارادة التحاكم إلى غيره مع ان هذا ترك محض وقد يكون سببه قوة الشهوة فكيف بالتنقص والسب ونحوه # ويؤيد ذلك ما رواه أبو اسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن ابراهيم بن دحيم في تفسيره حدثنا شعيب بن شعيب حدثنا أبو المغيرة حدثنا عتبة بن ضمرة حدثني أبي ان رجلين اختصما إلى النبي فقضى للمحق على المبطل فقال المقضي عليه لا ارضى فقال صاحبه فما تريد قال ان نذهب إلى أبي بكر الصديق فذهبا اليه فقال الذي قضي له قد تخاصمنا إلى النبي فقضى لي عليه فقال أبو بكر فانتما على ما قضى به النبي فابى صاحبه ان يرضى قال ناتي عمر بن الخطاب فاتياه فقال المقضي له قد اختصمنا إلى النبي فقضى لي عليه فابى ان يرضى ثم اتينا أبا بكر الصديق فقال انتما على ما قضى به النبي فابى ان يرضى فساله عمر فقال كذلك فدخل عمر منزله فخرج والسيف بيده قد سله فضرب به راس الذي ابى ان يرضى فقتله فانزل الله تبارك وتعالى ^ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ^ الاية # وهذا المرسل له شاهد من وجه اخر يصلح للاعتبار قال ابن دحيم حدثنا الجوزجاني حدثنا أبو الاسود حدثنا ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير قال اختصم إلى رسول الله رجلان فقضى لاحداهما فقال الذي قضى عليه ردنا إلى عمر فقال رسول الله نعم انطلقوا إلى عمر فانطلقا فلما اتيا عمر قال الذي قضي له يا ابن الخطاب ان رسول الله قضى لي وان هذا قال ردنا إلى عمر فردنا اليك رسول الله فقال عمر اكذلك للذي قضي عليه قال نعم فقال عمر مكانك حتى اخرج فاقضي بينكما فخرج مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله وادبر الاخر إلى رسول الله فقال يارسول الله قتل عمر صاحبي ولولا ما اعجزته لقتلني فقال رسول الله ما كنت اظن ان عمر يجتري على قتل مؤمن فانزل الله تعالى ^ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ^ فبرا الله عمر من قتله # وقد رويت هذه القصة من غير هذين الوجهين قال أبو عبد الله احمد بن حنبل ما اكتب حديث ابن لهيعة الا للاعتبار والاستدلال وقد اكتب حديث هذا الرجل على هذا المعنى كاني استدل به مع غيره يشده لا انه حجة اذا انفرد # الدليل الخامس ما استدل به العلماء على ذلك قوله سبحانه ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ^ الاية ودلالتها من وجوه
احدها انه قرن اذاه باذاه كما قرن طاعته بطاعته فمن اذاه فقد اذا الله تعالى وقد جاء ذلك منصوصا عنه ومن آذى الله فهو كافر حلال الدم يبين ذلك ان الله تعالى جعل محبة الله ورسوله وارضاء الله ورسوله وطاعة الله ورسوله شيئا واحدا ف ^ قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله ^ وقال ^ واطيعوا الله والرسول ^ في مواضع متعددة وقال أيضا والله ورسوله أحق أن يرضوه فوحد الضمير وقال ايضا ^ ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ^ وقال ايضا ^ يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول ^ # وجعل شقاق الله ورسوله ومحادة الله ورسوله واذى الله ورسوله ومعصية الله ورسوله شيئا واحدا فقال ^ ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله ^ وقال ^ ان الذين يحادون الله ورسوله ^ و ^ الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله ^ وقال ^ ومن يعص الله ورسوله ^ الاية
وفي هذا وغيره بيان لتلازم الحقين وان جهة حرمه الله ورسوله جهة واحدة فمن اذى الرسول فقد اذى الله ومن اطاعه فقد اطاع الله لان الامة لا يصلون ما بينهم وبين ربهم الا بواسطة الرسول ليس لاحد منهم طريق غيره ولا سبب سواه وقد اقامه الله مقام نفسه في امره ونهيه واخباره وبيانه فلا يجوز ان يفرق بين الله ورسوله في شئ من هذه الامور # ثانيها انه فرق بين اذى الله ورسوله وبين اذى المؤمنين والمؤمنات فجعل هذا قد احتمل بهتانا واثما مبينا وجعل على ذلك لعنته في الدنيا والاخرة واعد له العذاب المهين ومعلوم ان اذى المؤمنين قد يكون من كبائر الاثم وفيه الجلد وليس فوق ذلك الا الكفر والقتل # الثالث انه ذكر انه لعنهم في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا واللعن الابعاد عن الرحمة ومن طرده عن رحمته في الدنيا والاخرة لا يكون الا كافرا فان المؤمن يقرب اليها بعض الاوقات ولا يكون مباح الدم لان حقن الدم رحمة عظيمة من الله فلا يثبت في حقه
ويؤيد ذلك قوله ^ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها الا قليلا ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا ^ فان اخذهم وتقتيلهم والله اعلم بيان لصفة لعنهم وذكر لحكمة فلا موضع له من الاعراب وليس بحال ثانية لانهم اذا جاوروه ملعونين ولم يظهر اثر لعنهم في الدنيا لم يكن في ذلك وعيد لهم # بل تلك اللعنة ثابته قبل هذا الوعيد وبعده فلابد ان يكون هذا الاخذ والتقتيل من اثار اللعنة التي وعدوها فثبت في حق من لعنه الله في الدنيا والاخرة # ويؤيده قول النبي لعن المؤمن كقتله متفق عليه فاذا كان الله لعن هذا في الدنيا والاخرة فهو كقتله فعلم ان قتله مباح
قيل واللعن انما يستوجبه من هو كافر لكن ليس هذا جيدا على الاطلاق # ويؤيده ايضا قوله تعالى ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ^ ولو كان معصوم الدم يجب على المسلمين نصره لكان له نصير # ويوضح ذلك انه قد نزل في شان ابن الاشرف وكان من لعنته ان قتل لانه كان يؤذي الله ورسوله # واعلم انه لايرد على هذا انه قد لعن من لايجوز قتله لوجوه # احدها ان هذا قيل فيه لعنه الله في الدنيا والاخرة فبين انه سبحانه اقصاه عن رحمته في الدارين وسائر الملعونين انما قيل فيهم لعنه الله او عليه لعنة الله وذلك يحصل باقصائه عن الرحمة في وقت من الاوقات وفرق بين من لعنه الله لعنة مؤبدة عامة ومن لعنه لعنا مطلقا
الثاني ان سائر الذين لعنهم الله في كتابه مثل الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ومثل الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ومثل من يقتل مؤمنا متعمدا اما كافر او مباح الدم بخلاف بعض من لعن في السنة # الثالث ان هذه الصيغة خبر عن لعنة الله له ولهذا عطف عليه ^ واعد لهم عذابا مهينا ^ وعامة الملعونين الذين لايقتلون او لا يكفرون انما لعنوا بصيغة الدعاء مثل قوله لعن الله من غير منار الارض ولعن الله السارق ولعن الله اكل الربا وموكله ونحو ذلك # لكن الذي يرد على هذا قوله تعالى ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم ^ فان في هذه الاية ذكر لعنتهم في الدنيا والاخرة مع ان مجرد القذف ليس بكفر ولا يبيح الدم # والجواب عن هذه الاية من طريقين مجمل ومفصل # اما المجمل فهو ان قذف المؤمن القذف المجرد هو نوع من اذاه واذا كان كاذبا فهو بهتان عظيم كما قال سبحانه ^ ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ^ والقران قد نص على الفرق بين اذى الله ورسوله وبين اذى المؤمنين ف ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا ^ فلا يجوز ان يكون مجرد اذى المؤمنين بغير حق موجبا للعنة الله في الدنيا والآخرة وللعذاب المهين إذ لو كان كذلك لم يفرق بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين ولم يخصص مؤذي الله ورسوله باللعنة المذكورة ويجعل جزاء مؤذي المؤمنين انه احتمل بهتانا واثما مبينا كما قال في موضع اخر ^ ومن يكسب خطيئة او اثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا ^ كيف والعليم الحكيم اذا توعد على الخطيئة زاجرا عنها فلابد ان يذكر اقصى ما يخاف على صاحبها فاذا ذكر خطيئتين احداهما أكبر من الاخرى متوعدا عليهما زاجرا عنهما ثم ذكر في احداهما جزاء وذكر الاخرى ما هو دون ذلك ثم ذكر هذه الخطيئه في موضع اخر متوعدا عليها بالعذاب الادنى بعينه علم ان جزاء الكبرى لايستوجب بتلك التي هي ادنى منها فهذا دليل يبين لك ان لعنة الله في الدنيا والاخرة واعداده العذاب المهين لا يستوجب بمجرد القذف الذي ليس فيه اذى لله ورسوله وهذا كاف في اطراد الدلالة وسلامتها عن النقض واما الجواب المفصل فمن ثلاثة اوجه احداها ان هذه الاية في ازواج النبي خاصة في قول كثير من اهل العلم فروى هشيم عن العوام بن حوشب ثنا شيخ من بني كاهل قال فسر ابن عباس سورة النور فلما اتى على هذه الاية ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ^ إلى اخر الاية قال هذه في شان عائشة وازواج النبي خاصة وهي مبهمة ليس فيها توبة ومن قذف امراة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرا ^ والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا باربعة شهداء ^ إلى قوله ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا ^ فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لاولئك توبة قال فهم رجل ان يقوم فيقبل راسه من حسن ما فسر # وقال أبو سعيد الاشج ثنا عبد الله بن خراش عن العوام عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ^ نزلت في عائشه رضى الله عنها خاصة واللعنة في المنافقين عامة فقد بين ابن عباس ان هذه الاية انما نزلت فيمن يقذف عائشة وامهات المؤمنين لما في قذفهن من الطعن على رسول وعيبه فان قذف المراة اذى للزوجها كما هو اذى لابنها لانه نسبة له إلى الدياثة واظهار لفساد فراشه فان زنى امراته يؤذي أذى عظيما ولهذا جوز له الشارع ان يقذفها اذا زنت ودرا الحد عنه باللعان ولم يبح لغيره ان يقذف امراه بحال # ولعل ما يلحق بعض الناس من العار والخزي بقذف اهله أعظم مما يلحقه لو كان هو المقذوف ولهذا ذهب الإمام احمد في احدى الروايتين المنصوصتين عنه إلى ان من قذف امرأه غير محصنة كالامة والذمية ولها زوج او ولد محصن حد لقذفها لما الحقه من العار بولدها وزوجها المحصنين
والرواية الاخرى عنه ووهي قول الاكثرين انه لاحد عليه لانه اذى لهما لاقذف لهما والحد التام انما يجب بالقذف وفي جانب النبي اذاه كقذفه ومن يقصد عيب النبي بعيب ازواجه فهو منافق وهذا معنى قول ابن عباس اللعنة في المنافقين عامة وقد وافق ابن عباس على هذا جماعة فروى الإمام احمد والاشج عن خصيف قال سالت سعيد بن جبير فقال الزنى اشد او قذف المحصنة قال لا بل الزنى قال قلت فان الله تعالى يقول ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة ^ فقال انما كان هذا في عائشة خاصة
وروى احمد باسناده عن أبي الجوزاء في هذه الاية ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة ^ قال هذه لامهات المؤمنين خاصة وروى الاشج باسنادة عن الضحاك في هذه الاية قال هن نساء النبي وقال معمر عن الكلبي انما عني بهذه الاية ازواج النبي فاما من رمى امراة من المسلمين فهو فاسق كما قال الله تعالى او يتوب ووجه هذا ما تقدم من ان لعنة الله في الدنيا والاخرة لاتستوجب بمجرد القذف فتكون اللام في قوله ^ المحصنات الغافلات المؤمنات ^ للتعريف المعهود هنا ازواج النبي لان الكلام في قصة الافك ووقوع من وقع في أم المؤمنين عائشة او يقصر اللفظ العام على سببه للدليل الذي يوجب ذلك ويؤيد هذا القول ان الله سبحانه رتب هذا الوعيد على قذف محصنات غافلات مؤمنات وقال في أول السورة ^ والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ^ الاية فرتب الجلد ورد الشهادة والفسق على مجرد قذف المحصنات فلابد ان تكون المحصنات الغافلات المؤمنات لهن مزية على مجرد المحصنات وذلك والله اعلم لان ازواج النبي مشهود لهن بالايمان لانهن امهات المؤمنين وهن ازواج نبيه في الدنيا والاخرة وعوام المسلمات انما يعلم منهن في الغالب ظاهر الايمان ولان الله سبحانه قال في قصة عائشة ^ واللذين تولى كبره منهم له عذاب عظيم ^ فتخصيصه بتولي كبره دون غيره دليل على اختصاصه بالعذاب العظيم وقال ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والاخرة لمسكم فيما افضتم فيه عذاب عظيم ^ فعلم ان العذاب العظيم لايمس كل من قذف وانما يمس متولي كبره فقط وقال هنا ^ ولهم عذاب عظيم ^ فعلم انه الذي رمى امهات المؤمنين يعيب بذلك رسول الله وتولى كبر الافك وهذه صفة المنافق ابن أبي # واعلم انه على هذا القول تكون هذه الاية حجة ايضا موافقة لتلك الاية لانه لما كان رمي امهات المؤمنين اذى للنبي لعن صاحبه في الدنيا والاخرة ولهذا قال ابن عباس ليس فيها توبة لان مؤذي النبي لا تقبل توبته او يريد اذا تاب من القذف حتى يسلم إسلاما جديدا وعلى هذا فرميهن نفاق مبيح للدم اذا قصد به اذى النبي او اوذين بعد العلم بانهن ازواجه في الاخرة فانه ما بغت امراة نبي قط # ومما يدل على أن قذفهن اذى للنبي ما خرجاه في الصحيحين في حديث الافك عن عائشة قالت فقام رسول الله فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول قالت فقال رسول وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني اذاه في اهل بيتي فوالله ما علمت على اهلي الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خير وما كان يدخل على اهلي الا معي فقام سعد بن معاذ الانصاري فقال انا اعذرك منه يارسول الله ان كان من الاوس ضربنا عنقه وان كان من اخواننا من الخزرج امرتنا ففعلنا امرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام اسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين قالت فثار الحيان الاوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت وفي رواية اخرى صحيحة قالت لما ذكر من شاني الذي ذكر وما علمت به قام رسول الله في خطيبا وما علمت به فتشهد فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله ثم قال اما بعد اشيروا علي في اناس ابنوا اهلي وايم الله ما علمت على اهلي سوءا قط وابنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا دخل بيتي قط الا وانا حاضر ولا كنت في سفر الا غاب معي فقام سعد بن معاذ فقال يارسول الله مرني ان تضرب اعناقهم # فقوله من يعذرني اي من ينصفني ويقيم عذري اذا انتصفت منه لما بلغني من اذاه في اهل بيتي وابنه لهم فثبت انه قد تاذى بذلك تاذيا استعذر منه وقال المؤمنون الذين لم تاخذهم حمية مرنا نضرب اعناقهم فانا نعذرك اذا امرتنا بضرب اعناقهم ولم ينكر النبي على سعد استئماره في ضرب اعناقهم وقوله انك معذور اذا فعلت ذلك # يبقى ان يقال فقد كان من اهل الافك مسطح وحسان وحمنه ولم يرموا بنفاق ولم يقتل النبي احدا بذلك السبب بل قد اختلف في جلدهم # وجوابه ان هؤلاء لم يقصدوا اذى النبي ولم يظهر منهم دليل على اذاه بخلاف ابن أبي الذي انما كان قصده أذاه ولم يكن اذ ذاك قد ثبت عندهم ان ازواجه في الدنيا هن ازواجا له في الاخرة وكان وقوع ذلك من ازواجه ممكنا في العقل ولذلك توقف النبي في القصة حتى استشار علي وزيدا وحتى سال بريرة فلم يحكم بنفاق من لم يقصد اذى النبي لامكان ان يطلق المراة المقذوفة فاما بعد ان ثبت انهن ازواجه في الاخرة وانهن امهات المؤمنين فقذفهن اذى له بكل حال ولا يجوز مع ذلك ان يقع منهن فاحشه لان في ذلك جواز ان يقيم الرسول مع امراة بغي وان تكون أم المؤمنين موسومه بذلك وهذا باطل ولهذا قال سبحانه ^ يعظكم الله وان تعودوا لمثله ابدا ان كنتم مؤمنين ^ وسنذكر ان شاء الله تعالى في اخر الكتاب كلام الفقهاء فيمن قذف نساءه وانه معدود من اذاه # الوجه الثاني ان الاية عامة قال الضحاك قوله تعالى ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ^ يعني به ازواج النبي خاصة ويقول اخرون يعني ازواج المؤمنين عامة وقال أبو سلمه بن عبد الرحمن قذف المحصنات من الموجبات ثم قرا ^ ان الذين يرمون المحصنات ^ الاية وعن عمرو بن قيس قال قذف المحصنة يحبط عمل تسعين سنة رواهما الاشج وهذا قول كثير من الناس ووجهه ظاهر الخطاب فانه عام فيجب اجراءه على عمومه اذ لا موجب لخصوصه وليس هو مختصا بنفس السبب بالاتفاق لان حكم غير عائشه من ازواج النبي داخل في العموم وليس هو من السبب ولانه لفظ جمع والسبب في واحدة ولان قصر عمومات القران على اسباب نزولها باطل فان عامة الايات نزلت باسباب اقتضت ذلك وقد علم ان شيئا منها لم يقصر على سببه والفرق بين الايتين انه في أول السورة ذكر العقوبات المشروعة على ايدي المكلفين من الجلد ورد الشهادة والتفسيق وهنا ذكر العقوبة الواقعة من الله سبحانه وهي اللعنة في الدارين والعذاب العظيم # وقد روي عن النبي من غير وجهه وعن اصحابه ان قذف المحصنات من الكبائر وفي لفظ في الصحيح قذف المحصنات الغافلات المؤمنات وكان بعضهم يتاول على ذلك قوله ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ^ ثم اختلف هؤلاء # فقال أبو حمزة الثمالي بلغنا انها نزلت في مشركي اهل مكة اذ كان بينهم وبين رسول الله عهد فكانت المراة اذا خرجت إلى رسول الله إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من اهل مكة وقالوا انما خرجت تفجر فعلى هذا تكون فيمن قذف المؤمنات قذفا يصدهن به عن الايمان ويقصد بذلك ذم المؤمنين لينفر الناس عن الإسلام كما فعل كعب ابن الاشرف # وعلى هذا فمن فعل ذلك فهو كافر وهو بمنزلة من سب النبي وقوله انها نزلت زمن العهد يعني والله اعلم انه عني بها مثل اولئك المشركين المعاهدين والا فهذه الاية نزلت ليالي الافك وكان الافك في غزوة بني المصطلق قبل الخندق والهدنة كانت بعد ذلك بسنتين ومنهم من اجراها على ظاهرها وعمومها لان سبب نزولها قدف عائشه وكان فيمن قذفها مؤمن ومنافق وسبب النزول لا بد ان يندرج في العموم ولانه لا موجب لتخصيصها # والجواب على هذا التقدير انه سبحانه قال هنا ^ لعنوا في الدنيا والاخرة ^ على بناء الفعل للمفعول ولم يسم اللاعن وقال هناك ^ لعنهم الله في الدنيا والاخرة ^ واذا لم يسم الفاعل جاز ان يلعنهم غير الله من الملائكة والناس وجاز ان يلعنهم الله في وقت ويلعنهم بعض خلقه في وقت وجاز ان الله تعالى يتولى لعنة بعضهم وهو من كان قذفه طعنا في الدين ويتولى خلقه لعنة الاخرين واذا كان اللاعن مخلوقا فلعنته قد تكون بمعنى الدعاء عليهم وقد تكون بمعنى انهم يبعدونهم عن رحمة الله # ويؤيد هذا ان الرجل قذف امراته تلاعنا وقال الزوج في الخامسه ^ لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ^ فهو يدعو على نفسه ان كان كاذبا في القذف ان يلعنه الله كما امر الله رسوله ان يباهل من حاجه في المسيح بعد ما جاءه من العلم بان يبتهلوا فيجعل لعنة الله على الكاذبين فهذا مما يلعن به القاذف ومما يلعن به ان يجلد وان ترد شهادته ويفسق فانه عقوبة له واقصاء له عن مواطن الامن والقبول وهي من رحمة الله وهذا بخلاف من اخبر الله انه لعنه في الدنيا والاخرة فان لعنة الله له توجب زوال النصر عنه من كل وجه وبعده عن اسباب الرحمة في الدارين
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
ومما يؤيدالفرق أنه قال هنا ^ واعد لهم عذابا مهينا ^ ولم يجيء اعداد العذاب المهين في القران الا في حق الكفار كقوله تعالى ^ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذابا مهينا ^ وقوله ^ وخذوا حذركم ان الله اعد للكافرين عذابا مهينا ^ وقوله ^ فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ^ وقوله انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين ^ وقوله ^ والذين كفروا وكذبوا باياتنا فاولئك لهم عذاب مهين ^ وقوله ^ واذا علم من اياتنا شيئا اتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين ^ وقوله ^ وقد انزلنا ايات بينات وللكافرين عذاب مهين ^ وقوله ^ اتخذو ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ^ واما قوله تعالى ^ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ^ فهي والله اعلم فيمن جحد الفرائض واستخف بها على انه لم يذكر ان العذاب اعد له
واما العذاب العظيم فقد جاء وعيدا للمؤمنين في قوله ^ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم ^ وقوله ^ وللولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم فيما افضتم فيه عذاب عظيم ^ وفي المحارب ^ ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم ^ وفي القاتل ^ وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما ^ وقوله ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ^ وقد قال سبحانه ^ ومن يهن الله فما له من مكرم ^ وذللك لان الاهانة اذلال وتحقير وخزي وذلك قدر زائد على الم العذاب فقد يعذب الرجل الكريم ولا يهان # فلما قال في هذه الاية ^ واعد لهم عذابا مهينا ^ علم انه من جنس العذاب الذي توعد فيه الكفار والمنافقين ومما قال هناك ^ ولهم عذاب عظيم ^ جاز ان يكون من جنس العذاب في قوله ^ لمسكم في ما افضتم فيه عذاب عظيم ^
ومما يبين الفرق ايضا انه سبحانه قال هنا ^ واعد لهم عذابا مهينا ^ والعذاب انما اعد للكافرين فان جهنم لهم خلقت لانهم لابد ان يدخلوها وما هم منها بمخرجين واهل الكبائر من المؤمنين يجوز ان لا يدخلوها اذا غفر الله لهم وإذا دخلوها فانهم يخرجون منها ولو بعد حين # قال سبحانه ^ واتقوا النار التي اعدت للكافرين ^ فامر سبحانه المؤمنين ان لا ياكلوا الربا وان يتقوا الله وان يتقوا النار التي اعدت للكافرين فعلم انهم يخافوا عليهم من دخول النار اذا اكلوا الربا وفعلوا المعاصي مع انها معدة للكافرين لا لهم وكذلك جاء في الحديث اما اهل النار الذين هم اهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون واما اقوام لهم ذنوب فيصيبهم سفع من نار ثم يخرجهم الله منها وهذا كما ان الجنة اعدت للمتقين الذين ينفقون
في السراء والضراء وان كان يدخلها الابناء بعمل ابائهم ويدخلها قوم بالشفاعة وقوم بالرحمة وينشيء الله لما فضل منها خلق اخر في الدار الاخرة فيدخلهم اياها وذلك لان الشيء انما يعد لمن يستوجبه ويستحقه ولمن هو اولى الناس به ثم قد يدخل معه غيره بطريق التبع او لسبب اخر # الدليل السادس قوله سبحانه ^ لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون ^ اي حذرا ان تحبط اعمالكم او خشية ان تحبط اعمالكم او كراهة ان تحبط او منع ان تحبط هذا تقدير البصريين وتقدير الكوفيين لئلا تحبط # فوجه الدلالة ان الله سبحانه نهاهم عن رفع اصواتهم فوق صوته وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض لان هذا الرفع والجهر قد يفضي إلى حبوط العمل وصاحبه لا يشعر فانه علل نهيهم عن الجهر وتركهم له بطلب سلامة العمل عن الحبوط وبين ان فيه من المفسدة جواز حبوط العمل وانعقاد سبب ذلك وما قد يفضي إلى حبوط العمل يجب تركه غاية الوجوب والعمل يحبط بالكفر قاله سبحانه ^ ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم ^ و ^ ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله ^ وقال ^ ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ^ وقال ^ لان اشركت ليحبطن عملك ^ وقال ^ ذلك بانهم كرهوا ما انزل الله فاحبط اعمالهم ^ وقال ^ ذلك بانهم اتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم ^ كما ان الكفر اذا قارنه عمل لم يقبل لقوله تعالى ^ انما يتقبل الله من المتقين ^ وقوله ^ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اضل اعمالهم ^ وقوله ^ وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله وبرسوله ^ وهذا ظاهر ولا تحبط الاعمال بغير الكفر لان من مات على الايمان فانه لابد من ان يدخل الجنة ويخرج من النار ان دخلها ولوحبط عمله كله لم يدخل الجنة قط ولان الاعمال انما يحبطها ما ينافيها ولا ينافي الاعمال مطلقا الا الكفر وهذا معروف من اصول اهل السنه # نعم قد يبطل بعض الاعمال بوجود ما يفسده كما ^ لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى ^ ولهذا لم يحبط الله الاعمال في كتابه الا بالكفر # فاذا ثبت ان رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يخاف منه ان يكفر صاحبه وهو لايشعر ويحبط عمله بذلك وانه مظنة لذلك وسبب فيه فمن المعلوم ان ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والاكرام والاجلال ولما ان رفع الصوت قد يشتمل على اذى له او استخفاف به وان لم يقصد الرافع ذلك فاذا كان الاذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الادب من غير قصد صاحبه يكون كفرا فالاذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفرا بطريق الاولى # الدليل السابع على ذلك قوله سبحانه ^ لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم ^ امر من خالف امره ان يحذر الفتنة والفتنة الردة والكفر قال سبحانه ^ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ^ وقال ^ والفتننة أكبر من القتل ^ وقال ^ ولو دخلت عليهم من اقطارها ثم سالوا الفتنة لاتوها ^ وقال ^ ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ^ # قال الإمام احمد في رواية الفضل بن زياد نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين موضعا ثم جعل يتلوا ^ فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة ^ الاية وجعل يكررها ويقول وما الفتنة الشرك لعله اذى رد بعض قوله ان يقع في قلبه شئ من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه وجعل يتلوا هذه الاية ^ فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ^ # وقال أبو طالب المشكاني وقيل له ان قوما يدعون الحديث ويذهبون إلى راي سفيان وغيره فقال اعجب لقوم سمعوا الحديث وعرفوا الاسناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى راي سفيان وغيره قال الله ^ فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذب اليم ^ وتدري ما الفتنة الكفر قال الله تعالى ^ والفتنة أكبر من القتل ^ فيدعون الحديث عن رسول الله وتغلبهم اهواؤهم إلى الراي # فاذا كان المخالف عن امره قد حذر من الكفر والشرك او من العذاب الاليم دل على انه قد يكون مفضيا إلى الكفر او إلى العذاب الاليم ومعلوما ان افضاءه إلى العذاب هو مجرد فعل المعصية فافضاؤه إلى الكفر انما هو لما قد يقترن به من استخفاف بحق الامر كما فعل ابليس فكيف لما هو اغلظ من ذلك كالسب والانتقاص ونحوه # وهذا باب واسع مع انه بحمد الله مجمع عليه لكن اذا تعددت الدلالات تعاضدت على غلظ كفر الساب وعظم عقوبته وظهر ان ترك الاحترام للرسول وسوء الادب معه مما يخاف معه الكفر المحبط كان ذلك ابلغ فيما قصدنا له
ومما ينبغي ان يتفطن له ان لفظ الاذى في اللغة هو لما خف امره وضعف اثره من الشر والمكروه ذكره الخطابي وغيره وهو كمال قال واستقراء موارده يدل على ذلك مثل قوله تعالى ^ لن يضروكم الا اذى ^ وقوله ^ ويسؤلونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ^ # وفيما يؤثر عن النبي انه قال القر بؤس والحر اذى وقيل لبعض النسوة العربيات القر اشد أم الحر فقالت من يجعل البؤس كالاذى والبؤس خلاف النعيم وهو ما يشقي البدن ويضره بخلاف الاذى فانه لا يبلغ ذلك ولهذا قال ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله ^ وقال سبحانه فيما يروي عنه رسوله يؤذيني ابن ادم يسب الدهر وقال النبي من لكعب بن الاشرف
فانه قد اذى الله ورسوله وقال ما أحد اصبر على اذى يسمعه من الله يجعلون له ولدا وشريكا وهو يعافيهم ويرزقهم وقد قال سبحانه فيما يروي عنه رسوله ياعبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني وقال سبحانه في كتابه ^ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر انهم لن يضروا الله شيئا فبين ان الخلق لا يضرونه سبحانه بكفرهم لكن يؤذونه تبارك وتعالى اذا سبوا مقلب الامور او جعلوا له سبحانه ولدا او شريكا او اذوا رسله وعباده المؤمنين ثم ان الاذى لا يضر المؤذى اذا تعلق بحق الرسول فقد رايت عظم موقعه وبيان ان صاحبه من أعظم الناس كفرا واشدهم عقوبة فتبين بذلك ان قليل ما يؤذيه يكفر به صاحبه ويحل دمه ولا يرد على هذا قوله تعالى ^ لاتدخلوا بيوت النبي ^ إلى قوله ^ ان ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم ^ فان المؤذي له هنا اطالتهم الجلوس في المنزل واستئناسهم للحديث لا أنهم هم اذو النبي والفعل اذا اذى النبي من غير ان يعلم صاحبه انه يؤذيه ولم يقصد صاحبه اذاه فانه ينهى عنه ويكون معصية كرفع الصوت فوق صوته فاما اذا قصد اذاه او كان مما يؤذيه وصاحبه يعلم انه يؤذيه واقدم عليه مع استحضاره هذا العلم فهذا الذي يوجب الكفر وحبوط العمل والله سبحانه اعلم # الدليل الثامن على ذلك ان الله سبحانه قال ^ وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا ازوجه من بعده ابدا ان ذلكم كان عند الله عظيما ^ فحرم على الامة ان تنكح ازواجه من بعده لان ذلك يؤذيه وجعله عظيما عند الله تعظيما للحرمته وقد ذكر ان هذه الاية نزلت لما قال بعض الناس لو قد توفي رسول الله تزوجت عائشه ثم ان من نكح ازواجه او سراريه فان عقوبته القتل جزاء له بما انتهك من حرمته فالشاتم له اولى
والدليل على ذلك ما روى مسلم في صحيحه عن زهير عن عفان عن حماد عن ثابت عن انس ان رجلا كان يتهم بام ولد النبي فقال رسول لعلي اذهب فاضرب عنقه فاتاه علي فاذا هو ركي يتبرد فقال له علي اخرج فناوله يده فاخرجه فاذا هو مجبوب ليس له ذكر فكف علي ثم اتى النبي فقال
يارسول الله انه لمجبوب ماله ذكر فهذا الرجل امر النبي بضرب عنقه لما قد استحل من حرمته ولم يامر باقامة حد الزنى لان حد الزنى ليس هو ضرب الرقبة بل ان كان محصنا رجم وان كان غير محصن جلد ولا يقام عليه الحد الا باربعة شهداء او بالاقرار المعتبر فلما امر النبي بضرب عنقه من غير تفصيل بين ان يكون محصنا او غير محصن علم ان قتله لما انتهكه من حرمته ولعله قد شهد عنده شاهدان انهما راياه يباشر هذه المراة او شهدا بنحو ذلك فامر بقتله فلما تبين انه كان مجبوبا علم ان المفسدة مامونة منه او انه بعث عليا ليستبرى القصة فان كان ما بلغه عنه حقا قتله ولهذا قال في هذه القصة او غيرها اكون كالسكة المحماة أم الشاهد يرى ما لايرى الغائب فقال بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب
ويدل على ذلك ان النبي تزوج قيلة بنت قيس بن معدي كرب اخت الاشعث ومات قبل ان يدخل بها وقبل ان تقدم عليه وقيل انه خيرها بين ان يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين وبين ان يطلقها فتنكح من شاءت فاختارت النكاح قالوا فلما مات النبي تزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت فبلغ أبا بكر فقال لقد هممت ان احرق عليهما بيتهما فقال عمر ما هي من امهات المؤمنين ولا دخل بها ولا ضرب عليها الحجاب وقيل
انها ارتدت فاحتج عمر على أبي بكر انها ليس من ازواج النبي بارتدادها # فوجه الدلالة ان الصديق رضى الله عنه عزم على تحريقها وتحريق من تزوجها لما راى انها من ازواج النبي حتى ناظره عمر انها ليست من ازواجه فكف عنهما لذلك فعلم انهم كانوا يرون قتل من استحل حرمة رسول الله # ولا يقال ان ذلك حد الزنى لانها كانت تكون محرمة عليه ومن تزوج ذات محرمة حد حد الزنى او قتل لوجهين # احدهما ان حد الزنى الرجم # الثاني ان ذلك الحد يفتقر إلى ثبوت الوطء ببينة او اقرار فلما اراد تحريق البيت مع جواز الايكون غشيها علم ان ذلك عقوبة لما انتهكه من حرمة رسول الله فصل # واما السنة فاحاديث # الحديث الاول ما رواه الشعبي عن علي ان يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فابطل رسول الله دمها هكذا رواه أبو داود في سننه وابن بطة في سننه وهو من جملة ما استدل به الإمام احمد في رواية ابنه عبد الله وقال ثنى جرير عن مغيرة عن الشعبي قال كان رجل من المسلمين اعني اعمى يؤوي إلى امراة يهودية فكانت تطعمه وتحسن اليه فكانت لا تزال تشتم النبي وتؤذيه فلما كان ليلة من الليالي خنقها فماتت فلما اصبح ذكر ذلك للنبي فنشد الناس في امرها فقام الاعمى فذكر له امرها فابطل رسول الله دمها # وهذا الحديث جيد فان الشعبي راى علي وروى عنه حديث شراحة الهمدانية وكان على عهد علي قد ناهز العشرين سنة وهو كوفي فقد ثبت لقاؤه عليا فيكون الحديث متصلا ثم ان كان فيه ارسالا لان الشعبي يبعد سماعه من علي فهو حجة وفاقا لان الشعبي عندهم صحيح المراسيل لايعرفون له مرسلا الا صحيحا ثم هو من اعلم الناس بحديث علي واعلمهم بثقات اصحابه # وله شاهد حديث ابن عباس الذي ياتي فان القصة اما ان تكون واحدة او يكون المعنى واحدا وقد عمل به عوام اهل العلم وجاء ما يوافقه عن اصحاب رسول الله ومثل هذا المرسل لم يتردد اللفقهاء في الاحتجاج به
وهذا الحديث نص في جواز قتلها لاجل شتم النبي ودليل على قتل الرجل الذمي وقتل المسلم والمسلمه اذا سبا بطريق الاولى لان هذه المراة كانت موادعة مهادنة لان النبي لما قدم المدينة وادع جميع اليهود الذين كانوا بها موادعة مطلقة ولم يضرب عليهم جزية وهذا مشهور عند اهل العلم بمنزلة المتواتر بينهم حتى قال الشافعي لم اعلم مخالفا من اهل العلم بالسير ان رسول الله لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية # وهو كما قال الشافعي وذلك ان المدينة كان فيما حولها ثلاثة اصناف من اليهود بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وكان بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج وكانت قريظة حلفاء الاوس # فلما قدم النبي هادنهم ووادعهم مع اقراره لهم ولمن كان حول المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على حلفهم ووعهدهم الذي كانوا عليه حتى انه عاهد اليهود على ان يعينوه اذا حارب ثم نقض العهد بنو قينقاع ثم النضير ثم قريظة
قال محمد بن اسحق يعني في أول ما قدم النبي المدينة وكتب رسول الله كتابا بين المهاجرين والانصار وادع فيه يهود وعاهدهم واقرهم على دينهم واحوالهم واشترط عليهم وشرط لهم # قال ابن اسحاق حدثني عثمان بن محمد بن عثمان بن الاخنس بن شريق قال اخذت من ال عمر بن الخطاب هذا الكتاب كان مقرونا بكتاب الصدقة الذي كتب عمر للعمال # كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي بين المسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم انهم امة واحدة دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم
يتعاقلون بينهم معاقلهم الاولى يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنوعوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ثم ذكر لبطون الأنصار بني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني النجار وبني عمرو ابن عوف وبني الاوس وبني النبيت مثل هذا الشرط # ثم قال وان المؤمنين لا يتركون مفرحا منهم ان يعطوه بالمعروف في فداء او عقل ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه إلى ان قال وان ذمة الله واحدة يجير عليهم ادناهم فان المؤمنين بعضهم مولى بعض دون الناس وانه من تبعنا من يهود فان له النصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم وان سلم المؤمنين واحدة إلى ان قال وان اليهود يتفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين وان ليهود بني عوف ذمة من المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وانفسهم الا من ظلم واثم فانه لا يوتغ الا نفسه واهل بيته وان اليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني الاوس مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف الا من ظلم واثم فانه لا يوتغ الا نفسه واهل بيته وان لحقته بطن من ثعلبه مثله وان لبني الشطبة مثل ما ليهود بني عوف وان موالي ثعلبه كانفسهم وان بطانة يهود كانفسهم
ثم يقول فيها وان الجار كالنفس غير مضار ولا اثم # وانه ما كان بين اهل هذه الصحيفة من حدث او اشتجار يخشى فساده فان مرده إلى الله والى محمد وان يهود الاوس ومواليهم وانفسهم على مثل ما في هذه الصحيفة مع البار المحسن من اهل هذه الصحيفة # وفيها اشياء اخر وهذه الصحيفة معروفة عند اهل العلم # روى مسلم في صحيحه عن جابر قال كتب رسول الله على كل بطن عقوله ثم كتب انه لا يحل أن يتولى رجل مسلم بغير اذنه # وقد بين فيها ان كل من تبع المسلمين من اليهود فان له النصر ومعنى الاتباع مسالمته وترك محاربته لا الاتباع في الدين كما بينه في اثناء الصحيفة فكل من اقام بالمدينة ومخالفيها غير محارب من يهود دخل في هذا
ثم بين ان ليهود كل بطن من الأنصار ذمة من المؤمنين ولم يكن بالمدينة أحد من اليهود الا وله حلف اما مع الاوس او مع بعض بطون الخزرج وكان بنو قينقاع وهم المجاورون بالمدينة وهم رهط عبد الله ابن سلام حلفاء بني عوف بن الخزرج رهط ابن أبي وهم البطن الذين بدئ بهم في هذه الصحيفة # قال ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ان بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله وحاربوا فيما بين بدر واحد فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على حكمه فقام عبد الله بن أبي سلول إلى رسول الله حين امكنه الله منهم
فقال يا محمد احسن في موالي فاعرض عنه فادخل يده في جيب درع الرسول فقال رسول الله ارسلني وغضب حتى ان لوجه رسول الله ظلالا وقال ويحك ارسلني فقال والله لا ارسلك حتى تحسن في موالي اربع مئة حاسر وثلاث مئة دارع قد منعوني من الاحمر والاسود تحصدهم في غداة واحدة اني والله لامرؤ اخشى الدوائر فقال رسول الله هم لك # اما النضير وقريظة فكانوا خارجا من المدينة وعهدهم مع رسول الله أشهر من ان يخفى على عالم # وهذه المقتولة والله اعلم كانت منهم أو من غيرهم فإنها كانت ذمية لأن لم يكن بالمدينة من قينقاع لان ظاهر القصة انها كانت بالمدينة وسواء كانت من اليهود الا ذمي فان اليهود كانوا ثلاثة اصناف وكلهم معاهد
وقال الواقدي حدثني عبد الله بن جعفر عن الحارث بن الفضيل عن محمد بن كعب القرظي قال لما قدم رسول الله المدينة وادعته يهود كلها فكتب بينه وبينها كتابا والحق رسول الله كل قوم بحلفائهم وجعل بينه وبينهم امانا وشرط عليهم شروطا فكان فيما شرط ان لا يظاهروا عليه عدوا
فلما اصاب رسول الله اصحاب بدر وقدم المدينة بغت يهود وقطعت ما كان بينها وبين رسول الله من العهد فارسل رسول الله اليهم فجمعهم ثم قال يامعشر يهود اسلموا فوالله انكم لتعلمون اني رسول الله قبل ان يوقع الله بكم مثل وقعة قريش فقالوا يا محمد لا يغرنك من لقيت انك لقيت اقواما اغمارا وانا والله اصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن انك لم تقاتل مثلنا # ثم ذكر حصارهم واجلاءهم إلى اذرعات وهم بنو قينقاع الذي كانوا بالمدينة # فقد ذكر ابن كعب مثل ما في الصحيفة وبين انه عاهد جميع اليهود وهذا مما لانعلم فيه تردد بين اهل العلم بسيرة النبي ومن تامل الاحاديث الماثورة والسيرة كيف كانت معهم علم ذلك ضرورة # وانما ذكرنا هذا لان بعض المصنفين في الخلاف قال يحتمل ان هذه المراة ما كانت ذمية وقائل هذا ممن ليس له بالسنة كثير علم وانما
يعلم منها في الغالب ما يعلمه العامة ثم انه ابطل هذا الاحتمال فقال لو لم تكن ذمية لم يكن للاهدار معنى فاذا نقل السب والاهدار تعلق به كتعلق الرجم بالزنى والقطع بالسرقة وهذا صحيح وذلك ان في نفس الحديث ما يبين انها كانت ذمية من وجهين # احدهما انه قال ان يهودية كانت تشتم النبي فخنقها رجل فابطل دمها فرتب علي رضي الله عنه ابطال الدم على الشتم بحرف الفاء فعلم انه هو الموجب لابطال دمها لان تعليق الحكم بالوصف المناسب بحرف الفاء يدل على العلية وان كان ذلك في لفظ الصحابي كما لو قال زنى ماعز فرجم ونحو ذلك اذ لافرق فيما يرويه الصحابي عن النبي من امر ونهي وحكم وتعليل في الاحتجاج به بين ان يحكي لفظ النبي او يحكي بلفظه معنى النبي فاذا قال امرنا رسول الله بكذا او نهانا عن كذا او حكم بكذا او فعل لاجل كذا كان حجة لانه لا يقدم على ذلك الا بعد ان يعلمه العلم الذي يجوز له معه ان ينقله وتطرق الخطا إلى مثل ذلك لا يلتفت اليه كتطرق النسيان والسهو في الرواية وهذا مقرر في موضعه
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
ومما يوضح ذلك أن النبي لما ذكر له انها قتلت نشد الناس في امرها فلما ذكر له ذنبها ابطل دمها وهو اذا حكم بامر عقب حكاية حال حكيت له دل ذلك على ان ذلك المحكي هو الموجب لذلك الحكم لانه حكم حادث فلابد له من سبب حادث ولا سبب الا ما حكي لله وهو مناسب فتجب الاضافة اليه # الوجه الثاني ان نشدان النبي الناس في امرها ثم ابطال دمها دليل على انها كانت معصومة وان دمها كان قد انعقد سبب ضمانة وكان مضمونا لو لم يبطله النبي لانها لو كانت حربية لم ينشد الناس فيها ولم يحتج ان يبطل دمها ويهدره لان الابطال والاهدار لا يكون الا لدم قد انعقد له سبب الضمان الا ترى انه لما راى امراة مقتولة في بعض مغازيه انكر قتلها ونهى عن قتل النساء ولم يبطله ولم يهدره فانه كان في نفسه باطلا هدرا والمسلمون يعلمون ان دم الحربية غير مضمون بل هو هدر لم يكن لابطاله واهداره وجه وهذا ولله الحمد ظاهر
فاذا كان النبي قد عاهد المعاهدين اليهود عهدا بغير ضرب جزية عليهم ثم انه اهدر دم يهودية منهم لاجل سب النبي فان يهدر دم يهودية من اليهود الذين ضربت عليهم الجزية والزموا احكام الملة لاجل ذلك اولى واحرى ولو لم يكن قتلها جائرا لبين للرجل قبح ما فعل فانه قد قال من قتل نفسا معاهدة بغير حقها
لم يرح رائحة الجنة ولا وجب ضمانها او الكفارة كفارة قتل المعصوم فلما اهدر دمها علم انه كان مباحا # الحديث الثاني ما روى إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما ان اعمى كانت له أم ولد تشتم النبي وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي وتشتمه فاخذ المغول فوضعه في بطنها واتكا عليها فقتلها فلما اصبح ذكر ذلك للنبي فجمع الناس فقال انشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق الا قام فقام الاعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي فقال يا رسول الله انا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فانهاها فلا تنتهي وازجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فاخذت المغول فوضعته في بطنها واتكات عليه حتى قتلتها فقال النبي الا اشهدوا ان دمها هدر رواه أبو داود والنسائي # والمغول بالغين المعجمة قال الخطابي شبيه المشمل ونصله دقيق ماض وكذلك قال غيره هو سيف رقيق له قفا يكون غمده كالسوط والمشمل السيف القصير سمي بذلك لانه يشتمل عليه الرجل اي يغطيه بثوبه واشتقاق المغول من غالة الشيء واغتاله اذا اخذه من حيث لم يدر # وهذا الحديث مما استدل به الإمام احمد في رواية عبد الله قال ثنا روح ثنا عثمان الشحام ثنا عكرمة مولى ابن عباس ان رجلا اعمى كانت له أم ولد تشتم النبي فقتلها فساله عنها فقال يا رسول الله انها كانت تشتمك فقال رسول الله # الا ان دم فلانة هدر # فهذه القصة يمكن ان تكون هي الاولى وعليه يدل كلام الإمام احمد لانه قيل له في رواية عبد الله في قتل الذمي اذا سب احاديث قال نعم منها حديث الاعمى الذي قتل المراة قال سمعتها تشتم النبي # ثم روى عنه عبد الله كلا الحديثين ويكون قد خنقها وبعج بطنها بالمغول او يكون كيفيه القتل غير محفوظة في احدى الروايتين
ويؤيد ذلك ان وقوع قصتين مثل هذه لاعميين كل منهما كانت المراة تحسن اليه وتكرر الشتم وكلاهما قتلها وحده وكلاهما نشد رسول الله فيها الناس بعيد في العادة وعلى هذا التقدير فالمقتولة يهودية كما جاء مفسرا في تلك الرواية وهذا قول القاضي أبي يعلي وغيره استدلوا بهذا الحديث على قتل الذمي ونقضه العهد وجعلوا الحديثين حكاية واقعة واحدة # ويمكن ان تكون هذه القصة غير تلك قال الخطابي فيه بيان ان ساب النبي يقتل وذلك ان السب منها لرسول الله ارتداد عن الدين وهذا دليل على انه اعتقد انها كانت مسلمة وليس في الحديث دليل على ذلك بل الظاهر انها كانت كافرة وكان العهد لها بملك المسلم اياها فان رقيق المسلمين ممن يجوز استرقاقه لهم حكم اهل الذمة وهم اشد في ذلك من المعاهدين او بتزوج المسلم بها فان ازواج المسلمين من اهل الكتاب لهم حكم اهل الذمة في العصمة لان مثل هذا السب الدائم لا يفعله مسلم الا عن ردة واختيار دين غير الإسلام ولو كانت مرتدة منتقلة إلى غير الإسلام لم يقرها سيدها على ذلك اياما طويلة ولم يكتف بمجرد نهيها عن السب بل يطلب منها تجديد الإسلام لا سيما ان كان يطؤها فان وطء المرتدة لا يجوز والاصل عدم تغير حالها وانها كانت باقية على دينها يوضح ذلك ان
الرجل لم يقل كفرت ولا ارتدت وانما ذكر مجرد السب والشتم فعلم انه لم يصدر منها قدر زائد على السب والشتم من انتقال من دين إلى دين او نحو ذلك # وهذه المراة اما ان تكون كانت زوجة لهذا الرجل او مملوكه له وعلى التقديرين فلو لم يكن قتلها جائزا لبين النبي له ان قتلها كان محرما وان دمها كان معصوما ولاوجب عليه الكفارة بقتل المعصوم والدية ان لم تكن مملوكه له فلما قال اشهدوا ان دمها هدر والهدر الذي لا يضمن بقود ولادية ولا كفارة علم انه كان مباحا مع كونها كانت ذمية فعلم ان السب اباح دمها لا سيما والنبي انما اهدر دمها عقب اخباره بانها قتلت لاجل السب فعلم انه الموجب لذلك والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك # الحديث الثالث مااحتج به الشافعي على ان الذمي اذا سب قتل وبرئت منه الذمه وهو قصة كعب بن الاشرف اليهودي # قال الخطابي قال الشافعي يقتل الذمي اذا سب النبي وتبرامنه الذمة واحتج بذلك بخبر كعب بن الاشرف وقال الشافعي في الام لم يكن بحضرة النبي ولا قربة مشرك من اهل الكتاب الا يهود المدينة وكانوا حلفاء الأنصار ولم تكن الأنصار اجمعت أول ماقدم رسول الله إسلاما فوادعت يهود رسول الله ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فتكلم بعضها بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله فيهم ومعلوم انه انما اراد بهذا الكلام كعب بن الاشرف والقصة مشهورة مستفيضة وقد رواها عمر بن دينار عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمه فقال انا يارسول الله اتحب ان اقتله قال نعم قال ائذن لي ان اقول شيئا قال قل قال فاتاه وذكره ما بينهم قال ان هذا الرجل قد اراد الصدقة وعنانا صولما سمعه قال وايضا والله لتملنه وقال انا قد اتبعناه الان ونكره ان ندعه حتى ننظر إلى اي شيء يصير امره قال وقد اردت ان تسلفني سلفا قال فما ترهنني نساءكم قال انت اجمل العرب انرهنك نساءنا قال ترهنوني اولادكم قال يسب ابن احدانا فيقال رهنت في وسقين من تمر ولكن نرهنك الأمة يعني السلاح قال نعم وواعده ان ياتيه بالحارث وابي عبس بن جبر وعباد بن بشر فجاؤوا فدعوه ليلا فنزل اليهم قال سفيان قال غير عمروقالت له امراته اني لاسمع صوتا كانه صوت دم قال انما هذا محمد ورضيعه أبو نائله ان الكريم لو دعي إلى طعنه ليلا لاجاب قال محمد اي اذا جاء فسوف امد يدي إلى راسه فاذا استمكنت منه فدونكم قال فلما نزل نزل وهو متوشح قالوا نجد منك ريح الطيب قال نعم تحتي فلانه اعطر نساء العرب قال افتاذن لي ان اشم منه قال نعم فشم ثم قال اتاذن لي ان اعود قال فاستمكن منه ثم قال دونك فاقتلوه متفق عليه # وروى ابن أبي اويس عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمه عن ابيه عن جابر بن عبد الله ان كعب بن الاشرف عاهد الرسول الله ان لا نعين عليه ولا يقاتله ولحق بمكة ثم قدم المدينة معلنا لمعادات النبي فكان أول ما خزع عنه قوله % اذاهب انت لم تحلل بمرقبة % وتارك انت امر الفضل بالحرم %
في ابيات يهجوه بها فعند ذلك ندب رسول الله إلى قتله وهذا محفوظ عن ابن أبي اويس رواه الخطابي وغيره وقال قوله خزع معناه قطع عهده وفي رواية غير الخطابي فخزع منه هجائه له فامر بقتله والخزع القطع يقال خزع فلان عن اصحابه خزعا اي انقطع وتخلف ومنه سمية خزاعة لانهم انخزعوا عن اصحابهم واقاموا بمكة فعلى الفظ الاول يكون التقدير ان قوله هذا هو أول خزعة عن النبي اي أول انقطاعه عنه بنقض العهد وعلى الثاني قيل معناه قطع هجاه للنبي منه يعني انه نقض عهده وذمته وقيل معناه خزع من النبي معناه هجاه اي نال منه وشعث منه ووضع منه
وذكر اهل المغازي والتفسير مثل محمد بن اسحاق ان كعب بن الاشرف كان موادعا للنبي في جملة من وادعه من يهود المدينة وكان عربيا من بني طي وكانت امه من بني النضير قالوا فلما قتلوا اهل بدر شق ذلك عليه وذهب إلى مكة ورثاهم لقريش وفضل دين الجاهلية على دين الإسلام حتى انزل الله فيه ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا ^ # ثم لما رجع إلى المدينة اخذ ينشد الاشعار يهجو بها النبي وشبب بنساء المسلمين حتى اذاهم حتى قال النبي من لكعب ابن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله وذكروا قصة قتله مبسوطة
وقال الواقدي حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رمان ومعمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وابراهيم بن جعفر عن ابيه عن جابر وذكر القصه إلى قتله قال ففزعت يهود ومن معها من المشركين فجاوا إلى النبي حين اصبحوا فقالوا
قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه فقال رسول الله # انه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رايه ما اغتيل ولكنه نال منا الاذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم الا كان السيف # ودعاهم رسول الله إلى ان يكتب بينهم كتابا ينتهون الي مافيه فكتبوا بينهم وبينه كتابا تحت العذق في دار رملة بنت الحارث فحذرت يهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الاشرف # والاستدلال بقتل كعب بن اشرف من وجهين احداهما انه كان معاهدا مهادنا وهذا لا خلاف فيه بين اهل العلم بالمغازي والسير وهو عندهم من العلم العام الذي يستغنى فيه عن نقل الخاصة
ومما لا ريب فيه عند اهل العلم ما قدمناه من ان النبي عاهد لما قدم المدينة جميع اصناف اليهود بني قينقاع والنضير وقريظة ثم نقضت بنو قينقاع عهده فحاربهم ثم نقض عهده كعب بن الاشرف ثم نقض عهده بنو النضير ثم بنو قريظه وكان ابن الاشرف من بني النضير وامرهم ظاهر في انهم كانوا مصالحين للنبي وانما نقضوا العهد لما خرج اليهم يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمر بن امية الضمري وكان ذلك بعد مقتل كعب بن الاشرف وقد ذكرنا الرواية الخاصة ان كعب بن الاشرف كان معاهد للنبي ثم ان النبي جعله ناقضا للعهد بهجائه واذاه بلسانه خاصة # والدليل على انه انما نقض العهد بذلك ان النبي قال من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله فعلل ندب الناس له باذاه والاذى المطلق هو باللسان كما قال سبحانه ^ ولتسمعن من
الذين اتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا ^ وقال ^ لن يضروكم الا اذى ^ وقال ^ ومنهم اللذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن ^ وقال ^ ولا تكونوا كالذين اذوا موسى فبراه الله مما قالوا ^ الاية وقال ^ ولا مستانسين لحديث ان ذلكم كان يؤذي النبي ^ إلى قوله ^ وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا ^ الاية # ثم ذكر الصلاة عليه والتسليم خبرا وامرا وذلك من اعمال اللسان ثم قال ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله ^ إلى قوله ^ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ^ # وقال النبي فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى يؤذيني ابن ادم يسب الدهر وانا الدهر وهذا كثير # وقد تقدم ان الاذى اسم لقليل الشر وخفيف المكروه لخلاف الضرر فلذلك اطلق على القول لانه لايضر المؤذي في الحقيقة
وايضا فانه جعل مطلق اذى الله ورسوله موجبا لقتل رجل معاهد ومعلوم ان سب الله وسب ورسوله اذى لله ولرسوله واذا رتب الوصف على الحكم بحرف الفاء دل على ان ذلك الوصف علة لذلك الحكم لا سيما اذا كان مناسبا وذلك يدل على ان اذى الله ورسوله علة لندب المسلمين إلى قتل من يفعل ذلك من المعاهدين وهذا دليل ظاهر على انتقاض عهده باذى الله ورسوله والسب من اذى الله ورسوله باتفاق المسلمين بل هو اخص انواع الاذى # وايضا فقد قدمنا في حديث جابر ان أول ما نقض به العهد قصيدته التي انشاها بعد رجوعه إلى المدينة يهجو بها رسول الله وان رسول الله عندما هجاه بهذه القصيدة ندب إلى قتله وهذا وحده دليل على انه انما نقض العهد بالهجاء لا بذهابه إلى مكة # وما ذكره الواقدي عن اشياخه يوضح ذلك ويؤيده وان كان الواقدي لا يحتج به اذا انفرد لكن لا ريب في علمه في المغازي واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته ولم نذكر عنه الا ما اسندناه عن غيره # فقوله لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رايه ما اغتيل ولكنه نال منا الاذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم الا كان السيف نص في انه انما انتقض عهد ابن الاشرف بالهجاء
ونحوه وان من فعل هذا من المعاهدين فقد استحق السيف وحديث جابر المسند من الطريقين يوافق هذا وعليه العمدة في الاحتجاج # وايضا فانه لما ذهب إلى مكة ورجع إلى المدينة لم يندب النبي المسلمين إلى قتله فلما بلغه عنه الهجاء ندبهم إلى قتله والحكم الحادث يضاف إلى السبب الحادث فعلم ان ذلك الهجاء والاذى الذي كان بعد قفوله من مكة موجب لنقض عهده ولقتاله واذا كان هذا في المهادن الذي لا يؤدي جزية فما الظن بالذمي الذي يعطي الجزية ويلزم احكام الملة # فان قيل ان ابن الاشرف كان قد اتى بغير السب والهجاء فروى الإمام احمد قال ثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال لما قدم كعب بن الاشرف مكة قالت قريش الاترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه يزعم انه خير منا ونحن اهل الحجيج واهل السدانة واهل السقاية قال فنزلت فيهم ^ ان شانئك هو الابتر ^ قال وانزلت فيه ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا ^ إلى قوله ^ نصيرا ^ # وقال ثنا عبد الرازق قال قال معمر اخبرني ايوب عن عكرمة ان كعب بن الاشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش فاستجاشهم على النبي وامرهم ان يغزوه وقال لهم انا معكم فقالوا انكم اهل كتاب وهو صاحب كتاب ولا نامن ان يكون مكرا منكم فان اردت ان نخرج معك فاسجد للهذين الصنمين وامن بهما ففعل ثم قالوا له انحن اهدى أم محمد نحن نصل الرحم ونقري الضيف ونطوف بالبيت وننحر الكوم ونسقي اللبن على الماء ومحمد قطع رحمه وخرج من بلده قال بل انتم خير واهدى قال فنزلت فيه ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا ^
وقال ثنا عبد الرزاق ثنا إسرائيل عن السدي عن أبي مالك قال ان اهل مكة قالوا لكعب بن الاشرف لما قدم عليهم ديننا خير أم دين محمد قال اعرضوا علي دينكم قالوا نعمر بيت ربنا وننحر الكوماء ونسقي الحاج الماء ونصل الرحم ونقري الضيف قال دينكم خير من دين محمد فانزل الله تعالى هذه الاية
قال موسى بن عقبة عن الزهري كان كعب بن الاشرف اليهودي وهو أحد بني النضير او هو فيهم قد اذى رسول الله بالهجاء وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستعان بهم على رسول الله فقال أبو سفيان اناشدك اديننا احب إلى الله أم دين محمد واصحابه واينا اهدى في رايك واقرب إلى الحق فانا نطعم الجزور الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونطعم ما هبت الشمال قال ابن الاشرف انتم اهدى منهم سبيلال ثم خرج مقبلا حتى اجمع راي المشركين على قتال رسول الله معلنا بعداوة رسول الله وبهجائه فقال رسول الله # من لنا من ابن الاشرف فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا
قد خرج إلى قريش فاجمعهم على قتالنا وقد اخبرني الله بذلك ثم قدم على اخبث ما كان ينتظر قريشا ان تقدم فيقاتلنا معهم ثم قرا رسول الله على المسلمين ما نزل فيه ان كان كذلك والله اعلم قال الله عز وجل ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب ^ إلى قوله ^ سبيلا ^ وايات معها فيه وفي قريش # وذكر لنا رسول الله قال اللهم اكفني ابن الاشرف بما شئت فقال له محمد بن مسلمة انا يا رسول الله اقتله وذكر القصة في قتله إلى اخرها ثم قال فقتل الله ابن الاشرف بعداوته لله ورسوله وهجائه اياه وتاليبه عليه قريشا واعلانه بذلك # وقال محمد بن اسحاق كان من حديث كعب بن الاشرف انه لما اصيب اصحاب بدر وقدم زيد بن حارثه إلى اهل السافلة وعبد الله بن رواحة إلى اهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله تعالى عليه وقتل من قتل من المشركين كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة الظفري وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وصالح بن أبي إمامه بن سهل كل واحد قد حدثني بعض حديثه قالوا كان كعب بن الاشرف من بني طيء ثم أحد بني نبهان وكانت امه من بني النضير فقال حين بلغه الخبر احق هذا اترون ان محمدا قتل هؤلاء الذين سمى هذان الرجلان يعني زيدا وعبد الله بن رواحه فهؤلاء اشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمدا اصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خير من ظهرها فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة ونزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن اميه فانزلته واكرمته وجعل يحرض على رسول الله وينشد الاشعار ويبكي اصحاب القليب من قريش الذين اصيبوا ببدر وذكر شعرا وما رد عليه حسان بن ثابت وغيره ثم رجع كعب بن الاشرف إلى المدينة يشبب بنساء المسلمين حتى اذاهم فقال رسول الله كما حدثني عبد الله بن أبي المغيث من لي من ابن الاشرف فقال محمد بن مسلمة انا لك به يا رسول الله انا اقتله وذكر القصة # وقال الواقدي حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان ومعمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وابراهيم بن جعفر عن ابيه عن جابر بن عبد الله فكل قد حدثني منه بطائفة فكان الذي اجتمعوا عليه قالوا ابن الاشرف كان شاعرا وكان يهجو النبي واصحابه ويحرض عليهم كفار قريش في شعره وكان رسول الله قدم المدينة واهلها اخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام فيهم اهل الحلقة والحصون ومنهم حلفاء للحيين جميعا الاوس والخزرج فاراد رسول الله حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم وكان الرجل يكون مسلما وابوه مشركا فكان المشركون واليهود من اهل المدينة يؤذون رسول الله واصحابه اذى شديدا فامر الله نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم وفيهم انزل ^ ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور ^ وفيهم انزل الله ^ ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم ^ الاية # فلما ابى ابن الاشرف ان ينزع عن اذى رسول الله واذى المسلمين وقد بلغ منهم فلما قدم زيد بن حارثة بالبشارة من بدر بقتل المشركين واسر من اسر منهم فراى الاسرى مقرنين كبت وذل ثم قال لقومه ويلكم والله لبطن الارض خير لكم من ظهرها اليوم هؤلاء سراة الناس قد قتلوا واسروا فما عندكم قالوا عداوته ما حيينا قال وما انتم وقد وطيء قومه واصابهم ولكني اخرج إلى قريش فاحضها وابكي قتلاها لعلهم ينتدبون فاخرج معهم فخرج حتى قدم مكة ووضع رحلة عند أبي وداعة بن أبي صبيرة السهمي وتحته عاتكة بنت اسيد بن أبي العيص فجعل يرثي قريشا وذكر ما رثاهم به من الشعر وما اجابه به حسان فاخبره بنزول كعب على من نزل فقال حسان فذكر شعرا هجا به اهل البيت الذي نزل فيهم قال فلما بلغها هجاؤه نبذت رحلة وقالت ما لنا ولهذا اليهودي الا ترى ما يصنع بنا حسان فتحول فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله حسانا فقال ابن الاشرف نزل على فلان فلا يزال يهجوا حتى نبذ رحلة فلما لم يجد ماوى قدم المدينة فلما بلغ النبي قدوم ابن الاشرف قال اللهم اكفيني ابن الاشرف بما شئت في اعلانه الشر وقوله الاشعار وقال رسول الله من لي من ابن الاشرف فقد آذاي فقال محمد بن مسلمة انا يارسول الله وانا اقتله قال فافعل وذكر الحديث # فقد اجتمع لابن الاشرف ذنوب انه رثى قتلى قريش وحضهم على محاربة النبي وواطاهم على ذلك واعانهم على محاربته باخباره ان دينهم خير من دينه وهجا النبي والمؤمنين
قلنا الجواب من وجوه # احدها ان النبي لم يندب إلى قتله لكونه ذهب إلى مكة وقال ما قال هناك وانما ندب إلى قتله لما قدم وهجاه كما جاء ذلك مفسرا في حديث جابر المتقدم بقوله ثم قدم المدينة معلنا لعداوة النبي ثم بين ان أول ما قطع به العهد تلك الابيات التي قالها بعد الرجوع وان النبي حينئذ ندب إلى قتله وكذلك في حديث موسى بن عقبة من لنا من ابن الاشرف فانه قد استعلن بعداوتنا وهجائنا # ويؤيد ذلك شيئان # احدهما ان سفيان بن عيينه روى عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال جاء حيي بن اخطب وكعب بن الاشرف إلى اهل مكة فقالوا انتم اهل الكتاب واهل العلم فاخبرونا عنا وعن محمد فقالوا ما انتم وما محمد فقالوا نصل الارحام وننحر الكوماء ونسقي الماء على اللبن ونفك العناة ونسقي الحجيج ومحمد
صنبور قطع ارحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار فنحن خير أم هو فقالوا بل انتم خير واهدى سبيلا فانزل الله تعالى ^ الم تر إلى الذين اتوا نصيبا من الكتاب ^ إلى قوله ^ اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ^ # وكذلك قال قتادة ذكر لنا ان هذه الاية نزلت في كعب بن الاشرف وحيي بن اخطب رجلين من اليهود من بني النضير لقيا قريشا في الموسم فقال لهما المشركون نحن اهدى أم محمد واصحابه فانا اهل السدانة واهل السقاية واهل الحرم فقالا انتم اهدى من محمد واصحابه وهما يعلمان انهما كاذبان انما محلهما على ذلك حسد محمد واصحابه فانزل الله تعالى فيهم ^ اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ^ فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما ان محمدا يزعم انه قد نزل فيكما كذا وكذا قال صدق والله ما حملنا على ذلك الا حسده وبغضه # وهذان مرسلان من وجهين مختلفين فيهما ان كلا الرجلين ذهبا إلى مكة وقالا ما قالا ثم انهما قدما فندب النبي إلى قتل ابن الاشرف وامسك عن ابن اخطب حتى نقض بنو النضير العهد فاجلاهم النبي فلحق بخيبر ثم جمع عليه الاحزاب فلما انهزموا دخل مع بني قريظة حصنهم حتى قتله الله معهم فعلم ان الامر الذي اتياه بمكة لم يكن هو الموجب للندب إلى قتل ابن الاشرف وانما هو ما اختص به ابن الاشرف من الهجاء ونحوه وان كان ما فعله بمكة مؤيدا عاضد لكن مجرد الاذى لله ورسوله موجب للندب إلى قتله كما نص عليه النبي بقوله من لكعب بن الاشرف فانه قد آذى الله ورسوله وكما بينه جابر في حديثه # الوجه الثاني ان ابن أبي اويس قال حدثني إبراهيم بن جعفر الحارثي عن ابيه عن جابر قال لما كان من امر النبي وبني قريظة كذا فيه واحسبه وبني قينقاع اعتزل كعب بن الاشرف ولحق بمكة وكان فيها وقال لا اعين عليه ولا اقاتله فقيل له بمكة اديننا خير أم دين محمد واصحابه قال دينكم خير واقدم دين محمد حديث فهذا دليل على انه لم يظهر محاربه # الجواب الثاني ان جميع ما اتاه ابن الاشرف انما هو اذى باللسان فان مرثيته لقتلى المشركين وتحضيضه وسبه وهجاءه وطعنه في دين الإسلام وتفضيل دين الكفار عليه كله قول باللسان ولم يعمل عملا فيه محاربه ومن نازعنا في سب النبي ونحوه فهو في تفضيل دين الكفار وحضهم باللسان على قتل المسلمين اشد منازعه لان الذمي اذا تجسس لاهل الحرب واخبرهم بعورات المسلمين ودعا الكفار إلى قتالهم انتقض عهده ايضا عندنا كما ينتقض عهد الساب ومن قال ان الساب لا ينتقض عهده فانه يقول لا ينتقض العهد بالتجسس للكفار ومطالعتهم باخبار المسلمين بطريق الاولى عندهم وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والشافعي ايضا على خلاف بين اصحابه وابن الاشرف لم يوجد منه الا الاذى باللسان فقط فهو حجة على من نازع في هذه المسائل ونحن نقول ان ذلك كله نقض للعهد # والجواب الثالث ان تفضيل دين الكفار على دين المسلمين هو دون سب النبي بلا ريب فان كون الشيء مفضولا احسن حالا من كونه مسبوبا مشتوما فان كان ذلك ناقضا للعهد فالسب بالطريق الاولى واما مرثيته للقتلى وحضهم على اخذ ثارهم فاكثر ما فيه تهييج قريش على المحاربة وقريش كانوا قد اجمعوا على محاربة النبي عقب بدر وارصدوا العير التي كان فيها أبو سفيان للنفقة على حربه فلم يحتاجوا في ذلك إلى كلام ابن الاشرف نعم مرثيته وتفضيله ربما زادهم غيظا ومحاربة لكن سبه للنبي وهجاءه له ولدينه ايضا مما يهيجهم على المحاربة ويغريهم به فعلم ان الهجاء فيه من الفساد مافي غيره من الكلام وابلغ فاذا كان غيره من الكلام نقضا فهو ان يكون نقضا اولى ولهذا قتل النبي جماعة من النسوة اللواتي كن يشتمنه ويهجونه مع عفوه عما كانت تعين عليه وتحض على قتاله # الجواب الرابع انما ذكره حجة لنا من وجه اخر وذلك انه قد اشتهر عند اهل العلم من وجوه كثيرة ان قوله تعالى ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب ^ نزلت في كعب بن الاشرف بما قاله لقريش وقد اخبر الله سبحانه انه لعنه وان من لعنه فلن تجد له نصيرا وذلك دليل على انه لا عهد له لانه لو كان له عهد لكان يجب نصره على المسلمين فعلم ان مثل هذا الكلام يوجب انتقاض عهده وعدم ناصره فكيف بما هو اغلظ منه من شتم وسب وانما لم يجعله النبي والله اعلم بمجرد ذلك ناقضا للعهد لانه لم يعلن بهذا الكلام ولم يجهر به وانما اعلم الله به رسوله وحيا كما تقدم بالاحاديث ولم يكن النبي لياخذ احدا من المسلمين والمعاهدين الا بذنب ظاهر فلما رجع إلى المدينة واعلن الهجاء والعداوة استحق ان يقتل لظهور اذاه وثبوته عند الناس نعم من خيف منه الخيانة فانه ينبذ اليه العهد اما اجراء حكم المحاربة عليه فلا يكون حتى تظهر المحاربة وتثبت عليه # فان قيل كعب بن الاشرف سب النبي بالهجاء والشعر كلام موزون يحفظ ويروى وينشد بالاصوات والالحان ويشتهر بين الناس وذلك له من التاثير في الاذى والصد عن سبيل الله ما ليس للكلام المنثور ولذلك كان النبي يامر حسان ان يهجوهم ويقول لهو انكى فيهم من النبل فيؤثر هجاءه فيهم اثرا عظيما يمتنعون به من اشياء لايمتنعون عنها لو سبوا بكلام منثور اضعاف الشعر # وايضا فان كعب بن الاشرف وام الولد المتقدمة تكرر منهما سب النبي واذاه وكثر والشيء اذا كثر واستمر صار له حال اخرى ليست له اذا انفرد وقد حكيتم ان الحنفية يجيزون قتل من كثر منه مثل هذه الجريمة وان لم يجيزوا قتل من لم يتكرر منه فاذن مادل عليه الحديث يمكن المخالف ان يقول به # قلنا اولا إن هذا يفيدنا ان السب في الجملة من الذمي مهدر لدمه ناقض لعهده ويبقى الكلام في الناقض للعهد هل هو نوع خاص من السب وهو ما كثر او غلظ او مطلق السب هذا نظر اخر فما كان مثل هذا السب وجب ان يقال انه مهدر لدم الذمي حتى لا يسوغ لاحد ان يخالف نص السنة فلو زعم زاعم ان شيئا من كلام الذمي واذاه يبح دمه كان مخالفا للسنة الصحيحة الصريحة خلافا لا عذر فيه لاحد # وقلنا ثانيا لا ريب ان الجنس الموجب للعقوبة قد يتغلظ بعض انواعه صفة او قدرا او صفة وقدرا فانه ليس قتل واحد من الناس مثل قتل والد او ولد عالم صالح ولا ظلم بعض الناس مثل ظلم يتيم فقير بين ابوين صالحين وليست الجناية في الاوقات والاماكن الاحوال المشرفة كاحرم والاحرام والشهر الحرام كالجناية في غير ذلك وكذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين بتغليظ الديات اذا تغلظ القتل باحد هذه الاسباب وقال النبي وقد قيل له اي الذنب أعظم قال ان تجعل لله ندا وهو خالقك قيل ثم اي قال ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك قيل له ثم اي قال ثم ان تزاني حليلة جارك # ولا شك ان من قطع الطريق مرات متعدده وسفك دماء خلق من المسلمين وكثر منه اخذ الاموال كان جرمه أعظم من جرم من لم يفعله الا مرة واحدة ولا ريب ان من أكثر من سب النبي او نظم القصائد في سبه فان جرمه اغلظ من جرم من سبه بالكلمة الواحدة المنثورة بحيث يجب ان تكون اقامة الحد عليه او كد والانتصار لرسول الله اوجب وان المقل لو كان اهلا ان يعفى عنه لم يكن هذا اهلا لذلك ولكن هذا الحديث كغيره من الاحاديث يدل على أن جنس الاذى لله ورسوله ومطلق السب الظاهر مهدر لدم الذمي ناقض لعهده وان كان بعض الاشخاص اغلظ جرما من بعض لتغلظ سبه نوعا او قدرا وذلك من وجوه # احداها ان النبي قال من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله فجعل علة الندب إلى قتله انه اذى الله ورسوله واذى الله ورسوله اسم مطلق ليس مقيدا بنوع ولا بقدر فيجب ان يكون مطلق اذى الله ورسوله علة للانتداب إلى قتل من فعل ذلك من ذمي وغيره وقليل السب وكثيره ومنظومه ومنثوره اذى بلا ريب فيتعلق به الحكم وهو امر الله ورسوله بقتله ولو لم يرد هذا المعنى لقال من لكعب ابن الاشرف فانه قد بالغ في اذى الله ورسوله او قد أكثر من اذى الله ورسوله او قد دام على اذى الله ورسوله وهو الذي اوتي جوامع الكلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى ولم يخرج من بين شفتيه الا حق في غضبه ورضاه # وكذلك قوله في الحديث الاخر انه نال منا الاذى وهجانا بالشعر ولا يفعل هذا أحد منكم الا كان السيف ولم يقيده بالكثره
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
الثاني انه اذاه بهجائه المنظوم واليهودية بكلام منثور وكلاهما اهدر دمه فعلم ان النظم ليس له تاثير في اصل الحكم اذ لم يخص ذلك الناظم والوصف اذا ثبت الحكم بدونه كان عديم التاثير فلا يجعل جزاء من العلة ولا يجوز ان يكون هذا من باب تعليل الحكم بعلتين لان ذلك انما يكون اذا لم تكن احداهما مندرجة في الاخرى كالقتل والزنى واما اذا اندرجت احداهما في الاخرى فالوصف الاعم هو العلة والاخص عديم التاثير # الوجه الثالث ان الجنس المبيح للدم لا فرق بين قليله وكثيره وغليظه وخفيفه في كونه مبيحا للدم سواء كان قولا او فعلا كالردة والزنى والمحاربة ونحو ذلك وهذا هو قياس الاصول فمن زعم ان من الاقوال او الافعال ما يبيح الدم اذا كثر ولا يبيحه مع القلة فقد خرج عن قياس الاصول وليس له ذلك الا بنص يكون اصلا بنفسه ولا نص يدل على اباحة القتل في الكثير دون القليل وما ذهب اليه المنازع من جواز قتل من كثر منه القتل بالمثقل والفاحشة في الدبر دون من قل انما هو حكاية مذهب والكلام في الجميع واحد # ثم انه قد صح عن النبي انه رضخ راس يهودي بين حجرين لانه فعل ذلك بجاريه من الأنصار فقد قتل من قتل بالمثقل قودا مع انه لم يتكرر منه وقال في الذي يعمل عمل قوم لوط اقتلوا الفاعل والمفعول به ولم يعتبر التكرروكذلك اصحابه من بعده قتلوا فاعل ذلك اما رجما او حرقا او غير ذلك مع عدم التكرر واذا كانت الاصول المنصوصة او المجمع عليها مستوية في اباحة الدم بين المرة الواحدة والمرات المتعدده كان الفرق بينهما في اباحة الدم اثبات حكم بلا اصل ولا نضير بل على خلاف الاصول الكلية وذلك غير جائز يوضح ذلك ان ما ينقض الايمان من الاقوال يستوي فيه واحده وكثيره وان لم يصرح بالكفر كما لو كفر باية واحدة او بفريضة ظاهرة او سب الرسول مرة واحدة فانه كما لو صرح بتكذيب الرسول وكذلك ما ينقض الايمان من الاقوال لو صرح به وقال قد نقضت العهد وبرئت من ذمتكم انتقض عهده بذلك وان لم يكرره فكذلك ما يستلزم ذلك من السب والطعن في الدين ونحو ذلك لا يحتاج إلى تكرير # الوجه الرابع انه اذا أكثر من هذه الاقوال والافعال فاما ان يقتل لان جنسها مبيح للدم او لان المبيح قدر مخصوص فان كان الاول فهو المطلوب وان كان الثاني فماحد ذلك المقدار المبيح للدم وليس لاحد ان يحد في ذلك حدا الا بنص او إجماع او قياس عند من يرى القياس في المقدرات والثلاثة منتفيه في مثل هذا فانه ليس في الاصول قول او فعل يبيح الدم منه عدد مخصوص ولا يبيحه اقل منه ولا ينتقضته هذا الا بالاقرار في الزنى فانه لا يثبت الا باربع مرات عند من يقول به او القتل بالقسامة فانه لا يثبت الا بعد خمسين يمينا عند من يرى القود بها او رجم الملاعنه فانه لا يثبت الا بعد ان يشهد الزوج اربع مرات عند من يرى انها ترجم بشهادة الزوج اذا نكلت لان المبيح للدم ليس هو الاقرار ولا الايمان وانما المبيح فعل الزنى او فعل القتل وانما الاقرار والايمان حجة ودليل على ثبوت ذلك ونحن لم ننازع في ان الحجج الشرعية لها نصب محدودة واني قلنا ان نفس القول او العمل المبيح للدم لا نصاب له في الشرع وانما الحكم معلق بجنسه # الوجه الخامس ان القتل عند كثرة هذه الاشياء اما ان يكون حدا يجب فعله او تعزيزا يرجع إلى راي الإمام فان كان الاول لابد من تحديد موجبه ولا حد له الا تعليقه بالجنس اذ القول بما سوى ذلك تحكم وان كان الثاني فليس في الاصول تعزيز بالقتل فلا يجوز اثباته الا بدليل يخصه والعمومات الواردة في ذلك مثل قوله لا يحل دم امرء مسلم الا باحدى ثلاث يدل على ذلك ايضا # الوجه الثاني من الاستدلال به ان النفر الخمسة الذين قتلوه من المسلمين محمد بن مسلمة وابا نائله وعباد بن بشر والحارث بن اوس وابا عبس بن جبر قد اذن لهم النبي ان يغتالوه ويخدعوه بكلام يظهرون به انهم قد امنوه ووافقوه ثم يقتلوه ومن المعلوم ان من اظهر لكافر امانا لم يجز قتله بعد ذلك لاجل الكفر بل لو اعتقد الكافر الحربي ان المسلم امنه وكلمه على ذلك صار مستامنا قال النبي فيما رواه عنه عمرو بن الحمق من امن رجل على دمه وماله ثم قتله فانا منه بريء وان كان المقتول كافرا رواه الإمام احمد وابن ماجه # وعن سليمان بن صرد عن النبي قال اذا امنك الرجل على دمه وماله فلا تقتله رواه ابن ماجه وعن أبي هريره عن النبي قال الايمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن رواه أبو داود وغيره # وقد زعم الخطابي انهم انما فتكوابه لانه كان قد خلع الامان ونقض العهد قبل هذا وزعم ان مثل هذا جائز في هذا جائز في الكافر الذي لا عهد له كما جاز البيات والاغارة عليهم في اوقات الغرة لكن يقال هذا الكلام الذي كلموه به صار مستامنا وادنى احواله ان يكون له شبهة امان مثلل ذلك لايجوز قتله بمجرد الكفر فان الامان يعصم دم الحربي ويصير مستامنا باقل من هذا كما هو معروف في مواضعه وانما قتلوه لاجل هجائه واذاه لله ورسوله ومن حل قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بامان ولا بعهد كما لو امن المسلم من وجب قتله لاجل قطع الطريق ومحابرة الله ورسوله والسعي في الارض بالفساد الموجب للقتل او امن من وجب قتله لاجل زناه او امن من وجب قتله لاجل الردة او لاجل ترك اركان الإسلام ونحو ذلك ولا يجوز ان يعقد له عقد عهد سواء كان عقد امان او عقد هدنة او عقد ذمة لان قتله حد من الحدود وليس قتله لمجرد كونه كافرا حربيا كما سياتي واما الاغارة والبيات فليس هناك قول او فعل صاروا به امنين ولا اعتقدوا انهم قد امنوا بخلاف قصة كعب بن الاشرف فثبت ان اذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يحقن معه الدم بالامان فلأن لا يحقن معه بالذمة المؤبدة والهدنة المؤقتة بطريق الاولى فان الامان يجوز عقده لكل كافر ويعقده كل مسلم ولا يشترط على المستامن شئ من الشروط والذمة لا يعقدها الا الإمام او نائبه ولا تعقد الا بشروط كثيرة تشترط على اهل الذمة من التزام الصغار ونحوه وقد كان عرضت لبعض السفهاء شبهة في قتل ابن الاشرف فظن ان دم مثل هذا يعصم بذمه متقدمة او بظاهر امان وذلك نظير الشبهه التي عرضت لبعض الفقهاء حتى ظن ان العهد لا ينتقد بذلك فروى ابن وهب اخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد أخي سفيان بنى سعيد الثوري عن ابيه عن عباية قال ذكر قتل ابن الاشرف عند معاوية فقال ابن يامين كان قتله غدرا فقال محمد بن مسلمة يا معاوية ايغدر عندك رسول الله ثم لا تنكر والله لا يظلني وايك سقف بيت ابدا ولا يخلوا لي دم هذا الا قتلته وقال الواقدي حدثني إبراهيم بن جعفر عن ابيه قال قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين النظيري كيف كان قتل ابن الاشرف قال ابن يامين كان غدرا ومحمد بن مسلمة جالس شيخ كبير فقال يا مروان ايغدر رسول الله عندك والله ما قتلناه الا بامر رسول الله والله لا يؤويني واياك سقف بيت الا المسجد واما انت ياابن يامين فالله علي ان افلت وقدرت عليك وفي يدي سيف الا ضربت به راسك فكان ابن يامين لا ينزل من بني قريضه حتى يبعث له رسولا ينظر محمد بن مسلمة فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر والا لم ينزل فبين محمد في جنازة وابن يامين بالبقيع فراى محمد نعشا عليه جرائد رطبة لامراءة جاء فحله فقام اليه الناس فقالوا يا أبا عبد الرحمن ما تصنع نحن نكفيك فقام اليه فلم يزل بضربه بها جريدة جريدة حتى كسر ذلك الجريد على وجهه وراسه حتى لم يترك به مصحا ثم ارسله ولا طباخ به ثم قال والله لو قدرت على السيف لضربتك به فان قيل فاذا كان هو وبنو النضير قبيلته موادعين فما معنى ما ذكره ابن اسحاق قال حدثني مولى لزيد بن ثابت حدثتني ابنة محيصة عن ابيها محيصة ان رسول الله قال من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار يهود كان يلبسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود اذا ذاك لم يسلم وكان اسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول اي عدو الله قتلته اما والله لرب شحم في بطنك من ماله فوالله ان كان لاول إسلام حويصة فقال محيصة فقلت له والله لقد امرني بقتله من لو امرني بقتلك لضربت عنقك فقال حويصة والله ان ديننا بلغ منك هذا لعجب وقال الواقدي بالاسانيد المتقدمة قالوا فلما اصبح رسول الله في الليلة التي قتل فيها ابن الاشرف قال رسول الله من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فخافت يهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم ولم ينطلقوا وخافوا ان يبيتوا كما بيت ابن الاشرف وذكر قتل ابن سنينة إلى ان قال ففزعت يهود ومن معها من المشركين وساق القصة كما تقدم عنه # فان هذا يدل على انهم لم يكونوا موادعين والا لما امر بقتل من صودف منهم ويدل على ان العهد الذي كتبه النبي بينه وبين اليهود كان بعد قتل ابن الاشرف وحين اذن فلا يكون ابن الاشرف معاهدا # قلنا انما امر النبي بقتل من ظفر به منهم لان كعب بن الاشرف كان من ساداتهم وقد تقدم انه قال ما عندكم يعني في النبي قالوا عداوته ما حيينا وكانوا مقيمين خارج المدينة فعظم عليهم قتله وكان مما يهيجهم على المحاربة واظهار نقض العهد فامر النبي بقتل من جاء منهم لان مجيئه دليل على نقض العهد وانتصاره للمقتول وذبه عنه واما من قر فهو مقيم على عهده المتقدم لانه لم يظهر العداوة ولهذا لم يحاصرهم النبي ولم يحاربهم حتى اظهروا عداوته بعد ذلك واما هذا الكتاب فهو شئ ذكره الواقدي وحده # وقد ذكر هو ايضا ان قتل ابن الاشرف في شهر ربيع الاول سنة ثلاث وان غزوة بني قنيقاع كانت قبل ذلك في شوال سنة اثنتين بعد بدر بنحو شهر # وذكر ان الكتاب الذي وادع فيه النبي اليهود كان كانت لما قدم المدينة قبل بدر وعلى هذا فيكون هذا كتابا ثانيا خاصا لابني النضير تجدد فيه العهد الذي بينه وبينهم غير الكتاب الاول الذي كتبه بينه وبين جميع اليهود لاجل ما كانوا قد ارادوا من اظهار العداوة وقد تقدم ان ابن الاشرف كان معاهدا وتقدم ايضا ان النبي كتب الكتاب لما قدم المدينة في اوائل الامر والقصة تدل على ذلك والا لما جاء اليهود إلى النبي وشكوا اليه قتل صاحبهم ولو كانوا محاربين لم يستنكروا قتله وكلهم ذكر ان قتل ابن الاشرف كان بعد بدر وان معاهدة النبي لليهود كانت قبل بدر كما ذكره الواقدي # قال ابن اسحاق وكان فيما بين ذلك من غزو رسول الله امر بني قينقاع يعني فيما بين بدر وغزوة الفرع من العام المقبل في جمادى الاولى وقد ذكر ان بني قينقاع هم أول من حارب ونقض العهد # الحديث الرابع ما روى عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال قال رسول الله من سب نبيا قتل ومن سب اصحابه جلد رواه أبو محمد الخلال وابو القاسم الازجي ورواه أبو ذر الهروي ولفظه من سب نبيا فاقتلوه ومن سب اصحابي فاجلدوه وهذا الحديث قد رواه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زباله قال ثنا عبد الله بن موسى بن جعفر عن علي بن موسى عن ابيه عن جده عن محمد بن علي بن الحسين عن ابيه عن الحسين بن علي عن ابيه وفي القلب منه حزازه فان هذا الاسناد الشريف قد ركب عليه متون منكرة والمحدث به عن اهل البيت ضعيف فان كان محفوظا فهو دليل على وجوب قتل من سب نبيا من الانبياء وظاهره يدل على انه يقتل من غير استتابة وان القتل حد له # الحديث الخامس ما روى عبد الله بن قدامى عن أبي برزة قال اغلظ رجل لابي بكر الصديق رضى الله عنه فقلت اقتله فانتهرني وقال ليس هذا لاحد بعد رسول الله رواه النسائي من حديث شعبه عن توبة العنبري عنه وفي رواية لابي بكر عبد العزيز بن جعفر الفقيه عن أبي برزة ان رجلا شتم أبا بكر فقلت يا خليفة رسول الله الا اضرب عنقه فقال ويحك او ويلك ما كانت لاحد بعد رسول الله # ورواه أبو داود في سننه باسناد صحيح عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة قال كنت عند أبي بكر رضى الله عنه فتغيض على رجل فاشتد عليه فقلت تاذن لي يا خليفة رسول الله اضرب عنقه قال فاذهبت كلمتي غضبه فقام فدخل فارسل الي فقال ما الذي قلت انفا قلت ائذن لي اضرب عنقه قال اكنت فاعلا لو امرتك قلت نعم قال لا والله ما كانت لبشر بعد رسول الله # قال أبو داود في مسائله سمعت أبا عبد الله يسال عن حديث أبي بكر ما كانت لاحد بعد رسول الله فقال لم يكن لابي بكر ان يقتل رجلا الا باحدى ثلاث وفي رواية باحدى الثلاث التي قالها رسول الله كفر بعد ايمان وزنى بعد احصان وقتل نفس بغير نفس والنبي كان له ان يقتل # وقد استدل به على جواز قتل ساب النبي جماعات من العلماء منهم أبو داود واسماعيل بن اسحاق القاضي وابو بكر عبد العزيز والقاضي ابو يعلى وغيرهم من العلماء وذلك لان أبا برزة لما راى الرجل قد شتم أبا بكر واغلظ له حتى تغيض أبو بكر استاذنه في ان يقتله لذلك واخبره انه لو امره لقتله فقال أبو بكر ليس هذا لاحد بعد النبي # فعلم ان النبي كان له ان يقتل من سبه ومن اغلظ له وان له ان يامر بقتل من لا يعلم الناس منه سببا يبيح دمه وعلى الناس ان يطيعوه في ذلك لانه لا يامر الا بما امر الله به ولا يامر بمعصية الله قط بل من اطاعه فقد اطاع الله # فقد تضمن الحديث خصيصتين لرسول الله # احداهما انه يطاع في كل من امر بقتله # والثاية ان له ان يقتل من شتمه واغلظ عليه # وهذا المعنى الثاني الذي كان لله باقي في حقه بعد موته فكل من شتمه او اغلظ في حقه كان قتله جائزا بل ذلك بعد موته او كد واوكد لان حرمته بعد موته اكمل والتساهل في عرضه بعد موته غير ممكن # وهذا الحديث يفيد ان سبه في الجملة يبيح القتل ويستدل بعمومه على قتل الكافر والمسلم
الحديث السادس قصة العصماء بنت مروان ما روى عن ابن عباس قال هجت امراة من خطمة النبي فقال من لي بها فقال رجل من قومها انا يارسول الله فنهض فقتلها فاخبر النبي فقال لا ينتطح فيها عنزان # وقد ذكر بعض اصحاب المغازي وغيرهم قصتها مبسوطة # قال الواقدي حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن ابيه ان عصماء بنت مروان من بني امية بنت زيد كانت تحت يزيد بن زيد ابن حصن الخطمي وكانت تؤذي النبي وتعيب الإسلام
وتحرض على النبي وقالت شعرا % فباست بني مالك والنبيت % وعوف وباست بني الخزرج % % اطعتم اتاوي من غيركم % فلا من مراد ولا مذحج % % ترجونه بعد قتل الرؤوس كما يرتجى مرق المنضج %
قال عمير بن عدي الخطمي حين بلغه قولها وتحريضها اللهم ان لك على نذرا لئن رددت رسول الله إلى المدينة لاقتلنها ورسول الله يومئذ لبدر فلما رجع النبي من بدر جائها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها وحولها نفرا من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها فجسها بيده فوجد الصبي ترضعه فنحاه عنها ثم وضع سيفه على صدرها حتى انفذه من ظهرها ثم خرج حتى صلى الصبح مع النبي فلما انصرف النبي نظر إلى عمير فقال أقتلت بنت مروان قال نعم بابي انت يا رسول الله
وخشي عمير ان يكون افتات على رسول الله بقتلها فقال هل علي في ذلك شيء يا رسول الله قال لا ينتطح فيها عنزان فان أول ما سمعت هذه الكلمة من النبي قال عمير فالتفت النبي إلى من حوله فقال اذا احببتم ان تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي فقال عمر بن الخطاب انظروا إلى هذا الاعمى الذي تسرى في طاعة الله فقال لا تقل الاعمى ولكنه البصير # فلما رجع عمير من عند رسول الله وجد بنيها في جماعة يدفنونها فاقبلوا اليه حين رواه مقبلا من المدينة فقالوا يا عمير انت قتلتها نعم فيكدوني جميعا ثم لا تنظرون فوالذي نفسي بيده لو قلتم باجمعكم ما قالت لظربتكم بسيفي هذا حتى اموت او اقتلكم فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة وكان منهم رجال يستخفون بالإسلام خوفا من قومهم فقال حسان بن ثابت يمدح عمير بن عدي # قال انشدنا عبد الله بن الحارث % بني وائل وبني واقف % وخطمة دون بني الخزرج % متى ما دعت اختكم ويحها % % بعولتها والمنايا تجي فهزت فتى ماجدا عرقه % كريم المداخل والمخرج % % فضرجها من نجيع الدما % قبيل الصباح ولم تخرج % % فاوردك الله برد الجنا % ن جذلان في نعمة المولج %
قال عبد الله بن الحارث عن ابيه وكان قتلها لخمس ليالي بقين من رمضان مرجع النبي من بدر # وروى هذه القصة اخصر من هذا أبو احمد العسكري ثم قال كانت هذه المراة تهجو رسول الله وتؤذيه # وانما خص النبي العنز دون سائر الغنم لان العنز تشام العنز ثم تفارقها وليس كنطاح الكباش وغيرها وذكر هذه القصة
مختصرة محمد بن سعد في الطبقات # وقال أبو عبيد في الاموال وكذلك كانت قصة عصماء اليهودية انما قتلت لشتمها النبي وهذه المراة ليست هي التي قتلها سيدها الاعمى ولا اليهودية التي قتلت لان هذه المراة من بني امية بن زيد أحد بطون الأنصار ولها زوج من بني خطمة ولهذا والله اعلم نسبت في حديث ابن عباس إلى بني خطمة والقاتل لها غير زوجها وكان لها بنون كبار وصغار نعم كان القاتل من قبيلة زوجها كما في الحديث وقال محمد بن اسحاق اقام مصعب بن عمير عند اسعد بن زرارة يدعوا الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار الا وفيها رجال ونساء مسلمون الا ما كان من دار بني امية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك اوس الله وهم من الاوس بن حارثة وذلك انه كان فيهم أبو قيس بن الاسلت كان شاعرهم يسمعون منه ويعظمونه # فهذا الذي ذكره ابن اسحاق يصدق ما رواه الواقدي من تاخر ظهور الإسلام ببنى خطمة والشعر الماثور عن حسان يوافق ذلك # وانما سقنا القصة من راوية اهل المغازي مع ما في الواقدي من الضعف للشهرة هذه القصة عندهم مع انه لا يختلف اثنان ان الواقدي من اعلم الناس بتفاصيل امور المغازي واخبر الناس باحوالها وقد كان الشافعي واحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك من كتبه نعم هذا الباب يدخله خلط الروايات بعضها ببعض حتى يطهر انه سمع مجموع القصة من شيوخه وانما سمع من كل واحد بعضها ولم يميزه ويدخله اخذ ذلك من الحديث المرسل والمقطوع وربما حدس الراوي بعض الامور لقرائن استفادها من عدة جهات ويكثر من ذلك اكثارا فينسب لاجله إلى المجازفة في الرواية وعدم الضبط فلم يمكن الاحتجاج بما ينفرد به فاما الاستشهاد بحديثه والاعتضاد به فمما لايمكن المنازعة فيه لا سيما في قصة تامة يخبر فيها باسم القاتل والمقتول وصورة الحال فان الرجل وامثاله أفضل من ان يقعوا في مثل هذا في كذب ووضع على انا لم يثبت قتل الساب بمجرد هذا الحديث وانما ذكرناه للتقوية والتوكيد وهذا يحصل ممن هو دون الواقدي # ووجه الدلالة ان هذه المراة لم تقتل الا لمجرد اذى النبي وهجوه وهذا بين في قول ابن عباس هجت امراة من خطمة النبي فقال من لي بها فعلم انه انما ندب اليها لاجل هجوها وكذلك في الحديث الاخر فقال عمير حين بلغه قولها وتحريضها اللهم ان لك علي نذرا لئن رددت رسول الله إلى المدينة لاقتلنها وفي الحديث لما قال له قومه انت قتلتها فقال نعم فكيدوني جميعا ثم لاتنظروني فوالذي نفسي بيده لو قلتم جميعا ما قالت لضربتكم بسيفي حتى اموت او اقتلكم فهذه مقدمة ومقدمة اخرى وهو ان شعرها ليس فيه تحريض على قتال النبي حتى يقال التحريض على القتال قتال وانما فيه تحريض على ترك دينه وذم له ولمن اتبعه واقصى غاية ذلك ان لا يدخل في الإسلام من لم يكن دخل او ان يخرج عنه من دخل فيه وهذا شان كل ساب # يبين ذلك انها هجته بالمدينة وقد اسلم أكثر قبائلها وصار المسلم بها اعز من الكافر ومعلوم ان الساب في مثل هذه الحال لايقصد ان يقاتل الرسول واصحابه وانما يقصد اغاطتهم وان لا يتابعوا # وايضا فانها لم تكن تطمع في التحريض على القتال فانه لاخلاف بين اهل العلم بالسيرة ان جميع قبائل الاوس والخزرج لم يكن فيهم من يقاتل النبي بيد ولا لسان ولا كان أحد بالمدينة يتمكن من اظهار ذلك وانما غاية الكافر او المنافق منهم ان يثبط الناس عن اتباعه او ان يعين على رجوعه من المدينة إلى مكة ونحو ذلك مما فيه تخذيل عنه وحض على الكفر به لا على قتاله على ان الهجاء ان كان من نوع القتال فيجب انتقاض العهد به ويقتل به الذمي فانه اذا قاتل انتقض عهده لان العهد اقتضى الكف عن القتال فاذا قاتل بيد او لسان فقد فعل ما يناقض العهد وليس بعد القتال غاية في نكث العهد # اذا تبين ذلك فمن المعلوم من سيرة النبي الظاهر علمه عند كل من له علم بالسيرة انه لما اقام بالمدينة لم يحارب احدا من اهل المدينة بل وادعهم حتى اليهود خصوصا بطون الاوس والخزرج فانه كان يسالمهم ويتالفهم بكل وجه وكان الناس اذ قدمها على طبقات منهم المؤمن وهم الاكثرون ومنهم الباقي على دينه وهو متروك لا يحارب ولا يحارب وهوو المؤمنون من قبيلته وحلفائهم اهل سلم لا اهل حرب حتى حلفاء الأنصار اقرهم النببي على حلفهم # قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قدم رسول الله المدينة وليس فيها دار من دور الأنصار الا فيها رهط من المسلمين الا بني خطمة وبني واقف وبني وائل كانوا اخر الأنصار إسلاما وحول المدينة حلفاء الأنصار كانوا يستظهرون بهم في حربهم فامرهم رسول الله ان يخلوا حلف حلفائهم للحرب التي كانت بين رسول الله وبين من عادى الإسلام # وكذلك قال الواقدي فيما رواه عن يزيد بن رومان وابن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله في قصة ابن الاشرف قال فكان الذي اجتمعوا عليه قالوا وكان رسول الله قدم المدينة واهلها اخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام فيهم اهل الحلقة والحصون ومنهم حلفاء للحيين جميعا الاوس والخزرج فاراد رسول الله حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم وكان الرجل يكون مسلما وابوه مشركا # ومن المعلوم ان قبائل الاوس كانوا حلفاء بعضهم لبعض فاذا كان النبي قد اقرهم كانت هذه المراة من المعاهدين وكان منهم المظهر للإسلام المبطن لخلافه يقول بلسانه ماليس في قلبه وكان الإسلام والايمان يفشوا في بطون الأنصار بطنا بعد بطن حتى لم يبق فيهم مظهر للكفر بل صاروا اما مؤمنا واما منافقا وكان من لم يسلم منهم بمنزلة اليهود موادع مهادن او هو احسن حالا من اليهود لما يرجى فيه من العصبية لقومه وان يهوى هواهم ولا يرى ان يخرج عن جماعتهم وكان النبي يعاملهم من الكف عنهم واحتمال اذاهم باكثر مما يعامل به اليهود لما كان يرجوه منهم ويخاف من تغيير قلوب من اظهر الإسلام من قتالهم لو اوقع بهم وهو في ذلك متبع قوله تعالى ^ لتبلون في اموالكم وانفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور ^ # ثم انه مع ندب الناس إلى قتل المرأة التي هجته وقال فيمن قتلها اذا احببتم ان تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى هذا فثبت بذلك ان هجاءه وذمه موجب للقتل غير الكفر وثبت ان الساب يجب قتله وان كان من الحلفاء والمعاهدين ويقتل في الحال التي يحقن فيها دم من ساواه في غير السب لا سيما ولو لم تكن معاهدة فقتل المراة لا يجوز الا ان تقاتل لانه راى امراة في بعض مغازيه مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل ونهى عن قتل النساء والصبيان # ثم انه امر بقتل هذه المراة ولم تقاتل بيدها فلو لم يكن السب موجبا للقتل لم يجز قتلها لان قتل المراة لمجرد الكفر لا يجوز ولا نعلم قتل المراة الكافرة الممسكة عن القتال ابيح في وقت من الاوقات بل القران وترتيب نزوله دليل على انه لم يبيح قط لان أول اية نزلت في القتال ^ اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم ^ الاية فاباح للمؤمنين القتال دفعا عن نفوسهم وعقوبة لمن اخرجهم من ديارهم ومنعهم من توحيد الله وعبادته وليس للنساء في ذلك حظ
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
ثم انه كتب عليهم القتال مطلقا وفسره بقوله ^ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ^ الاية فمن ليس من اهل القتال لم يؤذن في قتاله والنساء لسن من اهل القتال فاذا كان قد امر بقتل هذه المراة فاما ان يقال ان هجاءها قتال فهذا يفيدنا ان هجاء الذمي قتال فينقض العهد ويبيح الدم او يقال ليس بقتال وهو الاظهر لما قدمناه من انه لم يكن فيه تحريض على القتال ولا كان لها راي في الحرب فيكون السب جناية مضرة بالمسلمين غير القتال موجبة للقتل بمنزلة قطع الطريق عليهم ونحو ذلك وذلك يفيد ان السب موجب للقتل لوجوه # احدها انه لو لم يكن موجبا للقتل لما جاز قتل المراة وان كانت حربية لان الحربية اذا لم تقاتل بيد ولالسان لم يجز قتلها الا بجناية موجبة للقتل وهذا ما احسب فيه مخالفا لا سيما عند من يرى قتالها بمنزلة قتال الصائل # الثاني ان هذه السابة كانت من المعاهدين بل ممن هو احسن حالا من المعاهدين في ذلك الوقت فلو لم يكن السب موجبا لدمها لما قتلت او لما جاز قتلها ولهذا خاف الذي قتلها ان تتولد فتنة حتى قال النبي لاينتطح فيها عنزان مع ان انتطاحهما انما هو كالتشام فبين انه لا يتحرك لذلك قليل من الفتن ولا كثير رحمة من الله
بالمؤمنين ونصرا لرسوله ودينه فلو لم يكن هناك ما يحذر معه من قتل هذه لولا الهجاء لما خيف هذا الثالث ان الحديث مصرح بانها انما قتلت لاجل ما ذكرته من الهجاء وان سائر قومها تركوا اذ لم يهجوا او انهم لو هجوا لفعل بهم كما فعل بها فظهر بذلك ان الهجاء موجب بنفسه للقتل سواء كان الهاجي حربيا او مسلما او معاهدا حتى يجوز ان يقتل لاجله من لايقتله بدونه وان كان الحربي المقاتل يجوز قتله من وجه اخر وذلك في المسلم ظاهر واما في المعاهد فلأن الهجاء اذا اباح دم المراة فهو كالقتال او اسوا حالا من القتال # الرابع ان المسلمين كانوا ممنوعين قبل الهجرة وفي اوائل الهجرة من الابتداء بالقتال وكان قتل الكفار حينئذ محرما وهو من قتل النفس بغير حق كما قال تعالى ^ الم تر إلى الذين قيل لهم كفوا ايديكم ^ إلى قوله ^ فلما كتب عليهم القتال ^ ولهذا أول ما انزل من القران فيه نزل بالاباحة بقوله ^ اذن للذين يقاتلون ^ وهذا من العلم العام بين اهل المعرفة بسيرة رسول الله لايخفى على أحد منهم انه كان قبل الهجرة وبعيدها ممنوعا عن ابتداء القتل والقتال ولهذا قال للانصار الذين بايعوه ليلة العقبة لما استاذنوه في ان يميلوا على اهل منى انه لم يؤذن لي في القتال وكان في ذلك حينئذ بمنزلة الانبياء الذين لم يؤمروا بالقتال كنوح وهود وصالح وابراهيم وعيسى بل كاكثر الانبياء غير انبياء بني إسرائيل # ثم انه لما هاجر لم يقاتل احدا من اهل المدينة ولم يامر بقتل أحد من رؤوسهم الذين كانوا يجمعونهم على الكفر ولا من غيرهم والايات التي نزلت اذ ذاك انما تامر بقتال الذين اخرجوهم وقاتلوهم ونحو ذلك وظاهر هذا انه لم يؤذن لهم اذ ذاك في ابتداء قتل الكافرين من اهل المدينة فان دوام امساكهم عنهم يدل على استحباحة او وجوبه وهو في الوجوب اظهر لما ذكرنا لان الامساك كان واجبا والمغير لحاله لم يشمل اهل المدينة فبقوا على الوجوب المتقدم مع فعله قال موسى بن عقبة عن الزهري كانت سيرة رسول الله في عدوه قبل ان تنزل براءة يقاتل من قاتله ومن كف يده وعاهده كف عنه قال الله تعالى ^ فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ^ وكان القران ينسخ بعضه بعضا فاذا نزلت اية نسخت التي قبلها وعمل بالتي انزلت وبلغت الاولى منتهى العمل بها وكان ما قد عمل بها قبل ذلك طاعة لله حتى نزلت براءة واذا امر بقتل هذه المراة التي هجته ولم يؤذن له في قتل قبيلتها الكافرين علم ان السب موجب للقتل وان كان هناك ما يمنع القتال لولا السبب كالعهد والانوثة ومنع قتل الكافر الممسك او عدم اباحته # وهذا وجه حسن دقيق فان الاصل ان دم الادمي معصوم لا يقتل الا بالحق وليس القتل للكفر من الامر الذي اتفقت عليه الشرائع ولا اوقات الشريعة الواحدة كالقتل قودا فانه مما لا تختلف فيه الشرائع ولا العقول وكان دم الكافر في أول الإسلام معصوما بالعصمة الاصلية وبمنع الله المؤمنين من قتاله ودماء هؤلاء القوم كدم القبطي الذي قتله موسى وكدم الكافر الذي لم تبلغه الدعوة في زماننا او احسن حالا من ذلك وقد عد موسى ذلك ذنبا في الدنيا والاخرة مع ان قتله كان خطا شبه عمد او خطا محضا ولم يكن عمدا محضا # فظاهر سيرة نبيا وظاهر ما اذن له فيه ان حال اهل المدينة اذ ذاك ممن لم يسلم كانت كهذه الحال فاذا قتل المراة التي هجته من هؤلاء وليسوا عنده محاربين بحيث يجوز قتالهم مطلقا كان قتل المراة التي تهجوه
من اهل الذمة بهذه المثابة واولى لان هذه قد عاهدناها على ان لا تسب وعلى ان تكون صاغرة وتلك لم نعاهدها على شئ # الحديث السابع قصة أبي عفك اليهودي ذكره أهل المغازي والسير قال الواقدي ثنا سعيد بن محمد عن عمارة بن غزية وحدثناه أبو مصعب إسماعيل بن مصعب بن إسماعيل بن زيد بن ثابت عن اشياخه قالا ان شيخا من بني عمرو بن عوف يقال له أبو عفك وكان شيخا كبيرا قد بلغ عشرين ومئة سنة حين قدم النبي المدينة كان يحرض على عداوة النبي ولم يدخل في الإسلام فلما خرج
رسول الله إلى بدر ظفره الله بما ظفره فحسده وبغى فقال وذكر قصيدة تتضمن هجو النبي وذم من اتبعه أعظم ما فيها قوله % فيسلبهم امرهم راكب 5 حراما حلالا لشتى معا %
قال سالم بن عمير علي نذر ان اقتل أبا عفك او اموت دونه فامهل فطلب له غرة حتى كانت ليلة صائفة فنام أبو عفك بالفناء في الصيف في بني عمرو بن عوف فاقبل سالم بن عمير فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش وصاح عدو الله فثاب اليه اناس ممن هم على قوله فادخلوا منزله وقبره وقالوا من قتله والله لو نعلم من قتله لقتلناه به # وذكر محمد بن سعد انه كان يهوديا وقد ذكرنا ان يهود المدينة
كلهم كانوا قد عاهدوا ثم انه لما هجا واظهر الذم قتل # قال الواقدي عن ابن رقيش قتل أبو عفك في شوال على راس عشرين شهرا وهذا قديم قبل قتل ابن الاشرف وهذا فيه دلالة واضحة على ان المعاهد اذا اظهر السب ينتقض عهده ويقتل غيلة لكن هو من رواية اهل المغازي وهو يصلح ان يكون مؤيدا مؤكدا بلا تردد # الحديث الثامن حديث انس بن زنيم الديلي وهو مشهور عند اهل السير ذكره ابن اسحاق والواقدي وغيرهما # قال الواقدي حدثني عبد الله بن عمرو بن زهير عن محجن بن وهب قال كان اخر ما كان بين خزاعة وبين كنانة ان انس بن زنيم الديلي هجا رسول الله فسمعه غلام من خزاعه فوقع به فشجه فخرج إلى قومه فاراهم شجته فثار الشر مع ما كان بينهم وما تطلب بنو بكر من خزاعة من دمائها # قال الواقدي حدثني حزام بن هشام بن خالد الكعبي عن ابيه قال وخرج عمرو بن سالم الخزاعي في اربعين راكبا من خزاعة يستنصرون رسول الله ويخبرونه بالذي اصابهم وذكر قصة فيها انشاد القصيدة التى اولها % الهم اني ناشد محمدا %
قال فلما فرغ الركب قالوا يارسول الله ان انس بن زنيم الديلي قد هجاك فندر رسول الله دمه فبلغ ذلك انس بن زنيم
فقدم معتذرا إلى رسول الله مما بلغه عنه فقال وذكر قصيدة فيها مدح الرسول الله اولها % انت الذي تهدي معد بامره % بل الله يهديها وقال لك اشهد % % فما حملت من ناقة فوق رحلها % ابر واوفى ذمه من محمد % % تعلم رسول الله انك مدركي % وان وعيدا منك كالاخذ باليد %
وفيها % تعلم رسول الله انك قادر % على كل سكن من تهام ومنجد % % ونبي رسول الله اني هجوته % فلا رفعت سوطي الي اذا يدي % % سوى انني قد قلت يا ويح فتية % اصيبوا بنحس يوم طلق واسعد % ويقول فيها % فاني لا عرضا خرقت ولا دما % هرقت ففكر عالم الحق واقصد % قال الواقدي انشدنيها حزام وبلغت رسول الله قصيدته هذه واعتذاره وكلمه نوفل بن معاوية الديلي فقال يا رسول الله انت اولى الناس بالعفو ومن منا من لم يعادك ويؤذيك ونحن في جاهلية لاندري ما ناخذ وما ندع حتى هدانا الله بك وانقذنا بك من الهلك وقد كذب عليه الركب وكثروا عندك فقال دع الركب عنك فانا لم نجد بتهامة احدا من ذي رحم ولا بعيد الرحم كان ابر من خزاعة فاسكت نوفل بن معاوية فلما سكت قال رسول الله قد عفوت عنه قال نوفل فداك أبي وامي # وقال ابن اسحاق وقال انس بن زنيم يعتذر إلى رسول الله مما كان قد قال فيهم عمرو بن سالم حين قدم على رسول الله يستنصره ويذكر انه قد نالوا من رسول الله وانشد تلك القصيدة وفيها % وتعلم ان الركب ركب عويمر % هم الكاذبون المخلفو كل موعد %
فوجه الدلالة ان النبي كان قد صالح قريشا وهادنهم عام الحديبية عشر سنين ودخلت خزاعة في عقده وكان اكثرهم مسلمين وكانوا عيبة نصح لرسول الله مسلمهم وكافرهم ودخلت بنو بكر في عهد قريش فصار هؤلاء كلهم معاهدين وهذا مما تواتر به النقل ولم يختلف فيه اهل العلم # ثم ان هذا الرجل المعاهد هجا النبي على ما قيل عنه فشجه بعض خزاعة ثم اخبروا النبي انه هجاه يقصدون بذلك اغراء ببني بكر فندر رسول الله دمه اي اهدره ولم يندر دم غيره فلولا انهم علموا ان هجاء النبي من المعاهدة مما يوجب الانتقام منه لم يفعلوا ذلك # ثم ان النبي ندر دمه بذلك مع ان هجاءه كان حال العهد وهذا النص في ان المعاهد الهاجي يباح دمه # ثم انه لما قدم اسلم في شعره ولهذا عدوه من اصحاب النبي وقوله تعلم رسول الله تعلم رسول الله ونبي رسول الله دليل على انه اسلم قبل ذلك او هذا وحده إسلام منه فان الوثني اذا قال محمد رسول الله حكم بإسلامه ومع هذا فقد انكر ان يكون هجا النبي
ورد شهادة اولئك بانهم اعداء له لما بين القبيلتين من الدماء والحرب فلو لم يكن ما فعله مبيحا لدمه لما احتاج إلى شئ من ذلك # ثم انه بعد إسلامه واعتذاره وتكذيب المخبرين ومدحه لرسول انما طلب العفو من النبي عن اهدار دمه والعفو انما يكون مع جواز العقوبة على الذنب فعلم ان النبي كان له ان يعاقبه بعد مجيئه مسلما معتذرا انما عفا عنه حلما وكرما # ثم ان في الحديث ان نوفل بن معاوية هو الذي شفع له إلى النبي وقد ذكر عامة اهل السير ان نوفلا هذا هو راس البكريين الذين عدوا على خزاعة وقتلوهم واعانتهم قريش على ذلك وبسبب ذلك انتقض عهد قريش وبني بكر ثم انه اسلم قبل الفتح حتى صار يشفع في الذي هجا النبي فعلم ان الهجاء اغلظ من نقض العهد بالقتال بحيث اذا نقض قوم العهد بالقتال واخرون هجوا ثم اسلموا عصم دم الذي قاتل وجاز الانتقام من الهاجي ولهذا قرن هذا الرجل خرق العرض بسفك الدم فعلم ان كليهما موجب للقتل وان خرق عرضه كان أعظم عندهم من سفك دماء المسلمين والمعاهدين # ومما يوضح هذا ان النبي لم يهدر دم أحد من بني بكر الناقضين العهد بعينه وانما مكن منهم بني خزاعة يوم الفتح أكثر النهار واهدر دم هذا بعينه حتى اسلم واعتذر هذا مع ان العهد كان عهد هدنة وموادعه لم يكن عهد جزية وذمة والمهادن المقيم ببلده يظهر ببلده ما شاء من منكرات الاقوال والافعال المتعلقة بدينه ودنياه ولا ينتقض بذلك عهده حتى يحارب فعلم ان الهجاء من جنس الحراب واغلظ منه وان الهاجي لا ذمة له # الحديث التاسع قصة ابن أبي سرح وهي مما اتفق عليها اهل العلم واستفاضت عندهم استفاضة يستغنى عن رواية الاحاد وذلك اثبت واقوى مما رواه الواحد العدل فنذكرها مسنده مشروحة ليتبين وجه الدلالة منها # عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال لما كان يوم فتح مكة اختبا عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان فجاء به حتى اوقفه على النبي فقال يارسول الله بايع عبد الله فرفع راسه فنظر اليه ثلاثا كل ذلك يابى فبايعه بعد ثلاث ثم اقبل على اصحابه فقال اما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث راني كففت يدي عن بيعه فيقتله فقالوا ما ندري يا رسول الله ما في نفسك الا او مات الينا بعينك قال انه لا ينبغي لنبي ان تكون له خائنة الاعين رواه أبو داود باسناد صحيح # وراوه النسائي كذلك بابسط من هذا عن سعد قال لما كان يوم فتح مكة امن رسول الله الا اربعة نفر قال اقتلوهم وان وجدتموهم متعلقين باستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح # فاما عبد الله بن خطل فادرك وهو متعلق باستار الكعبة فاستبق اليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان اشب الرجلين فقتله واما مقيس بن صبابة فادركه الناس في السوق فقتلوه واما عكرمة فركب البحر فاصابتهم عاصف فقال اصحاب السفينة اخلضوا فان الهتكم لا تغني عنكم شيئا ها هنا فقال عكرمة والله لئن لم ينجني في البحر الا الاخلاص لا ينجيني في البر غيره اللهم ان لك علي عهدا ان انت عافيتني مما انا فيه ان اتي محمد حتى اضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء واسلم # واما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فانه اختبا عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله الناس إلى البيعة جاء به حتى اوقفه على النبي ثم ذكر الباقي كما رواه أبو داود وعن عبد الله بن عباس قال كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب لرسول الله فازله الشيطان فلحق بالكفار فامر به رسول الله ان يقتل يوم الفتح فاستجار له عثمان فاجاره رسول الله رواه أبو داود وروى محمد بن سعد في الطبقات عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب ان رسول الله امر بقتل ابن أبي سرح يوم الفتح وفرتنى وابن الزبعري وابن خطل فاتاه أبو برزة وهو متعلق باستار الكعبة فبقر بطنه وكان رجل من الأنصار قد نذر ان راى ابن أبي سرح ان يقتله فجاء عثمان وكان اخاه من الرضاعة فشفع له إلى رسول الله وقد اخذ الانصاري بقائم السيف ينظر إلى النبي متى يوميء اليه ان يقتله فشفع له عثمان حتى تركه ثم قال رسول الله للانصاري هلا وفيت بنذرك فقال يا رسول الله وضعت يدي على قائم السيف انتظر متى توميءفاقتله فقال النبي ض = الايماءخيانة ليس لنبي ان يوميء # وقال محمد بن اسحاق في رواية ابن بكير عنه قال أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر وعبد الله بن أبي بكر بن حزم ان رسول الله حين دخل مكة وفرق جيوشه امرهم ان لا يقتلوا احدا الا من قاتلهم الا نفرا قد سماهم رسول الله وقال اقتلوهم وان وجدتموهم تحت استار الكعبة عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد ابن أبي سرح وانما امر بابن أبي سرح لانه كان قد اسلم فكان يكتب لرسول الله الوحي فرجع مشركا ولحق بمكة فكان يقول لهم اني لاصرفه كيف شئت انه ليامرني ان اكتب له الشيء فاقول له او كذا او كذا فيقول نعم وذلك ان رسول الله كان يقول عليم حكيم فيقول او اكتب عزيز حكيم فيقول له رسول الله نعم كلاهما سواء # قال ابن اسحاق حدثني شرحبيل بن سعد ان فيه نزلت ^ ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء ومن قال سانزل مثل ما انزل الله ^ فلما دخل رسول الله مكة فر إلى عثمان بن عفان وكان اخاه من الرضاعة فغيبه عنده حتى اطمان اهل مكة فاتى رسول الله فاستامن له فصمت رسول الله طويلا وهو واقف عليه ثم قال نعم فانصرف به فلما ولى قال رسول الله ما صمت الا رجاء ان يقوم اليه بعضكم فيقتله فقال رجل من الأنصار يا رسول الله الا اومات الي فاقتله فقال رسول الله ان النبي لا يقتل بالاشارة # وقال ابن اسحاق في رواية إبراهيم بن سعد عنه حدثني بعض علمائنا ان ابن أبي سرح رجع إلى قريش فقال والله لو اشاء لقلت كما يقول محمد وجئت بمثل ما ياتي به انه ليقول الشيء واصرفه إلى شيء فيقول اصبت ففيه انزل الله تعالى ^ ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحى الي ولم يوح اليه شيءالاية فلذلك امر رسول الله بقتله # قال ابن اسحاق عن ابن أبي نجيح قال كان رسول الله قد عهد إلى امرائه من المسلمين حين امرهم ان يدخلوا مكة ان لا يقاتلوا الا احدا قاتلهم الا انه قد عهد في نفر سماهم امر بقتلهم وان وجدوا تحت استار الكعبة منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وانما امر رسول الله بقتله لانه كان اسلم وكان يكتب لرسول الله الوحي فارتد مشركا راجعا إلى قريش فقال والله اني لاصرفه حيث اريد انه ليملي علي فاقول اوكذا اوكذا فيقول نعم وذلك ان رسول الله كان يملي عليه فيقول عزيز حكيم أو حكيم عليم فكان يكتبها على أحد الحرفين فيقول كل صواب # وروينا في مغازي معمر عن الزهري في قصة الفتح قال فدخل رسول الله فامر اصحابه بالكف وقال كفوا السلاح الاخزاعة من بكر ساعة ثم امرهم فكفوا فامن الناس كلهم الا اربعة ابن أبي سرح وابن خطل ومقيس الكناني وامراة اخرى ثم قال النبي اني لم احرم مكة ولكن الله حرمها وانها لم تحل لاحد من قبلي ولا تحل لاحد بعدي إلى يوم القيامة وانما احلها الله لي ساعة من نهار قال ثم جاء عثمان بن عفان بابن أبي سرح فقال بايعه يارسول الله فاعرض عنه ثم جاءه من ناحية اخرى فقال بايعه يارسول الله فاعرض عنه ثم جاءه ايضا فقال بايعه يارسول الله فمد يده فبايعه فقال رسول الله لقد اعرضت عنه واني لاظن بعضكم سيقتله فقال رجل من الأنصار فهلا او مضت الي يارسول الله فقال ان النبي لا يومض فكانه راه غدرا # وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال وامرهم رسول الله ان يكفوا ايديهم فلا يقاتلوا احدا الامن قاتلهم وامرهم بقتل اربعة منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح والحويرث بن نقيد وابن خطل ومقيس بن صبابه أحد بني ليث وامر بقتل قينتين لابن خطل تغنيان بهجاء رسول الله ثم قال ويقال امر رسول الله في قتل النفر ان يقتل عبد الله بن أبي سرح وكان ارتد بعد الهجرة كافرا فاختبا حتى اطمان الناس ثم اقبل يريد ان يبايع رسول الله فاعرض عنه ليقوم رجل من اصحابه فيقتله فلم يقم اليه أحد ولم يشعروا بالذي في نفس رسول الله فقال احدهم لو اشرت الي يارسول الله ضربت عنقه فقال ان النبي لا يفعل ذلك ويقال اجاره عثمان بن عفان وكان اخاه من الرضاعة وقتلت احدى القينتين وكمنت الاخرى حتى استؤمن لها وذكر محمد بن عائد في مغازيه هذه القصة مثل ذلك
وذكر الواقدي عن اشياخه قالوا وكان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب لرسول الله فربما املي عليه رسول الله سميع عليم فيكتب عليم حكيم فيقراه لرسول الله فيقول كذاك قال الله فافتتن وقال ما يدري محمد ما يقول اني لاكتب له ما شئت هذا الذي كتبت يوحي الي كما يوحي إلى محمد وخرج هاربا من المدينة إلى مكة مرتدا فاهدر رسول الله دمه يوم الفتح فلما كان يومئذ جاء ابن أبي سرح إلى عثمان بن عفان وكان اخاه من الرضاعة فقال يا أخي اني والله اخترتك فاحبسني هاهنا واذهب إلى محمد فكلمه في فان محمدا ان راني ضرب الذي فيه عيناي ان جرمي أعظم الجرم وقد جئت تائبا فقال عثمان بل اذهب معي قال عبد الله والله لئن راني ليضربن عنقي ولا ينظرني قد اهدر دمي واصحابه يطلبوني في كل موضع فقال عثمان انطلق معي فلا يقتلك ان
شاء الله فلم يرع رسول الله الا بعثمان اخذا بيد عبد الله بن سعد ابن أبي سرح واقفين بين يديه فاقبل عثمان على رسول الله فقال يارسول الله امه كانت تحملني وتمشيه وترضعني وتفطمه وكانت تلطفني وتتركه فهبه لي فاعرض عنه رسول الله وجعل عثمان كلما اعرض عنه النبي بوجهه استقبله فيعيد عليه هذا الكلام وانما اعرض النبي ارادة ان يقوم رجل فيضرب عنقه لانه لم يؤمنه فلما راى ان لايقوم أحد وعثمان قد اكب على رسول الله يقبل راسه وهو يقول يارسول الله بايعه فداك أبي وامي فقال النبي نعم ثم التفت إلى اصحابه فقال ما منعكم ان يقوم رجل منكم إلى هذا الكلب فيقتله او قال الفاسق فقال عباد بن بشر الا او مات الي يارسول الله فوالذي بعثك بالحق اني لاتبع طرفك من كل ناحية رجاء ان تشير الي فاضرب عنقه ويقال قال هذا أبو اليسر ويقال عمر بن الخطاب فقال رسول الله اني لااقتل بالاشارة
وقائل يقول ان النبي قال يومئذ ان النبي لا تكون له خائنة الاعين # فبايعه رسول الله فجعل يفر من رسول الله كلما راه فقال عثمان لرسول الله بابي وامي لو ترى ابن أم عبد الله يفر منك كلما راك # فتبسم رسول الله فقال الم ابايعه واومنه قال بلى يا رسول الله ولكنه يتذكر عظيم جرمه في الإسلام # فقال النبي الإسلام يجب ما كان قبله فرجع عثمان إلى ابن أبي سرح فاخبره فكان ياتي فيسلم على النبي مع الناس # فوجه الدلالة ان عبد الله بن سعد بن أبي سرح افترى على النبي انه كان يتمم له الوحي ويكتب له ما يريد فيوافقه عليه وانه يصرفه حيث شاء ويغير ما امره به من الوحي فيقره على ذلك
وزعم انه سينزل مثل ما انزل الله اذ كان قد اوحي اليه في زعمه كما اوحي إلى رسول الله وهذا الطعن على رسول الله وعلى كتابه والافتراء عليه بما يوجب الريب في نبوته قدر زائد على مجرد الكفر به والردة في الدين وهو من انواع السب # وكذلك لما افترى عليه كاتب اخر مثل هذه الفرية قصمه الله وعاقبه عقوبة خارجه عن العادة ليتبين لكل أحد افتراؤه اذ كان مثل هذا يوجب في القلوب المريضة ريبا بان يقول القائل كاتبه اعلم الناس بباطنه وبحقيقة امره وقد اخبر عنه بما اخبر فمن نصر الله لرسوله ان اظهر فيه اية يبين بها انه مفتر # فروى البخاري في صحيحه عن عبد العزيز بن صهيب عن انس قال كان رجلا نصرانيا فاسلم وقرا البقرة وال عمران وكان يكتب للنبي فعاد نصرانيا فكان يقول لا يدري محمد الا ما كتبت له فاماته الله فدفنوه فاصبح وقد لفظته الارض فقالوا هذا فعل محمد واصحابه نبشوا عن صاحبنا فالقوة فحفروا له واعمقوا في الارض ما استطاعوا فاصبح وقد لفظته الارض فعلموا انه ليس من الناس فالقوه # ورواه مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن انس قال كان منا رجل من بني النجار قد قرا البقرة وال عمران وكان يكتب للنبي فالنطلق هاربا حتى لحق باهل الكتاب قال فعرفوه قالوا هذا قد كان يكتب لمحمد فاعجبوا به فما لبث ان قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه فاصبحت الارض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه فاصبحت الارض قد نبذته على وجهها
ثم عادوا فحفروا له فواروه فاصبحت الارض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا # فهذا الملعون الذي افترى على النبي انه ما كان يدري الا ما كتب له قصمه الله وفضحه بان اخرجه من القبر بعد ان دفن مرارا وهذا امر خارج عن العادة يدل كل أحد على ان هذا عقوبة لما قاله وانه كان كاذبا اذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا وان هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد اذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا وان الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه ومظهر لدينه ولكذب الكاذب اذا لم يمكن الناس ان يقيموا عليه الحد # ونظير هذا ما حدثناه اعداد من المسلمين العدول اهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الاصفر في زماننا قالوا كنا نحن نحصر الحصن او المدينة الشهر او أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه حتى اذا تعرض اهله لسب رسول الله والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحة وتسير ولم يكد يتاخر الا يوما او يومين
او نحو ذلك ثم يفتح المكان عنوة ويكون فيهم ملحمة عظيمة قالوا حتى ان كنا لنتباشر بتعجيل الفتح اذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه # وهكذا حدثني بعض اصحابنا الثقات ان المسلمين من اهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك ومن سنة الله ان يعذب اعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بايدي عباده المؤمنين # فكذلك لما تمكن النبي من ابن أبي سرح اهدر دمه لما طعن في النبوة وافترى عليه الكذب مع انه قد امن جميع اهل مكة الذين قاتلوه وحاربوه اشد المحاربة ومع ان السنة في المرتد انه لايقتل حتى يستتاب اما وجوبا او استحبابا # وسنذكر ان شاءالله ان جماعة ارتدوا على عهد النبي ثم دعوا إلى التوبة وعرضت عليهم حتى تابوا وقبلت توبتهم # وفي ذلك دليل على ان جرم الطاعن على رسول الساب له أعظم من جرم المرتد # ثم ان اباحة النبي دمه بعد مجيئه تائبا مسلما وقوله هلا قتلتموه ثم عفوه عنه بعد ذلك دليل على ان النبي كان له ان يقتله وان يعفو عنه ويعصم دمه وهو دليل على ان له ان يقتل من سبه وان تاب وعاد إلى الإسلام يوضح ذلك اشياء # منها انه قد روي عن عكرمة ان ابن أبي سرح رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة وكذلك ذكر آخرون ان ابن أبي سرح رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة اذ نزل النبي بها وقد تقدم عنه انه قال لعثمان قبل ان يقدم به على النبي ان جرمي أعظم الجرم وقد جئت تائبا وتوبة المرتد إسلامه # ثم انه جاء إلى النبي بعد الفتح وهدوء الناس وبعد ما تاب فاراد النبي من المسلمين ان يقتلوه حينئذ وتربص زمانا ينتظر فيه قتله ويظن ان بعضهم سيقتله وهذا اوضح دليل على جواز قتله بعد إسلامه # وكذلك لما قال له عثمان انه يفر منك كلما راك قال الم ابايعه واومنه قال بلى ولكنه يتذكر عظيم جرمه في الإسلام فقال الإسلام يجب ما قبله فبين النبي ان خوف القتل سقط بالبيعة والامان وان الاثم زال بالإسلام فعلم ان الساب اذاعاد إلى الإسلام جب الإسلام اثم السب وبقي قتله جائزا حتى يوجد اسقاط القتل ممن يملكه ان كان ممكنا
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
وسياتي ان شاء الله تعالى ذكر هذا في موضعه فان غرضنا هنا ان نبين ان مجرد الطعن على رسول الله والوقيعة فيه يوجب القتل في الحال التي لا يقتل فيه لمجرد الردة واذا كان ذلك موجبا للقتل استوى فيه المسلم والذمي لان كل ما يوجب القتل سوى الردة يستوي فيه المسلم والذمي # وفي كتمان الصحابة لابن أبي سرح ولاحدى القينتين دليل على النبي لم يوجب قتلهم وانما اباحه مع جواز عفوه عنهم وفي ذلك دليل على انه كان مخيرا بين القتل والعفو وهذا يؤيد ان القتل كان لحق النبي # واعلم ان افتراء ابن أبي سرح والكاتب الاخر النصراني على رسول الله بانه كان يتعلم منهما افتراء ظاهر # وكذلك قوله اني لاصرفه كيف شئت انه ليامرني ان اكتب له الشيء فاقول له او كذا او كذا فيقول نعم فرية ظاهرة فان النبي كان لا يكتبه الا ما انزله الله ولا يامره ان يثبت قرانا الا ما اوحاه الله اليه ولا ينصرف له كيف شاء بل يتصرف كما يشاء الله
وكذلك قوله اني لاكتب له ماشئت هذا الذي كتبت يوحي الي كما يوحي إلى محمد وان محمدا اذا كان يتعلم مني فاني سانزل مثل ما انزل الله فرية ظاهرة فان النبي لم يكن يكتبه ما شاء ولا كان يوحي اليه شيء # وكذلك قول النصراني ما يدري محمد الا ما كتبت له من هذا القبيل وعلى هذا الافتراء حاق به العذاب واستوجب العقاب # ثم اختلف اهل العلم هل كان النبي اقره على ان يكتب شيئا غير ما ابتداه النبي باكتابه وهل قال له شيئا على قولين احدهما ان النصراني وابن أبي سرح افتريا على رسول الله ذلك كله وانه لم يصدر منه قول فيه اقرار على كتابة غير ما قاله اصلا وانما لما زين لهما الشيطان الردة افتريا عليه لينفرا عنه الناس ويكون قبول ذلك منهما متوجها لانهما فارقاه بعد خبرة وذلك انه لم يخبر أحد انه سمع النبي يقول له هذا الذي قلته او كتبته صواب وانما هو حال الردة اخبر انه قال له ذلك وهو اذ ذاك كافر عدو يفتري على الله ما هو أعظم من ذلك
يبين ذلك ان الذي في الصحيح ان النصراني كان يقول ما يدري محمد الا ماكتبت له نعم ربما كان هو يكتب غير ما يقوله النبي ويغيره ويزيده وينقصه فظن ان عمدة النبي على كتابته مع ما فيها من التبديل ولم يدر ان كتاب الله ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وانه لا يغسله الماء وان الله حافظ له وان الله يقريء نبيه فلا ينسى الا ما شاء الله مما يريد رفعه ونسخ تلاوته وان جبريل كان يعارضا النبي بالقران كل عام وان النبي اذا انزلت عليه الاية اقراها لعدد من المسلمين يتواتر نقل الاية بهم واكثر
من ذكر هذه القصة من المفسرين ذكر انه كان يملي عليه سميعا عليما فيكتب هو عليما حكيما واذا قال عليما حكيما كتب غفورا رحيما واشباه ذلك ولم يذكر ان النبي قال له شيئا # قالوا واذا كان الرجل قد علم انه من اهل الفرية والكذب حتى اظهر الله كذبه اية بينة والروايات الصحيحة المشهورة لم تتضمن الا انه قال عن النبي ما قال او انه كتب ما شاء فقط علم ان النبي لم يقل له شيئا # قالوا وما روي في بعض الروايات ان النبي قال فهو منقطع او معلل ولعل قائله قاله بناء على ان الكاتب هو الذي قال ذلك ومثل هذا قد يلتبس الامر فيه حتى يشتبه ماقاله النبي وما قيل انه قاله وعلى هذا القول فلا سؤال اصلا 0
القول الثاني ان النبي قال له شيئا فروى الإمام احمد وغيره من حديث حماد بن سلمة انا ثابت عن انس ان رجلا كان يكتب لرسول الله فاذا املي عليه سميعا عليما يقول كتبت سميعا بصيرا قال دعه واذا املي عليه عليما حكيما كتب عليما حليما قال حماد نحو ذا # قال وكان قد قرا البقرة وال عمران وكان من قراهما قد قرا قرانا كثيرا فذهب فتنصر وقال لقد كنت اكتب لمحمد ما شئت فيقول دعه فمات فدفن فنبذته الارض مرتين او ثلاثا قال أبو طلحة فلقد رايته مبوذا فوق الارض
ورواه الإمام احمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن انس ان رجلا كان يكتب لرسول الله وقد قرا البقرة وال عمران وكان الرجل اذا قرا البقرة وال عمران جد فينا يعني عظم فكان النبي يملي عليه غفورا رحيما فيكتب عليما حكيما فيقول له النبي اكتب كذا وكذا اكتب كيف شئت ويملي عليه عليما حكيما فيكتب سميعا بصيرا فيقول اكتب كيف شئت فارتد ذلك الرجل عن الإسلام فلحق بالمشركين وقال انا اعلمكم بمحمد ان كنت لاكتب ما شئت فمات ذلك الرجل فقال رسول الله ان الارض لاتقبله قال انس فحدثني أبو طلحة انه اتى الارض التي مات فيها ذلك الرجل فوجده منبوذا قال أبو طلحة ما شان هذا
الرجل قالوا قدمناه مرارا فلم تقبله الارض فهذا اسناد صحيح # وقد قال من ذهب إلى القول الاول علل البزار حديث ثابت عن انس وقال رواه عنه ولم يتابع عليه ورواه حميد عن انس قال واظن حميدا انما سمعه من ثابت قالوا ثم ان انسا لم يذكر انه سمع النبي او شهده يقول ذلك ولعله حكى ما سمع # وفي هذا الكلام تكلف ظاهر والذي ذكرناه في حديث ابن اسحاق والواقدي وغيرهما يوافق ظاهر هذه الرواية وكذلك ذكر طائفة من اهل التفسير وقد جاءت اثار فيها بيان صفة الحال على هذا القول ففي حديث ابن اسحاق وذلك ان رسول الله كان يقول عليم حكيم فيقول او اكتب عزيز حكيم فيقول له رسول الله نعم كلاهما سواء وفي الرواية الاخرى وذلك ان رسول الله كان يملي عليه فيقول عزيز حكيم او حكيم عليم فكان يكتبها على أحد الحرفين فيقول كل صواب # ففي هذا بيان لان كلا الحرفين كان قد نزل وان النبي كان يقراهما ويقول له اكتب كيف شئت من هذين الحرفين فكل صواب وقد جاء مصرحا عن النبي انه قال انزل القران على سبعة احرف كلها شاف كاف ان قلت عزيز حكيم او غفور رحيم فهو كذلك ما لم يختم اية رحمه بعذاب او اية عذاب برحمة وفي حرف جماعة من الصحابة ^ ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت الغفور الرحيم ^ والاحاديث في ذلك منتشرة تدل على ان من الحروف السبعة التي نزل عليها القران ان تختم الاية الواحدة بعدة اسماء من اسماء الله على سبيل البدل يخير القارئ في القراءة بايها شاء وكان النبي يخيره ان يكتب ما شاء من تلك الحروف وربما قراها النبي بحرف من الحروف فيقول او اكتب كذا وكذا لكثرة ما سمع النبي يخير بين الحرفين فيقول له النبي نعم كلاهما سواء لان الاية نزلت بالحرفين وربما كتب هو أحد الحرفين ثم قراه على النبي فاقره عليه لانه قد نزل كذلك ايضا وختم الاية بمثل ^ سميع عليم ^ و^ عليم حكيم ^ و^ غفور رحيم ^ او بمثل ^ سميع بصير ^ او ^ عليم حكيم ^ او ^ عليم حليم ^ كثير في القران وكان نزول الاية على عدة من هذه الحروف امرا معتادا ثم ان الله نسخ بعض تلك الحروف لما كان جبريل يعارض النبي بالقران في كل رمضان وكانت العرضة الاخيرة في حرف زيد بن ثابت الذي يقراء الناس به اليوم وهو الذي جمع عثمان والصحابة رضي الله عنهم اجمعين عليه الناس ولهذا ذكر ابن عباس هذه القصة في الناسخ والمنسوخ وكذلك ذكرها الإمام احمد في كتابه الناسخ والمنسوخ لتضمنها نسخ بعض الحروف وروي فيها وجه اخر رواه الإمام احمد في الناسخ والمنسوخ حدثنا مسكين بن بكير ثنا معان قال وسمعت أبا خلف يقول كان ابن أبي سرح كتب للنبي القران فكان ربما سال النبي عن خواتم الاي ^ تعملون ^ و^ تفعلون ^ ونحو ذا فيقول له النبي اكتب اي ذلك شئت قال فيوفقه الله للصواب من ذلك فاتى اهل مكة مرتدا فقالوا يا ابن أبي سرح كيف كنت تكتب لابن أبي كبشة القران قال اكتبه كيف شئت قال فانزل الله في ذلك ^ ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء ^ الاية كلها # قال النبي يوم فتح مكه من اخذ ابن أبي سرح فليضرب عنقه حيثما وجد وان كان متعلقا باستار الكعبة # ففي هذا الاثر انه كان يسال النبي عن حرفين جائزين فيقول له اكتب اي ذلك شئت فيوفقه الله للصواب فيكتب احب الحرفين إلى الله ان كان كلاهما منزلا او يكتب ما انزل الله فقط ان لم يكن الاخر منزلا وكان هذا التخيير من النبي اما توسعه ان كان الله قد انزلهما او ثقته بحفظ الله وعلما منه بانه لا يكتب الا ما انزل وليس هذا ينكر في كتاب تولى الله حفظه وضمن انه لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه # وذكر بعضهم وجها ثالثا وهو انه ربما كان يسمع النبي يمله الاية حتى لم يبق منها الا كلمة او كلمتان فيستدل على بما قراء منها على باقيها كما يفعله الفطن الذكي فيكتبه ثم يقراه على النبي فيقول كذلك انزلت كما اتفق مثل ذلك لعمر في قوله ^ فتبارك الله احسن الخالقين ^ # وقد روى الكلبي عن أبي صالح عنابن عباس مثل هذا في هذه القصة وان كان هذا الاسناد ليس بثقة قال عن ابن أبي سرح انه كان تكلم بالإسلام وكان يكتب لرسول الله في بعض الاحايين فاذا املي عليه ^ عزيز حكيم ^ كتب ^ غفور رحيم ^ فيقول رسول الله هذا وذاك سواء فلما نزلت ^ ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ^ املاها عليه فلما انتهى إلى قوله ^ خلقا اخر ^ عجب عبد الله بن سعد فقال ^ تبارك الله احسن الخالقين ^ فقال رسول الله كذا انزلت علي فاكتبها فشك حينئذ وقال لئن كان محمد صادقا لقد اوحي الي كما اوحي اليه ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال فنزلت هذه الاية # ومما ضعفت به هذه الرواية ان المشهور ان الذي تكلم بهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه # ومن الناس من قال قولا اخر قال الذي ثبت في رواية انس انه كان يعرض على النبي ما كتبه بعدما كتبه فيملي عليه سميعا عليما فيقول كتبت سميعا بصيرا فيقول دعه او اكتب كيف شئت وكذلك في حديث الواقدي انه كان يقول كذاك الله ويقره # قالوا وكان النبي به حاجة إلى من يكتب لقلة الكتاب في الصحابة وعدم حضور الكتاب منهم في وقت الحاجة اليهم فان العرب كان الغالب عليهم الامية حتى ان كان الجو العظيم يطلب فيه كاتب فلا يوجد فكان احدهم اذا اراد كتابة وثيقة او كتاب وجد مشقة حتى يصل له كاتب فاذا اتفق للنبي من يكتب له انتهز الفرصة في كتابتة فاذا زاد كاتب او نقص تركه لحرصه على كتابة ما يملى ولايامره بتغيير ذلك خوفا من ضجره وان يقطع الكتابة قبل اتمامها ثقة منه بان تلك الكلمة او الكلمتين تستدرك فيما بعد بالالقاء إلى من يتلقنها منه او بكتابتها تعويلا على المحفوظ عنده وفي قلبه كما قال الله تعالى ^ سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله انه يعلم الجهر وما يخفى ^ # والاشبه والله اعلم هو الوجه الاول وان هذا كان فيما انزل القران فيه على حروف عدة فان القول المرضي عند علماء السلف الذي يدل عليه عامة الأحاديث وقراءات الصحابة ان المصحف الذي جمع عثمان الناس عليه هو أحد الحروف السبعة وهو العرضة الاخيرة وان الحروف الستة خارجة عن هذا المصحف فان الحروف السبعة كانت مختلفة الكلم مع ان المعنى غير مختلف ولا متضاد # الحديث العاشر حديث القينتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء ومولاة بني هاشم وذلك مشهور مستفيض عند اهل السير وقد تقدم في حديث سعيد بن المسيب انه امر بقتل فرتني # وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري وامرهم رسول الله ان يكفوا ايديهم فلا يقاتلوا احدا الا من قاتلهم وامر بقتل اربعة نفر قال وامر بقتل قينتين لابن خطل تغنيان بهجاء رسول ثم قال وقتلت احدى القينتين وكمنت الاخرى حتى استؤمن لها # وكذلك ذكر محمد بن عائد القرشي في مغازيه # وقال ابن اسحاق في رواية ابن بكير عنه قال أبو عبيدة بن محمد ابن عمار بن ياسر وعبد الله بن أبي بكر بن حزم ان رسول الله حين دخل مكة وفرق جيوشه امرهم ان لاي يقتلوا احدا الا من قاتلهم الا نفرا قد سماهم رسول الله وقال اقتلوهم وان وجدتموهم تحت استار الكعبة عبدالله بن خطل ثم قال انما امر بقتل ابن خطل لانه كان مسلما فبعثه رسول الله مصدقا وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وامرالمولى يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فنام واستيقض ولم يصنع له شيئا فعدى عليه فقتله ثم ارتد مشركا وكانت له قينة وصاحبتها كانتا تغنيان بهجاء النبي فامر بقتلهما معه قال ومقيس بن صبابة لقتله الانصاري الذي قتل اخاه وسارت مولاة لبني عبد المطلب كانت ممن يؤذيه بمكة وقال الاموي حدثني أبي قال وقال ابن اسحاق وكان رسول الله عهد إلى المسلمين في قتل نفر ونسوة وقال ان وجدتموهم تحت أستار الكعبة فاقتلوهم وسماهم بأسمائهم سته ابن أبي سرح وابن خطل والحويرث بن نقيد ومقيس بن صبابه ورجل من بني تيم بن غالب قال ابن اسحاق وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر انهم كانوا ستة فكتم رجلين واخبرني بأربعه قال النسوة قنيتا ابن خطل وسارة مولاه إلى بني عبد المطلب ثم قال والقينتان كانتا تغنيان بهجائه وسارة مولاة أبي لهب كانت تؤذيه بلسانها وقال الواقدي عن اشياخه ونهى رسول الله عن القتال وامر بقتل ستة نفر واربع نسوة ثم عددهم قال وابن خطل وسارة مولاة عمرو بن هشام وقينتين لابن خطل فرتني وقريبة ويقال فرتني وارنب ثم قال وكان جرم ابن خطل انه اسلم وهاجر إلى المدينة وبعثه رسول الله ساعيا وبعث معه رجلا من خزاعة وكان يصنع طعامه ويخدمه فنزل في مجمع فأمره ان يصنع له طعاما ونام نصف النهار فاستيقظ والخزاعي نائم ولم يصنع له شيئا فاغتاظ عليه فضربه فلم يقلع عنه حتى قتله فلما قتله قال والله ليقتلني محمد به ان جئته فارتد عن الإسلام وساق ما اخذه من الصدقة وهرب إلى مكة فقال له اهل مكة ما ردك الينا قال لم اجد دينا خيرا من دينكم فأقام على شركه فكانت له قينتان وكانتا فاسقتين وكان يقول الشعر يهجو رسول الله ويامرهما تغنيان به فيدخل عليه وعلى قينتيه المشركون فيشربون الخمر وتغني القينتان بذلك الهجاء وكانت سارة مولاة عمرو ابن هاشم مغنية نواحة بمكة يلقي عليها هجاء النبي فتغني به وكانت قد قدمت على رسول الله تطلب ان يصلها وشكت الحاجة فقال رسول الله ماكان لك في غنائك ونياحتك ما يكفيك فقالت يا محمد ان قريشا منذ قتل من قتل منهم ببدر تركوا استماع الغناء فوصلها رسول الله واوقر لها بعيرا طعاما فرجعت إلى قريش وهي على دينها فأمربها رسول الله يوم الفتح ان تقتل فقتلت يومئذ واما القينتان فأمر رسول الله بقتلهما فقتلت احداهما ارنب او فريبة واما فرتني فاستؤمن لها حتى امنت وعاشت حتى كسر ضلع من اضلاعها زمن عثمان رضي الله عنه فماتت فقضي فيه عثمان رضي الله عنه ثمانية الاف درهم ديتها والفين تغليظا للجرم وحديث القينتين مما اتفق عليه علماء السير واستفاض نقله استفاضة يستغنى بها عن رواية الواحد وحديث مولاة بني هاشم ذكره عامة اهل المغازي ومن له مزيد خبرة واطلاع وبعضهم لم يذكره فوجه الدلالة ان تعمد قتل المرأة لمجرد الكفر الأصلي لا يجوز بالأجماع وقد استفاضت بذلك السنة عن رسول الله ففي الصحيحين عن ابن عمر قال وجدت امراة مقتولة في بعض مغازي رسول الله فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان وفي حديث اخر انه مر على امراة مقتولة في بعض مغازيه فانكر قتلها وقال ما كانت هذه لتقاتل ثم قال لاحدهم ألحق خالدا 49 أ فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا رواه أبو داود وغيره وقد روى الإمام احمد في المسند عن ابن كعب بن مالك عن عمه ان النبي حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان وهذا مشهور عند اهل السير وفي الحديث من رواية الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك ثم صعدوا اليه في علية فقرعوا عليه الباب فخرجت اليهم امراته فقالت من انتم فقالوا حي من العرب نريد الميرة ففتحت لهم فقالت ذاك الرجل عندكم في البيت فغلقنا علينا وعليها باب الحجرة ونوهت بنا فصاحت وقد نهانا رسول الله حين بعثنا عن قتل النساء والولدان فجعل الرجل منا يحمل عليها السيف ثم يذكر نهي رسول الله عن قتل النساء فيمسك يده فلولا ذلك فرغنا منها بليل وذكر الحديث # وكذلك روى يونس بن بكير عن عبد الله بن كعب بن مالك قال حدثني عبد الله بن انيس قال في الحديث فقامت ففتحت فقلت لعبد الله بن عتيك دونك فهو عليها السيف فذهبت امراته فاشهر عليها السيف واذكر قول رسول الله انه نهى عن قتل النساء والصبيان فاكف # وكذلك رواه غير واحد عن ابن انيس قال فصاحت امراته فهم بعضنا ان يخرج اليها ثم ذكرنا ان رسول الله نهانا عن قتل النساء # وهذه القصة كانت قبل فتح مكة بل قبل فتح خيبر ايضا بلا خلاف بين اهل العلم وذكر الواقدي انها كانت في ذي الحجة من السنة الرابعة من الهجرة قبل الخندق وذكر ابن اسحاق انها كانت عقب الخندق وهما جميعا يزعمان أن الخندق في شوال في سنة خمس واما موسى بن عقبة فقال في شوال سنة اربع وحديث ابن عمر يدل عليه وكان فتح مكة في رمضان سنة ثمان في شوال
وانما ذكرنا هذا رفعا لوهم من قد يظن ان قتل النساء كان مباحا عام الفتح ثم حرم بعد ذلك والا فلا ريب عند اهل العلم ان قتل النساء لم يكن مباحا قط فان ايات القتال وترتيب نزولها كلها دليل على ان قتل النساء لم يكن جائزا هذا مع ان اولئك النساء اللاتي كن في حصن ابن أبي الحقيق اذا ذاك لم يكن يطمع هؤلاء النفر في استرقاقهن بل هن ممتنعات عند اهل خيبر قبل فتحها بمدة مع ان المراة قد صاحت وخافوا الشر بصوتها ثم امسكوا عن قتلها لرجائهم ان ينكف شرها بالتهويل عليها # نعم المحرم انما هو قصد قتلهن فاما اذا قصدن قصد الرجل بالاغارة او برمي منجنيق او فتح شق او القاء نار فتلف بذلك نساء او صبيان لم ناثم بذلك لحديث الصعب بن جثامة انه سال النبي عن اهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب الذرية فقال هم منهم متفق
عليه ولان النبي رمى اهل الطائف بالمنجنيق مع انه قد يصيب المراة والصبي وبكل حال فالمراة الحربية غير مضمونة بقود ولا دية ولا كفارة لان النبي لم يامر من قتل المراة في مغازيه بشئ من ذلك فهذا ما تفارق به المراة الذمية واذا قاتلت المراة الحربية جاز قتلها بالاتفاق لان النبي علل المنع من قتلها بانها لم تكن تقاتل فاذا قاتلت وجد المقتضى لقتلها وانتفى المانع لكن عند الشافعي تقاتل كما يقاتل المسلم الصائل فلا يقصد قتلها بل دفعها فاذا قدر عليها لم يجز قتلها وعند غير اذا قاتلت صارت بمنزلة الرجل المحارب # اذا تقرر هذا فنقول هؤلاء النسوة كن معصومات بالانوثة ثم ان النبي امر بقتلهن لمجرد كونهن كن يهجينه وهن في دار حرب فعلم ان من هجاه وسبه جاز قتله بكل حال # ومما يؤكد ذلك وجوه # احدها ان الهجاء والسب اما ان يكون من باب القتال باللسان فيكون كالقتال باليد وتكون كالمراالمرأة الهاجية التي يستعان برايها على حرب المسلمين كالملكة ونحوها مثل ما كانت هند بنت عتبه او يكون بنفسه موجبا للقتل لما فيه من اذى الله ورسوله والمؤمنين وان كان من جنس المحاربة اولا يكون شيء من ذلك فان كان من القسم الاول او الثاني جاز قتل المراة الذمية اذا سبت لانها حينئذ تكون قد حاربت او ارتكبت ما يوجب القتل فالذمية اذا فعلت ذلك انتقض عهدها وقتلت ولا يجوز ان تخرج عن هذين القسمين لانه يلزم منه قتل المراة من اهل الحرب من غير ان تقاتل بيد ولا لسان ولا ان ترتكب ما هو بنفسه موجب للقتل وقتل مثل هذه المراة حرام بالسنة والاجماع # الوجه الثاني ان هؤلاء النسوة كن من اهل الحرب وقد اذين النبي في دار الحرب ثم قتلن لمجرد السب كما نطقت به الاحاديث فقتل المراة الذمية بذلك اولى واحرى كالمسلمة لان الذمية بيننا وبينها من العهد ما يكفها عن اظهار السب ويوجب عليها التزام الذل والصغار ولهذا تواخذ بما تصيبه للمسلم من دم او مال او عرض والحربية لا تواخذ بشيء من ذلك # فاذا جاز قتل المراة لانها سبت الرسول وهي حربية تستبيح ذلك من غير مانع وقتل الذمية الممنوعة عن ذلك بالعهد اولى # ولا يقال عصمة الذمي اوكد لانه مضمون والحربي غير مضمون # لانا نقول الذمي ايضا ضامن لدم المسلم والحربي غير ضامن فهو ضامن ومضمون لان العهد الذي بيننا اقتضى ذلك واما الحربية فلا عهد بيننا وبينها يقتضي ذلك فليس كون الذمي مضمونا يجب علينا حفظه بالذي يهون عليه ما ينتهكه من عرض الرسول بل ذلك اغلظ لجرمه واولى بان يؤاخذ بما يؤذينا به لانعلم شيئا تقتل به المراه الحربية قصدا الا وقتل الذمية به اولى الوجه الثالث ان هؤلاء النسوة لم يقاتلن عام الفتح بل كن متذللات مستسلمات والهجاء ان كان من جنس القتال فقد كان موجودا قبل ذلك والمراة الحربية لا يجوز قتلها في غزوة هي فيها مستسلمة لكونها قد قاتلت قبل ذلك فعلم ان السب بنفسه هو المبيح لدمائهن لاكونهن قاتلن # الرابع ان النبي امن جميع اهل مكة الا ان يقاتلوا مع كونهم قد حاربوه وقتلوا اصحابه ونقضوا العهد الذي بينهم وبينه ثم انه اهدر دماء هؤلاء النسوة فيمن استثناه وان لم يقاتلن لكونهن كن يؤذينه فثبت ان جرم المؤذي لرسول الله بالسب ونحوه اغلظ من جرم القتال وغيره وانه يقتل في الحال التي ينهي فيها عن قتال من قتل وقاتل # الخامس ان القينتين كانتا امتين مامورتين بالهجاء وقتل الامة ابعد من قتل الحرة فان النبي نهى عن قتل العسيف وكونها مامورة بالهجاء اخف لجرمها حيث لم تقصده ابتداء ثم مع هذا امر بقتلهما فعلم ان السب من اغلظ الموجبات للقتل # السادس ان هؤلاء النسوة اما ان يكن قتلن بالهجاء لانهن فعلنه مع العهد الذي كان بين النبي وبين اهل مكة فيكون من جنس هجاء الذمي او قتلن لمجرد الهجاء مع عدم العهد فان كان الاول فهو المطلوب وان كان الثاني فاذا جاز ان تقتل السابه التي لا عهد بيننا وبينها يمنعها فقتل الممنوعة بالعهد اولى لان مجرد كفر المراة وكونها من اهل الحرب لايبيح دمها بالاتفاق على ماتقدم لاسيما والسب لم يكن بمنزلة القتال على ما تقدم # فان قيل ما وجه الترديد واهل مكة قد نقضوا العهد وصاروا كلهم محاربين # قيل لان النبي لم يستبح اخذ الاموال وسبي الذرية والنساء بذلك النقض العام اما لانه عفا عن ذلك كما عفا عن قتل من لم يقاتل او لان النقض الذي وجد من بعض الرجال بمعاونة بني بكر ومن بعضهم باقرارهم على ذلك لم يسر حكمه إلى الذرية # # ومما يوضح ذلك ان النبي امن الناس الا بني بكر من خزاعة والا النفر المسمين اما عشرة او اقل من عشرة او أكثر لان بني بكر هم الذين باشروا نقض العهد وقتلوا خزاعة فعلم انه فرق بين من نقض العهد وفعل مايبيح الدم وبين من لم يفعل شيئا غير الموافقة على نقض العهد فبكل حال لم يقتل هؤلاء النسوة للحراب العام والنقض العام بل لخصوص جرمهن من السب الناقض لعهد فاعله سواء ضم اليه كونه من ذي عهد او لم يضم # واعلم ان ما تقدم من قتل النسوة اللاتي سبين رسول الله مثل اليهودية وام الولد وعصماء لو لم يثبت انهن كن معاهدات لكان الاستدلال به جائزا فان كل ما جاز ان تقتل به المراة التي ليست مسلمة ولا معاهدة من فعلها وقولها فان تقتل به المراة المعاهدة اولى واحرى فان موجبات القتل في حق الذمية اوسع من موجباته في حق التي ليست ذمية # ومما يدل على مثل هذه الدلالة ما روى ان امراة كانت تسب النبي فقال من يكفيني عدوي فخرج اليها خالد بن الوليد فقتلها # الحديث الحادي عشر ما استدل به بعضهم من قصة ابن خطل ففي الصحيحين من حديث الزهري عن انس ان النبي دخل مكة عام الفتح وعلى راسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق باستار الكعبة فقال اقتلوه وهذا مما استفاض نقله بين اهل العلم واتفقوا عليه ان رسول الله اهدر ذم ابن خطل يوم الفتح فيمن اهدره وانه قتل
وقد تقدم عن ابن المسيب ان أبا برزة اتاه وهو متعلق باستار الكعبة فبقر بطنه # وكذلك روى الواقدي عن أبي برزة قال في نزلت هذه الاية ^ لا اقسم بهذا البلد وانت حل بهذا البلد ^ اخرجت عبد الله بن خطل وهو متعلق باستار الكعبة فضربت عنقه بين الركن والمقام # وذكر الواقدي ان ابن خطل اقبل من اعلى مكة مدججا في الحديد ثم خرج حتى انتهى إلى الخندمة فراى خيل المسلمين وراى القتال ودخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه فاتى البيت فدخل بين استاره # وقد تقدم عن اهل المغازي ان جرمه ان النبي استعمله على الصدقة واصحبه رجل يخدمه فغضب على رفيقه لكونه لم يصنع له طعاما امره بصنعه فقتله فخاف ثم ان يقتل فارتد واستاق ابن الصدقة وانه كان يقول الشعر يهجو به رسول الله ويامر جاريتيه ان تغنيا به فهذا له ثلاث جرائم مبيحة للدم قتل النفس والردة والهجاء
فمن احتج بقصته يقول لم يقتل لقتل النفس لان أكثر ما يجب على من قتل ثم ارتد ان يقتل قودا والمقتول من خزاعة له اولياء فكان حكمه لو قتل قودا ان يسلم إلى اولياء المقتول فاما ان يقتلوا او يعفوا او ياخذوا الدية ولم يقتل لمجرد الردة لان المرتد يستتاب واذا استنظر انظر وهذا ابن خطل قد فر إلى البيت عائذا به طالبا للامان تاركا للقتال ملقيا للسلاح حتى ينظر في امره وقد امر النبي بعد علمه بذلك كله ان يقتل وليس هذا سنة من يقتل لمجرد الردة فثبت ان هذا التغليظ في قتله انما كان لاجل السب والهجاء وان الساب وان ارتد فليس بمنزلة المرتد المحض يقتل قبل الاستتابه ولا يؤخر قتله وذلك دليل على جواز قتله بعد التوبة # وقد استدل بقصة ابن خطل طائفة من الفقهاء على ان من سب النبي من المسلمين يقتل وان اسلم حدا # واعترض عليهم بان ابن خطل كان حربيا فقتل لذلك # وجوابه انه كان مرتدا بلا خلاف بين اهل العلم بالسير وحتم قتله بدون استتابه مع كونه مستسلما من قادم قد القى السلم كالاسير فعلم ان من ارتد وسب يقتل بلا استتابة بخلاف من ارتد فقط # يؤيده ان النبي امن عام الفتح جميع المحاربين الا ذوي جرائم مخصوصه وكان ممن اهدر دمه دون غيره فعلم انه لم يقتل لمجرد الكفر والحراب
السنة الثانية عشرة ان النبي امر بقتل جماعة لاجل سبه وقتل جماعة لاجل ذلك مع كفه وامساكه عمن هو بمنزلتهم في كونه كافرا حربيا فمن ذلك ما قدمناه عن سعيد بن المسيب ان النبي امر يوم الفتح بقتل ابن الزبعري # وسعيد بن المسيب هو الغاية في جودة المراسيل ولا يضره ان لا يذكره بعض اهل المغازي فانهم مختلفون في عدد من استثني من الامان وكل اخبر بما علم ومن اثبت الشئ وذكره حجة على من لم يثبته # وقد ذكر ابن اسحاق قال فلما قدم رسول الله إلى المدينة منصرفا عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى اخيه كعب ابن زهير يخبره ان رسول الله قد قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وان من بقي من شعراء قريش عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه ففي هذا بيان ان النبي امر بقتل من كان يهجوه ويؤذيه بمكة من الشعراء مثل ابن الزبعري وغيره
ومما لا خفاء به ان ابن الزبعري انما ذنبه انه كان شديد العداوة لرسول الله بلسانه فانه كان من اشعر الناس وكان يهاجي شعراء الإسلام مثل حسان وكعب بن مالك فاما ما سوى ذلك من الذنوب قد شركه فيه واربى عليه عدد كثير من قريش # ثم ان ابن الزبعري فر إلى نجران ثم قدم على النبي مسلما وله اشعار حسنة في التوبة والاعتذار فاهدر دمه للسب مع امانه لجميع اهل مكة الا من كان له جرم مثل جرمه ونحو ذلك # ومن ذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قصته في هجائه للنبي وفي اعراض النبي عنه لما جاءه مسلما مشهورة ومستفيضة
وقد ذكر الواقدي قال حدثني سعيد بن مسلم بن قماذين عن عبد الرحمن بن سابط وغيرهم قال كان أبو سفيان بن الحارث أخا رسول الله من الرضاعة ارضعته حليمة اياما وكان يالف رسول الله وكان له تربا فلما بعث رسول الله عاده عداوة لم يعاد احدا قط ولم يكن دخل الشعب وهجا رسول الله وهجا اصحابه وذكر الحديث إلى ان قال ثم ان الله القى في قلبه الإسلام قال أبو سفيان فقلت من اصحب ومع من اكون قد ضرب الإسلام بجرانه فجئت زوجتي وولدي فقلت تهيؤوا للخروج قد اظل قدوم محمد قالوا قد ان لك ان تبصر ان العرب والعجم قد
تبعت محمدا وانت توضع في عداوته وكنت اولى الناس بنصرته فقلت لغلامي المذكور عجل بابعرتي وفرسي قال ثم سرنا حتى نزلنا بالابواء وقد نزلت مقدمة بالابواء فتنكرت وخفت ان اقتل وكان قد ندر دمي فخرجت واخذ ابن جعفر على قدمي نحوا من ميل في الغداة التي صبح رسول الله الابواء فاقبل الناس رسلا رسلا اي قطيعا قطيعا فتنحيت فرقا من اصحابه فلما طلع موكبه تصديت له تلقاء وجهه فلما ملا عينيه مني اعرض عني بوجهه إلى الناحية الاخرى فتحولت إلى ناحية وجهه الاخرى فاعرض عني مرارا فاخذني ما قرب وما بعد وقلت انا مقتول قبل ان اصل اليه واتذكر بره ورحمه وقرابتي فيمسك ذلك مني وقد كنت لا اشك ان رسول الله واصحابه سيفرحون بإسلامه فرحا شديدا وقرابتي برسول الله ولما راى المسلمون اعراض رسول الله عني اعرضوا عني جميعا فلقيني ابن أبي قحافة معرضا عني ونظرت إلى عمر يغري بي رجلا من الأنصار فالز بي رجلا يقول يا عدو الله انت الذي كنت تاذي رسول الله وتؤذي اصحابه قد بلغت مشارق الارض ومغاربها في عداوته فرددت بعض الرد عن نفسي فاستطال علي ورفع صوته حتىا جعلني في مثل الحرجة من الناس يسرون بما يفعل بي قال فدخلت على عمي العباس فقلت ياعم قد كنت ارجوا ان سيفرح رسول الله بإسلامي لقرابن وشرفي وقد كان منه ما رايت فكلمه ليرضى عني قال لا والله لا اكلمه كلمة فيك بعد الذي رايت منه ما رايت الا ان ارى وجها اني اجل رسول الله واهابه فقلت ياعم إلى من تكلني قال هو ذاك فلقيت علي فكلمته فقال لي مثل ذلك وذكر الحديث إلى ان قال فخرجت فجلست على باب منزل رسول الله حتى راح إلى الجحفة وهو لا يكلمني ولا أحد من المسلمين وجعلت لا ينزل منزلا الا انا على بابه ومعي ابني جعفر قائم فلا يراني الا اعرض عني فخرجت على هذه الحال حتى شهدت معه فتح مكة وانا في خيله التي تلازمه حتى هبط من اذاخر حتى نزل الابطح فنظر الي نظرا هو الين من ذلك النظر قد رجوت ان يتبسم ودخل عليه نساء بني عبد المطلب ودخلت معهن زوجتي فرققته علي وخرج إلى المسجد وانا بين يديه لا افارقه على حال حتى خرج إلى هوازن وخرجت معه وذكر قصته بهوازن وهي مشهورة # قال الواقدي وقد سمعت في إسلام أبي سفيان بن الحارث بوجه اخر قال لقيت رسول الله بنيق العقاب وذكر الحديث نحوا مما ذكره ابن اسحاق قال ابن اسحاق وكان ابو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي امية بن المغيرة قد لقيا رسول الله بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك فقال لاحاجة لي بهما أم ابن عمي فهتك عرضي وام ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لى بمكة ما قال # قال فلما خرج الخبر اليهما بذلك ومع أبي سفيان بن الحارث ابن له فقال والله لياذنن لي رسول الله او لاخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الارض حتى نموت عطشا او جوعا فلما بلغ رسول الله رق لهما فدخلا عليه فانشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما كان مضى منه فقال % لعمرك اني يوم احمل راية % لتغلب خيل اللات خيل محمد % % لكا لمدلج الحيراني اظلم ليله % فهذا اواني حين اهدى فاهتدي % % هداني هاد غير نفسي ودلني % على الله من طردت كل مطرد % وذكر باقي الابيات # وفي رواية الواقدي قال فطلبا الدخول على رسول الله فابى ان يدخلهما عليه فكلمته أم سلمة زوجته فقالت يا رسول الله صهرك وابن عمتك وابن عمك واخوك من الرضاعة وقد جاء الله بهما مسلمين لا يكونا اشقى الناس بك فقال رسول الله لا حاجة لي بهما اما اخوك فالقائل لي بمكة ما قال لان يؤمن لي حتى أرق في السماء فقالت يارسول الله انما هو من قومك وكل قريش قد تكلم ونزل القران فيه بعينه وقد عفوت عمن هو أعظم جرما منه وابن عمك قرابتك به قريبة وانت احق الناس عفا عنه جرمه فقال رسول الله هو الذي هتك عرضي فلا حاجة لي بهما فلما خرج اليهما الخبر قال أبو سفيان بن الحارث ومعه ابنه والله ليقبلن مني أو لأخذن بيد ابني هذا فلاذهبن في الارض حتى اهلك عطشا وجوعا وانت احلم الناس واكرم الناس مع رحمي بك فبلغ رسول الله مقالته فرق له وقال عبد الله ابن امية انما جئت لاصدقك ولي من القرابة مالي والصهر بك وجعلت أم سلمة تكلمه فيهما فرق رسول الله لهما فاذن لهما ودخلا فاسلما وكانا جميعا حسني الإسلام # قتل عبد الله بن أبي امية بالطائف ومات أبو سفيان بن الحارث بالمدينة في خلافة عمر رضى الله عنه لم يغمص عليه بشئ ولقد كان رسول الله اهدر دمه قبل ان يلقاه # فوجه الدلالة انه ندر دم أبي سفيان بن الحارث دون غيره من صناديد المشركين الذين كانوا اشد تاثيرا في الجهاد باليد والمال وهو قادم إلى مكة لا يريد ان يسفك دماء اهلها بل يستعطفهم على الإسلام ولم يكن لذلك سبب يختص بابي سفيان الا الهجاء ثم جاء مسلما وهو يعرض عنه هذا الاعراض وكان من شانه ان يتالف الاباعد على الإسلام فكيف بعشيرته الاقربين كل ذلك بسبب هتكه عرضه كما هو مفسر في الحديث # ومن ذلك انه امر يوم الفتح بقتل الحويرث بن نقيد وهو معروف عند اهل السير قال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري وهي من اصح المغازي كان مالك يقول من احب ان يكتب المغازي فعليه بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة قال وامرهم رسول الله ان يكفوا ايديهم فلا يقاتلوا أحد الا من قاتلهم وامرهم بقتل اربعة نفر منهم الحويرث بن نقيد # وقال سعيد بن يحيى الاموي في مغازيه حدثني أبي قال وقال ابن اسحاق وكان رسول الله عهد إلى المسلمين في قتل نفر ونسوة وقال ان وجدتموهم تحت استار الكعبة فاقتلوهم وسماهم باسمائهم ستة وهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وعبد الله بن خطل والحويرث بن نقيد ومقيس بن صبابه ورجل من بني تيم بن غالب # قال ابن اسحاق وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر انهم كانوا سته فكنم اسم رجلين واخبرني باربعة وزعم ان عكرمة بن أبي جهل احدهم # قال واما الحويرث بن نقيد فقتله علي بن أبي طالب وكذلك ذكر ابن اسحاق في رواية ابن بكير وغيره عنه من نفر الذين استثناهم النبي وقال اقتلوهم وان وجدتموهم تحت استار الكعبة الحويرث بن نقيد وكان ممن يؤذي رسول الله
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
قال الواقدي عن ااشياخه ان النبي نهى عن القتال وامر بقتل ستة نفر واربع نسوة عكرمة بن أبي جهل وهبار بن الاسود وابن أبي سرح ومقيس بن صبابه والحويرث بن نقيد وابن خطل # قال واما الحويرث بن نقيد فانه كان يؤذي النبي فاهدر دمه فبين هو في منزله يوم الفتح قد اغلق عليه واقبل علي رضي الله عنه يسال عنه فقيل هو في البادية فاخبر الحويرث انه يطلب وتنحى علي عن بابه فخرج الحويرث يريد ان يهرب من بيت إلى بيت اخر فتلقاه علي فضرب عنقه # ومثل هذا مما يشتهر عند هؤلاء مثل الزهري وابن عقبة وابن اسحاق والواقدي والاموي وغيرهم أكثر ما فيه انه مرسل والمرسل اذا روى من جهات مختلفة لا سيما ممن له عناية بهذا الامر وتتبع له كان كالمسند بل بعض ما يشتهر عند اهل المغازي ويستفيض اقوى مما يروى بالاسناد الواحد ولا يوهنه انه لم يذكر بالحديث الماثور عن سعد وعمرو بن
شعيب عن ابيه عن جده لان المثبت مقدم على النافي ومن اخبر انه امر بقتله فمعه زيادة علم ولعل النبي لم يامر بقتله ثم امر بقتله وذلك انه يمكن ان النبي نهىاصحابه ان يقتلوا الا من قاتلهم الا النفر الاربعة ثم امرهم ان يقاتلوا هذاوغيره ومجرد نهيه عن القتال لا يوجب عصمة المكفوف عنهم لكنه بعد ذلك امنهم الامان العاصم للدم وهذا الرجل قد امر النبي بقتله لمجرد اذاه له مع انه قد امن اهل البلد الذين قاتلوه واصحابه وفعلوا بهم الافاعيل # ومن ذلك انه لما قفل من بدر راجعا إلى المدينة قتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ولم يقتل من اسارىبدر غيرهما وقصتهما معروفة
قال ابن اسحاق وكان في الاسرى عقبة بن أبي معيط والنضر ابن الحارث فلما كان رسول الله بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي طالب كما خبر ثم مضى رسول الله فلما كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط قتله عاصم بن ثابت # قال موسى بن عقبة عن الزهري ولم يقتل من الاسارى صبرا غير عقبة بن أبي معيط قتله عاصم بن ثابت ابن أبي الاقلح ولما ابصره عقبة مقبلا اليه استغاث بقريش فقال يامعشر قريش علاما اقتل من
بين هاهنا فقال رسول الله على عداوتك لله ورسوله وكذلك ذكر محمد بن عائد في مغازيه # وهذا والله اعلم لان النضر قتل بالصفراء عند بدر فلم يعد من الاسرى عند هذا القائل لقتله قريبا من مصارع قريش والا فلا خلاف علمناه ان النضر وعقبة قتلا بعد الاسر # وقد روى البزار عن ابن عباس ان عقبة بن أبي معيط نادى يامعشر قريش مالي اقتل من بينكم صبرا فقال له النبي بكفرك وافترائك على رسول الله # وقال الواقدي كان النضر بن الحارث اسره المقداد بن الاسود فلما خرج رسول الله من بدر فكان بالاثيل عرض عليه الاسرى فنظر إلى النضر بن الحارث فابده البصر فقال لرجل إلى جنبه محمد والله قاتلي لقد نظر الي بعينن فيهما الموت فقال الذي إلى جنبه والله ما هذا منك الا رعب فقال النضر لمصعب بن عمير يامصعب انت اقرب من هاهنا بي رحما كلم صاحبك ان يجعلني كرجل من اصحابي هو والله قاتلي ان لم تفعل قال مصعب انك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا وتقول في نبيه كذا وكذا قال يامصعب يجعلني كاحد اصحابي ان قتلوا قتلت وان من عليهم من علي قال مصعب انك كنت تعذب اصحابه وذكر الحديث إلى ان قال فقتله علي بن أبي طالب صبرا بالسيف # قال الواقدي واقبل رسول الله بالاسرى حتى اذا كانوا بعرف الظبية امر عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح ان يضرب عنق عقبة ابن أبي معيط فجعل عقبة يقول ياويلي علام اقتل يا قريش من بين من هاهنا قال رسول الله لعداوتك لله ورسوله قال يامحمد منك أفضل فاجعلني كرجل من قومي ان قتلتهم قتلتني وان مننت عليهم مننت علي وان اخذت منهم الفداء كنت كاحدهم يامحمد من للصبية قال رسول الله النار قدمه ياعاصم فاضرب عنقه فقدمه عاصم فضرب عنقه فقال رسول الله بئس الرجل كنت والله ما علمت كافرا بالله وبكتابه وبرسوله مؤذيا لنبيه فاحمد الله الذي هو قتلك واقر عيني منك # ففي هذا بيان ان السبب الذي اوجب قتل هذين الرجلين من بين سائر الاسرى اذاهم لله ولرسوله بالقول والفعل فان الايات التي نزلت في النضر معروفة واذى ابن أبي معيط له مشهور بلسانه ويده حين خنقه بابي هو واحي بردائه خنقا شديدا يريد قتله وحين القى السلا على ظهره وهو ساجد وغير ذلك # ومن ذلك انه امر بقتل من يهجوه بعد فتح مكة من قريش وسائر العرب مثل كعب بن زهير وغيره # ىقال الاموي حدثني أبي قال قال ابن اسحاق وذكره يونس بن بكيروالبكائي وغيرهما عن ابن اسحاق قال فلما قدم رسول الله المدينة منصرفا من الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى اخيه كعب بن زهير يخبره ان رسول الله كتب في قتل رجال بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه # ولفظ يونس والبكائي ان رسول الله قد قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وان من بقي من شعراء قريش ابن الزبعري وهبيرة ابن أبي وهب وقد هربوا في كل وجه فان كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله فانه لا يقتل احدا جاءه تائبا وان انت لم تفعل فانج إلى نجاتك من الارض وكان كعب قد قال ابياتا نال فيها من رسول الله حتى رويت وعرفت وكان الذي قال % الا ابلغا بجيرا رسالة % فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا % % لتخبرني ان كنت ليس بفاعل % على اي شئ غير ذلك دلكا % % على خلق لم يلق يوما أبا له % ولا انت لم تعرف عليه أبا لكا % % فان انت لم تفعل فلست باسف % ولا قائل اما عثرت لعالكا % % سقاك بها المؤمون كاسا روية % فانهلك المؤمون منها وعلكا %
وانما قال كعب المؤمون لقول قريش لرسول الله الامين الذي كانت تقول له
فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الارض واشفق على نفسه وارجف به من كان في حاضره من عدوه فقالوا هو مقتول فلما لم يجد من شئ بدا قال قصيدة يمدح فيها رسول الله ويذكر فيها خوفه وراجاف الوشاة به ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة كما ذكر لي فغدا به على رسول الله حين صلى الصبح فلما صلى مع الناس اشار له إلى رسول الله فقال هذا رسول الله فقم اليه فذكر لنا انه قام إلى رسول الله فوضع يده في يده وكان رسول الله لا يعرفه فقال يا رسول الله اني كعب ابن زهير استامن منك تائبا مسلما فهل انت قابل منه ان انا جئتك به فقالل رسول الله نعم قال انا يارسول الله كعب بن زهير # قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر انه وثب عليه رجل من الأنصار فقال يارسول الله دعني وعدو الله اضرب عنقه فقال رسول الله دعه عنك قد جاء تائبا نازعا قال فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم وذلك انه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين الا بخير فقال قصيدته التي قال حين قدم رسول الله ثم انشد ابن اسحاق قصيدته المشهورة بانت سعاد وفيها % انبئت ان رسول الله اوعدني % والعفو عند رسول الله مامول % % مهلا هداك الله الذي اعطاك نافلة % القاران فيه مواعيظ وتفصيل % % لاتاخذني باقوال الوشاة ولم اذنب ولو كثرت في الاقاويل %
وفي حديث اخر وذلك انه بلغه رسول الله ندر دمه لقول بلغه عنه فقدم على رسول الله مسلما ودخل مسجده وانشد القصيدة فقد اخبر أن رسول الله كتب في قتل رجال بمكة لاجل هجائهم واذاهم حتى افر من فر منهم إلى نجران ثم رجع ابن الزيدي عليه تائبا مسلما واقام هبيرة بنجران حتى مات مشركا ثم انه اهدر دم كعب لما قاله مع انه ليس من بليغ الهجاء لكونه طعن في دين الإسلام وعابه وعاب ما يدعوا اليه الرسول ثم انه تاب قبل القدرة عليه وجاء مسلما وكان حربيا ومع هذا فهو يلتمس العفو ويقول لا تاخذني باقوال الوشاة ولم اذنب # من ذلك ما نقل انه كان يندب إلى قتل من يهجوه ويقول من يكفيني عدوي # قال الاموي سعيد بن يحيى بن سعيد في مغازيه ثنا أبي قال اخبرني عبد الملك بن جريج اخبرني عن رجل اخبره عن عكرمة عن عبد الله بن
عباس ان رجلا من المشركين شتم رسول الله فقال رسول الله من يكفيني عدوي فقام الزبير بن العوام فقال انا فبارزه فاعطاه رسول الله سلبه ولا احسبه الا في خيبر حين قتل ياسر ورواه عبد الرزاق ايضا # وروى ان رجلا كان يسب النبي فقال من يكفيني عدوي فقال خالد انا فبعثه النبي فقتله # ومن ذلك ان اصحابه كانوا اذا سمعوا من يسبه ويؤذيه قتلوه وان كان قريبا فيقرهم على ذلك ويرضاه وربما سمى من فعل ذلك ناصرا لله ورسوله
فروى أبو اسحاق الفزاري في كتابه المشهور في السير عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن سميع عن مالك بن عمير قال جاء رجل إلى النبي فقال اني لقيت أبي في المشركين فسمعت منه مقاله قبيحة لك فما صبرت ان طعنته بالرمح فقتلته فما شق ذلك عليه # قال وجاءه اخر فقال اني لقيت أبي في المشركين فصفحت عنه فما شق ذلك عليه # وقد رواه الاموي وغيره من هذه الطريق
وروى أبو اسحاق الفزاري ايضا في كتابه عن الاوزاعي عن حسان بن عطية قال بعث رسول الله جيشا فيهم عبد الله بن رواحة وجابر فلما صافوا المشركين اقبل رجل منهم يسب رسول الله فقام رجل من المسلمين فقال انا فلان ابن فلان وامي فلانه فسبني وسب امي وكف عن سب رسول الله فلم يزده ذلك الا اغراء فاعاد مثل ذلك وعاد الرجل مثل ذلك فقال في الثالثة لئن عدت لارحلنك بسيفي فعاد فحمل عليه الرجل فولى
مدبرا فاتبعه الرجل حتى خرق صف المشركين فضربه بسيفه واحاط به المشركون فقتلوه فقال رسول الله اعجبتم من رجل نصر الله ورسوله ثم ان الرجل برئ من جراحه فاسلم فكان يسمى الرحيل ورواه الاموي في مغازيه من هذا الوجه # وقد تقدم حديث عمير بن عدي لما قال حين بلغه اذى بنت مروان للنبي اللهم ان علي نذرا لئن رددت رسول الله إلى المدينة لاقتلنها فقتلها بدون اذن النبي فقال النبي اذا احببتم ان تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي # وكذلك حديث اليهودية وام الولد فان النبي اهدر دمها لما قتلت لاجل سبه وقد قتلت بدون اذنه فهذا مما يدخل في انه اقر من قتل رجلا لاجل سبه # وقد تقدم ايضا حديث الرجل الذي نذر ان يقتل ابن أبي سرح لما افتراه على النبي وإن النبي امسك عن مبايعته ليقوم اليه ذلك الرجل فيقتله ويفي بنذره # وقد ذكروا ان الجن الذي امنوا به كانت تقصد من يسبه من الجن الكفار فتقتله قبل الهجرة وقبل الاذن في القتال له وللانس فيقرها على ذلك ويشكر ذلك لها # قال سعيد بن يحيى الاموي في مغازيه حدثني محمد بن سعيد يعني عمه قال قال محمد بن المنكدر انه ذكر له عن ابن عباس انه قال هاتف من الجن على جبل أبي قبيس فقال % قبح الله رايكم آل فهر % ما ادق العقول والاحلام % % حين تغضي لمن يعيب عليها % دين ابائها الحماة الكرام % % حالف الجن جن بصرى عليكم % ورجال النخيل والاطام % % توشك الخيل ان تروها نهارا % تقتل القوم في حرام تهام % % هل كريم منكم له نفس حر % ماجد الجدتين والاعمام % % ضاربا ضربة تكون نكالا % ورواحا من كربه واغتنام %
قال ابن عباس فاصبح هذا الشعر حديثا لاهل مكة يتناشدوه بينهم فقال رسول الله هذا شيطان يكلم الناس من الاوثان يقال له مسعر والله مخزيه فمكثوا ثلاثة ايام فاذا هاتف يهتف على الجبل يقول % نحن قتلنا في ثلاث مسعرا % اذ سفه الحق وسن المنكرا % % قنعته سيفا حساما مبترا % بشتمه نبيا المطهرا %
فقال رسول الله هذا عفريت من الجن اسمه سمحج امن بي سميته عبد الله اخبرني انه في طلبه منذ ثلاثة ايام فقال علي جزاه الله خيرا يا رسول الله # وممن ذكر انه قتل لاجل اذى النبي أبو رافع بن ابن الحقيق اليهودي وقصته معروفة مستفيضة عند العلماء فنذكر منها وضع الدلالة # عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار وامر عليهم عبد الله بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول الله ويعين عليه وكان في حصن له بارض
الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله لاصحابه اجلسوا مكانكم فاني منطلق ومتلطف للبواب لعلي ان ادخل فاقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كانه يقضي حاجتة وقد دخل الناس فهتف به البواب ياعبد الله ان كنت تريد ان تدخل فادخل فاني اريد ان اغلق الباب فخلت فكمنت فلما دخل الناس اغلق الباب ثم علق الاغاليق على ود قال فقمت إلى الاقاليد فاخذتها ففتحت الابواب وكان أبو رافع يسمر عنده وكان في علالي له فلما ذهب عنه اهل سمره صعدت اليه فجعلت كلما فتحت بابا اغلقت علي من داخل قلت ان القوم نذروا بي لم يخلصوا إلى حتى اقتله فانتهيت اليه فاذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا ادري اين هو من البيت قلت أبا رافع قال من هذا فاهويت نحو الصوت فاضربه ضربة بالسيف وانا دهش فما اغنيت شيئا وصاح فخرجت من البيت فامكث غير بعيد ثم دخلت اليه فقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع فقال لامك الويل ان رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف قال فاضربه ضربة اثخنته ولم اقتله ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى اخذ في ظهره فعرفت اني قتلته فجعلت افتح الابواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درحة له فوضعت رجلي وانا ارى ان قد انتهيت إلى الارض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت لا اخرج الليلة حتى اعلم اقتلته فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال انعي أبا رافع تاجر اهل الحجاز فانطلقت إلى اصحابي فقلت النجاء قد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى النبي فحدثته فقال ابسط رجلك فبسطت رجلي فمسحها فكانما لم اشتكها قط رواه البخاري في صحيحه
وقال ابن اسحاق حدثني الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال مما صنع الرسول ان هذين الحيين من الأنصار الاوس والخزرج كانا يتصاولان معه تصاول الفحلين لايصنع احدهما شيئا الا صنع الاخر مثله يقولون لايعدون ذلك فضلا علينا في الإسلام وعند رسول الله فلما قتل الاوس كعب بن الاشرف تذكرت الخزرج رجلا هو في العداوة لرسول الله مثله فتذاكروا ابن أبي الحقيق في خيبر فاستاذنوا رسول الله في قتله فاذن لهم وذكر الحديث إلى ان قال ثم صعدو اليه في علية له فقرعوا عليه الباب فخرجت اليهم امراته فقالت من انتم فقالوا حي من العرب نريد الميرة ففتحت لهم فقالت ذاكم الرجل عندكم في البيت وذكر تمام الحديث في قتله # فقد تبين في حديث البراء وابن كعب انما تسرى المسلمين بقتله باذن النبي لاذاه للنبي ومعاداته له # وانه كان نضير ابن الاشرف لكن ابن الاشرف كان معاهدا فاذى الله ورسوله فندب المسلمين إلى قتله وهذا لم يكن معاهدا # فهذه الاحاديث كلها تدل على ان من كان يسب النبي ويؤذيه من الكفار فانه كان يقصد قتله ويحض عليه لاجل ذلك وكذلك
اصحابه بامره يفعلون ذلك مع كفه عن غيره ممن هو على مثل حاله في انه كافر غير معاهد بل مع امانه لاولئك او احسانه اليهم من غير عهد بينه وبينهم ثم من هؤلاء من قتل ومنهم من جاء مسلما تائبا فعصم دمه لثلاثة اسباب # احدها انه جاء تائبا قبل القدرة عليه والمسلم الذي وجب عليه حد لو جاء تائبا قبل القدرة عليه لسقط عنه فالحربي اولى # الثاني ان رسول الله كان من خلقه ان يعفو عنه # الثالث ان الحربي اذا اسلم لم يؤخذ بشيء مما عمله في الجاهلية لا من حقوق الله ولا من حقوق العباد من غير خلاف نعلمه لقوله تعالى ^ قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ^ ولقوله الإسلام يجب ما قبله رواه مسلم ولقوله من احسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية متفق عليه
ولهذا اسلم خلق كثير وقد قتلوا رجالا يعرفون فلم يطلب احدا منه بقود ولا دية ولا كفارة # اسلم وحشي قاتل حمزة وابن العاص قاتل ابن قوقل وعقبة بن الحارث قاتل خبيب بن
عدي ومن لا يحصى ممن ثبت في الصحيح انه اسلم وقد علم انه قتل رجلا بعينه من المسلمين فلم يوجب النبي على أحد منهم قصاصا بل قال يضحك الله إلى رجلين يقتل احدهما الاخر كلاهما يدخل الجنة يقتل هذا في سبيل الله فيدخل الجنة ثم يتوب الله على القاتل فيسلم ويقتل في سبيل الله فيدخل الجنة متفق عليه # وكذلك ايضا لم يضمن النبي احدا منهم مالا اتلفه للمسلمين ولا اقام على أحد حد زنى او سرقة او شرب او قذف سواء كان قد اسلم بعد الاسر او قبل الاسر وهذا مما لانعلم بين المسلمين فيه خلافا في روايته ولا في الفتوى به
بل لو اسلم الحربي وبيده مال مسلم قد اخذه من المسلمين بطريق الاغتنام ونحوه مما لا يملك به مسلم من مسلم لكونه محرما في دين الإسلام كان له ملكا ولم يرده إلى المسلم الذي كان يملكه عند جماهير العلماء من التابعين ومن بعدهم وهو معنى ما جاء عن الخلفاء الراشدين وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ومنصوص احمد وقول جماهير اصحابه بناء على ان الإسلام او العهد قرر ما بيده من المال الذي كان يعتقده ملكا له لانه خرج عن مالكه المسلم في سبيل الله ووجب اجره على الله واخذه هذا مستحلا له وقد غفر له بإسلامه ما فعله في
دماء المسلمين واموالهم فلم يضمنه بالرد إلى مالكه كما لم يضمن ما اتلفه من النفوس والاموال ولا يقضي ما تركه من العبادات لان كل ذلك كان تابعا للاعتقاد فلما رجع عن الاعتقاد غفر له ما تبعه من الذنوب فصار ما بيده من المال لا تبعة عليه فيه فلم يؤخذ منه كجميع ما بيده من العقود الفاسدة التي كان يستحلها من ربا وغيره # ومن العلماء من قال يرده على مالكه المسلم وهو قول الشافعي وابي الخطاب من الحنبلية بناء على ان اغتنامهم فعل محرم فلا يملكون به مال المسلم كالغصب ولانه لو اخذه المسلم منهم اخذا يملك به مسلم من مسلم بان يغنمه او يسرقه فانه يرد إلى مالكه المسلم لحديث ناقة النبي وهو مما اتفق الناس فيما نعلمه عليه ولو كانوا قد ملكوه كملكه الغانم منهم ولم يرده
والاول اصح لان المشركين كانوا يغنمون من اموال المسلمين الشئ الكثير من الكراع والسلاح وغير ذلك وقد اسلم عامة اولئك المشركين فلم يسترجع النبي من أحد منهم مالا مع ان بعض تلك الاموال لابد ان يكون باقيا # ويكفي في ذلك ان الله سبحانه قال ^ للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ^ وقال ^ اذن للذين يقاتلون ^ إلى قوله ^ الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق ^ وقال ^ وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه ^ وقال ^ انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ^ # فبين سبحانه ان المسلمين اخرجوا من ديارهم واموالهم بغير حق حتى صاروا فقراء بعد ان كانوا اغنياء # ثم ان المشركين استولوا على تلك الديار والاموال وكانت باقية إلى حين الفتح وقد اسلم من استولى عليها في الجاهلية ثم لم يرد النبي
على أحد منهم اخرج من داره بعد الفتح والإسلام دارا ولا مالا فان قيل للنبي يوم الفتح الا تنزل في دارك فقال وهل ترك لنا عقيل من دار # وساله المهاجرون ان يرد عليهم اموالهم التي استولى عليها اهلى مكة فابى ذلك واقرها بيد من استولى عليها بعد إسلامه # وذلك ان عقيل بن أبي طالب بعد الهجرة استولى على دار النبي ودور اخوته من الرجال والنساء مع ما ورثه من ابيه أبي طالب # قال أبو رافع قيل للنبي الا تنزل منزلك من الشعب قال فهل ترك لنا عقيل منزلا وكان عقيل قد باع منزل رسول الله ومنزل اخوته من الرجال والنساء بمكة
وقد ذكر اهل العلم بالسيرة منهم أبو الوليد الازرقي ان رباع عبد المطلب بمكة صارت لبني عبد المطلب فمنها الشعب شعب ابن يوسف وبعض دار ابن يوسف لابي طالب والحق الذي بينه وبعض دار ابن يوسف دار المولد مولد النبي وما حوله لأبي لنبي عبد الله بن عبد المطلب # ولا ريب ان النبي كانت له هذه الدار ورثه من ابيه وبها ولد وكان له دار ورثها هو وولده من خديجة رضى الله عنها # قال الازرقي فسكت النبي عن مسكنيه كليهما مسكنه الذي ولد فيه ومسكنه الذي ابتنى فيه بخديجة بنت خويلد وولد فيه ولده جميعا
قال وكان عقيل بن أبي طالب اخذ مسكنه الذي ولد فيه واما بيت خديجة فاخذه معتب بن أبي لهب وكان اقرب الناس اليه جوارا فباعه بعد من معاوية # قد شرح اهل السيرة ما ذكرنا في دور المهاجرين # قال الازرقي دار جحش بن رئاب الاسدي التي بالمعلى لم تزل في يد وللد جحش فلما اذن الله لنبيه واصحابه في الهجرة إلى المدينة خرج ال جحش جميعا الرجال والنساء إلى المدينة مهاجرين وتركوا دارهم خالية وهم حلفاء حرب بني امية فعمد أبو سفيان إلى دارهم هذه فباعها باربع مئة دينار من عمرو بن علقمة العامري فلما بلغ ال جحش انا أبا سفيان باع دارهم انشا أبو احمد يهجوا أبو سفيان ويعيره ببيعها وذكر ابياتا
فلما كان يوم فتح مكه اتى أبو احمد بن جحش وقد ذهب بصره إلى رسول الله فكلمه فيها فقال يارسول الله ان أبا سفيان عمد إلى داري فباعها فدعاه النبي فكلمه فيها فساره بشئ فما سمع أبو احمد بعد ذلك ذكرها فقيل لابي احمد بعد ذلك ما قال لك رسول الله قال قال لي ان صبرت كان خيرا وكان لك بها دار في الجنة قال قلت فانا اصبر فتركها أبو احمد # قال وكان لعتبة بن غزوان دار تسمى ذات الوجهين فلما هاجر اخذها يعلي بن امية وكان استوصاه بها حين هاجر فلما كان عام الفتح وكلم بنو جحش رسول الله في دارهم فكره ان يرجعوا في شئ من اموالهم اخذ منهم في الله تعالى وهجروه لله # امسك عتبة بن غزوان عن كلام رسول الله في داره هذه ذات
الوجهين وسكت المهاجرون ولم يتكلم أحد منهم في دار هجرها لله ورسوله وسكت رسول الله عن مسكنه الذي ولد فيه ومسكنه الذي ابتنى فيه بخديجة وهذه القصة معروفة عند اهل العلم # قال محمد بن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر ببن حزم والزبير ابن عكاشة بن أبي احمد قالا ابطا رسول الله يوم الفتح عليهم في دورهم فقالوا لابي احمد ياابا احمد ان رسول الله يكره لكم ان ترجعوا في شيء من اموالكم مما اصيب في الله # وقال ابن اسحاق ايضا في رواية زياد بن عبد الله البكائي عنه وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله فلم يبقى أحد منهم بمكة الا مفتون او محبوس ولم يوعب اهل هجرة من مكة باهليهم أموالهم إلى الله والى رسوله الا اهل دور مسمون بنو مظعون من بني جمح وبنو جحش بن رئاب حلفاء بني امية وبنو البكير من بني سعد بن ليث حلفاء عدي بن كعب فان دورهم غلقت بمكة هجرة ليس فيها ساكن # ولما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم عدا عليها أبو سفيان بن حرب فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم ذكر ذلك عبد الله بن جحش لرسول الله فقال رسول الله الا ترضى ياعبد الله ان يعطيك الله بها دارا خيرا منها في الجنة فقال بلى فقال ذلك لك فلما افتتح رسول الله مكة كلمه أبو احمد في دارهم فابطا عليه رسول الله فقال الناس لابي احمد يا أبا احمد ان رسول الله يكره ان ترجعوا في شيء من اموالكم اصيب منكم في الله فامسك عن كلام رسول الله # قال الواقدي عن اشياخه قالوا وقام أبو احمد بن جحش على باب المسجد على جمل له حين فرغ النبي من خطبته يعني الخطبة التي خطبها وهوواقف بباب الكعبة حين دخل الكعبة فصلى فيها ثم خرج يوم الفتح فقال أبو احمد وهو يصيح انشد بالله يا بني عبد مناف حلفي انشد بالله يا بني عبد مناف داري قال فدعا رسول الله عثمان بن عفان فسار عثمان بشيء فذهب عثمان إلى أبي احمد فساره فنزل أبو احمد عن بعيره وجلس مع القوم فما سمع أبو احمد ذكرها حتى لقي الله فهذا نص في ان المهاجرين طلبوا استرجاع ديارهم فمنعهم رسول الله واقرها بيد من استولى عليها ومن اشتراها منه وجعل ما اخذه منهم الكفار بمنزلة ما اصيب من دمائهم وما انفقوه من اموالهم وتلك دماء واموال اشتراها الله وسلمت اليه ووجب اجرها على الله فلا رجعة فيها وذلك لان المشركين يستحلون دماءنا واموالنا واصابوا ذلك كله استحلالا وهم اثمون في هذا الاستحلال فاذا اسلموا جب الإسلام ذلك الاثم وصاروا كانهم ما اصابوا دما ولا مالا فما بايديهم لا يجوز انتزاعه منهم # فان قيل في الصحيحين عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه انه قال يارسول الله اتنزل في دارك بمكة قال وهل ترك لنا عقيل من رباع او دور وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لانهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين وفي رواية للبخاري انه قال يارسول اين تنزل غدا وذلك زمن الفتح فقال وهل ترك لنا عقيل من منزل ثم قال لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر قيل للزهري ومن ورث أبا طالب قال ورثه عقيل وطالب وفي رواية معمر عن الزهري اين تنزل غدا في حجته رواه البخاري # وظاهر هذا ان الدور انتقلت إلى عقيل بطريق الارث لا بطريق الاستيلاء ثم باعها # قلنا اما دار النبي التي ورثها من ابيه وداره التي هي له ولولده من زوجته المؤمنة خديجة فلا حق لعقيل فيها فعلم انه استولى عليها واما دور أبي طالب فان أبا طالب توفي قبل الهجرة بسنين والمواريث لم تفرض ولم يكن نزل بعد منع المسلم من ميراث الكافر بل كان من مات بمكة من المشركين اعطي اولاده المسلمون نصيبهم من الارث كغيرهم بل كان المشركون ينكحون المؤمنات الذي هو أعظم من الارث وانما قطع الله الموالاة بين المسلمين والكافرين بمنع النكاح والارث وغير ذلك بالمدينة وشرع الجهاد القاطع للعصمة
قال ابن اسحاق حدثني ابن أبي نجيح قال لما قدم رسول الله مكة نظر إلى تلك الرباع فما ادرك منها قد اقتسم على امر الجاهلية تركه لم يحركه وما وجده لم يقسم قسمة على قسمة الإسلام # وهذا الذي رواه ابن أبي نجيح يوافق الاحاديث المسندة في ذلك مثل حديث ابن عباس قال قال رسول الله كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ماقسم وكل قسم ادركه الإسلام فانه على ما قسم الإسلام رواه أبو داود وابن ماجه # وهذا ايضا يوافق ما دل عليه كتاب الله ولا نعلم فيه خلافا فان الحربي لو عقد عقدا فاسدا من ربا او بيع خمر او خنزير او نحو ذلك ثم اسلم بعد قبض العوض لم يحرم ما بيده ولم يجب عليه رده ولو لم يكن قبضة لم يجز له ان يقبض منه الا ما يجوز للمسلم كما دل عليه قوله تعالى ^ اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين ^ فامرهم بترك ما بقي في ذمم الناس ولم يامرهم برد ما قبضوه
وكذلك وضع النبي لما خطب الناس كل دم اصيب في الجاهلية وكل ربا في الجاهلية حتى ربا العباس ولم يامر برد ما كان قبض فكذلك الميراث اذا مات الميت في الجاهلية واقتسموا تركته امضيت القسمة فان اسلموا قبل الاقتسام او تحاكموا الينا قبل القسمة قسم على قسم الإسلام فلما مات أبو طالب كان الحكم بينهم ان يرثه جميع ولده فلم يقتسموا رباعة حتى هاجر جعفر وعلي إلى المدينة فاستولى عقيل عليها وباعها فقال النبي لم يترك لنا عقيل منزلا الا استولى عليه وباعه فكان معنى هذا الكلام انه استولى على دور كنا نستحقها اذ ذاك ولولا ذلك لم تضف الدور اليه والى بني عمه اذا لم يكن لهم فيها حق ثم قال بعد ذلك لا يرث المؤمن الكافر ولا الكافر المؤمن يريد والله اعلم لو ان الرباع باقية بيده إلى الان
لم تقسم لكنا نعطي رباع أبي طالب كلها له دون اخوته لانه ميراث لم يقسم فيقسم الان على قسم الإسلام ومن قسم الإسلام ان لا يرث المسلم الكافر فكان نزول هذا الحكم بعد موت أبي طالب وقبل قسمة تركته بمنزله نزوله قبل موته فبين النبي ان عليا وجعفرا ليس لهما المطالبة بشيء من ميراث أبي طالب لو كان باقيا فكيف اذا اخذ منه في سبيل الله فاذا كان المشرك الحربي لايطالب بعد إسلامه بما كان اصابه من دماء المسلمين واموالهم وحقوق الله ولا ينتزع ما بيده من اموالهم التي غنمها منهم لم يؤاخذ ايضا بما اسلفه من سب وغيره فهذا وجه العفو عن هؤلاء # وهذا الذي ذكرناه من سنة رسول الله في تحتم قتل من كان يسبه من المشركين مع العفو عمن هو مثله في الكفر كان مستقرا في نفوس اصحابه على عهده وبعد عهده يقصدون قتل الساب ويحرضون عليه وان امسكوا عن غيره ويجعلون ذلك هو الموجب لقتله ويبذلون في ذلك نفوسهم كما تقدم من حديث الذي قال سبني وسب أبي وامي وكف عن رسول الله ثم حمل عليه حتى قتل وحديث الذي قتل اباه لما سمعه يسب النبي وحديث الانصاري الذي نذر ان يقتل العصماء فقتلها وحديث الذي نذر ان يقتل ابن أبي سرح وكف النبي عن مبايعته ليوفي بنذره
وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال اني لواقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وعن شمالي فاذا انا بغلامين من الأنصار حديثة اسنانهما فتمنيت ان اكون بين اضلع منهما فغمزني احدهما فقال اي عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك اليه يا أبا ابن أخي قال اخبرت انه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لئن رايته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الاعجل منا قال فتعجبت لذلك قال وغمزني الاخر فقال لي مثلها فلم انشب ان نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت الا تريان هذا صاحبكما الذي تسالاني عنه قال فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله فاخبراه فقال ايكما قتله فقال كل واحد سنهما انا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما فقال لا فنظر رسول الله إلى السيفين فقال كلاكما قتله وقضى رسول الله بسلبه لمعاذ بن عمرو الجموح والرجلان معاذ
ابن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء # والقصة مشهورة في فرح النبي بقتله وسجوده شكرا وقوله هذا فرعون هذه الامة هذا مع نهيه عن قتل أبي البختري ابن هشام مع كونه كافرا غير ذي عهد لكفه عنه واحسانه بالسعي في نقض صحيفة الجور ومع قوله لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى يعني الاسرى لاطلقتهم له يكافيء المطعم باجارته له بمكة والمطعم كافر غير معاهد فعلم ان مؤذي الرسول يتعين اهلاكه والانتقام منه بخلاف الكاف عنه وان اشتراكا في الكفر كما كان يكافيء المحسن اليه باحسانه وان كان كافرا # يؤيد ذلك ان أبا لهب كان له من القرابة ماله فلما اذاه وتخلف عن بني هاشم في نصره نزل القران فيه بما نزل من اللعنة والوعيد باسمه خزيا لم يفعل بغيره من الكافرين كما روي عن ابن عباس انه قال ما كان أبو لهب الا من كفار قومه حتى خرج منا حين تحالفت قريش علينا فظاهرهم فسبه الله وبنو المطلب مع مساواتهم لعبد شمس ونوفل في النسب لما اعانوه ونصروه وهم كفار شكر الله ذلك لهم فجعلهم بعد الإسلام مع بني هاشم في سهم ذوي القربى وابو طالب لما اعانه ونصره وذب عنه خفف عنه العذاب فهو من اخف اهل النار عذابا وقد روي ان أبا لهب سقي في نقرة الابهام لعتقه ثويبة اذ بشرته بولادته # ومن سنة الله ان من لم يمكن المؤمنين ان يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فان الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه اياه كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكتاب المفترى وكما قال سبحانه ^ فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين ^ والقصة في اهلاك الله واحدا واحدا من هؤلاء المستهزئين معروفة قد ذكرها اهل السير والتفسير وهم على ماقيل نفر من رؤوس قريش منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والاسودان بن المطلب وابن عبد يغوث والحارث بن قيس # وقد كتب النبي إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم لكن قيصر اكرم كتاب رسول الله واكرم رسوله فثبت ملكه فيقال ان الملك باق في ذريته إلى اليوم وكسرى مزق كتاب رسول الله واستهزا برسول الله فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق ولم يبق للاكاسرة ملك وهذا والله اعلم تحقيق قوله تعالى ^ ان شانئك هو الابتر ^ فكل من شناه او ابغضه وعاداه فان الله تعالى يقطع دابره ويمحق عينه واثره وقد قيل انها نزلت في العاص بن وائل او في عقبة بن أبي معيط او في كعب بن الاشرف وقد رايت صنيع الله بهم # ومن الكلام السائر لحوم العلماء مسمومة فكيف بلحوم الانبياء عليهم السلام # وفي الصحيح عن النبي قال يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة # فكيف بمن عادى الانبياء ومن حارب الله حرب واذا استقريت قصص الانبياء المذكورة في القران تجد اممهم انما اهلكوا حين اذوا الانبياء وقابلوهم بقبيح القول او العمل وهكذا بنو إسرائيل انما ضربت عليهم الذلة وباؤوا بغضب من الله ولم يكن لهم نصير لقتلهم الانبياء بغير حق مضموما إلى كفرهم كما ذكر الله ذلك في كتابه ولعلك لاتجد احدا اذى نبيا من الانبياء ثم لم يتب الا ولا بد ان يصيبه الله بقارعة وقد ذكرنا ما جربه المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار اذا تعرضوا لسب رسول الله وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة وهذا باب واسع لا يحاط به ولم نقصد قصده هنا وانما قصدنا بيان الحكم الشرعي # وكان سبحانه يحميه ويصرف عنه اذى الناس وشتمهم بكل طريق حتى في اللفظ ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله الا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وانا محمد فنزه الله اسمه ونعته عن الاذى وصرف ذلك إلى من هو مذمم وان كان المؤذي انما قصد عينه
فاذا تقرر بما ذكرناه من سنة رسول الله وسيرة اصحابه وغير ذلك ان الساب للرسول يتعين قتله فنقول اما ان يكون تعين قتله لكونه كافرا حربيا او للسبب المضموم إلى ذلك والاول باطل لان الاحاديث نص في انه لم يقتل لمجرد كونه كافرا حربيا بل عامتها قد نص فيه على ان موجب قتله انما هو السب فنقول اذا تعين قتل الحربي لاجل انه سب النبي فكذلك المسلم والذمي واولى لان الموجب للقتل هو السب لا مجرد الكفر والمحاربة كما تبين فحيثما وجد هذا الموجب وجب القتل وذلك لان الكفر مبيح للدم لا موجب لقتل الكافر بكل حال فانه يجوز امانة ومهادنته والمن عليه ومفاداته لكن اذا صار للكافر عهد عصم العهد دمه الذي اباحه الكفر فهذا هو الفرق بين الحربي والذمي فاما ما سوى ذلك من موجبات القتل فلم يدخل في حكم العهد # وقد ثبت بالسنة ان النبي كان يامر بقتل الساب لاجل السب فقط لا لمجرد الكفر الذي لا عهد معه فاذا وجد هذا السب وهوموجب للقتل والعهد لم يعصم من موجبه تعين القتل ولان أكثر مافي ذلك انه كافر حربي ساب والمسلم اذا سب يصير مرتدا سابا وقتل المرتد اوجب من قتل الكافر الاصلي والذمي اذا سب فانه يصير كافرا محاربا سابا بعد عهد متقدم وقتل مثل هذا اغلظ
لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ
قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ
وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ
ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع
المفضلات